الرحلة _ فكري الخولي - ثلاثة أجزاء



الأجزاء الثلاثة مدمجة في ملف بي دي اف واحد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

....




لم
يسبق في تاريخ الرواية العربية عمل من هذا الطراز! فنحن ألفنا – في عالم
الرواية – أن نرى الفلاح بعين ابن عمه الذي تعلم في المدينة واحترف
الكتابة. وأن نرى العامل بعين "المثقف الثوري" الذي انحاز لقضيته، بعد أن
عرف أنه إنسان مثله. لكننا لم نقرأ أبدًا رواية بقلم فلاح، أو بقلم عامل،
يصور فيها حياته كما يراها بعينيه.. ويتيح لنا أن نراه كما يرى هو نفسه.
وهذا الذي لم نقرأه أبدًا هو ما ينفرد به هذا العمل الروائي الذي لم يسبق
له مثيل في تاريخ أدبنا العربي. فهنا لا يكتب "محمد حسين هيكل باشا" عن
زينب الفلاحة الجميلة النبيلة، وقريتها الجاهلة التي تضطهد عواطف العذارى
الجميلات، وهنا لا يكتب وكيل النيابة توفيق الحكيم عن لغز "ريم" التي
يختلج رمش عينها فينبسط ظله على فدان. وهنا أيضًا لا يصف حياة العمال نجيب
محفوظ من مقعد القهوة أو شرفة البيت من وراء المشربية. ولا يسرد الحكايات
من قاع المدينة "الدكتور يوسف إدريس".. مستعينًا بالسماعة وكشف الأشعة قبل
أن يتولى وصف الحالة. هنا يتولى كافة هذه المهام صاحب الشأن نفسه! هنا
الفلاح يروي قصته بلسانه، والعامل يسجل سيرته بقلمه ولا يستعين "بخبراء
أجانب" من أساتذة القلم المتطوعين باسمه. وقد لا يكون هذا شيئًا جديدًا في
أوروبا.. حيث ينشر الجميع ما يكتبون، ويقرأ الجميع كل ما ينشر. لكنه في
مصر، وفي بلادنا العربية، زلزال! بل هو زلزال مرتين: · مرة لأن الكاتب
عامل. وليس من تقاليدنا أن يكتب العمال روايات، أو يحكوا للناس ما مروا به
من تجارب.. · ومرة لأن هذا الكتاب، العامل، وضع كافة الذين كتبوا عن
الفلاحين والعمال في موقف بالغ الحرج، فكل سطر في روايته الفذة حقيقة
عايشها بنفسه، وكل هذه الحقائق أبلغ من كل ما صوروا من خيالاتهم التي
بذلوا غاية الجهد والإخلاص في تأليفها!. وفي اعتقادي أنه سيمضي وقت طويل
جدًا قبل أن يظهر عمل أدبي مشابه في مصر والبلاد العربية. فالأدب عندنا
حرفة للخاصة والقلم له أهله. ولا يتصور الناشر العربي أن ينشر "يوميات
ساعي بريد" إذا كان كاتبها ساعي بريد بالفعل. أو "آخر أيام ابنتي" إذا
كانت الكاتبة ربة بيت تحكي تجربتها في المستشفى إلى جوار سرير ابنتها
الراحلة، فالسيرة الذاتية للإنسان العادي لا تعتبر عندنا مادة صالحة
للنشر، ولا تضاف إلى رصيد الأدب... ما لم يكن صاحبها من أهل القلم
المعتمدين. وقد كانت هذه النظرة "الكهنوتية" للأدب، ولا تزال سببًا في
حرمان المكتبة العربية المعاصرة من ذخيرة هائلة من كنوز التجربة
الإنسانية. وليس صدفة أن تبدو مكتبتنا العربية هذه بالغة الفقر أمام
مكتبات العالم المعاصر. فثلاثة أرباع ما تنشر مكتبات العالم اليوم من طراز
"الأدب المباشر" أي التجربة التي يكتبها صاحبها بنفسه، ويضيفها إلى حصيلة
المعرفة الإنسانية بقلمه ومكتبتنا ترفض الاعتراف أصلاً بهذا الطراز من
الأدب ولا تسمح لنفسها بنشره، لأن كتابه "دخلاء" يقحمون أنفسهم على أهل
القلم.. ويمارسون مهنة الكتابة بدون ترخيص! وليس صدفة أن يكون أدب
المحترفين نفسه، في عالمنا العربي، بالغ الفقر أمام الآداب المعاصرة،
فالأديب المحترف الأجنبي يتزود بذخيرة هائلة مما تنشر المطابع للأقلام غير
المحترفة، ويتعلم منها، ويتشكل بها وجدانه، وتتعمق بها نظرته، ويستمد منها
الوقود الذي يجعله لسان عصره ومجتمعه، بينما الأديب المحترف العربي لا
يملك مثل هذا المرجع، ولا يفهم عصره إلا في حدود تجربته الشخصية المحدودة
القاصرة لأن تجارب غير المحترفين لا يتاح لها أن تنشر، ولا يتاح له أن
يطلع عليها. وهذا هو السبب في أنني أعتبر نشر هذه الرواية نقطة تحول في
تاريخ الأدب العربي المعاصر، وحدثًا جديدًا تمامًا على مساره. فنشر
الرواية، في حد ذاته، إعلان عن سقوط "الكهنوت الأدبي" الذي حرم على غير
المحترفين حق التعبير. ونشر الرواية، في حد ذاته أيضًا، دعوة إلى كل عربي
أن يسجل تجربته بلا حرج ولا تردد ولا تكلف.. لا لصالح القارئ وحده، وإنما
أيضًا لصالح الأديب المحترف. لكن قيمة الرواية لا تتلخص في هذه الاعتبارات
وحدها. إنما هي تتمتع – فوق هذه الاعتبارات – بتكامل فني فريد، مستمد من
فطرة فنية نادرة، يتمتع بها مؤلفها العامل الفلاح: فكري الخولي. وقد كنت
شخصيا أحد الذين قرءوا هذه الرواية قبل أن تكتب لأن صاحبها كان سجينًا معي
في منفى "الوحدات الخارجة" وكان يرويها ببساطة، جزءًا بعد جزء، ومشهدًا
بعد مشهد، على امتداد شهور وأعوام. وكان يمكن أن يعيد رواية أي مشهد فيها
حين نرجوه أن يفعل، ودون أن يبذل أي جهد. فهي لم تكن مؤلفاته. وإنما كانت
حياته. ولعلي كنت أحد الذين حرضوه على أن يسجل على الورق ما كان يرويه
لنا. ولماذا حرضته؟ لأنني وجدت ما يرويه يغطي مرحلة مهملة تمامًا في تاريخ
مصر المعاصرة. وهي المرحلة التي نشأت فيها الصناعة المصرية الحديثة أيام
طلعت حرب، وشركات المحلة. ففي مختلف بلدان العالم التي سبقتنا إلى الثورة
الصناعية، سجل الأدب صورة المجتمع الذي عاصر هذه الثورة، وسجل الآلام
والآثام والضحايا الذين قامت الصناعة على أكتافهم. وبرز في هذا المجال
أدباء عظماء مثل "تشارلز ديكنز" وغيره، وغيره. أما الآلام المصرية،
والآثام المصرية، والضحايا المصرية، التي صاحبت عصر النهضة الصناعية
المصرية.. فقد تجاهلها الأدب المصري تمامًا. وكان طبيعيًا أن يتجاهلها،
لأن الصناعة في مصر نشأت في صراع مع صناعة الاستعمار الأجنبي. فكان طابعها
الوطني يمنع الرأي العام المصري، والعمال المصريين، من التشهير بآثامها.
والآن وقد زال هذا الاعتبار، فإن تاريخ نشأة الصناعة المصرية الحديثة،
والآلام التي صاحبتها، والضحايا الذين سقطوا في سبيل أن تدور عجلاتها..
أصبح ممكنًا، وواجبنا أن يعرفه الجميع. وهذه الرواية تؤدي هذا الواجب.
وصفحاتها هي أول تسجيل أدبي – بل هي التسجيل الأدبي الوحيد – لميلاد
الصناعة المصرية الحديثة، وللهزات التي أحدثها هذا الميلاد في قرى مصر
ومدنها وقيمتها، بقلم معاصر يروي التجربة من واقع التجربة. وعند ما أقول
"التسجيل الأدبي الوحيد" فإنني أقصد التسجيل الذي أتيح له أن ينشر.
فالواقع أن في مكتبي نصوصًا أخرى كانت تستحق النشر منذ سنوات. ومنها نصوص
كتبها "محمد شطا" أحد زعماء عمال النسيج المصريين في الأربعينيات...
وتركها لي قائلاً: لعلها تلهمك بعض موضوعات قصصك. لكن هذه النصوص لا تزال
مع الأسف في درج مكتبي، ولم أستفد بها. ثم جاء فكري الخولي يصرف نظري
تمامًا عن الاستفادة بها، وأمرني بأن أنسحب من الساحة، لأن العامل الذي
كنت سأتكلم باسمه قرر أن يتكلم هو بنفسه، وأن يكتب بقلمه. وعجيب أن فكرى
الخولي لم يكن في حاجة إلى دراسة فن الأدب، ولم يتلق دروسًا في التعبير..
لكي يصوغ هذا العمل الأدبي النادر الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ الأدب
العربي. وقد يعود جزء من هذا النجاح إلى أنه في حقيقة الأمر فنان موهوب.
وقد يعود جزء منه إلى أنه عاش حياة بالغة الخصب، تستحق أن تروى، وتجتذب
انتباه المستمعين لكنني أعتقد أن جاذبية هذا العمل الأدبي، وأهميته، تعود
إلى صدقه، وإلى أنه من طراز "الأدب المباشر" الذي يروي تجربة الإنسان كما
تجري في الحياة. وينافس المحترفين بصدق البسطاء. والدليل على الصفحات
التالية... بقلم المؤلف الذي لم يخترع كلمة من خياله: فكري الخولي!..
مقدمة بقلم الكاتب صلاح حافظ

شكرا

bahaa

شكرىا على كل هذه الكنوز

مع الشكر

شكرا ياسيدى
وربنا يجعله عامر

مساء الخير
هل في لينك آخر لهذا الكتاب، لأن اللينك لا يعمل.
شكرا