آخر المساهمات
2024-05-04, 8:54 am
2024-05-04, 8:53 am
2024-05-04, 8:49 am
2024-04-28, 10:02 pm
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-02, 5:16 am
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

يتيمة الدهر,قصائد وشعر سيف الرحبى,ديوان سيف الرحبى pdf

hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11555
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - يتيمة الدهر,قصائد وشعر سيف الرحبى,ديوان سيف الرحبى pdf 15781612
ديوان - يتيمة الدهر,قصائد وشعر سيف الرحبى,ديوان سيف الرحبى pdf Icon_minitime 2012-12-21, 8:30 am
يتيمة الدهر
رأيت الجبل يجهش بالبكاء

سيف الرحبي

قافلة تسير في ليل دامس. من غير حداء ولا دليل ولا كلاب تنبح: جنازة الليل الكبرى تمخر عباب الزمن.

* * *
في وقت من أوقات الغروب، ينفجر فيه قلب النيازك مشعلة حرائق في السماء، تصفية لحساب قديم، جراحا لا تشفى.

* * *
عند مجرى مسيل قديم، شاهد لأول مرة عينين تنطفئان في الظلام. كان ذلك أول إشارة موت في جبل الوقائع والإشارات الذي غمست به حياته اللاحقة.

* * *
يقرأ المسافر في خطواته وهي تقدح المسافة أحداث الأرض والسماء، خارطة أفلاك ومتاهات.

* * *
كل هذه الهشاشة. كل هذه الخديعة والارتباك لجمالك الكلى.

ذلك الغضب الذي ينتابنا في أوقات فراغ ما، تلك القوة الهادرة في الأعماق. ما يشبه انتقاما لا واعيا من مبدأ الكينونة نفسه. ربما هو الذي أشعل حروب العالم.

* * *
جنرالات يرضعون الليل والفراغ. بمصاصات أطفال هرمين، مستلقين على أسرتهم المعدنية في المنازل المهجورة التي تعج بالعظايا والرفات. لقد أنهكتهم الحروب والدسائس من غير أن يعيشوا الحياة لحظة واحدة.

* * *
ليست الشكوى ولا غيرها ما يجدي أمام الملمات. لأن من تفضي إليه إما أن يشمت بك. و إما انه لا يصغي إليك وان تظاهر بذلك فهو في واد آخر. و إما انه يعتبر نفسه ضحية ثرثرة مزعجة بالإمكان تفاديها. الصمت ربما، أو الركض على حافة منحدرات صخرية من غير الالتفات إلى الوراء، وأمامك المحيط.

* * *
جاء إلى المقهى وهو يغالب ضحكة تنفلت بين الحين والآخر، ليلتقي أصدقاءه، فهرعت إليه الأشباح كسحرة يطيرون في الهواء.

* * *

تلك المرأة التي كان الجمال غريزة حياتها الكبرى. تتغذى من مراعيه كما يتغذى النحل من الأزهار. منعمة حتى في الشقاء: هبة السماء لمتسكع لا يحلم بشيء.

* * *

لم يكن (ويلد فرد ثيسجر) وهو يعبر الربع الخالي في ذلك الزمان، يبحث عن وجاهة ومجد. وأي شيء من ذلك في تلك الخارطة المترامية من العدم والوحشة؟ كان يمتحن ذاته، يضعها على المحك وهو يقذف بها إلى أخطر صقع للقسوة أنجبته الطبيعة في ولادتها القيصرية العسيرة عبر التاريخ. كان ينجز ذاته في مرآة صنيعها الذي تمتحن به عنقها الخاص.

ماذا تنتظر هذا الصباح
في هذه القرية النائية
تحلق ذقنك وتخرج إلى الغابة والحقول
نظيفا مضمخا بالأحلام
ترقب البط السابح في الهواء
والعقاعق، تقفز من شجرة إلى أخرى
تحت مظلة من السناجب..
وأمام حقل الذرة الغزير
(بحر اخضرار وعزلة)
المتمايل بفعل ريح خفيفة،
تنام الأبقار والماعز في هدوء صيفي.
كل هذه المياه، ومازالت تمطر
كل هذه الفيضانات وما زالت ترعد.
أي قسمة اختارتها الآلهة بين الهنا والهناك
حيث اليباب والقحط
وحين ينزل المطر على الديار
تنشق الأرض عن لهب بركان
مصعوقة، مرتبكة، ظامئة.
أي حكمة لا نعرفها؟

تعرف انه سؤال ساذج
مثل سذاجات أخرى نحبها.
لكن ما تعرفه جيدا
أن صحراءك ممتدة عبر جبال الكون بأجمعه.
ملكة أولى
مستبدة وعاتية.



الساعة الثانية عشرة ليلاً
موعد نومك
أستطيع أن أراك عبر ضوء النافذة الشفيف
تتهاوين على السرير
من فرط التعب والصداع بيوم صاخب في مدينة كبيرة
وفي الضوء نفسه تخلعين الأساور والأنهار
مزدانة بشحوبك والليل.


الحصان الذي هو من سلالة غريبة من الأحصنة، والكباش. التيس بقرونه الكبيرة
يذكرني بوعول جبل الكور. وكذلك الدببة الشرسة في الصحاري القطبية، تأكل
العشب الطري، تلتهمه بشهية، من غير أن تخدش كبرياء الأرض. ولا تستبيح
أسرارها بانتصارات كاذبة.

لا أتذكر صديقاً
إلا ويسبقني إليه تاريخ الخيانة
لا أتذكر عدواً
إلا وأرى فيه مستقبل البشر
كل عاصفة تقتلع جذورها في النهاية.

دوامة من الأعاصير هي حياتك
وأنت فيها غريق ضاحك.
لماذا لا ترى في الحقول الممتدة إلا ألمك
في الأرض الشاسعة إلا الخيبة مشرقة وضاءة تنتظر أمام كل منعطف.
ألهذا الحد بلغ بك القرف دون سواه؟
ألهذا تهت في الأرض (التي ضاقت بما ربحت)
دليلا أعمى حيث تتجمع السحب كأجرام ميتة.

يتماثلون للشفاء
أولئك الذين طالت بهم سكة الرحيل
لوسي: تنادي كلبها الغاطس في مستنقع الدغل
صماء لا تسمع أصوات العالم.
يا لها من سعادة.

الهائمون أفواجا على دراجاتهم
التي توارثوها عن أسلافهم
كما تتوارث شعوب أخرى
الجمال والحمير.
في مساء القرية القاتم
يتهامسون بأحاديث سحيقة
طواها النسيان.
لقد أدر كتهم الشيخوخة وسط سماء من العشب.

غونتر غراس. أنجب بطله أوسكار القزم الذي يرفض أن يكبر، وسط هالة من الذعر والخوف والحيرة قل نظيرها في تاريخ الأدب. طريد الجندرمة الذي اختفى وسط أمواج ملابس المرأة الريفية وهي تحرث حقل البطاطا زارعا بذرته في رحمها الرجراج، ويرحلان إلى حياة هادئة حتى يعاوده دولاب الرعب مرة أخرى ويغيب وسط تلاطم بحار الخشب والأساطيل والمياه الهادرة لينجب أسطورة جديدة في ذريته اللاحقة.
لحظة تكوين تليق بطفل يولد في هذا القرن وربما في كل الأزمنة.
للأدب قوة الحياة أحيانا.

لم أكن قبيحة ولا جميلة. لا خيّرة ولا شريرة
وليست لي علاقة بنسب المقاييس
كنت يتيمة الدهر؟ صرخة بحار تائه.
لذلك لم أر الأشياء والعالم
إلا بعيون جوارحي وحدها.

كلاب تنبح طوال الليل
شاحنات تعوي. ولا شيء آخر
هواجس وذكريات
ذئاب تحتضر في صخب المدينة.

الشاحنات جاءت من بلاد مجاورة
على متنها البضائع الثقيلة، والليل المحمول
على أكتاف جنود هلكوا في الحرب.

في هذه اللحظة
الشمس تغطس في المغيب.
صفرة حالكة. لا شك ستضيء أقواما أخرى تموت من البرد
ليل ألماني قصير
شمس رحيمة بالكاد تبزغ من بين أفيال الغيوم
التي تتهادى بجحافلها في الأفق.

ضيف الضيوف: هكذا نعت نيتشه بطله وهو يرحل في أرجاء البسيطة مبشرا . بمقدم إنسان جديد.
في أي عصر سالف أو قادم سيأتي وفي أي ارض؟

التيس بلحيته الطويلة وقرونه الأطول، والذي يشبه وعول جبل الكور وجبال أخرى في عمان.
ارقبه هذا الصباح (الجمعة) منفصلا كعادته عن القطع في المرعى المكتظ بالنباتات والأعشاب التي توشك أن تكون خمائل وأجَمَات. يرعى بطمأنينة، يحك رأسه أحيانا من ذبابة خضراء تطن.
يرمق القطيع بمؤخرة عينه كأنما ينزو أو حلما راوده البارحة حول نعجة في القطيع. الحصان النادر يشرئب بعنقه نحو سماء بعيدة غير التي نرى دخانها، بينما قرينه يقف منتصبا في لحظة هياج وانقضاض. السماء غائمة كعادتها.
ديك يسقع وسط دجاجات مترفة.
إنها الظهيرة. ظهيرة العتمة.

التليفون الذي سقط من جيبي فتناثرت أحشاؤه كقتيل في غابة.

القتلى يسدون الطريق صراخا واحتجاجاً.
يملأون الفضاء بالنحيب
من تحت مخدتي اسمع ضجيج القادمين من الأفق
بحارة وقراصنة. رعاة إبل ومتسكعين شعراء وقتلى قي حروب عبثية.

مليئين بالعرق الرديء والحمى
ناموا على أسلحتهم الصدئة
بينما البرابرة يستبيحون البلدة.

كان يزهو بخيلاء فتوحاته حين سقط في مستنقع الفضلات غاطساً من غير اثر.

لو اجتمع المفكرون العرب ذات مرة على أرض متاخمة لهرب العدو من فوره. ليس خوفا بالطبع.
و إنما راحة من ضجيجهم وإستيهاماتهم و... ليبحث عن ارض أخرى.

العلبة التي رميتها البارحة على حافة الساقية، مشعة في ضوء البروق بعزلتها الصباحية، تدافع عن حقها في الوجود ضد القدم الساحقة.

كل صباح أصل إلى حدود ذلك القصر المهجور. أقف أمامه، صامتا مهيباً تعول فيه الريح. ويبدو من فرط حضوره وهيمنته على بقية أجزاء المنطقة كثقب الأوزون وهو يجتذب المجرات الهائمة في مجاله المغناطيسي. تخيلته أحد قصور دراكولا، وربما هنا صوّر المخرج الألماني هرتزوغ فيلمه عن الكونت الشهير. اقف منتظرا ربما يطل من إحدى شرفاته كلاوس كينسكي في شكل دراكولا ويدعوني إلى موائده الباذخة.

كل تلك الأوقات التي صرفناها بالتفكير في الموت. كل تلك الارتجافات والهواجس، وهو لم ينفق لحظة في التفكير فينا. وحين يأتي بصواعقه المباغتة. ليس ثمة مجال للتفكير. ليس ثمة كائن أصلاً. أي نبع لا يطاله الجفاف مقذوف في عرينك أيها الفناء؟

اليوم أعدت قراءة محور كومبروفيتش في مجلة (نزوى) أديب ضد الأدب. ضد نفسه. ضد كومبروفيتش. يحلم بقتله. بمحوه كي لا تهيمن الصورة على الأصل الذي كانه. كي لا يصبح عبداً لكومبروفيتش. حيث الأدب متشرباً ماء الحياة حتى أقاصيه. متدفقاً عنيفاً متمايزاً مثل مذنَّب يجر ذيله البخاري في سماء خالية من النجوم والعلامات. جمال فطرفي متوحش.
ترى أليست رواية (الإرهابي) نوعا من سيرة لهذا الكاتب وبقليل من الاستقصاء. تلك الرواية التي ترجمها سعدي يوسف على نحو رائع؟
ألا يمكن أن يكون الإرهابي القاتل هو الرغبة التي تنبثق من بين أضلاع كومبروفيتش لقتل صورته. لعبة مرايا الذات في تشظيها وازدواجها بين الأصل والصورة. الفن والحياة؟
كوميروفيتش. درس للأدباء المتبجحين بفخامتهم الأدبية.

للغربان نواح الثكلى وهى تعكف على بيوضها، مهمهمة بالمأساة. كل الولادات يختزلها نواح غراب.

أين ضوء النجوم الذي كان غائرا في العيون. أين تلك القرى النجمية في مساءآتنا البعيدة؟

يعود الراحلون إلى ديارهم الأولى، لتعميق خرائب الروح والزوغان في المنازل المهجورة التي تخلع مفاصلها الريح.

لوسي: كلب المرأة الصماء الجميلة، اشتبك مع كلب آخر. دارت معركة حامية الوطيس، لكن من غير دم ولا جراح. تقلبات على العشب وغمغمات ونباح كأنما الصراع في جوهره كان صراعا جماليا للمتعة وليس شيئا آخر.

في نزهة المساء التقي بالشاعر الأيسلندي على دراجته يجوب الحقول. قبل أيام سألني هل نجيب محفوظ تركي؟ اليوم يسألني عن أشياء أخرى وعن ماذا أعمل. قلت له ربما أكتب نصاً جديداً أو انعم بالطقس ومراقبة الحيوانات وهذا يكفى. حدثني عن أيسلندا الصغيرة والطقس الذي هو نقيض طقسنا على طول الخط.

السماء محتقنة كمخاض. رذاذ ناعم على الرأس.
قبعة رجل عجوز تسقط في بركة آسنة. طيور سوداء كثيفة تحلق على انخفاض لتحط على قصر الكونت دراكولا مضيفة لمسة غموض على وحشته. هيتشكوك يقترب بكاميراته الخبيئة بين الأشجار ليصور فيلمه (الطيور). هرتروغ أنجز فيلمه ورحل.

أغرب الكلاب قاطبة، كلب جارتي النحاتة الاسكتلندية، فهو يقضى وقته في النباح مثلما تقضيه هي في نحت الأشكال والأجساد، في نحت مخلوقاتها الخاصة، فكأنما نباحه دعم معنوي لها في رحلتها اليومية. هو يتسلى بنباحه كنداء للمجهول وهي بإزميل الخلق الإبداعي ومغامرته في المجهول أيضا.

العالم موحش كأنما يجتر حطام ليلته الأخيرة في قلبي: دمشق قبل عشرين عاما.

هذا الشيء جميل لولا..
هذه المرأة جميلة لولا..
هذا البلد.. لولا..
هذه القارة. هذا الطقس- هذا الكاتب. هذا الحاكم. هذه الأرض. هذه الحياة. هذا الموت- هذه الجنة..
هذه اللولا الباسطة جناحها ونفوذها بهذا القدر الأخطبوطي، من الأزل إلى الأبد وما بينهما من نقصان ساحق هو الطبيعة الجوهرية للأشياء والمخلوقات جميعها.

ليس كالبكاء مطهراً لأحزان مدلهمة. مع الأسف لا نستطيع البكاء بسفح الدموع التي تندفع نحو الداخل حافرة أخاديدها التي لا تبرأ.
المرأة تستخدم الدموع. بمهمة مزدوجة: للتطهير وإخضاع الرجل و إفراغ غضبه وسطوته.

كل بلد عشت فيه أو رحلت إليه، لا أجد أي اندفاع عندي تجاه قاطنيه الأصليين ومواطنيه، و إنما وبشكل تلقائي نحو مغتربيه ووافديه. شجرة الاغتراب الراسخة التي رضعنا حليبها باكراً.

الجنة بدون ناس ما تنداس (مثل خليجي). بالعكس ستكون اكثر جمالاً ونضارة وسحراً.

نكأت جرحا سحيقاً، وإذا بالماضي يتدفق ماثلا رهيبا يحتل المشاعر والمكان بأكمله. نقطة الخطر. مثلث برمودا الجحيم رابضاً في الأعماق.

الحقيقة البشرية عارية في تهب المغيب.

تلك الشعوب التي أدمنت الذل والعبودية حتى أصبحا جزءا من طبيعتها النفسية والعضوية. أي فلسفة تسعف في تحليل ما جرى؟ نمط الإنتاج الآسيوي. طغيان الشرق. سيكولوجية الجماهير والسلطة.. الخ.

لم يشعر بأزمة منتصف العمر ولا غيرها أمام أزمة وجود بأكمله. مربط الأزمات وبيت قصيدها.

دفعتني رداءة المطاعم للذهاب إلي السوبرماركت وجلب ما يلزم من مؤونة
للطبخ، الذي هو طبخ تجريبي على غير نمط سابق، عدا الطبخة التي علمتني إياها (كلود رحمة) ذات مرة وهي مرقة الدجاج. بماء الطماطم.
الأعمال اليدوية تطلق سراح الخيال أحيانا.

نعتاد على شئ لا نلبث أن يهجرنا أو نهجره إلى آخر. ربما هذا القلق بجانب أعبائه وعذاباته، نوع من حصانة ضد العبودية.

اتصل صديق وزوجته من الكتاب، قالا، إن شروط اللجوء وآلامه أفضل مع التفكير بعقل حر.

لو كانت أوروبا تقبل كل من تقدم إليها من العالم الثالث لأفرغت قارات عن بكرة أبيها.

اتصلت بفاضل، اتفقنا إن نذهب إلى هولندا القريبة، فالقرية اقرب للمدن الهولندية منها إلى معظم المدن الألمانية. تحدثنا عن روايته الجديدة وبأنها أفضل أعماله (الأسلاف) وبالفعل ثمة توسيع وتعميق لطرائق السرد والمناخات التي كانت تضطرب في جنبات سابقها (آخر الملائكة) تلك الكوميديا بالسوداء العنيفة: يتداخل في شبكة السرد المحكمة كل الشخوص والعوالم/ التفاصيل الكليات. العادي، السياسي والخارق عبر مخيلة فنطازية كاسحة فكأنما العزاوي يسوق بعصا الراعي الحكيم من فرط رهافة الرؤى تلك القطعان الشرسة في التاريخ والحاضر إلى مصائرها الحتمية.

ألتقي بالشاعر الأيسلندي يجري تحت المطر معتمرا قبعة، تبادلنا تحية عابرين، أجراس الكنيسة المجاورة تقرع على إيقاعات الأناشيد والخشوع الروحي. المكان فارغ اكثر مما كان. تذكرت كاتدرائية كولون التي دخلتها قبل أيام. تلك الآية المعمارية الفريدة، ضاجة بالطقوس والبشر والإيحاءات. تذكرت الكنيسة التي كنت ارتادها مع صوفي.
حيث تنفجر الموسيقى على غفلة من نعاسنا وقبلاتنا فنذوب في الأثير مهوّمين في فضاء تجريدي خالص.

اتصل عبد الملك وأحمد قالا انهما سيأتيان لزيارتي لو ضبطوا مكان القرية في خضم الخريطة الألمانية.

طافت به تهاويم حب قديم. طفولة عتيقة. قال. إلى الجحيم كل ذلك الحطام الذي عذبني.

يلتقي الغرباء صدفة في الحدائق العامة، ليقرأ كل واحد حيرته العريقة في وجه الآخر من غير سلام ولا كلام.

الحصان الأشهب الفارع يعدو سابحاً في ضباب الحقول.

طائر يصدح على نافذتي كل يوم، يمنحني لحنه النهاري هدية من حبيب بعيد.

براءة المعرفة اكبر قوة نواجه بها توحش الأشياء والثكنات وثقيلي الدم.

ليس الندم إلا من شيم النفوس التي طوّحت بها الأحاسيس العميقة بعيدا عن دوائر القطيع وتواطآته.

ليس للموت حسابات مسبقة، حسابه الوحيد حصد الأرواح من غير عدّ ولا حساب.

الشاعر الذي همه الوحيد استقطاب الجماهير بالصالح والطالح من غير اعتبار جمالي و أخلاقي و إنساني، هو اقرب إلى السماسرة والمهرجين منه إلى عالم الشعر الحق.

دعك مما يقوله الآخرون. أي سر سيبوح به هذا المساء. أي قصف ستتبادله مع هوام الليل وثيران البحار.

يغرز يده في عشب امرأة حتى يصل إلى قاع الأبدية.

شاعر ذلك الذي يتدحرج مع عبارته إلى أعماق هاوية لا قرار لها.

كان وقورا وصالحا في قومه. صاحب أطيان، مستقيما أيما استقامة في كل ذرات حياته وجزئياها. مات رحمه الله قبل يومين بذبحة صدرية. ترك إرثاً لا يستهان به. ستتقاسم استقامته من غير اعوجاج أجيال لاحقة. رثاه شعراء بقصائد طنانة، ذرفوا الدمع دماً كنائحات بالأجرة.

هذه الرحلة من بين رحلاتي الضاربة في شئ الأمكنة، حملت خصائص طريفة من بداية انطلاقتها. فبعد توقف دام 8 ساعات في أمستردام وصلت بعد منتصف الليل، فإذا بالحقيبة لم تأت ظلت في أمستردام وبقيت في انتظار مجيئها الذي تحقق بعد يومين. بعد عودتي نحو المطار مرة أخرى متجهاً نحو القرية الألمانية (شوبنغن) التي أنوي الإقامة فيها فترة، كانت الساعة الثالثة ليلا والمسافة من المدينة حتى المطار تستغرق ساعة ونصف الساعة. الدنيا موحشة والشوارع مقفرة حتى من الشاحنات، ومصابيح الشوارع مطفأة تماما، بالكاد تسمع حركة موج المحيط الغارق في الظلمة. وأنا لم انم. كانت آخر سهرة قاصفة مع الأصدقاء في مهرجان الثقافة. السائق الذي ينقلني نحو المطار ينقطع بغتة عن الكلام ويسرح في عالم بعيد. فجأة يخرج علبة يسكب منها سائلا أبيض على راحة يده. يظل يشتمها بعمق حتى ينقطع نفسه ويعاود الدورة بعد الأخرى. والسيارة تتهاوى في اكثر من اتجاه في ذلك الليل القاسي الكثيف الظلمة، ثم يندفع نحو التسجيل بأقصى طاقة الصوت. الشاب خالد والشاب ميمي وشباب آخرون. لا أستطيع وصف الحالة التي انتابتني، والمسافة ليست قصيرة. دخلت في مستنقع من التوقعات الخطرة وكلها ممكن وطبيعي في سياق هذه الحالة. كنت أخفف من وقع هواجسها المفترسة بالتطلع إلى النجوم مرسلة ضوءا باهتا في تخوم المحيط. أو النظر إلى شجرة وحيدة تهزها رياح الليل فتوحي بأنها غابة. وأحيانا أستل من الذاكرة المرتبكة حدثاً ما عشته في المدينة التي نحن بمحاذاتها، حدثاً حميماً، ذكرى لطيفة. أخذ السائق يسترد وضعه الطبيعي تدريجيا وكأنما عاد من رحلة لمدينة خارج العالم، أخذ يتحدث عن أحد شباب الأغنية وقال انه يعيش في فرنسا. كرر الجملة ست مرات حتى وصلنا المطار، كأنما اجتزنا الصحراء الكبرى.
عانقي كصديق قديم. أحسست. بمتعة من اجتاز نفقا من الكوابيس والأشلاء.

أصحو من نومي. افتح النافذة، السماء تمطر بشدة، نحن الآن في منتصف الشهر السابع والطقس يشبه كثيراً طقس الشتاء. سكون وهدوء مطبقان. تتصل المرأة العريقة في الذاكرة تقول أن سعد الدين إبراهيم اعتقل بتهمة التجسس لأمريكا. وقالت من الضروري أن نلتقي في بحر هذا الصيف. بعد أن أغلقت سماعة التليفون أحسست بشوق فعلي إليها.
تتصل صوفي تشتمني على انقطاعي. البارحة رأيتنا معا على متن باخرة سائحين في ربوع العالم من غير هدف.
اشرب الشاي. ألبس ملابسي. و أمضى تحت وابل من المطر. تذكرت بطل هيمنجواي في (وداعا أيها السلاح) بعد موت حبيبته يخرج متنزها تحت الأمطار الغزيرة يشاهد تفتحات الطبيعة وولاداتها. أمضى صوب إدارة القرية حيث (أنيتا نويمان) المسؤولة الإدارية لشؤون ضيوف القرية. امرأة على مشارف الخمسينات، طويلة وعلى جانب من الحيوية والجمال الذي يوشك على الغروب. تطفح بأنوثة واضحة. كنت قبل أيام سألتها إن كانت من القرية نفسها، أجابت بأنها من قرية أخرى صغيرة جدا لا يتجاوز عدد سكانها المئات. تخيلت إنني ذاهب معها إلى تلك القرية نتجول في حقول طفولتها المعرشة بالكروم والنباتات المختلفة. وحيدة مليئة بالعزلة والبحث اللامجدي عن الآخر. تخيلتنى ذلك الآخر فورا، لكن الالتفاتة التى تفصح عن نوع من صرامة في هيئتها وهى تلقى برأسها من يمين المكتب نحوي، جعلتني أتراجع في أحلامي تجاهها، ذلك النوع من الصرامة التي تنبثق من منطقة غامضة في الروح الألماني والذي ساهم في صنع أهم التحولات المعرفية والعلمية في تاريخهم المحتشد بالهدم والبناء.
اخرج إلى الغابة التي كانت خالية لكنها ليست موحشة فثمة ما نأنس به في الطبيعة اكثر من بني جنسنا أحيانا. أقول أحيانا لأن واحدا مثلى لا يدعى امتلاك تلك الطاقات الروحية التي تملكها قلة من بني البشر. وهي قلة محظوظة في امتلاك الإرادة الحرة الجبارة في التحرر من اكراهات الآخرين وتقلصاتهم المزمنة؟ لكن في حدود الممكن واللازم للكتابة والروح في الانفصال عن السياق العام للدهماء.
في غمرة انشغالي بتأمل مختلف حيوات الطبيعة ومظاهرها الآسرة بعد طول معاشرة للجبال الجرداء والأرض القاحلة يتقدم شاب طويل حليق الرأس يبدو صغير السن رغم عملقته، يلبس أساور وحلقا واحزمة في أنحاء جسده المليء بالوشوم. حييته بإشارة من رأسي لكنه لم يرد.
توجست خوفا في كونه ينتمي إلى الجماعات النازية الجديدة المعادية للأجانب في الديار الألمانية والأوروبية، راقبته من طرف خفي. التفت نحوي لكنه لم يواصل الطريق، انتحى ناحية في أعماق الغابة. قلت ربما يترصدني وأنا اعزل في هذا المكان المقفر الذي تكثر فيه عادة حوادث قتل و إجرام. فحين كنت في لاهاي كان الأصدقاء يحذرونني من المشي الطويل في الغابات الكبيرة بقيت متوجسا مترقباً قفزته الدموية، لكن ذلك لم يحصل كما هو واضح. واصلت طريقي إلى خارج الغابة حيث بعض الأفارقة يلوذون من المطر تحت صفيح ملعب للأطفال.

الدجاج مع الطماطم والبصل والثوم يغلي في المدر. هل علي أن أفكر في حياته وموته. وكيف دارت عيناه في نظرة أخيرة تحت سكين الجزار أو في مفرمة عملاقة.

طيف أمي متعبةً، شحيحة البصر، لا تمشي إلا مستندة على ولد أو حفيد، دائما يقربني من نهاية العالم. أتذكر أول وداع ودعتني من بيتنا القديم في مطرح، ملوّحة بيدها النحيلة والدموع تنهمر ساطعة في ظهيرة ذلك اليوم، مؤكدة على الرجوع السريع وعدم الغياب، الذي اتخذ لاحقاً هيئة المأساة بكامل ثقلها وبهائها وعبثها. أما الآن وبعد هذا الزمن الذي يختزل أعمارا، لم يعد للوداع من معنى لديها. لم تعد حتى تعتب.. لقد استسلمت، ذلك الاستسلام النبيل. وأدمنت الغياب الذي صار سمة مشتركة لحياتنا. لا أحد يستطيع الإفلات من قدره الحتمي. لقد قاتلناه وراوغناه لكن في النهاية إلى أين سنصل؟ من أين لي أن أفي بذلك الذين صار يثقل حياتي. بمشاعر باهظة؟

هذا القبس الذي يعبر السماء رسالة من نورك الأزلي.

الكتابة كالحب توسع شرنقة المكان. تغوص فيه لتستخرج أبعاده الخفية وتبتكر أبعادا أخرى اكثر جمالا. تحوّل القبر إلى فضاء فسيح والحصار إلى جنة موعودة. هكذا بقدرة سحرية لا يعود الكائن هو الكائن ولا المكان هو المكان. كم من العلاقات في تاريخ البشر تلاشت إلا تلك التي خلدها العاطفة والوجدان الممزق. وكم من الأماكن اندثر إلا تلك التي حولها الفن إلى ما يشبه الأسطورة.

مطر ورياح وفيالق سحب تغري الشياطين بالسباحة في الأفق.

ذئب يجفل من ظله في الظلام القاتم.

لا عزاء لأولئك الذين رأوا ذات مرة، ذات دهر،. بمنامهم ويقظتهم وبأقصى أعماق وجودهم، ما آلت وتئول إليه أحوال العالم والبشر؟ حتى لو سخت عليهم الحياة وهي غير سخية لأمثالهم.

غالبا ما يكون الحلم عن الأوغاد، حجر عثرة أمام الحياة.

ذلك القاتل المختبئ بين الأشجار، وريث القساة السطحيين.

كم من الهناء ينعم به تيس جبل الكور وهو يغمض عينيه ويفتحهما بعد جلاء السحب.

اليوم دخلت غابة جديدة يتصدرها تمثال للعذراء وهي تحتضن سيدنا عيسى المسيح، طفلاً. تقدمت خطوات بين الأشجار. بمزيج مشاعر متناقضة. أحسست بخوف وجلال غامضين. استحضرت الغابة السوداء. مهبط أفكار الفلاسفة الألمان؟ ولكن ليست هي بالتأكيد، فتلك تقع في منطقة أخرى واكبر حجما واتساعا. مما لا يقاس، تجولت فيها والغابة السوداء تهيمن على أفكاري ومشاعري. ترى كيف استطاعت تحمّل ذلك العبء الرهيب لذلك القراع الفكري وعنفه وصخبه وتعقيده وما لا يخطر على بال، لأولئك الرجال الشاحبين دهاة المعرفة.
بأي قلب وذاكرة صلبة لا تلين، ألا يمكن أن تكون أشجارها العملاقة قد نبتت من تلك الأفكار والسجالات الأكثر خصوبة في التاريخ البشري، وهي الآن ترقب ألمانيا والعالم من وراء نظام صارم لا هوادة فيه.
لقد رحل الفلاسفة بأجسادهم وبقيت الغابة والأفكار والأحلام في إخاء عميق، محتفظة. مما خفي من السر.

غالبا ما تخفق الأمم الكبيرة في تاريخها وتصاب بالهزائم والنكبات. لكن روحها الحية تبقى عصية تسري في دم السلالات، موقد قيم لا تطفئه الأيام. هل نستطيع توسل الكلام نفسه عن أمة العرب الآن؟

يعود الرعيان وكذلك الصناع وأرباب الحرف والكتبة وأصناف البشر الأخرى، في مساءات المدن والقرى، إلى منازلهم ينعمون بالسكينة ويمارسون حياة بهيجة حالمين بيوم آخر مفعما بالحبور؟ وحده الملتاث بغربةٍ لا نهاية لتخومها يجلس في ركن شبه معتم يكتب مذكرات يأسه عن قرن قادم.

ما دمت مريضا و أنجز الجميع مهمتهم. بمثل هذه الضراوة. فلماذا أشفى؟ الكي اسقط في حفرة مرض آخر؟

ليل بعد نهار ونهار بعده ليل. فصول متعاقبة في دورتها الفلكية. نجوم في السماء وبشر وحيوانات على الأرض، موت في حياة وحياة في موت بصحراء لامتناهية. أليس من تصحيح ممكن لسقطة الوجود الأولى؟

عبد الرحمن منيف. في كل رواية يسوّد آلاف الصفحات حتى امتلأت الرفوف. بملحمة التحولات التراجيدية لزمن عربي يوغل في انحداره. حكاية واحدة بتجليات أمكنة مختلفة تقول التاريخ والحاضر في انكسارهما المتواصل بزمن لم يعد أحد يقرأ فيه حتى كتب الطبخ والموضة، بعد أن أغلقت الصورة المرئية السهلة، بتلقيها السلبي الكسول، كل نافذة لقراءة ممكنة. بعد أن هيمن المجتمع المشهدي بكامل فظاعته وثقله. أي جلد وصبر توارثه عن أجداده البُداة الرحل في قفار الجز ير ة؟

استيقظ من نوم ليس خاليا من الأرق والأحلام وان كان أخف وطأة من ليال أخرى فكأنما ولدت من سلالة أحلامها وكوابيسها اكثر وقائعها تعيناً، أو أن الزمن مناصفة بين الاثنين.
أتذكر لقطة من حلم البارحة. رأيتني اصعد سلما بغية الوصول إلى سطح أو قمة ما. لكن حين اصل قريبا من السطح يصيبني عجز مفاجئ فلا أستطيع الاستمرار. أفكر في نومي أن اقوي عضلاتي وأهتم بصحتي. اصعد مرة أخرى فيصيبني الضجر في منتصفه واقفل راجعا. يبدو واضحا أن هذا الحلم قريب من المنطقة السيزيفية في الأسطورة لكن هكذا جاء، فربما الأسطورة نفسها كانت حلم شخص ما في زمن آخر. استيقظ على ضربات الأزميل لجارتي النحاتة التي ذهبت معها البارحة لمكان غسل الملابس في المبنى الآخر. عبرت عن صعوبة فن النحت وما يتطلبه من تركيز عضلي وذهني. كانت ضرباها قوية صاخبة من غير نباح الكلب الذي يبدو انه صمت يحدق في مرآة ضربات الأزميل. ويبدو أنها تعالج خامات ومواد صلبة لتشكل مخلوقاتها في لحظة توتر واضطراب أو لحظة مبادرة كالصقور التي تتراءى في عينها الطرائد. كانت معنية بالحياة البرية في منحوتاتها مثلما الوضع البشري في لحظة تحولاته وعزلته.
اخرج إلى الشارع العام الوحيد في القرية باحثا عن مقهى. مسحت الشارع كاملا وسألت من غير جدوى. افترسني إحباط. أخذت اجري تحت عصف المطر. شاهدت عجوزا تصرخ. لان كلبها احتجز نفسه في فترينة محل تجاري رأيته من وراء الزجاج يوهوه كأنما يختنق.
اتصلت ليلى راسمة لي خارطة أسفارها. اتصلت سعاد قائلة أن (الستالايت) شغال وحركة العالم والكون في قبضة يدها. كنت اسع في الخلفية وهى تتحدث بحماس وفرح كاتمة المها الحقيقي. أغنية لنجاة الصغيرة (في ليلة من ليالي فاتونا) أحسست بحنين إلى القاهرة.
صخب عمال وآلات يشذبون الأشجار في محيط المنزل. لا مقهى في القرية. أين تلك المقاهي التي قضينا شطرا من حياتنا بين ردهاتها وظلالها ومشاربها. نحلم ونحب ونكتب. كان المقهى بيتنا الحقيقي. أما الآخر فلنوم سريع فقط. كم من الحكايات والإشاعات والأفكار والدموع سفحت على أرضية المقهى وفضائه الواسع؟

كم من أوقات الإفلاس ألمت بنا بحيث نظل نحوم كالمنبوذين متلهفين للدخول؟ ذات صباح وبمحض الصدفة التقينا، كاظم وصمويل وأحمد أمام مقهى بعينه معروف في المدينة، تحت المطر الكاسر ونحن لا نملك قرشا للدخول منتظرين الفرج من أي صديق ينقذنا لوقت آخر.
ذات مرة كنا في ذروة الإفلاس أيضا وكان يوم أحد، و لم نعدم الحيلة حين وجدنا ثلاث زجاجات من العطر جاءتني هدية في ذلك الصيف. ذهب صمويل لبيعها بأبخس الأثمان لصاحب حان؟
في مسقط تعودت عدم الجلوس في المقاهي إلا نادرا. كنت أقضي سحابة يومي في فندق البستان الكبير. فهناك مقهاي وحديقتي وبحري. وهناك طيور الصفرد (الدراج) ذات الأصوات الجرسية المتكسرة كحزمة أنغام يقذفها السيل من قمة أحد الجبال المحيطة. وهناك الأسماك الصغيرة تقفز جماعات كغيوم بيضاء فسفورية على سطح البحر قريبا من الشاطئ، خاصة في مواسم بعينها حين تهيج أسماك (الجرجور والجيذر) وهي تجوب عرض البحار وعمقها مكتسحة كل شيء في طريقها كسباع ضارية.

من يرأب الصدغ العميق في ذلك الجدار الذي عششت فيه الأفاعي وفقست بيوضها السامة.

بركان يتلوّى من فرط احتقانه كي يجهش بالبكاء.

ربما تحرشت بالكونت دراكولا وهو الوادع في قصره بين نسائه الكثيرات، نساء دراكولا الفاتنات، يصغي إلى نحيب الذئاب ويقول (هؤلاء أطفال الليل يغنون)، فقد أرسل لي هذا الصباح إشارة غاضبة؟ عبر مسافة طويلة من قصره ينبلج كلب يزن ثلاثة ذئاب حجما وعنفا، كأنما انشقت عنه الأرض. أو نزل على مظلة طيار حربي من الفضاء، نظيفا نظافة من خرج من حمام بخار للتو دالقا لسانه كحريق. ألحظه من آخر الطريق الذي يفصل بين الحقول ويصلها بالغابة. يتقدم نحوي. بمعرفة أكيدة واثقة كأنما يحمل رسالة أو هدفا ما كلف به من قبل قوة خارقة. داريت خوفي وهو المخيف بشكل فعلي، شريد لا صاحب له. وهذا نادر في هذه الديار؟ ظل يتشمم ملابسي وينبح نباحا خفيفا وأنا أتجاهله كي يمضي حال سبيله، لكنه لم يمض ولم يتجاهلني. ظل ورائي مسافة تطول وتقصر حسب مزاجه، ربما كي يعطي ضحيته سعة الحركة وهو يعلم أنها حتما في قبضة مخالبه. لاهثا لهاثا هادرا كأنما سيجرف القرية بعد قليل. كم مرة اقترب مني حتى الالتصاق التام، وأنا أدارى الصرخة التي ستنطلق من أعماقي حاملة كل رعب العالم. وكم مرة تخيلت انقضاضه وتحويله جسدي المرتجف إلى مزق وأشلاء. امشي كمن يؤجل انهياره، شبه متماسك بفعل قوة تنبجس لحظات الخطر، لعل أحدا أو حيوانا ينشغل به ويكف عن ملاحقتي. عبر مسافة خمسة كيلومترات في الحقول الخالية وهو يتبعني على هذه الحال حتى وصلنا إلى مجموعة أطفال، ظل يتشممهم، راوغته قليلا. لكنه تركهم وظل ورائي، ومن ثم عائلة أخرى واكثر من عجوز نبح في وجهها، لكنه ظل يتبعني لا يحيد قيد شعرة عن مركز اهتمامه ولا تنفع معه حيلة أو مراوغة حتى ظنوا أني لا شك صاحبه. استسلمت لقدري وصحبته أخيرا إلى إدارة قرية الفنانين حيث السيدة (نويمان) ظل ساعات خلف المبنى حتى اختفيت. بعد هذا الحدث- الإشارة- سواء من الكونت دراكولا أو من أحد زعماء السحرة في (بهلا) لافتا نظري بقوة إلى وجوده الذي حاولنا إلغاءه عبر الدعوة إلى نبذ خرافات السحرة- الحدث الأول من نوعه رغم عيشي في بلدان تكثر فيها الكلاب والحيوانات المختلفة. أحالني هذا الحدث- الإشارة- أيضا إلى لقطة من الذاكرة حين كنت طفلا وبعد غروب الشمس في مسقط كنت اجتاز العقبة الجبلية من منطقة (الميابين) إلى الجانب الآخر، حين انبثقت من الظلام والمزابل ثلة كلاب شريدة ظلت تهاجمني وهي تنبح نباحا قاسيا في ذلك الليل البعيد. كنت مزنراً بخنجر حسب العادة العمانية خاصة في ذلك الزمان حيث الخنجر لا يفارق خواصرنا الطرية إلا عند المنام. ما زلت وأنا امشي في الحقول التي انفجر الكلب العجيب من ظلالها، أسمع لهاثه الجارف المتواصل، منتظرا إطلالته من أي دغل ومكان. وربما أحسست بعاطفة تجاهه، تلك العاطفة التي تخترقنا أحيانا بشكل لا يمكن تفسيره تجاه الصواعق والمغامرات والموت.

اجلس على كرسي في الحقل المجاور للمنزل اقرأ كتابا. يمر شاعر من ألمانيا، الشرقية سابقا، ورسام من هولندا سألته عن المسافة التي تفصلنا عن لاهاي. قال لا تتجاوز الساعتين. كان الشاعر الألماني أشقر بشكل ملفت ذكرني بأيام الكومسمول الآفلة، يبدو أن الألمان الشرقيين اكثر شقرة وطيبة وفقرا وربما لهذا وقف غونتر غراس ضد الوحدة الألمانية واعتبرها إلحاقا وقسراً.
اتصل خالد قائلا انه سيأتي مع فاضل ومنى وعبد الله لإيصال فاضل وقضاء يوم في القرية. كانت السحب تتكاثف مسرعة وتحجب قرمز الشمس الواهن (هناك تتمنى غيمة شريدة لتغير لك المزاج) نزلت قطرة مطر، قطرة وحيدة كأنما هي طليعة الأمطار القادمة مثلما تيس جبل الكور طليعة قطعانه والكلب طليعة المعجزة.

اتصلت بصوفي على أن تتصل بي لان نظام إفراغ البطاقات الألمانية معقد ولم اعتد عليه. اتصلت بعد قليل. كنت في مقعد في الحقل المجاور الذي رميت على حافة ساقيته قبل أيام العلبة الفارغة والى ما زالت تدافع عن وجودها ضد الطقس وأقدام البشر خاصة الصبية- قالت صوفي يجب أن تأتي سريعا لقد نزعت عطلتي الصيفية الرباط- كولون- القرية و.. يبدو أنها راقت لك. قلت باستثناء بيت الفنانين والكتاب فمعظم من أراهم عجائز وكلاب وشاحنات. وهى من بين قرى ألمانية تكثر فيها نسبة المتقاعدين. لذلك لا اعتقد أنني كنت مخطئا حين خمنت بقصر لدراكولا، رغم تحدره المتداول من رومانيا، فالكونت الشهير بنزواته ونسائه وولائم افتراساته الفارهة، لا يمكن أن يكون مرتبطا بنظام عمل يومي.

اتصل محمد وطالب وآسيا وأشرف في يوم واحد. في آخر المكالمة سألوني إن كنت أريد رطبا، فالحر على أشده، قلت. الرطب للصامدين في المكان وأنا هذا العام انسحبت من جبهة الصمود. شكرتهم، اتصلت المرأة العريقة في الذاكرة. قالت انها تجلس بنفس المكان الذي جلسنا فيه ذات يوم أمام البحيرة. قلت المكان يمكن استعادته في الأدب والمخيلة لكن من الصعب على صعيد الواقع. يلزمنا لمسة ربانية بالغة الشفافية والحنان لاستعادة بعض ما مضى. لكن الذكريات ربما ملاذ لنا من الاندثار.

اخبرني فاضل أن ثمة ألفي صندوق لمؤسسات خاصة وأفراد لدعم الثقافة بألمانيا في مختلف أنشطتها وتجلياتها. أما دعم الدولة فيصل إلى مئات الملايين. على سبيل المثال مسرح برشت يتلقى ما يعادل مبلغ ثلاثين مليون دولار سنويا كدعم خالص. لا أريد المقارنة مع الوضع العربي. ففي آخر ثانوياته الوضع الثقافي والبحث العلمي إن لم يكن ثمة عداء مضمر وعلى لهذا الوضع. انه من المعايير الأكثر بداهة لمؤشرات المسافة الشاسعة بين التخلف والانحطاط بين الحضارة ونقيضها.

أرنب يرعى في الحديقة وطائر يشبه البلبل يصدح بلحنه الفريد. تمر الفنانة التي هي من مدينة دوسلدورف الأكثر جمالا ورقة، تمر محييّة. قبل فترة افتتحت معرضها التشكيلي. وجهها الأكثر حضورا في ذاكرتي بقي يحييني دائما عبر الغياب.

حشرات الصيف تغرد، مرجئة موتها لشتاء قادم.

يجلس الغرباء في الزوايا كأنما يؤصلون عزلة سحيقة في النفس والمكان.

صرخة الألم. صرخة الحرية. أيهما اسبق؟ هذا هو النموذج المدرسي لترف المعرفة.

روح اللامبالاة ببهوها الشاسع، هي التي أبقتنا أحياء وإلا فطسنا منذ زمن بعيد.

كان لا يبالي بالإبادات والمظلومين من فرط ما نام مع الضحايا على سرير واحد.

كل شيء يتراجع ويختفي مع الأيام إلا حدث- جرح بعينه. يظل يؤجج نفسه باستمرار جذوة لا ينطفئ لهيبها، كأنه القدر الذي كان عليه أن يودي بحياتك مبكرا، ولان ذلك لم يحصل فيظل يلاحقك حتى النهاية.

حشرة تزمجر في الأواني الفخارية المركوزة منذ زمن في ركن البيت القديم: كم من العصور تزمجر، هادرة في أعماق المكان.

اتصل عبد الله قال: قبل عودته إلى إنجلترا، ذهب إلى مكتبة في بلده الرستاق ليأخذ العدد الجديد من مجلة(نزوى)، أجابه صاحبها انه منع توزيعها في مكتبته بعد أن وصل إلى سمعه عبر إشاعة رائجة أن كتابها من (العلمانيين).

تتساقط الأيام مطرا ثقيلا على رأسك، مطرا أسود وأنت تحدق في نهر لا أول له ولا آخر، نهر المخيلة الذي يجرف الوقائع والأشياء والحيوانات إلى مثواها الأخير، صانعا منها عجينة الكائن الموغل في فنائه.

ينهمر المطر على النهر انهمارا يقتبس من الشعر ألقه المكلل بأقواس قزح تقطر مطرا وصحوا كأنما الأنوثة والشعر ينهمران على جسد النهر.

انظر إلى طمي النهر بعد أن أفرغت حمولتها، ديمة قوية، تتحرك مياهه في كل الاتجاهات حتى يغيم مجراه الحقيقي في الدوامة الناضحة برائحة العشب والقعت التي هي رائحة الولادات المتجددة للمياه. متذكرا أودية عمان في عصورها الجيولوجية السحيقة، حين كنا نسأل أمهاتنا النظرات في ضوء المطر: أين تذهب مياه الأودية- إلى البحر غالبا أو تبتلعها الأرض في المواسم الممحلة.

يجرجر أحشاءه على رصيف الميناء، بعد أن حصده رصاص القتلة المختلط بصفير السفن التي كانت يلهث نحوها بغية الهروب.

لماذا يستفيد من دروس حياته؟ وأي مسار سيصحح بها، في ظل هذا التشوش والاختلاط. في ظل انهيار الجهات جميعها. حيث لا يتراءى للعين إلا شبح الموت وحيداً مشرقا في ربوع الصحراء؟

في هنيهة عابرة (غالبا في الصباح من غير سهرة قاصفة) يحتضن أيامه كنساء عاشقات.

بين مقهى في شوبنغن وآخر قريبا من هيثرو، يتجمع سائقوا الشاحنات وعمال القمامة. بملابسهم الصارخة يحتسون المشروبات، منخرطين في أحاديث يغص بها الفضاء والطرقات كأنما يتنفسون الحياة بعد عزلة ليلهم البهيم.

بطيئة تمر السحابة، لكنها لا تشبه هريرة الأعشى وهى تمضي إلى بيت جارتها، ولا نئوم الضحى عند ابن أبي ربيعة؟ و إنما تجر برسغها عربات ثقيلة، ناقلات سجانين في ظلمة قاسية.

تنفجر الوردة في قلب المنظر العام للورود، معبرة عن قدرتها في التحول إلى غابة.

يمكن للسعادة أن تقفز من غيمة إلى أخرى. ومن حيوان أو هر إلى آخر، لكنها ترفض أن تحط على ارض البشر بعد أن نزل الزمن والتاريخ بثقليهما على أكتافهم وروابيهم.

يمشى هائما في الطريق يصطاد العبارة تلو الأخرى كما تصطاد شباك الغيوم في منحدراها الوميض الخاطف.

هذه اليد الطالعة من نعمتها الخاصة، من أعماق البحر وعلى ضفتيه النوارس هائجة في موسم السفاد، تمد لي دائما تلويحة الرحمة.

لم يعد التفكير في الحياة أو الموت هو المهم، و إنما كيف نعبر هذا المضيق بأقل فداحة من المصائب والآلام.

مرق النمر فريسته شلواً شلواً ونام يحلم بفريسة أخرى. دفن الحانوتي خامس جنازة هذا اليوم ومازال نهمه لا ينطفئ له سعار.

امرأة السرير غيرها امرأة المخيلة. ولا تجتمعان إلا في لحظات تشبه بروقاً عابرة.

ممر طيران عاصف. كل دقيقة اكثر من طائرة تحفق على انخفاض متوسط حيث مجثمها القريب الضاج بكل جنسيات العالم. أظل أحدق فيها ليل نهار محتدما بالهوام تصدح في رأسي. بالأمس انفجرت طائرة الكونكورد لأول مرة في تاريخها. حتى الأثرياء مهما كانوا محصنين بقدرات التكنولوجيا ليسوا. بمنجاة من الخطر والموت. العدالة الوحيدة على هذه الأرض.

لم أشاهد بحياتي طائرة تنفجر هكذا مباشرة إلا في الأفلام. لا استلطف ذلك، يكفيني ما أعانيه من انفجارات في رأسي. لم تعد هواجس الفناء تستحوذ علي حين اركب الطائرة كما في الماضي، قلقي في السيارات اكثر منه في الطائرات والقطارات.. أنا الآن عل مقربة من الفجر، حيث تحلق أسراب البط من البحيرات المتناثرة باتجاه النهر. نسائمه تصلي هدية لصباح قادم. بالأمس كنت أتتنزه على ضفتيه المليئتين هياكل السفن المحطمة التي اتخذها المتشردون والمهاجرون بيوتا دائمة. استحضر أبيات (ت اس اليوت). أيها التايمز الحبيب إن صوتي ليس قويا ولا عاليا. كنت ألاحظ كيف كانت المياه تنبعث تدريجياً من قيعانه وحوافه حتى تغمر الحواجز، ثم مع نزول المساء تبدأ بالانخفاض حتى الغياب. حركة المد والجزر كدورة حياة الإنسان كالحضارات البشرية التي تختزلها هذه القناة الكبيرة من النهر في الحياة اليومية لوجودها الذي يقول البسيط والعادي بأبعادهما الخفية، بأبلغ مما يقوله صخب الملاحم والكرنفالات.

في أوقات كثيرة يتبدى معظم الوضع العربي (ثقافيا) دعك من شئ آخر، وكأنما الجميع انخرط في مشهد هذيان جماعي يقوده قراصنة شرسون فقدوا كل أمل بالعودة بعد تحطم سفنهم وتحولها إلى أشلاء. يختلط في هذا المشهد كل أنواع العصاب والهلوسة والهستيريا وما لا يطوف بذهن علماء النفس ومفسري الأحلام والكوابيس. مشهد شبحي كالح. أضغاث أحلام لنائم في صحراء أو في مدينة كبيرة- لأعرابي من القرن الأول أو لمثقف حضاري في أرقى مدينة، لا فرق، حيث الانتهاك وصل إلى أقصى الحد الأخلاقي والروحي والفطري. الجميع ضد الجميع وهم ضد الفرد. والفرد ضد نفسه من فرط تقديسه لأوهامه واكتشافاته المريضة. لا تكاد تتبين أي ملمح يقودك إلى وضع بعينه من فرط كثافة هذا الانتهاك والالتباس اللاابداعيين بالطبع.
كأنما ثأر قديم يحرك عملية انتقامية جبارة. كأنما تراكم ميراث الانحطاط والقمع ينفجر على هذا النحو العجيب. لقد فقدت الأشياء والميم كل قوام لها.
انها ليست الفوضى الخالقة والغضب الذي ينم عن طاقة النقد والاحتجاج. إنما الانحدار المقيت لإنسانية الإنسان وميراثه القيمي الذي ناضل واستمات من أجله طويلاً طويلاً جدا في الزمان والمكان والموجود في أدنى فئات المجتمع حسب السلم المتداول.. ما الذي يمنع سائق الشاحنة الذي يجلس أمامي من توجيه لكمة تعيدني إلى عمان أو القاهرة، إلا ما تبقى من خيط القيم ومكتسباتها؟ حتى لو فرضت بقوة القانون الذي هو مكتسب إنساني منذ حمورابي والذي سحق ويسحق مع أول هياج أعمى للغرائز والمصالح.

ما الفرق بين فجر مدينة وأخرى؟ وحتى فجر القرية التي تصحو على غبش أصوات الديكة والجنادب وحيوات الطبيعة الصافية وليست العربات والضجيج؟ لا أكاد المح إلا الشبح وهو يعبر في تهاويل الظلام، مرآته المقعرة؟ لا أكاد ألمح الفرن إلا لماما.

لقد لمحت الفرق بين فجر المدينة وفجر القرية الزاحف بروائحه ومخلوقاته الحييّة، يعبر روحي بسكينة طفل حلمتُ به قبل ولادتي، يكاد ينفجر فرحا في وجه العالم. لكن بعد فترة ضجرت من السكينة وملاحظة الفروق.

كان ينتظرها في القرية الوادعة على مشارف جبل قاف، لتضفي مسحة جمال على روحه الخربة، لكنها لم تأت.

أولئك النساء اللواتي توارين في الغياب. هل بقى فم صالح للقبلة مثل مكان للسكنى، بعد أن افسد الدخان والخراب كل شئ؟

2000،
قرية شوبنغن- ألمانيا

_________________
ديوان - يتيمة الدهر,قصائد وشعر سيف الرحبى,ديوان سيف الرحبى pdf Hearts10

حسن بلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

يتيمة الدهر,قصائد وشعر سيف الرحبى,ديوان سيف الرحبى pdf

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: فوضى الحواس(منتديات ثقافيه) :: مرتفعات أو سوناتا الكلام

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا