أنا حقيقي باشفق على الناس اللي عقلها بيعجز عن تفسير الأحداث, اللي هي واضحة ومش محتاجة تفسير أصلا, فعقلهم بياخدهم على طول لسكة المؤامرات والمخططات العالمية والدسائس الكونية.. الناس دي بكل بساطة كده عمرها ما حتعيش في سلام واتكتب عليها العذاب الأبدي.
الإنسان اللي حاسس طول الوقت إنه ضحية مؤامرة من كل القوى العظمى في العالم، ده ممكن يجيله نوم إزاي طيب؟ طبيعي إنهم ما يناموش ويعيشوا في حالة من القلق والضغط العصبي الدائم.. مشكلة الناس دي بقى إنهم بيتعلقوا بأي وعود حتى ولو غير حقيقية تديهم ولو إحساس زائف بالأمان والاستقرار.. مع إن لو اتكلمت معاه بالعقل بيقر ويعترف إن الوعود دي إشتغالات, لكن يستمر في التبرير والمماطلة لأن العودة في هذه المرحلة بتكون قاتلة وضررها أصعب بكتير من الاستسلام لإحساس الاستقرار والأمان الزائف.
نرجع بقى للأحداث الحالية.. الكام يوم اللي فاتوا لعب القدر في أمخاخ الناس دي أحلى لعب، وخلاهم يلفوا حولين نفسهم من الحيرة واللخبطة. حادث طائرة كان في البداية مرجح إنه حادث ومفيش أي شبهة جنائية، وكان الموضوع حيعدي لدرجة إن الصحافة المصرية ماكانتش بتجيب أخبار عنه أصلا، لكن شاءت الأقدار إن الموضوع يطلع كبير، وإن الأرجح إن الطيارة كان على متنها قنبلة.
العالم كله كان بيتكلم في الموضوع ده، بينما الصحافة المصرية والشعب المصري كانوا عايمين في مية البطيخ، أو بالأحرى مية الأمطار والسيول. الناس فاقت إمتى بقى يا معلم -وشوف حكمة الأقدار- لما بريطانيا منعت أي رحالات طيران من شرم الشيخ في نفس الوقت اللي السيسي كان قاعد مع رئيس وزراء بريطانيا!
هنا بقى العقلية المؤامراتية ابتدت تلعب في الدماغ.. أكيد الموضوع ده خطة من بريطانيا لضرب السياحة في مصر.. ما هو أصل مفيش تفسير تاني مقنع, يعني مثلا مش يمكن بريطانيا بتاخد إحتياتاطها ومحدش من حكومة بريطانيا مستعد يتحمل مسؤولية حادث، ولا يمكن حياة المواطن هناك ليها قيمة مثلا، ولا مثلا المسؤولين بيخافوا من المحاسبة وخضوعهم للمساءلة مثلا، لا الكلام ده ما يقنعش العقلية المؤامراتية. أكيد هدفهم ضرب السياحة, لأن مصر السياحة فيها كانت منتعشة ومفيش طيارات جيش بتضرب سياح مكسيكان ولا حاجة من الكلام ده, فأكيد بريطانيا عايزة تدمر السياحة.
طبعا العقلية المؤامراتية لم تنس أن تضع كلمة “الإخوان المسلمين” في جملة مفيدة، فطبيعي هما اللي ضغطوا على حكومة بريطانيا إنها توقف الرحلات.. يعني بريطانيا مش بس شريرة وعاملة خطة تقسيم مصر في الربيع العربي, لا دول كمان متحالفين مع شلة أشرار تانيين.. طب منين هما داعيين السيسي ومرحبين بيه والشرطة بتاعتهم فشخت المتظاهرين ضد السيسي والإخوان في شوارع لندن, ومنين بيتحالفوا مع الإخوان لإسقاط الاقتصاد المصري الذي لا يقهر؟!
لو أنت قاعد في مدرجات السيساوية حتشوف منتخب إنجلترا بفانلته البيضا وهو قاعد مع الربعاوية بفنلتهم الصفرا وقاعدين يخططوا لإسقاط مصر. ولو إنت قاعد في مدرجات الإخوان حتشوف منتخب انجلترا وهو قاعد مع منتخب تحيا مصر وقاعدين يفشخوا في الإخوان بمساعدة رجال الشرطة الإنجليزية الشرفاء.. لو إنت قاعد في بيتكم وبتتفرج على الأخبار ومش بتشجع أي حد، حتشوف إن بريطانيا مجرد إنها بتحاول تاخد إجراء أمني احتياطي لحد ما يبان الموضوع, وإن الإخوان آخرهم مظاهرات ومش مسيطرين على حكومة بريطانيا ولا حاجة, وإن السيسي وحكومته لايصين ومش عارفين يعملوا حاجة, وإن مؤيدين السيسي والنظام قاعدين يعلقوا فشل النظام على شماعات وهمية ومؤامرات كونية وإخوانية خوفا من الاعتراف بفشل السيسي، وخصوصا في القطاع الأمني اللي هو المفروض تخصصه يعني.
الحتة اللي أنا مش فاهمها برضه هي حتة المصريين دعاة الأمن والاستقرار ودعم أجهزة الأمن والكلام ده.. ليه زعلانين من بريطانيا لما اخدت إجراء من منطلق الاحتياطات الأمنية ومنعت الطيارات من شرم الشيخ.. هو المطلوب إن الدول التانية تتغاضى عن أمنها عشان ما تضرش الاقتصاد المصري؟! ولو ما عملوش كده تقولوا عليهم إخوان وبيتآمروا على اقتصاد مصر؟! طب ده أنتوا أكتر ناس تقدر حتة الإجراءات الأمنية دي وبتعزوها زي عينيكم, ليه بقى زعلانين؟!
طبعا الفقرة اللي عجزت عندها العقلية المؤامراتية وأعلنت فشلها عن استيعابها ودخولها في إطار المؤامرة هو لما روسيا, الصديقة الحبيبة الغالية القريبة, هي كمان أعلنت وقف الطيران من مصر زيها زي الأعداء (الأوساخ) الإنجليز وحلفائهم أشاوس الإخوان.. ليه كده يا روسيا.. أنتي كمان عايزة تدمري اقتصادنا؟! ما أصل أكيد برضه مش معقوله تكوني بتعملي إجراءات احتياطية أنتي كمان برضه!
الشخص ذو العقلية المؤامراتية يا عيني فعلا شخص لا يستحق مننا غير كل عطف وشفقة.. الشخص ده كل يوم بالنسبة له في الحياة دي جحيم لا ينتهي.. الشخص ده وصل لمرحلة مرعبة جدا من الخطورة، بس لمجرد إنه يحمي فقاعة الأمان الوهمي اللي بينفخها لنفسه, لدرجة إنه مستعد يعمل أي حاجة وأي جريمة مهما كانت، بس عشان يحمي الفقاعة دي.. ده ممكن يوصل لمرحلة إنه يخوّن ويهاجم ويحبس ويقتل أي حد يحاول يفوقه من الوهم ده, لأن الفوقان من الوهم بالنسبة له مرعب أكتر بكتير من إحساس الذنب اللي ممكن يحسه لو قتل اللي بيحاول يفوقه.
في النهاية.. الاستمرار في الفشل والقمع من ناحية النظام, واستمرار مؤيدي النظام في التبرير للفشل ونفخ فقاعة الوهم وإخراس صوت الحقيقة حيكون نهايته هو عكس تماما اللي بيحاولوا يحققوه.. لا النظام حينجح في الاستمرار, ولا الناس حتعيش في استقرار حقيقي، وحيفضلوا يفوقوا كل شوية على صدمة، والبلد هي اللي بتدفع التمن في الآخر.
شريف عازر
2015-11-07, 9:02 pm
