لا يوجد ما هو أكثر مللا من قراءة مقال يستعرض فيه الكاتب قدراته الخارقة التي لا تهم القارئ لا من قريب ولا من بعيد.. وإذا لم تكن تصدقني فعليك بقراءة هذا المقال.
لن أدعي فيه أنني أستطيع الوقوف في الهواء أو الجلوس على الماء.. كل ما أتمنى أن تصدقوه هو أنني أمتلك قدرة خاصة على التحكم في أحلامي.. لا أعني بذلك الطموحات أو الآمال.. ولكني أعني المعنى الحرفي للكلمة، أي أنني أستطيع أن أتدخل في المشاهد التي أراها أثناء النوم.
كثيرا ما أنقذتني هذه الخاصية الفريدة من اغتيالات عنيفة كادت تودي بحياتي.. كما تجاوزت بها الكثير من المواقف المحرجة للغاية مع شخصيات أحبها.. فبمجرد أن أشعر أن الحلم أصبح سخيفا أو أن التصاعد الدرامي للأحداث لا يسير على ما يرام.. أجد نفسي قادرا بسهولة على فتح عيني فتجد أمامها ابتسامة أبوتريكة المعلقة على الحائط المواجه للسرير.. فأشعر معها بالأمان.
اعتدت أيضاً أن استخدم هذه القدرة عندما أشعر بأن الحلم أصبح خيالياً بطريقة مستفزة.. لأن هذا يعني بطريقة غير مباشرة أنني لا أستخدم البطانية بشكل جيد، وأنني لابد أن أستيقظ حتى أنقذ نفسي من صديقتي الإنفلونزا. ودعوني أحكي لكم بعضا من هذه الأحلام.. بالطبع لا أتذكر كل التفاصيل ولكني سأستخدم قدرتي على التأليف عشان الحوار يمشي.
حلمي الأول (وهو بالمناسبة لم يكن أحد ملوك مصر) كان رائعا.. كنت أقوم فيه بدور رب الأسرة وأذكر أنها كانت أسرة جميلة بكل المقاييس، توفرت لها بالفعل كل مقومات السعادة.. لا أذكر أننا كنا نعيش في قصر مهيب أو نركب سيارة رهيبة.. ولهذا تأكدت أنني كنت بالفعل ذلك الشخص الموجود في الحلم، فأنا أحد هؤلاء المجانين الذين لا يرون أي علاقة بين المال والسعادة. ربما كان المال سببا في جعل الحياة أكثر سهولة، ولكن حياة أكثر سهولة لا تعني بالضرورة أنها أكثر سعادة. كأحد أبناء جيل البلاي ستيشن تعلمت أن اللعبة لا تمنحك أي سعادة بمجرد أن تتمكن من اجتياز كل مراحلها حتى النهاية.
كانت حياتي في الحلم مثالية بشكل مبالغ فيه.. لم تكن هناك أي مشاكل.. ولأني مقتنع بأنه من المستحيل أن يحصل شخص على كل شئ.. فقد شعرت بأن الحلم بدأ مرحلة التخريف.. وعلى الفور استخدمت قدرتي الفذة في الخروج من الحلم.. ووجدت نفسي أصيح قائلا لكل أبطال الحلم "في المشمش".
أما حلمي الثاني ( وهو الذي حكم مصر بعد حلمي الأول ) فقد كان كئيبا.. كنت أقوم فيه بدور يشبه دور نجم الجيل..كنت أحمل سبع تليفونات محمولة (طبعا كان هناك سبعة مساعدين للقيام بهذه المهمة).. كان نزولي الشارع بمثابة إعلان عن مظاهرة مفاجئة.. وبالتالي كان لابد من إخطار إدارة المرور بكل تحركاتي مسبقا. للأسف خجلي يمنعني من سرد تصرفات بعض المعجبات بالإضافة إلى أنني أخشى أن تقرأ زوجتي شيئا كهذا يوما ما.
أسوأ ما في الأمر أن الكثيرين كانوا يعتبروني قدوة لهم.. وهذا ما جعل الحلم كئيبا للغاية.. فقد كان ذلك يعني أن مشكلة كبيرة يواجهها شباب مصر دفعتهم إلى اتخاذ شخص مثلي كقدوة.. بالإضافة إلى أن مشكلة أكبر حتما ستواجههم نتيجة لذلك.. كنت مطالبا أن أبدو كانسان خال من الأخطاء وهو ما يتعارض مع طبيعة البشر.. لم أكن مقتنعا أبدا أن القدوة هو ذلك الشخص الذي نقلد ملابسه ونقتبس كلماته لننشرها على الفيس بوك. القدوة الحقيقية هو ذلك الشخص الذي يستطيع أن يؤثر في تصرفاتنا وأفكارنا وحياتنا.. دون حتى أن نشعر بذلك.
تأكدت أيضا هذه المرة أنني كنت بالفعل موجودا في الحلم لأنني لا أحمل أي طموحات تجاه الشهرة.. ولهذا السبب لم أظهر في من وسائل الإعلام ( لهذا السبب فقط ). وكان واضحا من كل تفاصيل الحلم أن البطانية بها مشكلة ما.. فتحت عيني فجأة وتمنيت أن يأتي يوم نجد فيه بيننا قدوة بمعنى الكلمة.. وشعرت أن ابتسامة أبو تريكة تعني كلمة واحدة.."في المشمش"
حلمي الثالث ( مش بحب الألش ) كان مختلفا.. كان حلما بكل ما تحمله الكلمة من معان. كنت أرتدي فيه جلبابا أبيضا جعلني أبدو مضحكا إلى حد ما.. أذكر أنني كنت فيه قائما للتو من أداء صلاة الجمعة.. وبينما أنا في طريق العودة شعرت فجأة برغبة جارفة في أن ألتفت للخلف لألقي نظرة على المسجد من الخارج.
رأيت قبة خضراء زاهية تتوج ذلك السقف المهيب.. لم أبذل جهدا كبيرا لأدرك أنني أقف بالفعل أمام المسجد الأقصى.. وكانت كل الوجوه التي رأيتها تحمل ابتسامة تشعر بها دون أن تراها.. شعرت أن نفس الابتسامة انتقلت إلى وجهي وأنا نائم.. ولأن الحلم كان مختلفا فلم أفكر مطلقا في أن أخرج منه.. ولكني استيقظت على صوت آذان الفجر.. وبمجرد أن فتحت عيني لم أكن قادرا على وصف حلمي بأنه "في المشمش".. ولكني تمنيت من كل قلبي أن يتحول ذلك المشمش الذي ملأ أحلامي.. إلى "شئ من الخوخ".