آخر المساهمات
2024-05-04, 8:54 am
2024-05-04, 8:53 am
2024-05-04, 8:49 am
2024-04-28, 10:02 pm
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-02, 5:16 am
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

شعر وقصائد سيف الرحبى ,ديوان سيف الرحبى dvd

متصلhassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11555
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : شعر وقصائد سيف الرحبى ,ديوان سيف الرحبى dvd 15781612
شعر وقصائد سيف الرحبى ,ديوان سيف الرحبى dvd Icon_minitime 2014-04-01, 1:16 pm
شعر وقصائد سيف الرحبى ,ديوان سيف الرحبى dvd 1395236147-54311553253912979391897432387n

أيها الطفل الأزليّ
كنتَ مع الغربان والحمائم على وجه الغَمْر
وها أنت في المدينة تلعب
مع أطفال البشَر...
يا عصفور الدُوريّ العزيز (منذ الطفولة) أصحبك بنظراتِ الإعجاب والتقدير، وفي أطوار العمر المختلفة، حتى هذه اللحظة (أمام مؤسسة عُمان للصحافة)، التي أتأملك فيها، تنقر الحبَّ بمرحٍ على بساط العشب الأخضر، برغم حرارة الطقس البالغة، على رغم تحسنه عن الأعوام السابقة.. حزام نخيل يصافح طلائع الريح البحريّة، بعذوقه المصفرّة والمحمرّة، يحيط كالإسورة بالمكان... أي قدرةٍ أودعها الخالقُ في جسدك الصغير، على التكيّف الأقصى والمواجهة؟، من طقس الصحراء الراعب حتى البلاد الاستوائيّة، وقطب العالم جنوباً وشمالاً... أنت بهيئتك التي لا تتغير ورعونتك الأكثر عمقاً بين أجناس الطيور المسالمة.
أيها المواطن الكوني
ها أنا الآن في باريس، على جاري العادة تنقر العشبَ، حيث تتقاطع روافد نهر السين، رفرفتَ على الكرسيّ الذي أجلس عليه، بمحبّة الطفولة وألقها، أعطيتُك من زادي، وكنتَ على قناعة المتعالي بالقليل، لم تكن جائعا أيها الدوريّ النِشط... دورة الروح في عروق النهر وفي الفضاءات التي ستقطعها مدُناً، قرى وسهوباً، لم تكن جائعا أيها الدوريّ، لكنك تعزف موسيقى الحب والصداقة، في انسياب الرفيف وفي خَطْمك الرمادي المائل إلى السواد كلطخة القمر في الليالي العاصفة... رسالتك سلام الروح، وعلى مقربة يتجمع القتلَة، في سراديب غاصّة بالأسلحة ثم يتنزهون بشوارع غاصّة بالجموع في مقتلة الصباح الأولى...
أيها الدوري، يا جسماً نورانياً متشظياً في كل الأرجاء والمتاهات..
***
إنني لا أتعب من الثناء عليك أيها الدُوريّ، فعلى شجرة (الفرصاد) في بيتنا القديم الضارب في الزمان، حيث الأوديَة والضفادع في الليل العُماني البهيم، حيث الأسراب من جنسك التليد تحوم جيئةً وذهابا، ضاجّة بين أغصان الشجرة ومداراتها، حين الظهيرةُ تبني أعشاشها والصِبية بجلود قنْصهم معبّئين بلهيب اليقظة الجبليّة..
وكانت أسراب العصافير واليمام البريّ الذي يغطي برفيف خلوده المكانَ وفي ذاكرة الأطفال والقوافل المترحلة أمام العيون الراصدة من شرُفات الصلصال..
لا أضجر من مديحك أيها الدُوري العزيز
فها أنت تطوي المسافة والزمان.
***
يداعب الموتُ الوجوهَ والشعور المسترسلةَ على ضفاف النهر نسيماً عذباً يمرّر أنامله، ومودعاً على أمل اللقاء في صدفةٍ تطول أو تقصر، لكنها قادمة..
***
تشرق الشمس، خيط شمسٍ يشرقُ على ضفاف النهر المتدفق في بساتين السماوات ، وفي خيال الأطفال الحالمين بين الجدران الشديدة التكييف، لصَدّ جيوش الشمس، (كانت بعض الحضارات اليمنيّة القديمة تعبد الشمسَ، ربما كانت رحيمة آنذاك أو خوفاً من تعاظم سطوتها الساحقة)... وفي خيال البدائيين، النهر يحتضن الجميع بالحنان المحتشد والياسمين.
***
وصل إلى المدينة ليلاً.. في الصباح الباكر بعد القهوة المرّة و (الكرواسون) والخبز المحمّص، جالَ على خلائقه الحميمة: المقهى المجاور للكنيسة، النهر المتحدِّر شمالاً حتى أعماق الشعوب الغالية، الحديقة الكبيرة التي ما زالت تستيقظ من النوم نافضةً عن أغصانها أمطار العصور..
المشهد ما زال على حالِه، أو يبدو كذلك، العَدم منتفضاً كقطيع كباش لحظة صحوٍ مسترسلاً في نهر الهذيان... هو القادم من صيف الجنوب اللافح، مملوءاً بطعناتِ الغدْر وأثقال الكلام، يفكر انه عابر بسرعة حلم سعيد، هو المقيم في الذاكرة وأهوال المجزرة.. لكنه لن يترك الأمر يمر هكذا.. من غير أن يُمسك بهذه الهنيهة التي يراها تركض أمامه كحيوان شريدٍ يبحث عن أنثى وملاذ، سيقود الحيوانَ من قرنيه نحو المقهى والغرفة والحديقة..
يا حيواناً يتنزّه وعيناه مُغْمضتان من فرط اللذة بين الجبال الخضراء والشِعاب، يا طيراً ردّدت أغانيه الغابةُ والذاكرة.
***
هذا (الكلوشار) أو المتشرد، يستلّ سِكيناً على زميله حيث لا سقف يؤويهما ولا عائلة، في هذا العراء الذي يقطرُ دماً، يخور المتشرد خوار الثور الهائج وفي يده السكين، في حديقة (أبولينير) بوجهه الأنثوي، على الجدار الذي تنهض عليه كنيسة السان جيرمان، يهوي المتشرّد على قرينه، الدم يصبغ الأفق الذي تعبره سحبٌ قاتمة.. هذا المكان الباريسي الأنيق ببيوت الفنون والمتاحف والأزياء الراقية.. الحروب في كل مخدع ومكان، ربما المكان نفسه شهد مجازر في العهود البعيدة للزمن الأوروبيّ، ربما سالت دماء كثيرة، ذُبح أسرى وانتحبتْ أرامل.. المتشردون يتجمعون وسط الخوار والدم، الحمام الكنسيّ ينقر الحب على موج العشب الأخضر، والمارّة بالغو الأناقة والكياسةِ يعبرون.
***
تطلّعتْ نحو النافورة حيث كان يقف، محدّقاً في الماء المتدفق إلى الحوض، أسماك رعناء رعونة البهجة والسفاد، وثمة متشرّد أثخنه السُكر والجراح يغطُ في نومه بين الزجاجات الفارغة والحطام.. كانت في الحديقة وحيدةً تقلب كتاباً مغلفاً بالأزرق النيلي، ذلك اللون الذي يشبه لونَ لباس البدويّات في صحارى الجزيرة.. كانت وحيدة كأنما جمال الكون كله، يجلس محتشداً في الحديقة، الجمال القلِق من أمر غامض ومخيف.
نظرتْ نحوه وتلاشتْ مختفية في شِغافِ الغياب والمجهول.
***
في اليوم الثاني جاء إلى الحديقة التي يستهل بها نزهة الصباح، نفسُه المشتاقة دوماً إلى لقاء الغياب. وجد النافورة والأسماك التي تحوّلت إلى كباش أنهكها السفاد. وذلك المتشرد الذي أخذ في الصَحو، مادّا يده إلى الزجاجة يرتشف القاعَ والثمالة والغياب.
***
تمنّى لو كان له خمسون عمراً من الشقاء، كي تمنَّ عليه الصدفةُ من جديد بلقاء تلك المرأة، باحتضانها والذوبان في ضفاف بحارها البعيدة، عمر لقمان، عمر الصخرة الغافية في وادٍ من أودية، عُمان، تقرعها الحوادث (بعصا المشقّر) كل ثانية ولحظة، فقط كي يصل إلى أهداب تلك اللحظة الأبدية.
***
ليس البحر ما يخسر، وهو يحمل على ظهره السفن والأسلحة التي يبيد البشر بها بعضَهم بعضاً، ربما يتألم أو يقينا يتألم، هذه الشفافية وهذا الجمال لا يليق به إلا الألم العميق أمام أي عمل عدوانيّ مُنَفّر. لكنه وبحكم قوة العناصر، يعود إلى القول، ان البشر حسب خبرته التي تمتد في الآماد والآزال، هم هكذا منذ ميلادهم على هذه الأرض، ومن شهد ميلادها قبلهم.. وله من الكرم والعطاء اللامحدودين على الطبيعة بأكملها ما يتجاوز هذه التفصيلة البشعة في عمره المديد.
***
بعد لحظة فكّر، أما كان من الأفضل والأجدى، أن مات لحظة الولادة أو قبلها حين ما زال جنينا في بطن الحامل التي قضتْ حزناً وألماً، من جحيم ذلك الوَجْد الذي يحلم بالعصيّ والمستحيل.. أم أن الأمر برمّته ليس إلا تسلية، قوة قاهرة كليّة.. تسلية الطفل الذي يصنع ألعابه، قصورَه وقلاعه الرمليّة ، ليعود على الفور إلى تحطيمها ضاحكاً، وهي تتلاشى على إيقاع الموج والريح.
***
في الصباحات المفعَمة بالغيوم والضباب النهريّ، أتبع خيط هذياناتي الممتد من سهرة البارحة بمحاذاة النهر، نحو (اللوكسومبرج) أتطلّّع في وجوه الغربيين الممتعضة من هذا الصيف الشتائي، وكذلك المقيمين من عرب وغيرهم، ولا أخفي نوعا من سعادة إزاء هذا السخط والامتعاض، وأقول في سريرتي أو جهراً حيث لا أحد يسمع أحداً أو يراقب، ما أجمل هذا الإحساس بالانطلاق والحريّة (يا أولاد....) لاشك انكم تجهلون ماذا يعني هذا الطقس الغائم الممطر لكائن مثلي لا يحلم بجنّةٍ سواه... أنتم تنعمون في هذه (العاجلة) بنعيم الطبيعة وسخائها اللامحدودين، وبالدساتير الحرّة التي تجعل رئيس الجمهوريّة يتساوى مع الفرد العادي أمام القانون. فضاءات التعبير والإبداع، يقيناً انكم دفعتم أثماناً فادحة كي تصلوا إلى هذه البرهة من التاريخ... غيركم أيضا ما زال يدفع أثماناً دمويّة فظيعة، لكن ليس من طائر يعبر ذلك الأفق المحتشد بالظلمة والمجازر الناطقة الزاعقة أو تلك الصامتة صمت المشيّعين في جنازة الأرض الأخيرة..
(مثل تلك الأراضي تغري بحلم الفراديس الموعودة) أو العكس بالموت العدميّ القاسي من غير أمل ولا عودة..
ان تمشي بمحاذاة النهر ترقب تويجات الأمواج الصغيرة تتفتّح كالأزهار في البساتين والخمائل المحيطة بالنهر من المنابع السماوية وحتى المصبّات البحريّة.. أمداء مائيّة خضراء متلاطمة تصل السماء بالأرض في نشوة روحيّة تشبه (النيرفانا) حيث تضمحل المتناقضات والصراعات في هذه المنطقة الصوفيّة المتناغمة.
تعبر بواخر النهر السياحيّة باستمرار معبأة بالأطفال حيث موسم العطل الرسميّة، يلوّحون بأيديهم الصغيرة الجذْلى على المارة في الضفاف والأرصفة، يضحكون ويصخبون.. يتذكر في هذه اللحظة أطفال سورية والبلاد المنكوبة، فهؤلاء لا يعرفون عنهم شيئا، عن التشريد والقتل وكافة أنواع الاستباحة والاغتصاب.. طفولة الكون اقتُلعت من جذورها، لم تعدْ هناك طفولة مشترَكة بين البشر، صارت برهةً في الماضي يحاول الفن والأدب استعادتها في بروق خاطفة وومضات. الحاضر مقذوف في صحراء الدم والفرقة والكراهيات على رغم الكثير من المؤسسات «الأمميّة» والأفراد التي تظل عاجزة، حين تبلغ الصراعات والحروب أقصى وحشيّتها، ويبقى أصحاب القدرة والسطوة وقول كلمة الفصْل صامتين صمتاً متواطئاً منفعياًَ، يلطخ وجه الحضارة والدعاوى الإنسانية، بالعار، تاريخ الإنسانية، عار مكثّف، حسب (نيتشه)، وهناك خارج تلك المؤسسات ومن لهم نوع من صلة بها، في العالم العربي وغيره، من يقدم الدعم للأطفال والمنكوبين والمشردين، وهو ليس إلا قناع لجرائمهم ونهبهم للجماعات والشعوب فيما يشبه غسيل الأموال الأكثر قذارةً وبشاعة. فكيف بالسفّاح الظالم، تاجر السلاح والمخدّرات، وسارق الأموال العامة أن يقوم بهكذا عمل إنساني نبيل؟! وبعضهم يعمّر دُوراً للعبادة ودوراً للأيتام والمعوقين بعد التسبب في القتل والإعاقة.. هؤلاء أنفسهم من يبعث بسيارات الإسعاف والأطباء والأدوية في ساحة الحروب التي يتقاتل فيها الفرقاء، بعد أن باعوهم الأسلحة التدميريّة والأغذية الفاسدة، فيما يشبه السخرية البليدة، ليس من البشر الذين ينسجم الجزء الأكبر منهم مع هذا السلوك، وإنما مع العليّ القدير الذي يعلم كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون الشاسع وما تكنه الصدور والنفوس، في هذا السياق من التطور المصحوب بانحطاط القيم الروحيّة والأخلاقيّة، يستحيل البشر والمجتمعات الى حظائر لافتراس قيم (سوق الأوراق الماليّة) فتعلو عبادة المال وأنماط سلوكه فوق كل عبادة وسلوك. هكذا في المجتمعات المتحضرة ودولها الممسكة بمصائر العالم والكون، حتى تلك التابعة والمحكومة بأقنعة ولافتات شتى، وهذه أكثر ضراوة في النهب والاستباحة، إذ تغيب فيها القوانين الحقيقيّة الملزمة والرأي العام الفاعل والمؤسسات فوجودها وعدمه سواء على صعيد الفعالية والتأثير.. إن مناطق النبل والشرف الإنسانييّن أصبحت مستهدفة أكثر من ذي قبل من أولئك النفر المنتشر في كل أرجاء العالم، بالتلويث والتسميم كما سمموا الهواء والنبع وحقنوا الأشجار والأرواح بدمهم الفاسد الزؤوم.
***
أمشي من الفندق، عبر شارع (السين) باتجاه (جسر الفنون) الشارع مطرز من أوله إلى آخره بصالات العرض تشكيلاً ونحتاً و... الخ، والتي تتبنى مختلف النزعات والأساليب الفنية. مُختبر مفتوح لكافة الأمزجة والأهواء العاصفة والتجريب المغالي، حتى المدارس المحافظة والكلاسيكيّة، وعلى مقربة منه تقع (البوزار) أكاديمية الفنون .. كأنما تتنزه في حديقة فنون كونيّة.. قبل الوصول إلى الجسر أتطلع شمالاً إلى تمثال أرضي متوسط الحجم لـ(فولتير) ينتصب في خميلة جانبية كأنما النحات أراده هكذا، من غير قاعدة ترفعه إلى الأعلى، أخاً رفيقاً للعشب والماء... في هذه اللحظة لا استحضر أي شيء عن مساهمته الأساس في متن الثورة الفرنسيّة حول الحريّة والعدالة والمساواة تكتسحني عبارته العميقة والطريفة «كلما ازددتُ معرفة بالناس ازداد حبيّ لكلبي».
على يمينك تقع الأكاديمية الفرنسية (مجمع الخالدين)، تطل بقبتها الذهبية على النهر ومتحف اللوفر في الضفة الأخرى.. أتذكر من العرب الذين حَظَوا بعضويتها كل من الجزائرية آسيا جبار واللبناني أمين معلوف، الفرانكفونيين، ومن القارة السوداء (ليوبود سنجور) مؤسسة نخبوية ارستقراطية تسهر على استمرار عظمة اللغة الفرنسية وعلى إشاعة نوع من الخلود للأدب والفكر المكتوبين في إطار هذه اللغة الثرية التي اعتبرها كاتب ياسين (غنيمة حرب) له ولجيله الذي لا يعرف الكتابة بغيرها، أتساءل بنوع من السذاجة، لماذا لا تكون غنيمة سلام ٍ وقسمته، متى يحل هاجس السلام الحقيقي محل هاجس الحرب و الصراع؟
وتراودني هواجس حول خلود الأشخاص والأفكار... أفكر ان الخالد حقاً من يسخر من خلوده ومن العالم، وان هذه الكلمة ثقيلة حدّ الغلاظة والادعاء بالنسبة للكائنات الفانية.
