أرسل إليّ قارئ قديم، يذكّرني بسلسلة من الأدعية، كتبتها بدءاً من عام 2005 بعنوان (الدعاء اللامستجاب)، متخذاً شكل الدعاء للتعليق الساخر على أوضاع البلاد وأحوال العباد، فقلت إنني توقفت عن كتابتها، بعد أن قام بعض أولاد المتسخة بنشرها على الإنترنت منسوبة إلى مجهول، لدرجة أنني حين أعدت نشرها اتهمني بعضهم بنقلها من الإنترنت، والذي زاد وغطّى أن كاتبا "صديقاً" أعاد نشرها، لكنه نسبها إلى نفسه، وحين عاتبته قال، بنطاعة، إن ذلك أفضل من بقائها مجهولة النسب. لم يتأثر القارئ الكريم بقصّتي الحزينة، بل دعاني إلى استئناف السلسلة، بكتابة دعاء لنهاية سنة 2014 الخنيقة، فقلت إنني في نهاية 2013 وكان قد انقطع حيلي من كتر ما عشناه فيها من مصائب، دعوت الله مستفيضاً بما أتمناه من 2014 وفيها، ويبدو لي، الآن في نهايتها، أنني وكل من دعوت لهم لم نكن أهلاً للاستجابة. لذلك، أفضل، في نهاية هذا العام، أن أكتفي بالدعاء الأقصر والأهم لكل مصري في 2015 وما تلاها: "طبطب علينا يا رب".
حكاية تأليف الأدعية طبقا لضرورات الحياة، ذكّرتني بما جاء في رواية (الناجي الأخير)، للكاتب الأميركي تشاك بولانيك (ترجمة الصديق هشام فهمي) عن شركة قررت استغلال الشعبية الكاسحة لرجل ذي قدرات خارقة، فألّفت نيابة عنه كتاباً بعنوان (الأدعية الأكثر تداولاً)، يضم أدعية يحتاجها الناس في حياتهم اليومية مثل "دعاء فقدان الوزن، دعاء تأخير الذروة، دعاء إزالة العفن الفطري، دعاء إسكات الكلاب النابحة، دعاء أجهزة إنذار السيارات، دعاء الحصول على انتصاب، دعاء الحفاظ على انتصاب، دعاء منع المخالفات المرورية، دعاء منع تسرب المياه من المواسير، دعاء الحصول على مكان لركن السيارة، دعاء منع الإفراط في العرق تحت الإبط"، ومع أن الكتاب حقق مبيعات خيالية، إلا أن عوائده هبطت، بعد أن تشبع السوق به، وأصبح الناس يحفظون ما فيه من أدعية أكثر من جدول الضرب، من دون أن تتغير حياتهم قيد أنملة.
في روايته الجميلة (ساعة رملية تعمل بالكهرباء)، يقرر المبدع رضا البهات أن يخاصم الأدعية المحفوظة المبتذلة، فيكتب على لسان بطله دعاءً شخصياً نابعاً من ذاته ومعاناته، ليكون صادقاً مع نفسه فيما يطلبه من الله، فيقول في دعائه الجميل: "اجعلني ممن لا يعتاد القبح، ولا تكلني إلى من يكره الحياة، ولا إلى سياسي تكلام يلعب بالبيضة والحجر، وألهمني، يا رب، قول ما أعرف، لا ما تردده الألسنة، حتى لا أضل السبيل إلى نفسي، اللهم ألهمني حساسية الشعور بالزمن، والقدرة على تشغيل مخي، ولا تجعلني ممن يركن إلى يقين رخيص من جملة وجملتين، وباعد بيني وبين من يفرقون بين المحب ومحبوبته، وبين الكاتب وقلمه، واللقمة وفم الإنسان، وأبدلني خيراً من وقفتي البائسة.. باكياً ضعفي وقلة حيلتي وهواني على نفسي... اللهم أدخلني في التجربة، ولا تجعلني ممن يتواطأ على نفسه، فيستبيح الجاهل بجهله، والضعيف بحاجته والبريء بصفاء نفسه، والقلم بقدرته على الغدر".
ولأن الدعاء بالدعاء يُذكر، كنت وأنا أقلّب في أرشيف مقالات كاتبنا العظيم، نجيب محفوظ، قد وجدت له دعاءً رائعاً شديد المصرية، نشره في (الأهرام) بتاريخ 9 أغسطس/آب 1976 بعنوان (اللهُمّ)، كتب فيه "اللهمَّ يا ذا المن ولا يُمَنُّ عليه، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم حَبِّبْ إلى العرب الحضارة، كما حبَّبَ الشيطان إليهم اقتناء السلاح، ليقتل بعضهم البعض ويكيد بعضهم للبعض. اللهم نجِّنا من المستهترين؛ فإنهم ينتفعون بالفساد والمفسدين، ثم يتوارون بعيدًا عن الرقباء، فيشكون مع الشاكين، وأنت بكل شيء عليم. اللهم خفف عن عبادك في ساعات الحشر اليومية، في وسائل المواصلات الشعبية، وطوابير الجمعيات الاستهلاكية، يا ذا الألطاف الإلهية. اللهم اجعل انتخاباتنا حرة، ومنابرنا صادقة في التعبير عنا، وديمقراطيتنا نقية وقوية، يا ذا العدالة الربانية. اللهم شدد قبضتك على من يسرقون الجواهر، ومن تُسرق منهم الجواهر، وتلك الجواهر نداولها بين الناس. يا إله الناس، أعوذ بك من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس، من الجِنة والناس. اللهم إن كنت كتبتني في أم الكتاب مهملًا أو مفسدًا أو مستغلًّا أو منافقًا، فامحقني محقًا واذرِني مع الرياح، يا ذا الأمانة والفلاح".
ولعلك لا تملك بعد قراءة هذا الدعاء المحفوظي القديم إلا أن تدعو من قلبك مثلما دعوت: "اللهم في 2015 استجب لأي شيء مما دعاك به عبدك، نجيب محفوظ، في عام 1978، لكي لا يظل دعاؤه صالحاً للأبد بحذافيره. إنك ولي ذلك والقادر عليه". -