قائمة المنشورات


 المنشورات


 العودة إلى المنتدى

نوسا البحر   

صمت من أجل غزّة نص محمود درويش

hassanbalam | تم النشر بتاريخ 2023-10-14, 10:52 pm | 47 مشاهدة


تحيط خاصرتها بالألغام..وتنفجر ..لاهو موت..ولا هو انتحار .انه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة .مند أربع سنوات ولحم غزة يتطاير شظايا قذائف لاهو سحر ولا هو أعجوبة .انه سلاح غزة في الدفاع عن بقائها وفي استنزاف العدو.ومند أربع سنوات والعدو مبتهج بأحلامه ..مفتون بمغازلة الزمن..إلا في غزة
لان غزة بعيدة عن أقاربها ولصيقة بالأعداء..لان غزة جزيرة كلما انفجرت وهي لاتكف عن الانفجار خدشت وجه العدو وكسرت أحلامه وصدته عن الرضا بالزمن.
لان الزمن في غزة شي أخر..لان الزمن في غزة ليس عنصرا محايدا انه لايدفع الناس إلي برودة التأمل.ولكنه يدفعهم إلي الانفجار والارتطام بالحقيقة.الزمن هناك لا ياخد الأطفال من الطفولة إلي الشيخوخة ولكنه يجعلهم رجالا في أول لقاء مع العدو..ليس الزمن في غزة استرخاء ولكنه اقتحام الظهيرة المشتعلة ..لان القيم في غزة تختلف ..تختلف..تختلف ..القيمة الوحيدة للإنسان المحتل هي مدي مقاومته للاحتلال هده هي المنافسة الوحيدة هناك.
وغزة أدمنت معرفة هده القيمة النبيلة القاسية ..لم تتعلمها من الكتب ولا من الدورات الدراسية العاجلة ولا من أبواق الدعاية العالية الصوت ولا من الأناشيد.لقد تعلمتها بالتجربة وحدها وبالعمل الذي لايكون الأمن اجل الإعلان والصورة.
إن غزة ل تباهي بأسلحتها وثوريتها وميزانيتها إنها تقدم لحمها المر وتتصرف بإرادتها وتسكب دمها .وغزة لاتتقن الخطابة..ليس لغزة حنجرة ..مسام جلدها هي التي تتكلم عرقا ودما وحرائق.
من هنا يكرهها العدو حتى القتل .ويخافها حتى الجريمة .ويسعي إلي إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم .من هنا يحبها أقاربها وأصدقاؤها علي استحياء يصل إلي الغيرة والخوف أحيانا .لان غزة هي الدرس الوحشي والنموذج المشرق للأعداء والأصدقاء علي السواء.
ليست غزة أجمل المدن..
ليس شاطئها اشد زرقة من شواطئ المدن العربية
وليس برتقالها أجمل برتقال علي حوض البحر الأبيض
وليست غزة اغني المدن..
وليست ارقي المدن وليست اكبر المدن .ولكنها تعادل تاريخ امة .لأنها اشد قبحا في عيون الأعداء.وفقرا وبؤسا وشراسة .لأنها أشدنا قدرة علي تعكير مزاج العدو وراحته .لأنها كابوسه .لأنها برتقال ملغوم .وأطفال بلا طفولة وشيوخ بلا شيخوخة .ونساء بلا رغبات .لأنها كذلك فهي أجملنا واصفانا وأكثرنا جدارة بالحب.
نظلمها حين نبحث عن أشعارها فلا نشوهن جمال غزة.أجمل مافيها أنها خالية من الشعر.في وقت حاولنا إن ننتصر فيه علي العدو بالقصائد فصدقنا أنفسنا وابتهجنا حين رأينا العدو يتركنا نغنى..وتركناه ينتصر ثم جففنا القصائد عن شفاهنا.فرأينا العدو وقد أتم بناء المدن والحصون والشوارع.
ونظلم غزة حين نحولها إلي أسطورة لأننا سنكرهها حين نكتشف لأنها ليست أكثر من مدينة فقيرة صغيرة تقاوم
وحين نتساءل : ما الذي جعلها أسطورة?
سنحطم كل مرايانا ونبكي لو كانت فينا كرامة أو نلعنها لو رفضنا نثور علي أنفسنا.
ونظلم غزة لو مجدناها لان الافتتان بها سياخدنا إلي حد الانتظار .وقد لا تجيء إلينا .غزة لاتحررنا .ليست لغزة خيول ولا طائرات ولا عصا سحرية ولا مكاتب في العواصم .إن غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ومن غزاتها في وقت واحد وحين نلتقي بها ذات حلم ربما لن تعرفنا غزة من مواليد النار ونحن من مواليد الانتظار والبكاء علي الديار.
صحيح أن لغزة ظروف خاصة وتقاليد ثورية خاصة ولكن سرها ليس لغزا: مقاومتها شعبية متلاحمة تعرف مادا تريد "تريد طرد العدو من ثيابها" وعلاقة المقاومة فيها بالجماهير هي علاقة الجلد بالعظم .وليست علاقة المدرس بالطلبة.
لم تتحول المقاومة في غزة إلي وظيفة ولم تتحول المقاومة في غزة إلي مؤسسة .لم تقبل وصاية احد ولم تعلق مصيرها علي توقيع احد أو بصمة احد.ولايهمها كثيرا أن نعرف اسمها وصورتها وفصاحتها لم تصدق انها مادة إعلامية .لم تتأهب لعدسات التصوير ولم تضع معجون الابتسام علي وجهها.
لاهي تريد..ولانحن نريد
من هنا تكون غزة تجارة خاسرة للسماسرة ومن هنا تكون كنزا معنويا وأخلاقيا لايقدر لكل العرب.


ومن جمال غزة إن أصوتنا لاتصل إليها ولاشيء يشغلها لاشيء يدير قبضتها عن وجه العدو .لأشكال الحكم في الدولة الفلسطينية التي سننشئها علي الجانب الشرقي من القمر .أو علي الجانب الغربي من المريخ حين يتم اكتشافه .إنها منكبه علي الرفض ..الجوع والرفض والعطش والرفض والتشرد والرفض والتعذيب والرفض والحصار والرفض والموت والرفض.
قد ينتصر الأعداء علي غزة "وقد ينتصر البحر الهائج علي جزيرة وقد يقطعون كل أشجارها"
قد يكسرون عظامها
قد يزرعون الدبابات في أحشاء أطفالها ونسائها وقد يرمونها في البحر أو الرمل أو الدم ولكنها لن تكرر الاكاديب ولن تقول للغزاة:نعم
وستستمر في الانفجار
لاهو موت ولاهو انتحار ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة..
وستستمر في الانفجار
لاهو موت ولاهو انتحار ولكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة..

نبذة عن الكاتب