ربما الأفكار والإبداعات الروحيّة الكبرى تتمتع بقبسٍ من خلود. الأفكار العظيمة التي شكلت أنساقاً ومنعطفات في مسيرة المعرفة، وهي لا بد أن تكون قليلة ، تلك الجديرة بمثل هذه الصِفة المفعمة بغموض الخلْق والإله..
على جسر الفنون، هذا العام شاءت الصدفة الموضوعية، العزيزة على قلب أندريه بريتون، الذي تسكع مع رفاقه وأحلامه كثيراً في هذه الضفاف والأزقة، أن يكون الجسر «معرضاً» على حافتيه، تصطف الأقفال التي أضاع العشاق مفاتيحها في النهر أو أي مكان آخر، قفلوا على حبهم إلى الأبد ورحلوا أو هكذا داعبتهم الأمنيات في لحظة تجلٍ وصفاء على ضفاف النهر في المدينة الكبيرة. أقفال من كل الأنواع والألوان ، والأحجام والماركات ملصقة على أجسام بعضها برويّة وصبر وإتقان حتى تخالها معرضا فنياً من تلك التي يبدعها الخيال الحر لجموح الحداثات والصرعات.. وإذا كنت جالساً كالعادة، على الأرضية الخشبيّة للجسر، لا ترى النهر، لقد سدَت الأقفال كل الفتحات الممكنة. وعلى هذه الأرضية الخشبية التي حين يقترب المساء، تحتلها أفواج البشر من كل الأجناس حاملين الأكل والشراب حتى طلوع الشمس إذا لم تكن هناك غيوم كثيفة تحجب طلوعها. وحدها الأقفال ومن غير مفاتيحها ومنازلها ومالكيها تسهر صامتة حالمة مع الساهرين، وصخبهم الذي يمزق ليل المدينة والنهر ..
وأنا أنظر إليها بشيء من التأمل، تذكرتُ عبارة افلاطون «الحب هو تجلي البداية الخالدة في الكائن الفاني».
علـى جسر الفنون والعشاق يصبح الحب هو تجلي العواطف والمشاعر في الأقفال، أولئك العشاق الذين توافدوا من جهات كثيرة بأقفالهم بعد أن قذفوا مفاتيحها في لُجة العَدم، ولم يكن يَهبُّ عليهم ربما أي هاجس، كون الحب نفسه مقذوفاً سلفاً في اللجة ذاتها، وانه يسكن الأحلام واليوتوبيا، أكثر مما يسكن الوقائع والتاريخ. لكن هذا السلوك لا يبتعد عن مناطق الشطح والأحلام الجميلة التي تحاول تلطيف قسوة هذا العالم الحديث.. أفكر أيضا أن كينونة الأقفال واستواءها على هذا النحو، لا يبعدها عن وظيفتها الأصلية، في الأمن والحماية، منذ الأقفال البدائية، حتى الالكترونية، بشراً ومنازل وثروات، أسراراً خطيرة تحميها من النهب والاستباحة، ها هي في هذا الفضاء النهري الطلق، تُؤتمن على أجمل وأنبل ما في الكائن البشري من عواطف ورغبات..
تتذكر الأقفال، انها حمتْ وأقفلت على دور علم وعبادة مساجد وكنائس ومعابد، مكتبات وجامعات، تتذكر هذيان الكتب في ليل عزلتها الطويل،
ورأت (راسكلينكوف) بريق نصْله الحاد وهو ينحرُ العجوز المرابية، ليعيش ندم الجريمة والعقاب.. وربما تذكرت مقولة (امرسون) كون المكتبة تشبه مغارة سحريّة مليئة بالموتى، وحين تقرأ تلك الكتب يُبعث الموتى من جديد.
وحمت الأطفال من الاختطاف الذي كثر هذه الأيام ، كذلك أقفلت على سجون داخلها ضحايا وجلادون يمعنون ضرباً وتنكيلاً في اللحم الآدمي الحيّ، خيامَ فقراء بأقفال مستعملة لحماية بيوتهم وأكواخهم، قصور أمراء وملوك تعج بالذهب والألماس وسائر الثروات المنهوبة غالباً... ان ذاتها معبأة بالتناقضات والأحمال، لذلك فهي سعيدة بحياتها الجديدة. لكن على كل هذه الخطورة التي للأقفال (اذ تركنا أحلام العاشقين جانباً) ما نفعها من غير توأمها الحنون، المفاتيح، الأبواب؟ ربما في العام القادم نشهد على الجسر نفسه ما يشبه هذا الاستعراض الباذخ للمفاتيح من غير أقفالها وأبوابها.. هذا الصدْع المؤلم ، هذا الانفصال بين الأقفال ومفاتيحها وأبوابها هو دلالة أخرى على عمق هذا العرض النهري وتناقضه الذي يكمن فيه ثراء الدلالة، والتي يمر عليها معظم العابرين باللامبالاة بكثير من السخرية وبافتراض أن هذه الوجودات المتنوعة للأقفال على الجسْر معرض فني، مثل معارض فنية وكتب أدبية لا نفع فيها لمعظم الناس ولا فائدة، سيأخذنا مشوار هذه الكلمات، إلى أن الفن في تجليه الجمالي الفريد، حتى لو كان من النوافل والمهملات والنفايات، عاديّات الحياة وتفاصيلها البديهيّة، ترفد الروح والإبداع، أحيانا، أكثر من قصص الأبطال والآلهة والأحداث الكبرى، إنها تصنع ملحمتها الخاصة..
***
أحلام الحب، تُؤتمن على الحب، سرّ الكينونة الذي تحدق به الأخطار والوحوش الضاربة، في كل زمان ومكان.. ها هي الأقفال تتحرر من حماية المصالح والأهداف الوظيفية التي تتعلق أحياناً كثيرة بجشع البشر، والاحتكار والاستحواذ على حقوق الغير، ها هي تحلق مع السنونو وطيور النهر خفيفة مرحة، لا تكاد تلقي نظرة على متحف اللوفر والأكاديمية أو المنازل والمؤسسات الكثيرة التي هجرتها إلى نقاء الأصل وصفاء الجذور.. لكن ألا يراودها بعض من حنين إلى ما كانت عليه، وتشعر بعبء الحرية المفتوحة على ضفاف المطلق، الحنين إلى الانتماء والصلة مع البشر والأماكن، حين كانت حاسمة في حفظ الحياة من النهب والسرقة، كانت الحارس الأمين على الحياة بجمالها، وقبحها؟
لكن الأقفال، وهي في غمرة هذياناتها، تقول أنه لا عودة عن فضاء هذه الحرية عن التحليق مع الطيور والأحلام على النهر اللامبالي حتى بالزمن ، أو هو الزمن نفسه..
لقد تحررت حتى من العشاق والمحبيّن الذين وضعوها على الجسر النهري، لتمارس حريّة ربما لم تكن تحلم بها. لقد انفتحت على ذاتها والكون اللامتناهي. ستبقى حرة هكذا، في أواصرها وروابطها حتى تغرق في الماء والزمن، لكنها في كل الأحوال اكتسبت كينونةً جديدة.
***
في هذا الكرسيّ، جلس ذات يوم غير بعيد، (ألبير قصيري) كان كعادته أنيقا وكسولاً، (فيلسوف الكسل) كما وصفه بيار أبي صعب وآخرون... لا يلفت انتباهه شيء عدا النساء الجميلات.. في شيخوخته المسترخية بين أشجار زمن باريسيّ بدأ في الهرم معه ربما... اللامبالي، بألوان ملابسه المتناسقة، رسمتْه (مونيكا) بمحبّة وتعاطف، رسمته وحيداً بين الجموع المتدافعة من كل المفارق والاتجاهات، لوحة بديعة تجمع بين الدقّة والخيال، لكن القصيري، حين شاهدها معلقة في مدخل الفندق، نظر إليها بشكل حيادي، ثم هزّ كتفيه ومضى. مما أغضب الفنّانة التي كانت شاهدة لحظاته الأخيرة، لحظات الاحتضار لرجل من غير عائلة ولا روابط ولا أصدقاء، لقد ماتوا أو رحلوا من المكان وطواهم النسيان. كانت العُزلة خياره، هو المصري الأصل، والحياة لديه مشهد للوحة لا يمل من تأملها والتسكع فيها، ليست بحاجة إلى توثيق وكتابة إلا ما تأخذه العين والذاكرة العابرتان، وعدا رواياته القليلة بأجوائها وشخصياتها الضاربة في البيئة المصرية وليست في باريس.. ترك الخيال الحر يلتقط ما يشاء، في الحيّ اللاتيني العريق، وانحاز كلياً إلى الحياة في انسيابها وحسيّتها من غير تحبير ولا تجريد... هو العابر مثل إيماءته العابرة، حين يرد التحيّة.. بين حديقة (اللوكسومبروج) وشارع السين لا يجلس إلا في المقاهي الشهيرة البالغة الكلفة والأناقة، كأنما يصر على الإمساك بالزمن الذهبي لهذا الحي الذي عاش حياته بين ضفاف أفكاره وشخوصه المزهرة. وحين يرغب أحد في الحوار معه يلجأ إلى الإشارة والكتابة. لقد افترس السرطان حنجرته. وأعتقد انه عانق مصيره حياةً وموتاً بسعادة (لا تخلو من غموض) وحيويّة من غير تلك الأهوال الدراميّة والانحدار الذي يهشم الشيوخ المقطوعي الصلات والروابط.. «لستُ وحيداً ما دمتُ بصحبة السيّد البير قصيري» يقول عن نفسه... كان مختلفاً تماماً وحراً، هذا الاختلاف وهذه الحريّة التي غذتهما مدينة مدهشة مثل باريس...
على الكرسيّ الوحيد في الصالة الصغيرة وأنا أكتب هذه الأسطر يتناهى إلى سمعي صوت المذيع من الغرفة الأخرى أخباراً وتقارير عن مجازر بلده (القصير) السوريّة. ما جعل السؤال يطرح نفسه، هل كان البير قصيري، من أصول سوريّة، جاء أسلافه إلى القاهرة الفسيحة، حين كانت حاضنة وهاضمة للإبداع والتجديد الفكري والأدبي، أسوة بأولئك (الشوام) من لبنانيين وسوريين، تلك الكوكبة التي أسهمت فكراً وتأسيساً في الثقافة المصريّة والعربيّة؟!
لقد عاش ما حلم أدباء كثيرون بلهفة أن يعيشوه، لكن الظروف جَرفتهم إلى خارج تلك الأحلام ، إلى الواقع المرير.
***
المقهى المقابل للفندق من زاوية الشارع المسترسل، ضمن مقاهٍ كثيرة مليئة أو نصف مليئة، مزدحمة أو في طريقها إلى الازدحام حسب الأوقات وحيث ان هذه المدينة هي قبلة السيّاح الأولى على مستوى العالم، هذا المقهى مملوء دائما، لا تكاد تجد فيه كرسياً شاغراً، هذا العام أو الذي قبله من أعوام، أحاول الجلوس من باب التجربة، أو للقرب الذي يجعله أخاً صغيراً للفندق، خليّة نحل دائمة العودة المكثفة والطيران، لا تهدأ جلبة زبائنه وندْله اللاهثين لتلبية الطلبات. رغم أن الكثير من المقاهي التي تطرّز كل خلايا هذه المدينة، يفوقه اناقة ونظافة وتاريخاً.. وهو غير بعيد من المقاهي التي اشتهر بالجلوس، وحتى العمل والسجّال فيها، أدباءُ وفلاسفة لا يفتأون متجدّدين في ذاكرة المعرفة والمكان.. هذا الصباح ألمح كرسياً فارغاً، أجري نحوه، يأتي الجرسون فوراً. أطلب قهوة ثم ثانية، أتطلّع إلى الزبائن، الوجبات والمشروبات التي تقدم فيه، فلا أجد أي ميزة للقهوة التي أشربها.. رذاذ خفيف يغمر المكان بلطفٍ فائض.. يجعلني أرى القبح جمالاً والطيور الكاسرة التي تتوافد على المخيّلة من صحارى العالم المجدبة، طيوراً بالغة الألفة والوداعة والسلام. حتى البشر الذين اختلف معهم كلاماً، سلوكاً وأفعالاً، أحاول أن أجد لهم بعض مبررات، بعد أن قطعتُ معهم قطيعة لا عودة منها..
وحدهم الديماغوجيون والطائفيون وأصحاب العصبيّات الضيقة الرخيصة، يسممون كل طقس ومناخ، مهما كان رسوليا حنونا ومفرط الشفافية. مثلما عليه مدن عربية سحقتْها فظاظة التاريخ، إنهم عاهة الوجود، وبأدواتهم السياسية الثقافية المنمّقة في غسيل الأدمغة، يبيدون أي احتمال لسلام روحي وإنسانية ممكنة. يحشدون المعرفة، التي تتطاير أشلاء كلمات جوفاء، لصالح الشر والانحطاط. بقدرتهم التحويليّة هذه يبرزون أكثر شناعة وفتكاً من القتلة الذين يسطع جهلهم في عز الظهيرة، أو غلواء الليل حيث تلمع السكاكين وهي تجز أعناق الرضّع والأطفال.. كنت أنوي الحديث في هذه اللقطة عن المقهى الذي يشكل منذ أعوام نوعاً من غموض والتباس، لكني لم أستطع، ومضيت في حال سبيلي وتسكعي، وظلَّ هو لغز المكان..
***
حين أذهب الى باريس، أو غيرها، لابد من لقاء الأصدقاء، أو ما تبقى منهم. ولا تشارف الرحلة على الاكتمال إلا بلقاء هذا البعض.. (ابن عربي) كان يتحدث عن الصداقة حين أشار إلى أن فلان، هو من القلّة حين يأتي لزيارتي، يأتي كله ولا يترك شيئاً منه، أي بكامل وجدانه، عواطفه وصدقه. هذا المطلب من الصداقة أصبح صعباً في ظروف العصر المطبوعة باللهاث والتمزّق والشتات، لكن الصداقة والقرابة الروحيّة والثقافيّة تبقى قائمة وإلا جفّت كل منابع القدرة على الاستمرار في هذه الحياة العاصفة. يغيب الأصدقاء، يغيّبهم الموت حيناً، والمسافة وسوء الفهم والوشايات أحياناً كثيرة.. لكنهم حتى حين يغادرون الواقع والمحسوس يسكنون الذاكرة والحنين، في مرآة المكان والتفاصيل، تتذكر تلك الهنيهات العابرة. تلفحك الحسرة والغياب..
في هذه المدينة ممن غيبهم الموت محمد أركون، الباهي محمد، رشيد صباغي، صخر فرزات، جميل حتمل، وتذكرتُ يوسف عبدلكي بالأمس اعتُقل في اللاذقيّة. وكنت قبل أيام التقيت بهالة عبدالله (زوجته المخرجة) سألتها عنه، قالت سحبوا جواز سفره ولايستطيع الحركة أو السفر..
ومن الذين عاشوا فترة هنا محمود درويش وعبدالرحمن منيف. أتذكر منيف بمظهره الصحراوي الذي يشي بصرامة ما وجديّة، وان كان بالغ الشفافية والهشاشة في الأعماق.. ذات ليلة كنا نسهر في منزل فوّاز طرابلسي، وكان هناك الباهي محمد الصديق التاريخي لمنيف، ربما من بغداد وغيرها، جمعتهما الفتوّة والأحلام القوميّة الكبيرة، كانا يغرقان في نوبات ضحك هستيريّة. كان منيف أمام تعليقات الباهي يتكثّف ويشفّ في طفل ضاحكٍ باستمرار. وأتذكر الباهي حين يزحف الليل على باريس، لا تتعجّب وأنت تمر أمام مقهى (كلوني الكبير) أو المقاهي المجاورة، أن تسمع ترتيلاً لآيات من القرآن الكريم، أو إنشاداً لشعر جاهلي يطيّر النسيم صداه في أرجاء الحي اللاتيني: ذلك هو ابن الصحراء المغاربيّة الباهي محمد..
هذا العام من اللقاءات غير الاعتياديّة، كان لقائي بالصديق (سميح شقير)، لا أعرف متى وفد سميح إلى باريس، لكن الأرجح بعد قيام الثورة السوريّة وما أعقبها من كوارث وخراب.. أخذتُ رقم هاتفه من الكاتبة (مها حسن) اتصلت به، صوته على عادته من دماثة الخلق ونبرة العاطفة، تواعدنا في اليوم الثاني في مقهى (لافونتين) قرب ساحة السان ميشيل. جئت إلى الموعد قبله حيث كان يسكن في الضواحي، وأنا في

_________________
شعر وقصائد سيف الرحبى ,ديوان سيف الرحبى dvd Hearts10

حسن بلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
متصل

شعر وقصائد سيف الرحبى ,ديوان سيف الرحبى dvd

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: فوضى الحواس(منتديات ثقافيه) :: مرتفعات أو سوناتا الكلام

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا