آخر المساهمات
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-12, 10:41 pm
2024-04-02, 5:16 am
2024-04-01, 10:56 pm
2024-04-01, 10:49 pm
2024-04-01, 10:46 pm
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf

hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:37 pm
@hassanbalam
#يوهان_غوته
#ديوان_جوته_مترجم

قصائد الشاعر الألمانى جوتة

كتاب المغنِّي

«أمضيتُ من عمري عشرين عامًا
تمتَّعت فيها بما قُسم لي،
تتابعت أيامها الحِسان،
شبيهةً بأيام البرامكة.»
١
هجرة
الشمال والغرب والجنوب تتناثر،
العروش تتصدَّع، والممالك ترتجف،
فهاجرْ أنت إلى الشرق الطاهر،
لتستروِحَ نسيمَ الآباء،
وبين الحب، والشرب، والغناء
يجدد فيك نبع الخَضر الشباب.
•••

إلى هناك، حيث الحق والطهر والنقاء،
أريد أن أقودَ أجناس البشر،
وأنْفد معها إلى أعماق الأصل السحيق،
حيثُ كانت لا تزالُ تتلقَّى من الله
وحي السماء بلغات الأرض
دون أن تصدعَ رءوسها بالتفكير،
وحيث كان يُجلُّون الآباء ويوقِّرون،
ومن طاعة الغريب (وخدمته) يأنفون،
أريد أن أسعد (بالحياة) في حدود الشباب:
فيتسع الإيمان، وتضيق الفكرة،
إذ كان للكلمة عندهم شأنٌ أي شأن؛
لأنها كانت كلمة تنطق بها الشفاه.
•••

وأودُّ أن أختلط بالرعاة،
وأُنعشَ نفسي في (ظلال) الواحات،
وعندما أرتحل مع القوافل،
أتاجر في الشيلان والبُن والمِسك،
وأودُّ أن أسلك كل سبيل
ينقلني من الصحراء إلى المدن.
•••

وكلما صعدنا الشِّعاب الصخرية أو هبطنا منها
كانت سلوانا، يا حافظ، هي أغانيك
حين يطلقُ الحادي وهو على ظهرِ ناقته،
صوته النشوان بساحرِ الغناء،
ليوقظ النجوم (في أعالي السماء)،
ويبثُّ الرعب في قلوب قُطُّاع الطرق (الأشقياء).
•••

وهناك في الحمَّامات وفي الحانات
يطيب لي، يا حافظ، أن أشيد بذكرك،
عندما تكشف المحبوبةُ (عن وجهها) النِّقاب،
وتهز خصلات شعرها فتفوح برائحة العنبر
أجل إن همسات الشاعر (بنجوى) الحب
لتجعل حتى الحوريات يتُقْنَ إلى العشق.
وإن أبيتم إلا أن تحسدوه «على هذا النعيم»
أو شئتم أن تُعكروا عليه صفوه،
فاعملوا أن كلمات الشاعر دائمًا تحومُ
حول أبواب الفِردوس،
وتظلُّ تطرُقها في هدوء
وهي تتوسل أن تحظى بالخلود.
٢
ضمانات البَركة
الطلسمُ (المنقوش) في العقيق،
يجلبُ للمؤمن الحظ والهناء،
فإن كان على أرضية من عقيق يماني
فالثمه بفمٍ مباركٍ طهُور!
وسوف يطرد عنك الشرور
ويحميك ويحمي المكان.
وإن كانت الكلمة المنقوشة عليه
تُفصح عن اسم الله الكريم،
فستشعل فيك الحماس للحب والعمل (العظيم).
وإن النساء على وجه الخصوص
ليؤثرن التبرُّك بالطلمسات.
•••

والتمائمُ كذلك
علامات على الورق مكتوبة،
لكن لا يشعر المرء بضيق الحيز
كشعوره حين ينقش على الحجر الكريم،
وفي وسع (أصحاب) النفوس التقية
أن يخطُّوا هنا الآيات الطوال،
كما يعلق الرجالُ (على أكتافهم) هذه الأوراقَ
في ورعٍ كأنها بُردةُ الأنبياء.
أمَّا النقش فلا يُخفي شيئًا وراءه،
فالنقش هو النقش ولا يملك إلا أن يقول
كل ما ستقوله لنفسكِ بعد ذلك عن طيب خاطر:
هذا ما (أستطيع) قوله! ما أستطيعه أنا!
•••

أمَّا «الأبركساس» فيندر أن أجلبه معي!
فالأغلبُ هنا أن تُقدِّر قيمته العالية
بما (نُقش) عليه من أشكال بشعة مخيفة
تفتق عنها عقلٌ مختلٌّ مريض.
فإن وجدتموني أحكي له الغرائب والعجائب،
فاعلموا أنني جلبت معي «الأبركساس».
•••

والخاتم يصعب أن يُرسم عليه
أسمى المعاني في أضيق حيز،
ولو تمكنت من الحصول على خاتم أصيل،
فستجد الكلمة محفورة عليه، ولن تصدِّق عينُك ما تراه.
٣
خاطر حر
دعوني فوق سَرج جَوَادي!
وابقوا في أكواخكم وخيامكم!
وسأنطلق سعيدًا في كل الأرجاء!
لا يعلو على قَلَنسوتي غير نجوم السماء.
•••

هو الذي جعل لكم النجومَ
لتهتدوا بها في البَر والبحر،
وتتملوا آياتها الحِسان،
وتتطلعوا دائمًا إلى السماء.
٤
تمائم
لله المشرقُ
لله المغرب،
الأرض شمالًا، والأرض جنوبًا،
ترقد آمنة، ما بين يديه.
•••

هو، لا أحدَ سواه، العدل
ويريد لكل الناس العدل.
من أسمائه المائة أجمعين
سبِّحوا بهذا الاسم المكين
آمين!
•••

يريدُ الضلالُ أن يُربكني ويُغويني،
لكنك تعرف كيف تهديني،
فإن قمتُ بعملٍ أو نظمتُ الأشعار،
فاهدني أنت سواء السبيل.
•••

ما فكرتُ في شأن من شئون دنياي،
إلا وخرجت منه بالنفع العظيم.
ومهما حدث فالروح لا تتناثر كالغبار
لأنها في أعمق أعماقها ترتفع إلى السماء.
•••

في التنفس نعمتان:
نعمةُ الشَّهيق ونعمةُ الزَّفير،
تلك تضيِّقُ الصدرَ، وهذه تنعشه،
فما أعجبَ المزيج (الذي تتألفُ منه) الحياة.
اشكر ربكَ في الضراء (وعند العُسر)،
واشكر ربك في السراء (وعند اليُسر).
٥
نِعمٌ أربع
أنعم الله على الأعْراب،
بنعمٍ أربعٍ عجاب؛
كيما يجوبوا الفلوات فرحين،
ويعيشوا في رغدٍ هانئين.
•••

وهبهم العمامة التي تزين
خيرًا من تيجان القياصرة أجمعين،
وخيمة إليها يأوون
في أي مكانٍ يشاءون.
•••

وسيفًا يحميهم ويصون
أمنع من الصخور وأسوارِ الحصون،
وقصيدًا يطرب ويفيد.
تتنصت عليه الحِسانُ الغيدُ.
•••

وها أنا ذا أتغنَّى بهدوء و«حُبُور»
بالزهور «المطلة عليَّ» من شالها «الحرير»
وهي تعلم علم اليقين ما تتمتعُ به من خصال،
وتبقى على ما عهدْته فيها من جمال ودلال.
وإني لأعرف كيف أزيِّن موائدكم
(بما تحبون) من أزهارٍ وثمار.
فإذا أردتم معكم الحِكَمَ والعبر
فسوف أقدمُ ما نضج منها وما نضر.
٦
اعتراف
ما الذي يصعبُ إخفاؤه؟ النار!
ففي النهار يشي بها الدخان،
وفي الليل يفضح اللهبُ ذلك الوحش الجبار.
كذلك يصعبُ إخفاء الحبِّ (الدفين)،
فمهما طويته (في أعماقك) في سكون،
فما أيسر ما يطل من العيون!
لكن أصعب شيء يستعصي على الإخفاء قصيد؛
إذ لا يُفلِحُ أحدٌ أبدًا في كتمان نشيد،
وما إن ينطلق الشاعر في الغناء،
حتى تسريَ النشوة في كل الأعضاء.
وإذا دَوَّنه بخطٍّ منمَّقٍ وبديع
تمنى (من صميم فؤاده) لو أحبه الجميع.
ويروح يتلوه وهو سعيد على كل إنسان بصوتٍ عالٍ،
سواءٌ تسبب في تعذيبنا أو هذَّبَ مِنَّا الطباع والخِلال.
٧
عناصر
على أيِّ عنصرٍ من العناصر الكثيرة
ينبغي أن تتغذى الأغنيةُ الأصيلة،
حتى يطربَ لها عامةُ الناس
ويستمع إليها (الشعراء) المتمكنون بفرحٍ (وحماس)؟
•••

ليكن الحبُّ، حين نشرعُ في الغناء
هو الموضوع المقدم على سائر الموضوعات،
فبقدر ما تسري في الأغنية (حرارةُ) الحب
بقدر ما يعذُبُ وقعُها (على القلب).
•••

ولا بُدَّ أن يُسمَع للكئوس رنين
ويسطع ياقوتُ الخمر الوضَّاء:
(إذ جرى العرفُ) على التلويح بأجملِ الأكاليل،
للعاشقين المتيَّمين وللشاربين.
•••

والأمر كذلك يتطلب صليل السلاح
فضلًا عن دَويِّ الطبول (كالرُّعود)،
بحيث لو توهَّج كألسنة النار
فرح البطل الظافُر كأنه إله (سعيد).
•••

ولا غنًى للشاعر في نهاية المطاف
عن أن تمقتَ نفسُه بعض الأشياء،
فلا يسمح لشيءٍ كريه وقبيح
أن يحيا بجوار شيءٍ جميل (ومليح).
•••

وإذا عرف المغنِّي كيف يصنع المزيج (النادر)
من المادة الأوَّلية العتيدة لهذه العناصر،
فسوف يكون في وُسعِه أن يسعدَ الشعوب،
كما فعل حافظُ، سعادةً أبديةً تمتعُ (القلوب).
٨
خَلقٌ وإحياء
آدم المضحكُ كان كتلةً من طين
سوَّاها في صورة إنسانٍ ربُّ العالمين،
غير أنه جلَب من رحم الأم (المكنون)
أفانينَ من كل مرذولٍ ولعين.
•••

نفخ «الألوهيم» في أنفه
رُوحًا هو أطيب الأرواح،
هناك بدا عليه تغير الأحوال
إذ شرع في العطس الشديد.
•••

وبالرغم من العظام والأعضاء والرأس
بقي (آدم) كتلةً صمَّاء،
حتى توصل نوحٌ إلى أنسَب الأشياء
للأحمق المأفون، وهو الكأس.
•••

وسُرعان ما شعرت الكتلة الصماء،
بمجرد أن بلَّلت نفسها، بدبيب الحياة
تمامًا كما يبدأ العجينُ
في الحركة حين يتخمَّر.
•••

فلتهدنا أغنيتُك العذبة الحنون
يا حافظ، وهو المثل القُدُّوس،
إلى معبد خالقنا (الرحيم)
على رنين الكئوس.
٩
ظاهرة
عندما يعانق «فيبوس»
(زخَّات) المطر،
لا يلبث أن يظهر قوسٌ
مظلَّلٌ بأبدع الألوان.
•••

وها أنا أرى في الضباب
دائرة مشابهة،
أجل إن القوس بيضاء
لكنها قوس من السماء.
•••

فحذارِ أيها الشيخ النشيطُ
أن يبتئسَ فؤادك،
وإذا كان شَعْرُكَ قد كساه الشيبُ
فقريبًا سوف تحب.
١٠
منظر لطيف
هذه الألوان تتجلَّى لي هناك
وتصل السماء بأعالي الأفلاك؟
إن الضباب الذي يلفُّ الصباح ويغشاه
ليغشى بصريَ الحاد ويمنعني من أن أراه.
•••

أهي خيامٌ أقامها الوزير
لزوجاته الغاليات،
أم أبسطة (فُرشت) في الاحتفال
بزفافه لحبيبة الفؤاد؟
•••

والأحمر والأبيض اندمجا في مزيجٍ
لم أرَ في حياتي أجملَ منه بالمرة،
فكيف انتقلت، يا حافظُ، (مسقط رأسك) شيراز
إلى أقاليم الشمال العكرة؟
•••

إن أشجار الخشخاش البهيجة الألوان
لتمتد متجاورةً في صفوفٍ،
وتكسو الحقول بمودة وحب
مستهزئةً بإله الحرب،
فليكن من دأب الحيِّي الخجول
أن يتعهَّدَ الزهورَ بالرعاية والتنسيق
فيغمرني ضوءها على طول الطريق
كنور الشمس في هذا اليوم الجميل.
١١
تباين
عندما يعزف كيوبيدُ على الناي
عند حافة الجدول عن يمين،
وفي البوق ينفخ «مارسُ»
في الحقل عن شمال،
تنجذب الأُذن إلى هناك
مسرورةٌ الأذن مسحورة،
غير أن الضجيج (الشديد)
يُفْسِدُ عليها بهجة النشيد.
ها هو العزفُ يتردد لا يزال
بينما الحرب تُرعدُ بالأهوال،
وأثور ويكادُ عقلي يختل،
أتكون هذه معجزة؟
وتظلُّ ألحان الناي تتوالى
وصخبُ الأبواقِ يتعالى
وأُجنُّ ويتملكني الغضب،
فهل في هذا من عجب؟
١٢
الماضي في الحاضر
الورد والزَّنبق (المبتلُّ) بندى الصباح
يزدهر قريبًا مني في البستان،
ومنَ الخلف يرتفع الصخرُ إلى السماء
مؤنس الطلعة كثيف الأشجار.
وتظلُّ الذروة تميل بقوسها.
حتى تتصالحَ مع الوادي
وقد أحاطت بها الغابةُ العالية
وتوَّجتها قلعةُ الفرسان.
•••

ويفوحُ العطرُ (كما فاحَ) على عهد الشباب
حين كُنَّا نكابدُ (لوعةَ) العشق والغرام.
وكانت أوتار مزماري تدخل في عراكٍ
مع الشعاع المشرق في شمس الصباح،
وأغاني الطِّراد تنبعث من الآجام
وتفيض بالألحان البديعة الأنغام
فتلهبُ فينا الحماس وتنعشُ الوجدان
كما يَهْوَى الصدرُ (الخفَّاق) ويشاء.
ما دامت الغابات في ازدهار أبديٍّ ونماء
فأقبلوا عليها (لتجديد الحب والعطاء)،
وكل ما استمتعتم به وحدكم (من أسباب النعيم)
دعوا غيركم يتمتعون به وينعمون.
عندئذٍ لن يصيح أحدٌ في وجوهنا (بالاتهامات)
ويلومَنا على الاستئثار بالمتع واللَّذات،
وعليكم الآن في كل ميادين الحياة
أن تتعلموا كيف تتمتعون (بشجاعةٍ وثبات).
•••

بهذه الأغنية وهذا (الأسلوب في) التعبير
نكون قد رَجَعنا لحافظ من جديد،
إذ يليقُ بالنهار وهو يُؤذِن بالاكتمال
أن نذوق المتعَ في صُحبة المتمتِّعين.
١٣
أغنية وتكوين
ليَجبلِ الإغريقيُّ من الصلْصال
ما يشاء من (النماذج) والأشكال،
وليفتتن ما وَسِعَهُ الافتتان
بالمخلوق الذي سَوَّته يداه.
•••

أمَّا نحن فلذَّتنا (التي تفوق كلَّ اللذات)
هي الغوص في (مياه) الفرات،
والسباحة هنا وهناك
في (هذا) العنصر السيَّال.
•••

لو استطعتُ بهذا أن أطفئ لهيبَ الروح
لتجاوبت ألحانُ أغنيتي بالرنين
وإذا الشاعرُ اغترفت كَفه الطَّهورُ
من هذا الماء تكوَّرَ فقاعات (كالبللور).
١٤
جرأة
ما السبب الذي يتوقف عليه في كل مكان
أن يسرعَ الشفاء إلى الإنسان؟
إن كل امرئ يُلَذُّ له سماع الأصوات
التي تكتملُ في لحنٍ من الألحان
•••

ألا فلتطرح كلَّ ما يعوقُ مسارَك،
ولتكفَّ عن هذا السعي الكئيب!
فقبل أن يغنِّي الشاعر أو يتوقف عن الغناء
عليه أن يحيا ويجرِّب طعمَ الحياة.
•••

فليتردد نغمُ الحياةِ الأصيل
ويتغلغل في الروح كصوت الرعود.
وكلما أحس الشاعر أن قلبه حزين
تولَّى بنفسه التصالُح مع نفسه (من جديد).
١٥
خشن ونشيط
إن نَظْمَ الشعر زَهْوٌ وانطلاق
فليكفَّ الناسُ عن لومي واتهامي!
وليَسْرِ في عروقكم دمٌ حار
ينبض (مثل دمي) بالتحرُّر والسرور.
•••

وإذا شاء حظي أن أذوق طعمَ المرارة
من كل ساعةٍ أليمةٍ تمرُّ بي،
فسوف أتحلَّى رغم تلك بالتواضع
بل وأبذُّكم فيه.
لأن التواضع جميلٌ وحميد
حين تتفتح (زهور) الحسناء،
فهي تحب من يتودَّد إليها بحنان
وتهرب من كل فَجٍّ غليظِ الطباع.
•••

والتواضع كذلك محمودٌ،
كما يقول ذلك الرجل الحكيم،
الذي أتعلم منه (الكثير)
عن الزمان والخلود.
•••

إن نظم الشعر زهوٌ وانطلاق،
فاعكف عليه وحدك وأنت مسرور،
ولتُسهمُوا فيه أيها الأصدقاء
وأنتن أيها الحِسَانُ (النابضاتُ) بالدم الحار!
•••

وأنت أيها الراهب الصغير بغير طاقيةٍ ولا زِنَّار،
ارحمني من الثرثرة والهُراء!
فأنت في الواقع تدمرني وتُتلف أعصابي
ولا تجعلني متواضعًا (على الإطلاق)!
•••

إن عباراتك (السخيفة) الجوفاء
تدفعني بعيدًا عنه،
وقد وضعتُها تحت أقدامي
ودست عليها بالفعل!
عندما تدور طاحونة الشعراء،
فلا تُوقفوها أبدًا؛
لأن من يفهمنا مرة واحدة،
سوف يسامحنا أيضًا.
١٦
حياة كلية
الترابُ هو أحدُ العناصر،
التي تسيطر عليها ببراعة،
وذلك، يا حافظ، حين تُمجِّدُ المحبوبةَ
بأغنيتك الصغيرة الرقيقة.
•••

لأن التراب على عتبة (بابها)
أفضلُ عندك من السجَّاد
الذي تركعُ جواري محمودٌ
فوق زهوره المطرَّزة بالذهب.
•••

وإذا ذرَّت الريحُ من أبوابها
سُحبَ الترابِ ومرَّت عليك
فعطورها الفوَّاحة أحبُّ إليكَ
من المسك ورحيق الورد.
•••

الترابُ الذي حُرِمْتُ طويلًا منه
في الشمال الملتف دائمًا بالضباب،
لكنني عرفته بما فيه الكفاية
في (بلادِ) الجنوب الحار.
•••

ومع ذلك فطالما واجهتني
أبوابها الحبيبة لائذةً بالصمت!
داوِني أنت يا مطر الأنواء
ودعني أستنشق روائح الخُضرة!
•••

وعندما تدوِّي الآن كلُّ الرعود
ويسري البرقُ في أنحاء السماء،
يسقط تراب الريح الوحشي
رطبًا مبتلًّا فوق الأرض
•••

وما أسرع ما تبزغُ حياةٌ،
وينبثق فعلٌ قُدسيٌّ تحوطه الأسرار،
ويخضر كل شيءٍ وتكسو النضارة
أرجاء الأرض (في كل اتجاه).
١٧
حنين مبارك
لا تقل هذا لغير الحكماء،
ربما يسخر منك الجهلاء،
وأنا أُثني على الحي الذي
حنَّ للموت بأحضان اللهيب.
في ليالي الحب والشوق الرطيب،
يصبحُ الوالدُ والمولودُ أنت،
يحتوي قلبَك إحساسٌ غريب،
ومن الشمعة إطراق وصمت.
•••

تترك الأسرَ الذي عشتَ به
غارقًا في عتمة الليل الكئيب،
ينشرُ الشوقُ جناحيه إلى
وَحدَةٍ أسمَى وإنجابٍ عجيب.
•••

سوف تعروك من السحر ارتعاشة
ثُمَّ لا تجفُلُ من بُعْد الطريق،
وستأتي مثلما رَفَّت فراشة
تعشق النور فتهوي في الحريق.
•••

وإذا لم تُصْغِ للصوتِ القديم
داعيًا إياك: مُت كَيما تكون!
فستبقى دائمًا ضيفًا يهيم
في ظلام الأرض كالطيف الحزين.
•••

١٨
إن عود القصب
إن عودَ القصب ليَنمو ويبزُغُ للنور
ليحملَ العذوبة للعالَمين!
فليكُن من حَظٍّ يَراعى
أن ينسكب منه كلُّ جميل!

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:39 pm

كتاب حافظ

فلتُسمِّ الكلمة عروسًا
وليُطلَق على الروح اسمُ العريس،
ولقد عرف هذا الزفاف
كلُّ من مَجَّد حافظًا وأثنى عليه.
١
لقب
الشاعر :
قل لي يا محمد شمس الدين،
لِمَ أطلقَ عليك شعبك المجيد
لقب «حافظ»؟
حافظ :
أحمدُ لك سؤالك،
وأجيبك عنه.
فلأنِّي أحفظُ في ذاكرتي الواعية
إرثَ القرآن الكريم
وأحافظ عليه
— كما ينبغي على كل مؤمنٍ أمين —
حتى لا تمسَّني بسوءٍ عوادي السنين
أو تمسَّ كل من يرعى ويصون
كنز التنزيل الحكيم،
لهذا خلعوا عليَّ هذا اللقب (العظيم).
الشاعر :
ولهذا أودُّ يا حافظُ، كما يبدو لي،
ألا أقلَّ عنك (في هذا السبيل)،
فنحن حين نفكر كما يفكر الآخرون
نصبحُ معهم متشابهين.
هكذا أُشبهُك تمام الشبه،
أنا الذي طبعت نفسي
بالصورة الرائعة لكتبنا المقدسة.
كما انطبعت صورة السيد «المسيح»
على قماش ذلك الثوب «المشهور» بثوب الثياب،
وملأتُ صدري رضًا وسكينةً
بصورة الإيمان الخالصة
رغم (ما لقيتُ) من جحودٍ، وتعطيلٍ، واستهزاء.
•••

٢
اتهام
أتدرون مَن الذين تتربَّص بهم الشياطينُ
في الصحراء بين الصخور والأسوار؟
وكيف يتحيَّنُون الفرصةَ (السانحة)
لكي يسوقوهم إلى الجحيم؟
إنهم الكذابون والأوغاد.
•••

ولكن لماذا يُقبلُ الشاعرُ غير هيَّابٍ،
على الاختلاط بهؤلاء الأشرار!
•••

وهل يعرف من يتصرف دائمًا تصرَّف المجانين
من الذي يسيرُ أو يرافقه التجوال؟
إن حبه العنيد الذي يجعله يتخطَّى الحدود
يدفعه إلى القِفَار (يهيم فيها كالشَّريد)،
وقوافي شكاواه التي يسطِّرها على الرمال
تذروها على الفور الرياح،
إنه لا يفهم أو يعي ما يقول،
وما يقوله لا يتمسَّك به (ولا يحافظ عليه).
ومع ذلك فإنهم يتركون أغنيته تسيطر على القلوب
رغم أنها قد تكون متعارضة (مع أحكام) القرآن.
أمَّا أنتم يا فقهاء الشرع (الحكيم)،
أيها الراسخون في العلم والحكمة والإيمان،
فعلِّموا المسلمين الصالحين فروضَ الدين،
إن حافظًا على وجه الخصوص يسبِّبُ المتاعب والمضايقات،
وميرزا يشتِّتُ العقلَ (في متاهة) الظنون،
فقولوا لنا ماذا نأخذ وماذا ندع
(أيها الفقهاءُ العالمون)؟
٣
فتوى
إن أذواق حافظ (في قصائده وأغانيه)
تعبر عن الحق الراسخ المتين،
ولكنه يقع هنا وهناك في هَنَّات
تحيد به عن حدود الشرع (المبين).
لا بُدَّ أن تعرف، إن أردتَ السيرَ المأمون،
كيف تميزُ سُمَّ الأفاعي منَ الترياقِ
بَيْدَ أنك لو وهبت نفسك بوجدانٍ مرحٍ طَرُوب
للاستمتاع الخالص بالفعل النبيل،
وحميت نفسك عن طريق التدبُّر الحكيم
من تلك المُتَع التي لا تُعقِبُ غير الألم الدائم (الوبيل)
فسيكون ذلك هو أفضل سبيل لتوقِّي الزلل الوخيم.
هذا ما كتبه أبو السعود الفقير،
غفر الله ذنوبه أجمعين.
٤
الألماني يقدم الشكر
أصبت (كبدَ) الحقيقة، أيها الوليُّ الصالح أبو السعود!
والشاعر يتمنى (وجود) أمثالك من الأولياء؛
لأن تلك الهنَّات (الهيِّنات)
التي تحيدُ عن حدود الشرع
هي بعينها التراثُ الذي ينطلقُ فيه أيما انطلاق
وهو يشعرُ بالبهجة حتى في غمرة الأحزان.
ولا بُدَّ أن يبدو له السمُّ شبيهًا بالترياق
والترياق شبيهًا بسُمِّ الأفاعي
فلا هذا يقتله، ولا ذاك يداويه من الآلام،
لأن الحياة الحقَّةَ هي البراءة الخالدة للفعل
وهي تقدمُ الدليلَ على وجودها
بألا تصيب أحد سوى نفسها بالضرر والإيذاء.
وهكذا يأمل الشاعر الكهل،
أن تُحسِنَ الحورُ استقباله في جنة النعيم،
حين يبدو (لهنَّ في صورة) شابٌّ طاهرٍ وسيم.
يا وليَّ الله الصالح أبا السعود، لقد أصبت (كبدَ) الحقيقة!
٥
فتوى
قرأ المفتي قصائد «مصري»
واحدةً بعد واحدة، قرأها أجمعين،
ثُمَّ ألقاها في النار وقد بدا عليه التدبر والتفكير،
فاستحال الكتاب المُدوَّن بخط جميل إلى رماد.
فليُحرقْ كلُّ من يتكلَّم أو يعتقد مثل مصري،
هكذا قال القاضي الجليل — وأمَّا هو وحده،
فيُستثنى من عذاب النار؛
لأن الله منح الموهبةَ لكل شاعر،
فإن أساء استخدامها في غمرةِ ذنوبِه وخطاياه
فلينظرْ كيف يسوِّي أموره مع الله.
٦
بغير حدود
إنك لا تستطيع أن تنتهي، هذا ما يجعلك عظيمًا،
وكونُك لا تبدأ أبدًا، هذا هو قدرك.
أغنيتكم تدورُ دورة النجوم في السماء،
البدءُ فيها دائمًا والمنتهى سواء،
وما يأتي به الوسط، من الواضح للعيان
أنه هو الذي يبقى في النهاية، وهو الذي في البداية كان.
•••

أنت النبعُ الشعريُّ الأصيل للأفراح،
تتدفَّق منه بلا حصرٍ، موجةٌ بعد موجة.
فَمٌ متأهِّبٌ على الدوام للتقبيل،
وغناءٌ منبعثٌ تستثيره الرغبة في الشراب،
وقلبٌ حَنونٌ يفيض بما فيه.
•••

ولو يسقط العالم كله في الهاوية
فأنت يا حافظ، أنت وحدك الذي يلذُّ لي أن أنافسه!
فلنشترك معًا، نحن التوءمين،
في الفرح والألم!
وليكن سبيلُك في الحب كما في الشراب
هو موضع فخري ومناط حياتي.
ألا فلتُنغِّم أغنيتك بلهيبك المستعر!
فأنت (الشيخ) الأقدمُ (والشابُّ) المتجدِّدُ (العمر).
٧
محاكاة
أطمع أن أجد نفسي في (صنعة) قوافيك،
ولا بأس أيضًا في أن يعجبني التكرار،
وسأجد المعنى أوَّلًا، ثُمَّ أعثر كذلك على الألفاظ،
ولن أسمح لنغمةٍ أن تردَ في سمعي للمرة الثانية
إلا أن تردد معها معنًى جديد،
كما تفعل أنت أيها المُقدَّمُ على الجميع.
•••

فكما تقدرُ الشرارةُ على إحراق مدينة القيصر،
عندما تضطرمُ ألسنةُ اللهب الفظيع،
فتولِّد (من باطنها) الرياح، وتتوهَّجُ بهذه الرياح
حتى إذا انطفأت تلاشت في محيط النجوم:
كذلك راح يشتعلُ بنارك ويتوقَّدُ بالوهَج الخالد
قلبٌ ألمانيٌّ بُعثَت (فيه الحياة) من جديد.
•••

ألا إن في الإيقاعات الموزونة لسحرًا،
والموهبة لتفرحُ بها غاية الفرح،
لكن ما أسرعَ ما تتقزَّزُ منها النفس
(وتراها) أقنعة جوفاءَ بلا معنًى أو دم.
حتى الروح لا تظهرُ عليها السعادة،
حتى تضع حدًّا لذلك الشكل الميت
وتفكِّرُ في شكلٍ جديد.
٨
سر مكشوف
لقد سَمَّوكَ، يا حافظ المقدس،
باللسان الصوفي،
ولم يفهم فقهاء الألفاظ (هؤلاء)
قيمة كلماتك.
•••

إنهم ينعتونك بالصوفي.
لأنهم يتصورون (ألوان) الحمق في شعرك
ويتساقون خمرك العكرة
وهم يلهجون باسمك.
•••

لكنك صوفيٌّ خالص،
لمجرد أنهم لا يفهمونك،
أنت أيها (المؤمن) المبارك، بغير أن تكون (ورِعًا) تقيًّا!
وذلك ما لا يريدون الاعتراف به لك.
٩
تلميح
ومع ذلك فَهُم على حقٍّ، أولئك الذين أوجِّه إليهم اللوم،
فكون الكلمة لا تدل ببساطة على معناها الظاهر،
شيء لا بُدَّ أن يكون واضحًا بذاته.
إن الكلمة مروحة! ومن خلال العصي
ترنو عينان فاتنتان
ما المروحة إلا نسيج بديع،
أجل إنه يحجبُ الوجه عني،
ولكنه لا يُخفي الحسناء،
لأن أجمل ما تملكه، وهو عينها،
تبرق بريقًا ناصعًا في عيني.
١٠
إلى حافظ
إنك لتعلم ما يريده العباد،
وقد فهمته كل الفهم،
فالحنين يقيِّدنا أجمعين،
منَ التراب إلى العرش بقيوده الشِّداد.
•••

إنه ليؤلم أشد الألم، ثُمَّ لا يلبث أن يَسر،
ومن ذا الذي استطاع أن يتحداه؟
وإذا كان البعض قد كُسرت رقبته،
فالبعض الآخر باقٍ على (طبعه) المتهوِّر.
•••

اعذرني، يا مُعلِّم، فأنا كما عهدتني
كثيرًا ما أجاوز الحدود،
كلما أسرتني عيناها (وشدتني)
(شجرة) السرو المتقلِّبة المزاج،
إن قدمها لتخطر كشُعيرات الجذور
على الأرض وتخطبُ ودَّها!
وكالغيوم الخفيفة تذوب تحيتها
وأنفاسُها كنجوى العاشقين الشرقيين.
•••

كلٌّ هذا يدفعنا، في غمرة الهواجس والأحاسيس،
إلى حيث تشتبك الخصلة مع الخصلة،
وتنتفخُ في حلقات موفورة السُّمرة
ثُمَّ يُسمَعُ لها في الريح حفيف.
•••

عندها يتفتحُ الجبينُ ويُشْرِقُ
بالنور الذي يضيء قلبك،
تسمع أغنيةً عامرةً بالبهجة والصدق
تطوي فؤادك فيها وتغرق.
•••

وعندما تنفرجُ وتتحركُ الشِّفاه
بأعذب وأرقِّ غناء،
فإنها تحررك على الفور
فتضعُ نفسك (من جديد) في الأغلال.
•••

عندئذٍ يودُّ النَّفَس ألا يرجع،
وقد لاذت الروح بالروح،
وتموج الروائح العبقة بالسعادة (والمُجون)
وهي تسري كالسُّحُب لا تراها العيون.
•••

فإذا احترقَ (الجوفُ) واشتعلت فيه النار،
مددتَ يدكَ لقدح الخمرة
والساقي يذهب والساقي يجيء
يسقيك المَرة بعد المَرة.
•••

تبرق عيناه وتخفق نبضاتُ قلبه،
ويُمنِّي النفسَ بسماع حديثك
عندما ترتفع روحُك (على أجنحة) السُّكْر
فيفيضُ بأسمى المعاني.
•••

وينفتح أمامه فضاءُ العالم الرحيب
ويغمرُ أعماقه النور والنظام،
ينتفخ الصدر، ويبزغ على جلده الشَّعْر
ويتحول حقًّا إلى غلام.
وحين لا يخفى عليك سِرٌّ دفين
يطويه القلبُ والعالم،
تشيرُ بحبٍّ وإخلاصٍ للحكيم
ليُفضي بما عنده من معنًى مكنون.
كذلك لا تغيبُ عنكَ حاشية الأمير
حتى لا تفقد رضاهم
فتقول للشاه كلمةً طيبة
ولا تضنُّ بها على الوزير.
•••

كلُّ هذا تعرفه اليوم وتغنيه
كما ستغنيه غدًا وبعد غد،
بهذا تأخذنا صحبتُك بالمحبة والود
في أرجاء الحياة الخشنةِ والحياةِ التي تنعمُ بالهناء والرَّغَد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:41 pm

كتاب العشق

خبِّرني،
ماذا يبغيه القلب؟
قلبي مِلكُ يديك،
فصُنْه بحب.
١
نماذج
أنصِتْ واحفظ (في ذاكرتك)
قصص العُشَّاق الستَّة
•••

الكلمة تطلق شررًا
يشعله الحب:
رستم من رُوذابه …
•••

مجهولان لبعضهما
لكن أحدهما بجوار الآخر:
يوسف وزليخا.
•••

الحب مع الحرمان:
فرهاد مع شيرين.
•••

ما عَرفا إلا الحب:
ليلى والمجنون.
•••

عشقُ جميلٍ لبثينة
حتى وهي عجوز.
•••

وعذوبةُ نزوات العشق
بين سليمان (وبلقيس) السمرا!
لو أنت وعيتَ حكايات القلب،
لتشجَّع قلبكَ وعرفتَ الحب.
٢
زوج آخر
أجل، إن العشق من أكبر النِّعم!
من ذا الذي ينال (حظًّا) أجمل منه؟
لن تكون (بفضله) قويًّا، لن تصبح ثريًّا،
لكن ستكون شبيهًا بأعظم الأبطال.
سوف يتحدث الناس عن وامق وعذراء
كما يتحدثون عن الرسول.
هم بالأحرى لن يتحدثوا عنهما، بل سيذكرون اسمهما،
فالاسم (في الحقيقة) معلومٌ للجميع.
أمَّا ماذا فعلا، ماذا أتيا،
فأمرٌ لا يعلمه إنسان.
لقد أحبَّا، هذا هو (كلُّ) ما نعرفه (عنهما)،
وهو يُغْني عن أيِّ قولٍ، حين يسألنا أحدٌ عن وامق وعذراء.
٣
كتاب مطالعة
إن كتاب الحب
لأعجبُ الكتب،
عليه قد عكفتُ،
نظرت عن كَثَب،
به من الأفراح
صحائفُ قليلة،
للحزن والأتراح
ملازمُ طويلة،
للهَجر فيه باب،
وللقاء فضلٌ
مشتت شحيح.
مجلدات الهم
مُسْهبة الشروح
(بالسهد والجروح)
وما لها من حدٍّ.
أوَّاه يا نشاني!
وجدت في النهاية
طريقك الصحيح،
واللغز من يحله؟
أن يلتقي العشاق
(بعد عذاب القلب)
والهجر والفراق.
٤
أجل كانت هي العيون
أجل، كانت هي العيون التي رَنَت إليَّ،
وكان هو الفمُ الذي قبَّلني.
فخذانِ ضيِّقان، وجسدٌ ممتلئٌ بَضْ
وكأني أتمتع بنعيم الفردوس.
أوَكانت ها هنا، وإلى أين مضت؟
أجل هي التي كانت هنا، وهي التي أجزلتْ في العطاء،
أعطتني نفسها وهي تَفِر
وأسرتني (في أغلالها) طولَ العمر.
٥
تحذير
كذلك كان يلذُّ لي عن طيب خاطر
أن أضع نفسي في شِرَاك الغدائر،
ومِنْ ثَمَّ جرى لصديقك، يا حافظ،
ما سبق أن جرى لك.
•••

لكنهن يُضفِّرن اليوم
خُصلاتهن من الشعور الطويلة،
(على هيئة) خوذات لشنِّ غاراتهن،
كما عوَّدتنا الخبرةُ على ذلك.
•••

غير أن الذي يتروَّى (في الأمر) ويتدبَّر،
لا يسمح بأن يُفرَض عليه هذا القهر:
فقد يخاف المرء من الأغلال الثقيلة
ويندفع بنفسه (للوقوع) في الحبائل الخفيفة.
٦
غريق
يا له من رأس مستدير غنيٍّ بالخُصَل المجعَّدة!
وكلما سمحَ لي أن أتخلَّل بملء يديَّ
هذه الغدائر الثرية مرةً بعد مرة،
شعرت من أعماق القلب بأنني مُعَافى.
وكلما لثمت الجبينَ، والقوسَ، والعينَ، والفم،
أحسست بأني منتعشٌ وعاودني (نزفُ) الجرح.
أين تُراه سيتوقف، هذا المُشط بأسنانٍ خمس؟
إنه ليرجع من جديد إلى الغدائر.
والأُذُن لا تتمنَّع عن اللعب،
فليس ها هنا لحمٌ ولا ها هنا جلد،
وما أرقَّها للملاطفة، ما أحبَّها!
ومع ذلك فكلما داعب المرءُ هذا الرأس الصغير،
شعر دائمًا بالرغبة في أن تجوس يداه
صاعدةً هابطةً في هذا الشَّعر الأثيل.
هذا ما فعلته أنت كذلك يا حافظ،
أمَّا نحن فنبدأ فيه من جديد.
٧
أمر محير
هل لي أن أتكلم عن الزمرد،
الذي يزيِّنُ بنانك؟
أحيانًا ما تدعو الحاجةُ للكلمة،
وكثيرًا ما يغدو الصمتُ هو الأفضل.
•••

لأقُل إذن إن اللون
هو الأخضرُ والمنعشُ للعين!
ولا تقولي إنك تخشَين
أن يكون الألم والنُّدبة منه قريبين.
•••

أيًّا كان الأمرُ ففي وُسعك أن تقرئيه!
ما السر في هذه القوة، لماذا تؤثِّرين كلَّ هذا التأثير!
«إن جوهرك لجِدُّ خطير
بقدر ما الزمرد منعش ومثير.»
٨
أيتها المحبوبة آه!
أيتها المحبوبة، آه! في القيد الصارم
تنحبس أغانيَّ الحُرَّة
وهي التي كانت تطير هنا وهناك
في آفاق السماء الصافية.
إن الزمن يُفني كل شيء،
أمَّا هي فستبقى أبدًا.
وسيبقى كل سطرٍ فيها
خالدًا خلودَ الحب.
٩
عزاء سيئ
في منتصف الليل بكيتُ، نشجتُ
لأني احتجت إليك، شعرتُ بحرماني منكِ.
عندئذٍ جاءت أشباح الليل،
(فخفتُ)، خجلت.
ناديتُ عليها: يا أشباحَ الليل!
ها أنت ترينَ دموع العين
وكنت تمرين عليَّ
غريقًا في أحضان النوم،
إني أفتقدُ الخير كثيرًا، كل الخير
بربك إلا أحسنت الظن (وأقللت اللوم)،
من أضفيتِ عليه قديمًا ثوبَ الحكمة
حلَّ عليه الكرب ونزل الشؤم!
عبَرت أشباحُ الليل
وذهبت كالحة الوجه
فلم تحفل بي
إن كنت حكيمًا أو أحمق (يُعوِزُني الفهم).
١٠
قنوع
كم تخدع نفسك حين يصورُ لك الحبُّ
أن فتاتك، قد صارت مِلكَ يديك.
هذا شيء لا يمكن أن يسرَّ خاطري أبدًا،
فهي تعجبُ بألوان التملق (وتنتظرها منك).
الشاعر:
حسبي أن المحبوبةَ ملك يديَّ
وعذري الواضح
أن الحبَّ عطاءٌ حرٌّ
أمَّا الملقُ فإني لا أنشدُ منه
إلا تمجيدَ حبيب العمر.
١١
تحية
آه كم كانت سعادتي
وأنا أجوبُ تلك البلاد
التي يسير فيها الهدهد على الطريق.
رحت أبحثُ في الصخور
عن قواقع البحر المتحجرة،
وأتى الهدهد بالقرب مني
ناشرًا أهداب تاجه
وأخذ يخطرُ في خُيَلاء
— وهو الممتلئ بالحياة —
مُبديًا سخريَته من كل ما هو ميت.
قلت له: «يا هدهد!
الحق أنك طائرٌ جميل.
أسرع لتعلن للحبيبة
إنني أحبها
حبًّا أبديًّا
لقد سبق لك أيضًا القيام
بدور رسولِ الغرام
بين سليمان (الحكيم)
وملكة سبأ!»
١٢
تسليم
«أوَتَفْنى وتظلُّ ودودًا وتحب،
تضوي وتغني بغناءٍ عذب؟»
الشاعر:
الحب يعاملني بقسوة ويعاديني!
لهذا أودُّ أن أعترفَ عن طيب خاطر،
بأنني أغنِّي بقلبٍ ثقيلٍ محزون.
حاول أن تنظر مرة إلى الشموع،
(تجدها) تسطع بالضوء بينما تذوي وتموت.
ألمُ الحبِّ بحث عن مكان
شديد الوحشة ووحيد،
فلم يجدْ غيرَ فؤادي المُقْفر
حيث أقام عُشه في الفراغ.
١٣
أمر حتمي
من ذا يمكنه أن يأمر الطيور
بأن تلزم السكون في المروج؟
ومن ذا يستطيع أن يمنع الشِّياه
من الارتجاف تحت مقص الحلَّاق؟
•••

فهل أبدو متمرِّدًا وسيئ الأدب
إذا ما تلبَّد صوفي؟
كلا! فإن التمرُّد وسوء الأدب
يضطرني إليهما الحلَّاقُ الذي يجزُّ لِبْدَتي.
•••

من ذا الذي يمنعني من الغناء
على هواي حتى أبلغ عنان السماء،
وأسرَّ بنجواي إلى السحاب
وكيف فتنني فتنة تأخذ بالألباب؟
١٤
سر
وقف الخلقُ حيادَى مشدوهين
من نظرات المحبوب إليَّا،
أمَّا أنا فعليم، ولديَّ يقين
بالمعنى الكامن فيها (والمغزى)،
ذلك أنها تقول: أحب هذا الإنسان
لا ذلك الفُلان أو العِلَّان.
فتخلوا إذن، أيها الناس الطيبون
عما (يملأ نفوسكم) من تعجُّبٍ وحنين،
أجل إنها تنظر بغضبٍ رهيبٍ
إلى الجموع المتحلِّقة من حولها،
بينما تريد أن تعلن له وحده
عن موعد اللقاء الحلو القريب.
١٥
سر أعمق
«إننا مهتمون أعظمَ اهتمام
— نحن صيَّادي النوادر والأخبار —
بأن نعرف من هو حبيبك
وهل لك كذلك كثيرٌ من الأصهار
•••

أمَّا أنك ولهانٌ فهذا ما نراه،
ونُغبِطُك عليه من طيب خاطر،
وأمَّا أن حبيبك يبادلُكَ الغرام،
فهذا شيءٌ لا يمكننا تصديقه.»
•••

هلُمُّوا أيها السادةُ الأعزَّاء،
بادروا بالبحث عنها، ولكن حذار،
ستُصابون بالفزع إن هي وقفتْ هناك.
فإذا غابت قبَّلتم خيالها.
•••

إنكم تعرفون كيف تجرَّد شهابُ الدين
من ثيابه فوق (جبل) عرفات،
ولا تصفون أحدًا بالحمق
لأنه يحاكيه فيما فعل.
وإذا ذُكر اسمك في يوم من الأيام
أمَّا عرش قيصرك
أو أمام حبيبة قلبك
فليكن لك في ذلك أعظمُ جزاء.
•••

لذلك كان أفظع الفواجع والأحزان
أن يطلب المجنون ساعة احتضاره
ألا يذكر اسمه إنسان
أبدًا أمام ليلى (العامرية).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:42 pm

كتاب التفكير

١
اسمع النصح
اسمع النصحَ الذي تردده القيثارة؛
بَيْدَ أنه لن يُفيد حتى تثبت القدرة والمهارة.
إن أسعد الكلمات ليُقابَل بالسخرية والاستهزاء،
حين يكون السامع ذا أُذنٍ لا تُحسن الإصغاء.
لكن ما الذي تردده القيثارة؟ إنها ترن بصوت عالٍ:
بأن أجملَ العرائس ليست هي أصلحهن،
ومع ذلك فلو كان علينا أن نجعلك واحدًا مِنَّا
فإن الواجب يحتِّمُ عليك أن تريدَ الأجمل والأصلح.
٢
خمسة أشياء
خمسة أشياء لا تنتجُ خمسًا،
فافتح أذنيك لتستوعب هذا الدرسا:
لا تنبتُ في صدر المغرور مودَّة،
ورفاق الخِسَّة والوضعاء عديمو الذوق،
والعظمةُ لا يدركها شرير وغد،
والحاسد لا يرحم عريًا،
والكاذبُ يطمع عبثًا في ثقة الناس،
فاحفظْ هذا الدرس (وأمنِّه بالحراس)
كي لا يسرقَه أحدُ «الأنجاس».
٣
خمسة أخرى
ما الذي يقصِّرُ عليَّ الزمن؟
الفعل!
وما الذي يجعله طويلًا لا يُحتمل؟
الفراغ!
ما الذي يُوقِع المرء في الديون؟
التجلُّد والصبر!
وما الذي يجلب الكسب (الوفير)؟
عدم إطالة التفكير!
ما الذي يُنيل الشرفَ والكرامة؟
الإباء والمقاومة!
٤
محبَّبة هي نظرة الفتاة
مُحبِّبة هي نظرة الفتاة التي ترنو (إليك)،
ونظرة الشارب محببة، من قبل أن يشرب،
وتحية السيد الذي استطاع أن يُصدرَ الأمر،
وضوء الشمس الذي غمرك في الخريف.
وأحبُّ من هذا كله أن تضع نُصْبَ عينيك على الدوام،
كيف تسعى نحوكَ في لطفٍ يدٌ فقيرة
لتتلقَّى ما تقدمه من هباتٍ صغيرة
وهي تحمل أجمل مشاعر الامتنان والعرفان.
يا لها من نظرة! يا لها من تحية! ويا له من سعي قوي التعبير!
تأمَّله جَيِّدًا، وسوف تُواصل العطاءَ دائمًا (بسرور).
٥
وإن ما ورد في بند نامه
وإنَّ ما ورد في «بند نامه»
لمنقوش في صدرك:
كل من تعطيه بنفسك
سوف تحبُّه كما تحبُّ نفسَك
فقدِّم الملِّيم وأنت مسرور (على الفور)
ولا تكنز الذهب ليُنفقَ بعدك في الخير،
بل أسرع وأنت مغتبطٌ راضي
إلى تفضيل الحاضر على ذكرى الماضي.
٦
إن مررت بحدَّاد
إن مررتَ على صهوة جوادك بحدَّاد،
فلست تدري متى يُصلح لك كعبَ الجواد،
وإن رأيت كوخًا خاليًا في العراء
فلست تدري إن كان يضمُّ حبيبة الفؤاد،
وإن لقيت فتًى جسورًا ذا محيًّا جميل
فلست تعلمُ إن كان سيغلبك غدًا أم سيكون المغلوب.
لكن يمكنك أن تقولَ عن الكرمة الخبر اليقين
وأنها ستحمل لك من الطيبات الكثير.
وهكذا تحيا في هذا العالم في أمان
وما عدا ذلك لا يحتاج مني إلى التكرار.
٧
فلتُحسِن رد التحية
فلتحسن ردَّ التحية من إنسانٍ مجهول!
ولتكن عندك في مقام التحية من صديقٍ قديم.
فبعد كلمات قليلة ستقولان لبعضكما الوداع!
وتذهب أنت إلى المشرق، وهو إلى المغرب، وتتفرق
بكل السبل والدروب
— حتى إذا التقيتما على الطريق بعد سنين وسنين
على غير انتظار — نادى أحدكما الآخر في فرحٍ وسرور:
حقًّا إنه هو! أجل كان هو نفسه!
كأن لم يفرق بينكما السفرُ والرحيل
في البرِّ والبحر ولا دورة الشموس (والأفلاك).
عندئذٍ تبادلا البضائع وتقاسما المنافع!
فالثقة القديمة تَعْقدُ
عُرى المودة من جديد.
إن أولَ تحية تعدلُ آلاف التحيات
فأحسِنْ ردَّ التحية لكلِّ من حيَّاك!
٨
لقد طالما قالوا الكثير
لقد طالما تحدثوا عن عيوبك
ورووا الكثير عن أخطائك،
وطالما عذَّبوا أنفسهم أشدَّ العذاب
ليُثبتوا صدقَ ما يقولون ويحكون.
ليتهم بحب ومودة حدثوك
عن خيرٍ (أو فضلٍ) تملكه
وأشاروا عليك بصدقٍ ووفاء
كيف تختار ما هو أفضل منه،
والحق إن أفضل الأشياء
لم يبقَ محجوبًا عني في الخفاء
وهو الذي لا يلتفُّ حوله في خلوة الزاهدين
إلا أقل عدد من الضيوف المخلصين
وهكذا اخترتُ في نهاية المطاف
أن أكون التلميذ الذي يتعلَّم
كيف يقع المرء في الأخطاء
عن طريق التفكير والندم.
٩
إن الأسواق تغريك بالشراء
إن الأسواق تغريكَ بالشراء،
غير أن العلم ينتفخ ويتورَّم.
ومن ينظر حوله في سكون
يتعلم كيف يهدي الحب ويقوِّم.
إن كنت تجهدُ نفسك بالليل والنهار
لتسمعَ الكثير وتعلم الكثير،
فعليك أن تتنصَّتَ على باب آخر
لتعرف كيف يجدرُ بك أن تعلم.
وإذا كان للحق أن يجدَ طريقه إليك
فاشعر من لدن الله بما هو حق:
من يحترق بنار الحب
فلا جَرَمَ سيعرفه الرب.
١٠
لما سعيتُ
لما سعيت (للتحلِّي) بالشرف والأمانة،
خاب مسعاي،
وأمضيتُ السنين الطوال
في عذابٍ (وضلال)،
أفلحتُ ولم أفلحْ أيضًا،
كيف وما معنى هذا؟
ثم حاولتُ أن أكونَ وغدًا
وبذلتُ في ذلك غاية جهدي،
لكنه لم يوافق طبعي
بل حطَّم كياني ومزَّقني.
عندئذٍ قلت لنفسي
إن الشرف لأفضلُ شيء،
حتى لو كان قليل الحظ،
فهو الأرسخ والأبقى.
١١
لا تَسَلْ من أي باب
لا تَسَل من أي باب
دخلتُ مدينة الله،
بل ابقَ في الموضع الهادئ
حيث اتخذت مكانك.
ثم انظر حولك وفتِّش عن الحكماء
وعن الأقوياء الذين يأمرون (وينهون)،
أولئك سيعلِّمونك ويهدُونك،
وهؤلاء سيشدون عزيمتك ويقوُّونك.
وما دمتَ قد عشتَ لتنفعَ (غيرك) ولزمت (العقلَ) والاتزان.
وبذلك حفظتَ للدولة عهد الوفاء،
فاعلم أنه لن يكرهك إنسان،
بل سيحبُّك الكثير من الناس.
•••

والأمير يعرف (ويقدِّر) الإخلاص
الذي يصونُ الفعَل ويجدِّد فيه الحياة،
بهذا ينجحُ الجديدُ في الاختبار
ويبقى ثابتًا إلى جانب القديم.
١٢
من أين جئتَ؟
من أين جئت؟ إنه (في الواقع) لسؤال،
فلستُ أدري كيف ساقني إلى هنا الطريق،
هنا الآن في هذا النهار المشرق السماء
يتلاقى الألمُ والسرورُ لقاء الأصدقاء.
يا للحظ السعيد حين يتحدان!
والوحيد، كيف يطيبُ له أن يضحك، كيف يطيبُ
له البكاء؟
١٣
الواحد بعد الآخر
الواحد بعدَ الآخر يمضي ويزول،
وكذلك أحيانًا يمضي قبله،
فدعنا إذن نقطع دروبَ الحياة
سراعًا، شجعانًا، وجَسورين.
إن الأزهارَ تستوقفكَ، وهي تنظر إليك بإغراء،
لكي تقطف منها ما تشاء،
ولا شيء يمكنه أن يصدَّكَ ويرغمَكَ على النكوص
إلا إن كنت قبل ذلك مزيَّف (الضمير).
١٤
عاملوا النساء
عاملوا النساء برفق وتسامح!
خلق الله المرأة من ضلعٍ أعوج
لم يشأ له سبحانه أن يستقيم
إنك إن أردت أن تثنيَه انكسر،
وإن تركته ازداد عِوَجًا،
(قل لي) يا آدم الطيب، أهنا لك ما هو أسوأ من ذلك؟
عاملوا النساء برفقٍ وتسامح،
فليس من الخير أن ينكسر لكم ضلع.
١٥
إنما الحياة
إنما الحياة مِزحةٌ سخيفة:
هذا ينقصه شيء، وذلك يعوزه شيءٌ آخر،
وما يطمعُ فيه هذا غير قليل، وما يطمحُ إليه ذلك بلا حدود.
والقدرة والحظ يدخلان أيضًا في اللعبة.
فإذا تدخَّل سوءُ الحظُ بينهما
حمله كل امرئ وهو كاره (محزون)،
حتى يأتي الورثة أخيرًا فيحملون
ذلك السيد الذي لا يستطيع ولا يرى وهم مغتبطون.
١٦
إن الحياة لعبة
إن الحياة لعبةٌ من لعب الإوز:
فكلما تقدَّم الإنسانُ في المسير،
سبق غيره إلى الهدف (المقصود)
الذي لا يودُّ أحدٌ أن يتوقف عنده.
•••

يُقال إن الإوز غبيٌّ،
فلا تصدقوا ما يقوله الناس؛
لأن إحداها تنظر حولها
ثم تلتف وراءها مشيرةً إليَّ.
•••

لكن الأمر في هذه الدنيا مختلفٌ أشدَّ الاختلاف
إذ يتدافع الجميع متقدمين للأمام،
وإذا تعثر أحدهم أو سقط (في الزحام)،
لم تتلفت نفسٌ واحدةٌ إلى الوراء.
١٧
أخذت منك السنوات
أخذت منكَ السنوات، كما قلت، كثيرًا:
متعة ألعاب الحس
وذكرى عبث الأمس
المفعم بدلال الحب،
وحُرمت من التَّجوال طويلًا
بين مغاني الأرض
لأنك جاوزتَ السن
(وشاب القلب)،
لم يسلم حتى الشرف،
وكان يزين الرأس
ولا (سَلَم) المدح وكان يسرُّ النفس.
جفَّ مَعينُ الخَلق وغاضَ النبع
فما عدتَ تغامر
(كي تنفض عنك غبار اليأس)
لا أدري ماذا يبقى
(من كل كنوز العالم لك؟)
— يبقى ما يكفي القلب!
وتبقى الفكرةُ والحب!
١٨
لو وضعتَ نفسك
لو وضعت نفسك أمام العارفين
لضمنت الأمانَ في كلِّ الأحوال.
فإن كنت قد عذَّبت نفسكَ طويلًا
عرفوا على الفور ما تفتقر إليه
كذلك يمكنُك أن تطمعَ في الثناء
لأنهم يعرفون أين وكيف أحسن البلاء.
١٩
سوف يُخدعُ الكريمُ
سوف يُخدعُ الكريم،
ويُستنزفُ البخيل،
اللبيب سيُضلَّل،
والعاقل يفرغُ (من عقله)،
الفظُّ سيجتنبه الناس
والأبلهُ يوضعُ في القيد.
تمكَّن من هذه الكذبة
واخدع أيها المخدوع!
٢٠
مَن يملك إصدار الأوامر
من يملك إصدار الأوامر سيُزجي المدح والثناء،
وسيرجع مرَّة أخرى إلى اللوم والتقريع،
فعليك أيها الخادمُ الوفي الأمين،
أن ترضى بهذا كما ترضى بذاك.
•••

ذلك أنه يُثني على أهون الأشياء
كما يوجِّه اللوم، حيث كان ينبغي عليه الثناء،
لكنك لو تمسكت بالصبر والاتزان،
فسوف يتأكد في النهاية من معدنك الأصيل.
•••

وهكذا يكون عليكم، أيها السادة الأعلون،
أن ترعوا الله كما يفعل الضعفاء،
فاعملوا وقاسوا بقدر ما تستطيعون،
ولكن حافظوا على الصبر والاتزان.
٢١
إلى الشاه شجاع وأمثاله
خلالَ الهدير كلِّه والرنين
في بلاد ما وراء النهر
يتجرأ غناؤنا
ويسير على دروبك!
لا يتخوَّف من أي شيء
(لأنه) يستمد الحياة منك،
فليطُلْ عمرُك
وليدُمْ ملكُك!
٢٢
أسمى النِّعم
عندما كنت شرسًا (صعب الانقياد)
وجدتُ سيدا،
وعندما رقَّت حاشيتي بعدها بسنوات
وجدت أيضًا سيدة.
لم يدَّخِرًا الوسع في اختياري
ووجداني وفيًّا مخلصًا،
وبالحفظ والرعاية شملاني
لأنني الكنز الذي وجداه.
لم يسبق لأحدٍ أن خدم سيدين
ووجد في ذلك سعادته،
أمَّا السيد والسيدة فيسرُّهما
أنهما معًا وجداني،
وكوكب السعد يضيء حياتي
لأني وجدتهما معًا.
٢٣
الفردوس يقول
«أيها العالَمُ! قُبِّحتَ وما أفظع شرَّك!
أنت تغذو وتربي، وبنفس الوقت تُهلك!»
ومن يؤثره الله بفضله وكرمه،
(فإنما) يغذو نفسه، ويربي نفسه، وينعمُ بالحياة والثراء.
•••

لكن ما معنى الثروة؟ — إنها الشمس التي تدفئ
ويستمتع بها الشحاذ، كما نستمتع بها
فلا يتبرَّم أحدٌ من الأثرياء
ولا ينفَس على الشحاذ المتعة والهناء.
٢٤
جلال الدين الرومي يقول
إن أقمتَ في العالم فرَّ (منك) كالحلم،
وإن ترحَّلت، حدَّد (لك) القدرُ المكان،
لا الحرارةُ ولا البردُ يمكنك أن تتحكَّم فيهما،
وما يزدهر أمام عينيك، سيشيخ (ويذبلُ) على الفور.
٢٥
زليخا تقول
قالت المرآة إني فاتنة،
حُزْتُ آيات الجمال!
قُلتمو إن الليالي خائنة
سوف تذوين (ويطويك الزوال)
كلُّ شيءٍ خالدٌ في عين ربي،
فاعشقوه الآن فيَّا،
هذه اللحظة حسبي!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:42 pm

كتاب الضِّيق

١
من أين أتيت بهذا؟
«من أين أتيت بهذا؟»
كيف تيسَّر أن يصل إليك؟
وكيف حصلت من أسمالِ الحياة
على هذا الفتيل،
حتى تُحييَ من جديد
آخرَ ومضاتِ الشرارة.
•••

لا يقعنَّ في ظنكم
أن هذه الشرارة خامدة،
في الآفاق الشاسعة بلا حدود،
وفي محيط النجوم،
لم أضيِّع نفسي
بل شعرت كأني وُلدتُ من جديد.
•••

هناك حيثُ أمواجُ الأغنام البيضاء
قد غمرت التلال،
نعمتُ برعاية حُداةٍ جادِّين،
يرحبون بالضيف وبالقليل (من زادهم) يقرُون،
وهم من الطيبة واللطف والهدوء
بحيث حببتهم وسعدتُ بهم أجمعين.
•••

في الليالي المخيفة
وتحت تهديد الغارات
كان ثغاءُ الإبل
ينفذ في الأذن والنفس
ويملأ الحُداة
بالخيالات والخُيلاء.
•••

ودائمًا تقدَّم المسير
واتسعَ المكان باستمرار
وبدا كلُّ سعينا
أشبه بفرار أبدي.
ومن وراء البيد والحشود،
رفَّ شريطٌ أزرق لبحارٍ خدَّاعة.
٢
لن تجد أي شُوَيعر نظَّام
لن تجد أي (شويعر) نظَّام،
لا يحسب نفسه أفضلَ الشعراء،
ولن تجد عازفًا متواضعًا على الكمان
إلا ويؤثرُ عزف ألحانه الخاصة.
•••

ولم يكن في وسعي أن ألومهم:
فنحن إذا مجَّدنا الآخرين
تحتَّم علينا أن نُجرد أنفسنا من المجد،
وكيف يحيا الإنسان في الوقت الذي يحيا فيه الآخرون؟
•••

وهكذا وجدتُ من طبائع الأمور
في بعضِ غرف الانتظار
ألا يستطيع أحدٌ التمييزَ
بين الكزبرة وزبل الفيران.
•••

إن المكانسَ القديمة لتكره
هذه المكانس الجديدة المتينة،
وهذه الأخيرة لا تريد أن تعترف،
بفضل المكانس القديمة.
•••

وحيثما دبَّت الفُرقة بين الشعوب
وتبادلت الاحتقارَ (والازدراء)،
فلن يعترفَ شعبٌ منها للآخر،
بأنهما يهدفان لنفس الغاية.
•••

وهذه الأنانية الفظَّة (الغليظة)
قد لامها البعض أشدَّ اللوم،
وهؤلاء قلَّما حققوا شيئًا،
بينما استطاع غيرهم أن ينجز الكثير.
٣
ما إن يشعر المرء
ما إن يشعر المرء بالرضا والصفاء
حتى يبادره الجار بالتنغيص والشقاء،
وما عاش ذو الفضل يجاهد جهادَ العاملين،
إلا شغف الناس بأن يرجموه.
•••

حتى إذا وافاه الأجلُ المحتوم،
طفقوا يجمعون التبرُّعات والهِبات
ليقيموا له تمثالًا يُكرِّم ذكراه
ويشهد على ما لاقاه مِن نَكَد الحياة.
•••

ولو أحسنتِ العامَّة التقدير
وتدبرت أصلح الأمور
لكانَ الأولى بهذا المسكين
أن ينسوه إلى أبد الآبدين.
٤
لعلَّكم تلاحظون
لعلكم تلاحظون أن التعاظُم
لا يمكن نفيه منَ العالم،
(لهذا) يلذُّ لي تبادل الكلام
مع النجباء والحكَّام العظام.
•••

ولما كان المحدودون الأغبياء
قد دأبوا على (العجرفة) والاستكبار
كما أن ضيِّقي الأفق والأوساط
قد أُولِعوا بوضعنا تحت نيرهم،
فقد أعلنتُ أنني حرٌّ (طليق)
من الحمقى والحُكَماء (على السواء)،
لأن هؤلاء يؤثرون البقاء بغير إزعاج
وأولئك يودُّون تمزيق أنفسهم (شر تمزيق).
•••

وهم يتصوَّرون أن علينا في نهاية المطاف
أن نتوحَّد في القوة والحب
فيعكِّرون عليَّ ضياءَ الشمس
ويشيعون السخونةَ في الظل.
•••

وقد اضطُرَّ كذلك حافظ وألريش هوتن
أن يُصمِّما على حمل السلاح
لمواجهة أصحاب الثياب البنية والزرقاء،
(أمَّا) أعدائي فيسيرون مثل سائر المسيحيين.
•••

«اذكر لنا إذن أسماءَ هؤلاء الأعداء.»
لست أبغي من أحدٍ أن يدل عليهم
إذ يكفيني بين جماعة المؤمنين
أنني أعاني منهم أشد العناء.
٥
إذا اطمأننت للخير والسلام
إذا اطمأننت للخير والسلام
فلن أجد في ذلك ما يُلام،
وإن اتجهتَ إلى فعل الخير
فسيرفَعك هذا إلى صفوف النبلاء!
أمَّا إذا شئت أن تُقيمَ السورَ (والسياج)
حول الخير الذي تصنعه
فسوف أحيا حُرًّا وأحيا في هناء
ولن أحسَّ بأن أحدًا خدعني.
•••

ذلك أن الناس بطبعهم أخيار،
ويمكن أن تكون أحوالُهم أفضل،
لو لم يبادر الواحدُ منهم
بتقليد الآخر فيما يفعل.
وهناك مثل يقول
— ولن يرفضه أحد —
إذا كُنَّا نسيرُ على طريقٍ
ونقصد نفس المكان
فهلُمَّ بنا نسير معًا.
•••

هنا وهناك أثناء المسير
سيواجهنا الكثير،
وما من أحد في الحبِّ يطيق
أن يكون له مُعينٌ ورفيق،
إذ يودُّ كلُّ امرئ أن يُجزَلَ له وحده العطاء
من المال والشرف والتكريم.
ثم يأتي الخمر، هذا الصاحبُ الأمين،
فيورثُ الشِّقاق في نهاية المطاف.
•••

وحافظ أيضًا قد تكلم
عن مثل هذه التفاهات،
وحطم رأسه بالتفكير
في كثير من هذه السخافات،
ولستُ أرى من الخيرِ
أن نهرب من هذا العالم
وأولى بك، حين تسوء الأمور لأقصى حد،
أن تهيئَ نفسك لخوض المعارك.
٦
وكأن ما يتفتح في ظل الصمت
وكأن ما يتفتح في (ظل) الصمت،
يعتمد على الأسماء!
إنني لأحبُّ الخير الجميل
كما سوَّته (يد) الله.
•••

أحب إنسانًا، وهذا شيءٌ لا غنًى عنه،
ولا أكره أحدًا، لكن إذا وجب عليَّ أن أكره
فإني كذلك على أتم استعداد،
(عندئذٍ) أكره بفظاعة وبغير حدود.
•••

أمَّا إذا أردت أن تعرفهم عن قُرب،
فانظر إلى الحق، وانظر إلى الباطل،
(وستجد) أن ما يصفونه بالعظمة والروعة
ربما لم يكن هو الحق.
•••

لأن من يُريد أن يهتديَ للحق
يجب عليه أن يحيا بعمق،
أمَّا الإغراقُ في الثرثرة والجدال
فهو في ظني ضحالةٌ وسماجةٌ (في كل الأحوال)
•••

وبالطبع يستطيع السيد المرتِّق
أن ينضم إلى الممزِّق،
ومِنْ ثَمَّ يتصور كذلك الملفِّق
أنه هو أفضل الناس!
•••

وهكذا يسعى كل إنسان وراء التجديد
ويحرص كلَّ يومٍ على سماع شيءٍ جديد،
وفي الوقت نفسه يتكفَّلُ كذلك التشتيت
بتخريب كلِّ إنسانٍ من داخله.
•••

هذا هو الذي يرغب فيه المواطن ويهواه،
سواء اعتبر نفسه ألمانيًّا بالمعنى القديم أو بالمعنى
الحديث، غيرَ أن الأغنيةَ الصغيرة تهمس في الخفاء:
«هكذا كانت الأمور وهكذا سوف تكون.»
٧
المجنون معناه
«المجنون» معناه — لا أريد أن أقول
إنه هو الذي فقد عقله تمام الفقدان،
ومع ذلك لا يجوز أن توجِّهوا إليَّ الاتهام
بأنني أفتخر بأني «المجنون».
•••

عندما يفيضُ الصدرُ الطيِّب الحنون
بما امتلأ به لينقذكم (من الضلال)
فلا تهتفوا: «هذا هو المجنون!
هاتوا الحبالَ، أحضروا الأغلال!»
•••

وحين ترَون في نهاية المَطاف
أن الأفذاذ يُحتضرون في السلاسل
فسوف يلسعكم لسع القراص
أن تتأملوهم بغير طائل.
٨
هل سبق أن أشرتُ عليكم
هل سبق أن أشرتُ عليكم
كيف تشنُّونَ الحروب؟
وهل وجَّهتُ اللوم إليكم — بعد ما رأيت من أمجادكم —
عندما قررتم عقد (معاهدة) السلام؟
•••

وهكذا تركتُ الصيَّاد
يطرح شِباكه في هدوء،
ولم أحتَجْ لتعليم النجَّار البارع
كيف يضبط زاويته.
•••

لكنكم تريدون أن تعرفوا
أفضل مني ما أعرفه وتبين لي
أن الطبيعة حبتني به وآثرتني
بأن أختص به وأنبغ فيه.
•••

هل تشعرون بمثل هذه القوة؟
إذن فهاتوا برهانكم!
فإذا نظرتم في أعمالي
فتعلَّموا أوَّلًا: هكذا أرادَ لها أن تكون.
٩
طمأنينة المتجوِّل
لا يرفعنَّ أحدٌ صوتَه بالشَّكاة
من الدناءة والوَضاعة؛
لأنها هي المسيطرة الغلَّابة،
مهما زَعم لك الزاعمون.
•••

إنها تدبِّر أمورها في الشر
لتحصل على أكبر ربح،
كما تتصرف في الخير
حسب مزاجها وأهوائها.
•••

أيها المتجوِّل! — هل خطر ببالك
أن تثورَ على هذه المحنة؟
دعهم يديرون ويثيرون كالغبار
زوابع الرمل والبراز الجاف.
١٠
من ذا الذي يطلب من الدنيا
من ذا الذي يطلب من الدنيا
ما تفقده هي نفسها وتحلم به،
فيظل يتلفت وراءه وحواليه
وعلى الدوام يضيع نهار النهار (من يديه)؟
إن سعيهم (الحثيث)، وإرادتهم الطيبة
لا يلهثان إلا وراء الحياة المندفعة المتسرِّعة،
وما كنتَ تحتاجُ إليه قبل سنوات
تودُّ هي اليوم أن تعطيك إيَّاه.
١١
إن ثناء المرء على نفسه
إن ثناء المرء على نفسه خطأ،
ومع ذلك (فهو خطأ) يرتكبه من يفعل خيرًا،
وكلما كان صادقًا وصريحًا في كلامه
بقيَ الخيرُ دائمًا هو الخير.
•••

أيها الحمقى، دعوا إذن هذه الفرحة
للحكيم الذي يعتقد في نفسه الحكمة،
حتى يمكنه، وهو الأحمق مثلكم،
أن يبذِّر من هذا الشكر الممجوج من العالم.
١٢
أتعتقد إذن؟
أتعتقد إذن أن النقل من فم إلى أُذن
هو مكسبٌ حقيقيٌّ مأمون؟
إن النقلَ، أيها الأحمقُ المأفون،
هو أيضًا تخريف ووهم!
•••

الآن قد حان الوقت لإصدار الحُكم
لن يُخلِّصَك من أغلال الاعتقاد
سوى العقل وحده
الذي سبق لك أن تخلَّيت عنه.
١٣
ومن يحاكي الفرنسيس أو البريطان
مَن يحاكي الفرنسيسَ أو البريطان
أو يجاري الطليان أو الألمان
فإنما يريد كلُّ واحد منهم،
ما تتطلَّبه منه (المصلحة) وحبُّ الذات.
إذ ليس في ذلك أي اعتراف
لا بالكثيرين (منهم) ولا بالواحد،
طالما أنه لا يظهر في (ضوء) النهار،
ما يحب الإنسان نفسه أن يبدو عليه.
•••

ولكن في غدٍ يجدُ الحق
أعوانه المخلصين،
وإن كان الشر قد ساد اليوم
واكتسب المكانة والحظوة.
•••

من لا يستطيع أن يقدم لنفسه الحسابَ
(عمَّا تم من التطور) خلال ثلاثةِ آلاف عام،
فليبقَ معدومَ الخبر يتخبَّط في الظلام
وليعشْ من يومٍ ليوم (ويتنقلْ من باب لباب).
١٤
عندما كان المسلمون
عندما كان المسلمون يستشهدون بالقرآن الكريم،
كانوا يذكرون السورة والآية،
وكان كل مسلم، بما ينبغي عليه من تَوقير،
يشعر بالإجلال والطمأنينة في أعماق الضمير،
لكن الدراويش المحْدَثين لا يفْضُلونهم في شيء
فهم يثرثرونَ عن القديم، فضلًا عن الجديد.
وفي كل يوم يزداد التشويش والاضطرابُ الشديد،
أيها القرآن الكريم! أيتها الطمأنينة الخالدة!
١٥
النبي يقول
لو شعر أحدٌ بالغيظ لأن الله قد شاء
أن يُنعم على محمد بالحفظ والفضل والهناء،
فليبادر إلى تثبيتِ الحبل الغليظ
في أقوى عارضةٍ في قاع بيته،
وليعلِّق نفسه فيه،
وسوف يحسُّ بأن غيظه قد ذهبَ واستعاد الهدوء.
١٦
تيمور يقول
ماذا؟ أتنكرون عليَّ أيها الفقهاء المراءون
فورة الانطلاق العاتية كالإعصار الشديد!
لو أن الله قدَّر لي أن أكون دودةً
لكان قد خلقني على هيئة الدود.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:43 pm

كتاب الحِكم

١
سأنثر التمائمَ في هذا الكتاب،
وهذا يحققُ التوازن.
ومن يُخز بإبرة الإيمان
تسُره الكلمة الطيبةُ في كلِّ مكان.
٢
لا تطلب من هذا اليوم ولا تسأل هذا الليل
إلا ما جَلَب إليك
نهارُ الأمس وليل الأمس.
٣
من وُلدَ في أسوأ أيام النحس،
ارتاحت نفسه حتى لأيام النحس.
٤
لا يعرف أن الشيء سهلٌ
إلا من اخترعه ومن حصل عليه.
٥
البحر يفيض دائمًا
والأرض لا تحتفظ به أبدًا.
٦
لماذا تصيبني كل ساعة بالكمد والضيق؟
إن الحياةَ لقصيرة، وإن النهار لطويل.
ودائمًا ما يتُوق القلب للانطلاق إلى البعيد،
هل يصبو للانطلاق إلى السماء — لا أدري على وجه التحديد،
لكنه يريد أن يمضي إلى هنا وهناك،
ويودُّ أن يفرَّ من نفسه لو استطاع.
وإذا طار إلى صدرِ الحبيب،
استقرَّ في السماء وهو غائبٌ عن الشعور،
وتشدُّه دوَّامة الحياة من جديد،
ولكنه يَثبُت على الدوام بموضعٍ واحد فريد،
ومهما أراد، ومهما أضاع
فإنه يظلُّ في النهاية هو الأحمق المأفون.
٧
إذا اختبرك القَدَرُ، فهو يعلم السببَ في هذا تمام العلم:
لقد أراد منك الزهْد والعزوفَ، فأطِعه في صمت.
٨
لا يزالُ النهار طالعًا، والناس يتحركون بلا توانٍ،
حتى إذا أقبل الليلُ، توقفَ عن النشاط كلُّ إنسان.
٩
ماذا تريد أن تصنع بالعالَم، لقد تم صُنعه،
وربُّ الخلق قد دبَّر كل شيء.
تحدَّد نصيبك، فاتَّبع السبيل،
بدأ الطريق، فأتمَّ الرحلة،
لأن الهموم والأحزانَ لن تغير منه شيئًا،
بل ستظلُّ تُطيح بك بعيدًا عن الاتزان.
١٠
إن شكا المظلوم يومًا للسماء،
قد حُرِمت العونَ منهم والرجاء،
فدواء الجرح إن عزَّ الدواء
كلمةٌ طيبةٌ فيها الشفاء.
١١
«كم أسأتم التصرف
حين زاركم الحظُّ في بيتكم.»
لكن الفتاة لم تستأ من ذلك
فعاودتِ الزيارةَ عدة مرات.
١٢
إن ميراثي لرائع،
وهو موفورٌ وشاسع.
فملكي الزمان،
وحقلي الزمان.
١٣
افعل الخيرَ لأجل الخير وحده!
ثم سلِّمه لنسلٍ من دمك،
فإذا لم يَجنِ أولادُك منه،
فهو لن يُخلِف للأحفاد وعده.
١٤
يقولها «أنوري»، وهو من أعظم الناس،
وأعلمهم بخفايا القلوب وبأعلى الرءوس:
(هناك ثلاثة أمور) ترفع قدرَك في كلُّ مكانٍ وزمان:
الاستقامة، وسداد الرأي، و(القدرةُ على) الاحتمال.
١٥
لماذا تشكو من الأعداء؟
وهل يمكن أن يكون لك أصدقاء
من أولئك الذين يظلُّ جوهرُك الأصيلُ
مَصدرَ اتهامٍ صامتٍ وأبديٍّ لهم؟
١٦
ليس هناك أغبى ولا أشَقُّ على الاحتمال،
من أن يقول الأغبياءُ للحكماء:
ينبغي عليكم في الأيام العظيمة
أن تقدِّموا الدليل على تواضعكم.
١٧
لو كان الله جارًا سيئًا،
كما هو حالي وحالُك،
لكان حظُّ كلينا من الشرف قليلًا،
إنه (سبحانه) يترك كل إنسان لطبيعته.
١٨
اعترفوا بأن شعراء الشرق
أعظم مِنَّا نحن شعراء الغرب.
أمَّا الشيء الذي نجاريهم فيه سواء بسواء
فهو حقدنا على أمثالنا من الشعراء.
١٩
في كلِّ مكانٍ يريد كل إنسان أن يكون في العالي،
كما هو الشأن في هذا العالم وواقع الحال.
ومن حق كلِّ إنسان أن يكون فظًّا غليظ الإحساس،
على أن يقتصر ذلك على ما يُحسن فهمه (من دون الناس).
٢٠
ارفع مقتك يا رب وغضبك عَنَّا!
فالصَّعو١ الأخرس صار له صوت.
٢١
إذا صمم الحسد على أن يمزق نفسه،
فدعه يأكل جوعه.
٢٢
إذا حرصت على الاحتفاظ باحترام النفس،
فيجب عليك أن تكون خَشِنًا شديد البأس.
فكلُّ شيءٍ يمكنك أن تصيده بالصقر،
باستثناء الخنزير البري.
٢٣
ماذا يفيد المتفقِّه في الدين،
أن يسدَّ عليَّ الطريق؟
إن ما لم يُدرك الإدراك الصحيح المستقيم،
لن يعرف أيضًا بشكلٍ ملتوٍ سقيم.
٢٤
إن الثناءَ على البطل وتمجيده،
شيءٌ يمكن أن يقومَ به كلُّ من حارب بجسارة.
إذ لا يعرف قيمة إنسان
إلا من عانى من البرودة والحرارة.
٢٥
افعلِ الخير حُبًّا في الخير،
فإن ما تفعله لا يبقى لك،
وحتى لو أمكن أن يبقى لك،
فهو لن يبقى لأولادك.
٢٦
إن كنت تحاذِرُ ألا ينهبَك الناهِبُ ويشينك،
فاكتم ذهبك وذهابك، واكتم دينَك.
٢٧
كيف تسنَّى أن يسمع المرءُ في كلِّ مكان
كثيرًا من الأقوال الطيبة وكثيرًا من الحماقات؟
إن صغار الشباب يرددون كلمات العجائز
ويتصورون أنها من عندهم.
٢٨
لا تترك أحدًا يسوقُك في أي وقت
إلى المناقضة والدحض؛
فالحكماء يقعون في الجهل،
إذا تجادلوا مع الجهلاء.
٢٩
لماذا كانت الحقيقة نائية بعيدة؟
(ولماذا) تتخفَّى في أعمق الأعماق؟
لا أحد يفهم في الوقت المناسب!
ولو فهم المرء في الوقت المناسب،
لاقتربت الحقيقة وانتشرت (على نطاق واسع)
وصارت محبَّبة لطيفة.
٣٠
ما الذي يدعوك للبحث والسؤال،
عن الموضوع الذي يصبُّ فيه الإحسان.
ألقِ كعكتك في الماء،
فمن يدري من الذي سيذوقها
(من يدري أيُّ إنسان)!
٣١
لمَّا قتلتُ عنكبوتًا ذات يوم
فكَّرت هل كان صوابًا ما فعلت؟
لقد أراد الله أن يصيبه
من هذه الأيام مثل ما أصبت.
٣٢
مُظلم هو الليل، وعند الله النور،
لماذا لم يخلقنا الله أيضًا كذلك؟
٣٣
يا لها من جماعة (أفرادها) من كل لون!
على مائدة الرب يجلس الأصدقاء والأعداء.
٣٤
إنكم تصفونني بالرجل البخيل،
فأعطوني ما أستطيع تبذيره.
٣٥
إذا كان عليَّ أن أُريك الحيَّ المحيط بنا،
فيتحتَّمُ عليك أوَّلًا أن تصعد إلى السطح.
٣٦
من لزم الصمت قلَّت همومه.
يبقى المرء مخبوءًا تحت لسانه.
٣٧
السيد الذي له خادمان،
لا يجد الرعاية الكافية،
والبيت الذي تعيش فيه امرأتان،
لا يُكنَس كنسًا جَيِّدًا.
٣٨
تريَّثوا، أيها الأعزاء،
واكتفوا بالقول: «المعلِّم نفسه قال هذا!»
لماذا تُعيدون وتزيدون عن الرجل والمرأة؟
الأصحُّ هو الكلام عن آدم وحواء.
٣٩
علامَ أشكرُ الله جزيلَ الشُّكر؟
على أنه فصلَ بين المعرفة والألم.
فلا بُدَّ أن ييئس كل مريض
لو عرف علَّته كما يعرفُها الطبيب.
٤٠
من الحماقة أن يتحيَّز كلُّ إنسانٍ
لما يراه وأن يثني عليه!
وإذا الإسلام كان معناه أن لله التسليم،
فإننا أجمعين، نحيا ونموت مسلمين.
٤١
مَن يأتي إلى الدنيا يبني بيتًا جديدًا،
ثم يرحل ويتركه لشخصٍ ثان.
يرتبه على نحو آخر
ولا أحد يتم البناء.
٤٢
مَن دخل بيتي وأخذ (ينتقد) ويذم
ما ارتضيته سنواتٍ طويلة،
فعليه أن يُدرِك وهو أمام الباب،
أنني لم أشأ أن أرضى عنه.
٤٣
ربِّ ارضَ
عن هذا البيت الصغير،
من الممكن بناء بيوت أكبر،
ولكن لن يتمخض عن ذلك الكثير.
٤٤
إذا أردتَ حياةً
بغير همٍّ وفِكر
فاجعل خليليْك دَومًا
كأسًا وديوان شعر.
٤٥
أيُّ شيءٍ عجزَ عنه لقمان
الذي نعتوه بالقبيح.
ليست الحلاوةُ في العود
بل الحلاوةُ في السُّكْر.
٤٦
رائعٌ هو الشرق
الذي جاوز البحر المتوسط
لن يفهمَ غناء كالديرون،
إلا من أحبَّ حافظًا وعرفه.
٤٧
«لماذا تُزين إحدى يديك
أكثر مما تستحق؟»
وماذا عسى أن تفعل اليسرى
إذ لم تزيِّن اليمنى؟
٤٨
حتى لو استطاع أحدٌ أن يسوقَ
حمار المسيح إلى مكة،
فإن ذلك لن يُصلح شأنه
إذ سيبقى على الدوام حمارًا.
٤٩
الطينُ الذي يُداس (بالقَدم)
يتَّسع عرضُه ولا تزدادُ صلابته.
لكنك لو أدخلته بقوة (وعزم)
في قالب ثابت لصار له شكل.
مثل هذه الأحجار ستتعرف عليها،
والأوروبيون يسمونها «البيزيه».
٥٠
لا تبتئسي أيتها النفوسُ الطيبة!
لأن مَن لا يخطئ يعرف جَيِّدًا متى يُخطئ الآخرون،
بَيْدَ أن الذي يُخطئ أفضل حالًا (من غيره)،
لأنه يتبين بوضوحٍ ما أحسنوا صنعه.
٥١
أنتَ لم توجِّه الشكرَ للكثيرين
الذين قدَّموا لكَ الخيرَ العميم!
لم يسؤني هذا ولم يسبب لي المرض،
لأن عطاياهم إنما تحيا في القلب.
٥٢
عليك أن تحرص على حُسن السمعة،
وأن تُميِّز تمييزًا جَيِّدًا بين الأشياء،
ومن طمع في أكثر من ذلك يضلُّ ويفسد.
٥٣
طوفانُ العاطفة يعصِف بلا طائل
مرتطمًا باليابسة التي لا تلين.
يقذف اللآلئَ الشعرية إلى الشاطئ،
وفي هذا وحده مكسبٌ للحياة.
٥٤
التابع الأمين:
لقد طالما استجبتَ لطلبات عديدة،
حتى ولو كان فيها ما يؤذيك،
وهذا الرجل الطيِّب لم يطلب إلا القليل
وليس في ذلك أدنى خطر.
الوزير:
(الحق أن) الرجلَّ الطيب طلب القليل
ولو أنني أجبته على الفور
لكان (المسكين) قد ضاع في الحال.
٥٥
من المؤسف، وهذا هو واقع الحال،
أن تسعى الحقيقة وراء الباطل،
(صحيح) أنها تميلُ لهذا في بعض الأحيان،
ومن يسأل السيدة الجميلة (عمَّا تفعل)؟
(أمَّا) السيد «باطل» فإن أراد أن يتقربَ من الحقيقة،
فينبغي أن يضايق ذلك السيدة الحقيقة.
٥٦
أعلم أنه يسوئني أشدَّ السُّوء،
أن يُغنِّي ويتكلم هذا العدد الكبير
من الذي يطرد الشعر من العالم؟
إنهم الشعراء!
١ أو النمنمة، وهو طائر صغير جِدًّا يكاد لا يُسمَع له صوت.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:44 pm

كتاب تيمور

١
الشتاء وتيمور
هكذا أحاط بهم الشتاء
بغضبه المروِّع
وبينما أخذَ يثيرُ أنفاسه الثلجيةَ بينَ الجميع،
هيَّجَ عليهم الرياحَ المختلفة.
أطلقَ عليهم عواصفه الجليدية المسنونة
لتضرهم بكل عنقها (وجبروتها)،
ثم هبط إلى مجلس تيمور،
وصرخ فيه متوعِّدًا وهو يقول:
مهلًا، وعلى رِسْلك أيها التعِس،
أيها الطاغية الظالم،
إلى متى تنصهر القلوب
وتحترق بنيرانك؟
إن كنت (تتصوَّر) أنك أحدُ الأرواح اللعينة
فاعلم أنني الروح الآخر.
أنت عجوزٌ، وأنا أيضًا،
وكلانا يُجمِّدُ اليابسة والبشر.
أنت أنت المريخ! وأنا زُحل،
كلانا كوكب نحس،
واتحادنا مقترن بأفظع الكوارث.
وإذا كنت تُميت النفس وتُبرِّدُ الهواء
فإن أهويتي أشدُّ بردًا مما تقدر أنت عليه.
وإذا كانت جيوشك الوحشية تسومُ المؤمنين
بألوان التعذيب التي تُعدُّ بالآلاف،
فتأكد أنه ستحدث في أيامي،
بعون الله مصائب أشد.
وبحق الله! لن أترفَّق بك.
وليسمع سبحانه ما سأقدمه لك!
أجل وبحق الله! لن يحميك،
من برودة الموت، أيها العجوز،
لا اللهيب المُستعرُ في المواقد،
ولا النيرانُ المشتعلة في (شهر) كانون.
٢
إلى زليخا
لكي ألاطفُك بأطيب العطور،
وأضاعف فَرحك وسرورك،
فلا بدَّ لألفٍ من براعم الورود
أن تفنى قبل ذلك في اللهيب.
للحصول على قارورة صغيرة، تحتفظ بالعطر إلى الأبد،
رشيقةٍ كأطراف أناملك.
فالأمرُ يحتاج لعالمٍ بأسره.
•••

عالمٌ من دوافع الحياة
جاشت في عُنفوان
واستشعرت عشق البلبل وغناءه،
الذي يهزُّ النفوس.
•••

أكان من الضروري أن يعذبنا ذلك العذاب،
في الوقت الذي ضاعفَ فيه نشوتَنا؟
ألمْ يلتهمْ طغيانُ تيمور
ألوف الألوف من أرواح الناس؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:45 pm

كتاب زليخا

حلمت في الليل أني
أرى القمر في المنام،
فلما صحوت من نومي
طلعت الشمس فجأة (على غير انتظار).
١
دعوة
عليك ألا تهرب من اليوم؛
لأن اليوم الذي تتعجله،
ليس أفضل من اليوم (الحاضر)،
لكنك لو أقمت في سرور،
حيث أتفادى العالمَ
لأجذب العالم إليَّ،
فسوف تشعر معي بالأمان:
اليوم هو اليوم، وغدًا هو الغد،
وما سوف يأتي وما قد مضى،
لا يأسر اللبَّ ولا يدوم على حاله.
لتبقَ أنت، يا أعز حبيب،
فأنت الذي تأتي به، وأنت الذي تعطيه.
٢
إن زليخا فُتنت بجمال يوسف
إن زليخا فُتنت بجمال يوسف،
فذلك شيء ليس عجيبًا،
كان شابًّا، وللشباب حُظوة،
كان جميلًا، ويُقال إلى حدِّ الفتنة،
وكانت جميلة، فاستطاع كلٌّ منهما أن يُسعد الآخر.
أمَّا أنك، يا من قُسمتَ لي من زمن طويل،
ترسلين إليَّ نظرات، شابة مشبوبة،
وتحبينني الآن، وستسعدينني فيما بعد،
فذلك ما يجدر بأغانيَّ أن تشدو بالثناء عليه،
ويجعلك عندي جديرة بأن تُسَمَّي إلى الأبد زليخا.
٣
لما كنت الآن تُسمَّين زليخا
لما كنت الآن تُسَمَّين زليخا،
فعليَّ كذلك أن أحمل اسمًا.
وعندما تتغنين بحبيبك،
فليكن حاتمُ هو اسمه،
كي يعرفني الناس به،
وليس في ذلك أي ادعاء،
فمن يدعو نفسه فارس القديس جرجس،
لا يتبادر إلى ذهنه أنه هو هذا القديس.
وأنا في فقري لا أملك أن أكون
حاتم الطائي أكرمَ الكرماء،
لا، ولا أتمنَّى أن أكون حاتم الطغرائي،
أغنى الشعراء الأحياء في زمانه،
لكن وضع الاثنين نُصب عيني
لن يكون بالأمر المعيب:
فأخْذُ هدايا السعادة وإعطاؤها
سيبقى على الدهر متعةً عظيمةً
وإسعاد حبيب لحبيبه،
سيكون نعيم الفردوس.
٤
حاتم
ليست الفرصة١ هي التي تخلق اللصوص،
فهي نفسها أكبر لص،
إذ سرقَت ما تبقى
من الحبِّ في قلبي.
لقد أسلمته إليك،
وهو أعظم ما فُزت به من حياتي،
فصرتُ، بعد أن أخنى عليَّ الفقر،
لا أتوقع الحياة إلا منك.
•••

غير أني أشعر بالإشفاق
في ياقوت نظرتك،
كما أسعد بين ذراعيك
بقَدَري الجديد.
٥
زليخا
في قمة الفرح بحبِّك،
لا أريد أن أذمَّ الفرصة،
حتى لو كانت هي اللص الذي سرقك،
فكم تسعدُني هذه السرقة!
•••

ولماذا تتكلم عن سرقة؟
هبني نفسك باختيارك الحر!
كم يطيب لي أن أتصور،
أنني أنا التي سرقتك.
•••

إن ما أعطيته عن طيب خاطر،
يعود عليك بكسب رائع،
طمأنينتي، حياتي الخصبة،
أهبها في فرح، فخذهما!
•••

لا تمزح! لا تتحدث عن فقرك!
ألا يجعلنا الحب أغنياء؟
حين أضمُّك بين ذراعيَّ،
لا تعدلُ سعادتي أي سعادة.
٦
ما خاب لصَبٍّ مسعاه
ما خاب لصبٍّ مسعاه،
مهما يشتد من الكرب،
لو تُبعث ليلى والمجنون
هديتهما درب الحب.
٧
أمن الممكن
أمن الممكن، يا حبيبي الصغير، أن ألاطفك،
وأستمع إلى رنين الصوت الإلهي؟
إن الوردة تبدو دائمًا مستحيلة
والبلبل يبدو عصيًّا على الفهم.٢
٨
زليخا :
عندما أبحَرَت بي السفينة في الفرات
انزلق من إصبعي الخاتم الذهبي
الذي تلقيته منك أخيرًا
في أغوار الماء.
هذا هو الحلم الذي رأيته.
وأومض الفجر في عيني خلال الشجرة،
قل يا شاعر، قُل يا نبي
ما هو تفسيرُ الحلم؟
حاتم :
أنا رهن إشارتك لتفسير الحلم!
ألم أحكِ لكِ أكثرَ من مرة،
كيف تزوَّجَ دوق البندقية
من البحر؟
•••

هكذا سقط الخاتم من أناملك
في مياه الفرات.
آه! كم تبعث فيَّ الشوق أيها الحلم العذب
للشدو بألف أغنية سماوية!
•••

أنا الذي جُبْتُ أرجاء البلاد
من هندوستان إلى دمشق،
لأرحل مع القوافل الجديدة
حتى البحر الأحمر.
•••

تُزوِّجينني من نهرك،
من الشرفةِ، ومن هذه الرابية،
لتبقى روحي حتى القبلة الأخيرة
منذورةً لك.
٩
أعرفُ نظرات الرجال
أعرف نظرات الرجال معرفةً وثيقة،
يقول الواحد منهم: «إنني أحب وأتعذَّب!
أشتهي وأعاني اليأس.»
وغير ذلك ما تعرف (أي) فتاة.
كلُّ هذا لن يجديني نفعًا،
كل هذا لن يؤثر عليَّ،
أمَّا نظراتك، يا حاتم،
فهي التي تمنح النهار ضياءه؛
لأنها تقول: هذه هي التي تعجبني،
أكثر من أي شيء آخر،
(وعندما أراها) أشاهد الورود والزنابق،
وكل ما تزدان به الحدائق،
من سَروٍ وريحان وبنَفسج
احتشدَت لتُزيِّن الأرض،
وعندما تتزينُ تكون معجزة،
تحوطُنا بالدهشة،
تُنعشُنا وتشفينا وتُباركنا،
فنشعرُ أنَّنا أصحَّاء
ثم نعود فنتمنى أن نمرضَ،
هنالك لمحت زليخا،
فأحسست بالعافية وأنت مريض
وبالمرض وأنت مُعافًى،
وابتسمت وتطلَّعت نحوها،
كما لم تبتسم للعالم من قبل.
وتشعر زليخا بحديثِ النظرة الأبديِّ:
«وهذه هي التي تعجبني
أكثر من أي شيء آخر.»
١٠
جنجوبيلوبا
ورقة هذه الشجرة التي جاءت من الشرق
وأودعت في حديقتي،
تُوحي للنفس بمعنى غامض
يشرح صدر العارف.
•••

أهي كائنٌ حيٌّ واحد،
انشقَّ على نفسه؟
أم اثنان اختار كلٌّ منهما الآخر
ليعرف الناس أنهما كائن واحد؟
•••

للإجابة عن هذا السؤال،
توصلت للمعنى الصحيح،
ألا تشعرين من أغنياتي
أنني واحدٌ واثنان؟
١١
زليخا :
قُل لي، لقد نظمت قصائد كثيرة
وأرسلت أغانيك هنا وهناك،
وكتبت بخط يدك الجميل،
كُتُبًا ساحرة الزينة،
فاخرة التجليد، مُذهبة الحوافي،
لم يُنقَص منها النقطة والشرطة،
ألم تكن حيثما وجَّهتها
رهن غرامٍ لا يحتمل الشك؟
حاتم :
أجل (كتبتها) عن النظراتِ الساحرة القوية،
والفتنةِ المبتسمة الآسرة،
عن الأسنان المبهرة الصفاء،
وسهام الأهدابِ، وثعابين الغدائر،
والجيد والصدرِ تُجللهما هالة سحرية
وعن آلاف الأخطار!
انظري الآن كيف كانت زليخا
منذورة لي منذ عهد بعيد.
١٢
زليخا :
طلعت الشمس! يا له من منظر بديع!
والهلال يعانقها.
من الذي استطاع أن يوحِّد هذين الزوجين؟
وكيف يُفسَّرُ هذا اللغز، كيف؟
حاتم :
السلطان هو الذي استطاع ذلك،
حينما زوَّج أعظمَ كوكبين في العالم،
ليُكرم المصطَفينَ (من رجاله)
وأشجع الشجعان — في ركابه الأمين.
لتكن هذه أيضًا صورة لسعادتنا!
فها أنا ذا أراني وأراك من جديد،
أنت أيتها الحبيبة تُسمِّينني شمسك،
فتعالَي يا قمري الحُلو، وعانقيني!
١٣
تعال أيها الحبيب تعال
«تعال! تعال أيها الحبيب، طوِّق رأسي بالعمامة،
فمن يدك وحدها تكون جميلة،
إن «عباس» على عرش إيران الأسمى،
لم يشهد رأسه أفخم منها زينة!»
•••

كانت عمامة تلك التي تدلَّت من رأس الإسكندر
على شكل شريط بأنشوطات بديعة،
وقد حازت إعجاب جميع خلفائه
بوصفها زينة تليق بالملوك.
•••

والعمامةُ هي التي تزيِّن (رأس) قيصرنا،
يسمونها التاج، ولا مُشاحةَ في الأسماء!
لتكن اللآلئ والجواهر للعيون فتنة!
فسيبقى الموصلين هو أجمل زينة.
•••

وهذا (الشال) الموصلين الوضَّاء المفوفُ بالفضة،
لُفَّه، يا حبيبُ، حولَ جبيني.
ثم ما هو السمُو وما هي العظمة؟ كلاهما ليس غريبًا عني!
يكفي أن تنظري إليَّ فأصبح عظيمًا مثله.
١٤
قليلٌ ما أطلبه
قليلٌ ما أطلبه،
لأن كل شيء يعجبني،
وهذه القليل يعطينيه العالم،
عن طيب خاطر من عهد بعيد.
•••

كثيرًا ما أجلس مسرورًا في الحانة
وصافي البال في بيتي الصغير،
لكن ما إن تخطري على بالي،
حتى تطمح روحي للغزو (والاقتحام).
•••

كان ينبغي أن تدين لك ممالك تيمور،
ويخضع جيشه المهيبُ لأوامرك،
وتدفع لك بدخشان الجزيةَ من الياقوت،
ويؤدِّيها بحر هُدقان منَ الفيروز.
•••

(وترسل لك) الفواكه المجففة حلوة كالشهد
من بُخَارَى، بلد الشمس،
وألف قصيدة شجيَّة اللحن،
على ورق الحرير من سمرقند.
•••

وكان حريًّا بكِ أن تقرئي بسرور،
كلَّ ما أوصيت لك به من هرمز،
وكيف كانت حركة التجارة كلها
لا تنشط إلا حُبًّا فيك.
•••

وكيف اجتهدت آلاف الأصابع
في بلاد البرهمانيين،
لتنقش بذَخَ هندوستان
بأزهى صورة على الصوف والحرير.
•••

أجل، وكيف فتَّش (العمال) إكرامًا للعشاق،
في جداول سملبور المتدفقة،
ليستخلصوا من الطين والفحم والحصى والرواسب،
جواهر الماس من أجلك.
•••

وكيف انتزع الغوَّاصون الجسورون
من الخليج كنوز اللؤلؤ،
ثم اجتهد ديوان المهرة العارفين
لينظموها لك.
•••

وكيف ستساهم البصرة في النهاية
بما عندها من توابل وبَخور،
وتأتي لك القافلة
بكل ما يبهج ويسر.
•••

لكن كل هذه الخيرات السَّنيَّة
قد تُزيغ البصر في النهاية،
والقلوبُ التي تعشق بحق،
لا يُسعدها سوى قربها بعضها من بعض.
١٥
هل كان من الممكن أن أتردد
هل كان من الممكن أن أترددَ،
يا حبيبتي الحُلوة في أن أهديَك،
بلخَ وبُخَارى وسَمرْقند،
وبذَخ هذه المدن وفتنتها؟
•••

لكن اسألي القيصرَ مرة،
هل يرضى أن يعطيَك هذه المدن؟
إنه (أعظم) مني وأحْكَم،
غير أنه لا يعرفُ الحب.
•••

أنت أيها الحاكمُ لن تَقدرَ
أن تهبَ مثلَ هذه الهدايا!
فلا بُدَّ أن تكونَ لك مثل هذه الفتاة
وأن تكون شحَّاذًا مثلي.
١٦
الصحائف المكتوبة بخط جميل
الصحائف المتباهية،
بالخط الجميل،
المذهَّبة بشكل رائع
دَعتْك للابتسام،
وصفحت عن تفاخري
بحبِّك ونجاحي
الذي كنتَ السبب فيه،
وغفرتْ مَدحي لذاتي.
•••

مدح الذات! إن رائحته لا يتقزز منها إلا الحُسَّاد،
لكنه ذكيُّ العطر عند الأصدقاء
وفي ذوقي أنا الخاص!
•••

الفرح بالوجود (شيءٌ) عظيم،
وأعظم منه أن تفرحَ بوجودك،
فعندما تسعدينني يا زليخا،
وتجودين بسخاء،
وتلقين إليَّ بحبِّكِ المشبوب
وكأنه كُرة
أتلقَّفها منك،
ثم أرد إليك
ذاتي الموهوبةَ لكِ،
فيا لها من لحظة!
ثم يأتي بعد ذلك الفرنجي،
وأحيانًا يأتي الأرمني فينتزعني منك.
•••

لكن الأيامَ تمر
وأستغرقُ الأعوامَ حتى أُبدعَ من جديد
فيضَ سخائكِ في آلاف الأشكال،
وأفكَّ خيطَ سعادتي الملوَّن،
الذي عقدته يا زليخا
في ألفِ عُقدة.
•••

لكن ها هي ذي الآن
لآلئُ شعرية،
ألقاها سيلُ عواطفك العارم
على شاطئ حياتي الموحش
التقطتها بأناقة
أناملُ نحيلة
ونظمتها في حليةٍ ذهبيةٍ مطعَّمةٍ باللؤلؤ،
فخُذِيها على جيدِك،
وضعيها على صدرِك!
إنها قطرات من مطرٍ إلهي
نضخك في محارٍ متواضع.
١٧
حبٌّ بحبٍّ
حبٌّ بحبٍّ، ساعةٌ بساعةٍ،
كلمةٌ بكلمةٍ، ونظرةٌ بنظرةٍ،
قبلةٌ بقبلةٍ، مِن أوفى ثغر،
ونفسٌ بنفسٍ، وسعادةٌ بسعادةٍ.
هكذا في المساءِ، هكذا في الصباح!
لكنك تحسين دائمًا من أغانيَّ
بهمومي الدفينة،
وبودي لو استعرتُ مفاتن يوسف
حتى أستجيبَ لحُسنك (وجمالك).
١٨
زليخا
الشعبُ والخادمُ والحُكَّام
يعترفون دائمًا وكل حين
بأن أسمى بهجة ينالها الإنسان
شخصية واحدة (واضحة الجبين).
•••

وتستوي أي حياة تُعاش،
إن أنتَ فيها النفس ما ضيَّعت،
فكلُّ شيءٍ ضائعٍ يهون
إذا بقيتَ دائمًا مَن أنت.
١٩
حاتم
ربما صحَّ ما تقولين! وهذا هو رأي الناس،
لكني أتبع أثرًا آخر:
فكل ما في الأرض من سعادة،
لا ألقاه إلا عند زليخا.
كلما أعطتني فأجْزلَت في العطاء،
علت قيمةُ ذاتي في عيني،
ولو أشاحت بوجهها عني،
لفقدتُ في نفس اللحظة ذاتي.
•••

وعندها يكونُ حاتم قد انتهى،
لكنني سأكونُ قد قررت تبديلَ نصيبي:
فأتقمَّص على وجه السرعة
ذلك الحبيب الذي تلاطفه.
•••

وأحاولُ، لا أقول أن أكونَ فقيقًا،
فذلكَ شيءٌ لا يناسبني
بل أكون الفردوسي أو المتنبي،
أو — إذا اقتضت الضرورةُ — القيصر.
٢٠
حاتم :
كما يزدان بازارُ الصائغِ بالجواهر
ذات الألوان العديدة والأضواء الصقيلة،
كذلك تحيطُ الفتيات الجميلات
بالشاعر الذي كادَ المشيبُ أن يعلوَ رأسه.
الفتيات :
أتُغنِّي لزليخا من جديد!
إننا لا نُطيقها،
لا بسببك أنت — بل بسبب أغانيك
التي نودُّ، بل لا بُدَّ أن نحسدها عليها.
•••

فحتى لو كانت بشعةً قبيحة،
فإنَّكَ تجعلها أجمل الكائنات
وهكذا قرأنا كثيرًا
عن جميل وبثينة.
•••

لكن لأننا في الحقيقة جميلات،
إننا نحبُّ أيضًا أن تصوِّرَنا،
وإذا نجحت في هذا وأحسنت البلاء،
فسوف نجزيك كذلك أجملَ الجزاء.
حاتم :
تعالَي يا سمراء! ستسير الأمورُ على ما يُرام.
فالغدائرُ، والأمشاطُ كبيرُها وصغيرُها
تزيِّن رأسَك الصغير الوضَّاء
كما تزِّين القبابُ المساجد.
•••

وأنت أيتها الشقراء الصغيرة، زينتُك بديعة،
لطيفةٌ ورقيقةٌ بكل المقاييس،
ولا يُلام المرءُ حين يراك،
إذا فكَّر على الفور في المئذنة.
•••

وأنتِ في الخلف لك عينان
يمكنكِ أن تنظري بكلٍّ منهما
على حِدة كما تشائين،
ومع ذلك عليَّ أن أتفاداك.
•••

والجفون المغمضة إغماضة خفيفة
التي تحجب الحدَقة وتغطِّيها،
نظرة أحدهما باللؤم والخديعة،
بينما الآخر نظرته طيِّبة بريئة.
•••

وإذا ألقى ذلك بصفارته الجارحة،
أومأ هذا بالوصل والنجاة
وليس في وسعي أن أعده سعيدًا،
من تُعْوِزه النظرةُ المزدوجة.
•••

وهكذا يمكنني أن أمدحكُنَّ جميعًا،
ويمكنني أن أحبُّكنَّ على السواء:
لأني كما صورتكنَّ في أسمى صورة
فقد صورت سيدتي معكن.
البنات :
يودُّ الشاعر أن يصبحَ عبدًا،
لأن ذلك يمكِّنه من السيطرة
ومع هذا سيرضيه قبلَ كل شيء
أن تغنِّيَ حبيبته بنفسها.
•••

فهل تستطيع إذن أن تغني،
كما يتحكم الغناء في شفاهنا؟
لأن تستُّرها في الخفاء
يثير حولها الريَب (والظنون).
حاتم :
ومَن ذا يعرفُ ما يملأ وجدانها!
وهل تعرفون قرارَ هذا العمق؟
إن الأغنية التي استشعرتها بنفسها تنبع من القلب،
والأغنية التي نظمتها بنفسها تنبعثُ من الفم.
لكن ليس فيكن جميعًا أيتها الشاعرات،
من تشبهها:
لأنها تغنِّي لكي تحوز إعجابي،
وأنتن تغنين ولا تحبين إلا أنفسكن.
البنات :
إننا نلاحظ أنكَ اختلقتَ أمامنا
صورة إحدى تلك الحوريَّات،
فليكن لك هذا! ما دامت لا تزعم
واحدةٌ على الأرض أنها منهن.
حاتم :
أيتها الغدائر: ائسريني
في دائرةِ الوجه!
فأنا لا أملكُ شيئًا أتقيكنَّ به
أيتها الحيَّات المحبوبة السمراء
•••

سوى هذا القلب، القلب الصامد،
الذي يفيضُ بازدهار الشباب،
وتحتَ الثلج وغَبش الضباب
يفور أمامكَ بركان يشبه (بركان) «آتنا».
•••

إنك تُخجِلين كما يفعلُ الفجر
الجدار المتجهِّم لتلك القمم،
ومرة أخرى يشعر حاتم
بأنفاسِ الربيع ولهيب الصيف.
•••

إليَّ أيها الساقي بزجاجةٍ أخرى.
فهذه الكأس سأحملها إليها.
وإن وجدَت فيها حفنة من رماد،
فسوف تقول: «لقد احترق في سبيلي.»
زليخا :
لا أريد أن أفقدكَ أبدًا!
فالحبُّ يهبُ الحب القوة.
ألا فلتزيِّن شبابي
بعاطفتك القوية الجارفة.
•••

آه! كم يتملق أحاسيسي
أن يمدحَ أحدٌ شاعري:
لأن الحياةَ هي الحب،
والروح هي حياة الحياة.
٢٢
لا تدعي فمك
لا تدعي فمك الياقوتيَّ العذب،
يلعن التطَفل والفُضول،
أهناكَ مبررٌ لألم الحب،
إلا أن يلتمسَ لنفسه الشفاء؟
٢٣
إن قدَّر الدهر يومًا
إن قدَّر الدهرُ يومًا
بالنأي عمَّن تحب،
وصار بُعدُك عنه
كبُعدِ شرقٍ وغرب،
يهيمُ عبر الفيافي
فؤادُك المُشتاق،
ما من رفيقٍ سواه
إن عَزَّ فيها الرفاق،
بغدادُ ليستْ بمنأى
عن أعينِ العُشَّاق.
٢٤
ألا ليت عالمكم
ألا ليتَ عالمَكم المكسور
يجْبُر نفسه دائمًا بنفسه!
إن لمَعانَ هذه العيون الصافية
وخَفقَ هذا القلب من أجلي!
٢٥
آه من كثرة الحواس
آه من كثرة عدد الحواس!
إنها تسبب للسعادة الارتباك.
أود حين أراك لو كنت أصم،
وحين أسمعك لو كنت أعمى.
٢٦
وحين أكون بعيدًا عنك
وحين أكونُ بعيدًا عنك فما أقربني منك!
يَعرُوني الهمُّ، يداهِمُني فيضُ عذاب
عندئذٍ أسمعُ صوتَك يترددُ بعد غِياب
فأراك وقد عُدت إليَّ (وعدت إليك).
٢٧
من أين لي صفاءُ البال
من أين لي صفاءُ البال،
وأنا بعيد عن النهار والنور؟
ها أنا ذا أريد أن أكتب،
وليس بي رغبةٌ في الشراب.
•••

عندما أسرَتني وجذبَتني إليها،
لم يكن من عادتنا الكلام،
وكما تعثَّر اللسان،
كذلك تعثَّر القلم.
•••

صُب أيها الساقي الحبيب!
املأ الكأس في صمت!
يكفي أن أقول: تذكَّر!
لكي تعرف ما أريد.
٢٨
عندما أتفكر فيك
عندما أتفكر فيك،
يسألني الساقي على الفور:
سيدي، لماذا تلزم الصمت؟
ألا تشعر بأن الساقي
يودُّ عن طيبِ خاطر
أن يستمع لدروسك باستمرار؟
•••

حين أنسى نفسي
تحت شجرة السَّرْو
لا يعبأ بذلكَ (ولا يهتم)،
وحين أجلسُ في الحلقة الهادئة،
أكون في منتهى الحِكمَة
والفِطنة مثل سليمان.
٢٩
كتاب زليخا
وددتُ لو جعلتُ هذا الكتابَ موجزًا
ليكونَ مُركَّزًا كسائر الكتب.
ولكن كيف يمكنُك اختصار الكلمات والصفحات،
عندما يذهب بك جنونُ الحبِّ كل مذهب؟
٣٠
إلى الأغصان المتشابكة الكثيفة
إلى الأغصان المتشابكةِ الكثيفة،
ألقي نظرةً أيتها الحبيبة!
وشاهدي الثمارَ التي تحوطها،
قشورٌ شوكيةٌ خضراء.
•••

إنها تتدلَّى متكورةً من وقتٍ طويل،
ساكنةً، ذاهلةً عن نفسها،
والغصنُ الذي يتأرجح ويهتز،
يهدهدها في صبر.
•••

ولا تفتأُ النواةُ السمراء
أن تتضحَ داخلها وتنتفخ،
تودُّ أن تستنشقَ الهواء،
وتحنُّ لرؤية الشمس.
•••

وتنفجرُ القِشرةُ فتهوى
إلى الأرض في حُبُور،
وكذلك تَسَّاقَط أغنياتي
متراكمةً في حجرك.
٣١
زليخا :
على حافة النبعِ المرِح،
تتلاعبُ خُيوط مياهه،
لم أدرِ ما الذي أوقفني،
لكن كانت منقوشة هناك
شفرتي السرية بخط يدك،
فنظرت في أعماقه مشتاقًا إليك.
هنا، عند نهاية القَناة
والميدان الرئيسي الذي تحفُّه الأشجار،
أرنو من جديد إلى أعلى،
وهناك ألمحُ مرة أخرى،
حروفيَ المرسومةَ بخطٍّ بديع:
ابقَ! ابقَ على عهدك لي.
حاتم :
ليتَ الماء الذي يتقافزُ ويتموَّج
وأشجار السرو تبوحُ لك
بأن غُدُوِّي ورواحي،
من زليخا إلى زليخا.
٣٢
زليخا :
ما إن ألقاكَ من جديد،
وأنعشكَ بقُبَلي وأغنياتي،
حتى تنطوي على نفسك في سكون،
ما الذي يضايقك ويُثقل عليك ويُضنيك؟
حاتم :
آه يا زليخا، أيحق لي أن أتكلم؟
وأنا بدلًا من أن أمدحَ، أتمنَّى أن أشكو!
كان دأبك من قبل أن تنشدي أغنياتي
فتكرِّرينها على الدوام وتُجدِّدي فيها.
•••

أينبغي عليَّ أن أمتدح هذه أيضًا
مع أنها ليست سوى أغانٍ دخيلة،
فلا هي من حافظ ولا نظامي،
ولا سعدي ولا جامي؟
•••

إنني لأعرف الكثير من أغاني الآباء،
مقْطعًا بعد مقْطع، ونَغَمةً بعد نغمة
وأحفظها وأعيها في ذاكرتي،
أمَّا هذه الأغاني فحديثةُ الولادة.
لقد نُظمت بالأمس
قولي! هل ارتبطت بحبٍّ جديد؟
وهل تنفثين بفرحٍ وجسارة
في وجهي نفَسًا غريبًا،
يبعثُ كذلك فيك الحياة،
ويسبحُ بك (في سماء) الحب،
ويجذبك إليه ويدعوك للاتحاد
في انسجامٍ كما فعلت أنفاسي؟
زليخا :
أمعَنَ حاتم في البعاد وأطال،
وتعلَّمت الفتاةُ شيئًا (جديدًا)،
كان قد تغنَّى بها أجملَ غناء،
وجرَّبَت الفراق فنجحت في الاختبار،
عسى ألا تبدو لك (هذه الأغاني) غريبة،
فهي أغاني زليخا، هي أغانيك.
٣٣
بهرامجور، فيما يُقال
بهرامجور، فيما يُقال، هو الذي اخترع القافية،
وعبَّرَ مسحورًا عن أعماق نفسه الصافية،
فأسرع ديلارام، رفيقة ساعاته،
وردت عليه بنفس الكلمة والنغمة.
•••

وهكذا يا حبيبتي، جعلك القدرُ مِن نصيبي،
ليتيحَ لي اكتشاف الطريقة الحلوة الرقيقةَ لاستخدام القافية،
فلم يَعد من حقي أن أحسد بهرامجور الساساني،
لأني توصَّلت لما توصَّل إليه.
•••

أنت التي أيقظت هذا الديوانَ في قلبي، أنت التي منحته،
لأن ما نطقتُ به في فرح من صميم الفؤاد،
كان صدى حياتك الحُلوةِ الصافية،
كاستجابة النظرةِ للنظرة، والقافيةِ للقافية.
•••

فلتتردَّد أنغامي ساعيةً إليك، ولو من بعيد،
فالكلمةُ تبلغ الهدفَ، ولا تمحو النغَمَ والصوت.
أليست هي الكلَّ المتجلِّي السامي للحب؟
٣٤
كانت سعادتي بنظرتك
كانت سعادتي بنظرتك،
بفمك، وصدْرك،
وسعادتي بسماعِ صوتك
هي لذَّتي الأولى والأخيرة.
•••

بالأمس، آه ذقت آخر لذَّة،
ثم انطفأ سِراجي وخَبَت ناري،
وكلُّ مزاح سرَّني وأمْتَعني،
صار باهظ الثمن، ثقيل الذنب.
•••

وقبل أن يشاء الله،
أن يُوحد بيننا مِن جديد،
لن تمنحني الشمسُ، والقمرُ والعالمُ،
إلا فرصةَ البكاء.
٣٥
زليخا
ما معنى هذه الحركة؟
هل تأتيني الريحُ الشرقيةُ بنبأٍ مُفْرح؟
إن رفيفَ جناحَيها المنعش
ليُرطِّب القلبَ العميق.
•••

إنها تلعبُ مع الغبار وتداعبه،
وتذروه إلى أعلى في غيوم خفيفة،
وتدفع نحو الكرمة الراسخة
بالأسراب المرحة للحشرات.
•••

وتُلطِّف بحنوٍّ وهَج الشمس،
كما ترطِّب وجنتيَّ الساخنتين،
وتقبِّل أثناءَ هروبها العناب،
المزهوَّة فوق الحقل والتل.
•••

ويأتيني همسُها الناعمُ
بألف تحيةٍ منَ الحبيب،
وقبل أن يلفَّ الظلامُ هذه الروابي
تُحيِّيني ألفُ قبلة.
•••

وهكذا يمكنك أن تواصلي السير!
وتعيني الأصدقاء والمحزونين،
وهناك حيث تتوهج الأسوار العالية
لن ألبثَ أن أجد أعزَّ الأحباب.
•••

آه. إن النبأ الصادقَ من (صميم القلب)،
ونسمة الحب، والحياة النَّضِرة
لن تأتيني إلا من فمه،
لن يمنحني إيَّاها إلا نَفَسه.
٣٦
صورة سامية
هليوس الإغريق، وهو الشمس،
يَعبُر في روعه طريقَ السماء،
ولثقته منَ السيطرة على الكون،
يتطلعُ حولَه، وتحتَه، وفوقه.
•••

يرى أجملَ الإلهاتِ باكية،
ابنة السحب، طفلةَ السماء،
ويبدو لها أنه لا يشرقُ إلا لأجلها،
ويَعمَى عن كل الفضاءات الصافية.
ويغوصُ في الألمِ والمطَر،
ويزدادُ انهمار دموعها،
ويرسلُ الفرح لأحزانها
وقُبلةً بعدَ قُبلةٍ لكلِّ لؤلؤة.
•••

وتستشعرُ بعمقٍ قوةَ نظرته،
وتتطلعُ إليه بغيرِ توقُّف،
وتريد اللآلئُ أن تتشكَّل،
إذ اتَّخذت كلٌّ منها صورته.
•••

وهكذا يشرقُ وجهها في صفاء
وقد كلَّله اللونُ والقوس،
ويتقدَّم نحوَها ليلتقيَ بها،
لكنَّه، وا أسفاه، لا يصل إليها.
•••

هكذا تتَخلِين عنِّي يا أعزَّ حبيبة،
بعدَ ما قرَّر القدَر قَراره القاسي،
ولو أني كنت هليوس العظيم،
فهل كان يُجْديني العرشُ المنصوب فوقَ العربة؟
٣٧
صدًى
ما أروعَ الرَّنين حين يُشبِّه الشاعرُ نفسه
مرةً بالشمس ومرةً أخرى بالقيصر،
إلا أنه يُخفي قَسمات وجهه الحزينة،
عندما يتسلَّل في الليالي المُعتِمة.
•••

غاصت زرقةُ السماء الناصعة في (ظلام) الليل،
بعد أن دثَّرتها السحب بسيورها،
وخدودي ضامرة كَساها الشحُوب
ودموع القلب كابية.
•••

لا تدعني هكذا لليل وحدي للألمْ،
يا أحبَّ الناس عندي أنت يا وجهَ القمرْ
أنت يا حاملةَ الضوء إليَّا
شمعتي أنتِ وشمسي
آه يا نورَ البصر!٣
٣٨
زليخا
آه أيتها الريح الغربية،
كم أحسدك على أجنحتك الرطبة النَّدية،
لأنك تستطيعين أن تنقلي إليه
ما أعانيه في بعدي عنه.
•••

إن رفيف أجنحتك
يوقظُ في مهجتي الحنين،
والزهور، والعيون، والغابات، والتلال
تهبُّ عليها أنفاسُك فتذرفُ الدموع.
•••

لكنَّ نسيمَك الرقيق الرحيم
يرطِّب الجفونَ الجريحة،
آه! سيقضي عليَّ الحزنُ بغيرِ إبطاء،
إذا فقدتُ الأملَ في لقائه من جديد.
•••

أسرعي إذن إلى حبيبي
واهمسي في قلبه بحنان،
ولكن حاذِري أن تُكدِّريه
وأخفي عنه آلامي.
•••

لكن قولي له، قولي بتواضع:
إن حبَّه هو حياتي،
والشعور البهيجَ بكليهما،
هو الذي سيمنحني القرب منه.
٣٩
لقاء من جديد
أمن الممكن يا نجمَ النجوم،
أن أضمَّكَ إلى قلبي من جديد؟
أوَّاه! يا لليلةَ البُعاد
من هاويةٍ، من ألمٍ (حاد).
أجل، هو أنت! شريكي العذب المحبوب
في أفراحي،
وكلما تفكرت في أحزان الماضي
ارتجفت خوفًا من الحاضر.
•••

لما كان العالم في أعمق أعماقه
يرقد على الصدر الأبدي لله،
أمر (سبحانه أن توجدَ) الساعة الأولى
بفرحة الخَلق الجليلةِ السامية،
ثم نطقَ بالكلمَة: «ليكُن عالم!»
هنالكَ رنَّت آهة أليمة.
عندما نفَذ الكونُ بقوة هائلة
في حنايا الواقع.
فجأة انبثق النور!
فانفصلَ عنه الظلامُ في خجَل،
وفرَّت العناصرُ في الحال
وهي تتفرَّق عن بعضها.
وفي أحلام وحشية مُجدِبة
اندفع كلٌّ منها بعيدًا،
وتجمد في الفضاءات الشاسعة،
بغير شوقٍ ولا نغَم.
•••

لفَّ الصمتُ والسكونُ والخواء كلَّ شيء،
وكان اللهُ وحيدًا لأول مرة!
عندئذٍ خلقَ الفَجر
الذي أخذته الشفقةُ على هذا العذاب،
فصنع من (العَماء) العَكر
لُعبة ألوانٍ رنَّانة،
وعندها استطاع أن يحبَّ مِن جديد،
كل ما تفرَّق عن بعضه.
•••

وبسعيٍ جادٍّ حثيث،
أخذ كلٌّ يبحث عن قرينه،
واتجه الشعورُ والنظر
نحو الحياة غير المحدودة.
يستوي الاستيلاءُ بالقوة أو الاختطافُ عُنوة،
فالمهمُّ أن يتماسكَ ويحافظ على وجوده،
لم يعد اللهُ بحاجةٍ لخلْقِ المزيد،
فنحنُ الذي نخلق عالَمه (من جديد).
•••

هكذا انجذبتُ بأجنحةٍ فجرية،
إلى ثَغرك (الحبيب)،
والليلُ بأختامه الألف،
وثَّق (عُرَى) اتحادنا على ضوء النجوم.
كلانا على هذه الأرض،
أنموذج للفرح والعذاب،
ولن تستطيع كلمة ثانية: ليكن عالم!
أن تُفرق بيننا للمرة الثانية.
٤٠
ليلة البدر
سيدتي، قولي لي، ما معنى (هذا) الهَمس؟
ما الذي يُحرِّك شفتيك في هدوء؟
إنك تنبسين لنفسك
بأعذبَ من رَشف الخَمر!
أتفكِّرين في إضافة شفتين
إلى شفتيك التوءمين؟
أريد أن أُقبِّل! أُقبِّل! قلت لك هذا.
•••

انظري! في الظلمة المريبة
تتوهَّج مُزدهرة كل الأغصان،
ويلعب نجمٌ يهوي في إثر نجم،
وتومض الأضواء الزمردية
آلاف الومضات خلال الأيك،
لكن روحك غائبةٌ عن كل شيء.
«أريد أن أُقبِّل! أُقبِّل! قلت لك هذا.»

إن حبيبك، وهو بعيد،
ممتحنٌ مثلك بالحُلو المر،
ويُحسُّ سعادته التعسة.
لقد تعاهدتما عهدًا مُقدَّسًا
على أن يحييك في ليلة البدر،
وهذه هي اللحظة (الموعودة).
«أريد أن أُقبِّل! أُقبِّل! قلت لك هذا.»

٤١
كتابة سرية
يا خبراء الوثائق٤
أعدوا العدة لكل الأمور،
وأشيروا على حُكَّامكم
فأحسنوا المشورة!
ولتنشغل الدنيا كلُّها
برسائل الشفرة السرية،
حتى تتَّخذ كل مسألة
وضعها الصحيح.
•••

ها هي ذي الشفرة الحلوة
من سيدتي بين يديَّ،
أستمتع بقراءتها.
لأنها هي التي ابتدعت هذا الفن،
إنه فيض الحب
في أحب مكانٍ إليَّ،
والنية الطاهرة الوفية
التي تؤلف بينها وبيني.
•••

إنها باقة بهيجة الألوان
من ألف زهرة وزهرة،
وبيت مأهول
بالمشاعر الملائكية،
وسماءٌ مُزيَّنة
بالريش من كل الألوان،
وبحٌ زاخرُ بأنغام الأغاني،
تهبُّ منه النسائم العطرة.
•••

هي كتابةٌ سريةٌ مزدوجة
تعبر عن طموح مطلق،
وتنفذ في عصب الحياة
كسهمٍ بعد سهم.
إنَّ هذا الذي كشفت لكم عنه
ظلَّ عادةً مرعيَّة،
وإذا فهمتم معناه،
فاسكتوا واستخدموه.
٤٢
انعكاس
لقد حصلتُ على مرآة،
أنظرُ فيها بشغف شديد،
كأنما عُلِّقَ على صدري وسامٌ
من القيصر لامع الوجهين،
لا لأني أحبُّ ذاتي،
وأبحث عنها في كلِّ مكان،
فأنا أحبُّ عشرة الناس،
وهو ما يَصْدق الآن على هذه الحالة.
•••

عندما أقفُ أمام المرآة
في بيت الأرمل الذي يلفُّه السكون،
تظهر حبيبتي على الفور
وتنظر فيَّ دون أن أشعر
وإذا أدرت ظهري بسرعة،
اختفت مَن كنتُ أراها،
عندئذٍ أنظرُ في أغانيَّ،
وسرعان ما تظهر من جديد.
•••

وأنا حريصٌ على تجويدها
وأنظِمُها دائمًا على هواي،
رغم حثالة النُّقاد والمستهزئين
ولمتعتي اليومية.
إن صورتها في القوالب الفخمة
تزيدها حسنًا وروعة،
بين الزخارف الوردية المذهَّبة
والأُطر اللازوردية الرشيقة.
٤٣
بأي ارتياح عميق
بأي ارتياحٍ عميقٍ عميق،
أحسُّ معناك أيتها الأغنية!
كأنك تقولين بحبٍّ صادقٍ،
إنني أعيش بجانبه.
وأنه سيفكر فيَّ للأبد،
ويهدي دائمًا نعيم حبه
للبعيدة النائية
التي نذرتْ حياتها له.
•••

أجل، إن قلبي هو المرآة،
التي ترى نفسَك فيها يا صديق،
وهذا الصدرُ هو الذي طبعت عليه
أختامك قُبلة فقبلة.
الشِّعر العذبُ، والحقيقةُ الطاهرة
تكبِّلانني (في أسر) التعاطف معك!
وتجسِّدان صفاءَ الحب
في ثوب الشعر.
٤٤
دع مرآة العالم للإسكندر
دع مرآة العالم للإسكندر
وماذا تبديه؟ هنا وهناك
شعوبًا وديعة يريد بالقهر والإرهاب
أن يُخضعها لسطوته مع غيرها من الشعوب.
•••

أمَّا أنت فكفَّ عن السعي إلى الغرباء!
وغنِّني أنا التي آثرتها بالغناء.
تذكر أنني أحب، وأنني أحيا الحياة،
وتذكر أنك غلبتني على أمري.
٤٥
العالم بأسره يخلب الأبصار
العالم بأسره يخلبُ بجماله الأبصار،
ولكن عالم الشُّعراء فائقُ الجمال،
ففي أجوائه الملوَّنة، مشرقة كانت أو فضية كابية،
تسطع الأضواء ليل نهار.
اليوم يبدو كلُّ شيءٍ رائعًا في عيني، ألا ليته يدوم!
فأنا أنظر اليوم بمنظار الحب.
٤٦
في وسعك أن تتخفى في آلاف الأشكال
في وُسعِك أن تتخفَّى في آلاف الأشكال،
لكن يا أغلى الناس سأعرفك على الفور،
قد تُخفين مُحيَّاك وراء الأقنعة السحرية،
يا حاضرةً في الكلِّ، سأعرفك على الفور.
•••

في شجرةِ سرو رائعةٍ ناضرة القدِّ،
يا فاتنةَ العود سأعرِفُكَ على الفور،
في وشوشة قناة صافية الموج،
أيتها العابثة سأعرفك على الفور.
وإذا ارتفعت نافورةُ ماء تتلوَّى،
يا مَنْ تهوين اللعبَ سأعرفُك على الفور،
وإذا لمحت عيناي سحابًا يتشكل.
يا من تتعدد أشكالك، أعرفك على الفور.
•••

في سَجَّاد المرج الأخضر تحت قناع الزهر،
أعرف حسنك، يا من زينتُك ضياء الأنجم والبدر
وإذا اللبلابةُ مَدَّت ألف ذراع نحو الأرض،
يا من عانقت الكُل سأعرفك على الفور.
وإذا اشتعل الجبل بنيران الفجر،
يا من أسعدت الكل أحييك على الفور،
ولو الأفق ترامت قُبَّته فوقي،
لتنفَّستُك يا مَن أنت سماءَ القلب.
•••

إن كنتُ عرفتُ بحسِّي الظاهر شيئًا أو باللُّب،
يا نبعَ العلم، فعلْمي منك.
أو سبَّحتُ بمائة من أسماء الله الحسنى،
سيردد كلُّ دعاء اسمًا لك.
١ يمكن أيضًا ترجمة الكلمة الأصلية بالظروف.
٢ نظمتها في البداية على هذه الصورة: «أمن الممكن أن ترضى بقُبلة، يا حبيبي وإلى الصدر أضمك، وإذا الهمس سرى في أذنيَّا، فهو لحن ساحر من شفتيك، وصدى الصوت الإلهي الذي، ترجف الروح له بين يديك، إنما الوردة تبدو مستحيلة، وكذا البلبل لغز لا يُحل.» ولكنني استبعدتها من المتن بسبب التصرف الشديد فيها.
٣ حرفيًّا أنت يا فسفوري وشمعتي، أنت يا شمسي ونوري.
٤ الكلمة الأصلية تعني الدبلوماسيين كما تعني الخبراء، وقد فضَّلت الأخيرة بحكم السياق، وإن كان المعنى الأوَّل محتملًا بسبب انعقاد مؤتمر فيينا في تلك الفترة في أعقاب الهزيمة التي ألحقتها الجيوش الأوروبية المتحالفة بنابليون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:46 pm

كتاب الساقي

١
نعم في الحانة
نعم، في الحانة جلستُ أنا أيضًا،
وقُدِّر لي ما قُدِّر لغيري،
راحوا يثرثرون، ويتصايحون، ويتشاجرون،
ويأخذون نصيبَ يومهم من الفرح والحزن،
أمَّا أنا فجلستُ سعيدًا من صميم قلبي،
وفكرتُ في حبيبتي — كيف تحب؟
هذا شيء، لا أعلمه، لكن الشيء الذي يعكر صفوي
هو أنني أحبها كما يأمر به القلب
الذي وهبها نفسه في إخلاص وتعلَّق بها كالعبد.
أين كان الرقُّ، وأين القلمُ، أين
اللذان سجَّلا كل شيء؟ ومع هذا فقد جرت الأمور هكذا!
نعم هكذا!
٢
لو جلست وحيدًا
لو جلستُ وحيدًا
أكون في حالٍ أفضل؟
خمري
أشربها وحدي،
لا أحدَ يفرض عليَّ قيودًا،
وبهذا أستقل بأفكاري.
٣
لقد وصل الحال
لقد وصل الحال بمولاي اللص،
أنه كتب حروفًا جميلة وهو سكران.
٤
هل القرآن قديم؟
هل القرآنُ قديم؟
شيءٌ لا أسألُ عنه!
هل هو مخلوق؟
شيءٌ لا أدريه.
أمَّا كَون القرآن كتاب الكتب
فهذا ما أعتقد ويفرضه واجبي كمسلم.
أمَّا أن الخمر قديم قِدَم الأزل
فذلك شيءٌ لا أتشكك فيه.
ولعل القول بأن الخمرة خُلقت قبل ملائكة الله،
ليس خيالًا وحديث خرافة؛
فالشارب، مهما يكن الحال،
يعاين وجه الله بعين أكثر نضرة.
٥
حقَّ علينا أجمعين
حقَّ علينا أجمعين السُّكْر!
إن الصِّبا سُكرٌ بغير خمر،
إن جدَّد الشيخ صباه بالشراب،
فإن ذا فضيلة وغاية الصواب،
حياتنا تكفَّلت بالغم والهموم،
والهم لا تطرده، إلا يد الكروم!
٦
الآن لا شك هناك
الآن لا شك هناك، لا سؤال،
حُرِّمت الخمر علينا لا جدال.
فإن قضى بشربها المقدور،
فاشرب إذن من أجودِ الخمور!
ستسحقُّ اللعن كالزِّنديق مرتين
إذا شربتَ ثم كان السُّكر بَيْن بَيْن!
٧
ما دام المرءُ في حالة الصحو
كلما كان المرءُ في حالة الصحو،
أعجبه الشر،
فإذا شَرِب،
عرف الخير،
لكنَّ الإفراط
أمرٌ وارد،
أي حافظ، علِّمني
كيف تصرفت في الزمر.
ذلك أن رأيي
لا مبالغة فيه،
إذا عجز المرء عن الشرب
فينبغي عليه ألا يحب
لكن عليكم أيها الشاربون
ألا تحسبوا أنكم في حالٍ أفضل،
إذا عجز المرء عن الحب،
فينبغي عليه ألا يشرب.
٨
زليخا :
ما الذي يجعلك فظًّا سمجًا في أكثر الأحيان؟
حاتم :
تعلمين أن الجسدَ سجن،
والنفس قد خُدعت لتدخل فيه،
فهي لا تملك حرية تحريك مرفقيها.
وإذا نشدت خلاصها هنا وهناك،
أحكموا إغلاق السجن نفسه بالسلاسل والأغلال،
هكذا تتعرض النفس الحبيبة لخطر مضاعف،
ولهذا السبب تتصرف في الغالب تصرفات غريبة.
٩
إذا كان الجسد سجنًا
إذا كان الجسد سجنًا،
فلماذا يعاني السجن من العطش الشديد؟
إن النفس تنعم فيه بالراحة
وتود لو بقيت مسرورة ومتزنة العقل راضية،
لكن ها هي ذي زجاجة خمرٍ تتوقُ للدخول إليه،
تتبعها زجاجة في إثر أخرى.
والنفس لا تقوى على التحمل والصبر،
ولهذا تريد أن تحطمها على الباب وتحولها إلى شظايا.
١٠
الشاعر يقول للنادل:

لا تضع الإبريق أيها الجلْف،
بهذه الفظاظة أمام أنفي!
من يقدِّم لي الخمر عليه أن يطالعني بوجهٍ صبيح،
وإلا تعكر صفو «الألفر» في كأسي.
ويقول للساقي:

أنت أيها الصبي المتأنِّق، تعادل ادخل،
ما الذي يجعلك تقف هناك على عتبة الباب؟
عليك من الآن أن تكون ساقي،
فتصبح الخمر (من يدك) حلوة صافية.
١١
الساقي يقول:

أنت بغدائر شعرك السمراء،
أغربي عن وجهي، أيتها البنت ذات البسمة الخبيثة!
إنني كلما سقيتُ سيدي أداءً لحق العرفان والوفاء،
(تفضَّل) فطبع قُبلة على جبيني.
أمَّا أنت فأراهن
أنك لهذا السبب غير راضية عني،
إن خديك ونهديك،
سيصيبان سيدي بالملل والسأم.
•••

أتظنين أنك قادرة على أن تخدعيني،
حين تبتعدينَ الآن في خجل؟
سوف أنام على عتبة الباب،
ثم أستيقظ عندما تَتسللين.
١٢
طالما لامونا
طالما لامونا
على السُّكر،
(لكنهم) لم يقولوا بعدُ كلَّ شيءٍ
عن سُكْرنا.
عادةً ما يسقطُ الإنسان
ضحية السكر حتى يطلع النهار،
غير أن نشوة سُكري
جعلتني أهيم (على وجهي) في الليل.
إنها هي سَكْرة الحب
التي تعذبني وتجعلني أستحقُّ الرثاء،
ومن النهار إلى الليل، ومن الليل إلى (طلوع) النهار،
تشيع في قلبي الخوفَ والاضطراب،
القلب الذي تستبدُّ به نشوة السُّكر
بالأغنيات فيجيش ويشمخ،
حتى ليتهيَّب أي سكر معتدل،
أن يشب فيه ويشْرئب.
إنها سَكْرة الحب والغناء والخمر،
سواءٌ في الليل أو في النهار،
وهي أسمى سَكرة إلهية،
تسحرني و(في نفس الوقت) تسقيني.
١٣
أنت أيها الوغد الصغير
أنت أيها الوغدُ الصغير أنت!
أن أظلَّ صاحيًا وفي وعيي،
هذا هو أهم شيء
بهذا أسعد أيضًا
حتى بحضورك،
أنت يا أحب الناس
وإن كنت تترنح من السُّكر.
١٤
يا للضوضاء في الحانة
يا للضوضاء التي ثارت
فجر اليوم في الحانة!
صاحبُ الحانة والفتيات، والمشاعلُ والناس!
وكم من مشاجراتٍ وشتائم!
كان الناي يرنُّ، والطبلة تدوي!
وشاعَ الاضطراب وعمَّ
مع ذلك كنت بنفسي هناك
ممتلئًا بالبهجة والحب.
•••

إني لن أتعلم شيئًا عن الأخلاق،
هذا ما يلومني عليه كل إنسان،
غير أني حريصٌ على البعد بحكمة وتدبُّر.
عن الخلاف بين المدارس والمنابر.
١٥
أي وضع هذا يا سيدي
الساقي :
أيُّ وضعٍ هذا يا سيدي! وكيف تتسلل اليوم
من غرفتك في هذا الوقت المتأخر،
إن الفرس يسمون هذا «بي دماغ بودن»١
والألمان يدعونه «بلاء القطط».٢
الشاعر :
دعني الآن، أيها الصبي العزيز،
فالعالم لا يروقُ لي،
لا منظر الوردة ولا أريجها،
ولا غناء البلابل.
الساقي :
وهذا هو الذي أريد معالجته،
وأحسب أني سأنجح فيه،
هاك! تذوق هذا اللوز الطازج،
وسوف تلذُّ لك الخمر من جديد.
•••

ثم أريد (أن أصحبَك) إلى الشرفة
وأرويك بالأنسام المنعشة،
وكما أضعُك في عيني
ستهب الساقي قُبلة.
•••

انظر! ليس العالم كهفًا،
فهو يزدخر دائمًا بالأشرار والأوكار،
(كما يزْخر) بعطر وزيت الورد،
والبلبل يشدو أيضًا كالأمس.
١٦
تلك العجوز القبيحة
تلك العجوز القبيحة!
تلك اللَّعوب،
يسمونها الدنيا
وقد خدعتني
كما خدعتني سائر النساء،
أخذت مني الإيمان،
ثم الأمل،
وها هي قد حاولت
أن تسلبني الحب،
فلُذتُ بالفرار.
ولكي أحافظَ للأبد
على الكنز الذي أنقذته،
قسمته بحكمة
بين زليخا والساقي.
وكلُّ واحدٍ منهما
ينافس الآخر
في تسديدُ فوائد أكبر.
وأنا الآن أغنى من أيِّ وقت مضى،
فقد استرددت الإيمان!
الإيمان بحبها.
وهو مع الكأس
يضمن لي الإحساس الرائع بالحاضر!
وبماذا ينفع الأمل هنا!
١٧
اليوم أكلت بشهية
الساقي :
اليوم أكلت بشهية،
لكنك أفرطت في الشراب،
والذي نسيته أثناء الطعام
سقط في هذا الإناء.
•••

انظر! إننا نسميه «البجعة الصغيرة»
التي تلذُّ للضيف الشبعان،
وهو ما سأحمله لبجعتي
التي تتبختر على الأمواج.
•••

ومع ذلك يزعم الناس على البجع المغرِّد،
أنه ينعى نفسه وهو (على حافة) القبر،
(ليتك) تُوفر عليَّ سماع أي أغنية
يمكن أن تشير إلى نهايتك.
١٨
إنهم يسمونك الشاعر العظيم
الساقي :
إنهم يسمونك الشاعر العظيم،
عندما تظهر (لهم) في السوق،
وأنا يطيب لي أن أسمعك حين تغني،
وأن أنصت، حين تصمت!
•••

بَيْدَ أنني أزداد حُبًّا لك،
عندما تمنح قُبلة للذكرى،
ذلك أن الكلمات تزول،
أمَّا القُبلة فتبقى في الأعماق.
•••

إن (نظم) القافية في إثر القافية لا يخلو من معنى،
لكن الأفضل هو الإمعان في التفكير،
فغنِّ أنت لسائر الناس
والزم الصمت مع الساقي.
١٩
تعال أيها الساقي
الشاعر :
تعال أيها الساقي! هاتِ كأسًا أخرى!
الساقي :
سيدي، لقد شربتَ بما فيه الكفاية،
وهم يسمونك الشريب المتوحش!
الشاعر :
هل رأيتني مرة واحدة أسقط من السكر؟
الساقي :
إن مُحَمَّدًا يحرِّمها.
الشاعر :
يا صغيري العزيز!
لن يسمع أحدًا ما سأقوله لك.
الساقي :
عندما تتكلم على راحتك،
لا أجد في نفسي حاجة للسؤال.
الشاعر :
أنصت إليَّ! إننا نحن المسلمين
ينبغي علينا أن نبقى في حالة الصحو واعين،
أمَّا الشاعر فيودُّ في حماسه المقدس،
أن يبقى وحده في حالة الجنون.
٢٠
تذكَّر يا سيدي
الساقي :
تذكَّر يا سيدي! أنك حين تشرب،
يفور من حولك اللهب!
وتئزُّ ألف شرارةٍ وتومض،
وأنك لا تدري أين ستستقر.
•••

أرى الرهبان في الزوايا والأركان،
عندما تضربُ (بيدك) على المائدة،
وهم يتخفون في رياء ونفاق،
بينما تفتح قلبك على اتساعه.
•••

لكن قل لي، لماذا كان الشباب،
وهو بعدُ غير بريء من الأخطاء
وتعوزه كل الفضائل،
أحكم بكثير من الشيخوخة؟
إنك تعرف كل ما تطويه السماء،
وكل ما تحمله الأرض،
وأنت لا تُخفي الاضطراب
الذي يجيش به صدرك.
حاتم :
لهذا السبب بعينه، يا فتاي العزيز،
عليك أن تبقى شابًّا وأن تظل حكيمًا،
صحيح أن الشعر هبةٌ من السماء.
لكنه في الحياة الأرضية غِشٌّ وخداع.
على المرء أن يشبَّ أوَّلًا (في حضن) الأسرار،
ثم يأخذ في الثرثرة في الصباح والمساء!
عبثًا يلجأ الشاعر للكتمان،
فقول الشعر نفسه خيانة.
٢١
ليلة صيف
الشاعر :
انحدرت الشمس للمغيب،
لكن (أشعَّتها) مازالت تلمعُ في الغرب،
وأود أن أعرف إلى متى
سيستمرُّ هذا البريقُ اللامع كالذهب.
الساقي :
إن شئت، يا سيدي، بقيت
منتظرًا خارج هذه الخيام،
فإذا تمكن الليل من البريق،
جئت على الفور وأخبرتك.
•••

فأنا أعلم أنك تحبُّ التطلع
(للأفق) البعيد اللامتناهي،
عندما تتبادل المديح والثناء
تلك النيران المتوقدة في الزرقة.
•••

وأنصعها ضوءًا يريد وحسب أن يقول:
وأنا ألمع الآن في مكاني،
ولو شاء الله أن يمدَّ في عمرك
لمعتَ أيضًا مثل لمعاني.
•••

لأن كل شيء في نظر الله رائع عظيم.
وعلَّة ذلك أنه هو الأعظم،
وهكذا تنام الآن جميع الطيور
كلُّ في عُشه الكبير والصغير.
•••

ويتربع أحدُها عاليًا هناك
فوق أغصان السَّرو،
حيث تهدهده الريحُ الفاترة
حتى تُرطب الهواء أنداء الفجر.
•••

أنت الذي علَّمتني هذا
أو شيئًا آخر يشبهه،
وكل ما سمعته في حياتي منك،
لن يُفلت أبدًا من القلب.
لأجلك أريد أن أكون بومة
تجثم هنا على الشرفة،
حتى أستطيع أن ألاحظ
الانقلاب الثاني للنجم القطبي.
•••

عندها يحلُّ منتصف الليل،
حيث تصحو مبكرًا في أكثر الأحيان،
وعندها سيكون من أروع الأمور
أن تتأملَ معي الكونَ في إعجاب.
الشاعر :
صحيحٌ أن البلبلَ يشدو طول الليل
في هذا العطر وهذا البستان،
لكنك قد تضطر للانتظار طويلًا
قبل أن يتمكن الليلُ (من تحقيق) ما تقول.
•••

ففي هذا الوقت من أوقات «فلورا»
كان يسميها شَعب الإغريق،
تهيم الأرملة «أورورا»
متيمةً بحب «هسبيروس».
•••

تلفت حولك! إنها آتية! يا للسرعة!
وخُطاها تخطُر فوقَ حقول الزَّهر!
وتسطع الأضواء هنا وهناك،
حتى تضيق على الليل الخناق.
•••

وعلى أقدامها الوردية الخفيفة
تسرع كالمجنونة للحاق
بذلك الذي لاذ بالفرار مع الشمس،
ألا تشعر بلفحة الغرام؟
•••

اذهب الآن، يا أعزَّ الأبناء،
وتوارَ داخلَ البيت وأغلقِ الأبواب،
لأنها تريدُ أن تخطفَ جمالك
معتقدةً أنك أنت هسبيروس.
٢٢
الساقي (وهو نعسان)
الساقي :
هكذا تعلمتُ منك مع الصبر الطويل:
حضور الله في جميع العناصر.
كم كنتَ حنونًا وحبيبًا وأنت تمنحني هذا!
لكن أحبَّ الأشياء جميعًا أنك تحب.
حاتم :
إنه ينام بعذوبة ومن حقِّه أن ينام.
أنت أيها الصبي الطَّيب! لقد سقيتني،
(ومن كأس) الصديق والمعلم، بغير قهر ولا عقاب،
تعلمتَ وأنت في ميعة الشباب كيف يفكِّر العجوز
والآن ينسكبُ فيضُ الصحة والعافية
في أعضائك فتتجددُ قُواك.
إنني ما زلتُ أواصلُ الشُّرب، لكنني ساكنٌ أتمَّ سكون،
حتى لا تُضطرَّ أن تصحو من نومك كي تُسعدني برؤيتك.
١ فارسية معناها: «يصير بلا دماغ»، أي يذهب عقله من السُّكر والخمر (عن بدوي، ص٢٢٧).
٢ أي التدويخ الناجم عن شدة السُّكر.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:46 pm

كتاب الأمثال

١
تحدَّرت قطرة خائفة
تحدرت قطرةٌ خائفةٌ من السماء
وسط أنواع البحار فعصفت بها الأمواج،
لكن الله كافأ شجاعةَ الإيمان
ووهب القطرةَ القوة والبقاء،
ضمتها المحارة الساكنةُ في هدوء
وهي الآن لؤلؤة تنعمُ بالتكريم والخلود
وتتألق في تاج قيصرنا المجيد
بنظرةٍ ساحرةٍ سنيةِ البهاء.
٢
شدو البلبل في الليل
شدو البلبل في الليل تصاعد وسط الأنواء
نفذ الصوت لعرش الله الوضَّاء
كافأه الله على شَدْوه
في قفص ذهبيٍّ حبسه
والقفص ضلوع الإنسان
لم يزل الروحُ يحسُ بضيقِ السجن ولكن
لا ينفكُّ يرددُّ نغمًا حلو الأصداء
حين يفكر في محنته كالعقلاء!
٣
إيمان عجيب
حطَّمتُ ذات مرَّة قدحًا جميلًا
وكاد اليأس ينتابني،
ورحت ألعن كل الشياطين
على نَزقي وتهوُّري.
ثارت ثائرتي في مبدأ الأمر
ثم بكيتُ بكاءً حارًّا
وغلبني الحزن وأنا أجمع الشظايا
رقَّ الله لحالي فسوَّى القدحَ على الفور
وردَّه كاملًا صحيحًا كما كان من قَبل.
٤
تركت جوف محار لؤلؤة
تركت جوفَ محار لؤلؤة،
زينة اللؤلؤ، من أصلٍ نبيل،
هتفتْ بالصائغ الطيِّب أن
يصنع المعروفَ فيها والجميل،
إن ثقَبتَ الرأسَ مني فلقد
ضعتُ وانهدَّ كياني وانحطم
سأذوق المُرَّ لو جمَّعني
ورفاق السوء عقد منتظم!
•••

لستُ أبغي الآن إلا مكسبي،
فاعذريني واغفري ظلمي لك،
كيف للعقد إذن أن يزدهي
لو ترفقتُ ولم أقسُ عليك؟
٥
رأيت بدهشة وابتهاج
رأيت بدهشة وابتهاج
ريشة طاووسٍ بين صفحات القرآن،
مرحبًا بك في هذا المكان المقدس،
أغلى كنزٍ بين بدائع الأرض.
إن عظمة الله التي تتجلَّى في أصغر الكائنات،
نتعلمها منكَ، كما نتعلمها من نجوم السموات،
ونؤمنُ بأنه، وهو الذي يحيطُ الأكوان بنظرته،
قد طبَع هنا آثارَ عينيه،
وبهذا زيَّن هذه الريشة الخفيفة،
بحيثُ لم يُفلح الملوكُ (في يومٍ من الأيام)
في محاكاة بهاء هذا الطائر (الفتَّان).
ابتهجي بتواضعٍ بهذا المجد العظيم،
تكوني جديرةً بالمكانِ المقدَّسِ الكريم.
٦
كان عند أحد القياصرة
كان عند أحد القياصرة محاسبان،
اختصَّ أحدهما بالتحصيل والآخرُ بالصرف والإنفاق،
هذا فاضت الأموال من يديه،
وذلك لم يدرِ من أين يجمعها.
وماتَ الصرَّاف فاحتارَ الحاكم
لمن يعهد بأمر الصرْف،
ولم يكد يمضي وقتٌ يسمح للمرءِ بالالتفات،
حتى كان المحصِّل قد أثرى أفحشَ ثراء،
ولم يدرِ أحد — من كثرة الذهب — كيفَ يعيش،
لأنه لم يصرِف يومًا واحدًا أي شيء منه،
عندئذٍ اتَّضح للقيصر كل الوضوح،
من الذي كان السبب في ذلك البلاء.
وعرف كيف ينتفعُ بتلكِ الصدفة،
حين قرَّر ألا يشغل أحد أبدًا تلك الوظيفة.
٧
قال القِدرُ الجديد للمقلاة
قال القِدرُ الجديد للمقلاة:
— ما هذا البطنُ الأسود!
— هذا هو الذي تعوَّدنا عليه عند الطبخ.
تعال، تعال، أيها المغفل اللامع المصقول،
فسرعان ما يخفُّ غرورك.
وإذا احتفظت يد القدر بوجه صافٍ،
فلا يحملك ذلك على التفاخر؛
إذ ليس عليك إلا أن تنظر إلى مؤخرتك.
٨
الناس جميعًا من كبيرهم إلى صغيرهم
الناس جميعًا من كبيرهم إلى صغيرهم
يتفننون في نسج نسيجٍ لأنفسهم،
ويتباهون بالجلوس في وسطه
وفي أيديهم مقصاتهم ذات الأطراف الحادة المدببة.
فإذا اجتاحته مكنسة وأزاحته (من الوجود)
هتفوا صائحين: هذا شيءٌ فظيع.
لقد خربوا أعظم القصور.
٩
لما نزل يسوع من السماء
لما نزل يسوع من السماء، أتى معه بالكتاب الخالد، وهو الإنجيل،
قرأه على حوارييه ليلَ نهار
وللكلمة الإلهية فعلٌ وتأثير.
ثم صعدَ إلى السماء وأخذه معه،
ولكنهم كانوا قد أحسُّوا به غاية الإحساس.
ودنا كلُّ واحد منهم خطوة فخطوة
ما شعر به واختلف فيه عن غيره.
ليس لهذا أهمية، فقد تفاوتت قدراتهم،
ومع ذلك فإن المسيحيين يمكنهم
أن يعيشوا عليه حتى يوم الحساب.
١٠
حسن
على ضوء القمر في جنة الفردوس
وجد «يهوا» آدم غارقًا في نومٍ عميق
فوضع حواء صغيرةً بجانبه في هدوء
وراحت هي الأخرى في سُبات مديد.
وهكذا رقدت، في إهابٍ أرضيٍّ محدود
أجمل فكرتين من أفكار الله.
«حسن!» هكذا قال راضيًا عن صنعه البديع،
حتى لقد ابتعد عنهما وهو غير مستريح.
•••

لا عجبَ إذن أن تهزنا النشوة
عندما تنظر العين في العين نظرةً منتعشة،
وكأننا قد بلغنا من الأمر مداه
وأصبحنا قريبين ممن فكَّر فينا وبَرَأتْنا يداه.
فإذا دعانا إليه رحَّبنا بدعوته
ولكن بشرط أن نصعدَ إليه معًا لا كل واحد بمفرده.
فلتُحطك الآن أغلال ذراعيَّ بحبٍّ،
أنت يا أحلى ويا أجمل ما صوَّر ربِّي!

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:47 pm

كتاب البارسي أو المجوسي

١
وصية الديانة الفارسية القديمة
أية وصية، يا إخوتي، تتوقعون أن تأتيكم،
من الرجل التقي المسكين الذي سيفارقكم،
والذي أطعتموه في صبرٍ أيها المريدون الشبان،
وأكرمتم أيامه الأخيرة برعايتكم؟
•••

عندما كُنَّا نرى الملك في كثير من الأحوال على صهوة جواده،
والذهب يسْطعُ منه ومن كل ما حوله،
وجواهر الأحجار الكريمة تلمعُ عليه وعلى عظماء رجاله
منشورة كحبَّات البَرَد الكثيفة المنهمرة،
فهل حسدتموه مرةً واحدةً على ذلك؟
•••

ألم تملئوا عيونَكم بما هو أروع منه،
حين كانت الشمس، على أجنحة الفجر،
تشرق على ذُرى درناوند١ التي لا تُحصى على هيئة قوس؟
من ذا الذي كان يسعه
أن يمنعَ نفسه من التطلُّع إليها؟ لقد كنت أحس
آلاف الإحساسات، فيما لا يُعدُّ من أيام حياتي،
بأن تلكَ القادمةَ تحملني معها
لأعاين اللهَ على عرشه،
وأسمِّيَه الربَّ (الخالقَ) لعين الحياة،
وأراعي في عملي ذلك المشهد السامي
وأسير في حياتي مهتديًا بنوره.
لكن حين كان القرصُ الناريُّ يكتمل (في السماء)،
كنت أقف (أمامه) كأنما عَشيَتْ عيناي في عتمة الظلام،
فأضرِبُ صدري، وأطوح أعضائي المنتعشة،
وجبيني محني للأمام، وأسجد على الأرض.
•••

والآن إليكم وصيةً مقدسةً،
أقدِّمها لإرادة الإخوة وذاكرتهم:
«الحفاظ اليوميُّ على (أداء) الواجبات الشاقة»
وعدا ذلك لا حاكم (بكم) لأي وحي.
•••

إذا حرَّك وليدٌ يديه التقيتين
طالبًا أن تُديروه نحوَ الشمس بغير إبطاء،
فليُغمس الجسد والروح في حمام النار!
وسيشعر بنعمة كل صباح (يشرق عليه).
•••

أسلموا الأمواتَ للحي،
وغطوا حتى الحيوانات بالردم والتراب،
وبقدر ما يسعُ طاقاتكم،
لا تترددوا عن تغطيةِ كلِّ ما ترونَ أنه نجس.
•••

احرثوا حقولكم حرثًا فيه نظامٌ وجمال،
حتى يطيب للشمس أن تُضيءَ الجَهد الذي بذلتموه،
وإذا زرعتم أشجارًا فاجعلوها في صفوف،
لأنها٢ تساعدُ كلَّ ما هو منظَّمٌ على النموِّ والازدهار.
•••

كذلك لا يجوز للماء الذي يجري في القنوات
أن يُعوِزه التدفُّق أبدًا ولا الطهارة،
وكما ينبع سندرود٣ من المناطق الجبلية الطاهرة،
فينبغي كذلك أن ينتهيَ إلى مصبٍّ طاهر.
ولكيلا يضعف الانسكابُ الناعم للماء،
راعوا تعميق الحَفر بجدٍّ واجتهاد،
الغابُ والبوص، والبرص، والسحالي،
هذه المخلوقات البشعة، اقضوا عليها جميعًا.
•••

حتى إذا تم لكم تطهير الأرض والماء،
راق للشمس أن تسطع وهي تنفذ في الهواء،
فهي إن أحسنتم استقبالها بما يليق،
تصنع الحياة وتمنحها البركة والسلام.
أنتم، يا من يشقيكم عناءٌ بعد عناء،
تعزَّوا عن ذلك، فالكل قد تطهر الآن.
وأصبح في وسع الإنسان أن يتشجع كالكاهن (الفنان)،
فيبدع من الحجر الرمزَ المعبِّر عن الله.
•••

وحيث تتوقَّد الشعلةُ تبيَّنوا بسرور،
أن الليل يغمره الضوء وأن الأعضاء طيِّعة،
وعلى لهب النيران المتأججة في الموْقد،
ينضجُ العصير الخام للحيوان والنبات.
•••

وإذا احتطبتم فافعلوا ذلك مبتهجين،
لأنكم تحملونَ بذور الشمس الأرضية،
وإن قطعتم البامية،٤ فلتقولوا واثقين:
إنه هو الذُّبالة التي ستشعل بالنار المقدسة.٥
وإذا تبيَّنتم بورع في شعلة كل مصباح،
انعكاس النور الأسمى،
فلن يمنعكم سوء الحظ أبدًا من الشعور بالإجلال،
لعرش الله عند مطلع كل صباح.
•••

هناك (ترون) الخاتمَ القيصري (المطبوع) على وجودنا
والمرآة الإلهية الصافيةَ لنا وللملائكة،
وكل ما يتمتم مُسبِّحًا بحمد الكائن الأسمى،
هناك في دائرة تحوطُها دوائر.
أريد أن أزهد في شواطئ سندرود
وأنشر جناحي مُحلِّقًا إلى (قمة) درناوند،
فإذا أشرقت سعيتُ إليها لأسعد باللقاء.
ومن هناك أبارككم إلى الأبد.
٢
كلما شعر الإنسان
كلما شعر الإنسان نحو الأرض بالتقدير والإعزاز،
لأن الشمس تُشرق عليها بنورها الوضَّاء،
وكلما استمتع بالكرامة،
التي تبكي تحت السكين الحادة،
لأنها تحسُّ أن عصيرها
سوف يُنعش الدنيا إذا أُجيد تخميره،
وسوف يثير طاقات كثيرة
ويُخمد طاقات أكثر
عرف (عندئذٍ) كيف يرجع الفضل لوهَج النار،
التي تتيح كلَّ هذا النمو والازدهار،
وإذا ترنَّح السكرانُ وراح يتلعثم،
انطلق المعتدلُ في الغناء وترنَّم.
١ صحتها دوماند أو دبناوند، وهو جبل مقدس كثير المعادن، وإليه ترتفع نفوس الأتقياء بعد الموت.
٢ أي الشمس.
٣ هو نهر السند الذي يتفرع بالقرب من أصفهان إلى فروع وقنوات عديدة تصبُّ في الأرض.
٤ فارسية بمعنى القطن.
٥ حرفيًّا: ستحمل الشيء المقدس.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:48 pm

كتاب الفردوس

١
تذوق١
المسلمُ الحقُّ يتحدث عن الفردوس،
وكأنه كان بنفسك هناك،
ويؤمن بالقرآن في كلِّ الأحوال،
وعلى هذا (الأساس) تقومُ العقيدةُ الطاهرة.
•••

غير أن النبي الذي أُنزِلَ عليه هذا الكتاب،
يشفعُ لزلَّاتنا وعيوبنا هناك،
ويرى، على الرغم من رُعود لَعَناته
أن الشكوكَ كثيرًا ما تُفسد علينا الإيمان.
لهذا يُرسلُ إلينا من أعلى عليين
نموذجًا للشباب٢ يجدد شباب كل شيء
ترفُّ هابطة إلى هنا وتُكبِّل بغير إبطاء،
رقبتي بألطف وأحبِّ الحِبال.٣
•••

أضعها على حِجري، وأضمُّها للفؤاد،
هذه المخلوقة السماوية، ولا أطمعُ في المزيد،
ومِنْ ثَمَّ أؤمن بالفردوس أقوى إيمان،
لأنني أحبُّ أن أقبِّلها بحنانٍ إلى أبد الآبدين.
٢
رجال موعودون
بعد غزوة بدر، تحت سماء مرصَّعةٍ بالنجوم،
محمد يقول:
ليبكِ العدو موتاه (كما يشاء)،
فهم صَرْعى (بلا أملٍ) في الرجوع،
أمَّا إخوتُنا فلا تحزنوا عليهم
لأنهم (أحياء) ينتقلون هناك فوق الأفلاك.
•••

إن الكواكب السبعة أجمعين
قد فتحت بوَّاباتها المعدنية على اتساعها،
وها هم الأحباب المجتبون يطرقون
أبواب الفردوس بجسارة.
•••

ويَلقَون على غير توقع فَرحين مستبشرين،
ألوانًا من النعيم التي ذُقتها في معراجي،
عندما حملني البُراق في غمضة عين
واجتاز بي السموات جميعًا.
•••

أشجار الحكمة المتراصة السامقة كأشجار السرو
وهي تُصوِّب تفاحاتها الذهبيةَ نحو السماء،
وأشجار الحياة التي تنشرُ ظلالها الوارفة،
وتغطي الأرائك المبثوثة بالزهور وأبسطة السندس.
•••

وتهبُّ من الشرق ريحٌ عذبةٌ ذكيةٌ،
تسوق معها أسرابَ البنات السماويات،
وبعينيك تبدأ في التأمُّل والاستمتاع
لأن النظرة وحدها تُشبع كلَّ الإشباع.
هناك يَقفنَ ويسألنكَ ماذا أنجزت؟
خُطَطًا كُبرى؟ أم لعلَّك خُضت معركةً داميةً؟
وهنَّ يعلمن أنك بطل، لأنك إلى هذا المكان جئت،
لكن أيُّ نوعٍ من الأبطال؟ هذا هو الذي يتقصَّينه ويبحثن عنه.
•••

وسرعان ما يكشفن ذلك مِن جراحك،
التي سجَّلت لنفسها آية مجدٍ وفَخار،
فالحظُّ والرفعة كلاهما قد تلاشى،
ولم يبقَ غير الجُرح في سبيل العقيدة والإيمان.
•••

ثم يقتدنك إلى الجواسق والخمائل،
الزاخرة بالأعمدة من الحَجر الملوَّن الوضَّاء،
ويدعينكَ بلطف والكئوس في الأيادي،
لارتشاف العصير النبيل من الأعناب الصافية.
•••

مرحبًا بكَ أيها الشابُّ اليافعُ، يا أكثرَ مِن شاب!
إنهن جميعًا متشابهات في البهاء والصفاء،
فإذا ضممتَ إحداهن لقلبك،
صارت سيدة وجودك وانضمَّت لصفوف الخليلات.
•••

بَيْدَ أنَّ أروعهن جمالًا وكمالًا لا ترضيها
نعمةٌ واحدةٌ من هذه النعم العظيمة،
فتظل تسامركَ بإخلاص، في مَرحٍ وبلا حسد
وهي تعدِّد لك فضائل سائر الفتيات.
وتأخذك إحداهن لمأدبةٍ حافلة
تفنَّنت فيها الأخريات كلٌّ على حدة،
وتفوز بنساء كثيرات وبراحة البال في البيت،
وهو ما يجعلُ الإنسان يستحقُّ أن يحظى بجنة الفردوس.
•••

فلتنعم روحُك إذن بهذا السلام،
لأنك لن تستطيع أن تبدِّله بغيره،
فأمثال هؤلاء الفتيات لن يصبْنَك بالسأم،
ومثل هذه الخمور لن تُثير نشوةَ السُّكْر.
•••

وهكذا نكون قد ذكرْنا ما تيسَّر ذكره،
مما يزهو به المسلم المباركُ السعيد،
ويكون فردوس الرجال، أبطال العقيدة،
قد أُعدَّ بهذه الصورة بالعُدَّة الكاملة.
٣
صفوة النساء
لا يصحُّ أن يضيعَ شيءٌ على النساء،
فالإخلاص الطاهر خليقٌ بالأمل والرجاء،
لكننا لا نعرف إلا أربعًا منهن،
قد وصلن إلى جنة الفردوس.
•••

أمَّا الأولى فهي زليخا، شمس الأرض،
التي تُيِّم فؤادها بيوسف حُبًّا واشتهاءً،
وها هي ذي الآن قد صارت بهجة الفردوس،
تسْطع فيه زينة للزهد والعزوف والعَفاف.
•••

ثم تأتي المباركة من الجميع،
التي ولدتِ المُخلِّص للكافرين،
ولما اكتشفت الغدرَ، رأت في حزنٍ مريرٍ
ابنها (الحبيبُ) ضائعًا على الصليب.
•••

وكذلك زوجة محمد التي أفاضت عليه الحنان٤
وأعانته على تحقيق أروع الأمجاد،
وأوصت في حياتها بألا يكون
إلا ربٌّ واحد وزوجة واحدة.
•••

ثم تأتي فاطمة الزهراء،
الابنة الطاهرة والزوجة المصون،
ذات الروح النقية كملائكة السماء،
في جسمٍ من عسلٍ ذهبيٍّ مكنون.
•••

هؤلاء هن اللواتي نجدهن هناك،
وكلُّ من لهجَ بالحمد والثناء ورفعَ من ذكر النساء،
استحقَّ هناك في خالد الجِنان
أن يطوف مبتهجًا بصحبة هؤلاء (النسوة المصطفيات).
٤
سماح
الحورية :
أنا اليوم أتولَّى الحراسة
على باب الفردوس،
لا أدري ما أصنع،
فأنت تبدو لي مريبًا.
•••

هل تجمعك قرابة
بأصحابنا المسلمين
وهل أرسلكَ جهادُك
أو فضلُك للفردوس؟
•••

أتعدُّ نفسَك من أولئك الأبطال؟
إذن فأرني جراحَك،
التي تشهد على أمجادك
وسوف أسمح لك بالدخول.
الشاعر :
كُفِّي عن هذا السخف!
ودعيني أدخل:
فلقد عشتُ حياة إنسان؛
أي كنت واحدًا من المجاهدين.
ثبتي فيَّ نظراتك الحِداد!
وانفذي بها في هذا الصدر،
انظري الجراح (التي حفرها) اللؤمُ والخداع،
وانظري اللذَّة والبهجة (التي خلَّفتها) جِراحُ الحب.
•••

مع هذا غنَّيتُ بصدق وإيمان:
لتبقى حبيبتي على الإخلاص والوفاء،
ويبقى العالم، مهما يدُر به المَدار،
غنيًّا بالحب والحمد والعِرفان.
•••

عملت باجتهادٍ مع الصفوة النابهين،
حتى نِلتُ الأملَ المأمول،
فسطع اسمي كشُعلات الحبِّ
المتوقِّدة في أجمل القلوب.
•••

لا! لن تختاري رجلًا قليلَ الشان،
أعطني يدك! حتى أستطيع على مرِّ الأيام
أن أُحصي على أناملك الرقيقة
عددَ الدهورِ والآباد.
٥
رنين
الحورية :
هناك في الخارج،
حيث كلَّمتُك لأول مرة،
كنتُ كثيرًا ما أتولَّى الحراسةَ على الباب،
كما يقضي بذلك واجبُ الطاعة والامتثال.
عندها سمعت حفيفًا غريبًا،
وخليطًا من أصوات ومقاطع متداخلةً،
تطالبُ بالدخول،
لكن لم يُرني أحدٌ وجهه،
وأخذت الأصواتُ تخفُتُ شيئًا فشيئًا،
بَيْدَ أنها كانت ترن رنينَ أغانيك،
هذا هو الذي أتذكره الآن.
الشاعر :
يا حبي الأبدي!
ما أرقَّ مشاعرك وأنت تتذكرين حبيبك!
مهما اختلفت الأنغام التي تتردد.
في هواء الأرض وبالطريقة التي تلائمها،
فهي بأجمعها تنشدُ الصُّعودَ إلى أعلى،
أكثرُها يخمد هناك في الأسفل ولا يكاد يُحصى،
والباقي يطير بأجنحة الروح إلى السموات العُلا
مثل البُراق المُجنَّح الذي ركبه النبي،
وهناك ترِنُّ كأنغام الناي
أمام الباب.
•••

إذا تصادف وسمعت رفيقاتُك شيئًا كهذا،
فليتكرَّمن بالانتباه إليه،
ولتتفضَّلنَ بتقوية الصدى
ليترددَ من جديد أثناء هبوطه إلى أسفل،
وليعلمنَ كذلك عن يقين
أنه في كل حالٍ من الأحوال
حين يأتي الشاعر ويجود بعطاياه،
فإنها تعُمُّ بخيرها الجميع
كما تعود بالخير على كلِّ العالمين.
•••

ليتكرَّمن كذلك مشكوراتٍ بمكافأته،
وليُحسنَّ إليه وهُنَّ راضيات،
فيسمحن له بالإقامة معهن،
وكلُّ الطيبين يرضَون بالقليل.
•••

أمَّا أنتِ يا من كُنتِ من نصيبي،
فلن أحرمك من السلام الأبدي،
عليكِ (الآن) أن تتخلِّي عن الحراسة
وتكلِّفي بها أختًا (أخرى) خليَّةَ البال.
٦
الشاعر :
إنك حبَّك وقُبلتك يسحراني!
وأنا لا أميل للتطفل على الأسرار،
لكن خبِّريني، هل قُدِّر لك من قبل أن تشاركي
في الحياة على الأرض؟
فلقد خُيِّلَ إليَّ مرات عديدة،
أنك كنت فيما سبق تُسمين زليخا.
الحورية :
نحن خُلقنا مباشرةً من العناصر،
من الماء، والنار، والتراب، والهواء،
وأي عطرٍ أرضي،
مُنافٍ تمام لطبيعتنا.
ونحن لا نهبط أبدًا إليكم،
ولكن عندما تأتون إلينا لتنعموا وتستريحوا،
نجد من الأعمال ما يكفي ليشغلنا.
•••

فعندما حضر المؤمنون،
— الذين أوصى النبيُّ بهم خيرًا —
واستقرَّ بها المقام في الفردوس،
عاملناهم، كما أُمرنا،
بمنتهى اللطف والحُنو والرقة،
وبشكل لم تعهده الملائكةُ نفسها مِنَّا.
•••

غير أنَّ الأوَّل والثاني، والثالث،
كان لكلٍّ منهم في الحياة الدنيا خليلة،
ومع أن أولئك الخليلات، بالقياس إلينا، مخلوقات بشعة،
إلا أننا كُنَّا في نظرهم أقلَّ شأنًا،
كُنَّا (في الواقع) جذَّابات، وذكيَّات مرِحات،
لكنَّ المسلمين أرادوا الهبوطَ (للأرض) مرةً أخرى.
مثلُ هذا التصرف كان مُجافيًا لطبيعتنا،
نحن بنات السماء، وذوات الأصل الرفيع،
لذلك ثارت ثائرتُنا وتمرَّدْنا
وقلَّبْنا الأمرَ من جميع الجهات،
ولما كان النبي يطوف بالسموات
حرصنا أن نتتبعَ أثرَه،
وعندَ عودته لم يفُتْه ذلك،
فتوقف البُراق المُجنَّح.
•••

هُنالك وجدناه في وسطنا!
وبصوت جادٍّ ودود، كما هي عادةُ الأنبياء،
زوَّدنا باختصار بتعليماته،
لكننا كُنَّا في غاية السُّخط والضِّيق،
لأننا رأينا أن تحقيقَ أغراضه،
يقتضي مِنَّا أن نُغيِّر كلَّ شيء،
ويفرض علينا أن نفكِّر كما تُفكِّرون
وأن نكونَ شبيهات بحبيباتكم.
•••

وفقَدْنا اغترارنا بأنفسنا.
وحكَّت الحوريات خلف آذانهن،
لكننا رأينا أن حياةَ الخلود
تفرض علينا التسليمَ بكلِّ شيء
وهكذا يرى كُلٌّ مِنَّا ما سبقَ أن رآه،
ويحدثُ له ما قد حدثَ مِن قبل.
نحنُ الشقراوات، ونحنُ السمراوات،
ولنا أهواء، ولن نزوات،
بل أحيانًا لا يخلو الأمر من الشطحات،
ويتخيل كلُّ واحد منهم أنه في بيته،
ونحن نقابل هذا بسرور وسعادة؛
إذ يحسب كلٌّ منهم أن الأمر كما يتصور.
•••

أمَّا أنت فيبدو أن مِزاجك حرٌّ،
وأنا أبدو في نظرك من حوريَّات الجنة،
إنك تُقدِّرُ شأن النظرة وتعرف قيمة القُبلة،
حتى ولو لم أكن أنا زليخا،
ولأنها كانت ساحرة الفتنة والرِّقة،
فقد كانت تشبهني ولا تفترق عني شعرة.
الشاعر :
أنت تَعْشَينَ بصري ببهاء نورك السماوي،
وسواءٌ أكان ذلك وهمًا أم حقيقة،
فإن إعجابي بك يفوقُ إعجابي برفيقاتك.
ولحرصِك على عدم التقصير في أداء واجبك،
واهتمامك بالفوز بإعجاب شاعر ألماني،
فإني أسمعك يا حورية تتكلمين بشعرٍ موزون ومُقفًّى.
الحورية :
أجل، انظمْ أنت أيضًا وقفِّ على هواك،
ودع روحك تتدفقُ بالشِّعر كما تشاء!
إننا نحن أهل الفردوس نميل
للكلمة والفعل النابع من إحساس طاهر.
والحيوانات، كما تعلم، لا تُستثنى من هذا
إن هي أظهرت الطاعة وأثبتت الإخلاص.
والحورية لا تحتمل الكلمات الفظَّة،
فنحن نشعر بما يصدر عن القلب،
وكل ما ينبثق من نبعٍ حي،
يحقُّ له أن يجريَ في الفردوس.
٧
الحورية :
ها أنت تلمس إصبعي من جديد.
أتعرف إذن، كم من الدهور والآباد
عشنا مع بعضنا متحابِّين؟
الشاعر :
كلا! ولا أريد كذلك أن أعرف.
هذه المُتعُ المتنوعة المتجددة،
وهذه القُبلات الطاهرة أبدًا كقبلات العروس!
ما دامت كل لحظة تهز كياني تجعله يرتجف،
فلماذا أسأل كم دامت من الوقت؟
الحورية :
إنك تغيب عني مرة أخرى (وتنشغلُ بأفكارك)،
ألاحظُ هذا جَيِّدًا، بغير حاجة إلى عَدٍّ أو قياس.
لم تتردد عن التجوال في الكون
وخاطرتَ بنفسك في الأعماق الإلهية،
فلتكن الآن حاضرًا بجوار حبيبتك الغالية.
ألم تفرغْ من نظْم أغنيتك؟
كيف كان رنينُها هناك أمامَ الباب؟
كيف ترِنُّ الآن؟ لا أريد أن ألحَّ عليكَ أكثر من هذا.
غنِّني أشعارَكِ التي قُلتَها في زليخا:
لأنك لن تصنع خيرًا من هذا في الفردوس.
٨
حيوانات مرضيٌّ عنها
بُشِّرتْ كذلك أربعة حيوانات،
بدخول جنات الفردوس،
هناك تعيشُ أبد السنين
مع الأولياء والصالحين.
•••

يتقدَّمُهم (في الترتيب) حِمار،
يثبُ بخطواتٍ نشطة،
فقد ركب على ظهره يسوع
وهو يدخل مدينة الأنبياء.
•••

ثم يأتي ذئبٌ مُتهيِّب،
أمَره محمدٌ رسولُ الله،
دع هذه الشاةَ للمسكين،
وابحث عن أخرى عند أحد الأغنياء.
•••

ويهز ذيله في مرحٍ لطيف،
كلبٌ صغيرٌ مع صاحبه الأمين،
شارك أهل الكهف السبعة
نومهم (العميق) بحبٍّ وإخلاص.
•••

وها هي ذي هِرَّة أبي هريرة
تموءُ حولَ سيِّدها وتلاطفه؛
إذ سيبقى حيوانًا مقدَّسًا على الدوام
ذلك الذي مسح عليه (بيده) أفضل الأنام.
٩
أعلى والأعلى
لأننا نعلمُ مثل هذه الأشياء،
فلا يُنزِل بنا أحدٌ عقابَه،
ولتفسير هذا كله،
عليكم أن تُسائلوا أعمق أعماقكم.
•••

بهذا يمكنكم أن تفهموا
أن الإنسان إذا عاش راضيًا
سيطيبُ له أن يرى ذاته
وقد نجت هناك (في الأعالي) وهنا (في الدنيا).
•••

وذاتي الحبيبة كانت بحاجةٍ
إلى ألوانٍ من الراحة والمتاع،
والأفراح التي ارتشفتها ها هنا،
سأظلُّ أتمناها إلى الأبد.
•••

هكذا تُمتعُنا الحدائق الجميلة،
والزهور والثمار والأطفال الحِسان،
وكلُّ ما أعجبنا ها هنا،
لن يكون إعجابُ الروح المتجدد الشباب به أقل.
•••

كذلك أتمنى أن أجمع كل الأصحاب،
شبابًا وشيوخًا في شخصٍ واحد،
وكم سيطيبُ لي أن يتلعثموا
بكلماتِ الفردوس باللغة الألمانية.
•••

بَيْدَ أننا نستمع الآن للهجاتٍ
يدور بها الغَزَل بين الإنسان والملاك،
(كما نستمع) للنحو المضمر،
الذي يُعرَبُ به الخشخاش والورد.
•••

وعسى أن يلذَّ للناس في المستقبل
أن يتحدثوا (بلغةِ) النظرات،
وأن يرتفعوا إلى النشوة السماوية
بغير أنغامٍ ولا أصوات.
•••

والحق أن الصوت والنغم يتحرران
بطبيعة الحال من الكلمات،
ويتأكد إحساس المنعَّمين،
بأن (وجودهم) بغير نهاية.
•••

فإذا ما تهيأ للحواسِّ الخمس
(كل ما تشتهيه) في الفردوس،
فلا شك في أنني سأكتسب
حِسًّا واحدًا يُغنيني عنها.
•••

— وهكذا أراني أنفُذُ الآن،
أخفُّ مما كنت، في الدوائر الأبدية
التي تَسري فيها كلمة الله
بصورةٍ خالصةٍ حية.
•••

وبشوقٍ حارٍّ لا يعوقه عائق
نتابع الصعودَ بغير نهاية،
حتى نتملَّى بالحبِّ الخالد
فنذوب فيه ونتلاشى.
١٠
أهل الكهف السبعة
ستةٌ من أصحاب الحُظوة في البلاط
يهربون من غضب الإمبراطور،
الذي جعل الناس تعبده كإله،
وإن لم يكن فيه شيءٌ من طبيعة الإله،
ذلك أن ذبابة واحدة
تمنعه من أن يهنأ بطعامه.
•••

وخَدَمه يهشُّون الذبابة
بمراوحهم دون فائدة
فهي تَطِنُّ حول رأسه، تلسعه وتحوم،
وتطير وتُثيرُ الاضطراب (في الجالسين) إلى المأدبة،
ثم ترجع وتُعاودُ الطنين
كأنما هي رسولٌ من إله الذباب (المعروف) بسماجته وشماتته.
•••

«ماذا؟» هكذا يقول الفتيةُ لأنفسهم،
«هل يُعقل أن تنغِّص الإلهَ ذبابةٌ صغيرة؟
وهل يشرب الإله ويأكل
كما نفعل نحن؟
كلَّا، إن الواحد الذي خلق الشمس والقمر،
ورفع فوق رءوسنا قُبَّة السماء المرصَّعة بالنجوم،
هو الإله القدير، فلنهرب!»
ويئوي أحد الرعاة الفِتية
ذوي الأحذية الخفيفة والزينة اللطيفة
•••

ويُخفيهم ويُخفي نفسه في كهفٍ صخريٍّ
ويصرُّ كلب الراعي على البقاء معهم،
طردوه، وانكسرت قدمه
لكنه ظلَّ ملازمًا لسادته
وانضم لرفاقه الأعزاء
في المخبأ وفي النوم.
•••

والحاكم الذي ولُّوا فرارًا منه،
تملَّكه الغضب وفكَّر في عقابهم،
استبعد السيف كما استبعد النار،
وسدَّ عليهم باب الكهف
بجدارٍ من الحجارة والجير.
أمَّا الفتية فيطول نومهم،
ويقف الملاك٥ الذي يرعاهم.
أمَّا عرش الله ويصف حالهم
لقد حرصتُ على تقليبهم
ذات اليمين وذات الشمال،
لكيلا يؤذي بخار العفن
أعضاءهم الجميلة الشابة.
في الصخور فتحتُ شقوقًا
لتنفذ منها الشمس في صعودها وهبوطها
وتجدِّدُ النضارة في الخدود الشابة.
وهكذا ينامون مُنعَّمين مُباركين.
كذلك يرقد الكلب الصغير مستغرقًا في نومه العذب
باسطًا رأسه على قدميه اللتين تمَّ شفاؤهما.
•••

وتفرُّ السنون وتأتي السنون،
ويستيقظ الفتية من نومهم،
ويسقط الجدار الذي تآكل
بفعل الزمن
ويقول يمليخا الجميل،
وهو أكثر الفتية عِلمًا وخبرة،
بعد أن وجد الراعي خائفًا مُترددًا:
«سأذهب بنفسي وآتيكم بالطعام،
وأخاطر بحياتي وبالعملة الذهبية.»
•••

وكانت أفيسوس منذ سنوات عديدة
قد دخلت في ديانة عيسى
(عليه السلام).
•••

وانطلق سرعًا في سيره فوجد أسوار البوَّابات
والبرج وكل شيء قد تغيَّر
لكنه توجَّه لأقرب دكان خبَّاز
ليحصل على الخبز بأقصى سرعة.
هتف الخبَّاز: أيها الوغد!
هل عثرت يا فتى على كنز؟
العملة الذهبية تفضحك فأعطني
نِصفها لكي يتمَّ التفاهم.
وقع شجار بينهما، وأمام الملك
عُرضت القضية، والملك بدوره
طالب بنصيبه كما فعل الخبَّاز.
•••

هنالك بدأت (خيوطُ) المعجزة
تتكشَّف بمائة علامةٍ وعلامة.
ففي القصر الذي بناه بنفسه
عرَفَ كيف يُثبتُ حقه.
لأن عمودًا عثر عليه
هدى لكنوز نُقشَت عليه أسماءٌ معروفة.
وسرعان ما تجمَّعت حشودٌ
من الناس لإثبات أنسابها.
وسطع اسم يمليخا في عُنفوان شبابه
كأبعد جد وأول جد
وأخذ يَسمعُهُم يتحدَّثون عن أجدادهم
فيذكرون ابنه وأحفاده.
أحاطت به جموعُ أحفاد أحفاده،
وهم عشيرته من الرجال الشجعان،
ليكرموه، وهو أصغرُهم سنًّا، ويحتفوا به.
وتوالتِ العلامات، واحدة بعد أخرى
لتُقيم الحُجَّة وتؤكد الدليل،
وهكذا أثبتَ لنفسه ولأهله
حقيقةَ شخصيته.
•••

ثم رجع للكهف مرةً أخرى
في صُحبة الشَّعب والملك
لم يعد المختار في الحقيقة
لا إلى الملك ولا إلى الشعب
لأن السبعةَ الذين اعتكفوا
عن العالم من زمنٍ طويل
— وكانا في الواقع مع الكلب ثمانية —
نقلتهم قدرةُ جبريل الخفية،
بمشيئة الرحمن وعونه،
إلى جنة الفردوس،
وبدا الكهفُ مسدودًا بالجدار.
١١
طابت ليلتكم
نامي الآن،
يا أشعاري المحتشدة في الديوان،
على صدر الشعب،
ولينشر جبريل بفضل الله وفضله
سحابةَ مِسك
فوق الجسد المكدود المُتعَب،
كي يمضي الشاعرُ وهو مُعافًى،
مَرحٌ — كالعَهد به — وودود،
فيشق الصخر
وينفذ منه إلى الفردوس ويصحب،
وهو سعيدٌ مُنشرح القلب،
أبطال الموكب
من كل زمانٍ
وهو يجوب الكونَ ويرعاه الربُّ،
هنالك يزكو الحسنُ المتجدد أبدًا
في كل مكان،
وبه تسعدُ كلُّ الناس وتَطْرَب،
ويحق لقطمير، الكلَب الطيب،
أن يتبوَّأَ مع سادته
جنَّات الخُلد
(ويهنأ بنعيم الحب).
١ أي تمهيد للكتاب كله بما يشبه تجربة مذاقه.
٢ يقصد حبيبة (قلبه).
٣ الحِبال هنا كناية عن غدائر شَعرها.
٤ هي السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها التي لم يتزوج غيرها طوال حياتها.
٥ هو جبريل (عليه السلام).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:49 pm

قصائد نُشرت بعد وفاة جوته وضُمَّت للديوان

١
من يعرف نفسه
مَن يعرف نفسه،
وكذلك غيره،
فسيعرفُ أيضًا،
أن الشرق وأن الغرب
لن يفترقا عن بعضهما
(أو يبتعدا أبدًا أبدًا).
•••

سأظلُّ أغني
وأردد لحني
وأهدهد نفسي
بين الشرق
وبين الغرب
وليصبح جهدي
هو غاية مجدي!
٢
حافظ، أأساوي نفسك بك؟
حافظ، أأساوي نفسي بك،
يا للْوَهم!
إن تمخرْ أمواجَ البحر سفينة
بشراعٍ تنفخه الريح،
تشق عباب الماء بفخرٍ وجسارة،
وإذا حطمها موجُ محيطٍ هادر
سبحتْ فيه
قطعة خشبٍ متهرئ.
في أشعارك يا حافظُ وأغانيك،
ينساب اللحنُ الحلو العذب،
يتدفَّق سيلٌ رطب،
يغلي ويمور كأمواج حريق،
وأحس كأني
تبلغني النار
لكن أحيانًا تنفخني ريح غروري
ويزيِّن لي الوهم
بأني مقدامٌ وجسور،
زرتُ بلاد الشمس
وعِشت هنالك وعشقت!
٣
يحاولون منذ خمسين سنة
إنهم يحاولون منذ خمسين سنة كاملة
أن يقلدوني، ويبدِّلوني، ويشوِّهوني،
فكَّرتُ بيني وبين نفسي، ربما استطعت
أن تعرف قَدرك في رحاب وطنك.
•••

لقد أطلقتَ في زمانك العنان لجنونك وحُمقك
مع جماعات الشباب الوحشيَّة التي مسَّتها شياطينُ العبقرية،
ثم تقرَّبتَ في رفقٍ وهدوءٍ سنةً بعد سنة،
من الحكماء والعقلاء الوديعين وداعةً إلهيةً.
٤
ألا يحقُّ لي أن أستخدم مثلًا
كما يحلو لي،
واللهُ نفسه قد ضربَ مثلًا للحياة
من البعوضة؟
ألا يحقُّ لي أن أستخدم مثلًا
كما يحلو لي؟
والله يتجلَّى لي في عيون حبيبي
على سبيل التشبيه؟
٥
أيتها الطفلة الحلوة
أيتها الطفلة الحُلوة، هذه الأسماطُ من اللآلئ،
أردتُ بقدر ما استطعت،
أن أهديها لك بمودَّة وحُنُوٍّ،
كذُبالة لمصباح الحب.
•••

وها أنت تأتين الآن وقد علَّقت عليها علامة،
هي من بين كل شبيهاتها
من تمائم «الأبراكساس»
أسوأها في نظري.
هذه البلاهة الحديثة غاية الحداثة
أتريدين أن تأتيني بها إلى شيراز!
أم ينبغي عليَّ أن أتغنَّى
بخشبةٍ جامدةٍ متقاطعة مع خشبة؟
•••

إن إبراهيمَ قد اختارَ ربَّ النجوم و«الكواكب»
ليكونَ ربه الأعلى،
وموسى في وحشة الصحراء،
صار عظيمًا بفضل الواحد الأحد.
•••

وداود الذي تقلَّب بين الكثيرِ من جوانب ضعفه،
بل وارتكبَ الكثير من المعاصي والجرائم،
عرف في النهاية كيف يتوبُ ويُبرِّئ نفسَه،
«لقد اهتديتَ بفضل الواحد الأحد.»
ويسوع كان طاهرَ الشعور ولم يفكر
في (ظلِّ) الهدوء والسكينة إلا في الله الواحد.
وكل مَن جعل منه إلهًا،
قد أساء إلى إرادته المقدَّسة.
•••

وهكذا كان من الضروري أن يظهر الحقُّ،
وهو ما نجح فيه مُحمد،
فبفكرة الواحد الأحد،
ساد العالم بأسره.
لكنك إذا طالبتني رغم هذا
بتمجيد هذا الشيء المزعج،
فليكن عذري عن ذلك،
أنك لست وحدكِ التي تتباهين بالتمجيد.
•••

أجل لستِ فكثيرٌ من نساء سُليمان
قد سُقنه على الرغم منه،
إلى التطلع إليهن وهنَّ يعبدن
آلهتهنَّ كالمجنونات.
•••

لقد قدَّمن قرن إيزيس وشدق أنوبيس
لهذا (النبي) مفخرة اليهود،
وتريدين أنت أيضًا أن تقدِّمي إليَّ
هذه الصورة البائسة على الخشب على أنها هي الله!
لكنني لا أريد أن أبدو
خيرًا مما أنا عليه،
فكما أنكر سليمانُ ربه
كذلك أنكرتُ أنا أيضًا ربي.
واسمحي لي أن أتعزَّى
بهذه القُبلة عن وِزر الرِّدَّة،
لأن كل شيء حتى الغول
يغدو طلسَمًا على قلبك.
٦
دعوني أبكي!
دعوني أبكي! مُحاطًا بالليل
في الفلوات الشاسعة بغير حدود
الجِمَال راقدةٌ، والحُداةُ كذلك راقدون،
والأرمنيُّ سهران يحْسب في هدوء،
وأنا بجواره أحسب الأميال
التي تفصلني عن زليخا،
وأستعيد «صورة» المنعرجات البغيضة التي تطيل الطريق.
دعوني أبكي، فليس في هذا عار؛
فالرجال الذين طيبون «أخيار».
ألم يبكِ أخيلُ على حبيبته بريسايس؟
وإكسركسيس بكى على الناجين من جيشه
وعلى رفيق عمره الذي قتله بيده؟
بكى الإسكندر.
دعوني أبكي؛ فإن الدموع تُحيي الترابَ،
وها هو ذا يخضرُّ.
٧
ولماذا لا يرسل
ولماذا لا يرسلُ
قائد الفرسان
رُسلُه
من يومٍ ليوم؟
إن لديه خيولًا
كما يعرف الكتابة.
•••

إنه يكتب بخطِّ التعليق
كما يُجيد النَّسخ
على أوراقٍ من حرير
بخطٍّ أنيق.
فليَقُم خطُّه عندي
مقام شخصه.
•••

إن المريضةَ لا تريد،
لا تريد أن تشفى
من عذابها العَذب.
وهي حين تتلقَّى
نبأ من حبيبها
تمرضُ في الوقتِ الذي
تتماثلُ فيه للشفَاء.
٨
ما عدتُ أكتب أبياتًا متجانسة
ما عُدتُ أكتبُ أبياتًا متجانسة القوافي،
على ورق الحرير،
ولا عدت أزيِّنُها
بزخارف (وأطرٍ) مُذهَّبة،
لقد نقشتُ في التراب الدائب الحركة وذَرتها الريح،
لكنَّ القوة الكامنة فيها باقية،
مقيَّدة بالتربة
حتى مركز الأرض،
وسيأتي المتجوِّل الرَّحالةُ،
هذا العاشق.
فإذا وطئتْ قدماه هذا الموضع
سرَتِ الرعشةُ في كل أعضائه.
ها هنا، أحبَّ عاشقٌ قبلي
هل كان هو المجنون الرقيق النحيل؟
أم فرهاد القوي؟ أم جميل الباقي على العهد؟
أم هو واحدٌ
من آلاف السعداء — التعساء؟
لقد أحبَّ! وأنا مثله أحب،
وأحسُّ به.
•••

أمَّا أنت يا زليخا فتستريحين
على الوسادة الناعمة
التي أعددُتها وزينتها لك.
وأنت كذلك تُحِسين، عندما تصحين «فجأة»
بالرعشة تسري في أعضائك.
إنه هو الذي يناديني، هو حاتم.
أنا أيضًا أناديك: حاتم! آه يا حاتم!
٩
مبعوث الشاهنشاه
مبعوثُ الشاهنشاه،
طوَّفتُ بلاد الله،
فتَّشتُ بكل مكان،
وتأملتُ الأركان،
ما من سُنبلة خضرا
إلا أعطتني الخيرا،
لكني لم أرَ بلدًا
تفضُل بلدتكم أبدًا،
تحرسُها عينُ الرب
وتُفيض عليها الحب
فليهنأ شعب الروس
بملائكة الفردوس
(وعروس بعد عروس!)
١٠
رائعٌ كالمِسك أنت
رائع كالمسك أنت،
حيثما كنت يفوح العِطر منك
وتشي الأنفس بك.
١١
قال الهدهد
قال الهدهد:
«بنظرةٍ واحدة،
باحت بكلِّ شيء،
ولقد سعدتُ بسعدكم
كالعهد بي على الدوام
فأحبُّوا إذن!
انظروا في ليالي الفراق،
(تَرَوا) النقشَ المرسومَ على النجوم،
حبكم يسطع مجده ويبقى
في صحبة القوى الأبدية.»
١٢
أسألكم هل تعرفون
أسألكم هل تعرفون يا تُرى ما اسم الحبيب؟
وأي خمر أنتشي بمدحها وأستطيب؟

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:51 pm
جوته والأدب العربي
لشاعر الألمان الأكبر كتاب يتضوع بعبير الشرق وأنفاسه، وتسري فيه روح الإسلام بسماحتها وحكمتها، وقناعتها واعتدالها. ويُعدُّ هذا الكتاب الذي سماه الديوان الشرقي-الغربي أو الديوان الشرقي للمؤلف الغربي من أجمل أعماله وأكثرها رقة وسخرية وعذوبة. ولقد شاء الشاعر الكبير أن يتقمص شخصية الباحث التاريخي والحضاري المتمكن، فعقَّب على ديوانه تعليقات وافية، أضاف إليها عددًا من البحوث والتعليقات التي تُعين قارئه الغربي على تفهُّم عالم الشرق والإسلام، وتعرُّف شعرائه من عرب وعجم، بقدر ما أسعفته مذكرات الرحَّالة ودراسات المستشرقين وترجماتهم التي استطاع التوصُّل إليها في ذلك الحين.

ومع أن جوته قد اقتصر في كلامه عن العرب على الحديث عن المعلقات وشعرائها، وعلى ترجمة قصيدة مشهورة لشاعر جاهلي هو «تأبط شرًّا» وجد أنه لا يختلف في روحه اختلافًا كبيرًا عن أولئك الشعراء الكبار، فإن أوراقه ودراساته التي مهَّدت للديوان تشهد بأن معلوماته عن الأدب العربي تفوق ذلك بكثير، فهو مثلًا قد عرف بعض المجموعات الشعرية العربية — منها حماسة أبي تمام — كما عرف مجموعة من الأمثال والحِكم العربية، وقرأ جزءًا كبيرًا من ألف ليلة وليلة، إلى جانب أنه ذكر اسم المتنبي ذكرًا عابرًا في معرض كلامه عن الرسول ﷺ، وفي إحدى قصائد الديوان الشرقي، وإن لم يعرف في الحقيقة شيئًا يُذكَر عن شاعر العربية الأكبر. ونستطيع أن نقول اليوم في شيء من الحسرة والأسف إنه لو قُدِّر له أن يعرف شيئًا عن الترجمات الألمانية المتأخرة لشعر المتنبي والمعرِّي ومقامات الحريري وغيرها، فربما كان اهتمامه وحماسه للأدب العربي قد زاد أضعافًا مضاعفة عما نعرف عنه في اليوم. مهما يكن من شيء فسوف أقصر حديثي هنا على تأثره بشعراء المعلقات، وبروح الإسلام من كتابه الكريم، محاولًا أن أبيِّن مدى تأثره بهما في إنتاجه.

والمعلقات هي أعلى كنوز الأدب العربي قبل الإسلام، وقد يختلف مؤرخو الأدب في عدد هذه القصائد المشهورة بالقصائد السبع الطوال وفي مدى أصالتها، وذلك منذ أثار طه حسين الشك حولها في كتابه المعروف عن الأدب الجاهلي، إلا أنهم سيتفقون بلا جدال عن الإعجاب بشاعر غربي اهتم بهذه القصائد أيما اهتمام، وراح يبحث عنها في ترجماتها المختلفة بكل الوسائل التي تيسرت له في عهده، بل بلغ إعجابه بها أن ترجم عددًا من أبيات معلقة امرئ القيس ثُمَّ تأثر بها بعض التأثر في إنتاجه. ويبدو أن التفسير اللفظي لكلمة المعلقات من أنها قصائد تُكتَب بالذهب ويعتز بها العرب في الجاهلية فيعلقونها على الكعبة الشريفة، لعل هذا التفسير الخرافي الجميل كان من أقوى الأسباب التي جعلت الشاعر الألماني يُعجب بها كل هذا الإعجاب.

عرف جوته سبع معلقات، وصلت إليه في ترجمة لاتينية قام بها المستشرق الإنجليزي وليم جونز وظهرت مع الأصل العربي في لندن سنة ١٧٨٣م تحت هذا العنوان: «المعلقات أو القصائد العربية السبع التي كان معلقة على الكعبة». ولعل أوفى تعليق على هذه القصائد هو ما نجده في التعليقات والبحوث التي ألحقها جوته بالديوان الشرقي في الفصل الذي خصصه للعرب حيث يقول:١
ونحن نجد لدى العرب كنوزًا رائعةً في المعلقات. وهي قصائد مديح فازت في المباريات الشعرية، ونُظمت قبل عهد محمد، وكُتبت بحروف من ذهب وعُلِّقت على أبوب بيت الله الحرام في مكة. وهي تُعبر عن أمة بدوية محاربة، تعذبها من الداخل المنازعات المستمرة بين القبائل المتعددة، وتُصوِّر التعلق الراسخ برفاق القبيلة، كما تصور حب الشرف والشجاعة، والشهوة العارمة للأخذ بالثأر التي يخفف منها الحزن في الحب والكرم والتضحية، وكل هذا بغير حدود. وهذه الأشعار تعطينا فكرة وافية عن الثقافة العالمية التي تميزت بها قبيلة قريش التي نشأ فيها محمد نفسه، وتزداد قيمة هذه القصائد البديعة وعددها سبع، بما يغلب عليها من تنوع شديد.

ثُمَّ يعزز قوله بما ذكره عنها وليم جونز عندما وصفها بقوله:
إن معلقة «امرئ القيس» لينة، مرحة، ناصعة، أنيقة، متنوعة الأغراض، رشيقة. أمَّا معلقة «طرفة» فجريئة، جيَّاشة بالعاطفة، متوثبة، ومع ذلك يشعُّ فيها شيء من البهجة. ومعلقة «زهير» حادة، جادة، عفيفة، حافلة بالوصايا الأخلاقية والحِكم المهيبة. ومعلقة «لبيد» خفيفة، غرامية، أنيقة، رقيقة، وهي تذكرنا بالرعوية الثانية لفرجيل؛ لأنه يشكو من كبرياء الحبيبة وتكبُّرها، ويتخذ من ذلك فرصة لتعداد فضائله والتفاخر بقبيلته. ومعلقة «عنترة» تبدو متكبرة، متوعدة، رصينة، فخمة، وإن كانت لا تخلو من جمال الأوصاف والصور. وعمرو (ابن كلثوم) عنيف، سامٍ، ميَّال إلى الفخر. أمَّا الحارث (ابن حلِّزة) فهو على العكس غني بالحكمة، والذكاء، والكرامة، كذلك تبدو هاتان القصيدتان الأخيرتان أشبه بخطبتين شعريتين سياسيتين مما كان يُلقى في الأسواق أمام جمهور من العرب لتسكين الحقد والعداوة المدمرة بين قبيلتين.

هنا يعبِّر جوته عن مختلف العواطف التي تصورها المعلقات، وأهمها ما يسميه «الحزن في الحب»، وهو قريب من البكاء على الأطلال الذي اشتركت فيه كل المعلقات، واختلف الشُّراح وما زالوا مختلفين حول تفسيره. ويظهر أن جوته قد أحس بهذه العاطفة أشد الإحساس وأقواه في معلقة امرئ القيس، الأمر الذي دفعه إلى الاهتمام بها، بل ترجمة جزء لا بأس به منها، مما كان له تأثيره بعد ذلك على إحدى قصائد الديوان الشرقي.٢
يرجع اهتمام جوته بهذه المعلقة إلى فترة مبكرة من حياته، عندما كان يبلغ من العمر أربعًا وثلاثين سنة. ويكفي أن نعلم أنه أرسل في نوفمبر سنة ١٧٨٣م إلى صديقه كارل فون كنييل رسالة يخبره فيها أن جونز المشهور (وهو المستشرق وليم جونز الذي سبق ذكره) قد ترجم القصائد السبع للشعراء العظام. ثُمَّ يقول عن القصائد: «إنها في مجموعها عجيبة مدهشة، وتحتوي على أجزاء بالغة اللطف والروعة، ولقد صممنا (وهو بهذا يقصد نفسه وصديقه هِرْدَر) على الاشتراك في ترجمتها.»

ونفَّذ جوته بالفعل ما صمم عليه، فترجم من معلقة امرئ القيس ثمانية عشر بيتًا مع تصرُّف قليل فيها. فلنرجع أوَّلًا لبعض منها لنرى بعد ذلك كيف تبدو في ترجمة جوته:

قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنزل بسَقط اللِّوى بين الدخول فحوملِ
فتوضح فالمقراة لم يعفُ رسمها لما نسجتها من نوب وشمألِ
وقوفًا بها صحبي عليَّ مطيهم يقولون لا تهلك أسًى وتجمَّلِ
وإن شفائي عَبرةٌ مُهراقةٌ فهل عند رسمٍ دارسٍ من مُعوَّلِ
وسنرى من ترجمة جوته لهذه الأبيات — أو بالأحرى من تعبيره عن معناها وانطباعها في نفسه! — التصرف الجميل فيها، وكيف أسقط أسماء الأماكن الكثيرة ليقتصر على إبراز العاطفة الأساسية:

قفا وخلِّنا نبكي هنا في مكان الذكرى
هناك كانت خيمتها على حافة الكثيب الرملي المتمايل
وما زالت الآثار قائمة لم تختفِ
وإن جعلت ريح الشمال وريح الجنوب
تنثر الرمال هنا وهناك
وبجانبي وقف الرفاق صامتين
وقالوا لا تهلك من الأسى وتجمَّل
فهتفت قائلًا: إن الدموع هي عزائي الوحيد.
(لا شك أن النتيجة محزنة ومضحكة معًا، فترجمة الشعر في حد ذاتها مشكلة عسيرة قلما توفق في أية لغة، فكيف الحال إذا كانت هذه الترجمة عربية لنص بالألمانية مترجم عن اللاتينية؟!)

مهما يكن من شيء، فهي شاهد على اهتمام شاعرنا المبكر بالمعلقات. ونحن نعلم اليوم أنه عاد إلى الاهتمام بها عام ١٨١٥م، أي بعد مرور أكثر من ثلاثين عامًا، عندما قرأ بعضًا منها للأميرة لويزة أميرة فيمار وغيرها من أصدقائه. ويبدو أن ما يقرؤه شاعر وينطبع على نفسه لا يمكن أن يمضي بغير أثر قريب أو بعيد. فها هي ذي الأيام والسنون تمرُّ بعد ترجمته القديمة لبعض أبيات امرئ القيس، وها هو ذا نفس الإحساس يتردد صداه مرة أخرى عن وعي في واحدة من أجمل قصائده في الديوان الشرقي، يُرجِّح معظم النقاد أنها كُتبت بعد وداعه لماريانة فون فيلليمير، وهي المحبوبة التي هام بها قلبه بعد أن شاخ وتجاوز الستين، وهذه القصيدة التي نُشرت بعد وفاته وضمها بعض ناشري الديوان الشرقي لكتاب العشق، يتردد فيها موضوع البكاء على الأحباب الذين فارقوه، والرغبة في ذرف الدموع التي لا ينفع معها عزاء. تقول القصيدة:

دعوني أبكي، يحوطني الليل
في الصحراء الشاسعة.
الجِمال راقدة، الرعاة كذلك راقدون.
والأرمني سهران يحسب في هدوء.
أمَّا أنا فأرقد إلى جواره، وأعدُّ الأميال
التي تفصلني عن زليخا، وأتفكر باستمرار
في الدروب الملتوية المزعجة التي تطيل الطريق.
دعوني أبكي، فليس هذا عارًّا.
الرجال الذين يبكون طيبون.
لقد بكى أخيل حبيبته بريزيس
والإسكندر بكى رفيق عمره الذي قتله بنفسه
دعوني أبكي، إن الدموع تُحيي التراب،
وها هو ذا يخضرُّ.
فالموضوع هنا هو فراق الأحباب، والعاطفة الغالبة هي الرغبة في إطلاق الدموع دون حاجة إلى خجل أو تبرير. وغنيٌّ عن الذكر أن هذا الموضوع الأساسي الذي تبدأ به المعلقات، ألا وهو البكاء على الأطلال، وسواء أكان جوته قد تنبه إليه بإحساسه كشاعر أم عرفه من ملاحظات المستشرق الألماني تيودور هارتمان ومن مقدمة ترجمته للمعلقات التي عكف عليها جوته في الفترة التي كان فيها مشغولًا بتأليف ديوانه الشرقي، فإن تأثير معلقة امرئ القيس على قصيدة السالفة وكذلك مطلع معلقتَي «طرفة بن العبد» و«الحارث بن حلزة» تأثير واضح لا شكل فيه. ولست أحب أن أحسب هذا التأثير بطريقة تشبه أن تكون رياضية كما فعلت الباحثة كاترينا مومزن التي أخذت توازن موازنة دقيقة بين أبيات قصيدة جوته وبين أبيات امرئ القيس وطرفة وغيرهما من شعراء المعلقات. ففي اعتقادي أن مثل هذه الطريقة المضنية ربما لا تؤتي الثمار التي توازي ما بُذل فيها من جهد وعناء. إن الشاعر العظيم يتأثر من هنا ومن هناك، ومن العبث أن نحسب مقدار هذا التأثر بالقلم والمسطرة. ثُمَّ إن القصيدة الشعرية الجديرة بهذا الاسم تنطوي على شيء لا يمكن قياسه أو تحليله وتشريحه، شيء ينبعث من انطباعها الإنساني والجمالي في نفوسنا؛ لأنه كالحياة ذاتها لا سبيل إلى قياسه أو تحديده. والمهم على كل حال أن نعرف أن المعلقات كانت الأثر الأدبي الذي استطاع أكثر من أي أثر في الأدب العالمي أن يلفت انتباه شاعرنا إلى هذه التجربة الخالدة، تجربة فراق الأحباب والبكاء عليهم، وليس هذا بالشيء القليل.

وهناك قصيدتان أخريان من قصائد الديوان الشرقي، الأولى: هي قصيدة «هجرة» التي يفتتح بها الديوان، والثانية هي قصيدة «من أين لك هذا، وكيف جاء إليك» من كتاب الضيق أو كتاب السخط وسوء المزاج (رنج نامه) في نفس الديوان. والقصيدة الأولى توحي بجو الشرق عامة وبالحياة البدوية بوجه خاص بكل ما فيها من شهامة وكرم وشجاعة ونزوع إلى الحرب والأخذ بالثأر. وكلتا القصيدتين تشير إلى الجو العربي الذي عاش فيه الشاعر في أثناء تفكيره فيهما وكتابته لهما. وسأكتفي هنا بالقصيدة الأولى نظرًا لضيق المقام. وأكرر ما ذكرته من أنني لا أحب أن أضل بالقراء في متاهات البحث والمقارنة والتحليل التفصيلي لهذه القصيدة، فأنا من المؤمنين بأن الخلق الفني — بعد كل تحليل ودراسة علمية مشروعة! — ينبغي أن يحتفظ بسره المعجز، ولو جردناه من هذا السر لفقد أغلى ما فيه، ولذلك فسوف أكتفي بذكر الأثر العام الذي تركته الحياة البدوية والفطرية على هذه القصيدة؛ لأعفي القراء من تفصيلات مرهقة.

تقول قصيدة الهجرة (وهي من كتاب المغنِّي):

الشمالُ والغرب والجنوب تتناثر وتنهار
العروش تُثَلُّ، والممالك تضطرب،
فهاجِر أنت إلى الشرق الطهور
لتستروح نسيمَ الآباء الأولين،
هنالك حيث الحبُّ والشراب والغناء
سيردُّ عليك نبع الخضْر ريعان صِباك.
إلى هناك حيث النقاء والحق،
أريد أن أتغلغلَ بأجناسِ البشر
إلى أعماق الأصل البعيد
حيث كانوا يتلقَّون منَ الله
وحيَ السماء بلغات الأرض
ولم يحطِّموا رءوسهم بالتفكير،
وحيث كانوا يُجلُّون الآباء
ويأبون الخضوع للغرباء،
هنالك أودُّ أن أتملَّى من أفق الفطرة المحدود،
حيث الإيمانُ واسع، والفكر قانعٌ محدود
وحيث الكلمةُ ذات شأن كبير
لأنها كلمة مُنزَّلة تنطق به الشفاه،
أريد أن أُعاشر الرعاة
وأستروحَ ظلالَ الواحات
حين أرتحل مع القوافل
وأتاجر في البن والمسك والشيلان.
أريد أن أسلك كلَّ سبيلٍ
من البوادي والقِفار إلى المدن والحواضر
وبينما أصعدُ النِّجادَ وأهبِطُ الوِهاد
تبعث أغانيك، يا حافظ، السلوى والعزاء.
وحين يترنم الحادي
من فوق ظهر دابته بغنائه المسحور
ليُوقظ النجوم ويُفزعَ اللصوص والأشقياء
أريد أن أحيِّي ذكراك، يا حافظ المُقدس
في الحمَّامات وفي الحانات
عندما ترفعُ المحبوبةُ الخِمار
وتهزه فتفوح غَدائلها برائحة العنبر.
أجل إن همسات الشاعر بنجوى الحب
لتدفع الحوريات أنفسهن إلى العشق
إن أردتم أن تحسدوه على هذا النعيم
أو شئتم أن تُعكِّروا عليه صَفوه
فاعلموا أن كلمات الشاعر
تحوم دائمًا حول أبواب الفردوس
تطرُقها في همسٍ وهدوء
وتطلب حياة الخلود.
والنظرة العاجلة تبيِّن لنا كيف تعبِّر هذه القصيدة عن تجربة دينية شاملة كوَّنها جوته على مدى عمره الطويل، وامتزجت فيها روحُ الديانات الكبرى مع حكمة الحياة التي قضاها في النشاط والعمل والإقبال على مباهج الدنيا وأسرار الكون. وعنوان القصيدة نفسه مكتوب بنطقه العربي ورسمه الفرنسي، وفيه إشارة واضحة إلى هجرة النبي ﷺ، فضلًا عن الحنين الظاهر إلى الشرق، وشوق الشاعر للارتحال مع القوافل إلى بلاد الآباء والرسُل والهُداة، والحياة بعيدًا عن اضطرابات القارة الأوروبية وحروبها في تلك الفترة العصيبة بين سنتَي ١٨١٢م و١٨١٤م؛ ليتملي من عادات الشرق وأحواله، ويتنسَّم عطره وطُهره وصفاءه، ويرجع إلى المصدر الأصلي للوحدة والنقاء. وليس ما يمنع أيضًا من أن يتاجر في نفائسه وبضائعه، ولو أدَّى الأمر إلى أن يصبح واحدًا من الرعاة والأعراب! وتردُّد أسماء كالخضر صاحب موسى الكليم في الروايات الإسلامية (التي تقول إنه كان قائد جيش ذي القرنين ووزيره، والوحيد الذي أُتيح له أن يشرب من عين الحياة فيُكتب له الخلود) ثُمَّ تردُّد كلمات الفردوس والقوافل والعنبر والجِمال وخمار الحبيبة، كل هذا يدل على تأثير الشرق بوجه عام. فهل توحي القصيدة مع هذا بتأثير الشعر الجاهلي؟ إن النظر السريع يشير إلى شوق الشاعر إلى بلاد تعيش على الفطرة والطبيعية والبساطة الأولى، وتسير فيها قوافل البدو منتقلة بين الحضر والبادية، أي يعيشون كما نقول اليوم في عصر الحضارة الشفاهية لا الكتابية، ويحيون حياة أبيَّة ترفض الذل والخضوع للطغاة والغرباء. وهذا كله يوحي بتأثير الشاعر بما قرأه عن الحياة العربية في الجاهلية، وما عرفه من ترجمة المستشرق هارتمان للمعلقات ومن تعليقاته عليها ومقدمته الوافية لها، ثُمَّ مناقشته اليومية الطويلة مع المستشرق «باولوس» في أثناء زيارته لمدينة هيدلبرج (بين ٢٤ سبتمبر و٩ أكتوبر سنة ١٨١٤م) عن الحياة العربية والأدب العربي.

لا مجال هنا للوقوف عند الرسائل والمذكرات اليومية وسجلات المكتبات التي استعار منها الشاعر هذا الكتاب أو ذاك. فلا شك في تأثُّر جوته بعالم الشرق بوجه عام، سواء في ذلك شعر حافظ والجامي والسعدي أو قراءته في القرآن الكريم وسيرة الرسول ﷺ. والشيء الذي أحب أن ألفت الانتباه إليه هو أن قصيدة الهجرة بالذات بالغة الدلالة على الديوان الشرقي كله، بل إنها — على حد قول الشاعر نفسه — تعطينا على الفور فكرة كافية عن معنى الديوان وغايته. وهي إلى جانب هذا بالغة الدلالة على حنينه إلى حياة الفطرة والأصالة والطبيعة التي يتميز بها الشعر في نشأته الأولى، كما يتميز بها شعرنا العربي في الجاهلية. ولقد تكلم الشُّراح كثيرًا عن أوجه الشبه بين قصيدة الهجرة وبين قصيدة «دعوني أبكي» التي ذكرناها من قبل، وبخاصة أن الموقف فيهما واحد، وهو موقف الشاعر الذي يرتحل مع القوافل، ويجد نفسه سعيدًا بين الرعاة والحُداة في الصحراء. ولعل المقطوعة الثالثة من القصيدة أن تكون أقرب أجزائها إلى جو الحياة البدوية التي تُعدُّ المعلقات أو في سِجلٍّ لها، كما هي أوضحها في الثناء على حياة الفطرة المحدودة التي يتسع فيها الإيمان ويضيق الفكر، وإبراز فضل الكلمة المنطوقة التي هي من وحي السماء على الكلمة المكتوبة أو المطبوعة التي تزهو بها حضارتنا اليوم أكثر مما ينبغي.

أريد أن أبتهج بحدود الشباب
حيث الإيمانُ واسعٌ والفكر ضيقٌ قانع
وحيث الكلمةُ ذات خطرٍ كبير
لأنها كانت كلمة تفوهُ بها الشفاه.
وقد يكون صحيحًا ما أثبته البحث التاريخي الذي قامت به السيدة كاترينا مومزن من تأثر جوته تأثُّرًا مباشرًا بالمقدمة التي كتبها المستشرق هارتمان لترجمته للمعلقات وأشار فيها إلى اتساع الإيمان وضيق الفكر عند الشعوب التي تعيش على حال الفطرة والطفولة، ثُمَّ إشارته إلى أهمية الكلمة المنطوقة عند أصحاب هذه الحضارات الفطرية التي لم تتقدم تقدُّمًا ماديًّا ولا عقليًّا كبيرًا.

قد يكون هذا صحيحًا، فالعمل الفني الحق يحتمل تفسيرات كثيرة، وهذا دليل خصوبته وغناه.

ولكن لا مجال هنا للسير في هذا الطريق الطويل، ويكفي أن نعلم أن شاعرنا تأثر بجو الحياة العربية الجاهلية وبالمعلقات بوجه خاص. وإن أردنا مزيدًا من الدقة فيما يتصل بهذه القصيدة، فإن البيتين الثالث عشر والرابع عشر اللذين يقول فيهما:

هناك حيث كانوا يُجلُّون الآباء
ويأبون على أنفسهم طاعة الغرباء.
يتردد فيهما صدى موضوع من أحب الموضوعات إلى شعراء الجاهلية، وهو الإباء والكبرياء وعزة النفس التي ترفض الخضوع للطغاة والغرباء، وهو موضوع يتردد في المعلقات وبالأخص في معلقات «لبيد» و«عمرو بن كلثوم» و«الحارث بن حلزة»، ويكفينا أن نقرأ هذه الأبيات من معلقة عمرو بن كلثوم.

ألا يعلم الأقوام أنَّا تضعضعنا وأنَّا وقد ونينا
بأي مشيئةٍ عمرو بن هند تُطيع بنا الوشاة وتزدرينا
تهدَّدنا وأوعدَنا رويدًا متى كُنَّا لأمك مقتوينا
فإن قناتنا يا عمرو أعيت على الأعداء قبلك أن تلينا
ومن العبث أن نسترسل وراء النصوص التي تشير بعزة العربي وإبائه وكرمه، فذلك شيء ليس له آخر، ويكفي أن نذكر هذا البيت المشهور الذي تنتهي به المعلقة السابقة:

إذا بلغ الفطامَ لنا رضيعٌ تخرُّ له الجبابرُ ساجدينا
وحسبنا على كل حال أن الشاعر الكبير قد عبَّر عن حنينه إلى الشرق الطاهر الصافي، حيث يتنسم ريح الآباء والأجداد والمرسلين والهداة، ولا يُكره أن يوصف بأنه مسلم يسافر مع القوافل إلى حيث تسافر، ويتاجر في الشيلان والبن والمسك والعنبر. فالمهم أن قصيدة «الهجرة» توحي بجو المعلقات، وأن ربطها بها ييُسِّرُ لنا فهمها ويزيده عمقًا.

ولا نستطيع أن نترك هذا الموضوع قبل أن نذكر قصيدة «تأبَّط شرًّا» التي أُعجب بها جوته أيما إعجاب عندما قرأها في ترجمة لاتينية للمستشرق الألماني فرايتاج، ثُمَّ ترجمها بتصرف يليق بشاعر كبيره مثله، وضمها إلى تعليقاته وبحوثه التي ألحقها بالديوان الشرقي في الفصل القصير الذي تكلم فيه عن العرب، ومهَّد لها بكلمة موجزة عنها فوصفها بأنها قاتمة، بل مشبوبة نهمة إلى الأخذ بالثأر والانتشاء به. وقراءة النص الأصلي للقصيدة يحتاج إلى شرح كلماتها العسيرة، فلنكتفِ بذكر هذين البيتين اللذين تبدأ بهما:

إن بالشِّعْب الذي دون سَلْع لقتيلًا دمه ما يطل
خلَّف العبء عليَّ وولَّى أنا بالعبء له مستقل
أقبل جوته على ترجمة القصيدة بحماس وحب لا نظير له، وقسَّم ترجمته لكل بيت منها إلى مقطعات تقع كل منها في أربعة أسطر، تؤلف في جملتها ثماني وعشرين مقطوعة.

والمدهش حقًّا أن الشاعر فهم القصيدة فهمًا تامًّا، واستطاع أن يتمثَّل معانيها الغريبة عليه، ويعبر عنها بشعر سلس بسيط، لا يكاد يترك معنًى من معاني تأبط شرًّا دون أن يسجله. إنه يقول معبِّرًا عن مدى إعجابه بالشاعر العربي وعن صدقه في الانفعال بقصيدته: «يكفي القليل لفهم هذه القصيدة، فإن عظمة الخلق، والصرامة، والقسوة المشروعة للفعل هي عصب هذا الشعر.»

والمقطوعتان الأوليان تقدِّمان عرض الواضح، وفي الثالثة والرابعة يتكلم الميت ويلقي على قريبه عبء الثأر له. والخامسة والسادسة ترتبطان من حيث المعنى بالأولى، وتقفان من الناحية الشعرية الغنائية في غير موضعيهما. ومن السابعة حتى الثالثة عشرة نجد تمجيدًا للميت يهدف إلى الإحساس بفداحة الخسارة، ومن الرابعة عشرة حتى السابعة عشرة نجد وصفًا للغارة على الأعداء. والثامنة عشرة ترجع القهقري، والتاسعة عشرة والعشرون كان من الممكن أن توضعا مباشرة بعد المقطوعة الأولى، والحادية والعشرون والثانية والعشرون يمكن أن توضعا بعد المقطوعة السابعة عشرة، ثُمَّ تأتي نشوة الانتصار والمتعة في مأدبة الاحتفال، أمَّا الخاتمة فنجد فيها اللذة المخيفة لرؤية الأعداء فرائس للضباع والنسور. وأروع ما في هذه القصيدة في رأينا هو أن النثر الخالص الذي يصور الفعل يصير شعريًّا بنقله مختلف الحوادث من مواضعها. ولهذا السبب، ولأنها تكاد تخلو خلوًّا تامًّا من كل تزويق خارجي، يزداد جلال القصيدة، ومن يقرؤها بإمعان لا بُدَّ أن يرى الأحداث من البداية حتى النهاية وهي تنمو وتتشكل أمام خياله.٣
وننتقل إلى ميدان آخر فنجد مجموعة من الحِكم المنظومة التي كتبها جوته في أواخر حياته وسجَّل فيها حكمة شيخوخته وسخطه على معاصريه من شعراء وعلماء وأدعياء، في حِكم لاذعة ساخرة. واسم هذه المجموعة هو Zahme Xenien، أي الحِكَم الساخرة الأليفة، تمييزًا لها عن مجموعة أخرى نَظَمها قبل ذلك بسنوات طويلة بالاشتراك مع صديقه شيلر. وتاريخ نشأة هذه الأشعار القصيرة يحوطه الغموض من كل ناحية. وإذا كُنَّا نعلم اليوم أنه بدأ في نشرها سنة ١٨٢٠م، فإننا لا نعلم على وجه التحديد متى بدأ في كتابتها. ولكن الشواهد تدل على كل حال على أنه شُغل بها ابتداء من سنة ١٨١٥م، فنحن نجد في مذكراته اليومية (بتاريخ ٢٥ من ديسمبر سنة ١٨١٦م) هذه الملاحظة العجيبة «زهير»، وبهذا يسجل للمرة الأولى بوضوح اسم أحد شعراء المعلقات. وقد ثبت للباحثين أنه كان مشغولًا في تلك الفترة — التي تدفقت عليه فيها أغاني الديوان! — بقراءة المعلقات. والظاهر أن زهيرًا بالذات كان قريبًا من فكره وإحساسه في ذلك الحين.
ومُعلَّقة زهير تفيض بالأبيات التي تصور حكمته، كما تعبر عن سأم الشيخوخة وزُهدها وصرامتها وتأملاتها في مصائر البشر والقَدَر والموت والحياة. وهذا الموضوع نفسه هو الذي يأتي في المقام الأول في حِكَم جوته اللاذعة. ولو قارنَّا بين بعض أبيات زهير وبين بعض هذه الحكم لوجدنا تقابلًا مذهلًا، يسمح لنا أن نفترض وجود تأثر مباشر لا شك فيه.

فحين يقول زهير:

وإن سفاه الشيخ لا حِلْم بعده وإنَّ الفتى بعد السفاهة يَحلُم
فإن جوته يتحدث عن أخطاء الشيخوخة التي لا تُغتفر ويقول:

إذا كان الشابُّ أحمق سفيهًا
عانى من ذلك أشد عناء
والشيخ لا ينبغي أن يكون سفيهًا
لأن الحياة عنده أقصر من ذاك.
وكلا الشاعرين يردد كلمة الشيخ والشاب، كما أنهما يوشكان أن يعبرا عن نفس الموضوع بنفس الكلمات. وجوته قد انشغل في هذه الحِكَم كما قلت بالشيخوخة وآلامها وأخطائها، وكيف أن هذه الأخطاء لا تُحتمل من شيخ ولا تليق به، في حين أنها عند الشاب أمر يمكن تداركه في المستقبل.

ويكفي أن نقرأ هاتين الحكمتين لنتأكد من ذلك مرة أخرى:

كُفَّ عن التفاخر بالحكمة
فربما كان التواضع أخلق بالثناء
إنك لا تكاد تقترف أخطاء الشباب
حتى تراك مضطرًّا لاقتراف أخطاء الشيخوخة.
أو حين يقول:

إن الشباب يطولُ به العجب
إذا رأى أخطاء تتسبب في أذاه،
هنالك يثوب إلى نفسه، ويفكِّر في الندم
أمَّا في الشيخوخة فلا يندهش المرء ولا يندم.
وإذا كان أحد أبيات معلقة طرفة يقول:

أرى الموتَ أعداء النفوس ولا أرى بعيدًا غدًا ما أقرب اليومَ من غد

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:52 pm
وكان البيت الثاني عشر من معلقة عمرو بن كلثوم (في شرح الزوزني) يقول:

وإن غدًا وإن اليوم رهنٌ وبعد غد بما لا تعلمينا
وإذا رأينا زُهيرًا يعبِّر عن هذه المعاني نفسها بصورة أوضح وأدل في البيت القائل (وإن سفاه الشيخ …) ثُمَّ رأينا جوته يطرق هذه المعاني في مجموعة من حِكمه السابقة، فلا يمكن أن يكون ذلك بمحض المصادفة بعد أن أثبت البحث أنه كان مشغولًا بالمعلقات عندما نظم تلك الحِكَم الأليفة اللاذعة. ها هو ذا يقول في البيت الثاني والخمسين والأبيات التالية له من القسم الأول من حِكَمِه ما يؤكد الشبه الشديد في اختيار الكلمات وفي الفكرة نفسها، بحيث لا يمكن كما قلت أن يكون هذا التشابه بينهما وبين أبيات زهير وليد الصدفة:

دائمًا ما يكون الشيخ هو الملك لير
فما تعاون يدًا في يد، وما كافح
قد انقضى من زمن بعيد
وما أحب معك أو فيك وتعذب
قد تعلق بشيء آخر.
الشبابُ هنا موجودٌ لذاته
ومن الحُمق أن أسألك فأقول:
تعال، وشِخ أنت معي.
وإذا كان زهير قد ضجر من طول العمر وسَئِم تكاليف الحياة بعد أن بلغ الثمانين:

سئمتُ تكاليف الحياة ومَن يعشْ ثمانين حولًا لا أبَا لك يسأم
فيبدو أن هذا قد حفزَ جوته إلى معارضته، وتأكيد حبه واحترامه للحياة. ويكفي أن نقرأ معًا هذه الأبيات لنجد أنها تعيش في جو زهير ولبيد:

يحب أبناؤك أن يسألوك
نودُّ لو طال بنا العمر.
بأي درس تراك تنصحنا؟
ليس من الفن أن تشيخا
فالفنُّ في الصبر والصمود.
أو حين يقول في موضع آخر:

تركتُ نفسي عن طيب خاطر
أتعلم من الصالحين والحكماء
ولكنني كنت أريد الاختصار
فلست أطيق الأحاديثَ الطوال.
ما الذي يتوق إليه المرءُ في آخر المطاف؟
أن يعرف العالم ولا يحتقره.
أو حين يقول أخيرًا في هذا البيت:

إن كنت مثلي قد خبرتَ الحياة
حاول إذن مثلي حب الحياة.
ويتوِّج هذا كله الرباعية الأخيرة من القسم الرابع من الحِكَم اللاذعة وهي التي تقول:

كلما كان أمسُك واضحًا وصريحًا
استطعت اليوم أن تُقْبلَ على العمل في قوة وحرية
كما استطعت أن تأمل في غد
لا يقلُّ عنه سعادةً وبهجة.
وهناك حكمة تكاد تلتقي التقاءً تامًّا مع إحدى حِكم زهير عن الشيخوخة، بحيث نستطيع أن نقول إن جوته لا بُدَّ أن يكون قد فكَّر فيها كثيرًا وهو يكتب أبياته، وأعني بها الحكمة التي يعبر عنها البيت المشهور لزهير — لا في المضمون وحده بل كذلك في الكلمات — فقد عبَّر عن هذا التأثير تعبيرًا يتفق مع أصالته وذاتيته. وإن جاز لنا أن نعجب للتقابل بين الحكمتين، فلا يصح أن نُفاجأ بالتعارض بينهما في النهاية. تقول حكمة جوته، وهي الحكمة قبل الأخيرة من القسم الرابع من مجموعة الحكم اللاذعة:

إن أسوأ ما نلقاه
نتعلَّمه من اليوم الذي نحياه
من رأى في الأمس يومه
فلن يكون يومه شديدَ القرب منه
أمَّا من رأى غده في يومه
فذلك الذي ينشط ولا يهتم.
وتكرار كلمات كالأمس واليوم والغد موجود لدى الشاعرين، بل إن الشاعر الألماني يتفق مع الشاعر العربي اتفاقًا حرفيًّا في التعلم من اليوم أو العلم به، حتى لنستطيع أن نقول إن جوته قد كتب الأبيات الأولى وهو يفكِّر تفكيرًا واضحًا في أبيات زهير. ولكن الشاعرين لا يلبثان أن يختلفا وتتفرق بهما السبل، وهذا أمر طبيعي كما قلت. فكلاهما يتعلم من الأمس واليوم، وكلاهما يسأل عن الغد المجهول، وكيف ينبغي أن يقف الإنسان منه. والشاعر العربي يجهل كل شيء عن هذا الغد، ويؤكد في مرارة واستسلام أنه عن عِلم ما في غدٍ عَمٍ، أمَّا الشاعر الألماني الذي عاش حياته يؤكد قيمة اللحظة الحاضرة ويُمجِّد من يملئونها بالنشاط والعمل المثمر (وفاوست كلها تدور حول هذا المعنى!) فلا يلبث أن يخالف صاحبه العربي، فنراه يعبر من جديد عن حبه واحترامه للحياة وإيمانه بأن من يُنصف الحاضر ويؤدي واجبه فيه فلن يظلمه الغد أبدًا ولن يخزيه. وهكذا ينتهي جوته نهاية تتفق مع تجربة حياته وروح أدبه، في حين انتهى زهير نهاية تتفق كذلك مع تجاربه وروح عصره المضطرب.

هنا أتوقف عن هذه الموازنة لأكرر ما سبق أن أكدته من إيماني بسر الخلق والإبداع، فالمقارنات والمقابلات قد تلقي الضوء على هذا الأثر الأدبي أو ذاك، ولكنها لن تستطيع أن تكشف النقاب عن سره الدفين. وربما كانت قوة هذا السر وغموضه في أنه يخاطبنا بوصفنا بشرًا نتعذب نفس العذاب ونحس نفس المصير، أعني أن يعلو فوق اختلاف القوميات واللغات وأشكال التعبير. ولو سأل سائل: ما الفائدة من المقارنات السابقة لأجبته: ليس القصد منها أن نتباهى بفضل أجدادنا على غيرنا، فهذا شيء لا يلجأ إليه إلا المفلسون الذين يُنقِّبون في ماضيهم الخصيب عن شيء يُبرر حاضرهم الجديب، وأرجو ألا نكون قد وصلنا إلى هذه الحال! إنما القصد أن نُجرِّب كيف تعيش الفكرة الواحدة في ضميرين وعند القصد أن شاعرين يختلف كل منهما في ثقافته ومزاجه ولغته وجنسه، فربما نتعلم من هذا كيف ننظر إلى لحظات الخَلْق والإبداع نظرة الاحترام والإجلال، كما نتعلم أن الفن الحقيقي هو الشيء الذي يستطيع أن يوحِّد بين البشر، ويجمعهم على التفاهم والمحبة والاحترام والإنصاف.

(١) جوته والإسلام
وأخيرًا نسأل: ما علاقة جوته بالإسلام؟

والسؤال بديهي، فلا يمكن أن يكون الشاعر الألماني الأكبر قد عرف شيئًا عن الأدب العربي دون أن يعرف شيئًا عن الإسلام أو يتخذ موقفًا منه، أضف إلى هذا أن اللغة العربية قد شَرُفَت بالإسلام الذي جعل منها لغة حضارية انتشرت في آفاق الأرض، ونسخت غيرها من اللغات القديمة، وفتحت لها ملايين العقول والأفئدة. ومستحيل أن يكون الشاعر قد اهتم بالأدب العربي دون أن يكون قد اهتم بالإسلام، وسوف أقصر كلامي هنا على جانب واحد هو مدى تأثير الدين الإسلامي على أدبه.

الحق إن صلة جوته بالإسلام ونبيه الكريم ﷺ بدأت منذ شبابه المبكر وصاحبتْه في كهولته وشيخوخته، ونستطيع أن نقول بوجه عام إنه كان يشعر بتعاطف عميق مع الإسلام أكثر من غيره من الديانات غير المسيحية.

فهو في الرابعة والعشرين من عمره يؤلف أغنية تُمجد الرسول ﷺ وتصوِّره في صورة نهر رائع متدفق، وهو في السبعين من عمره يعترف صراحةً بأنه يفكر منذ زمن طويل في أن يحتفي في خشوع بتلك الليلة المقدسة التي نزل فيها القرآن على النبي ﷺ، وبين السنتين حياة طويلة خصبة أظهر فيها الشاعر احترامه وتقديره للإسلام بمختلف الطرق. وتجلَّى هذا كما قلت في كتاب يُعدُّ إلى جانب فاوست من أعذب وأنقى أعماله، وهو الديوان الشرقي، الذي لم يكن ممكنًا أن يظهر إلى الوجود لولا صلته الحميمة بروح الإسلام التي تشيع فيه، ويكفي أن نتذكر العبارة التي كتبها في إعلانه عن ظهور هذا الكتاب وقال فيها إنه لا يكره أن يُشاع عنه أنه مسلم.

وليس مرجع هذه العلاقة الحميمة بالإسلام ونبيه الكريم أنه درس القرآن منذ شبابه دراسة وافية في ترجماته اللاتينية والإنجليزية والألمانية، بل حاول أن يتعلم اللغة العربية ويُجرب الكتابة العربية. وليس مرجعه أنه تأثر بأفكار عصر التنوير وما دعت إليه من تسامح ديني، بل لعل السبب الأكبر أنه وجد في الإسلام من الآراء والأفكار ما تصوَّر أنه يتفق مع عقيدته وفكره ومذهبه في الحياة (الذي نعلم اليوم مدى تأثره بفلسفة اسبنيوزا).

وأول ما يخطر على البال في هذا الصدد أن اهتمامه في شبابه بدراسة القرآن الكريم قد أوحى إليه بمشروع كتابة مأساة أو تراجيديا عن النبي. ولا شك أننا نأسف اليوم لأن هذه المأساة ظلت شذرة لم تكتمل ولم يبقَ منها إلا أغنية محمد التي كانت فاتحة الفصل الأول.

ومع ذلك يتضح من الأجزاء التي لدينا مدى إعجاب الشاعر بشخصية الرسول الذي رأى فيه نموذجًا للنبي الذي لم ينشر دعوته بالكلمة وحدها، بل عمد وجاهد وتحمَّل الأذى في سبيلها. ويتَّضح لنا هذا الحب والإعجاب بشخصية النبي الكريم في الأغنية المشهورة «أغنية محمد» التي كتبها وهو في الرابعة والعشرين من عمره، وكان يقصد بها في البداية أن تكون حوارًا بين علي وفاطمة. وهو يصور النبي في صورة النهر القوي المتدفق الذي يبدأ رقيقًا هادئًا ثُمَّ يصل إلى أقصى قوته وعنفوانه ويتسع حتى يصب في البحر المحيط (رمز الألوهية). ولعل هذه الصورة — وبخاصة عند جوته الشاب المعتز بعبقريته، المؤمن بأن له رسالة إلهية لا تقل شأنًا عن رسالة الأنبياء! — لعلها أن تكون تعبيرًا عن الشاعر نفسه، وهذه هي الأبيات التي تتمثل فيها هذه الصورة:

ها هو يجري في الوادي
متلألئًا بهيًّا،
والأنهار الجارية في الوِهاد
والجداول الهابطة من الجبال
تهتفُ به صائحةً: يا أخانا،
يا أخانا، خذ إخوتك معك،
خذنا إلى أبيك الخالد
إلى المحيط الأزلِّي،
الذي ينتظرنا
بذراعين مفتوحتين.
ثُمَّ تقول الأغنية بعد قليل:

خذ إخوتك من الوادي،
خذ إخوتك من الجبال،
خذهم معك إلى أبيك.
إلى أن تنتهي بهذه الأبيات:

هكذا يضم إخوته،
كُنوزه، أطفاله؛
إلى صدره الجيَّاش بالفرح
ليسلمهم إلى الإله المنتظر.
هذه الصورة لا تعبِّر كما قلت عن شخصية النبي وحده، بل تعبر كذلك عن شخصية الشاعر نفسه. فهو أيضًا قد عرف رسالته، وآمن بأنه يهدي الناس على طريقته، ويرقى بإخوته من البشر إلى حياة أسمى وأرفع. والحق أن جوته لم يتخلَّ عن هذه العقيدة طوال حياته، فظلت شاعريته تحمل هذا الطابع الديني، أو إن شئت هذا الطابع التربوي والأخلاقي الذي لا ينفصل عن الرسالة النبوية، كما ظل الملايين من الناس حتى يومنا هذا يعتبرونه هاديًا روحيًّا، أعني بالمعنى الأرحب بالكلمة.

ولا تكشف أغنية محمد عن إعجاب شاعرنا بشخصية النبي وحسب، بل تكشف كذلك عن إعجابه بركن أركان الإسلام، وهو التوحيد. ويظهر هذا في النشيد الذي يتغنى به محمد وحده في بداية المسرحية، تحت سماء ساجية متألقة بالكواكب والنجوم:

ليس في مقدوري أن أُفضي إليكم بهذا الإحساس،
ليس في مقدوري أن أُشعركم بهذا الشعور.
من يُصيخ السمعَ لضراعتي؟
من ينظر للعين المبتهلة؟
انظروا! ها هو يسطع في السماء، المُشتري النجمُ الصديق
كُن أنت سيدي، كن إلهي! إنه يلوح لي في حنان.
انتظر، انتظر، أتُحوِّل عينيك؟
ماذا؟ أيمكن أن أحب من يتخفَّى عني؟
مبارك أنت أيها القمرُ، يا هادي النجوم،
كُن أنت سيدي، كن إلهي أنت تضيء الطريق.
لا تتركني، لا تتركني في الظلام،
أيتها الشمس، أنت أيتها الشعلة المتوهِّجة التي يتبتَّل لها الفؤاد المشتعل
كوني أنت إلهي، قودي خُطاي، يا من تطَّلعين على كل شيء.
أوَتأفلين أنتِ أيضًا، أيتها الرائعة؟
إن الظلام العميق يُخيِم عليَّ.
ارتفع أيها القلب العامر بالحب لخالقك.
كُن أنت مولاي، كن إلهي، أنت يا من تُحبُّ الخلق أجمعين،
يا من خلقتني وخلقت الشمس والقمر
والنجوم والأرض والسماء.
هذه الأبيات تذكرنا بما جاء في القرآن الكريم في سورة الأنعام (٧٤–٧٩) في مناجاة إبراهيم لربه: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

والغريب أن هذه السورة وُجدت ضمن السور التي ترجمها جوته نفسه عن ترجمة ماراتشي اللاتينية، وتظهر فيها دقةُ الفهم وجمال الأداء وشاعريته، كما تتجلى تقواه وإيمانه بالطبيعية كمظهر من مظاهر القدرة الإلهية. ولعل عقيدته التي صاحبته طوال حياته وتأثر فيها أبلغ التأثر بمذهب اسبينوزا في وحدة الوجود — وهو المذهب الذي يتلخص في هذه العبارة المشهورة «الله أو الطبيعة» — لعل هذه العقيدة هي التي قرَّبته من الإسلام وجعلت له هذه المكانة في قلبه. ولا يصح أن نتهمه بعد هذا بأنه خلط في فهمه للإسلام بين وحدة الوجود — وهو شيء بعيد كل البعد عن روح الإسلام — وبين التوحيد. فربما يُغفر له أنه وجد في قراءاته للقرآن الكريم آيات كثيرة تؤيد إيمانه بأن الله يتجلى في كل مخلوقاته على اختلاف مظاهرها. ويكفي أنه أنصف الإسلام وقدَّره في وقت كان فيه المستشرقون يكادون يُجمعون على الافتراء عليه، ولم تكن الدراسات الإسلامية والعربية قد برئت بعدُ من التعصب، ولا وصلت — على الأقل عند عدد لا يُستهان به من الدارسين الغربيين — إلى درجة كافية من الحياد والإنصاف. ويكفي كذلك أن نعلم أن هذه الشذرة من مسرحيته التي لم تتم تختلف تمام الاختلاف عن مسرحية أخرى عن محمد كتبها فولتير وهاجم فيها الرسول أشد الهجوم. وإذا كان جوته قد ترجم هذه المسرحية الأخيرة وعرضها على مسرح «فيمار» الذي كان يتولى الإشراف عليه، فقد أثبت البحث الحديث أنه اضطر إلى ذلك تنفيذًا لرغبة كل من صديقه وراعيه كارل أوجوست أمير فيمار ووالدته وزوجته.

ولعل أكثر ما أعجب جوته في الإسلام وصادف هوًى من نفسه هو هذا التسليم المطلق لمشيئة الله، كما لاحظه في القرآن الكريم وفي أخلاق المسلمين. والأغرب من هذا أنه عاش طوال حياته مؤمنًا بهذه الروح الإسلامية التي أخطأ فهمها الغربيون والمسلمون أنفسهم في عصور التدهور، فكانت عزاءه في المحن والملمَّات. وما أكثر ما كان يقول حين تصيبه مصيبة فلا يجد أمامها سوى الصبر والإذعان والتسليم: «ليس لديَّ ما أقوله سوى أنني ألجأ هنا أيضًا إلى الإسلام.» قال هذا عندما مرضت زوجة ابنه مرضًا خطيرًا، كما كتب أيضًا في رسالة إلى إحدى صديقاته حين انتشر وباء الكوليرا من حوله في سنة ١٨٣١م:
لا يستطيع أحد أن يُشير على أحد بشيء، فليقرر كل امرئ بنفسه ما يشاء، نحن جميعًا نحيا في الإسلام أيًّا كانت وسيلتنا في التذرع بالصبر والشجاعة.

كان رأي جوته دائمًا أن الاطمئنان والتسليم بمشيئة عالية هما الأساس المكين الذي يقوم عليه التدين الصحيح، وهي مشيئة تدبر حياتنا وأقدارنا، ولا نستطيع أن ندرك كنهها لأنها تسمو على أفهامنا ومداركنا. وقد تمثَّلت له هذه العقيدة في الإسلام قبل أي دين آخر، فكان هذا هو سر احترامه له واهتمامه الطويل به. ويظهر أن اقتناعه بفلسفة اسبينوزا منذ شبابه، وإيمانه بمذهب الحتمية الذي قال به الفيلسوف الهولندي٤ ثُمَّ تصوره الخاطئ للتلاقي بين هذا المذهب وبين العقيدة الإسلامية في هذا الصدد، هو أحد الأسباب التي دفعته إلى دراسة الشرق بوجه عام والإسلام بوجه خاص. ومن الطريف أن نذكر أنه أقبل على العمل في ديوانه الشرقي على أثر مشاهدته لصلاة أُقيمت في إحدى المدارس في مدينة فيمار. فقد مرت بالمدينة في أوائل سنة ١٨١٤م فرقة من فرسان البشكير من رعايا الروس المسلمين كانت تتعقب جيوش نابليون المهزومة، فأُتيح له ولغيره من السكان أن يحيُّوهم ويشاهدوا صلاتهم عن كثب ويسمعوا آيات القرآن الكريم تُرتَّل أمامهم. وتصادف قبل ذلك بشهور معدودة أن رجع جماعة من الجنود الألمان إلى وطنهم فيمار بعد اشتراكهم في الحرب الإسبانية، وكانوا يحملون معهم صفحة من مصحف مخطوط عليها سورة «الناس»، وهي آخر سورة في ترتيب سور المصحف (١١٤). سُرَّ الشاعر أيما سرور بهذه الهدية، وطلب من المستشرق «لورزباخ» الذي كان أستاذًا بجامعة فينا أن يترجمها له، بل ذهب إلى أبعد من هذا وحاول أن ينسخها بنفسه.
كان هذا كله، إلى جانب قراءاته المتصلة في القرآن الكريم وعنايته بالاطلاع على سيرة الرسول، مما أعانه على أن يعيش في جو الإسلام، ويألف عالمه الفكري والروحي. ونستطيع اليوم أن نقول إنه لولا هذه الصلة الحميمة بالإسلام ما قُدِّر له أن يكتب ديوانه الشرقي، ولا قُدِّر له كذلك أن يتحرك في هذا العالم الغريب عنه بحرية وصفاء فيجدد شاعريته وشبابه، ويخلط الجد بالدعابة، ويعبِّر عن إعجابه بحافظ الشيرازي وحنينه للشرق واحترامه للإسلام، دون أن نسمع في الديوان كله نغمة شاذة أو نقرأ كلمة واحدة تؤذي شعور المسلمين. ولا بُدَّ أن إمعانه في دراسة القرآن هو الذي ألهمه بعدد كبير من قصائده، ويكفي أن نقرأ هذه الأبيات الأربعة المعروفة:

لله المشرق
لله المغرب،
الأرض شمالًا
والأرض جنوبًا
تسكنُ آمنة
ما بين يديه.
يكفي أن نقرأها لنتذكر هذه الآية الكريمة من سورة البقرة (١١٥): وَلِلهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.

وثمة أبيات أخرى من كتاب «المغنِّي» من الديوان الشرقي تقوم على سورة الفاتحة، ولعل الشاعر أن يكون قد كتبها وفي ذاكرته كذلك سورة «الناس» الذي ذكرت قصتها:

ينازعني الغيُّ والضلال
لكنك تعرف كيف تهديني.
اهدني أنت في أعمالي
وفي أشعاري الصراط المستقيم.
وهناك أبيات أخرى من نفس الديوان يبدو أن الشاعر قد تأثر فيه تأثُّرًا مباشرًا بهذه الآية الكريمة من سورة الأنعام (٩٧): وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ:

جعل لكم الكواكبَ والنجومَ
لتهتدوا بها في البر والبحر،
لكي تنعموا بزينتها
وتنظروا دائمًا إلى السماء.
كل هذه القصائد تردد صوتًا واحدًا، ألا وهو التسليم بالقَدر الذي رسمته مشيئة الله. ولو أردنا أن نتتبع هذا الصوت في ثنايا الديوان لطال بنا القول، ويكفي أن نشير إلى هذه الأبيات من كتاب الأمثال:

ربُّ الخلق قد دبَّر كل شيء
تحدد نصيبُك، فاتَّبعِ السبيل،
بدأ الطريق، فأتمَّ الرحلة.
أو إلى هذا البيت من كتاب التفكير على لسان جلال الدين الرومي:

إن أقمتَ في العالم فِر كالحلم،
وإن رحلت حدِّد القدر طريقك.
فمشيئة الله هي التي تحدد طريقنا وترسم حياتنا، ولولا إيمان جوته بوجود قُدرة عالية مدبِّرة للكون ولمصير الإنسان فيه، ولولا أنه وجد في العقيدة الإسلامية ما زاد من اطمئنانه إلى هذا الإيمان وقوَّاه في نفسه، لما كان من الممكن أن تشيع هذه الروح السمحة التقية في قصائد الديوان الشرقي، ولا أن يسري فيها سُموُّ التدين حتى حين يلجأ للمرح والدعابة الصافية. ويبدو أن الشاعر قد آمن أيضًا بأنه ليس من سبيل للإنسان أمام المشيئة الإلهية إلا التسليم بالقدر والاطمئنان لما يصيبه على يديه، والتذرُّع بالتسامح في الفعل والقول والشعور. ولعل أروع ما قاله في هذا الموضوع هو الأبيات التي جاءت في كتاب الحكمة (والترجمة للشاعر الكبير المرحوم الأستاذ عبد الرحمن صدقي):

مِن حماقة الإنسان في دنياه
أن يتعصَّب كلٌّ مِنَّا لما يراه،
وإذا الإسلام كان معناه أن لله التسليم
فإننا أجمعين، نحيا ونموت مسلمين.
ولا يجوز أن نحمِّلَ البيتين أكثر مما يحتملان، فالواجب يدعونا أن نفهمها على ضوء ما سبق من الكلام عن إيمان الشاعر بمشيئة عالية ينبغي على الإنسان أن يسلم أمره إليها، وارتياحه إلى هذه العقيدة التي وافقت شخصيته وطبعه، كما أكدت ما سبق قوله أكثر من مرة عن اقتناعه بفلسفة اسبينوزا. والمهم أن الشاعر الكبير قد بدا في شيخوخته وكأنه يريد أن يغيِّر حياته كلها ويستقبل شبابًا جديدًا ويتفتح على عالم جديد. فها هو ذا يقتبس من القرآن الكريم ما يوافق مزاجه وشاعريته، وها هو ذا يترك «هوميروس، وهيلينا، وإيفيجينيا» لينعم بصحبة «زليخا» و«حاتم» و«المجنون» والندامى و«الحور» و«الدراويش» والمغنِّين! وإذا كان من غير الجائز أن نبالغ في هذا التحوُّل إلى الشرق أو نفهم منه أنه يدل على تحول تام عن الغرب، فمن الواجب في الوقت نفسه أن نقرر أنه لم يسبق في تاريخ الفكر الغربي أن وجدنا شاعرًا مثله يتجه بكل روحه إلى الشرق ويطلق خياله فيه بكل حريته تاركًا وراءه ميراث ألفَي سنة من التراث القديم والوسيط والحديث.

ويزداد إعجابنا وإكبارنا لهذا الشاعر إذا عرفنا أنه لم يكن في سن الشباب الجريء المتهور، بل في سن الخامسة والستين عندما راح يتجول في رحاب الشرق كأنما وُلد من جديد. وخليق بنا نحن العرب أن نتذكر هذا الشاعر الجليل كما صوَّر نفسه في إحدى قصائد ديوانه وهو يقطع الصحاري الشاسعة على ظهر جواده وليس فوق رأسه إلا النجوم، ولا في قلبه غير الحب والتسامح، والاطمئنان والصفاء، والإيمان برسالة الدين والأدب والفن في توحيد بني الإنسان على التآخي والسلام.

(٢) قصة الديوان الشرقي
كثيرة هي الكتب التي نقرؤها ونادرة هي الكتب التي نعيش معها، والديوان الشرقي هو أحد هذه الكتب التي تصحبنا في رحلة العمر، نرجع إليها بين الحين والحين لنستمد منه العزاء والإيمان، وننهل منه الحكمة والحب، ونجد في أشعاره النقية وألحانه العذبة من الصفاء والمرح والجمال ما يرد إلينا الانسجام المفقود في عالمنا اليومي المزدحم بالقبح والفوضى والأنانية والضغائن.٥ ثُمَّ إنه — بجانب فاوست — أهم ما أبدع هذا الشاعر المطبوع القديم وأصدقه تعبيرًا عن قلبه الرقيق وفكره العميق وتجربته الوجدانية بالحياة. وربما كُنَّا — نحن القراء في الشرق — أحق بهذا الديوان من قرائه الغربيين وأقدر منهم على تذوقه وإنصافه والإحساس بصوره ورموزه وإشاراته. فكم من قصيدة تهبُّ علينا منها أنفاس الصحراء العربية، أو تستوحي روح الإسلام وعالمه السَّمح. وكم من حكاية أو نادرة مُستوحاة من حياة النبي الكريم ﷺ وأولياء الله الصالحين أو الشهداء المجاهدين في سبيله. وكم من اسم يُتلى من شعراء العرب والفرس الذين نعرفهم، أو على الأقل نسمع عنهم ونألف صورهم وأخيلتهم ولا نجد مشقة في التعاطف معهم والابتسام لدعابتهم ومشاركتهم حبهم ولهوهم وغنائهم.
لن نتصور هذا كله — كما قد يتصوره القارئ الغربي — مجرد تلاعب حركي بأقنعة شرقية يتوارى خلفها شاعر كهل ليعكس عليها لواعج حبه المشبوب لفتاة في عمر أبنائه. بل سيزداد عجبنا وإعجابنا بهذا الشاعر الذي يستقبل «النور الطالع من الشرق»، ويجدد شبابه وشاعريته ينطلق فوق جواده «ولا شيء فوق رأسه إلا النجوم» ليسافر مع القوافل ويحضر مجالس الشراب في الحانات، ويخالط الندامى والعشاق والدراويش، ويُغنِّي بلسان حافظ والمجنون وزُليخا وهدهد سليمان وحوريات الفردوس، ويُقيم جسورًا من الحب والعرفان والتسامح بين الشرق والغرب الذي ظل شعراؤه قرونًا طويلةً يتغنون بآلهة الأوليمب ويلهثون في آثار هوميروس وبندار دون أن يحفلوا بروح الشرق أو يحاولوا طرق أبوابه الموصدة، حتى جاء هذا الشاعر فبدأ عهدٌ جديدًا للاهتمام بتراث الشرق واستلهامه ودراسته دراسة علمية جادة.

لم يسبق لشاعر غربي قبل جوته أن فتح هذه الأبواب لينفذ إلى عالم الشرق الفسيح، ويتجوَّل بين شعوبه وحضاراته المختلفة على مر العصور، ويسافر في بحاره ومدنه وصحاريه، ويفتح قلبه وعينيه على كتبه وأسراره، ويدير في النهاية هذا الحوار الشائق بين القارات والقرون والآداب والأديان والعادات.

ومع ذلك — وهذه هي معجزة الاستلهام الأصيل! — لم يضيِّع الشاعر نفسه في الغُربة، ولم ينسَ ذاته في الفيافي ومضارب الخيام. لقد سجل يوميات رحلته الشرقية شعرًا في هذا الديوان، ولكنه بقي ديوان شاعر غربي تتغنى قصائده الخالدة بالمدن والحانات التي زارها، والخمور التي ذاقها، ونعمة الحب أو مرارة الهجرة والفراق التي جربها. وكما تدل كلمة الديوان الفارسية الأصل على الجمع أو المجموع، كذلك تؤلف أشعار الديوان بين الشرق والغرب، والعام والخاص، وأقدار الطغاة الجبابرة والشعوب والحضارات الغاربة، كأنها مرايا تعكس هذا الحوار العابث الجاد في اثني عشر كتابًا أشبه باثني عشر وترًا تتوافق لعزف لحن واحد ينبعث من آلة واحدة.٦ ولهذا لم يخطئ بعض النقاد عندما وصفوا الديوان بأنه سيمفونية شعرية ترتبط فيها البداية بالنهاية، ويظهر اللحن ليختفي ثُمَّ يتكرر ظهوره، أو عندما شبهه الشاعر نفسه بسجادة فارسية تتشابك فيها القصائد كما تتشابك الخيوط والزخارف، وتُستغرَقُ الأجزاء في الكل كما يشتمل الكل على الأجزاء.
•••
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:53 pm

ما قصة هذا الديوان؟ متى بدأ جوته في كتابته؟ ما الذي حرَّك قلبه ومدَّ يده إلى أساطير الشرق وأغانيه وحِكمه وأمثاله وصوره وحكاياته للتعبير عن أشواقه وآلامه؟ متى بدأت تجربة لقائه مع الشرق؟ وما البحوث التي اعتمد عليها والترجمات التي قرأها واستوحاها؟ ثُمَّ ما موضوعات هذا الديوان، وكيف استقبله الناس؟ لنَدُرْ قليلًا مع عجلة التاريخ قبل أن نتوقف معًا عند القصائد التي يضمها الديوان الشرقي-الغربي.

أعلن جوته عن «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» لأول مرة في أواخر شهر فبراير سنة ١٨١٦م في «صحيفة الصباح» التي كان يصدرها كوتا ناشر أعماله، وذلك لتعريف القراء بكتبه وموضوعاته. وكان العنوان الأصلي الذي وضعه له هو: «الديوان الغربي-الشرقي أو مجموعة قصائد ألمانية تتصل اتصالًا مستمرًّا بالشرق»، وكان قد اطَّلع قبل ذلك بسنتين على ديوان حافظ الشيرازي في ترجمة المستشرق النمساوي «يوسف فون هامر بورجشتال». ولا شك أن الأمر لم يكن مجرد اطلاع على مجموعة من الشعر الفارسي، وإنما كان لقاءً حقيقيًّا بدأت معه مرحلة حاسمة في حياته وإنتاجه تفتحت في ظلها زهرات هذه القصائد النادرة التي تُعد أخلد تعبير عن تجربة اللقاء بين الغرب والشرق. ولعلها لو تمت قبل ذلك أو بعده لما أثرت عليه كل هذا التأثير. فقد صادفت فيه وجدانًا متوهجًا بالشباب والحب وبهجة الخلق والإبداع، وعقلًا صافيًا صقلته حكمة الشيخوخة وتجاربها، وكيانًا مهيَّأً لتقبل المزيج من العاطفة والعقل الذي وجده في الشعر الشرقي.

ولم يكن عالم الشرق في يوم من الأيام غريبًا عليه، صحيح أن منابع التراث الإغريقي والروماني ظلت دائمًا مصدر وحيه وثقافته، ولكن منابع الشرق لم تنقطع أبدًا عن جذب عينيه إلى بريقها وغموضها. ونحن نعرف أن هردر٧ وجَّهه إلى قراءة الكتاب المقدس بوصفه تاريخًا حضاريًّا للشرق القديم، كما نبَّهه ونبَّه أمته بوجه عام إلى الآداب الشرقية وأغانيها الشعبية الأصلية، بفضل ترجماته العديدة عن الآداب الفارسية والهندية والصينية، ورؤيته الحضارية الشاملة التي تضم مختلف العصور والشعوب، وتصور تاريخ البشرية في وحدة عضوية حية نامية. وكان هردر يعرف حافظ الشيرازي، كما ترجم بعض قصائد سعدي، واهتم بالأغنية الشعبية و«أصوات الشعوب في أغانيها» وضم هذه العناصر كلها إلى الصورة الرحبة التي قدمها عن تاريخ البشرية في كتابه المشهور «أفكار عن فلسفة تاريخ البشرية». وعكف جوته في أثناء دراسته في ستراسبورج على ترجمة أجزاء من نشيد الإنشاد. واهتم منذ سنة ١٧٧٣م بالحضارة العربية والاطلاع على ترجمات القرآن الكريم وسيرة الرسول ﷺ لإعداد مسرحية عنه كانت تشغله في ذلك الوقت كما أسلفنا القول، ولم يتمكن من إتمامها، وقام سنة ١٧٨٣م بترجمة أبيات من الشعر الجاهلي استعان فيها — كما ذكرنا — بترجمات المستشرق الإنجليزي وليم جونز، كما كتب في سنة ١٧٩٧م بحثًا عن «إسرائيل في الصحراء» ضمه بعد ذلك إلى تعليقاته على الديوان، وحاول أن يثبت فيه أن رحلة بني إسرائيل في الصحراء بعد خروجهم من مصر لم تستغرق أكثر من سنتين، وأن خرافة التيه لمدة أربعين سنة قد اخترعها اليهود في وقت متأخر. وظل منذ شبابه يضع الشرق نُصْبَ عينيه، فهو يقرأ مذكرات الرحَّالة بكل الشوق والإعجاب، ويتابع جهود المستشرقين الذين كان بعضهم من أعز أصدقائه، في اللغات الألمانية والإنجليزية والفرنسية والإيطالية واللاتينية، حتى استحق في النهاية أن يُستشار في شغل كرسي الآداب الشرقية في جامعة يينا، وقد كانت كعبة الأدب والفلسفة في ذلك الحين.
كان سعدي الشيرازي٨ مؤلف «جلستان» و«بستان» هو أول من عرفه الأدب الألماني من شعراء الفرس العظام الذين ازدهروا من القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر؛ فقد ترجم له آدم أولياروس،٩ كما نقل هردر بعض قصائده وأمثاله. ثُمَّ ظهرت ترجمة حافظة الشيرازي (من حوالي ٧٢٦ﻫ/١٣٢٦م إلى حوالي ٧٩٢ﻫ/١٣٩٠م) التي أشرنا إليها سنة ١٨١٢م واطَّلع عليها جوته فأخذته الدهشة والإعجاب «بتوءم روحه» ها هو ذا يجد نفسه في شاعر قديم نشأ في ظل حضارة أخرى، نفس البهجة بالحياة والحب لهذا العالم، واستغراق العين في صور الكون وألوانه وأشكاله، ورويه الأبدي الخالد منعكسًا في كل ما هو أرضي، والشوق الديني الغامر، والحب الصوفي الذي يُنبتُ أجنحة للمحدود فيسمو للا محدود، وقصائد الحب والخمر، والبلبل والوردة، تشتعل بنار العاطفة وفي الوقت نفسه تُصفِّيها أنوار العقل، لا بل تلعب معها وتداعبها، لا مادة هنا ولا دوافع مظلمة، بل يتنفس عطر الروح، كما يشبهه هذا الصوفي المبتهج بأفراح العالم وأعاجيبه، وكم سبح مثله في تيار حضارة غنية سعيدة، وكم هاجمه المتشددون من رجال الدين فرد عليه في حدة وترفُّع. ثُمَّ جاء عصر العسف والطغيان — مع جراد تيمورلنك! — فغيَّر العالم دون أن يغيره. أوجه شبه عدة: هنا الحياة الرخية في إمارة فيمار الصغيرة في ظل الأمير كارل أوجست الذي أحبه كصديق وتوَّج جبينه بإكليل أرباب الأوليمب، وهناك الحظوة والهناء في ظل أسرة مَظَفَّر، هنا المحنة القاسية تحت نير جيوش طاغية العصر الحديث نابليون، وهناك المحنة الرهيبة تحت سنابك خيول تيمور ونيرانه ودماره، ثُمَّ قبل كل شيء هذا التوافق في الرؤية والمضمون والمزج بين الموضوعية والرمز، وهنا وهناك قصائد تبدو في ظاهرها غزليات فاضحة تتعبَّد حُسن زليخا «أو مريانة» في محراب الحب، لكنها قد تكون كذلك صورًا للحب الإلهي. فالخمر هي الخمر، وهو نشوة المتصوف بالمحبوب الأسمى. أهي هذا أم ذاك؟ هي الأمران معًا: حِس وروح، أرض وسماء، كونٌ وإله، جسد وتصوف. العالم ينكشف لنور الروح، ويعلن عن أعماقه، لكن عالمه يظل غريبًا على الفريقين، على المتزمتين ذوي الأفق الضيق، وعلى الغائبين في المواجِد والأشواق.
أوَلا يَصدُق هذا أيضًا على شاعر الغرب؟ ألم يكن العالم عنده سرًّا مُقدَّسًا مكشوفًا، فالأبدي الواحد يتكشف له في مختلف الأشكال، والشاعر الأرضي لم يوجد إلا لكي يندهش به؟ ألم يكن العالم عنده «انعكاس اللامتناهي» و«رمزًا لله»؟ ألم يقل مرة (في بحثه عن نظرية الطقس والأنواء) إن الحق — وهو الألوهية نفسها — لا يمكننا من معرفته مباشرة، وإنما نعاينه نراه في الانعكاس، والمثل، والرمز، ألم يكن مثله يملك القدرة على الرؤية الصوفية التي ترى المحدود بعين اللامحدود، ويملك مع ذلك الوعي بحدوده البشرية التي تعبر عن نفسها في حرية الدعابة والتهكم؟ استمع إليه وهو يتحدث في تعليقاته على ديوانه الشرقي١٠ فيقول عن قصائد حافظ:١١
لن نقول إلا القليل عن هذه الأشعار؛ إذ لا بُدَّ أن يتذوقها القارئ ويتناغم معها. إن الحيوية المتدفقة المعتدلة تنساب منها. كان (حافظ) يعيش قانعًا راضيًا مبتهج الطبع حكيمًا، يشارك بنصيبه في خيرات العالم الوفيرة، ويتطلع من بعيد إلى أسرار الألوهية، منصرفًا في الوقت نفسه عن أداء الشعائر الدينية وعن لذات الحِس. وإذا كان يبدو في الظاهر أن الفن الشعري يعظ ويعلم، إنه يحتفظ بالضرورة بنوع من مرونة التشكك وحريته.

وفي موضع آخر من تعليقاته يقول:
إن الطابَع الأسمى للشعر الشرقي هو ما نسميه نحن الألمان بالروح، ذلك المبدأ الذي يوجه الإنسان ويهديه، وتنتمي الروح بوجه خاص للشيخوخة أو لعصر كوني تُثقله أعباؤها. وأهم ما تتَّسم به هو النظرة المحيطة بالكون والدعابة والاستخدام الحر للمواهب، وكلها خصائص مشتركة بين شعراء الشرق.

ولا يصح أن نُسيء فهم عبارة ما «نسميه نحن الألمان بالروح»، فالشاعر لا يقصد بها «الروح المطلق» بالمعنى الميتافزيقي الذي أشاعته الفلسفة المثالية الألمانية وبخاصة عند هيجل، وإنما يقصد ما يفهمه هو نفسه من الروح، فهي تعبر عن شخصيته أتمَّ تعبير حتى تدل على الوعي الذي جعله لا يفزع من شيء مخيف، والمرح الذي يحركه للتعبير عن كل شيء في صورة مبهجة. ثُمَّ إن الروح تصوِّر مهمة الشاعر في هذه العبارات الكلاسيكية (التي تعبر عن رؤيته الفنية أفضل تعبير): إن تفكير الشاعر يتعلق في الحقيقة بالشكل. أمَّا المادة فيعطيها له العالم فيجزل العطاء، وأمَّا المضمون فيصدر صدورًا حرًّا عن ثروة وجدانه الباطن، ويلتقي الاثنان لقاء غير واعٍ، بحيث لا يدري الإنسان في النهاية لمن يعود الفضل في هذه الثروة. غير أن الشكل، وإن كان يكمن في العبقرية بوجه خاص، يريد أن يُعرف ويُتأمل، وهنا تظهر الحاجة إلى التدبُّر والتفكير لكي يتلاءم الشكل والمادة والمضمون، وتتناغم مع بعضها، وتنفذ بعضها في بعض.

لا شك أن خصوبة شعراء الفرس وتنوعهم الذي يتدفق من رحابة العالم الخارجي وثروته التي لا حدَّ لثراء ألوانها هو الذي جذبه إلى قراءتهم والإعجاب بهم. فهو يشيد بعنايتهم بالتفاصيل، ونظرتهم النافذة والمُحبَّة التي تستخلص من كل شيء أهم خصائصه، وتصور الكائنات الطبيعية الساكنة في صور شعرية يمكن أن توضع بجانب الصور واللوحات التي أبدعها الرسامون الهولنديون، بل ربما تفوقت عليها بسمُوها المعنوي. إنهم لا يسأمون تكرار الموضوعات الأثيرة لديهم، ولا يعمل الواحد منهم تصوير نور المصباح الباهر وضوء الشمعة الساكن، حتى إن الأشياء الطبيعية تصبح عندهم بديلًا للأساطير، كما تحتل الوردة والبلبل مكان أبوللو ودافني عند الإغريق. وإذا تذكرنا أنهم لم يعرفوا المسرح ولا فن النحت، فإن موهبتهم الشعرية لم تكن أقل من أية موهبة عرفها التاريخ، وكل من يأنس عالمهم الخاص لا بُدَّ أن يزداد إعجابًا بهم.

لم يكن غريبًا على «هوميروس العصر الحديث» أن تلتقط عينه المبصرة — كعين النسر الإلهي! — هذه السمات المميزة للشعر الشرقي. ولكن يبدو أن «المغناطيس» الحقيقي الذي جذبه إليهم وهو على أعتاب الشيخوخة، هو صوفيتهم التي وصفها بأنها صوفية أرضية أو دنيوية. لقد كانت جديرة بأن تلمس وجدانه، وأن يحس روحها الحادة العميقة، ويشعر بقربها من تفكيره وإنتاجه بعد أن بلغ الخامسة والستين من عمره. ووصفه للأسلوب الذي عبَّر به هؤلاء الشعراء عن روحهم الصوفية بحيث لا يضير الشاعر منهم أن يُحلِّق بنا إلى السماء ثُمَّ يهوي بنا إلى الأرض أو العكس، وقيامه على التوحيد بالله والتسليم بمشيئته. كل هذا كان خليقًا أن يحركه إلى كتابة قصائد أخرى تدور في فَلَكه الروحي، وها هو ذا يحدد في رسالة إلى صديقه تسلتر١٢ أوجه التلاقي بينه وبين شعراء الشرق فيقول:
إن الدين الإسلامي بما فيه من أساطير وأخلاق يتيح لي أن أكتب شعرًا يوافق سِنِّي. فالتسليم المطلق بإرادة الله الخافية علينا، والنظرة المرحة المحيطة بالحياة الأرضية التي تبدأ وتعود على الدوام في صورة دائرية يستخفها اللعب، والحب والميل اللذان يرفَّان بين عالمين، والواقع الذي يصفى وينحل في الرمز ما الذي يريده الجد العجوز أكثر من هذا؟! هذه العبارات التي يمتزج فيها الجد بالدعابة تذكرنا بأسلوب شعره في الديوان «بالبعد عن الانفعال»، بالجدية العميقة التي يتخللها المرح المكشوف، بالتهكم على النفس و«مرونة التشكك»، «بالروح» التي ذكرها بنفسه في أثناء حديثه السابق عن شعراء الشرق، أو التي عبر عنها في إحدى قصائد الديوان من كتبا زليخا «لأن الحياة هي الحب، وحياة الحياة هي الروح» في الحادي عشر من شهر مايو سنة ١٨٢٠م.

لهذا أمكنه أن يقول عن قصائد ديوانه في تعريف القراء بها إن بعضها لا يتنكَّر للنزعة الحسية، ولكن بعضها الآخر يمكن أن يُئوَّل تأويلًا روحيًّا، فالإنسان الغني بالروح يتأمل كل ما يُقدم للحواس كنوع من التنكر الذي تختفي وراءه حياة روحية أسمى على نحو مضحك عجيب، وذلك لكي يجذبنا إلى مناطق أكثر نبلًا.

•••

كيف استطاع هذا الشاعر الغربي أن يتذوق الشعر الشرقي؟ ألم يجد فيه شيئًا غريبًا عليه أو منفرًا له؟ هل أمكنه أن يوفِّق بين صوره الغريبة واعتماده إلى حد كبير على القافية والإيقاع في توليد هذه الصور وبين القيم المألوفة في شعره؟ هل افتقد فيه التجربة والوحدة والنظام الذي عرفه في تراثه؟ وما الذي أعجبه فيه أو صدمه منه؟

كان الشعر عند المصريين القدماء وعند أول شاعرة غنائية في التراث الغربي وهي «سافو» أو عند شاعر روماني مثل «كاتول»، بل عند الألمان أنفسهم منذ عهد جوته نفسه هو شعر التجربة. فالقلب يعترف للقلب. والشعر العربي والفارسي لا يخلوان بطبيعة الحال من التجربة، ولكن الإيقاع والقافية التي تستدعي قافية أخرى ظلت تحددهما إلى حد كبير حتى حاول المجددون في أيامنا أن يتحرروا من العمود ووحدة القافية بالإضافة إلى محاولات أقدم في الشعر الشعبي والزجل والموشح. والتصورات والأفكار التي تضمنها في عهوده الأولى نشأت في دائرة الوجود الذي لم تُعقِّده الثقافة العقلية، ولهذا كان الإيمان رحبًا واسعًا — كما تقول قصيدة الهجرة التي يبدأ بها الديوان — وكانت للكلمة أهميتها القصوى لأنها كانت كلمة فاهت بها الشفاه. ولعل هذا هو الذي جعل جوته يقول إن اللغة العربية كانت في ذاتها ولذاتها لغة منتجة أو خلَّاقة، فهي خطابية بليغة بقدر ما تستجيب للفكرة، وهي شاعرية بقدر ما تلائم ملكة التخيُّل. ولا بُدَّ أنه كان يفكر عندما قال هذا في الصيغة السحرية التي نبع منها كل شعر، كما تصور أن هذا السحر كان لا يزال يؤثر على الشاعر الشرقي بحيث أصبح نطلق الكلمة نفسه فعلًا من أفعال الخَلق والإيجاد. ولهذا راح يؤكد أن لغته تعتمد على الجَرْس والإيقاع، مما يُضعف علاقتهما بنظام الواقع أو يلغيها، كما أن القافية تقوم بدور كبير في بعث الصور وتسلسلها أو تضادها، مما يحيِّر القارئ الغربي ويخالف ذوقه، ويُنفره في بعض الأحيان من الصنعة والتكلُّف.

غير أنه إذا كان من الطبيعي أن يجد جوته في الشعر الشرقي بعض الغرائب والمفارقات التي تخالف ذوقه وذوق قُرائه، فإننا نراه يبذل كل جهده للاعتذار عنه ومحاولة تجربته في ظل الظروف والضرورات التاريخية التي نشأ فيها. ولم يكن من قَبيل المصادفة أن يضع هذه الأبيات في مقدمة تعليقاته على الديوان، وكأنها شعار ينبئ عن تسامحه ونزاهة حكمه وسعة أفقه وبُعده عن التعالي والغرور:

مَنْ أراد أن يفهم الشعر
فليذهب إلى بلد الشعر
من أراد أن يفهم الشاعر
فليذهب إلى بلد الشاعر.
ولم يُقدَّر لجوته أن يذهب إلى شعراء الشرق في بلادهم، ولا أن يقرأهم في لغتهم، ولكنه التقى بهم فيما تيسَّر له من ترجمات في لغته أو في لغات أوروبية أخرى (على الرغم من استحالة ترجمة الشعر التي تقضي على روحه وجسده جميعًا ولا تُبقي منه — مهما تكن موهبة المترجم! — إلا على ظل الظل وانعكاس الانعكاس) ها هو ذا يتحدث عن «أنوري» شاعر المديح الأكبر عند الفرس١٣ فيقول:
إننا لن ننصفه إذا جعلنا من الظروف التي عاش في ظلها وعبر فيها عن موهبته جريمة تُحسب عليه. وهل كان ينبغي أن نطلب منه أن يتولى وظيفة عامل رصف للشوارع، على ما في هذه الوظيفة من نفع كبير؟

كما يقول عن جلال الدين الرومي (تُوفِّي سنة ١٢٦٢م) بعد عرض قصير لشعره الصوفي: «لا يصح أن نأخذ عن هذا الروح العظيم أنه اتجه إلى الإغراب والإلغاز.»

أمَّا عن حافظ فهو يفسر التناقض بين وظيفته الدينية وبين شعره المفعم بالبهجة بأن الشاعر في الشرق كان يمكنه في الوقت نفسه أن يكون راوية للحكايات، ولم يكن من الضروري أن يفكر في كل ما يعبر عنه ولا أن يحياه بنفسه.

مهما يكن من نفور شاعرنا من الصنعة الشكلية، فقد انجذب إلى شكل القصيدة الغزلية التي أسرف الشاعر المستشرق ركرت (١٧٨٨–١٨٦٦م) في كتابه «أزهار شرقية» والشاعر الرومانسي فون بلاتن (١٧٩٦–١٨٣٥م) في كتابه «غزليات» في محاكاتها وتقليد أوزانها وقوافيها. فنحن نجد في الديوان الشرقي غزليتين جميلتين، تكرِّر إحداهما (وهي بعنوان: الرضا الأسمى من كتاب التفكير) كلمة توجد في آخر كل بيت وبيت، كما تكرِّر الأخرى (وهي من كتاب الساقي) كلمة السُّكْر، ومن يقرأ القصيدتين يحس بنبض التجربة الصادقة التي تطبع شعره؛ إذ لم يكن مجرد مقلد لهذا الفن الشعري كما فعل مواطناه السابقان.

وإذا كانت مثل هذه المحاولات أقرب إلى اللعب والتسلي بإظهار البراعة في الشكل، فالمؤكد أن مضمون شعر حافظ الشيرازي هو الذي أثَّر عليه أكبر الأثر. لقد وجد لديه نفس الموضوعات التي كانت تشغله، واستوحى شعره على طريقة بعض شعراء العصر الوسيط الذين كان يحلو لهم أن يتناولوا قصائد الحب والقصائد الشعبية المعروفة فيبدلوا كلماتها «الدنيوية» بكلمات روحية أو صوفية مع الإبقاء على شكلها ووزنها. ولو قارنَّا بين بعض قصائد الديوان الشرقي وبين أشعار حافظ لوجدنا أوجه شبه مذهلة في المعنى والصورة والرمز، وإن لم يمنعه هذا التقارب الشديد من المحافظة على شخصيته وأصالته. فقصيدة «حنين مبارك»، التي تُعد من أهم قصائد الديوان بل من أهم قصائده على الإطلاق، مستوحاة من قصيدة مشابهة وردت في ديوان حافظ (في حرف الصاد، الغزليَّة الأولى) وتقول أبياتها التي أحاول أن أنقل إليك معناها:
روحي كالشمعة تحترق بنيران الحب، بالحس الطاهر ضحيت بجسمي، بنقاء القلب، وإذا لم تصبح كفراش يشتعل بنار الوجد، فمحال أن تنجو أبدًا من وهم الحب، هل يدري العامة يا حافظ ما ثمن اللؤلؤ؟ حاذرِ يا حافظ من أن تعطي جوهرتك إلا لمريد.١٤
ويكفي أن تقرأ قصيدة «الحنين المبارك» في كتاب المغنِّي لترى أن القصيدتين متقاربتان ومتباعدتان في آنٍ واحد، والواقع أن هذه القصيدة هي دُرة أشعار الديوان ومرآة مراياه، فهي توحد بين الطريق إلى الحب — بالتضحية والفداء — والطريق إلى الله بالفناء في ذاته العليَّة فناء الفراشة في نور الشمعة. وهي كذلك توجه أبصارنا — وكأنها واسطة العقد — إلى كتابَي العشق وزليخا من ناحية، وكتابي البارسي والفردوس من ناحية أخرى، ففي الحب تَديُّن، وفي التدين حب.

ويمكن أن نقدم مثلًا آخر على هذا الاستلهام الأصيل لشعراء الفرس. فقد قرأ جوته في الجزء الثاني من كتاب المستشرق فون دييز «تذكارات آسيوية» هذه القصيدة للشاعر التركي نشاني:١٥
عندما كنت مبتدئًا في فن الحب قرأت بعناية عدة فصول، من كتاب مملوء بمتون الأحزان وفقرات الهجران، وقد أوجز فصول الوفاق، وأسهب في شرح هموم الفِراق، آه يا نظامي! في النهاية هداك إلى الدرب الصحيح معلم الحب، والأسئلة التي لا حل لها لن يجيب عنها إلا حبيب القلب.

ولو قرأت قصيدة «كتاب مطالعة» — وهي من كتاب المغنِّي — للاحظت القرب الشديد بينهما، ولَما غاب عنك أيضًا أن الأخيرة شيء جديد مختلف الروح والإيقاع (ولو شاء حظك أن تقرأهما في لغتهما الأصلية لكانت الملاحظة أدق، لكن لا حيلة لي أو لك في هذا!) ولسنا نقلل من تأثير النماذج العديدة التي اهتدى بها الشاعر، وإنما نقصد أنها نبهت مادة الإحساس التي كانت راقدة في وجدانه دون أن تعثر على الشكل الملائم، وكأنما أزاحت السدود فتدفق التيار وشق مجراه. وقد كانت اليد المباركة التي أزاحتها هي يد حافظ، فاندفع توءم روحه الغربي في طريقه دون حاجة إلى تقليد.

•••

نشأ الديوان الشرقي أيام الكفاح في سبيل التحرر من قبضة نابليون وطغيانه. وكان جوته يعلم أن عددًا كبيرًا من قرائه سيكون من الشباب الذين تطوعوا تحت لواء «فون لتسوف» وفي صفوف «فرسان فيمار» لمطاردة جيوش نابليون الغازية (وقد انهزم أمام الجيوش الأوروبية المتحالفة في يونيو من ١٨١٥م في واترلو) وعندما كان الشاعر يجمع مادة تعليقاته وبحوثه عن الديوان — وكان ذلك سنة ١٨١٧م — كان هؤلاء الشبان يتظاهرون ويتصايحون حول قلعة فارتبورج المشهورة ويهتفون بسقوط الملوك والأمراء والنبلاء، هل يمكن في هذا الجو العاصف أن يحدِّثهم عن الساسانيين والخلفاء والبرامكة؟ وكيف يستقبلون كلامه عن استبداد الحكام والسلاطين في الشرق ونفاق المدَّاحين من شعراء البلاط؟ وهل يتورَّع أحد عندئذٍ عن اتهامه بالبعد عن الشعب والتعالي عليه كما حدث له بالفعل قبل ذلك وبعده؟

إن هذا كله لم يمنعه مِن أن يفرد فقرة من «تعليقاته» عن استبداد الحكام في الشرق وعن شعر المديح الذي يلازمه ولا ينفصل عنه. وهو في هذه الفقرة يعرض الاتهام لكي يرد عليه بعد ذلك بدفاع مستفيض. فالحاكم الشرقي مُدَّعٍ مغرور، يضع نفسه على رأس الأدعياء. الجميع خاضعون له، وهو السيد الذي لا يقبل من أحد أمرًا، بل إن إرادته لتخلق بقية العالم، بحيث يسعه أن يشبِّه نفسه بالشمس أو الكون كله، والغريب أنه يختار شريكًا في الحكم يشد أزره ويدعم عرشه، وليس هذا الشريك إلا شاعره الذي يرفع شعره فوق جميع الفانين، وإذا اجتمع في البلاط عدد آخر من أصحاب المواهب الشعرية عيَّن عليهم «أمير الشعراء» وقرَّبه إليه. وقد يشتد الغرور بهذا الأمير الشاعر فيظن نفسه قرين الحاكم والسلطان، وربما أطبق عليه جنون الغضب أو اليأس والمرارة إذا خاب أمله وطموحه وأخفق رجاؤه في الحكام (كالفردوسي والمتنبي!) هذا الادعاء والتسلط يهبط به من أعلى درجات العرش حتى يبلغ الدرويش المسكين القابع في زاوية شارع حقير (وهي نفس ملاحظة الكواكبي في طبائع الاستبداد؛ إذ يجرف الطغيان كل شيء من المستبد الأعلى حتى الشرطي في الطريق!) ولعل هذا هو الذي جعل جوته يفضِّل لنفسه (في تقديمه لكتاب زليخا) أن يكون درويشًا قانعًا مكتفيًا بنفسه؛ لأن الشحاذ الحقيقي مَلِكٌ حر، ولأنه لا يملك شيء ومع ذلك يمكنه بالفكر والخيال أن يوزع الممالك والكنوز ويسخر ممن كان يملكها حقًّا ثُمَّ ضيَّعها! ولهذا نراه يتطوع بتقمص شخصية الدرويش الفقير في هذا الكتاب لكي يظهر في كبريائه أمام الحبيبة التي تبادله حبًّا بحب. ولا بُدَّ أن شاعرنا كتب هذه الفقرة عن الاستبداد الشرقي العريق وفي ضميره ذكرى رعب الإغريق من جيوش الفرس الجرَّارة التي كانت تدمر مدنهم ومعابدهم بلا رحمة، وسخريتهم من طغيان حكامهم الذين يضعون أنفسهم في مكان الآلهة، وعبودية محكوميهم الذين يسجدون لهم وينافقونهم نفاق الكلاب. ولهذا كان الإغريقي يعتز بحريته في وجه كل غريب غير إغريقي — أو بربري كما كانوا يسمونه! — مهما يكن شأنه (وقصة الحكماء اليونان السبعة وعلى رأسهم المُشرِّع صولون مع كرويزوس ملك الليديين أشهر من أن تُروى — فقد أبى صولون حتى أن يصفه بأنه سعيد على الرغم من كنوزه التي جعلته أغنى أغنياء زمانه؛ إذ كيف يمكن لغير الحر أن يكون سعيدًا؟) ولعله أيضًا كان يفكر فيما كتبه معاصره هيجل عن جدل السيد العبد في ظاهريات الروح أو في محاضراته عن فلسفة التاريخ.

مهما يكن من شيء فإنه لا يلبث أن يرد على الاتهام بدفاع متسامح بليغ. وهو يقدم هذا الدفاع على لسان «رجلين مُتَّزنين»، أحدهما عالم إنجليزي والآخر ناقد ألماني. ولم يتوصل الباحثون إلى اليوم إلى معرفة شخصيتهما. ولعل الأرجح أن يكونا قِناعَين وضعهما الشاعر نفسه للدفاع عن نفسه وعن علاقته الحميمة بأمير فيمار كما يدل على ذلك أسلوبه وتفكيره. إنه يبتعد على كل حال عن التعميم الظالم ويحاول أن يلتمس العذر لبعض شعراء المديح الذين اضطرتهم الضرورات التاريخية والحياتية إلى الخضوع لمشيئة السلطان، واستطاعوا في الوقت نفسه أن يعبِّروا تعبيرًا حُرًّا عن مواهبهم، لم يكن جميع هؤلاء الشعراء منافقين، ولم يمدحوا المستبدين دائمًا عن خوف من جبروتهم أو عن جهل بقيمة الحرية، وإنما صدروا في ذلك عن تقدير لبعض هؤلاء الحكام الذين اعترفوا بالكرامة الإنسانية وتحمسوا للفن الذي سيخلِّد ذكرهم. ويقلِّب جوته الطرْف في أشكال الحُكم عبر التاريخ فيجد أن الحرية والعبودية تتمثَّل فيها جميعًا في تعارض يشبه تعارض القطبين المتضادين. فإن كانت السلطة في يد شخص واحد، كان الجمهور ميَّالًا للخضوع، وإن كانت في يد الجمهور، كان ذلك في غير صالح الفرد. ويسري هذا على كل المستويات حتى يتصادف أن يتم التوازن في مكان ما، وإن يكن ذلك لأمد قصير. ثُمَّ يورد أمثلة من حياة الطغاة ليثبت أن الطبيعة الإنسانية لا تُقهر أبدًا، وأنها على الدوام تواجه الاضطهاد وتصمد للضغط والإرهاب. فالإسكندر الأكبر أعمته نشوة الانتصار فتصوَّر نفسه إلهًا وفرض على مَن حوله أن يعاملوه معاملة المعبود. وعندما يحتدم النقاش ذات يوم بينه وبين كليتوس صديق طفولته وأخيه في الرضاع، يندفع في غضبه كالمجنون فينزع حربة من على الجدار ويغرزها في صدره. وعندما يكتشف أنه لن يجد بعد ذلك من يقول له «لا» يهيم وحيدًا باكيًا في الصحراء كوحش يائس جريح، والسفَّاح الطاغية الأكبر تيمورلنك، ذو العين الواحدة والقدم العرجاء، ينظر إلى وجهه في المرآة ويكتشف قبحه الفظيع فيجهش بالبكاء! ويقدم المرآة لأنيسه وجليسه «جحا» فيشاركه البكاء. ولكن السفاح يكف بعد لحظات عن بكائه وجحا لا ينقطع عن النشيج والبكاء. وسأله السفاح لماذا يبكي والمرآة لم تره وجهًا قبيحًا كوجهه، فيقول الساخر الأبدي: يا سيدي أنت رأيت وجهك مرة واحدة فبكيت، فكيف نحن المقضي علينا أن نرى وجهك كل صباح ومساء؟ ويرتفع صوت السفاح بالضحك دون أن يخطر بباله أن الدعابة من أقوى أسلحة التحدي والمقاومة.١٦
هكذا تتمكن روح التحرر والعناد والثقة بالنفس والكبرياء عند الأفراد من إحداث التوازن مع السلطان المطلق للسيد الأوحد.

فهم عبيده، ولكنهم غير خاضعين له. كذلك كان شعراء المديح عند الفرس والعرب خاضعين للسلطة العليا التي تتدفق منها كل إساءة أو إحسان. ومع ذلك كانت لبعضهم على الأقل طبائع معتدلة، ثابتة، متماسكة، واستطاعوا أن يعيشوا ويعملوا في صدق معها، ويستخدموا مواهبهم في التعبير عنها بحرية، بقدر ما تسمح بذلك ضرورات البيئة والتاريخ وأكل العيش.

(٣) جاء الديوان في أوانه
ففي صيف ١٨١٤م، شعرَ جوته بأن ربيع الشباب يعود إليه، وأن وجدانه يحن للخَلق حنين الأرض العطشى للأمطار، والنبع الفائض للفوران. وكانت سنوات الحرب بثقلها وسوادها قد مرت وضجيج السلاح قد سكت. وها هو ذا يفرغ من القسم الثالث من سيرة حياته «شعر وحقيقة»، كما يعيد ترتيب قصائده لطبعة جديدة لأعماله الكاملة توشك على الظهور. وضاقت به الحياة في «فيمار» المحدودة، وسئم الملل اليومي والمهام الرسمية ونظرات الناس المثبَّتة عليه وكيد الخصوم وحسد الصغار له. وغالبه الشوق القديم إلى السفر. ولمن يشتاق إلا إلى الوطن، إلى مهد الطفولة الذي لم يره منذ سنوات طويلة؟ شدَّ الرحال وركب عربة السفر. وفي الطريق عرج على قرية «بيركا» الصغيرة بجوار فيمار للاستشفاء والاستجمام. ولبث فيها حتى أواخر يوليو. سكون الريف، وموسيقى باخ وموزارت في الأمسيات الهادئة، هل من شيء آخر يسمح للوجدان بأن يعتكف ويرتد إلى نفسه، قبل أن يطلق ويفيض؟ وأقبل لأول مرة على قراءة حافظ. همست أسرار الشعر بداخله، وامتلأ بأحلام الخلق كما يمتلئ كيان الأم بأسرار جنين. واجتذبه الراين: نسيمه ومروجه، خمائله وكرومه، خمره وخبزه، مجموعة الكنوز الفنية من الفن الجرماني القديم عند صديقَيه الأخوين سوليس وملكيور بواساريه. ثُمَّ الترحال من بلد إلى بلد، حيث يُحييه الناس ويُكَرِّمون فيه شاعرهم الأكبر، وحافظ رفيق سفره، وديوانه لا يترك مكانه بجانبه. وفجأة تتحرك المعجزة وتثب من الرحم المظلم والنبع الجيَّاش بأغوار الباطن، فيكتب عدة قصائد في طريقه إلى بلدة «أيزيناخ» تُصوِّر التناقض بين سكون الطبيعة وضجيج الحرب، وترتدُّ إلى الماضي ثُمَّ تستبشر بالمستقبل. فهو في إحداها — وهي قصيدة ظاهرة من كتاب المغنِّي — يخاطب نفسه بقوله:

«أبعدْ عنك الحزن، يا شيخي المرح الطيب، إن كان الشَّعر كساه الشيب، فقريبًا سوف تحب.» وفي اليوم التالي في طريقه إلى مدينة فولدا، يعاوده طوفان الخَلق فيصل عدد القصائد إلى تسعة، ويلتقي وهج الشباب ووعي الشيخوخة والحنين إلى اللعب والإحساس الطاغي بالتفوق. «تزدهر الوردة والزنبقة بأنداء الصبح، بينما كيوبيد يشدو فوق الناي على شط الجدول، يهزم رعد الحرب وينفخ مارس في بوقه» (وكلاهما من كتاب المغنِّي).

ويستمر تدفق النبع في الأيام التالية. وعندما يبلغ مدينة فيسبادن في التاسع والعشرين من يوليو يكون قد دوَّن قصيدة «الحياة الكلية»، وبعدها بيومين لؤلؤة أشعار الديوان: «حنين مبارك». وتأتي أيام الصيف والخريف التي أمضاها على ضفاف الراين بما كانت نفسه تتمناه. فهو يشارك في الاحتفال بعيد القديس روخوس في «بنجن»، ويملأ عينيه وقلبه بأفراح الشعب. ويسافر إلى ضيعة أسرة برنتانو في «فنكل» فيستمتع بالريف والخمر والأصدقاء، ويزور سوق الخريف في فرانكفورت فيستسلم لدوامة المهرجان، ويزور هيدلبرج زيارة قصيرة ويتحمس لمجموعة الرسوم الجرمانية والمسيحية القديمة عند صديقه القديم بواساريه. وتتوالى قصائد كتاب الساقي واحدة بعد الأخرى. ويرجع في أكتوبر إلى فرانكفورت فيلتقي بصاحبه القديم رجل المال والأعمال يوهان ياكوب فيليمر وزوجته الثالثة — التي لم تكد تتم الثلاثين ربيعًا — «مريانة» الشاعرة الرقيقة التي خلَّد حبه لها في الديوان فسماها زُليخا، وسمَّى نفسه «حاتم» الذي فتنته كما فتنت امرأة العزيز يوسف الصدِّيق، وفي مساء الثامن عشر من الشهر نفسه، يجتمع معها في بيتهما الريفي «الجربرميلة» وسط خمائل الكروم على شاطئ نهر الماين في ضواحي فرانكفورت، ويشاهدان معًا أنوار الاحتفال بذكرى مرور السنة الأولى على معركة ليبزج، ولا بُدَّ أن يكون رب الحب قد جمع بينهما في هذه الليلة بقيده الذهبي الساحر، فكم احتفلا به بعد ذلك كل مع نفسه وذكرياته. ولا بُدَّ أيضًا أن تكون ربة اللحظة الأسطورية المواتية قد أسلمت لهما خصلة من شعرها الذهبي وشفتيها الحلوتين، ولكن اللقاء لم يَطُل، فلم يلبث أن رجع بعد يومين إلى فيمار.

وازداد عدد القصائد التي يناجي فيها حافظ على غير ما كان يتوقع. وشدَّد الشرق قبضته الساحرة عليه. وبدأ ينظم قراءاته لأعمال المستشرقين ومذكرات الرحَّالة إلى بلاد الشرق. فهو يطالع كتاب الأقدمين مثل أولياريوس، أو كتب المحدَثين مثل جونزودييز، كما يعكف على المجلدات الستة التي نشرها النمسوي «هامر-بورجشتال» تحت عنوان «كنوز الشرق» ويعاوده الحنين إلى «بريق الغرب وإشراقه» فيستقل العربة في الرابع والعشرين من شهر مايو. وتنبثق نافورة الشعر من جديد، ويواصل الخيط الرقيق الذي كان قد انقطع في الأيام الأخيرة من زيارته السابقة لفرانكفورت فيكتب عددًا من القصائد، منها قصيدتاه المشهورتان: «إن زليخا سحرتها فتنة يوسف، لم يكُ أمرًا عجبًا، لما كنت تُسمَّين زليخا، فخليق بي أن أحمل اسمًا.» ثُمَّ يستجم عدة أسابيع في مدينة الحماماة «فيزبادن» ويكتمل «كتاب الساقي» ويرتب جميع القصائد — التي كان يحرص على كتابته التاريخ والمكان تحتها، في فهرس لا يزال محفوظًا في مكتبته. ويدعو صديقه «بواساريه» ليكون أنيسه وجليسه فيلبِّي دعوته، ويحيا في جواره من أوائل شهر أغسطس حتى أوائل أكتوبر، ويسجل الصديق أحاديثه وذكرياته الغالية عن هذه الأسابيع القليلة في سطور تفيض بالتواضع والذكاء والحياة. ثُمَّ تأتيه الدعوة التي كان يتشوَّق إليها من فلليمر، فيستجيب لها من فوره ويقضي شهرًا في بيته الريفي على ضفاف الماين١٧ (وهو البيت الذي اشتهر في تاريخ الأدب كما سبق باسم الجربرميلة أو طاحونة الدباغين) لا تقطعه إلا سفرة أيام قليلة إلى بيت صاحبه في فرانكفورت. لم ينسَ بطبيعة الحال أن يأخذ معه ديوان رفيق سفره حافظ إلى «الجربرميلة». وكيف ينساه وهو الذي سيكون رسول الغرام بينه وبين «حوريته» الهاربة من الجنة؟ قدمه لها هدية وأقبلت عليه بعاطفة المحب وإحساس الفنان، واكتشفت ببصيرتها سحر العالم الذي أثَّر عليه، فلم تتوانَ عن مشاركة وحدته، واهتزت أوتار قلبها على أنغام حافظ وصوره ورموزه — أو بالأحرى على ما يبقى منها في ترجمة هامر الذي لم يرحم شيئًا شرقيًّا من ترجمته! — وراح الحبيبان في هذه الأسابيع القليلة يقلِّبان في صفحات ديوان حافظ، ويختاران منه القصائد التي توافق حالهما النفسية. ويبدو أنهما اتفقا على هذه القصائد «الرياضية» في رسائلهما التي سيتبادلانها بعد ذلك، بحيث تتألف الرسالة من مجموعة من الأعداد التي تشير إلى رقم الصفحة والبيت المناسب فلا يستطيع «عذول» أن يحل أسرار الشفرة التي لا يعرف مفتاحها!
ولا بُدَّ أن تكون «مريانة» الجميلة قد بعثت إليه بعدد كبير من هذه الرسائل السرية التي كان لها فضل اكتشافها، مما جعله يكتب عنها في إحدى فقرات تعليقه على الديوان. فقد بعثت إليه على سبيل المثال برسالة تتألف من هذه الأعداد:
٤٠٤، ٢٠-١٩.
٢٠١، ٢٤-٢٣.
وحل هذه الشفرة العاطفية هو هذه المقطوعة التي وردت في ترجمة ديوان حافظ، وكان من السهل على الحبيب أن يجدها في لحظات بعد أن عرف رقم الصفحة والأبيات على الترتيب:

من زمنٍ لم يكتب لي صاحبي رسالة،
من زمن لم يبعث لي بتحية،
لم يذكرني بسلام أو برسالة،
طوبى لمريضٍ يبلغه نبأ من أحبابه.
هكذا أصبح جوته يجد نفسه وحبيبته في ديوان حافظ، كما أصبح هذا الديوان أشبه بلحن اشتركا في عزفه، فلا يكاد أحدهما يسمعه بعد ذلك بسنوات حتى تعيش «الأنا» مع «الأنت»، وتشعر أنها ليست وحدها في وحشة العالم، ولم تكتفِ الحبيبة بأن ترافق وحدته في عالم الشرق، بل وجدت نفسها — تحت لهيب أنفاسه — ترد على زفراته الشعرية بزفرات لا تقل عنها رقةً ودفئًا، بل ربما فاقتها في بعض الأحيان صدقًا وعذوبة (ومنها قصيدتاها للريح الشرقية والريح الغربية اللتان ضمهما إلى ديوانه بعد أن أجرى عليهما بعض التعديلات الطفيفة التي ربما أغضبت الحبيبة والنقاد جميعًا).

وسافر الشاعر في الثامن عشر من سبتمبر إلى هيدلبرج وتبعه فيللمر ومريانة بعدها بخمسة أيام، وتفتحت في أيام اللقاء الثلاثة قصائد ثلاث (على فروع الأغصان الممتلئة، لقاء الشعب والخدم والحكام، وتجد الأخيرة في كتاب زليخا) كما أوشك كتاب «زليخا» على التمام، وكل قصائده تعبِّر عن نعمة الحب الكبرى التي غمرت فؤاده بسعادة لا توصف، وفتحت فيه جراحًا عميقة لن تندمل، ورجع إلى مستقره في فيمار فوصل إليها في الحادي عشر من أكتوبر، وبدأت سحب الشتاء ولياليه الطويلة وأمطاره فانهمرت معها ألحان الديوان الموجعة (صورة سامية، وصدًى، وكتاب مطالعة، وتجدها في كتاب زليخا وكتاب العشق).

وفجأة يغيض النبع وتنطفئ الشرارة، فما أبعده الآن عن بريق عينَي الحبيبة التي كانت تُدفئه، عن أنفاسها التي كانت تُحييه. لم يبقَ إلا أن يزيد من عدد الحِكَم والأمثال التي لن يعجز عنها العقل، وأن يفزع لجمع مادة التعليقات والملاحظات التي لا تحتاج لدفء القلب. ويرتب القصائد في اثني عشر كتابًا، ولا تكاد عربة «هليوس» تبدأ سيرها في طريق العام الجديد حتى يبدأ الطبع. غير أن معجزات الشعر تأتي بغير أوان. فها هي ذي أطياف الذكرى تزوره فجأة، تحمل معها زاد الحب، وتقدم نعمة الأخذ والعطاء، وترتفع به على جناحَي الدين والتصوف، ويدوِّن القصائد الثلاث: تأخذ منك السنوات «من كتاب التفكير» بهرامجور — كما قيل — اخترع القافية «من كتاب زليخا» وأعلى والأعلى «من كتاب الفردوس». ولعل السطور التالية التي أحاول فيها أن أنقل إليك معنى القصيدة الأولى أن تعطيك فكرة عابرة عن حسرته على الحب الضائع، وحزنه الذي فاض وبلغ حد اليأس، وتمسُّكه بصخرة الفكرة والذكرى حتى لا يغرقه الموج:

«أخذتْ منكَ السنوات، كما قلت، كثيرًا:
متعة ألعاب الحس
وذكرى عبث الأمس،
وحُرمت من التجوال طويلًا
بين مغاني الأرض (ونور الشمس)،
مِن شرف كان يسُرُّ النفس
جفَّ معينُ الخلْق وغاض النبع،
فغامِر «وانفضْ عنك غبارَ اليأس».
قل لي ماذا يبقى لك؟»
يبقى ما يكفيني، تبقى الفكرة والحب.
وظهر الديوان سنة ١٨١٩م. ولكن لحنه لم يكن قد توقف، وشكله لم يكن قد تم، فلم يلبث النبع أن فاض مرة أخرى بخمس قصائد جديدة من كتاب الفردوس، وهي: تذوق، وسماح، وحيوانات مرضيٌّ عنها، وهي في الحقيقة أصداء لألحان سابقة تعزف على وترى الحب والدين اللذين انبعثت منهما أغنيات الديوان كله. ولا بُدَّ أن الشاعر تفكَّر طويلًا في السراب الذي فتن عينيه في صحراء الكهولة، فقرر أن يعيد بلبل القلب الطائش إلى قفصه. تشهد على ذلك الرسالة السابقة الذكر التي كتبها إلى صديقه تسلتر وتحدث فيها عن التسليم المطلق بإرادة الله الخافية.

قلت إن الديوان أشبه بمجموعة من المرايا، كل قصيدة فيها تعكس القصيدة الأخرى، وتتبادل معها الحوار بحيث تنمو نموًّا عُضويًّا لتشكيل كلٍّ متكامل مدهش في تجانسه وجمعه بين الأضواء والأقطاب والعناصر المتقلبة. وهو كذلك الدائرة التي تستمد وحدتها من وحدة الشخصية المتزنة التي أبدعتها وسرت في كل نقطة فيها، ولهذا فهو يكاد يكون كونًا صغيرًا، دائرة روحية تمتد إلى كل مجالات العالم والنفس، منطلقة من مركز تشغله «الأنا» الشاعرة التي احتوت العالم في داخلها، وضمَّت تراث البشرية إلى صدرها، وعاشت حياة جادة غنية خصبة متنوعة. هو دائرة شعرية رسمته يد رجل مجرِّب حكيم، لا يدَ شاب مهتاج ثائر، بمداد تمتزج فيه نار القلب الذي نسي قانون الزمن (وكذلك قلب الفنان!) بنور العقل المتفوق الساخر. وقد سار الشاعر على هذا التكوين الدائري في ترتيب كُتب الديوان، وإن يكن قد التزم فيه بالترتيب الموضوعي، لا بالترتيب الذاتي الذي يعكس ظروف حياته وكتابته. يؤكد هذا ما قاله بنفسه لصديقه تسلتر:١٨
إن كل جزء من أجزاء الديوان يتغلغل فيه معنى الكل، وهو في صميمه ذو طابع شرقي حميم، ولا بُدَّ أن يُفهم معنى القصيدة عن طريق القصيدة المتقدمة عليها، إذا أُريد له أن يُحدث أثره على الخيال أو الشعور، إنني أنا نفسي لم أكن أعرف أي كُلٍّ عجيب صنعته منه.

هذا التكوين الدائري للديوان هو نفس التكوين الذي يميز إنتاج الشاعر المتأخر. ولا نقصد بهذا طابع الاتزان والوعي الواضح الذي يسري فيه وحَسْب، بل نريد به كذلك طابع التضاد الذي ينتج عن تقابل قطبين أحدهما سالب والآخر موجب، إذ لا يمكن أن يخلو أي نظام أو نسق (كما كشفت أخيرًا أبحاث البنيويين وأصحاب نظرية المنظومة) من صراع أو توتر جدلي — أو بالأحرى حواري — داخل هذا النسق. ولا أظن أحدًا يختلف معنا في أن العمل الفني الخليق بهذا الاسم يمثل نسقًا. ولا أظن أيضًا أنه ينكر صراع القوى الدرامي الحي الذي لا بُدَّ أن يدور بداخله. وقد أكد الشاعر نفسه هذا التضاد القطبي في طبيعة الوجود نفسه، وفي كل شكل من أشكال الحياة والفكر. ولهذا كان القبض والبسط، والشهيق والزفير من التعبيرات التي يستخدمها باستمرار ويعبر عنها في العديد من أعماله.١٩ ولكن هذا التضاد لم يمنعه من رؤية الكل السابق على صراع الأطراف والأجزاء. بل إن هذا الكل — كما أكد أرسطو ويؤكد المحدثون أيضًا — شيء أسبق من أجزائه وأشمل، ولا يمكن أن يكون مجرد حصيلة ناتجة عنها مجموع مؤلف منها. ولهذا كان الديوان كما قلنا دائرة كبرى تشتمل على دوائر صغرى عديدة، وكان التضاد الذي يحركه ويبعث الحياة فيه هو التضاد بين قطبي الحب والدين، اللذين يجتذبان عناصر أخرى تدخل كلها في هذا المجال الشعري المفعم بالسحر والحياة. والكلمات التي يقولها الشاعر عن ديوان حافظ تصدُق على أشعاره المتأخرة، وبخاصة مجموعة شعره الفلسفي، كما تصدُق على ديوانه الشرقي، فهو يقول في قصيدة جميلة من كتاب حافظ بعنوان «بغير حدود»:
شعرك يا حافظُ دار دورةَ السماء
البدء فيه دائمًا والمنتهى سواء.٢٠
في داخل هذه «الدورة الكونية» يتصارع القطبان الأزليان: الحب والدين. فالحنين الديني — أو الصوفي! — يغلب بوجه خاص على «كتاب المغنِّي» والكتب الثلاثة الأخيرة من الديوان، وهي كتب: «الأمثال» و«البارسي» (أي الفرس القدماء من المجوس عَبدة الشمس والنار) والفردوس، كما يسري في سائر الكتب. والحنين إلى الحب يغلب على كتب العشق وزليخا والساقي الفردوس (على غير ما كُنَّا نتوقع!) كما تتكرر تنويعاته المختلفة في الديوان كله، سواء كان يعبر عن عاطفة شخصية، أو تاريخية، أو كونية، أو غزل بين الشاعر والحورية في الفردوس، ولهذا كانت قصيدتاه «عودة اللقاء»:٢١
أمن الممكن يا نجم النجوم أن ألاقيكَ وللقلب أضمُّك
آه منها ليلة الهجر الأليم حفرت هاوية بيني وبينك
و«حنين مبارك» من أهم قصائد الديوان، بل لعلهما في رأي معظم النقاد من أروع شعره على الإطلاق وأكثره دلالة على شخصيته وفكره. ولا يقتصر موضوع الحب على هذه الكتب والقصائد وحدها، بل يتغلغل أيضًا في قصائد الحِكم والأمثال، فما يعبِّر مرة عن القلب بصورة طبيعية مباشرة يعبر مرة أخرى عن الأشياء عن طريق التأمل العقلي المتزن. وفي كل الأحوال تتفتح شخصية الشاعر وتمتد في كل اتجاه كأنها قد أصبحت دائرة كبرى تضم وجوده كشاعر كما تضم نظرته إلى الكون (وبخاصة في الكتب الثلاثة الأولى من الديوان، وهي: المغنِّي وحافظ والعشق) وتصوره في علاقاته وصراعاته، مع غيره من الناس ومن صغار الشعراء (من الكتاب الرابع إلى السادس، أي كتب التفكير والضيق والحكم) سواء في صورتها السلبية وهو يقاوم ظواهر الطغيان (الكتاب السابع من تيمور والشتاء) أو في صورتها الإيجابية وهو يتحقق بنعمة الحب والرضا والسعادة (من الكتاب الثامن إلى التاسع، أي كتابَي زليخا والساقي)، وتأتي الكتب الثلاثة الأخيرة فتكتمل الملامح الدينية التي تكسو الديوان كله. فالعالم يرمز لله، و«الله» حاضر في جميع العناصر، وعبادة الطبيعة عند الفرس الأقدمين وعقيدة التوحيد عند المسلمين وإيمانهم بالآخرة ينطقان بلغة رمزية واحدة تُعبِّر عن وحدة التجربة الدينية الأولى، أو عن دين أصلي ينشر فروعه وأوراقه كتعريشة الكروم فوق بيت العالم، وهكذا تتلاقى الأرض مع السماء، والوثنية مع الرسالات السماوية، والإنسان مع العالم، والحب والشباب المتجدد مع الدين، والعقل والإحساس بالتفوق والتعاظم مع الميل إلى الدعابة الماكرة، تجد هذه الموضوعات المتفرقة في قصائد متفرقة، وقد تجدها مجتمعة في قصيدة بذاتها (مثل قصيدَتي الهجرة والحنين المبارك اللتين ورد ذكرهما أكثر من مرة) ويصبح الديوان دائرة واحدة ووحدة دائرية، تعكس كل قصيدة منها سائر القصائد على صفحة مرآتها، وتكشف للمنتبه عن المعنى الكامن للأشياء٢٢ كأنها (مونادة) ليبنتز الوحيدة الحبيسة بين جدرانها، ومع ذلك فهي أشبه بمرآة تعكس العالم كله من وجهة نظرها وبقدر وضوح إدراكها. فلو عرفت مونادة واحدة — أي لو عرفت أي كائن فرد مستقل من بين جميع الكائنات الفردية المستقلة معرفة تامة — لأمكنك أن تصل منها إلى معرفة كل ماضيه وحاضره ومستقبله، ولو تذوقت قصيدة واحدة من قصائد الديوان لعرفت الديوان كله، ومن يدري؟ ربما أحسست بروح الكون كما جربه هذا الشاعر وحاول أن يكشف عن معناه وسره، وأن يملأ بالفعل والوعي والإبداع كل لحظة من لحظات الزمن الذي أُتيح له فيه.
•••

لا شك أن الديوان الشرقي تعبير ذاتي عن جوته في كهولته وشيخوخته، وهو يكشف بمضمونه ولغته عن شخصية صاحبه وينفذ إلى صميم جدرانه، ولكننا نخطئ خطأً كبيرًا لو تصورنا بعد هذا التتبع التاريخي أنه مجرد سيرة شعرية ذاتية لحياته. فليس حاتم هو جوته، ولا مريانة هي زليخا. صحيح أنه يرتبط بمادته الشرقية ارتباطًا يوشك أن يكون في بعض الأحيان حرفيًّا، ويتأثر بشعر حافظ الشيرازي — توءم الروح — في بعض المواضع إلى حد التقليد، ولكن الديوان عمل فني قبل كل شيء، يشكِّل عالمه الأسطوري بنفسه، ويستخدم الموضوعات الشرقية لتكون بمثابة أقنعة يخفي الشاعر فيها نفسه كما يكشف عنها في وقت واحد، ويأخذ المضمون لكي يتصرف فيه بحريته الفنية وقدرته على التشكيل.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf Icon_minitime 2020-11-03, 5:53 pm
إن العنصر الشرقي يعبِّر عن عنصر عام يجمع بين الشرق والغرب، والروح الشرقي يتجاوب مع منطقة روحية مماثلة في باطن الشاعر نفسه. لقد وجد في الشرق كنوزًا رأى أن من حقه استغلالها فراح يستخدمها ببساطة كأنها شيء بديهي أو جزء حي لا يتجزأ من كيانه الشعري. ربما تعجَّب قارئه الغربي من الأسماء الشرقية، وربما سأل نفسه من هو المتنبي أو المجنون، ومن هي ليلى أو بثينة، ومن هو شهاب الدين (السهروردي) الذي خلع ثيابه في عرفات ليدخل الحرم،٢٣ وغيرها وغيرها من الأسماء التي ربما لا يعرفها غير المختصين بالآداب الشرقية، ولم يعرفها الشاعر نفسه إلا قبل العكوف على العمل في ديوانه بزمن قصير. ولكنه سيفطن أثناء قراءته إلى أنه أمام شاعر غربي يتجول في ربوع الشرق ويتقمص في الوقت نفسه شخصية شاعر شرقي. إنه يسهر في خيمته مع الساقي في ليلة صيف، ولكنه يتحدث عن هسبيروس (نجمة المساء) وأورورا (الفجر) ويذكر إجلال المسلمين للقرآن الكريم لكي يَنحَى باللائمة على صغار الأدباء في عصره ممن فقدوا كل إحساس بالاحترام والخشوع والتوقير. ويصف نعيم الفردوس وحوريات الجنة لكي يتمنى أن يحدثهن بلغته الألمانية … إلخ. فالمادة الشرقية مجرد مناسبة لا قيمة لها في ذاتها، والمهم هو الشكل الفني الذي يعطيه لها، واللعب الحر الذي يجعله يتصرف فيها. إن الشاعر يعرف أنه يلعب وهو يريد أيضًا أن يستمتع بهذا اللعب.
ومن هنا كان الوعي والوضوح اللذان يغمران قصائد الديوان، ويُحدِثان التوازن بين المادة والشكل، بين مرح الشيخوخة ونزواتها الفاضحة ولوعة الحب وجراحه التي لم تعد تليق بمن في سِنَّه. وفي مقابل هذا الوعي الناصع نجد النشوة التي تسري في جميع كتب الديوان، فهي نشوة السُّكْر، والعشق، والشعر، والإيمان العميق بالله. ولكنها نشوة لا تعمي الحس، بل تضيء الرؤية. أضف إلى هذا كله المرح السامي والدعابة الساحرة، التي لا تبلغ أبدًا حد التهكم الجارح (حتى في الفردوس تغلبه النكتة! راجع قصيدة سماح ضمن كتاب الفردوس) والخفة التي يتناول بها أصعب مشكلات الحياة وأسمى أسرار الدين، فيُسقط عليها نور العقل وبسمة الحكمة.

أمَّا العاطفة الجريحة والشكوى المُرة من قَدَره في الحب، فنجدها في القصائد قليلة (مثل عزاء سيئ و«صدًى» بالإضافة إلى القصائد المنسوبة لحبيبته مريانة) تخلو تمامًا من المرح والتحرر الروحي اللذين يشيعان في الديوان، على نحوِ ما تخلو منها قصائد قليلة ترين عليها الجدية والقتامة (مثل «وصية الديانة الفارسية القديمة» و«حنين مبارك» و«عودة اللقاء») غير أن الرغبة في اللعب الحر، والميل إلى الخفة والمرح، هما اللذان يسيطران على الروح العامة للديوان، لأنه يكشف في كل قصائده عن «الاستقطاب» الكامن في كل حياة، عن جدل الحب الذي يقوم على الوجود وعدم الوجود، وجدل العقل الذي يقوم على المعرفة والعلم بحدود هذه المعرفة، وكأنما هي جميعًا أبعاد من قوس الأنا الشاعرة التي تحيط بكل شيء إحاطة قُبَّة الفلك بالأرض وما عليها، فالشاعر يتجلى في شعره، ولكنه في الوقت نفسه يرتفع فوقهن ليرى نفسه وقصيدته في الوقت نفسه. وقد كان من شأن هذا الوعي الواضح، العابث، المتفوق، العميق في آن واحد أن يحدد أسلوب الشعر وشكله وإيقاعه. فهو خفيف، متدفق، يكاد يقتصر على مقطوعات قصيرة من أربعة أبيات، تعرض لغة حافلة بالصور المتنوعة — كصندوق الدنيا! — مستمدة من عصور أدبية مختلفة، ومن لغة الشرق وتشبيهاته (حيات الشعر، وجه القمر، احتراق الشمعة … إلخ) وفي قصائد متعددة متنوعة الأغراض، تجمع بين الحِكَم الموجزة والأنغام الفخمة، والصور الزاهية الألوان، والنوادر العجيبة، والروح الصوفية العميقة، ولهذا يحتاج الديوان، كما يحتاج الشعر عمومًا، إلى مشاركة القارئ وصبره، كما يتطلب تجربة روحية تعينه على الإحساس بتجربته.

إنه قبل كل شيء كتاب تعيش معه وتحياه، وتردد ألحانه وتتناغم معها، لأنه كُتب للناضجين والمحبين.٢٤ ومن أسف أن أي ترجمة في أية لغة لن تعينك على هذا؛ لأن أقصى ما يمكنها أن تعطيه هو الظل العابر والطيف الزائل. ولو استطاعت ترجمتي لقصائد الديوان أن تنقل إليك شيئًا من هذا الظل وهذا الطيف، فستشعر بالحرية التي كانت وراء خلقه، وستشعر أيضًا بعذاب الحب ومتعته، وستجد حبيبك فيه-إن كنت تحب! قد تسألني الآن: لِمَ تكتب عن هذا الديوان؟ لِمَ لَمْ تنقله كله ما دمت تؤكد ضرورة قراءته كله؟
ولماذا تقتصر على بعض القصائد القليلة (وقد بلغ مجموعها ثلاثمائة وخمسًا وثلاثين لم تختر منها إلا نيِّفًا وخمسين). ثُمَّ لماذا تنقل هذا الشعر بعد أن قلت أكثر من مرة إن الشعر لا يُترجم؟!٢٥
وجوابي على هذا أنني وجدت نفسي أهيم في رحلة مع هذا الديوان، كما فعل صاحبه في رحاب الشرق. امتدت يدي إليه في أثناء البحث عن قارب النجاة وسط بحار الهموم التي تغرقنا ليلَ نهار، وفي لحظات البحث عن الذات وسط عالم لا ينجح إلا في إبعادنا عن أنفسنا. عشت معه ليالي وحدةٍ طويلة. ودون أن أشعر وجدت بعض قصائده تفرض نفسها عليَّ فأنظمها شعرًا بجانب الأصل (مع أني طلَّقت الشعر وطلَّقني منذ سنين!) ومعظمها يلح عليَّ أن أنقله نثرًا سلسًا بسيطًا حتى يوحي بعبير الشرق وأنفاسه، وكنت منذ سنين — لا تقل عن عشر — قد شُغلت باهتمام جوته بالأدب العربي وبالإسلام، فأعدت النظر فيما كتبت وأضفت إليه. أمَّا في السنوات الأخيرة، فتشغلني حالة الركود التي أصابت الأدب وقوة الإبداع عندنا، كما تشغل كل المُخلِصين المشفقين عليه — بحيث خُيِّلَ إليَّ في ساعات الاكتئاب أنه يرقد مُسَجًّى على فراش السأم والأدباء من حوله يرتلون أغنيات الرثاء لكي يعينوه على آلام الاحتضار، وفكرت — لنفسي دائمًا — ولكي أطرد عني الصورة الموحشة التي أرجو ألا تُعدي أحدًا غيري! أنه قد يحتاج إليه إلى نبع مُلهم. ورأيت أن الديوان الشرقي نموذج عالمي رائع على الاستلهام وتجديد شباب الخلق وربيع الإبداع. سألت نفسي — وما زلت أتابع هذه المناجاة التي لا تلزم أحدًا! — ماذا لو قدَّمت هذا النموذج وأغريت البعض مِنَّا بالتجربة؟ ألا يمكن أن يكون الانفتاح الحقيقي على التراث العالمي علاجًا لبعض همومنا الأدبية كما نرجو الآن للانفتاح الاقتصادي والثقافي والعلمي؟

صحيح أن المحاولات السابقة كما قلت كثيرة، وقد نجح أقلها وأخفق أكثرها. ولكن يبدو أن مبدأ الاستلهام نفسه لا عيب فيه، ما دامت كل الآداب والشعوب قد أخذت به في كل البلاد والعصور، وما دام الأثر الفني الخالد يُستقبل في مختلف الآداب بل عند مختلف الأفراد بطرق مختلفة، تحكمها ظروف العصر وهموم الأديب وصدقه مع نفسه وواقعه. ماذا لو أقبلنا على استغلال هذه الكنوز كما استغل شاعر الألمان أكبر كنوز الشرق، ولم يجد ما يمنعه من أن «يركب بُراق محمد ويحلق في السموات الفسيحة، ويحتفل بتلك الليلة المقدسة التي أُنزل فيها القرآن على النبي.»٢٦ صحيح أن لهذه التجربة شروطًا تحتمها كل تجربة فنية: الضرورة التي تدفع الكاتب إلى تناول موضوع سبقه إلى غيره، والصدق الذي يجعله أصيلًا في تناوله لا مقلِّدًا، ومعبِّرًا عن صميم ذاته لا مُزَيفًا من هواة الاستعراض الذين ابتُليت بهم حياتنا العربية في كل مجال. إنها ليست دعوة للآخرين، بقدر ما هي محاولة تقديم نموذج. ويبقى للأديب والفنان بعد ذلك حريته التي لا يكون بغيرها أدب ولا فن. فليس حتمًا أن يبعد في رحلة إلى الشرق كما فعل جوته، ولا أن يمدَّ عينه إلى الغرب أو الشمال أو الجنوب. ربما تكون الكنوز تحت قدميه، في تراثه الشعبي أو «الرسمي»، في تاريخه القديم أو الحديث، وفي واقعه البائس حوله وتحت بصره وقدميه. ألا يمكن أن تحمل التجربة أملًا في ري النبع الذي غاض، وبعث الدماء في الجسد المريض، أو تخليصه على أقل تقدير من المسكنات الرخيصة؟
ونأتي إلى سؤال عن نقل الديوان فأقول: وما الداعي إلى هذا؟ إن القلب ليتمزَّق وهو يحاول نقل الشعر من جسده الذي وُلد فيه — أي من نظام اللغة والصور والإيقاع والنغم الحي — إلى جسد آخر غريب عنه. ولا بُدَّ أن تكون لدى الإنسان قدرة شيطان مُلهم أو براعة ساحر لينجح كل النجاح في هذا، وهو محال. ويكفي أن يقتصر الجهد على إظهار القارئ على معنى هذا الشعر — أو حتى ظِل المعنى — وإيقاظ حنينه إلى لقاء الأصل الأول إذا استطاع. والأمر في النهاية لا يخرج عن أداء واجب ثقافي وإنساني تقوم به كل الآداب في كل العصور مهما تفاوتت حظوظها من التوفيق. أضف إلى هذا أن الديوان الشرقي قد نُقل بالفعل إلى العربية. وقد تعهَّد بهذا العمل الشاق رائد كبير لا يخشى المُحال. فقد ظهرت ترجمته منذ سنوات بقلم أستاذنا الكبير الدكتور عبد الرحمن بدوي. ومع أن حب الحقيقة يضطرني إلى القول بإنها مزدحمة بالأخطاء — التي لا شك في أنها جاءت نتيجة التسرع وعدم الرفق بالشعر! — فإن حب الحقيقة أيضًا يدفعني إلى الإشادة بهذه المحاولة والإعجاب بما تنطوي عليه من جهد وصبر وطاقة فذة تجلَّت في التعليقات الوافية والشروح المستفيضة التي لا غنى عن الرجوع إليها. وبجانب هذه الترجمة التي أعترف بفضلها أود أن أسجل واجب الشكر والعرفان للكتاب الممتع الذي أحبه القراء وما برحوا يُقبِلون على قراءته منذ ظهوره قبل أكثر من عشر سنوات، وهو كتاب «الشرق والإسلام في أدب جوته» للمرحوم الشاعر عبد الرحمن صدقي الذي استحق عليه جائزة الدولة في الأدب. وهو يقدِّم لوحة بديعة عن حياة جوته وشعره و«هجرته» إلى الشرق. كما يتخلله عدد كبير من قصائد الديوان وغيرها من القصائد المعبِّرة عن الشاعر في تجارب حبة المختلفة، تُرجمت جميعها ترجمة رصينة بليغة (وإن كانت هذه البلاغة قد كلفت صاحبها البعد عن الأصل).

لقد كانت محاولتي أكثر تواضعًا؛ فهي لم تخرج عن تقديم نموذج للاستلهام الأصيل وإثارة القضية نفسها أمام القراء وأصحاب المواهب الشابة. ولهذا اكتفيت بتقديم كل ما هو ضروري للإلمام بهذه التجربة الفريدة التي عاشها جوته وفي لقائه مع أدب الشرق وروحه، كما رويت قصة الديوان الشرقي نفسه التي لم تكن مجرد نَهَم إلى المعرفة والاطلاع على عالم غريب، بل كانت بحثًا عن الذات وتجديدًا لمنابع الخَلق والإبداع، وشهادة على معجزة الحب التي مَكَّنته من هذه «الهجرة الشرقية» إلى الكنوز الدفينة في صدره. وقد توخَّيت أن يكون هذا كله في حدود كتاب صغير قصدت منه إلى الإمتاع وإثارة الفكر والخيال أكثر من سرد الحقائق والمعلومات. ولهذا عدلت عن التعليقات المستفيضة، التي يجدها القارئ في طبعات الديوان المختلفة في لغته الأصلية أو في ترجماته العديدة ومن بينها الترجمة العربية، واكتفيت ببعض الإشارات الموجزة التي أرجو أن تنجح في وضع القصائد المختارة في سياق تفكير الشاعر ورؤيته وسائر إنتاجه.

لو سألتني بعد قراءة ما قدمت إليك من المختارات (في حسرة لا أشك فيها): هل هذا هو جوته؟ لأجبتك على الفور: بالطبع لا! إنك لن تلقى هذا الشاعر أو أي شاعر آخر إلا في لغته، فالشعر لا يُستطاع أن يترجم.٢٧ والشعر كما قلت وزن وموسيقى، وجَرس وإيقاع، وصور ورموز مرتبطة بالألفاظ. إنما هو انفعال بالشعر الأصلي، وصور ورموز مرتبطة بالألفاظ، إنما هو انفعال بالشعر الأصلي، راعيت فيه الأمانة بقدر الإمكان، وكل زيادة من جانبي وضعتها بين قوسين، هو ظِلٌّ شاحب من ظلِّ ذلك الجسد الذهبي البرَّاق، وهو — إن شئت — نوع من الاستلهام.
هل هذا عذرٌ مقبول؟

الرأي أخيرًا لك.

فلتمضِ الآن إلى الأشعار.

١ عن ترجمة أستاذنا الدكتور عبد الرحمن بدوي مع بعض التعديلات الضرورية (ص٣٧٥-٣٧٦) من ترجمته للديوان الشرقي للمؤلف الغربي، القاهرة، دار النهضة العربية، ١٩٦٧م.
٢ يستطيع القارئ أن يتابع هذا الموضوع بالتفصيل في كتاب «جوته والعالم العربي للباحثة السيدة كاترينا مومزن»، الفصل الأول (جوته والشعر الجاهلي)، من ص٥٥ إلى ص١٧٥، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد ١٩٤، فبراير ١٩٩٥م، وهو الكتاب الذي ترجمه الدكتور عدنان عباس علي وتشرَّفت بمراجعته.
٣ عن ترجمة أستاذنا عبد الرحمن بدوي مع تعديلات طفيفة (مرجع سابق، ص٣٨١).
٤ انظر على سبيل المثال كتابه الأخلاق، القسم الأول، القضية ١٩، والقسم الثاني القضية ٤٨.
٥ فالشعر يستطيع دائمًا أن ينقذنا، ونجاة البشرية — كما يقول جوته نفسه في التعليقات — كامنة فيه على الدوام، وقد كان رأيي — ولا يزال — أنه يساعدنا على التغلب على الفوضى والقبح والظلام والاضطراب في أنفسنا وفي علاقتنا بالعالم، ليتنا نُحيي أسواق الشعر العربي القديمة في كل مدينة وقرية، وليت الأمم المتحدة تحوِّل بعض مؤتمراتها المملة إلى أعياد للشعر والفن تستعيد فيها البشرية — ولو لساعات! — سلامها المفقود.
٦ وهي على الترتيب كتب: المغنِّي، وحافظ، والعشق، والتفكير، والضيق، والحكمة، وتيمور، وزليخا، والساقي، والأمثال، والبارسي، والفردوس، وكلها تضيف إلى الاسم كلمة «نامه» الفارسية، أي كتاب.
٧ (١٧٤٤–١٨٠٣م)، هو الأديب المفكر وفيلسوف التاريخ وباعث الحركة الأدبية التي تُعرف بحركة العصف والدفع ومترجم الشعر الشرقي الذي رعى جوته وأثَّر عليه أكبر الأثر عندما التقى به سنة ١٧٧٠م وهو لا يزال يطلب العلم في مدينة ستراسبورج.
٨ وُلد حوالي سنة ٥٨٠ﻫ/١١٨٤م، وتُوفِّي سنة ٦٩١ﻫ/١٢٩١م.
٩ من حوالي ١٥٩٩م إلى ١٦٧١م، أديب من عصر الباروك، عمل مع البعثة الدبلوماسية التي أرسلها أمير هولشتين-جوثورب إلى إيران من سنة ١٦٣٥م إلى سنة ١٦٣٩م واشتهر برحلته إلى الشرق وبترجمته لجلستان سعدي.
١٠ انظر تعليقات جوته وبحوثه الملحقة بالديوان الشرقي، طبعة بوتيلر، ص١٨٧-١٨٨. وكذلك طبعة «هامبورج»، المجلد الثاني، ص١٥٩، وطبعة بدوي، ص٤١٠.
١١ أي حافظ القرآن الكريم الذي قال عن نفسه: لقد حققت بالقرآن كل ما وصلت إليه.
١٢ زليخا: «لأن الحياة هي الحب، وحياة الحياة هي الروح.»
١٣ تُوفِّي حوالي سنة ٥٨٥–٥٨٧ﻫ/١١٨٩–١١٩١م.
١٤ هل يدري العوام ما قيمة الدر الكريم؟ كلا، لا تعطِ الجواهر إلا للعالمين (بدوي، ص٩١).
١٥ وقد عاش في عهد سليمان الأول (١٥١٩–١٥٦٦م) وخلط جوته في التعليقات وفي القصيدة نفسها بينه وبين الشاعر الفارسي نظامي الكنجوي (من حوالي ٥٣٥ﻫ إلى حوالي ٥٩٩ﻫ).
١٦ استوحى كاتب السطور من هذه النادرة الطريفة مسرحية ذات فصل واحد بعنوان «المرآة»، وتقوم على الحوار بين تيمورلنك الجبار وجحا المسكين، راجع المجموعة المسرحية «زائر من الجنة» ضمن سلسلة المسرح العربي، القاهرة، الهيئة العامة للكتاب، ١٩٨٧م.
١٧ من ١٢ أغسطس إلى ١٨ سبتمبر. والجدير بالذكر هنا أن عنوان الديوان قد تغيَّر مع تتابع تدفق قصائده من قلب الشاعر إلى قلمه على غير ما كان يتوقع، فقد سمَّاه في صيف عام ١٨١٤م، وكان ما دوَّنه منه لا يزيد على ثلاثين قصيدة، بقصائد إلى حافظ، وفي أواخر عام ١٨١٦م أعلن عن قرب صدوره في صحيفة الصباح وجعل عنوان الديوان الشرقي الغربي أو مجموعة أشعار ألمانية ذات صلة مستمرة بالشرق، وأخيرًا لم يُبقِ من العنوان الطويل إلا على ثلاث كلمات هي «الديوان الشرقي-الغربي» أو كما سمَّاه بنفسه في عنوان وضع بالعربية على غلاف طبعته التي صدرت في عام ١٩١٩م «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» (راجع طبعة هانز فايتس للديوان الشرقي، فرانكفورت على نهر الماين، دار النشر، إنزل، الطبعة الثامنة، ١٩٨٦م، ص٢٩٧).
١٨ في رسالة كتبها له في أوائل مايو سنة ١٨٢٠م.
١٩ انظر مثلًا قصيدته في التنفس نعمتان (من كتاب المغنِّي).
٢٠ تجد ترجمتها الكاملة في كتاب المرحوم الشاعر الأستاذ عبد الرحمن صدقي، ص١٢٤-١٢٥، وفي ترجمة أستاذنا الدكتور بدوي، ص١٠٤، كما تجدها بطبيعة الحال في هذه الترجمة الكاملة للديوان الشرقي.
٢١ راجع ترجمة أستاذنا الدكتور عبد الرحمن بدوي لها وتعليقه الرائع عليها، ص٢٥٣–٢٥٧ من ترجمته للديوان.
٢٢ كما يقول الشاعر نفسه في رسالة إلى المستشرق «أيكن» في السابع والعشرين من شهر سبتمبر سنة ١٨٢٧م، أي قبل وفاته بحوالي خمس سنوات.
٢٣ وردت الحكاية في قصيدة «سر أعمق» من كتاب العشق، وتجدها في ترجمة الديوان للدكتور عبد الرحمن بدوي من صفحة ١٣٤–١٣٦ وفي هذه الترجمة.
٢٤ كما كُتب أيضًا للأصدقاء، على نحوِ ما قال جوته نفسه عن الديوان، ولهذا لا يمكننا أن نصادقه إلا بعد أن نصادق الشاعر نفسه، بهذا المعنى أيضًا قال في رسالة إلى أوتيليه زوجة ابنه — التي كان يعزها ويتألم من سوء معاملة ابنه لها ونفوره منها: «إن الهدف من هذه القصائد هو أن تحررنا من قيود الحاضر، وأن تشعرنا في لحظة (قراءتها) بالحرية غير المحدودة» (من رسالته إليها في ٢١ / ٦ / ١٨١٨م).
٢٥ يلاحظ القارئ أن هذه السطور قد كُتبت قبل أن يعزم الكاتب على نقل الديوان في ترجمة جديدة إلى العربية ثُمَّ يحقق عزمه بالفعل، على الرغم من إيمانه بصدق عبارة الجاحظ الشهيرة من أن الشعر لا يُترجم، وإنما يمدُّ جسورًا تصلنا بالشعراء الكبار.
٢٦ التعليقات على الديوان، ص٢٤١ من طبعة بويتل، وترجمة بدوي، ص٤٦٥.
٢٧ وهي عبارة الجاحظ المعروفة: «ولا يجوز عليه النقل، ومتى حُوِّل تقطع نظمه، وبطل وزنه، وذهب حسنه، وسقط موضع التعجب.» الحيوان، ج١، ص٧٥.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» ديوان الأسرار والرموز,شعر وقصائد محمد إقبال,ديوان محمد إقبال مترجم pdf
» شعر وقصائد أنجاريتى ,ديوان جوسيبى أنجاريتى كامل مترجم pdf
» ديوان غارسيا لوركا مترجم , شعر وقصائد لوركا
» شعر وقصائد مالك حداد ,ديوان مالك حداد مترجم pdf
» شعر وقصائد فروغ فرخزاد , ديوان فروغ فرخزاد مترجم

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: فوضى الحواس(منتديات ثقافيه) :: مرتفعات أو سوناتا الكلام

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا