لا أرى سيداً في الجمع.
البجع يتمطّى في البحيرة، ولا نسر في الأفق.
المياه راكدة، والضفاف أقرب من الأنف. الهواء ثقيل. النور ثقيل. الحمار ينطق، لا بأعجوبة. الأعمى يبصر، لا بأعجوبة. الميّت يقوم، لا بأعجوبة. الأعجوبة رقم في آلة، والسماء بقيت في المجاهل.
كنت صامتاً وأنا أتكلم. المرأة إلى جانبي رداء قاحل. سأجرع الكأس. والكأس فارغة. سأبتسم وفمي بلا شفاه. سأحصد حقلاً زرعته في الظلمة.
أنا الليل واللصوص ينتظرونني.
لا ترقصوا على قبري، أنا لم أمت بعد. أتلفّت منذ الفجر، فلا من سيّد في الجمع. الجرذان عسكر في دولة الملك، سلاحها أرجل غرقت في سرير من الوحل.
لمن العيون الفستقية. لمن الكسل في الأرداف. لمن البطون العامرة بالهز. المترنحة كقصبة في الريح.
أنا الغابة الوديعة، يقول الجبان. أنا مفرق الطريق، يقول المقعد الكسيح.
كلماتي يابسة كالفحم، سوداء كعربات الموتى. والمعرفة التي سرقتها للناس ستهوي معي إلى الهاوية.
للهوان هذه الثمرة الصادقة. للهلاك هذه التربة الزائفة.
في حضرة العميان نحصي أصابعنا، وأمام السلطان نسكت كالسجاجيد.
النسور تبني أعشاشها في الرمل. وفي الوحل يصلي القديسون.
ارفعوا قبعاتكم أيها العاطلون عن العمل.
أيها الشعراء ابتعدوا عني
لا ترثوا أحداً غلبه الموت.
فماذا ينفع الرثاء ؟
الرثاء للصعاليك ونحن جبابرة
الرثاء للبشر ونحن آلهة.
فابتعدوا عني أيها الشعراء
واحنوا رقابكم
لا تنطقوا في حضرة الموت الجاثم..
..........
" سأفتح بالي لك
حتى لا تهجرني
فاهجرني إن شئت !!
عندي الليلة أحلام تصعد بي نحو القول المطرود اللاجئ فوق شفاه عذراء
و قليلا" ما أحلم، أحلم بالآيات الصغرى، لا بالكبرى، خوفا" من
صوت البحر، فأنا يونان من نوع آخر لا يلعب بالأمواج كما لو كانت
أسنان الفيل.
سأفتح بابي لك
وأنا أعلم أنك لا تهجرني، فاهجرني إن شئت.
عندي أحلام الليلة، أرضى بالأحلام
حتى ينشّق الفجر،
عن قبر دفنوا فيه الأحلام فقامت أحلام "
..................
على جبل الصمت، في موعدي مع التائبين، رفعت جبيني
(ذراعاي مشدودتان إلى الصخرة):
متى يا أبي ستعبر كأسي
متى يا أبي سأهبط دربي
....................
لنا الخمر والخبز، وليس معنا المعلم. جراحنا
نهر من الفضة.
في جدران العلّية شقوق عميقة. على النوافذ
ريح. في الباب طارقٌ من الليل.
ونحن نأكل ونشرب. جراحنا نهر من الفضة.
العلّية تكاد تنهار. الريح تمزّق النوافذ.
الطارق يقتحم الباب.
نقول: لنأكل الآن ونشرب. إلهنا مات،
فليكن لنا إله آخر. تعبنا من الكلمة، وتاقت
نفوسنا إلى غباوة العرْق.
ونقول: لتسقط العلية وتهلك. الريح سترحمنا،
والطارق سيجالسنا. جائع هو إلى الخبز، وظامئ
إلى عتيق الخمر.