آخر المساهمات
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-12, 10:41 pm
2024-04-02, 5:16 am
2024-04-01, 10:56 pm
2024-04-01, 10:49 pm
2024-04-01, 10:46 pm
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل

hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل 15781612
كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل Icon_minitime 2015-12-26, 1:05 pm
فصول من كتاب السادات وما أدراك مالسادات لبلال فضل

في مثل هذا اليوم من عام 1918، ولد محمد أنور السادات، الذي ظل تاريخه محاطاً بالغموض، ومليئا بألغازٍ كثيرة لم يحلها أحد حتى الآن، والذي حكم مصر فترة قصيرة، تجاوزت بالكاد عقداً، لكن ما صنعه السادات في سنين حكمه القصيرة، لا زال يؤثر في مصر، ولفترة مقبلة، لا يعلم مداها إلا الله.
اتفاقية كامب ديفيد ومبادرة الصلح المنفرد مع إسرائيل، توظيف الدين في الصراع السياسي، التسليم بأن أميركا في يدها 99 في المائة من أوراق اللعبة، أوضاع سيناء، سياسات الانفتاح الاقتصادي، بيع القطاع العام وبدء مشوار الخصخصة، الفتنة الطائفية، ديمقراطية الأنياب والهراوات، الهوامش الديمقراطية التي "يفيشها" رجال الأمن عند اللزوم، توظيف الأزهر والكنيسة في خدمة الدولة، وضربهما بقوة في حالة أي بوادر تمرد، توغل رجال الأعمال في الحياة السياسية، حرية الصراخ في الصحف والأحزاب المدارة بالريموت كونترول، منطق العيب وأخلاق القرية والعيش في دور الحاكم رب العائلة المصرية، استدعاء التنظيمات الإسلامية عند الحاجة، وضربها بقوة بعد انقضاء الحاجة إليها، ديمقراطية الثلاث تسعات، هزليات مجلس الشعب المطعم ببعض الأسماء المعارضة، إغفال أهمية القضية الفلسطينية للأمن القومي المصري، التأرجح في العلاقة مع الدول العربية حسب الحاجة والمنفعة، احتقار المثقفين "الأفندية الأرازل"، توظيف أساتذة القانون كترزية عند الطلب.
هل يمكن أن نقول إن كل هذه السياسات التي ارتبطت بالسادات وعهده غادرت حياتنا أبداً؟، هل يمكن أن نغفل أن مصر حُكمت بعد رحيل السادات، وعلى مدى ثلاثين سنة، بخلطة ساداتية أضاف إليها حسني مبارك لمسات النطاعة والتبلد الخاصة به؟ وهل يمكن أن ننكر أن هذه الخلطة الساداتمباركية يعاد إنتاجها الآن، مع استدعاء لمساتٍ ناصرية بالتحديد في مجالي القضاء والإعلام؟ وهل يمكن أن نتعامل مع حاضرنا المرير، أو نأمل في مستقبل أفضل، من دون أن نفهم حقا ما الذي جرى لمصر بدءاً من عهد السادات الذي لا زال خطابه مهيمناً على الساحة السياسية، ويبدو أنه سيظل كذلك فترة بعيدة، حتى تتشكل قناعة جمعية بأن مصر بحاجة إلى تجاوز صيغة الحكم التي وضع عبد الناصر أسسها، وقام السادات بتطويرها إلى شكلها المستمر؟.
أتصور، أو أتمنى، أنك ستجد إجابات ما لهذه الأسئلة، وأنت تستعرض معي فصول كتابي
"مصر بحاجة إلى تجاوز صيغة الحكم التي وضع عبد الناصر أسسها، وقام السادات بتطويرها إلى شكلها المستمر؟"
(السادات وما أدراك ما السادات) الذي حاولت فيه سنوات، تأمل شخصية السادات وتفكيره وسياساته، وهي محاولة لم تكن سهلة، وسط كل ما يوجد حوله وعنه من روايات متعددة إلى حد التناقض، لكنها أيضاً كانت محاولة مثيرة للدهشة والأسى والتعجب من أحوال مصر والفرص الضائعة التي أهدرت من أجل التقدم والتغيير. ولعل ما شجعني على إنجاز هذا الكتاب الآن، بعد أن ظلت فصوله مبعثرة سنوات، هو ما ألمسه من تعطش قراء كثيرين، خصوصاً من أبناء الأجيال الجديدة، لكل ما يكتب عن تاريخ مصر المعاصر، الذي لا زال يؤثر في حاضرها بقوة. وأرجو أن تكون فصول هذا الكتاب مجرد "فاتح شهية" للقراءة أكثر عن هذه الفترة المهمة، خصوصاً وأن المكتبات تمتلئ بمئات الكتب عنها، ومع أنه لا أحد يمكن أن يدّعي امتلاك الحقيقة الكاملة بخصوص الفترة الساداتية، لكن يمكن لي أن أدّعي أن حجم الأكاذيب التي تم ترويجها عنها كان كبيراً جداً، وساعد على رسم صورة مضللة عنه وعن دوره السياسي، كانت تصب، بالأساس، في خدمة مبارك الذي لم يسر على طريق السادات بأستيكة، كما فعل السادات، حين سار على طريق عبد الناصر.  
في رحلة التأمل الطويلة هذه، والتي استمرت سنوات، لم أعتمد فقط على مصادر محبة للسادات أو كارهة له، بل حاولت الوصول إلى مداخل متعددة للبحث عن السادات، حاورت السيدة جيهان السادات، في حوار طويل، لم يترك منطقة شائكة إلا وتناولها. كان ما نشرته منه في مجلة "المصور" عام 1999 قليلا جدا، مقارنة بما لم تتسع له المساحة من كلام في غاية الأهمية. حاورت الدكتور مصطفى خليل أحد أبرز التكنوقراط الذين استعان بهم السادات في الحكم، وواصل مبارك الاستعانة بهم. تأملت علاقة السادات بالكتاب والمثقفين والفنانين في عصره من خلال شهادات لأبرزهم، مع توقف خاص عند اعتقالات سبتمبر وتفاصيلها المثيرة. قرأت يوميات قاتل السادات، خالد الإسلامبولي، التي كان يدونها في زنزانته، وهو ينتظر تنفيذ الإعدام. رصدت علاقة السادات بجماعة الإخوان المسلمين، كما تحدث عنها عديدون، في مقدمتهم السادات نفسه. تأملت علاقته المعقدة بمحمد حسنين هيكل، والدور الذي لعبه هيكل في تشكيل صورة السادات بعد رحيله. توقفت عند دراسة مهمة عن طريقة اختيار عبد الناصر والسادات رجالهما، وهي الطريقة التي لا تزال متبعة بحذافيرها. وكل هذا أرجو أن أنشره تباعا على حلقات، ستفصل بينها كتابات أخرى متنوعة، بإذن الله، كسراً للرتابة. وسأبدأ من اليوم وعلى مدى ثلاثة أيام، قراءة برغم كبر حجمها، تظل "سريعة" في رحلة حياة السادات السياسية من الجيش إلى المنصة، تتضمن، في الوقت نفسه، مقارنات بين ما رواه السادات عن هذه الرحلة، وعن ما رواه شركاء هذه الرحلة عنها وعنه.    
تعالوا نبدأ هذه الرحلة سويا.
السادات قبل يوليو: الإرهابي الغامض!
ـ تقارير البوليس السياسي: الحرس الحديدي التابع للقصر أخرج السادات من السجن ليشارك في محاولتين لاغتيال مصطفى النحاس، ثم يعود إلى السجن ـ محامي قتلة السادات أمام المحكمة: السادات كان إرهابيا يتقاضى على رأس القتيل من أعداء الملك ألف جنيه، واسألوا زميله حسين توفيق قاتل أمين عثمان ـ حسن البنا يخصص عشرة جنيهات شهرياً لأسرة السادات، تضامنا معه بعد اعتقاله، والسادات يعلن انبهاره به من أول لقاء.
تكون مخطئا لو قرّرت أن تتعرف على صورة أنور السادات قبل الثورة، عن طريق السادات فقط، وبالتحديد من مذكراته الرسمية "البحث عن الذات"، والتي ستدرك حين تقرأها ضرورة ألا تصدق السادات كثيراً. قد تبدو هذه بداية متحاملة على السادات، لكنها، للأسف، الحقيقة التي يدركها كل من قرأ كل الشهادات التي كتبت عن حياة السادات ونشاطه السياسي، قبل ثورة 23 يوليو 1952، وفي مقدمتها شهادة كتبها السادات بنفسه، قبل أن يصبح فرعوناً يعيد كتابة التاريخ، أو يعيدون من أجله كتابة التاريخ، فيتبرأ من شهادته القديمة.
في "البحث عن الذات"، يروي السادات أنه، منذ تخرجه من الكلية الحربية وتعيينه في منقباد،
"تكون مخطئا لو قرّرت أن تتعرف على صورة أنور السادات قبل الثورة، عن طريق السادات فقط"
بدأ يفكر في عمل تنظيمٍ يهدف إلى ثورة عسكرية، بل وبدأ الاجتماع بعدد من زملائه الضباط فعلاً، وزادت في إشعال حماسه الوطني زيارة الفريق عزيز المصري لهم، والتي جعلته يشعر أنه أكثر نضجاً من بقية زملائه الذين يصفهم بأنهم "كان ينقصهم الوعي السياسي" على عكسه طبعاً، بل إن السادات يظهر عبد الناصر في صورة الشخص المنطوي الذي يتحاشاه الناس، بسبب الحواجز التي يقيمها حوله، و"بسبب نزوعه إلى الشك والمرارة وأعصابه المشدودة باستمرار". ويتناسى السادات أنه سبق له أن كتب عكس ذلك تماماً، ليس فقط في كتابه "يا ولدي هذا عمك جمال"، بل في كتاب أهم هو "صفحات مجهولة"، والذي نشره سنة 1956، راوياً فيه للمصريين ما لا يعرفونه عن تنظيم الضباط الأحرار، وهو كتاب طبعت منه طبعات عدة، لاقت نجاحاً ساحقاً، لكن طبع الكتاب ونشره توقف بعد وصول مؤلفه إلى سدّة الحكم، بل وتم سحب نسخه من الأسواق. وفي الكتاب، يقول السادات إن عبد الناصر هو الذي التأمت حوله منذ البداية مجموعة الضباط الأحرار، وهو يقول ذلك بعبارات إنشائية مفعمة بالمحبة والتقدير، إن لم يكن التقديس، على شاكلة "كان جمال يقول لنا إن الإنجليز أصل بلائنا كله، هذه الكلمة قالها جمال، وكأنه يحدد لنا رسالة كبرى، لا ينبغي أن يتخلى عنها أحد"، ولا أظنك بحاجة إلى مزيد من التعليق على هذا التناقض الفاضح الذي يهدد مصداقية الرواية الحديثة للسادات عن تاريخه القديم.
وفي حين تتواتر الروايات أن صديق السادات، الضابط حسن عزت، والذي كان منضماً بالفعل إلى مجموعة سرية من ضباط الطيران، هو الذي اقترح على تلك المجموعة ضم السادات إلى النواة الأولى لتنظيم الضباط الأحرار، إلا أن السادات يروي، في مذكراته، الحكاية بالعكس تماماً، قائلا إنه، بعد نقله من منقباد إلى القاهرة، أقام أول تنظيم سري من الضباط سنة 1939. كان عبد المنعم عبد الرؤوف الضابط المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين هو الرجل الثاني فيه، ثم تبعه في الالتحاق بالتنظيم عبد اللطيف البغدادي وخالد محيي الدين وغيرهما، وهو ما يروي عكسه محيي الدين والبغدادي، فالأول يعطي في مذكراته "والآن أتكلم" لحسن عزت الفضل في إثارة اهتمامه بضرورة رفض الضباط ما يجري في البلاد، بعد حادث 4 فبراير/شباط 1942، وليس في 1939 كما ذكر السادات. ويقول إنه لم ير السادات في تلك الفترة أصلاً. ويكتب عبد اللطيف البغدادي في مذكراته أن الخلية الأولى من الضباط الأحرار كان قد تم تشكيلها بالفعل قبل فترة من انضمام السادات إليها طبقاً لاقتراح من حسن عزت، أما محمد حسنين هيكل والمعروف بتحامله على السادات، فيؤكد أن السادات لم يُعرف عنه في تلك الفترة أي اهتمامات غير عادية بالسياسة، ولا يُذكر عنه سوى براعته في الغناء والتمثيل وتقليد رؤسائه، وهو ما كان يمنحه بعض الشعبية وسط أقرانه من الضباط. وبالطبع لم يكتب هيكل تلك المعلومات إلا بعد أن اختلف مع السادات، ولم يجد أن من حق القارئ معرفتها، حين كان أكبر مناصري السادات، ومساعده الأهم في التخلص من منافسيه عام 1971.
السادات والبنا
في فترة لاحقة، ونتيجة للتربيطات السياسية بين علي ماهر والقصر و"الإخوان"، ورغبة من
"قال السادات إن عبد الناصر هو الذي التأمت حوله منذ البداية مجموعة الضباط الأحرار، وهو يقول ذلك بعبارات إنشائية مفعمة بالمحبة والتقدير، إن لم يكن التقديس"
الملك فاروق في ضرب حزب الوفد وزعيمه مصطفى النحاس، تم السماح للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الشيخ حسن البنا، بالدخول إلى الجيش، لإلقاء محاضرات دينية للضباط. وهنا يروي السادات، في مذكراته، أنه سمح للبنا بإلقاء محاضرة دينية بدلا منه، في يوم عيد مولد النبي سنة 1940، وكان يومها الضابط النوبتشي في معسكره، وأنه انبهر يومها بأسلوب البنا الذي يصفه، في مذكراته، بأنه "كان مؤهلا للزعامة الدينية، كان مصرياً صميماً بكل ما تحمله هذه الكلمة من دماثة خلق وسماحة وبساطة في معاملة الناس، وكان يتكلم عن الدين والدنيا معاً، وبأسلوب جديد لم نألفه من رجال الدين".
ثم يروي السادات تفاصيل لقاءاته المتعددة بالبنا، والتي ختمها بلقاء يقول إنه أراد له أن يكون صريحاً، حيث كشف فيه السادات للبنا عن إعداده لثورة مسلحة، وأن "تنظيمه السري" لن يخضع لأي هيئة. لكن يكفيه أن يتعاون مع "الإخوان" فقط، ويقول السادات إن البنا "بوغت، لكنه وافق أن نتعاون، ولم يمض وقت طويل بعد ذلك، حتى كان قد جُنّد لحساب الإخوان عبد المنعم عبد الرؤوف، الرجل الثاني بعدي، في تنظيم الضباط الأحرار"، لكن عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته "أجبرت فاروق على التنازل عن العرش" لا يأتي بسيرة تنظيم السادات المزعوم الذي كان رجله الثاني، بل على العكس يتحدث عن السادات بشكل سلبي، قائلاً إنه تمارض حين تطلب الأمر اشتراكه في مهمة تهريب الفريق عزيز المصري، الشهير بمعارضته للإنجليز إلى السودان. كما يقول في موضع آخر إنه لم يكن يرى السادات في الفترة التي قال السادات فيها إن عبد المنعم كان "رجله الثاني"، ورآه فقط مرة في عام 1944، حين جاء إليه ليقترض مبلغاً من المال لم يرد أغلبه أبداً. وبالمناسبة، حين يتحدث عبد المنعم عن الضباط الذين بايعوا "الإخوان" رسمياً، يذكر أسماء جمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وخالد محيي الدين وسعد توفيق وحسين حمودة وصلاح خليفة، ولا يذكر من بينهم اسم السادات، على عكس ما يزعم بعضهم أن السادات انضم رسمياً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وسيأتي تفسير لمراوغة السادات لهم في موضع آخر من هذه الحلقة.
بعدها يروي السادات أنه طلب من الشيخ حسن البنا أن يرتّب له لقاء مع عزيز المصري، لتتوثق علاقة السادات به بعد ذلك، وهو ما لا تجد له ذكراً في مذكرات عبد المنعم عبد الرؤوف الذي كان شديد القرب من عزيز المصري، إلى درجة أنه شاركه في محاولة الهروب الشهيرة إلى السودان، كما يروي السادات في هذه المرحلة قصة عن تدبيره خطةً لأول ثورة مسلحة، يقول إنها كان من المفروض أن تقوم من مرسي مطروح، وتتجمع قواتها عند فندق مينا هاوس لتدخل القاهرة، لكنه وصل إلى مينا هاوس وحده، وظل هناك في انتظار الآخرين من دون أن يصل أحد، معلقاً على ذلك بقوله "ربما كان هذا من فضل الله، فلو فشلت هذه الثورة لما قامت ثورة يوليو". وبالطبع، لا يذكر السادات اسم شاهد واحد على روايته هذه التي تصب في اتجاه كونه أول من جاءته فكرة قيام الجيش بالثورة. وبالطبع، لن تجد لها أدنى ذكر في كتاب "صفحات مجهولة"، لأنها كانت ستتعارض مع ضرورة تمجيد عبد الناصر، وإظهاره بمظهر العقل المدبر الأوحد للثورة.
أنور وروميل ونادية الجندي
بعد أن فشلت محاولة هروب الفريق عزيز المصري إلى السودان، تم القبض على ضباط اشتبه
"لا يذكر السادات اسم شاهد واحد على روايته هذه التي تصب في اتجاه كونه أول من جاءته فكرة قيام الجيش بالثورة"

في اشتراكهم في المحاولة، وكان من بين هؤلاء السادات الذي لم يثبت تورطه في الهروب. وهنا يروي السادات أنه قال لزملائه في تنظيم الضباط الأحرار إنه لا بد من إرسال رسالة إلى القائد الألماني روميل، تعرض التعاون معه ضد الإنجليز، لكن الطائرة التي تم إرسال الرسالة عبرها انفجرت بقائدها، وبعدها بدأت علاقة السادات، عن طريق حسن عزت، بجاسوسين ألمانيين، لتنسيق الجهود ضد الإنجليز، وهي العلاقة التي انتهت بالقبض على الجميع: السادات وحسن والألمانيين. ويروي السادات كيف تفنن في إطلاق الأكاذيب المقنعة لإفشال القضية، وهو ما حدث بالفعل، لكن اعتراف الجاسوس الألماني إبلر أدى إلى اعتقال السادات في سجن الأجانب، ثم في معتقل ماقوسه في المنيا. وبالطبع، روى السادات تفاصيل تلك القصة بشكل خالٍ من المبالغات في كتابه "صفحات مجهولة"، ثم بعد أن سحب الكتاب من الأسواق عقب توليه الرئاسة، أعاد روايتها بشكل مختلف في "البحث عن الذات" بشكل امتلأ بالمبالغات التي لا تتسق مع كونها عملية تعاون فاشلة مع جاسوسين ألمانيين، ولم تكن فتحاً مخابراتياً مبيناً، لتمر الأيام، وتروي نادية الجندي القصة بشكل ثالث في فيلمها "حكمت فهمي"، تحول الجميع فيه إلى ظلال على هامش حكمت ورقصاتها.  
في المعتقل، نشأت بشكل غامض علاقة بين يوسف رشاد طبيب الملك فاروق والسادات، أدت إلى تشكيل تنظيم الحرس الحديدي الذي كان أخطر جمعية سرية قبل الثورة لحماية الملك، والتخلص من خصومه، في حين يؤكد هيكل أن يوسف رشاد كان قد تعرّف على السادات في مرسى مطروح عام 1942، أي قبل دخوله المعتقل، وهو ما تؤكده السيدة جيهان السادات في كتابها "سيدة من مصر"، ويبدو أن ذلك حدث، كما يقول هيكل، حين استطاع يوسف جذب حسن عزت، صديق السادات القديم، للعمل معه، فنبهه حسن إلى أن السادات المُعتقل قد يكون عنصراً نافعا للحرس الحديدي. وهنا يروي هيكل أن زائراً غامضا ذهب إلى السادات في المعتقل، وعلى إثر زيارته، دخل السادات في الحرس الحديدي. وبعد أيام من هذا اللقاء، تم نقل السادات بطريقة غامضة من معتقل المنيا إلى معتقل الزيتون الذي لم يكن معتقلاً بالمعنى المتعارف عليه للمعتقلات وقتها، فقد كان يحفل بأعوان الملك الذين اعتقلتهم حكومة "الوفد"، وكان مكاناً مشهورا بالتساهل الأمني إلى حد التسيب، إلى درجة أن السادات يروي أنه هرب منه مرة هو وصديق له، ليكتب تظلماً في قصر الملك، ثم عاد إلى المعتقل مرة أخرى. سنلاحظ هنا أن موسى صبري، صحفي السادات الأول، يروي في كتابه "السادات الحقيقة
"في المعتقل، نشأت علاقة بين يوسف رشاد طبيب الملك فاروق والسادات، أدت إلى تشكيل تنظيم الحرس الحديدي الذي كان أخطر جمعية سرية قبل الثورة لحماية الملك"
والأسطورة" أنه هرب مع السادات من معتقل الزيتون في المرة الأولى، لكن السادات، حين روى الحكاية في مذكراته، لم يذكر اسم موسى صبري، ربما لأنه شعر أن موسى صحفيه المقرب، لا يرقى إلى أن يوضع في مرتبة شريكه في النضال. وبالطبع لم يبد موسى صبري اعتراضه على ذلك. على أية حال هرب السادات بعد ذلك من المعتقل، هروباً نهائياً، وفي ظروف غامضة جداً، ليشترك في اغتيال السياسي الوفدي، أمين عثمان. بالمناسبة، إذا كنت ترغب في قراءة تفاصيل عن هذه المرحلة، وعن علاقة السادات بالحرس الحديدي ويوسف رشاد، يمكن العودة إلى كتاب ممتع للكاتب رشاد كامل "السادات أسطورة لغز".
السادات قاتلا
في سبتمبر/أيلول 1945، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وسقوط الأحكام العرفية، أصبح من حق أنور السادات الهارب من السجن أن يعود إلى الأضواء، بعد سقوط حكم السجن عنه. وبعد ثلاث سنوات من التشرد والهروب، وصفها بالتفصيل في مذكراته، قائلا "بمجرد أن عاد إلي كياني كمواطن حر طليق، كان أول عمل قمت به هو تكوين الجمعية السرية، فكيف تتحرّر الذات بدون أن يتحرر الوطن". اتصل السادات بشقيق أحد زملائه في الجيش، ليعرّفه على شاب اسمه حسين توفيق، كان مشهوراً بقيامه بعمليات قتل للجنود الإنجليز في المعادي، عرض عليه السادات أن ينضم معه إلى تنظيم مسلح، لأن "الطريق إلى تحرير مصر لا يكون بقتل حفنة من الجنود الإنجليز، ولكن المهم، وقتها، في رأيه كان التخلص ممن كانوا يساندون الانجليز في ذلك الوقت"، وكان في مقدمة هؤلاء في نظره الزعيم مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد الذي سقط في نظر السادات بعد حادث 4 فبراير/شباط 1942، ليتحول من بطل أسطوري إلى هدف للقتل.
كان السادات قد درب أعضاء "تنظيمه" على استعمال القنابل اليدوية، وتم اختيار حسين توفيق ليلقي بقنبلة على سيارة النحاس، بالقرب من منزله في جاردن سيتي، ونجا النحاس بأعجوبة، عندما حاول سائقه تفادي "تروماي"، كاد يصطدم بالسيارة، لتصيب شظايا القنبلة عربة أتوبيس لفتيات يعملن في القوات المسلحة البريطانية، في الوقت الذي كان السادات، مع أفراد تنظيمه، يراقبون فشل العملية، لينسحبوا بعدها في هدوء، ويركبوا الترام إلى ميدان الإسماعيلية الذي أصبح يحمل اسم "التحرير" بعد ذلك، وأصبحت محطة المترو فيه تحمل اسم السادات، وبالتحديد إلى مقهى أسترا، المكان المفضل لاجتماعاتهم. وفي تلك الجلسة، قرّروا التخلص من هدف يسهل الوصول إليه، هو أمين عثمان الذي تولى وزارة المالية طوال حكم النحاس، بعد أن فرضه الإنجليز في 4 فبراير، والذي كان مسانداً بقاء الإنجليز في مصر، بشكل لم يسبق له مثيل، خصوصاً من خلال نشاط جمعيته السياسية "رابطة النهضة"، والتي كان السادات، للعجب، قد التحق بها فترة، كما قال مفسرا ذلك: ".. لم يكن في مصر حزب سياسي واحد لم أدخله، من باب المعرفة ربما، أو من باب البحث عن منفذ نخلص به مما كنا فيه"، وقد اعتبر السادات أن تصريح أمين عثمان الذي أعلن فيه أن مصر وانجلترا تزوجتا زواجاً كاثوليكيا، هو بمثابة حكم بالإعدام عليه، أصدره هو باسم الشعب المصري، وهو ما تكرّر بعد ذلك بحق السادات.
وبالفعل، تم تنفيذ حكم الإعدام في يوم السبت 6 يناير/كانون الثاني 46، بعد عودة أمين عثمان
"كان السادات قد درب أعضاء "تنظيمه" على استعمال القنابل اليدوية، وتم اختيار حسين توفيق ليلقي بقنبلة على سيارة النحاس"
من إنجلترا بيومين. كان أمين قد زار المندوب السامي البريطاني، اللورد كيلرن، في ظهر يوم السبت. وعندما ذهب إلى مقر الرابطة في المساء، كان حسين توفيق الجاهز دائماً للتنفيذ في انتظاره عند باب العمارة حسب الخطة، ليطلق عليه الرصاص، بعد أن ناداه بكل احترام: "يا أمين باشا، يا أمين باشا". لم يكن هروب حسين سهلاً، فقد اضطر لتفجير قنبلة يدوية، ليتمكن من الإفلات من مطارديه. كان السادات وقتها يجلس في مقهى قريب، وبعد سماعه انفجار القنبلة، ذهب ليحوم حول موقع الحادث، ليتأكد من عدم وجود ضحايا بين الأهالي، ثم بعدها ذهب إلى بيته في كوبري القبة، وعندما تأكد خبر الاغتيال في اليوم التالي، أحس السادات أنه تحقق له ما أراد.
بعدها بأيام، قبض البوليس على حسين توفيق، وبعد أيام من التحقيقات المكثفة، اعترف بكل شيء في يوم 10 يناير/كانون الثاني 46، وبعدها بليلتين، تم القبض على أنور السادات وترحيله إلي سجن الأجانب، حيث سبقه زملاؤه، وفي مقدمتهم حسين توفيق الذي علم السادات أن صداقة نشأت بينه وبين وكيل النيابة، محمد كامل القاويش، حتى أنهما أصبحا يسهران ويتعشيان معا كل ليلة، في محاولة من وكيل النيابة، لتثبيت اعترافاته ضد السادات في مقابل تحسين وضعه في القضية، شعر السادات بالغدر، فاتصل بزملائه عن طريق السجانين، وأوصاهم بإنكار اعترافاتهم السابقة، وعندما أحس وكيل النيابة باتصالات السادات، نقله إلى زنزانة بعيدة عن باقي زملائه، وأوصى مأمور السجن بفرض رقابة مشددة عليه.
في التحقيقات، قرّر السادات اتباع أسلوب لإفساد القضية، بادعاء أنه تعرض للتعذيب، ليتم تأجيل التحقيق معه أسبوعاً، كان فيه وكيل النيابة يفكر في طريقة لإدانته، بينما كان السادات يفكر في كيفية إفساد القضية، وقرّر السادات الاتصال بالشخص الوحيد الذي صمد ولم ينهر في التحقيقات، وهو ابن خالة حسين توفيق، واسمه محمد إبراهيم كامل، والذي كان وقتها شاباً صغيراً، لم يكن يعرف أن القدر سيجعله وزيرا لخارجية مصر مع السادات، وأنه سيختلف مع سياسة السادات بشدة ويترك السلطة، ويتم اتهامه بالخيانة. المهم أن محمد إبراهيم كامل استجاب للسادات، ليصعّد السادات اتهاماته لضباط السجن بتعذيبه، ويرسل برقية احتجاج إلى النائب العام. يومها كان القانون وقتها في مصر لا يزال له احترامه، وكان من حق السجين السياسي أن يرسل برقيات إلى النائب العام، يتم إثباتها في محاضر رسمية، ومع أن ذلك الحق بقي نظرياً على الورق حتى الآن، إلا أن ممارسات دولة يوليو بسلطاتها المتعاقبة أطلقت حق النائب العام في تجاهل تلك البرقيات، والتجاوب معها فقط، حين يكون ذلك في "المصلحة العليا للنظام" التي تحددها، بالطبع، السلطة التنفيذية التي يشكو منها المساجين أصلاً.  
وعند مواجهة النائب العام السادات بزملائه، تمسك بعضهم باعترافه، بينما تراجع أحدهم، واسمه عمر أبو علي، عن أقواله، وكان ذلك يعني بداية انهيار القضية، خصوصاً مع استمرار السادات في الحديث عن تعرضه للتعذيب، واستمرار برقياته المطالبة بتغيير وكيل النيابة. وبعدها جرت مواجهة بين السادات وحسين توفيق، فاستطاع السادات، بقصصه المخترعة المحيرة، أن يهز صلابة حسين توفيق. وعندها أحس وكيل النيابة بالخطر، فأصدر قراراً بنقل السادات إلى سجن قره ميدان، وبالتحديد في الزنزانة 54 التي كان لها أكبر الأثر في تشكيل شخصية أنور السادات التي يعتبر السادات أنها حرّرت ذاته، بعد أن عاش معاناةً "لم يستطع كثيرون تحملها، كما تحملتها أنا، بفضل نشأتي بالقرية وخدمتي بالقوات المسلحة". هنا يروي السادات، في مذكراته، أن الشيخ حسن البنا اتصل بشقيقه، وأخبره أن جماعة الإخوان المسلمين خصصت مبلغ عشرة جنيهات شهرياً لمساعدة أسرة السادات، وكان وقتها مبلغاً له قيمة، ويروي السادات ذلك بامتنان، وبعتاب لزملائه الضباط الذين يقول إنهم أوقفوا معونتهم له، منذ خرج من معتقل ماقوسة، في قضية الجاسوس الألماني إبلر التي أصبحت شهيرة الآن بأنها "قضية حكمت فهمي".
ذهبت قضية اغتيال أمين عثمان إلى قاضي الإحالة، ورُفِعت عنها السرية ليتداولها المحامون،
"يروي السادات أن الشيخ حسن البنا اتصل بشقيقه، وأخبره أن جماعة الإخوان المسلمين خصصت مبلغ عشرة جنيهات شهرياً لمساعدة أسرة السادات"
الذين وجدوا أن السادات قوّض أركان القضية بإنكاره وتكذيبه الآخرين، ولام المحامون موكليهم، لأنهم لم يفعلوا مثل السادات، وقالوا لهم حسب رواية السادات: "ليتكم استمعتم لنصائح السادات، إنه رجل، أما أنتم فمازلتم صبية صغارا" (كان عمر السادات وقتها 27 عاماً وكان المتهم رقم 7 في القضية). استمر نظر القضية فترة طويلة، بسبب طلبات المحامين للتأجيل، ليقضي السادات تلك الفترة في الزنزانة 54 منشغلاً في القراءة، قائلا إنه، وهو يتعرف على ذاته في الزنزانة، استطاع التخلص من أزمة عصبيةٍ لازمته زمناً طويلا، وساعده في التخلص منها مقال قرأه في مجلة "رايدرز دايجست" الأميركية الشهيرة. بالطبع، يصف السادات تلك الفترة في مذكراته بشكل ديني ملحمي، يتناسب مع صورة الرئيس المؤمن التي كان حريصاً عليها فيقول "في الزنزانة 54، تجردت من ذاتي، فنعمت بصداقة الله، وعَمُر قلبي بحبه، وأصبح ظله سبحانه وتعالي يحتويني. لقد اكتشفت ذاتي عن طريق الحب، وعندما أنكرت هذه الذات وأذبتها في ذات الكون، أصبح الحب الشمولي لمصر، للكون، للخالق عز وجل، هو المنطق الذي مارست منه، وما زلت، أمارس واجبي في الحياة. حتى الآن، وأنا رئيس جمهورية مصر".
استمرت محاكمة السادات حتى أغسطس/آب 1948، وبعد أن هرب حسين توفيق بشكل غامض، صدر الحكم عليه بالسجن عشر سنوات غيابياً، في حين حصل السادات على البراءة. وهنا يلقي هيكل ظلالاً كثيرة على ما حدث، مؤكداً أن اتصال السادات بحسين توفيق كان، منذ البداية، مرتبا له، وأن لقاء السادات بحسين توفيق لم يكن بين زعيم تنظيم، هو السادات، وراغب في الانضمام إليه هو حسين، كما روى السادات، بل كان العكس هو الصحيح، كما أن التقارير التي سجلت نشاط الحرس الحديدي، والتي خرجت إلى النور بعد الثورة، تكشف أن السادات تم إخراجه من السجن تسللاً في إبريل/ نيسان 1948، بمعونة من القصر وتنظيمه السري، ليشترك في محاولة اغتيال النحاس، ثم يعود إلى السجن تسللاً، واشترك معه في المحاولة الضابطان عبد الرؤوف نور الدين وحسن فهمي، في سيارة تكفلت بتدبيرها إدارة إطفاء الحرائق في القصر الملكي، وبعد أن فشلت المحاولة، تكرّرت، مرة أخرى، بوضع سيارة متفجرة تحت منزل النحاس، وهي محاولة اشترك فيها السادات مع مصطفى كمال صدقي هذه المرة.
يصف هيكل محاكمة السادات في قضية أمين عثمان بأنها كانت أشبه ما تكون بأوبريت هزلي، قائلا ".. والغريب فيها أن ممثل الادعاء قام، في الواقع، بالدور الأساسي في الدفاع، وقد كوفئ على ذلك فيما بعد، حين عينه السادات في منصب اخترعه بنفسه، وهو منصب المدعي الاشتراكي. أما كبير القضاة الذي حكم ببراءة السادات، فقد حصل على أعلى وسام مصري، وهو وشاح النيل، وحسين توفيق الذي حكم عليه بالسجن 15 عاماً، وليس 10 أعوام كما ذكر السادات، فقد رتب القصر عملية هروبه من السجن، وتولي تهريبه إلى سورية، وسط حملة إعلامية قادتها صحافة القصر، راحت تصوره على أنه بطل شعبي".
ومن تصاريف الأقدار، أنه بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على قضية اغتيال أمين عثمان، جاء عبد الحليم رمضان، محامي خالد الإسلامبولي، ليقول بالنص في مرافعته المدوية أمام المحكمة التي نظرت قضية قتل السادات، إن "هناك أوجه تشابه بين السادات وبيجين، فكلاهما إرهابي، وقد بدأ السادات حياته بالتجسس لحساب النازي، ثم جند نفسه في خدمة الحرس الحديدي للملك فاروق، كقاتل محترف مأجور، يتقاضى عن رأس القتيل من أعداء الملك مبلغ ألف جنيه مصري، بشهادة حسين توفيق عليه في قضية الاغتيالات الكبرى. وقد اعترف بسلوكياته الإرهابية في كتابه "البحث عن الذات"، حتى في تعامله مع الأستاذ محمد كامل القاويش، وكيل النيابة ومأمور سجن مصر، عندما كان يدعي عليهما بالباطل تعذيبه وإكراهه، وقد كانت هذه السلوكيات الإرهابية هي الحاكمة في نظام حكمه الذي قام على الإرهاب الفكري والمادي لمعارضيه".
لكن، هل كان يمكن للسادات أن يتخيل أنه سيشرب من الكأس نفسها التي حاول أن يسقيها لمصطفى النحاس، وأنه سيجد من يعتبر مواقفه السياسية سبباً كافياً لقتله، كما فعل مع أمين عثمان، وهل كان سيتراجع عن طريقه، لو كان قد تخيل ذلك، لا أظن، فهو أنور السادات.
يوم الأحد، نواصل استعراض رحلة السادات السياسية، ولكن بعد ثورة يوليو، حيث عاش معززاً مكرماً، في ظلال عبد الناصر.

_________________
كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل Hearts10

حسن بلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل 15781612
كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل Icon_minitime 2015-12-27, 1:15 pm
عن الحقائق والأكاذيب في علاقة السادات بثورة يوليو
ـ كيف تحولت الثورة التي وصلها السادات متأخراً إلى "ثورة يوليو التي أعلنها الرئيس السادات" في مناهج المدارس ـ لماذا أعاد السادات تسجيل بيان الثورة بعد سنين؟ ـ جيهان السادات: التقيت مع أنور بالملك فاروق وخفت على نفسي عندما نظر الملك إلي طويلاً ـ السادات لموسى صبري: عبد الناصر له دين في رقبتي لأنه تولى قيادة الضباط الأحرار بدلاً مني! ـ هيكل يسأل عبد الناصر: لماذا أدخلت السادات في التنظيم برغم تاريخه الغامض ـ السادات يقول لرونالد ريجان أنه شاهد ليلة الثورة فيلماً من تمثيله بينما كان يتفرج ليلتها على الريحاني وكاريوكا.
إذا كانت محاولة كتابة قصة التحاق أنور السادات بالعمل السياسي أمراً صعباً، كما أوضحت في الحلقة الأولى، فالحقيقة أن كتابة قصة علاقته بثورة يوليو أمر أشد صعوبةً، وأكثر غموضاً، ستكتشف هذا بنفسك، وأنت تقرأ كل المذكرات والشهادات التي تحدثت عن تلك الفترة، وأحاول عرض أهم ما جاء فيها في السطور التالية:
في أغسطس/آب عام 1948، صدر الحكم ببراءة أنور السادات في قضية اغتيال أمين عثمان التي كان المتهم رقم 7 فيها، وخرج السادات من السجن بعد 31 شهراً قضاها فيه، ليجد نفسه عاطلاً عن العمل، بعد أن تم فصله من الجيش، فيبدأ العمل في المقاولات مع صديقه القديم حسن عزت، وبالتحديد في مدينة السويس، حيث التقى لأول مرة بزوجته الثانية وشريكة حياته، جيهان صفوت رؤوف، والتي خطبها من أهلها في 29 سبتمبر/أيلول 1948، وتزوجها في 29 مايو/أيار 1949، والغريب أن السادات يروي أن سعي حسن لإلحاقه بالعمل معه لم يكن لوجه الله، بل لأن خلافاً نشب بين حسن وشركاء له، فأحب أن يخيفهم ببطل قضية أمين عثمان، حديث المجلات والصحف، مع أن الصحف والمجلات نفسها كانت قد نشرت براءته في القضية، ونشرت الأحكام التي أوقعت بزملائه، وفي مقدمتهم حسين توفيق، ولم يكن هناك ما يجعل منه مخيفاً لأحد.
وربما كان سعي السادات إلى تبرير قيام حسن عزت بإلحاقه بالعمل، وراءه ما سبق أن تردّد عن كون التحاقه بالعمل الذي در عليه مكاسب مالية كبيرة، قد جاء بدعم خفي من القصر الملكي الذي قرر مكافأة السادات على خدماته له، وهو ما أشار إليه محمد حسنين هيكل في (خريف الغضب)، حين قال إن حسن عزت حصل على تمويل من القصر لكي يعمل في المقاولات، ثم صدرت له إشارة بأن يشرك معه السادات في عمله. بالتأكيد سيشكك بعضهم في هذه الرواية، لما يعلمونه من تحامل هيكل على السادات بأثر رجعي، لكن الحقيقة أن السادات نفسه يعترف بأنه كان على علاقة وثيقة بيوسف رشاد، طبيب الملك الخاص، إلى درجة أن الشيخ حسن البنا، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والذي وقف مع أسرة السادات خلال سجنه، طلب منه، بعد خروجه من السجن، أن يرتب له لقاء مع الملك فاروق، في إطار سعي جماعة الإخوان إلى نيل رضا القصر، بعد مرحلة حدث فيها خلاف بين القصر و"الإخوان"، بعد طول مودة ووفاق. وبالفعل، أبلغ السادات طلب البنا ليوسف رشاد، لكن يوسف أبلغه رفض الملك فاروق، وقد روى السادات ذلك في كتابه "صفحات مجهولة" الذي صادره بعد ذلك.
بالطبع، لم يرو السادات هذه الواقعة المهمة في مذكراته المعدلة، لكنه في "البحث عن الذات" يعترف بعلاقته الوثيقة بيوسف رشاد، حيث يقول إنه، بعد فترة من العمل في الصحافة بوساطة من إحسان عبد القدوس، وبعد أن تزوج من جيهان، عاد ثانية إلى العمل مع حسن عزت، لكنهما اختلفا مالياً، وكان لا بد له أن يترك العمل معه. ولذلك، قرر أن يلجأ إلى صديقه يوسف رشاد "الطبيب في الحرس الملكي"، والذي كان قد تعرف عليه خلال خدمتهما العسكرية عام 1941، وأهداه يوسف كتاباً، يقول إنه ترك في نفسه أثراً عميقاً، هو كتاب جون ستيوارت ميل "النظام الشمولي والحرية والحكم النيابي". وبالطبع، كلنا نعرف من تأمل مسار الحياة النيابية في مصر أي أثرٍ، بالضبط، تركه ذلك الكتاب في نفس السادات.
طلب السادات من صديقه يوسف رشاد التوسط لإعادته إلى الجيش، وهو ما حدث، بعد لقاء تم
"تقول جيهان السادات في مذكراتها "سيدة من مصر"، إن الملك فاروق أخذ ينظر إليها طويلاً "حتى خفت على نفسي"
بتاريخ 10 يناير/كانون ثاني 1950 مع الفريق حيدر باشا، قائد عام القوات المسلحة. ويروي السادات أن حيدر باشا عامله في ذلك اللقاء بعنف، وقال له "أنت ولد مجرم تاريخك أسود"، وحين حاول السادات أن يتكلم، قال له "لا تفتح فمك على الإطلاق"، ثم دق الجرس ليدخل كاتم أسراره، فيقول له حيدر باشا "الولد ده ترجعه الجيش النهارده". وبالطبع، لم يكن ذلك ليحدث الرجوع السريع، من دون موافقة (أو أمر) من القصر الملكي، خصوصاً وأن السادات، كما قال بنفسه، لم يكن شخصية مجهولة، بل كان "حديث الصحف والمجلات"، ولعل ما يقطع بوجود دور مباشر للملك في إرجاع السادات إلى الجيش، ما ذكره السادات بنفسه في مقال كتبه ونشرته جريدة مايو عام 1981، حيث قال إنه ذهب مرة مع زوجته جيهان إلى نادي السيارات في الإسكندرية، ليقابل يوسف رشاد. وهناك، فوجئ بالملك فاروق جالساً في النادي، وبصحبته يوسف رشاد وآخرون، فجلس السادات وجيهان في طاولة قريبة منهما، وجاء يوسف ليرحب بهما ترحيباً شديداً، قائلاً للسادات: "سألني الملك عندما دخلت ورآك: أليس هذا صديقك، يا يوسف، الذي توسطت لإعادته إلى الجيش". بالمناسبة، تؤكد تلك الواقعة جيهان السادات في مذكراتها "سيدة من مصر"، وتضيف أن الملك فاروق ليلتها أخذ ينظر إليها طويلاً "حتى خفت على نفسي"، بنص تعبيرها، لكنها لم تقل كيف كان رد فعل السادات على تلك النظرات الملكية الطويلة والمخيفة.
"دين في رقبتي"
بعد عودة السادات إلى الجيش في 15 يناير/كانون ثاني 1950، جاءه في منزله الجديد في المنيل للتهنئة كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، ويروي السادات أن عبد الناصر قال له إن تنظيم الضباط الأحرار أصبح أوسع انتشاراً، وإن قوته تشتد يوماً بعد يوم، وطلب منه أن يتقدم لامتحان الترقية في الجيش، وألا يقوم بأي نشاط سياسي واضح "لأنني، بسبب تاريخي النضالي، لا بد أن أكون بطبيعة الحال مراقباً"، ولم يفسر السادات كيف يقول له عبد الناصر ذلك، بينما هو يزوره مع عبد الحكيم عامر في بيته، من دون أي احتياطات، بل ويدعوه من أول لقاء، ومن دون أي احتراز، لاستئناف علاقته بالتنظيم "السري". لكن السادات ينتهز فرصة الحديث عن تلك الزيارة، لتذكير القارئ بأن عبد الناصر تسلم قيادة التنظيم من بعده، وأنه أزاح عبد المنعم عبد الرؤوف "الرجل الثاني من بعدي، ليتولى قيادة التنظيم بدلاً منه"، وهو ما تنفيه شهادات كل من شاركوا في إنشاء تنظيم الضباط الأحرار، على اختلاف توجهاتهم، بما فيهم الذين دخلوا في صراع حاد مع عبد الناصر، لكنهم، مع ذلك، يجمعون على أن السادات لا علاقة له بإنشاء التنظيم، وأنه لم يكن في الخلية الأولى للتنظيم، كما زعم، بعد ذلك في مذكراته التي كتبها بالطبع بعد سنين من وفاة عبد الناصر "الله يرحمه"، بل إن عبد اللطيف البغدادي يضيف مفارقة مدهشة في مذكراته، حين يقول إنه عندما اقترح عبد الناصر على قيادة تنظيم الضباط الأحرار ضم السادات، في نهاية عام 1951، وافق الجميع، إلا عبد المنعم عبد الرؤوف الذي وصفه السادات بأنه كان "رجله الثاني".
في الإطار نفسه، وفي حوار للسادات مع صحافيه المقرب موسى صبري، سبق نشر كتاب
"يروي السادات أن عبد الناصر قال له إن تنظيم الضباط الأحرار أصبح أوسع انتشاراً، وإن قوته تشتد يوماً بعد يوم، وطلب منه أن يتقدم لامتحان الترقية في الجيش"
"البحث عن الذات"، نجده يقول: "عبد الناصر تولى أمر تنظيم الضباط الأحرار عندما اعتقلت، وبعد خروجي من السجن، لم يكن لي مكان في الوضع الجديد، وكان من الممكن أن يخشاني عبد الناصر، ورغم أن هذه طبيعة عبد الناصر، فإنه لم يشك فيّ، وأدخلني قيادة التنظيم، وقلت لعبد الناصر إلى أن أموت لك هذا الدين في رقبتي". لكن السادات نسي هذا الكلام بعد ذلك، حين كتب "البحث عن الذات"، وقال، بصريح العبارة، إن عبد الناصر لم يدخله التنظيم لوجه الله والوطن، نافياً أن يكون صديقاً لعبد الناصر، على الرغم من أنهما تعارفا سوياً في سن التاسعة عشرة، متحدثاً عن عبد الناصر بلهجةٍ تختلف عن لهجة المودة الطافحة في سطور كتاب "يا ولدي هذا عمك جمال". انظر، مثلاً، إلى هذه السطور التي يقول فيها السادات: "كانت علاقتنا علاقة احترام وثقة، من جانب كل منا، وليست صداقة على الإطلاق، فلم يكن من السهل على عبد الناصر أن ينشئ علاقة صداقة بمعنى الكلمة مع أي إنسان، وهو المتشكك دائماً الحذر المليء بالمرارة العصبي المزاج". طيب، ما هو إذن تفسير حرص عبد الناصر، على الرغم من شخصيته الشكاكة والحذرة، على ضم السادات إلى التنظيم؟، التفسير ببساطة، كما يراه السادات، هو ذكاء عبد الناصر الذي "أحس أنني قوة لها تجربتها وتاريخها، وأنه سيحتاج هذه القوة لتسانده في الصراعات".
من أجل التليفونات
ومن البديهي أن يثور، هنا، سؤال يلح على كل من يدرس تاريخ هذه الفترة: إذا كان الكل، وفي مقدمتهم عبد الناصر، يعرفون صلة السادات بالقصر، ويعرفون تاريخه الغامض الحافل بالتناقضات، فلماذا يدعوه عبد الناصر إلى الدخول في قيادة التنظيم، بكل هذه البساطة التي تصل إلى حد السذاجة؟، يجيب محامي عبد الناصر الأول والأبرز، محمد حسنين هيكل، على هذا السؤال، مرجحاً الرأي الذي يقول إن عبد الناصر وضع السادات تحت الاختبار، لكي يستغله في معرفة تنظيم الحرس الحديدي المقرب من القصر، والذي كان السادات يعمل معه، لكي يعرف ما إذا كان الملك سيفكّر في استخدام التنظيم ضد الضباط الأحرار، لو أحس بوجودهم. لكن هيكل نفسه في موضع آخر من "خريف الغضب" يكشف، من دون أن يقصد، أنه ليس مقتنعاً بهذا التبرير، حيث يروي أنه سأل عبد الناصر مرة هذا السؤال الذي كان يشغل هيكل، فقال له عبد الناصر إنه كان يريد أن يضع في إطار حركته كل الضباط الذين اقترن اسمهم بالعمل السياسي في مصر، ليفتح بذلك صفحة جديدة معهم ويستفيد التنظيم منهم، قبل أن يقول له عبد الناصر إنه كان يحتاج إلى ضباط من سلاح الإشارة، لتأمين التليفونات، "فقد كان ذلك من أهم العقد التي تواجهنا في الإعداد لخطة الثورة". وستلاحظ، بالطبع، أن هذا التبرير مختلف عن التبرير الذي سبقه، فضلاً عن عدم منطقيته، لأنه ليس معقولاً أن تكشف أسرار تنظيمك بالكامل لشخص تراه غامضاً، لمجرد أنك تحتاج خبرته التقنية التي يمكن أن تتوفر لدى آخرين أكثر منه تخصصاً، بالإضافة إلى أن إجابة عبد الناصر كما نقلها هيكل، إن صحت، تفيد بأن عبد الناصر كان موافقاً على أن تاريخ السادات غامض ومريب، كما تفيد، أيضاً، أن هيكل نفسه كان له رأي سلبي في السادات، وقت حياة عبد الناصر، وهو ما يدفع لألف سؤال وسؤال عن سر انحياز عبد الناصر للسادات ليختاره نائباً له على الرغم من ذلك. وعن سر انحياز هيكل للسادات في صراعه مع من أطلق عليهم اسم "مراكز القوى"، وسأترك لك الحكم على صحة هذه الرواية، بعد أن تتأمل كل تلك الأسئلة. لكن، دعني أقول إنه ربما كان أقرب تفسير إلى المنطق أن السادات، بخبرته في العمل السياسي، قد أدرك أن الرهان على الملك بات خاسراً، خصوصاً بعد هزيمة حرب فلسطين التي وقعت وهو في السجن، وبعد أن وصل السخط الشعبي على الملك إلى أقصى مدى داخل الجيش وخارجه، حيث بدأت حركة الشارع الغاضبة تنبئ لكل متأمل عن فقدان الشارع الثقة في كل الأحزاب السياسية، ولعل ذلك ما دفع أعرقها، وهو حزب الوفد، إلى محاولة تجديد دمائه، بإنشاء الطليعة الوفدية لاجتذاب الشباب المؤمن بالأفكار اليسارية، ولعل ذلك كله دفع السادات لأن يراهن على قوة مشروع الضباط الأحرار، وألا يلعب دور العميل المزدوج، مثلاً، بل أن يكون ناصحاً مخلصاً لعبد الناصر، وهو ما لم يندم عليه فعلاً فيما بعد.
"أنا" وعبد الناصر
بعد عودة السادات إلى تنظيم الضباط الأحرار، ظل مبعداً عن الدوائر العليا للتنظيم، فالثابت
"أدرك السادات أن الرهان على الملك بات خاسراً، ما دفعه لأن يراهن على قوة مشروع الضباط الأحرار، وألا يلعب دور العميل المزدوج"
أنه، حتى نهاية سنة 1951، لم يحضر سوى اجتماعين. وهنا، قرّر السادات بذكاء أن يجيد توظيف علاقته بيوسف رشاد، حيث نقل، في الاجتماع الثاني، معلومات عن تحركات الملك فاروق، كان قد سمعها من يوسف رشاد الذي كان لا يزال محتفظاً بعلاقته الوثيقة به، فأثارت تلك المعلومات اهتمام عبد الناصر، ليقرّر فجأة اصطحاب السادات إلى اجتماع اللجنة التأسيسية، ليجد السادات نفسه لأول مرة في مستوى قيادي أعلى، ولذلك قرّر أن يستغل علاقته بيوسف رشاد لتدعيم تلك النقلة، لكي لا يعود ثانية إلى درجة أقل. يقول السادات في مذكراته: "وجدت يوسف رشاد يأخذ كل ما أقوله أمراً مسلماً به، فلا جدال ولا مناقشة ولا شك من أي نوع، الطريق مفتوح، إذن، لتضليل الملك وتخديره، حتى يقوم تنظيمنا بالثورة... كنت أقدم له معلومات خاطئة، وعندما كان يعرض عليّ منشورات الضباط الأحرار، كنت أوهمه أنها من صنع خيال ضابط معروفٍ بحب التظاهر والعظمة، ولكنه في الحقيقة لا حول له ولا طول، وعندما كانت تصل إليه بعض الحقائق، كنت أعمل جاهداً على تصويرها في عينيه على أنها أكاذيب ومبالغات".

لا يكتفي السادات، في مذكراته، بالتفاخر بهذا الدور، على الرغم من أهميته، فهو يحرص على الظهور بمظهر كاتم أسرار عبد الناصر، حيث يروي أن جمال عبد الناصر كان يهرع إليه فور عودته من رفح، ليشكو له من المصاعب التي يلاقيها من بعض أعضاء التنظيم، وهو ما يصفه هيكل بأنه "صورة خيالية" لا أساس له من الصحة، لأن صداقة ناصر كانت أقوى بضباط آخرين غير السادات، وفي مقدمتهم عبد الحكيم عامر الذي كان يعرف عن عبد الناصر أدق تفاصيل حياته الخاصة، فضلاً عن العامة. يزعم السادات، أيضاً، أنه نصح ناصر، في 1951، بألا تلجأ الثورة لفكرة الاغتيالات، على أساس أن السادات كان خبيراً فيها وأدرك أنها لا تفيد، والحقيقة أنك لن تجد في مذكرات شركاء التنظيم جميعاً ما يدعم هذه الرواية، بل على العكس ستجد ما يناقض رواية السادات، أو على الأقل، يكشف أن عبد الناصر لو كان قد تلقى نصيحة السادات بالبعد عن الاغتيالات، فهو لم يلق لها بالاً، حيث يروي خالد محيي الدين، في مذكراته "والآن أتكلم"، أن عبد الناصر تورّط في محاولة لاغتيال حسين سري عامر، من دون أن يرجع إلى قيادة التنظيم، وعندما عاتبه زملاؤه على ذلك، بعد فشل المحاولة، قال لهم إنه لم يكن يحب أن يورّط أحداً معه.
على أية حال، كان لتلك المحاولة الفاشلة أثر كبير على تفكير عبد الناصر، حيث دفعته للتركيز على حشد أكبر عدد ممكن من الضباط المهمين، للتسريع بحدوث "الانقلاب العسكري" الذي كان مخططاً له في البدء أن يقع في عام 1955، لكن المعلومات التي كان يجلبها السادات من يوسف رشاد عن الملك، وارتباكه الشديد، خصوصاً بعد حريق القاهرة وقلقه من منشورات الضباط الأحرار، وتفكيره في توجيه ضربة وقائية لضباط الجيش المشكوك فيهم، كان لها أثر كبير في قرار عبد الناصر تسريع قرار التحرك وتقديم موعده، وهو ما يعبر السادات عنه بعد إضافة "تاتشه" الخاص، حين يقول: "أنا وعبد الناصر بتنا نقتنع أن حركة الضباط الأحرار لن تجد مقاومة تذكر من جانب الملك، ولذلك، جمعنا الهيئة التأسيسية في فبراير 52، وقررنا قيام الثورة في نوفمبر 52". وبالطبع، حين تقرأ كتاب "صفحات مجهولة"، سيطير حرف النون من رواية السادات، وستجد أن الحديث يركّز دائماً على مركزية دور عبد الناصر في التخطيط لما جرى في يوليو، وتنسيق جهود المشاركين فيه، والمضحك أن مشروع الخطة الأصلية للتحرك يوم 23 يوليو 1952 والمكتوب بخط يد عبد الناصر، يعطي للسادات مهمة وحيدة هي قطع الاتصالات التليفونية في أثناء تنفيذ المراحل الأولى للتحرك، في حين يتحدث السادات في "البحث عن الذات"، كما لو كان، هو وعبد الناصر، يخططان للثورة خطوة بخطوة.
في سينما الروضة
حين اقترب الموعد المحدد للتحرك في ليلة 23 يوليو، كان السادات موجوداً في رفح وقتها،
"يزعم السادات، أيضاً، أنه نصح ناصر، في 1951، بألا تلجأ الثورة لفكرة الاغتيالات، على أساس أن السادات كان خبيراً فيها وأدرك أنها لا تفيد"
وأرسل له عبد الناصر رسالة مع حسن إبراهيم، تسلمها السادات في مطار العريش، يطلب منه النزول إلى القاهرة يوم 22 يوليو، "لأن الثورة قد تحدد لقيامها ما بين 22 يوليو و5 أغسطس"، ووصل السادات بالفعل إلى القاهرة في الموعد المحدد في الرسالة، لكنه لم يجد عبد الناصر بانتظاره في محطة السكة الحديد، كما قيل له في الرسالة، "فقلت إن الوقت لم يحن بعد". وهنا، لا بد أن نتوقف عند واقعة السينما الشهيرة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس، ودفعت كثيرين لاتهام السادات بأنه قرر أن يلعب على الحبلين، ليؤمن نفسه في حالة فشل الثورة، إلى درجة أنه افتعل خناقة هناك، اعتبرها بعضهم رغبة في إثبات وجوده في السينما. لكن السادات يقول إنه، بعد أن أخلف عبد الناصر موعده معه، قرّر أن يذهب مع زوجته جيهان إلى سينما الروضة، والتي أصبح اسمها بعد ذلك سينما منيل بالاس، وقد ظلت تعمل حتى منتصف التسعينات. وكنت أنا وبعض زملائي في الصحافة نتندر بواقعة ذهاب السادات إليها كلما دخلناها، لنسأل في ظل الموات السياسي الذي كان يكتنف مصر وقتها: يا ترى هل يوجد بين الزبائن الآن من يشترك في ثورة لإطاحة مبارك، أو يخطط للهروب من مسؤولية ثورة، حتى أننا، في إحدى المرات، انفجرنا في الضحك، حين رأينا خناقة اندلعت في السينما، لأن ذلك ذكرنا بالخناقة التي قام بها السادات ليلة الثورة، وقال بعضهم إنه افتعلها لإثبات وجوده في السينما، إذا فشلت الثورة.
حين عاد السادات مع زوجته في منتصف ليلة 23 يوليو 1952 من السينما التي كانت كعادتها تعرض ثلاثة أفلام "في بروجرام واحد"، وجد في انتظاره "كارت" من عبد الناصر يطلب فيه أن يقابله في منزل عبد الحكيم عامر، بل وعلم السادات من البواب أن عبد الناصر جاء إليه مرتين في تلك الليلة، وهو ما يمكن تفسيره بإدراك عبد الناصر أهمية وجود السادات، أو لقلقه من غيابه المفاجئ. بالمناسبة، حين التقى الصحافي الناصري، عبد الله إمام، عضو مجلس قيادة الثورة، حسن إبراهيم، والذي حمل رسالة عبد الناصر إلى السادات في مطار العريش، وسأله عن واقعة السينما، قال له حسن إنه ليس مقتنعاً بمبرر السادات، لأن السادات كان يدرك أهمية أن يرسل إليه عبد الناصر رسالة شخصية للحضور إلى القاهرة، وبالتالي، كان عليه إذا لم يجد عبد الناصر أن يذهب للبحث عنه، بدلاً من أن يهرب، ويبرر عدم وجوده ليلة الثورة بأن عبد الناصر لم يستقبله.
في تحقيقه التاريخي لواقعة ذهاب السادات إلى السينما ليلة الثورة، يؤكد الكاتب رشاد كامل أن الواقعة لم تكن سراً مجهولاً تم اكتشافه رغماً عن أنف السادات، كما يصور بعضهم، فالسادات كتب الواقعة بنفسه في صحيفة الجمهورية عقب الثورة، وأعاد روايتها بشكل عادي أكثر من مرة، ولم يحملها بعضهم أكثر مما تحتمل، إلا بعد موت السادات للانتقاص منه، بدليل أن عضواً آخر لمجلس قيادة الثورة، هو عبد المنعم أمين، ذهب ليلتها أيضاً إلى السينما، واعترف بذلك صراحة، لكن لأنه لم يكن يمتلك عداوات السادات، لم يتوقف أحد عند هذه الواقعة. وفي تحقيقه لروايات سينما ليلة الثورة، يكشف رشاد كامل وجود تناقضات عديدة في الروايات، لكن المؤكد أن السادات وجيهان شاهدا في تلك الليلة ثلاثة أفلام هي "القطة المتوحشة ــ غرام ثائر ـ لعبة الست"، طبقاً لإعلان نشرته جريدة المصري، والمثير أن ميول السادات الدرامية جعلته، بعد تلك الليلة بسنوات، يقول للرئيس الأميركي رونالد ريغان، حين التقاه أول مرة في صيف 1981، أن أحد الأفلام التي شاهدها، في تلك الليلة، كان من بطولة ريغان، وهو ما لم يكن صحيحاً بالمرة، لكن ريغان لم يسأل السادات حتى عن اسم الفيلم، بل قال له ضاحكاً "هكذا كان لي دور في الثورة المصرية من دون أن أعرف".
البيان رقم 1
ولكيلا نتوقف أطول من اللازم عند محطة ليلة الانقلاب، أو الحركة المباركة، التي تحولت بعد
"طلب عبد الناصر من السادات أن يذهب لإلقاء بيان الثورة رقم 1 في أستديو الإذاعة، قائلاً له: "لأن لديك صوتاً قوياً، وأنت تجيد الإلقاء"
ذلك إلى "ثورة يوليو المجيدة"، وصل السادات إلى مقر رئاسة أركان حرب الجيش، بعد أن كانت خطة التحرك العسكري والاستيلاء على مفاصل البلد قد تمت بنجاح، بما في ذلك مهمة تأمين التليفونات التي كانت موكلة إلى السادات، والمثير أنه تم منع السادات، وقتها، من دخول مقر رئاسة الأركان، لأن أحداً من الحرس لم يتعرف عليه، فظل ينادي على عبد الحكيم عامر من خارج المقر، بعد أن سمع صوت عبد الحكيم قادماً من بعيد، ليأمر عبد الحكيم الحرس بإدخال السادات، وبالمناسبة رآه هيكل ليلتها، لأنه كان موجوداً في المقر، وكانت تلك الليلة محطة مهمة في علاقة عبد الناصر بهيكل الذي يقول إنه لاحظ أن السادات كان يبدو مشدوهاً من النجاح المذهل لخطة الثورة.
يبدو، هنا، أن عبد الناصر لم يتوقف عند غياب السادات طويلاً، ولم يأخذ ذلك بسوء نية، بدليل أنه طلب من السادات أن يذهب لإلقاء بيان الثورة رقم 1 في أستديو الإذاعة، قائلاً له: "لأن لديك صوتاً قوياً، وأنت تجيد الإلقاء". وقد لا يعرف الكثيرون أن بيان الثورة رقم 1 تم تسجيله بعدة أصوات، منها جلال معوض وصلاح زكي واليوزباشي محيي الدين خلف الله، لكن كل البيانات تم تهميشها وحجبها بعد ذلك تماماً، ليبقى البيان الذي ألقاه السادات بصوته، ويصبح ذلك البيان جزءاً من شرعية السادات رئيساً، قبل أن يخوض قرار العبور في أكتوبر/تشرين الأول 1973، فتتوارى "شرعية يوليو" وتحل بدلاً منها "شرعية أكتوبر"، وحتى بعد ذلك، ظلت ثورة يوليو توصف في الكتب المدرسية، بأنها "ثورة يوليو التي أعلنها الرئيس السادات"، وهو بالطبع ما لم يكن يقال في عهد الزعيم الأوحد جمال عبد الناصر، الذي توارى في ظل حكمه دور زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة، بل وتم تماماً تغييب دور شخص، مثل يوسف صديق، لم يكن ممكناً أن تنجح الثورة لولا قيامه، وذلك بعد خلافه مع عبد الناصر في أزمة مارس/آذار 1954.
فيما يخص البيان رقم 1 أيضاً، يروي الصحافي عبد الله إمام في كتابه "حقيقة السادات" طبقاً لشهادات عاملين في الإذاعة المصرية، أن البيان الذي ظل متداولاً حتى الآن بصوت السادات، لم يكن البيان الأصلي الذي سجله السادات فجر الثورة، وأن السادات أعاد تسجيل البيان بصوته بعد وصوله إلى الرئاسة، في ظل ظروف أفضل نفسياً وفنياً وهندسياً، معتبراً أن ذلك كان جزءاً من هواية السادات التمثيلية التي لازمته حتى اللحظات الأخيرة. والمضحك أن السادات يروي، في مذكراته، واقعة البيان كالآتي "هكذا كانت فرحتي بها، أكبر وأجمل من أن أتحملها وحدي. ولذلك، ما إن طلع صباح 23 يوليو 1952، حتى هرعت إلى الإذاعة أعلن ميلاد الثورة، ليشاركني الناس ما أنا فيه من سعادة". وبالطبع، لم يجرؤ أحد ممن راجعوا الكتاب أو شاركوا في صياغته، أن يذكّر الزعيم بأن أحداً لن يصدّق أنه هرع من نفسه إلى الإذاعة، من دون أن يتلقى تكليفاً من عبد الناصر، ومن دون أن ينسق مع أحد.
السادات زاهداً
كان السادات، في "البحث عن الذات"، يروي قصة اشتراكه في الثورة، بعد أن صار "آخر الفراعنة"، على حد تعبيره الشهير، ولم يعد مجرد ضابط وصل متأخراً ليلة الثورة (ظهرت الطبعة الأولى من الكتاب في إبريل/نيسان 1978). ولذلك، التزم بالعادة المصرية في كتابة التاريخ، وكان لا بد أن يحكي عن الثورة بوصفها حدثاً كان هو صانعه الأهم والأبرز، وليس مجرد ترس في عجلتها. تعال مثلاً لنقرأ هذا الموضع الذي يقول فيه: "والآن، وقد تحققت الرسالة، وشاركت أنا بالفعل في تحقيقها، فأعلنت ميلاد الثورة، وأخرجت الملك من البلاد، وواجهت بريطانيا التي كانت تمثل عدو الشعب رقم 1، وعلمته درساً كنت أتوق إليه من زمن"، أو مثلاً هذا الموضع الذي يقول فيه: "لا أعلم إذا كان من حسن حظي، أو العكس، أنني كنت الوحيد من بين أعضاء مجلس الثورة الذي كتبت عليه مواجهة جميع الأحداث، منذ إعلاني قيام الثورة إلى خروج الملك من مصر. وتسبب هذا في خلق حساسيات كثيرة بيني وبين زملائي في مجلس قيادة الثورة، خاصة وأنني كنت الاسم الوحيد المعروف بينهم لدى الجماهير، نتيجة لنضالي السياسي الطويل، وبعد أن خلقت مني الصحف والمجلات بطلاً أسطورياً في قضية مقتل أمين عثمان".
بعيداً عن التفاخر والرغبة في إعادة كتابة التاريخ، كان السادات يكتب هذا الكلام بهذه النبرات الحادة، ليمهد لقارئ مذكراته فترة عيشه في جلباب عبد الناصر، سنوات عديدة، تراجع فيها دوره السياسي، بعد أن أدى المهام الموكلة إليه من عبد الناصر عقب الثورة، ومن بينها متابعة تفاصيل خروج الملك من مصر على يخت المحروسة، وهي المهمة التي لم يؤدها السادات وحده، بل شاركه فيها جمال سالم، ومهمة الاتفاق مع السياسي المخضرم، علي ماهر، لكي يتولى رئاسة أول مجلس للوزراء بعد الثورة. وهي مهام جعلت السادات ينتشي فيما يبدو، ليستغل علاقاته القديمة بالصحافيين، خلال فترة عمله القصيرة في دار الهلال، وفي مقدمتهم الصحافي اللامع إحسان عبد القدوس، ليدلي بحوارات صحافية كثيرة ومتكرّرة، أعطى لنفسه فيها أهمية أكبر من دوره الحقيقي، وهو ما أغضب زملاءه من الضباط الذين كانوا يعرفون قصة التحاقه المتأخر بركب الثورة، فأخذ بعضهم (كما يروي هيكل) يوجهون له ملاحظات جارحة في اجتماعات مجلس قيادة الثورة، لكن عبد الناصر كان ينحاز له دائماً في تلك الاجتماعات. وحين انشغل عبد الناصر بمهامه القيادية المتشعبة، قرّر السادات بعد استكشاف علاقات القوى، أن يلتصق بعبد الحكيم عامر، لكنه احتفظ من وقائع تلك الفترة بمرارة لازمته سنين، ستبدو لنا جلية، مهما حاول إخفاءها، خصوصاً في السطور التالية من مذكراته: "ما إن نجحت الثورة، حتى أصبحت لا أريد أي شيء، وأصبح أي شيء في نظري يساوي أي شيء آخر. ولذلك، كنت أقف دائماً بعيداً عن أية معركة تدور بينهم، وكان تفسيرهم سلوكي هذا أنني عديم الاهتمام والمبالاة بكل شيء، غير قادر على البت في الأمور، ولم يخطر على بالهم أنني أبتعد ترفعاً لا عجزاً، وامتلاءً بذاتي لا خواءً ولا خوفاً، بل حرصاً على الثورة، وحرصاً على أن تظل المجموعة مترابطة، لأن هذا لا بد أن ينعكس على البلاد، وتعالياً على صغائر الأمور، وفي مقدمتها السلطة".
والحقيقة أن هذا الكلام "العاطفي" المنمق كان سيكون له الكثير من الوجاهة والاعتبار، لو كان السادات قد عرض عليه أصلاً منصباً رسمياً، فاعتذر عنه زهداً وتعففاً، لكن الحقيقة المؤكدة أنه لم يعرض على السادات أي منصب رسمي، بدءاً من عام 1953، حين قرّر مجلس قيادة الثورة أن يتولى بعض أعضائه مسؤوليات رسمية، لأن كثيرين من زملائه كانوا يعتبرونه آخر المنضمين إلى قطار الضباط الأحرار. ولذلك، هو لا يستحق أن يعامل مثلهم، ويسند إليه ما يسند إليهم من مناصب رفيعة. لكن، ولسابق اشتغال السادات بالصحافة، ولمعرفة عبد الناصر بولعه بدنيا الصحافة، عهد إليه بمهمة الإشراف على جريدة "الجمهورية"، ولم يعتذر السادات الزاهد عن المهمة، على الرغم من أنها تسلط عليه أضواء صحافية كثيرة، بل مارس مهمته بحماس شديد، وكان يكتب بشكل متكرر في "الجمهورية" مقالات تفرد لها مساحات كبيرة، كان الكثير داخل مصر وخارجها يعتبرها لسان حال الثورة، خصوصاً قبل أن يظهر من يتولى الحديث صحافياً باسم الثورة، كهيكل وغيره. وللأسف، تسبب هذا الحماس في أزمة دبلوماسية، تحولت إلى فضيحة صحافية، كان يمكن أن تطيح ما تبقى من أحلام السادات السياسية، لولا قدرته على إثبات ولائه الدائم لعبد الناصر.

_________________
كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل Hearts10

حسن بلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل 15781612
كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل Icon_minitime 2015-12-28, 11:16 am
في ظلال عبد الناصر: من القفا الخنزيري إلى بيت الهرم
ـ عبد الناصر يقول للسادات قبل يونيو 67: البلد بتحكمها عصابة يا أنور ـ وبعد الهزيمة يقول له: انت مسكين زيك زي الشعب يا أنور بتصدق بيانات القيادة ــ ما الذي حدث عندما استمع مجلس قيادة الثورة إلى نكتة الثعلب المصري الذي هرب إلى ليبيا؟ ـ لماذا حاول هيكل تلبيس السادات مسؤولية حرب اليمن ولماذا حاول حسين الشافعي تلبيسه مسؤولية الوحدة مع سورية ـ السادات يهرب من مضايقات زملائه ويكتب استقالته طالبا السماح له بالعيش في لبنان ليستمتع بالجمال.
الحكاية وما فيها، أن أزمة دبلوماسية وقعت في عام 1953، بسبب واحد من المقالات الكثيرة التي كان أنور السادات يكتبها، وينشرها في صحيفة الجمهورية التي كلفه مجلس قيادة الثورة بإدارتها، حيث أغضب المقال السفير الأميركي الذي اشتكى لجمال عبد الناصر من مقال السادات الذي شتم جون فوستر دالاس (وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس إيزنهاور) في إطار حملة مصر الشرسة على مشروع حلف بغداد، فاستدعى عبد الناصر السادات لسؤاله بالتحديد عن عبارة وردت في المقال، تقول "إننا نريد أن نصفع دالاس على قفاه الخنزيري"، ليفاجئه السادات بأنه لا يعرف شيئاً عن العبارة، وأنه أصلا لم يقرأ المقال المنشور باسمه، وحين استفهم عبد الناصر عن سر حدوث ذلك، اعترف السادات أنه يعطي أفكاره إلى أحد كتاب جريدة الجمهورية، ليصيغها له وينشرها باسمه، فطلب منه عبد الناصر أن يراجع في المستقبل ما ينشره باسمه. وعلى الرغم من أن هيكل يقول إن هذا الموقف تكرّر كثيراً، لكنه لا يقول لنا لماذا سمح عبد الناصر للسادات بأن يستمر في منصبه، ليكرّر فعلته أكثر من مرة.
لم يكن مشهد "القفا الخنزيري" أول بخت السادات مع الأميركان، فقد سبقه الكثير من الود والتودد، ليس مع السادات وحده، بل مع ضباط الثورة كافة، وهو ما يكشفه السادات في مذكراته، حين يقول: "قبل أن أعلن قيام الثورة، وفي فجر ليلة 23 يوليو، فكّرنا في الاتصال بالأميركان لنعطيهم فكرة عن أهداف الثورة وطبيعتها، فقد كانت صورة أميركا في أذهاننا مقترنة بحماية الحرية ومناصرة حركات التحرر"، من دون أن يذكر نموذجاً لحركات التحرر التي ناصرتها أميركا في ذلك الوقت، لكنه يذكر، بعد ذلك، سبباً آخر للقاء من دون أن يشرحه، وهو "رغبة الثورة في تحييد الإنجليز".
كان علي صبري الضابط المسؤول بمخابرات الطيران ورئيس الوزراء فيما بعد، هو الذي استخدمه الضباط الأحرار للاتصال بالأميركان، لأنه كان صديقاً للملحق العسكري الأميركي. وبالفعل، تم نقل رسالة الضباط إلى مستر كافري، السفير الأميركي، في ساعة مبكرة من صباح 23 يوليو، وكما يقول السادات "اعتبر السفير الأميركي كافري هذا لفتة طيبة منا، وخاصة أنه كان صديقاً شخصيا للملك فاروق، وبالفعل، كان اتصالنا به بداية علاقة طيبة بيننا وبينه، حتى أنه في الوقت الذي كان فيه الإنجليز يبذلون كل جهدهم لمعرفة من هم رجال الثورة، كان السفير الأميركي قد دعانا إلى العشاء في بيته بالسفارة، فلبينا جميعا دعوته، أعضاء مجلس الثورة جميعا".
بالتأكيد، أصبحنا نعلم الآن أن مشهد "القفا الخنزيري" لم يكن أيضا آخر بخت السادات مع الأميركان، فقد بدأت العلاقة تتوثق بين الطرفين، منذ زيارة السادات إلى أميركا عام 1966 في إطار سعي عبد الناصر إلى تحسين العلاقات مع الأميركان، وهي الزيارة التي شهدت تفاصيل مغرقة في العبثية، رواها أحد الشهود عليها، المحامي المخضرم أحمد طلعت، في شهادته التي سبق أن عرضت لها من قبل، والتي ستجدها في كتابي "فيتامينات للذاكرة"، وقد أشار السادات نفسه إلى الزيارة برضا بالغ في كتابه "البحث عن الذات"، قائلا "استقبلونا أحسن استقبال، وعندما زرت الكونغرس، أجلسوني على مقعد الرئيس، وهو نفس الكرسي الذي جلست عليه عند زيارتي لأميركا عام 1975". وعلى الرغم من أن الزيارة لم تحقق أهدافها، بسبب تصريح ناري أطلقه عبد الناصر ضد أميركا، خلال وجود السادات هناك، وهو ما أثار استغراب السادات كثيراً، إلا أن تلك الزيارة، بكل تفاصيلها الإنسانية، شكلت محطة مهمة في علاقة السادات بالأميركان التي تطورت عبر السنين، حتى وصلت إلى حد تصريح السادات علانية أن 99 في المائة من أوراق اللعبة بيد الأميركان، وهو التصريح الذي أدى إلى إبعاد السادات كل من يعارض الهوى الأميركي من بين مساعديه، أياً كانت كفاءتهم السياسية أو الدبلوماسية، وهو بالطبع ما لم يكن ليحلم به السفير الأميركي في ذلك اليوم الذي احتج فيه على عبارة "القفا الخنزيري".
في جلباب عبد الناصر
في كتابه "البحث عن الذات"، يرسم السادات صورة شديدة القسوة للطريقة التي كان يعامله بها الجميع في مجلس قيادة الثورة، بمن فيهم عبد الناصر، فهو يروي، مثلاً، أن عبد الناصر قال له مرة في أحد الاجتماعات "انت قاعد تلخص كلام الأعضاء وتتكلم كلاماً لا معنى له، وتتصرف كأنك رئيس مجلس قيادة الثورة". وفي موضع آخر، يروي السادات أنه حين قال، في اجتماع للمجلس، إنه لا يريد تولي منصب وزاري، لأنه لا يفهم إلا في السياسة، فقال له صلاح سالم متهكماً: "وما هي السياسة التي تفهم فيها؟"، فقال له السادات "أنا أقصد بالسياسة كيف نوصل مصر من أقصر وأسرع طريق إلى أمانينا"، فغضب صلاح سالم من كلامه وكأنه ارتكب جريمة، "واشترك معه البعض وعلى رأسهم عبد الناصر". يقول السادات متأثراً مما حدث: "لم يهمني صلاح سالم، فقد كان معروفا بحب الظهور والتهجم، ولكن هالني أن ينضم إليه عبد الناصر، وهو من كان يربطني به رباط من الاحترام المتبادل". وكالعادة يفسر السادات ذلك بحقد زملائه عليه، لأنه كان الأشهر لدى الشعب، وهو التفسير نفسه الذي يستخدمه، حين يتحدث عن دأب محمد نجيب، رئيس مجلس قيادة الثورة، على مهاجمته، وهو ما دفع السادات لأن يكتب استقالته من مجلس قيادة الثورة، ويطلب جوازات سفر له ولزوجته، لكي يعيش في لبنان. لكن، لماذا لبنان؟، يسأل السادات، ويجيب قائلا "لأنني كنت أسمع أنها بلاد جميلة غنية بمناظرها الطبيعية، وأنا أحب الجمال، ويسعدني أن أعيش مع الطبيعة".
لم يقبل عبد الناصر استقالة السادات، وحرمه من حلم العيش في لبنان، فبعد عزل محمد نجيب، وتشكيل عبد الناصر الوزارة عام 1954، وبعد أن أبعده عبد الناصر عن جريدة "الجمهورية"، منحه منصب وزير دولة، ولكن من دون أي مهام محددة، وهو ما يبرّره السادات قائلاً: "كان جمال يصف هذا الموقف بيني وبينه بأنني رجل الدورية الذي يبقى في الخارج، لكي يضمن سلامته"، لكن عبد الناصر قرّر، فيما بعد، أن يعطي السادات مهمة أكثر تحديداً، حتى لو لم تكن تبدو ذات أهمية كبرى، فمنحه، في عام 1955، منصب الأمين العام للمؤتمر الإسلامي، لكن السادات، من خلال ذلك المنصب الذي يبدو شرفياً، قام بتكوين عدد كبير من الصداقات مع السياسيين العرب، كان أبرزهم كمال أدهم، صهر الأمير فيصل (الملك فيما بعد)، والذي أصبح فيما بعد مشرفاً على المخابرات السعودية، ليلعب دوراً خطيراً في دعم علاقات السادات مع الأميركان.
"بعد عزل محمد نجيب، وتشكيل عبد الناصر الوزارة عام 1954، وبعد أن أبعد عبد الناصر السادات عن جريدة "الجمهورية"، منحه منصب وزير دولة، ولكن من دون أي مهام محددة"
حين انتهى مجلس قيادة الثورة رسمياً في 22 يونيو 1956، بعد انتخاب عبد الناصر رئيساً للجمهورية بالاستفتاء، لم يحزن السادات على ذلك، فقد كان منبوذاً طوال الوقت داخل المجلس، وكان قد قرر أن يترك نفسه لعبد الناصر، ليضعه في أي منصب، مهما كانت أهميته منخفضة. ومع ذلك، يحرص السادات، في مذكراته، على أن يعلن سخطه بأثر رجعي على أوضاع البلاد التي كان "الشعور بالخوف يعمها"، بنص تعبيره، على الرغم من أن شعبية عبد الناصر كانت، في ذلك الوقت، في أعلى معدلاتها، بفضل تأميم قناة السويس، وما تم تسويقه شعبياً بوصفه نصراً على العدوان الثلاثي، لكن السادات يرى عكس ذلك تماماً، ليتحدث عن إدانة الشعب عبد الناصر وقيادته، حتى أنه يحكي عن استماع مجلس قيادة الثورة قبل انتهاء أعماله رسمياً، إلى نكتة انتشرت في البلاد، تقول: "كان فيه مرة تعلب، عدّى الحدود ودخل ليبيا، مسكوه هناك، وقالوا له: انت جاي هنا ليه، قال لهم: أصلهم في مصر بيمسكوا الجمال، قالوا له: لكن إنت تعلب، قال لهم: حلني على ما يعرفوا إني تعلب". ويعلق السادات على النكتة التي ينسبها بعضهم إلى مرحلة لاحقة، قائلا "نقلت إلينا النكتة ونحن في مجلس الثورة فضحكنا طويلاً، وكان الأجدر أن نعي ما تتضمنه من إدانة الشعب لنا، فنتدبر أمورنا قبل فوات الأوان". ويبدو أن الحالة الدرامية التي كانت تتلبس السادات، وهو يكتب المذكرات، قد جعلته ينسى أنه، قبل صفحات من تلك السطور، كان قد اعترف صراحة أنه كان من الذين صوتوا ضد الديمقراطية في بداية مجلس قيادة الثورة، وأنه كان يرى أن الشعب زهق من الديمقراطية والحريات، وأنه يحتاج إلى الديكتاتورية العادلة لحكمه، وهو ما طبقه عبد الناصر بالفعل، بعد أن كان الوحيد الذي رفضه من قبل، فلم يجد من السادات أدنى نصح أو اعتراض، بل وجد منه مباركة وتأييدا طول الخط.
أول نوبة قلبية
في عام 1957، وبعد تشكيل أول برلمان "منتخب"، قال عبد الناصر للسادات إنه سيسند إليه منصب رئاسة المجلس "المنتخب"، لكنه فوجئ قبل انعقاد المجلس "المنتخب" بثلاثة أيام يغير رأيه، ويقول للجميع أنه سيسند منصب رئاسة المجلس "المنتخب" إلى عبد اللطيف البغدادي، ويعرض على السادات منصب وكيل المجلس، ليكتم السادات مرارته وغضبه، ويوفرها لمذكراته بعد عشرين عاماً من وقوع ذلك، ويوافق على قبول المنصب، على الرغم من استغراب زملائه وأصدقائه. ويبدو أن عبد الناصر لم ينس وعده القديم للسادات، ففي عام 1960، وبعد قيام الوحدة مع سورية بسنتين، منح عبد الناصر منصب رئيس مجلس الأمة المشترك بين مصر وسورية للسادات، وفي حين يعتبر السادات ذلك تأكيداً على ثقة عبد الناصر فيه، فإن هيكل يقول إن عبد الناصر برّر له ذلك القرار ضاحكاً بأن السادات هو الوحيد الذي يستطيع أن يخطب بصوت عال، مثل كل البعثيين السوريين.
يبدو هيكل هنا أرحم بكثير من عدو آخر للسادات، هو حسين الشافعي، عضو مجلس قيادة الثورة غريب الأطوار، والذي قال إن الوحدة مع سورية "كانت طعما أميركياً لمصر، ساعد على تقديمه السادات الذي كان، كما تقول الواشنطن بوست، عميلا للمخابرات الأميركية منذ الستينات". وبالطبع، لم يكلف الشافعي نفسه عناء تذكّر أن الوحدة مع سورية قامت عام 1958، قبل الموعد الذي يحدده لعمالة السادات للمخابرات الأميركية. وبالتالي، لم يكلف نفسه أيضاً عناء نشر تاريخ العدد الذي أذاعت فيه "واشنطن بوست" ذلك السر الخطير المزعوم، والحقيقة أن ما قاله الشافعي لا يختلف كثيراً، في جوهره، عما حاول محمد حسنين هيكل فعله، حين أكد في كتابه "خريف الغضب" أن السادات هو الذي ورّط عبد الناصر في حرب اليمن، وأن ذلك حدث بسبب علاقة السادات الوثيقة بالسياسي اليمني، عبد الرحمن البيضاني (اسمه كده والله)، والذي أوهم السادات بأن التدخل المصري في اليمن سيكون سهلاً ومحدوداً، وبعد أن حدث ما حدث من خسائر مروعة في حرب اليمن، كان عبد الناصر (طبقاً لرواية هيكل) لا يكف عن تذكير السادات بما قاله له. صحيح أن السادات يعترف في مذكراته أنه كان مسؤولاً عن الجانب السياسي في حرب اليمن، إلا أنه يحمّل عبد الحكيم عامر مسؤولية الفشل العسكري، موجهاً له اتهامات خطيرة بأنه قلب الحرب إلى "تجارة ومنفعة، وأصبحت مسرحاً جديداً يثبت عليه عامر أقدامه، وينشر نفوذه، بحيث لا يستطيع أحد أن يزحزحه عن مكانه كمركز القوة الأول في مصر". ويبدو أن كراهية السادات المتحكمة في هيكل أنسته أن محاولة تلبيس السادات مسؤولية حرب اليمن تسيء إلى عبد الناصر في المقام الأول، لأنها تظهره رجلاً غِرّاً مندفعاً، يقوم بإرسال قواته إلى بلد، لمجرد رأي شخص، زعم هيكل بنفسه أنه لم يكن موثوقاً فيه.
قبل أن تتورط مصر في حرب اليمن التي أثرت سلباً على الجيش المصري، على الرغم من كل نياتها الحسنة، وقبل أن تنجح النيات الحسنة نفسها في الإبقاء على الوحدة مع سورية، لتنهار رسمياً في عام 1961، كان عبد الناصر والسادات قد شهدا في عام 1960 تطورات قاسية على المستوى الشخصي، حيث أصيب عبد الناصر بمرض السكر، وأصيب السادات بنوبة قلبية في يوم 15 مايو/أيار، والذي تصادف ارتباطه بتطورات مهمة في حياته بعد ذلك. كان السادات قد تخلى عن وجوده في الاتحاد القومي (أول تنظيمات عبد الناصر الشعبية التي حاول بها إيجاد تنظيم سياسي حاكم، على غرار الأحزاب الشيوعية الحاكمة في الاتحاد السوفيتي والصين، والذي تحول فيما بعد إلى الاتحاد الاشتراكي، ثم في عهد السادات بعد ذلك إلى الحزب الوطني). وذلك بسبب شعور السادات أن عبد الناصر بدأ يأخذ موقفاً منه بسبب "وشايات مغرضة" لم يحدد طبيعتها، لكنه يقول إن عبد الناصر استدعاه بعد شفائه من الأزمة القلبية، ليسأله عن صحة ما كان صلاح سالم يشيعه أن السادات يزعم أن عبد الناصر سبب إصابته بالقلب، لينفي له السادات ذلك بقوة، ويبرّر مرضه بمعاناته من الرطوبة الشديدة في مدينة كوناكري الغينية التي سافر إليها رئيساً لمؤتمر التضامن الآسيوي الأفريقي، فضلا عن "التعب والإرهاق الذي عانى منه قبل الثورة وبعدها"، لتنتهي الأزمة، ويقرر عبد الناصر الإبقاء على السادات رئيساً لمجلس الأمة، بعد انتهاء الوحدة مع سورية.

"البلد بتحكمها عصابة يا أنور"
بقي السادات رئيساً لمجلس الأمة خلال الفترة العصيبة التي أعقبت الانفصال، وكما يقول هيكل، فقد "كانت أظهر ملامح نشاطه هي الخطبة التي يلقيها كل عام أمام عبد الناصر ليرحب به في المجلس، ويبايعه بالزعامة"، من دون أن يفسر لنا هيكل لماذا وافق عبد الناصر "الزعيم المحنك الملهم" على منح منصب سياسي مهم مثل هذا لشخصٍ لم يكن يفعل شيئاً سوى مبايعته بالزعامة، ولا لماذا لم ينصح هيكل عبد الناصر بأن يختار لهذا المنصب شخصاً فعالاً يساعده على تنشيط الحياة السياسية، خصوصاً أن هيكل، كما يقول لنا في كتبه، لم يكن يكف عن إسداء النصح لعبد الناصر.
مع ذلك، يجب الإشارة إلى أن السادات، في مذكراته، لا يلقي أهمية كثيرة للفترة التي قضاها رئيساً لمجلس الأمة، فهو لا يذكر أي أمثلة على نشاطاته في ذلك المنصب السياسي المهم، مع أنه يذكر بعض نشاطاته خلال توليه منصب رئاسة المؤتمر الإسلامي، كما يخصص صفحاتٍ عديدة لسرد تفاصيل الصراع الشرس بين عبد الناصر وعامر على مقاليد الحكم في البلاد، مؤكدا أنه كان، طوال الوقت، منحازاً لعبد الناصر. وعلى الرغم من أنه يستفيض في شرح الخطايا السياسية التي ارتكبها عامر في ذلك الوقت، ويمعن في وصف استسلام عبد الناصر لسطوة عامر، إلا أنه لا يذكر أنه اعترض على كل ما كان يجري في البلد من مهازل، سوى مرة وحيدة في عام 1966، حين قامت لجنة تصفية الإقطاع التي كان يرأسها عامر، بفرض الحراسة على عدد من عُمَد وأعيان مركز تلا القريب من بلدة السادات ميت أبو الكوم، وحين عرف السادات بذلك في زيارته قريته، أخذ سيارته غاضباً، وعاد إلى القاهرة ليتصل بعبد الحكيم عامر، معبراً عن غضبه من القرار، فما كان من عبد الحكيم إلا أن ألغى القرار، وهو ما يذكره السادات بفخر، قائلا إنه "كان هذا هو القرار الوحيد الذي تراجعت عنه لجنة تصفية الإقطاع في نفس يوم صدوره"، ولأن السادات يتوقع أن تثير تلك الحكاية تساؤلاتٍ في عقل القارئ، حول سر انحيازه فقط لأهل بلدته، نراه يضيف قائلاً إنه "سمع بعد ذلك" قصصاً رهيبة عن ممارسات اللجنة، وقيامها باقتحام البيوت وطرد النساء منها، مع أنه كان، قبلها بعدة صفحات، يتحدث بحرقة عن المظالم التي شهدتها البلد في السنوات التي سبقت هزيمة 1967، بل وصل به الأمر إلى أن يروي كيف ذهب لزيارة عبد الناصر بشكل مفاجئ في فبراير/شباط 1967، فوجد عبد الناصر مهموماً، فقال له: "مالك شايل الدنيا على دماغك، ليه يا جمال"، فقال له عبد الناصر: "يا أنور، البلد بتحكمها عصابة، وأنا مستحيل أكمل بهذا الشكل، والصورة سيئة يا أنور، وأنا حاسس إن احنا داخلين على كارثة".
"كانت الفترة التي أعقبت هزيمة 67، أو الكارثة كما يسميها السادات، أو النكسة كما دلّعها هيكل، أخصب فترة في علاقة عبد الناصر والسادات، منذ التقيا أول مرة قبل ثورة يوليو بسنوات، وهو ما لم ينكره هيكل نفسه"
لكن إحساس عبد الناصر المبكر بالكارثة، لم يمنع وقوعها في 5 يونيو/حزيران 1967. وهنا، يروي لنا السادات رواية عجيبة أخرى، يقول إنها وقعت في يوم 9 يونيو، حين سمع بياناً من القيادة العامة، يقول إن "اليهود قد عبروا إلى الضفة الغربية للقناة"، ففار الدم في عروقه، وارتدى زي المقاومة الشعبية، وأخذ بندقيته ذات التليسكوب، وذهب إلى مجلس الأمة، ليصدر تعليمات لأمينه العام بأن يطلب من النواب ذوي الخلفية العسكرية "أن يجمع كل منهم من مائة إلى مائتي رجل، ليجهزوا لمقاومة الإسرائيليين في المكان الذي أحدّده لهم، ثم ذهبت للقاء عبد الناصر فوجدته جالساً في حجرة مكتبه في بيته بمنشية البكري، فقلت له: انت قاعد هنا مستني إيه، لازم، يا جمال، تقوم عشان نوديك الصعيد، لإننا حنكمل المقاومة من هناك"، فقال له عبد الناصر: "اقعد يا أنور اقعد"، لكن أنور رفض، وقال لعبد الناصر إن "قعاده في القاهرة غلط"، فرد عليه عبد الناصر قائلا "والله إنت مسكين يا أنور، زيك زي الشعب تمام، إنت صدقت البيان، أنا عارف البيانات بتصدر إزاي، دي كلها كلام فارغ"، مضيفا أنه أرسل زكريا محيي الدين، ليتأكد أن الجيش الإسرائيلي لم يعبر إلى الضفة الغربية للقناة. ثم يطلب منه الهدوء، لكي يكتب خطاب التنحي، الذي يقول السادات إنه كان أول من قرأه في مصر، وهو ما تناقضه كل شهادات الذين حضروا هذه الفترة، وتناقض أيضاً حقيقة أن هيكل كان شريكاً لعبد الناصر في كتابة خطاب التنحي، لكن السادات وحده كان له رأي آخر بالطبع.
إزالة آثار النكد
كانت الفترة التي أعقبت هزيمة 67، أو الكارثة كما يسميها السادات، أو النكسة كما دلّعها هيكل، أخصب فترة في علاقة عبد الناصر والسادات، منذ التقيا أول مرة قبل ثورة يوليو بسنوات، وهو ما لم ينكره هيكل نفسه، حيث يؤكد أن السادات زاد قرباً من عبد الناصر في تلك الأوقات الصعبة، ليصبح بيت السادات في الهرم المكان الوحيد الذي يقضي فيه عبد الناصر أوقاتاً إنسانية لطيفة، وسط ما كان يعانيه من هموم "إزالة آثار العدوان". يحاول هيكل تفسير ذلك بالقول إن السادات كان الوحيد الذي لم يكن يضغط على أعصاب عبد الناصر بإثارة أي مناقشات سياسية أو عسكرية، أي أن السادات، من وجهة نظر هيكل، كان ببساطة "مضحك الملك"، لكن ذلك التفسير لا يبدو مقنعاً على الإطلاق، خصوصاً حين نعرف أنه عندما تعرّض عبد الناصر لأول نوبة قلبية في سبتمبر/أيلول 1969، فإنه لم يختر سوى السادات ليرأس لجنة ترأس شؤون الدولة في أثناء غيابه. صحيح أن اللجنة لم تمارس أي نشاط، لأن عبد الناصر عاد سريعاً لممارسة مهامه، لكن مجرد اختيار السادات ذلك المنصب كان إشارة مهمة إلى توثق علاقته بالسادات بشكل غير عادي.
بعد ذلك بثلاثة شهور، وفي مشهد هزلي يليق بدولة الرجل الأوحد، قرّر عبد الناصر أن يعبر بشكل أكبر عن ثقته الكاملة في السادات، فيعينه نائباً لرئيس الجمهورية. وبالطبع، يحاول هيكل أن يقلل من أهمية هذا القرار، حيث يروي أن عبد الناصر قال له وهما متجهان إلى المغرب، للمشاركة في مؤتمر القمة العربية: "هل تعرف ماذا فعلت اليوم؟"، قبل أن يصدمه بقوله إنه طلب من السادات أن يمر عليه ليصحبه إلى المطار محضراً معه مصحفه. وحين وصل جعله يقسم اليمين الدستورية على أن يكون نائباً للرئيس، وعندما اندهش هيكل الذي لا يخفي شعوره بالصدمة، لأنه لم يعرف مسبقاً بقرار خطير كهذا، وسأل عبد الناصر عن السبب، قال له إنه تلقى برقية عن احتمال تعرضه لمحاولة اغتيال على يد وزير الداخلية المغربي الجنرال أوفقير، بالتعاون مع المخابرات الأميركية، وينقل هيكل عن ناصر أنه قال: "أنور يصلح لسد الفترة الانتقالية، فدوره سيكون شكلياً، وقد واتت الآخرين جميعا الفرصة ليكونوا نوابا للرئيس، إلا أنور، ولعله دوره الآن، وعلى أي حال فهي فترة أسبوع على أرجح الأحوال". وهنا أيضاً لم ينتبه هيكل إلى أنه، من خلال حرصه على التقليل من شأن السادات، يسيء إلى عبد الناصر، حين يصوره وهو يتعامل مع مصير البلد بهذه الاستهانة البالغة، وكأنها "عجلة"، يتم ركوب السلطة فيها بالدور أو البخت والنصيب، كما أن هيكل لم يقل لنا لماذا لم يذكِّر عبد الناصر، بكل الملاحظات السلبية التي سبق أن قال لنا إن عبد الناصر يبديها، مراراً وتكراراً على السادات، ولماذا لم تمنعه تلك الملاحظات التي رواها بشجاعة رجعية الأثر، من أن يساعد السادات على أن يحكم سيطرته على الحكم عام 1971؟.
"الثورات تأكل نفسها يا جمال"
لكن، ما فعله هيكل مع السادات لم يختلف كثيراً مع ما فعله السادات نفسه مع عبد الناصر، في مذكراته "البحث عن الذات" إلى درجة أن من يقرأ فصل "عجز القوة" الذي تحدث فيه عن سنواته في ظل عبد الناصر، يتخيل أنه يقرأ شهادة مكتوبة في معتقل الواحات، على يد معارض تمزّق ظهره من سياط التعذيب، وليست مكتوبة من أحد رموز المرحلة الناصرية، ومن أكثر رفاق عبد الناصر تهليلاً ومباركة وتأييداً، إلى درجة أنه كان الوحيد الذي سلم من أذى عبد الناصر حتى النهاية، فلم ينله أي إبعاد أو تنحية أو غضب أو خصام أو نحر، ربما لأنه تعلم الدرس مبكراً في عام 1953، حين بدأت الصراعات تشتد داخل مجلس قيادة الثورة، فقال لجمال طبقاً لما يرويه: "يا جمال، الثورات تأكل نفسها... فلماذا لا تواجه الزملاء، ويكون واضحاً لدى الجميع أن من يستطيع أن يسير معك يمكن أن يستمر، أما من لا يستطيع فعليه أن يعتزل"، ومع أن كلام السادات كان مليئاً بالود والتأييد، إلا إنه فوجئ بعبد الناصر يقاطعه "محتداً ومحتجاً وغاضباً وساخراً، وكأنني أقف ضده لا معه"، ليقرر السادات، بعد ذلك على ما يبدو، أن يحتفظ بأي اقتراحات أو آراء لنفسه، وأن يكتفي بالتأييد والمديح والمباركة، وهو ما جعله يسلم من كل سوء.
في مذكراته، يتحدث السادات عن هذه النقطة، مشيراً إلى تساؤل وجهه له صحافي أجنبي عن سر كونه الرجل الوحيد من رجال الثورة الذي لم يمسّه أي سوء، وما إذا "كنت لا أساوي شيئاً على الإطلاق، أو أنني كنت خبيثاً غاية الخبث، بحيث تحاشيت الصراع معه"، ومع أن هذا السؤال يمكن أن يرضي كثيرين من مؤيدي السادات الذين يميلون، دائماً، إلى تصويره بمظهر الداهية الماكر الذي لا يستطيع أحد أن يضحك عليه أبداً، وهو بالمناسبة ما تظهر وثائق المفاوضات مع إسرائيل عكسه تماماً، لأن السادات، للأسف، قدم لإسرائيل أكثر ما كانت تحلم به، من دون أن يجد قادتها تفسيراً منطقياً لذلك، لكن السادات، على عكس مؤيديه، لم يتعامل مع هذا الافتراض برضا، بل علّق عليه غاضباً بقوله: "وإن دل هذا التساؤل الساذج على شيء، فإنما يدل على جهل أصحابه بطبيعتي، فلا أنا كنت عديم الصفة في أثناء حياة عبد الناصر، ولا كنت خبيثاً أو لئيماً في حياتي قط"، مؤكداً أنه كان يختلف مع عبد الناصر أحياناً، وتحدث بينهما جفوة "بسبب إيمان عبد الناصر بالتقارير وإصغائه للقيل والقال".
طيب، لماذا، إذن، لم يغضب عبد الناصر من السادات، إذا كان قد اختلف معه، بينما كان يغضب من الآخرين. يقول السادات إن السبب أنه لم يضع نفسه أبداً في موقف الدفاع أمام عبد الناصر، وأنه كان يقابل كل ما يفعله جمال بالحب الخالص من جانبه، "وهذا ما جعلني أعيش مع عبد الناصر 18 سنة دون صراع، لأني لم أكن أريد شيئاً، ولم تكن لي مطالب من أي نوع، وكنت إلى جانبه منتصراً أو مهزوماً، ولعل هذا ما جعل عبد الناصر يلتفت حوله بعد 17 سنة، وينتبه إلى أن هناك إنساناً لم تقم بينه وبينه معركة في يوم ما". والحقيقة أن السادات ينسى، وسط الحالة الدرامية الخالصة التي يبدو أنها كانت تتملكه كثيراً خلال كتابة الكتاب، أن قارئ هذا الكلام العاطفي لن يجد فيما يرويه عن عبد الناصر، طوال المذكرات، حباً خالصاً، بل سيجد حالة من الاتهام الدائم لعبد الناصر، بتخريب البلاد وظلم الشعب، وهو ما يؤكد أن ما ظنه عبد الناصر حباً وإخلاصاً، لم يكن إلا مداهنةً وتزلفاً ومسح جوخ، كان السادات يظنه كافياً لجعله ينجو من المهالك التي نالت زملاءه من قادة الثورة، لكنه لم يتصور أبداً أنها ستوصله ليجلس على مقعد عبد الناصر، ويصبح بدوره كما هو الحال في مصر، هدفاً للمداهنة والتزلف ومسح الجوخ.

_________________
كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل Hearts10

حسن بلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كتاب السادات وما أدراك ما السادات لبلال فضل

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» تحميل كتاب فتح بطن التاريخ pdf لبلال فضل
» تحميل كتاب الشيخ العيل pdf لبلال فضل
» تحميل كتاب سفاسف الأمور pdf لبلال فضل
» تحميل كتاب فيتامينات للذاكرة pdf لبلال فضل
» تحميل كتاب التغريبة البلالية pdf لبلال فضل

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: منتديات عامة :: قهوة المنتدى

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا