آخر المساهمات
2024-04-28, 10:02 pm
2024-04-28, 9:57 pm
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-12, 10:41 pm
2024-04-02, 5:16 am
2024-04-01, 10:46 pm
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

تحميل كتاب العقلانية والمعنوية لمصطفى ملكيان

2 مشترك
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11551
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : تحميل كتاب العقلانية والمعنوية لمصطفى ملكيان 15781612
تحميل كتاب العقلانية والمعنوية لمصطفى ملكيان Icon_minitime 2011-06-22, 11:56 pm
الباحث الإيراني مصفى ملكيان يكتب عن العقلانية والمعنوية في كتاب صدر حديثا عن سلسلة كتب فلسفة الدين
وهي سلسلة كتب فكرية متخصصة تتناول موضوعات ومسائل فلسفة الدين ويصدرها مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد
بإشراف د. عبد الجبار الرفاعي


مصطفى ملكيان
ولد
عام 1955 في أصفهان (وسط إيران). تخرج من كلية الهندسة جامعة طهران عام
1973. انتقل بدافع من اهتمامه بالفلسفة والإسلاميات إلى مدينة قم والتحق
بحوزتها العلمية. وفي عام 1986 حصل على الماجستير من جامعة طهران (كلية
الإلهيات) قسم الفلسفة. يشغل اليوم منصب أستاذ الفلسفة في جامعة طهران وفي
الحوزة العلمية في قم. أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه
التي تنحو منحى تجديديا في الدين. يقوم مشروعه الفكري على ضرورة وجود
قراءة جديدة لعلم الكلام افسلامي تعتمد على معطيات العلوم الإنسانية
الحديثة، خاصة وأن المدارس الكلامية الموجودة حاليا تقوم كلها على مرجعية
النص وحدها مع اختلافات طفيفة في الأدوات المنهجية المستخدمة لفهم النص.
لقد خلفت الفترة الكلاسيكية من تاريخ الفكر الإسلامي بحوثا ودراسات كلامية
عميقة تمثلها مؤلفات الفخر الرازي ونصير الدين الطوسي والقوشجي والغزالي
وابن رشد وأضرابهم. لكن علم الكلام ما لبث أن دخل بعد هؤلاء في طور
الانحطاط وأصبح يعتمد فقط على الشروح والحواشي للكتب القديمة. واليوم ومع
تطور المناهج الإنسانية والنقدية أصبح من الضروري تجديد علم الكلام بما
يتناسب مع هذا التطور. لكن وخلافا لعلم الكلام القديم الذي كان يقتصر على
الدفاع عن المنظومة العقدية والكلامية لمذهب ما مقابل المذاهب الأخرى كأن
يستغل المتكلم المعتزلي مثلا مخزونه المعرفي والكلامي للدفاع عن منظومة
المعتزلة الكلامية مقابل مثيلاتها لدى الأشاعرة والإمامية والزيدية
وغيرهم، يحاول علم الكلام الجديد الخروج من هذه الدائرة المغلقة إلى
الفضاء الفسيح للدين بحيث يخضع جميع الأدلة الكلامية لجميع الفرق للمناهج
الاستدلالية الجديدة مثل الهرمنيوطيقا والابستمولوجيا وغيرهما. هذا وقد
صدر لمصطفى ملكيان عدة كتب من تأليفه وترجمته حول فلسفة الدين وفلسفة
الأخلاق والمدارس الفكرية والفلسفية في الغرب. ومن هذه الكتب على سبيل
المثال: (راهي به رهاي) أو الطريق إلى الحرية، (مشتاقي ومهجوري) أو الشوق
والهجران، (مهر ماندكار) أو الحب الخالد، (أخلاق ديني وأخلاق سكولار) أو
الأخلاق الدينية والأخلاق العلمانية. وبالإضافة إلى كتاب العقلانية
والمعنوية؛ مقاربات في فلسفة الدين الذي يتناول العلاقة بين الإسلام
والليبرالية والذي يخلص فيه المؤلف إلى تغليط القول بمعارضة الإسلام
لليبرالية على نحو مطلق ويقترح بدلا من ذلك القول بأن القراءة الأصولية
وهي إحدى القراءات الممكنة للإسلام هي التي لا تتسق مع الليبرالية. ( وقد
صدر هذا الكتاب في طبعتين إحداهما وهي الأقدم عن دار الهادي للطباعة
والنشر والتوزيع في بيروت عام 2005 وهذه الطبعة الحالية الصادرة عن الدار
العربية للعلوم ناشرون في بيروت عام 2010 بالاشتراك مع مركز دراسات فلسفة
الدين في بغداد. ترجمت للمؤلف عدة كتب أخرى إلى العربية منها كتاب الشوق
والهجران الذي أصدرته في 437 صفحة من القطع المتوسط مؤسسة الانتشار العربي
عام 2009 وهو من ترجمة وتحقيق أحمد القبانجي. ويتناول الكتاب إشكالية
علاقة الدين بالعلم والفلسفة. ويرى أن العلوم التجريبية (طبيعية كانت أو
إنسانية) تتطور ويتطور معها الدين في مجتمع يملك أفراده إرادة جماعية
لتغيير العالم الخارجي. وكتاب مطارحات في عقلانية الدين والسلطة بالاشتراك
مع محمد الشبستري وآخرون. وقد ترجم الكتاب وحققه أحمد القبانجي وهو من
منشورات الجمل عام 2009 في 223 صفحة من القطع المتوسط. والمؤلف يرى في
كتابه أن سؤال كيف نفكر أو كيف نفهم العالم يسبق سؤال ما العمل التقليدي.
فعملية الإصلاح الديني والبناء الاجتماعي تبدأ من إصلاح الفكر وإذكاء
فاعلية العقل كمقدمة لفهم الواقع وتشخيص مواطن الخلل من أجل تحويل الفكرة
إلى واقع حي يجسد طموحات الإنسان المسلم في الحياة.


عبد الجبار الرفاعي
مواليد
ذي قار بالعراق عام 1954. انخرط في دراسة العلوم الإسلامية في الحوزة
العلمية في النجف الأشرف عام 1978 وتابع دراسته في الحوزة العلمية في قم.
أطلق ورأس تحرير سلاسل كتب ومجلات مهمة. منها مجلة قضايا إسلامية التي رأس
تحريرها بين عامي 1994 و 1998. ومجلة قضايا إسلامية معاصرة في بيروت
وسلسلة كتاب قضايا إسلامية معاصرة وسلسلة كتاب فلسفة الدين وعلم الكلام
الجديد وسلسلة كتاب ثقافة التسامح الدورية في بغداد وسلسلة كتاب فلسفة
وتصوف في بيروت. ويشغل حاليا منصب مدير مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد.
من آثاره المطبوعة: ترجمة كتاب شرح المنظومة في الفلسفة الإسلامية للأستاذ
مرتضى المطهري في 4 أجزاء 1992 – 1993. ترجمة كتاب محاضرات في الفلسفة
الإسلامية للأستاذ مرتضى المطهري 1994. الفكر الإسلامي المعاصر: مراجعات
تقويمية 2000. جدل التراث والعصر 2001. تحقيق ودراسة كتاب موجز في أصول
الدين للسيد محمد باقر الصدر. علم الكلام الجديد وفلسفة الدين 2002.
الاجتهاد الكلامي: مناهج ورؤى متنوعة في الكلام الجديد 2002. ترجمة كتاب
العقلانية والمعنوية بالاشتراك للأستاذ مصطفى ملكيان 2005. ترجمة كتاب
التدين العقلاني بالاشتراك للأستاذ مصطفى ملكيان 2005. مقدمة في السؤال
اللاهوتي الجديد 2005. التسامح ومنابع اللاتسامح 2005. التسامح ليس منة أو
هبة 2006. هذا فضلا عن إشرافه على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه
وكتابة المقدمات لعديد من الكتب من بينها كتاب إشكالية الإسلام والحداثة
لعادل عبد المهدي وكتاب ماذا يعني علم الاستغراب لحسن حنفي وكتاب مخاضات
الحداثة لمحمد سبيلا. ينطلق في رؤيته لتحديث الفكر الديني من ضرورة تقوية
وتثبيت نزعة التدين لدى الإنسان وليس نفيها أو استبعادها باعتبار تلك
النزعة تمثل تطلعا أنطولوجيا أصيلا لديه ومنبعا ثريا من منابع التراحم
والمحبة والجمال في العالم. لكنه يرى في نفس الوقت أن الدين يمكن أن ينقلب
إلى الضد عندما يجري التلاعب به بواسطة جماعات وفرق لا هم لها سوى تغليب
مصالحها الذاتية على رسالة الدين ومقاصده الكلية بوسائل كثيرة منها احتكار
تمثيل الدين وفرض تأويل معين له بالعنف والقوة وتكفير طرق التأويل والفهم
الأخرى. ولا خروج من هذا النفق المظلم إلا بإشاعة فهم عقلاني متسامح
للدين. على أن إنقاذ النزعة الإنسانية العقلانية في الدين لا يتحقق إلا
بالتشجيع على التفكير النقدي والقيام بمراجعات نقدية مستمرة للثقافة
والتاريخ والتراث الإسلامي بما يحقق تجاوز اللاهوت الكلاسيكي المغلق إلى
لاهوت جديد عقلاني ومستنير.



المشهد الفكري والثقافي في إيران
يمكن
اختصار المشهد الثقافي والفكري الإيراني في جانبه الديني في تيارين بارزين
أحدهما تقليدي مدرسي والثاني تجديدي إصلاحي. ويغلب على التيار التقليدي
الطابع الفقهي ففي الوقت الذي تتركز الدراسات والبحوث فيه على مادتي الفقه
والأصول يتراجع الاهتمام بالدراسات القرآنية ويتم استبعاد علوم الفلسفة
والكلام. أما التيار التجديدي فينقسم بدوره إلى تيارين أحدهما يقود حركة
التجديد من داخل الحوزات العلمية نفسها في قم ومشهد وأصفهان. والثاني يقوم
بها من الخارج وباستخدام آليات فكرية مغايرة. ويتميز التجديد الذي يقوده
تيار الإصلاح الداخلي بأنه غير جذري فهو إما أن يقتصر على التجديد الشكلي
للغة الخطاب الفقهي وعرض أفكار فقهية تقليدية بلغة جديدة معاصرة أو يجتهد
على استحياء في بعض جوانب الفقه وخصوصا فقه المرأة والفقه السياسي. أما
تيار الإصلاح غير الحوزوي فيحاول أن يقوم بتجديد أكثر جذرية مستخدما أدوات
ومناهج العلوم الإنسانية الغربية. ومن أبرز أمثلة التجديد الذي يقوم به
هذا التيار محاولة تقديم قراءة تاريخية للفقه وعلم الكلام. التقريب بين
نظرية الحقوق في الإسلام وبين نظرية الحقوق المعاصرة. القيام بمحاولات
لدراسة الفقه بعينه على غرار دراسة المعرفة بعينها كما هو حادث في الغرب
وهو العلم الذي يطلق عليه فلسفة الفقه. ويطل هذا العلم على الفقه من خارج
إطار الاتجاهات الفقهية السائدة ويدرسه بوصفه ظاهرة من ظواهر الحياة
الاجتماعية والعلمية فيربط بينه وبين بقية العلوم الدينية كعلم أصول الفقه
وعلم الكلام كما يربط بينه وبين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية.
ويعتبر كتاب القبض والبسط النظري في الشريعة للدكتور عبد الكريم سروش من
أهم الكتابات في مجال فلسفة الفقه. وقد ترجمت الكتاب إلى العربية الدكتورة
دلال عباس وأثار الكتاب وقت صدوره ضجة كبيرة. ويبني سروش فرضية كتابه على
أساس أن فهم الدين يتطور بتطور العقل البشري. فمستوى التطور الذي وصلت
إليه العلوم الطبيعية والإنسانية في العصر الحديث يستدعي تطورا مماثلا في
الفقه وسائر العلوم الدينية الأخرى. وكلما استمرت المعطيات العلمية
والفلسفية القائمة، في التحول، تطلب الأمر إبداع المزيد من القراءات
الجديدة للدين. وتبلغ كتابات الدكتور مصطفى ملكيان داخل التيار التجديدي
غير الحوزوي نفس المستوى من الأهمية. يفصل ملكيان في مشروعه الفكري
التجديدي بين الإيمان والاعتقاد. وإذ يضع الاعتقاد في الدرجة الثانية يعول
كثيرا على التجربة الإيمانية. وتشبه نزعته كثيرا النزعة الإيمانية في
الغرب والتي تكاد تسيطر اليوم على الفكر المسيحي المعاصر.



العلاقة بين الفلسفة والدين

اتخذت
علاقة الدين بالفلسفة صورا مختلفة بحسب رؤية كل طرف للآخر. وفي هذا الإطار
تكونت تصورات فلسفية عديدة لعل أهمها تصور كل من كنط وهيجل. وبخصوص تصور
كنط، فرغم أنه يسلم بوجود تعارض مبدئي بين الفلسفة والدين إلا أنه يحاول
مع ذلك أن أن يزيله بالتأويل العقلي. فإذا ظل التفسير الحرفي للدين محتفظا
بسمة التعارض مع التأويل العقلي وجب تفضيل التأويل العقلي. أما هيجل
فيتصور العلاقة بين الدين والفلسفة على أساس آخر تلعب فيه فكرته عن الروح
المطلق الدور الأكبر. يظهر روح هيجل المطلق في التاريخ بطرق مختلفة. أولا
بطريقة حسية في الفن كما توضح ذلك الصور والتماثيل التي أبدعها أصحاب
الديانات الوثنية. وثانيا في الدين بطريقة تمثيلية مجازية تتوسل في
تعبيرها عن الروح المطلق بالاستعارة والكناية والتشبيه. ثم أخير في
الفلسفة من خلال الفكر الخالص المجرد. فالروح المطلق هو الموضوع في كل من
الفلسفة والدين. لكن بينما تعبر الفلسفة عنه بلغة فكرية مجردة يعبر الدين
بطريقة مجازية. وبينما تمر علاقة الإنسان بالمطلق في الدين بلحظتين
منفصلتين، تشكل هذه العلاقة لحظة واحدة في الفلسفة. ففي الدين ثمة لحظة
يكون فيها الإنسان بعيدا عن الروح المطلق ومنفصلا عنه. هنا يظهر الروح
المطلق كموضوع خارجي بالنسبة للذات أو كشىء تاريخي بعيد المنال. ولحظة
ثانية مستقلة عن الأولى هي لحظة الخشوع يتوافق فيها الإنسان مع الروح
المطلق. هنا يتم القضاء على الانفصال وتتوحد الذات مع الموضوع ويصبح الفرد
مسكونا بالروح. وهكذا فما كان يشكل في الدين لحظتين أو مرحلتين منفصلتين
يشكل لحظة واحدة في الفلسفة حيث الروح يفكر في الروح مباشرة والفكر يفكر
في الفكر. وهذا هو فضل الفلسفة، أنها توحد ما كان مفصولا في الدين وتجعل
الذات تعثر على موضوعها في الفكر. وأريد أن أتوقف هنا وأن تسمحوا لي في
نفس الوقت بالاستطراد. ففكرة هيجل هذه قد دوختني وألهبتني وهي لوحدها
تساوي وزنها ذهبا. ولقد اختبرت الفكرة بنفسي وعشتها حتى العظم في مواقف
ولحظات استثنائية من حياتي. أما روح هيجل المطلق نفسه فلا أهمية له على
الإطلاق. المهم هو أن أنتزع ضرورتي من داخل عرضية الوجود. أن أشعر بسر
الوجود. وعندما أنظر إلى هذا السر أرى نفسي كما لو كنت أنظر في مرآة. حدث
لي شىء من ذلك وأنا جالس ذات مرة في قطار عويطة الذي كان يقطع المسافة بين
الدار البيضاء وبين الرباط. كنت أمر بتجربة الحب الأول وكانت حبيبتي تجلس
إلى جواري عندما انبعث صوت خوليو إيجليسياس فجأة من مذياع القطار الداخلي
يصدح بأشهر موسيقا التانجو الغربي لا كومبارسيتا والبالوما. في البداية
أصغيت للموسيقا بسمعي ثم بوجداني ثم بجسمي كله. وتبادلت أنا وحبيبتي نظرة
حب وحنان وقد عكست وجوهنا ووضعياتنا حكاية اللحن والأفكار والمشاعر التي
كان يستحثها فينا. لقد كنا ندلف سويا إلى عمق الموسيقا الذي يفوق الوصف
حيث تتولد كل عواطف وجودنا الأعمق. وهكذا استسلمنا سويا لنشوة الموسيقا
بينما كان القطار يخترق حاجز الزمن ويقطع بنا مسافات روحية شاسعة. أن تنصت
إلى معزوفة موسيقية هو بالضبط أن تخرج من عالم، وتدخل في عالم آخر.
وباستمرار تجربة الاستماع، يتواصل "الخروج - الدخول" إلى أن يصل المستمع
إلى درجة يصبح فيها هو الموسيقى التي تعزف بلا أدنى فاصل أو مسافة. أي
يصبح في لحظة واحدة "موسيقا تفكر في الموسيقا" أو بالتعبير الهيجلي يصبح
الفرد مسكونا بالروح. وبقدر ما تأسرنا الألحان المسموعة بعذوبتها، فإنها
تهييء أرواحنا لاستقبال ألحان غير مسموعة أعذب منها. (مريت على بيت
الحبايب) مثلا لعبد الوهاب. وخصوصا عند آخر مقطع في الأغنية (قلت يمكن
اللي هاجرني / يكون وقوفي على غير مراده) وهو بالمناسبة على إيقاع التانجو
وعزف الأكورديون. وأيضا قصيدة (سهرت) لعبد الوهاب والتي يعتبرها البعض
المحاولة الأكثر اكتمالا ونجاحا في تلحين أغاني عربية على إيقاع التانجو.
(سهرت منه الليالي / ما للغرام ومالي ؟ / إن صد عني حبيبي / فلست عنه بسال
/ يطوف بالحب قلبي / فراشة لا تبالي). أغنية يتضوع منها عطر الحب
الرومانسي. حب يقطر من أغنية. أما الأغنية التي تضربني بأجنحة روعتها
وخفتها غير العادية فهي أغنية (أنا قلبي دليلي) لليلى مراد. وهي أغنية على
وزن الفالس ظهرت فيها ليلى مراد وهي تراقص أنور وجدي في حفلة تنكرية وتغني
من ألحان محمد القصبجي (أنا قلبي دليلي / قال لي ح تحبي / دايما يحكي لي /
وبا اصدق قلبي). وبعض أنواع الموسيقا له قدرة فائقة على استثارة إحساسات
متنوعة داخل أنفسنا، ونحن نصغي. كأن نرى ونتذوق ونشم في نفس الوقت. وثمة
أغنية من هذا النوع، لا أسمعها في الحقيقة بل أشمها شما هي أغنية (في قلبي
غرام) لمحمد عبد المطلب. تجعلني هذه الأغنية أشم رائحة أبي وأمي و"أتذكر
أشياء مضت" حسب تعبير مارسيل بروست. وأبلغ من خلال التذكر، لحظة الخشوع
والذوبان وتوحد الذات مع الموضوع. وإذا كان صحيحا، كما يقول أوليفر ساكس
في كتابه "نزعة إلى الموسيقى" أن بعض الناس لديهم القدرة على أن يحددوا
فورا درجة النغم لأي نغمة موسيقية من دون تفكير أو مقارنة بنغمة قياسية
خارجية. فيقولون مثلا: "إن السماء ترعد في G" أو "إن الريح تصفر في D"
فإنني أستطيع أن أقول على نفس المنوال، "إن العالم بل الكون كله ينتهي
نهاية رائعة بالحب في أغنية أم كلثوم (ودارت الأيام) خاصة في ذلك المقطع
الذي تقول فيه:

وصفوا لي الصبر لقيته خيال وكلام في الحب يا دوب ينقال
أهرب من قلبي أروح على فين ليالينا الحلوة في كل مكان
مليناها حـب إحـنا الاتنين وملينا الدنيا أمـل وحـنان


فلسفة الدين


بدأت
فلسفة الدين تتكون كحقل معرفي مستقل منذ نهاية القرن 18 وبالتحديد مع كنط
في كتابه "الدين في حدود العقل وحده" (1793م). ففي هذا الكتاب يقدم كنط
تفسيرا عقلانيا نقديا للدين بشكل كلي من منظور العقل النظري والعقل العملي
معا. كما أخضع المعتقدات الدينية والعلاقة بين الإنسان والله كما يتصورها
الدين، للبحث الفلسفي المستفيض، محكما المعايير العقلية وحدها. أما مصطلح
"فلسفة الدين" فلم يظهر إلا في بداية القرن 19 مع هيجل في كتابه "محاضرات
في فلسفة الدين" (1832م). ثم تناول شيلنج الفيلسوف الألماني فلسفة الدين
في كتابه "محاضرات في الوحي والأساطير" (1843م). وكتب جون ستيوارت مل
"ثلاث مقالات في الدين" نشر بعد وفاته عام 1874م. وفي سنة 1880 أصدر ج.
كيرد "مدخل إلى فلسفة الدين". وفي سنة 1882 ظهر كتاب لوثر "فلسفة الدين".
واستمر التدفق في الإنتاج الفلسفي حول الدين طوال القرن 20. ومن أهم
إبداعات القرن 20 في هذا المجال كتاب "تنوعات الخبرة الدينية" لوليام
جيمس. وكتاب "العقل في الدين" لسنتايانا الصادر في عام 1905. ومن أهم
الإسهامات كذلك كتاب الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون "منبعا الأخلاق والدين"
(1932). وكتاب عالم النفس الشهير يونج "علم النفس والدين" (1948). وكتاب
"التحليل النفسي والدين" لأريك فروم (1950). فلسفة الدين هي إذن مبحث من
مباحث الفلسفة يروم إخضاع الدين بوجه عام للنظر العقلي والنقدي بعيدا عن
الانفعالات والتحيزات المسبقة. فإذا كان علم الكلام أو علم أصول الدين
الإسلامي وعلم اللاهوت أو علم أصول الدين المسيحي يبدأ من نقطة وجدانية أو
انفعالية خالصة، فإن فلسفة الدين تختلف تماما. فهي تبدأ من نقطة موضوعية
وعقلانية خالصة. وتطبق فلسفة الدين المنهج ذاته على كل المسائل المتعلقة
بالدين مثل ماهية الدين، الألوهية، الوحي والنبوة، المعجزات، العبادات،
مشكلة الشر، الحياة الآخرة، وغيرها. وتستعين فلسفة الدين بمنجزات العلوم
الإنسانية والاجتماعية خصوصا علم النفس الديني وتاريخ الأديان وعلم
الأديان المقارن. وتتعدد زوايا النظر إلى الدين بتعدد المناهج العلمية
المستخدمة. فعلم النفس يدرس الدين من زاوية نفسية. وينظر إليه علم
الاجتماع كظاهرة اجتماعية. أما علم تاريخ الأديان فيؤرخ لنشأة وتطور
الأديان والمعتقدات والشعائر والطقوس. ويدرس علم مقارنة الأديان،
المعتقدات والرؤى والكتب المقدسة، دراسة مقارنة وصفية وأحيانا نقدية. كما
تستعين فلسفة الدين بمنجزات العلوم الطبيعية لفحص وتقويم النظرة الدينية
للإنسان والعالم. وعلاوة على المنهج العقلاني النقدي، قد تنتهج فلسفة
الدين مناهج أخرى لدراسة الدين. ومن هذه المناهج على سبيل المثال؛ المنهج
التجريبي، والمنهج الوضعي المنطقي، والمنهج التحليلي، والمنهج البراجماتي،
والمنهج الفينومينولوجي، والمنهج البنيوي، والمنهج التفكيكي، وغيرها من
مناهج الفلسفة المختلفة. ولنتوقف قليلا عند المنهج الفينومينولوجي نظرا
لأهميته البالغة من وجهة نظري. فالفينومينولوجيا كما أراها منهج يفيد
كثيرا الباحث الذي ينظر إلى الدين باعتباره ظاهرة تاريخية متطورة. فنحن لا
نبحث عبر هذا المنهج في الدين بوصفه ظاهرة متعالية إنما باعتباره ظاهرة
تاريخية ثقافية. وهذا التحول في مجال البحث من "الدين" إلى "الظاهرة
الدينية" ستواكبه من دون شك حركة نقدية تؤمن القيام بالكثير من المراجعات
النقدية للتراث والتي نحن في أمس الحاجة إليها مما سيكون باعثا قويا على
نشر وإشاعة النزعة الإنسانية التي يشكل غيابها عن الدين حتى الآن خسارة
عظيمة وفادحة. وستزداد أهمية الفينومينولوجيا عندما نضيف إليها كذلك
المنهج المقارني فيتكون لدينا ما يعرف بالفينومينولوجيا المقارنية. وهذه
يمكن أن تتحرك أفقيا وعموديا وتعمل على مستوى المجالات والمستويات معا.
فإذا كانت الأصوليات هي موضوع المقارنة فسيتشكل أمام الفينومينولوجيا
المقارنية بعد المجالات الأفقي من الفضاءات الثقافية والاجتماعية المحايثة
لتلك الأصوليات. وسيكون الفضاء العربي الإسلامي هو أول هذه الفضاءات إذا
كان الحديث هو عن الأصولية الإسلامية. وهنا سيحاول الباحث استخلاص
الكيمياء الاجتماعية حسب تعبير بورديو وتحديد مواقع ميكروفيزيا السلطة حسب
تعبير فوكو بطرق مختلفة منها مقارنة الأصولية الدينية بسائر الأصوليات
الأخرى الموجودة في المجتمع كالأصولية القومية والعرقية والحزبية والقبلية
مما يسهم في تحديد ومعرفة الكيفية التي يتأسس بها الصراع الاجتماعي ودور
الفاعلين الاجتماعيين في إعادة إنتاج الثقافة والثقافة الدينية بالذات.
ومن الفضاء أو المجال العربي الإسلامي ينتقل الباحث إلى الفضاء او المجال
الكوني فيبدأ بالفضاء التوحيدي لمقارنة الأصوليات الإسلامية والمسيحية
واليهودية بعضها ببعض ثم يخرج إلى الفضاء غير التوحيدي حيث الأصوليات
الهندوسية والكونفوشيوسية والبوذية وغيرها. ويظل الهدف من هذه المقارنات
هو فهم كيفية عمل الفكرة الدينية لدى الشعوب بعيدا عن التأطير الإيديولوجي
السائد الذي يستهدف تقديس الأنا وإقصاء الآخر. لكن المجال التاريخي يظل هو
أهم المجالات التي يمكن أن تتحرك فيها الفينومينولوجيا المقارنية على
المستوى الأفقي. ويقوم الباحث في هذه المرحلة بمقارنة الظاهرة بمثيلاتها
في التاريخ المحلي أو الكوني. ويكونه هدفه هو الوصول إلى تصور تاريخي
للفكرة الأصولية وظروف نشأتها والتحولات التي مرت بها ثقافيا واجتماعيا
عبر مراحل التاريخ المختلفة. هذا عن المستوى الأفقي. أما على المستوى
العمودي فنجد الفينومينولوجيا المقارنية تتحرك عموديا على عدة مستويات
بغرض تفكيك الظاهرة الأصولية من الداخل. وأول مستوى تبدأ به هو المستوى
المعرفي فتلقي الضوء على إشكالية التأويل الأصولية وعلى الكيفية التي يتم
بواسطتها تلقين وتبادل الأفكار بين الأصوليين. وفي هذا الصدد قد يتطلب
الأمر تفكيك قنوات المعرفة وأدواتها ومحاولة التمييز بين ما هو شفهي وما
هو كتابي وتحديد نصيب كل منهما في عملية المعرفة عند الأصوليين. ومن
المستوى المعرفي تنتقل الفينومينولوجيا المقارنية إلى مستوى آخر هو
المستوى الأنثروبولوجي. ويكون الهدف على هذا المستوى هو تفكيك شبكة الرموز
التي ينهض عليها الخطاب الأصولي وتعرية بنيته الأسطورية وما يقوم عليه من
أوهام كوهم النجاة ووهم الشعب المختار. ولفهم الحيثيات التاريخية
والاجتماعية التي ساهمت في صعود نجم الحركات الأصولية تنتقل
الفينومينولوجيا المقارنية إلى مستوى عمودي ثالث هو المستوى التاريخي -
الاجتماعي. وعلى هذا المستوى يقوم الباحث الفينومينولوجي بمحاولة لقراءة
ما يسميه بورديو بالحقل الاجتماعي الأصولي مع التركيز على من يسميهم ماكس
فيبر حفظة المقدس وهي النخب الحاكمة في الخطاب الأصولي. وينتقل الباحث
الفينومينولوجي إلى مستوى رابع هو المستوى السياسي لفهم العوامل والمحددات
التي تساعد على تكوين جماعات سياسية ذات مرجعية دينية. وأخيرا، يصل الباحث
إلى المستوى السيكو - اجتماعي فيستعين بالسيكولوجيا الدينية وسيكولوجيا
الشعوب لفهم موقع الفرد داخل الجماعة الأصولية وموقع الدين في حياة هذا
الفرد وتحليل الواقع النفسي الذي يساعد على تقبل الخطاب الأصولي ويدفع
بالكثيرين للانتظام في صفوف الجماعات الأصولية. إن تعريف الشعوب العربية
بفلسفة الدين وتقريب هذا المجال المعرفي منها سيكون له أكبر الأثر في
مساعدة هذه الشعوب على استكمال ثورتها فبغير تغيير النسق الثاني من الثورة
أعني تغيير النظم والعادات وطرق التفكير وطرق التدين لن تنجح الثورة. وفي
هذا المضمار سيكون لإعادة بناء المناهج الدراسية ومقررات التربية والتعليم
في كافة المراحل بحيث تضم دروسا ومباحث مختلفة في فلسفة الدين وفي علم
الكلام الجديد أثره الفعال في إخراج المواطن العربي من دائرة التفكير
الأسطوري إلى فضاء التفكير العقلاني الحر في الدين. وما سيستتبع ذلك
بالضرورة من تحرير فهم الدين من الأفكار والمواقف والتحيزات المسبقة
التعصبية والعدوانية. وتطهير التدين من الكراهية والإكراهات. وإشاعة ثقافة
التعايش والحوار بين الأديان والثقافات. والدعوة للتعددية والتسامح وإرساء
قيم الاختلاف واحترام الآخر. وتجفيف منابع الاستبداد التي تكرس لإهدار
قيمة الفرد وترسيخ نفسية العبيد في المجتمع. وتعزيز ثقافة الحريات وحقوق
الإنسان وكل ما يدعم كرامة الكائن البشري.


تقديم الكتاب

أخذت
وقتا طويلا أفكر في طريقة مناسبة لتقديم هذا الكتاب لكم. الكتاب يطرح نفس
المسائل والقضايا التي شغلت العرب والمسلمين منذ عهد النهضة المغدورة
تقريبا وحتى اليوم. والجديد أن الكتاب يطرحها من زاوية مختلفة تماما هي
زاوية التناول العقلي للدين مما يقع تحت مجال فكري أعم يطلق عليه اسم
فلسفة الدين. وهو مجال بحثي يقوم بإخضاع الأسس التي يقوم عليها الدين
والتفسيرات التي يقدمها لظواهر الطبيعة وما وراءها مثل الخلق والموت ووجود
الله، للعقل والمحاكمات العقلية. ويضم مبحث فلسفة الدين عدة مباحث فرعية
أخرى من أهمها نقد الدين وتاريخ الأديان والفيلولوجيا وعلم أصول الدين
وعلم الأديان المقارن. بل إن البعض يتحدث اليوم وقد استفحل خطر العنف
والإرهاب والطائفية باسم الدين عن الحاجة إلى علم مقارن للأصوليات على
غرار علم الأديان المقارن. فإذا كان موضوع هذا العلم الأخير هو البحث في
العلاقات القائمة بين الأديان إن في شكلها المجرد (أي بوصفها أنساقا
متعالية على التاريخ) أو عبر تموضعها في سياقاتها التاريخية التقليدية
التي ظهرت وتطورت فيها. فإن علم الأصوليات المقارن يقصد به القيام بدراسات
مقارنية رصينة للأديان كما هي في مواقعها الحديثة اليوم أي في سياق
المجتمعات الحداثية التي تخلصت جزئيا أو كليا من الهيمنة المطلقة للدين.
وهنا سنجد من يطالب أولا بضرورة التمييز بين الأصوليات المنزهة كالقرآن
والسنة في الإسلام وبين النصوص والتفاسير والحواشي التي وضعها الرجال أو
حتى ممارسات أشخاص انتحلوا القداسة أو دول جائرة واستبدادية حكمت من خلال
نظام الخلافة الإسلامية. وحتى إذا قيل إن بعض النصوص التأسيسية للأصوليات
الدينية قد تكون هي ذاتها التي تغذي مباشرة إرهاب اليوم فإن هذا لا يتم
إلا إذا فهمت تلك النصوص بمعناها الحرفي أو بمعزل عن وصايا الرفق والرحمة
وإشاعة المحبة والسلم واحترام الآخر وتأكيد الانتماء للإنسانية في صورتها
العليا. وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى قضية التجديد والتأويل العقلي
المستنير للدين ولأصوله الأولى التأسيسية. فمن غير هذا التجديد وهذا
التأويل لن يدرك المتدين إلا ظاهر الدين وسيفلت منه فهم روحه أو باطنه أي
سيغيب عنه إدراك أن الله لم يخلق الأديان للتحارب والتنابذ وإنما للتعارف
والتوادد والرحمة للعالمين. إن دخول العالم بأكمله في عصر الحداثة اليوم
هو دخول حتمي لا يمكن مقاومته أو الحد منه باسم الخصوصية أو رفض التغريب.
فالذي حدث على مستوى العالم كله هو أن النماذج الإرشادية العلمية
(البارديجمات) كانت تتطور باستمرار أي أن العلم منذ كوبرنيك إلى نيوتن إلى
آينشتاين كان يواصل تقدمه عبر هذه النماذج التفسيرية ويحرز إنتصارات جديدة
على الدوام. وهذا التطور على مستوى العلم والنماذج الإرشادية العلمية لابد
وأن يتكرر في سائر صيغ الفكر الإنساني. وبمعنى آخر فإن تطور النماذج
الإرشادية العلمية يؤدي بالضرورة إلى انبثاق نماذج إرشادية فلسفية وفكرية
جديدة. ولقد نشأت الأديان الكبرى كلها تقريبا في العصور القديمة وفي
سياقات تاريخية محكومة بنماذج تفسيرية مختلفة كانت ملائمة لظهور الأديان
في ذلك الوقت. اليوم نحن نجد بسبب تغير النماذج الإرشادية العلمية
والفكرية كما لو أن هذه الأديان قد غادرت مواقعها الأصلية التي ظهرت فيها
لآول مرة لتطل علينا كما هي بدون أي تغيير يذكر من خلال مواقع وسياقات
حداثية لا تلائمها. هذه هي المشكلة التي يسميها أدونيس صدمة الحداثة. وهي
مشكلة لا تعاني منها مجتمعات أوروبا وأمريكا الشمالية فتطور النموذج
الإرشادي العلمي في تلك المجتمعات كان يواكبه باستمرار انبثاق نماذج
إرشادية فلسفية جديدة. أي أن المجتمع كان يراجع نفسه وثقافته وفلسفته
باستمرار ليتلاءم مع الأوضاع الجديدة وكان يقوم بالتغيير اللازم كلما تطلب
الأمر ذلك. ولنشير مثلا إلى المادة 9 من الميثاق الأوروبي والتي تنص على
حق الإنسان في تغيير دينه باعتبارها استجابة لسمة أصيلة من سمات الحداثة
هي تقدير الفرد واحترام حريته. الأمر في المجتمعات العربية مختلف. فنحن
نستجيب لدواعي الحداثة ولكن لا نستجيب بالقدر الكافي لإحداث التغيير
المطلوب. ولذلك نظل نعيش أزمة تمزق واستلاب متفاقمة على كافة الأصعدة.
وحتى لو سلمنا مع القائلين بأن انفتاحنا على الحداثة كان انفتاحا على
جانبها المادي فقط دون جانبها الأهم وهو الجانب الفلسفي والفكري، فإنه حتى
هذا الانفتاح على الجانب المادي للحداثة لابد وأن يحدث تصدعا عميقا. في
الحقيقة تعيش المجتمعات العربية اليوم حالة فوضى رهيبة يختلط فيها كما
يقولون الحابل بالنابل. جميع الأزمنة التاريخية والنماذج الإرشادية
المختلفة تتعايش مع بعضها البعض في نفس الوقت وفي نفس المرحلة التاريخية.
التقليد يجاور الحداثة والفكر الديني يتزامن مع الفكر العقلاني والشورى مع
الديمقراطية وفكرة الدولة الإسلامية مع فكرة المجتمع المدني والهوية
الدينية مع الهوية القومية وهكذا. ولقد عبرت ثورة الشعب المصري عن حالة
الاختلاط الهائلة تلك كأكمل ما يكون. إن أحد سمات الحداثة كما نعرف هو
الدعوة للمساواة. أي النظر إلى جميع بني البشر على أساس معيار واحد من
الناحية المعرفية. وعندما تتغلغل هذه السمة في مجتمع ما فإنها تؤدي إلى
سلب القداسة من الأشخاص. ورغم أن هذه السمة غير متغلغلة في المجتمع المصري
بما فيه الكفاية إلا أن الشعب المصري استطاع أن يقفز فوق جميع الحواجز
الثقافية والمعرفية ويوحد نفسه مع هذه السمة الحديثة مفجرا لأول مرة في
تاريخه الطويل ثورة تستهدف إسقاط الحاكم ومحاسبته. كانت هذه لحظة عجائبية
ومدهشة في تاريخ الشعب المصري لم يمر الشعب بلحظة شبيهة بها من قبل. كأن
الشعب في هذه اللحظة لم يكن هو نفس الشعب الذي نعرفه جميعا متعينا في ظروف
الزمان والمكان. لا أحد يعرف على وجه اليقين كيف قام الشعب بثورته ؟ لكن
الذي نعرفه على وجه اليقين أنه عندما عاد الشعب مرة أخرى ليتبوأ مكانه وسط
تاريخه وجغرافيته وثقافته المعهودة، كانت اللحظة الثورية قد فرت هاربة في
أقاصي الزمان والمكان. وها هي الأوضاع في مصر الآن بعد الثورة تشبه النزول
من حالق، بعد تجربة جنسية ممتعة. نحن إذن أمام وضع تتجاور فيه طرائق النظر
القديمة والحديثة لكن من دون أن يحدث أي تغيير جذري. والسبب هو أن السمات
الفكرية والفلسفية للحداثة لم تتغلغل بعد بما فيه الكفاية في ثقافة الشعب.
لقد توحد بها الشعب وثار على المأثور الذي يطالبه بطاعة الحاكم حتى ولو
ظلم ولكن في لحظة افتراضية أو غير تاريخية، فقط. أما الواقع الحقيقي فما
يزال يسيطر عليه هذا المأثور والذي يتشكل معظمه من استباحة قيم الدين
بالذات. من هنا تأتي أهية هذا الكتاب الذي يحاول أن يجمع بين العقلانية
والمعنوية أو بين الحداثة والدين في إهاب واحد. وقد تكلمنا عن العقلانية
في ثنايا الكلام بما فيه الكفاية وبقي أن نتكلم عن المعنوية.



المعنوية


إذا
كان عبد الكريم سروش قد تميز بأطروحته الجريئة عن التعددية والنسبية في
المعرفة الدينية كما عرضها في كتابيه الشهيرين: "القبض والبسط في الشريعة"
و "الصراطات المستقيمة"، فقد اشتهر مصطفى ملكيان بأطروحته الشهيرة حول
"المعنوية" بوصفها جوهر الدين. يرى ملكيان أن الإنسان المسلم اليوم الذي
يعيش الحداثة بمختلف تفاصيلها في حياته اليومية ما يزال يحمل نفس الفهم
التقليدي للدين والذي يدور في أغلبه حول قضايا مستهلكة تتراوح بين الموقف
من المرأة والفن والموسيقا وبعض النظريات العلمية الحديثة. وهذا التناقض
الذي يحمله المسلم اليوم، بداخله، لا يمكن أن يظل يحمله هكذا مدة طويلة.
ولما كان حل التناقض لا يمكن أن يتم بالتخلي عن الحداثة، فالمتدين قد يضطر
غلى التخلي عن الدين حتى بدون شعور منه. ولتجنيب المتدين موقف كهذا، خاصة
وأن التخلي عن الدين يترك في النفس فراغا روحيا لا يستهان به، يرى مليكان
حل الإشكالية عن طريق تقديم اقتراح بتصور جديد للدين يتماشى مع السمات
والخصائص الحداثية. إن إبداع تصور جديد للدين لهو أمر مطلوب ومشروع تماما.
فعلى عكس ما تذهب إليه القراءة الدينية السائدة من أن افنسان خلق للعبادة
فقط، وأن عليه أن يعيش حياته في خدمة الدين وأهدافه، يرى ملكيان أن العكس
هو الصحيح تماما. فعندما اتهم اليهود، المسيح بأنه انتهك حرمة يوم السبت،
رد عليهم بأن "السبت للإنسان، وليس الإنسان للسبت". وهذا هو ما يجب أن
يكون. فكل شىء بما في ذلك الدين، يجب أن يكون في خدمة الإنسان. "المعنوية"
كما ينظر إليها ملكيان هي إذن محاولة صياغة فهم جديد للدين ينسجم مع
العقلانية. أو هي نوع من التدين العقلي الذي يحل محل التصور التقليدي
للدين. وللمعنوية بهذا المعنى ثلاث سمات رئيسية يختصرها ملكيان فيما يلي:
1) نبذ التقليد في المعرفة الدينية، وعدم أخذ المسائل الدينية إلا بالأدلة
والبراهين. 2) عدم الاحتفاظ بأنساق فكرية تجمد العقل وتمنعه من الثيام
بمراجعات نقدية مستمرة. 3) عرض الأفكار والتجارب على الآخرين دون المطالبة
بقبولها أو الاقتناع بها. وتزداد أهمية "المعنوية" عندما نعرف أن العالم
في مجموعه يتجه نحو الإيمان. ومن الأدلة التي يسوقها ملكيان على تغلغل
وتنامي النزعة الإيمانية: 1) أبحاث فوكو ودريدا في نقد العقلانية. صحيح
أنه نقد لا تحركه نزعة أصولية او لا هوتية، فلا أحد يتصور وجود مفكر
أوروبي واحد يحن إلى عصر ما قبل التنوير ومحاكم التفتيش، وإنما هو نقد يتم
من داخل العقلانية نفسها. إنه حالة معكوسة تماما، على رأي المفكر السوري
هاشم صالح، سببتها في فرنسا هيمنة التنوير الطاغية. وهذا النقد في أوروبا
للعقلانية بسبب التقديس الزائد لها يفصح عن شعور عميق بالفراغ الروحي لدى
الأوروبيين ويعبر عن رغبة مستترة في إفساح المجال أمام الاتجاهات
الإيمانية والوجدانية والروحية. 2) أدت بحوث الهرمنيوطيقا إلى زعزعة
الدوجمائية القائلة بامتلاك النجاة او الحقيقة من قبل طرف واحد. فالقول
بأن العالم يمكن تفسيره بطرق مختلفة يفتح في رأي ملكيان الباب على مصراعيه
أمام الإيمان وامتداده في واقع الإنسان. 3) وأخيرا، ستظل هناك باستمرار
بعض الأمور كالغيب والوحي، مستغلقة على العقل البشري، مما يحتم ضرورة
التعامل معها بالطرق الوجدانية والإيمانية والروحية وحدها. "المعنوية" في
تصور ملكيان هي إذن خلاصة الأفكار والأسس الأخلاقية التي تجمع عليها كل
الأديان. إنها شىء أقرب إلى تصوف ابن العربي وابن الفارض وجلال الدين
الرومي، الذي يلخص جوهر الأديان جميعا في معاني الحب والعشق الإلهي.


مع كتاب
العقلانية والمعنوية؛
مقاربات في فلسفة الدين
تأليف مصطفى ملكيان
ترجمة عبد الجبار الرفاعي وحيدر نجف
الدار العربية للعلوم ناشرون ببيروت
مركز دراسات فلسفة الدين ببغداد
الطبعة الأولى 2010



تحميل كتاب العقلانية والمعنوية لمصطفى ملكيان Unled2oj



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

_________________
تحميل كتاب العقلانية والمعنوية لمصطفى ملكيان Hearts10

حسن بلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
aliirq
₪ عضو جديد₪
aliirq
رسالة sms : منك الجمال ومنى الحب يانوسافعللى القلب اٍن القلب قد يئسا(ضع كلمتك هنافقط احذف بيت الشعروضع كلمتك
ذكر
عدد المساهمات : 1
نوسا البحر : تحميل كتاب العقلانية والمعنوية لمصطفى ملكيان 15781612
تحميل كتاب العقلانية والمعنوية لمصطفى ملكيان Icon_minitime 2011-08-28, 2:32 am
للاسف الكتاب حذف من الموقع ارجو اعادة التحميل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

تحميل كتاب العقلانية والمعنوية لمصطفى ملكيان

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» تحميل كتاب لكل مقال أزمة pdf لمصطفى أمين
» تحميل كتاب الله والانسان لمصطفى محمود
» تحميل كتاب سعدون السويحلى البطل الشهيد pdf لمصطفى المصراتي
» تحميل كتاب سقوط الإخوان‮ ‬اللحظات الأخيرة بين مرسى‮ ‬والسيسى pdf لمصطفى بكرى
» تحميل كتاب إشكاليات المجتمع العربي, قراءة من منظور التحليل النفسي,لمصطفى صفوان و عدنان حب الله

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: فوضى الحواس(منتديات ثقافيه) :: المكتبة الشاملة

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا