آخر المساهمات
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-12, 10:41 pm
2024-04-02, 5:16 am
2024-04-01, 10:56 pm
2024-04-01, 10:49 pm
2024-04-01, 10:46 pm
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf

hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:51 pm
@hassanbalam
#عباس_العقاد

مختارات من شعر عملاق الأدب العربى عباس العقاد

بين يدي القراء
بسم الله الرحمن الرحيم
اسم هذه المجموعة يدل على موضوعها؛ لأنها ديوان مقتبس من دواوين الناظم، وهي: يقظة الصباح، ووهج الظهيرة، وأشباح الأصيل، وأشجان الليل، ووحي الأربعين، وهدية الكروان، وعابر سبيل، وأعاصير مغرب، وبعد الأعاصير، وما يلي من شعر نظم بعد صدور هذا الديوان الأخير.

وقد نفدت الأجزاء الأولى من هذه الدواوين وأعيد طبعها فنفدت في حينها، ولم يبق من آخر هذه الدواوين جميعًا إلا القليل، وجاءتنا الرسائل الكثيرة مممن يسألون عن بعض هذه الدواوين أو عنها جميعًا ويطلبون إرسالها إليهم، وبخاصة قراء البلاد العربية التي لم يتيسر وصول الكتب المصرية إليها في بعض العهود، فترددنا بين طبعها في مجلد واحد وبين إعادتها أجزاءً متفرقة كما صدرت أول مرة، وكلاهما لا يغني في تيسير المطلوب منها، لضخامة الحجم أو لتطاول الزمن، فآثرنا أن نتوسط بين الأمرين باقتباس هذه المجموعة التي تنوب عن شعر الدواوين جميعًا إلى حين، وتتم أبواب الشعر في جملتها لمن نقصت عنده بعض الأجزاء.

ويطيب لنا أن نشير إلى نفاد هذه الدواوين؛ لأننا نستفيد منه ميزانًا من موازين الأدب في عمومه، وميزانًا من موازين الشعر على الخصوص، وميزانًا من موازين الشعر في عصرنا هذا على الأخص، وهو أحوج ما يكون إلى ميزان وإلى بيان.

فلا مرجع لنقد الشعر غير قرائه الراغبين فيه بمعزل عن ضجة «الدعاية» ومذاهب النقاد وموقف الصحافة وأدوات النشر بين الإقبال والإعراض أو بين العناية والإهمال.

وأصدق ما يكون ذلك الميزان في دلالته على القول الأخير في نقد الشعر أن يكون هذا الشعر مما يتفق محبوه وخصومه على أنه كلام لا يوصف بالصبغة السطحية ولا يستهوي الجهلاء ببهرج رخيص قليل الحظ من الفهم والتفكير ولا يستثير الغريزة التي تسوغ ما ليس بالسائغ في موازين النقد والتمييز.

وبين يدي هذا المرجع الأمين، بل هذا الموئل القرير الذي لا نرتضي لكلام نقوله موئلًا سواه، نقدم هذا الديوان من الدواوين كما قدمناها جميعًا من قبل، شاكرين ذاكرين.

عباس محمود العقاد
خواطر وتأملات

النور
(… إلى أين ينتهي بنا تحليل النور على أيدي علماء الطبيعة فضلًا عن الفلاسفة والمتصوفة؟ ينتهي بنا إلى أنه «معنى» يشبه المعاني المجردة، ولو أمكن تحليل الفكر على هذا النمط لالتقى بعنصر النور التقاء القريب بالقريب.)

النُّورُ سِرُّ الحَيَاهْ النُّورُ سِرُّ النَّجَاهْ
النُّورُ وحي النُّهى النُّورُ وحي الصلاهْ
النُّورُ شوق الفتى النُّورُ شوق الفتاه
ألمحه بالروح لا لمح العيون الخُوَاهْ
ما تبصر العينُ من معناهُ إلا أداهْ
هذا سبيلُ الهدى لا ما افتراهُ الْهُدَاهْ!
إلى غاندي
حين أعلن الصيام
أتيت إلى الدنيا العريضة عاريًا وتقضي بها جوعًا وما عَزَّ مأكلُ!
تركت لهم حتى الطعام فقل لنا على أيِّ شيء بعد موتك تُقْبِلُ
إذا البؤس والحرمان كان شفاعة لعالمك الأعلى فما هو أفضل
إذا كان ما ندعوه بؤسى غنيمة لمن يطلب النُّعمى فبئس المعوَّلُ
الوجه الفيلسوف
أرى لك أنت فلسفة صُراحًا بلمح العين أقرأها جميعا
أَذُمُّ العيشَ في ألفَي كتابٍ وتعرض لي فأمدحه سريعا
إذا ما الفيلسوف أطال سخطي على لؤم الحياة فكن شفيعا
غنيت عن الأدلة والأحاجي ومن حاجاك لم يَكُ مستطيعا
القدر يشكو
صغيرٌ يطب الكبرَا وشيخٌ ودَّ لو صغرا
وخالٍ يشتهي عملًا وذو عمل به ضجرا
ورب المال في تعب وفي تعب من افتقرا
ويشقى المرءُ منهزمًا ولا يرتاحُ منتصرا
ولا يرضى بلا عَقبٍ فإن يُعْقَبْ فلا وزرا
ويبغي المجد في لهفٍ فإن يظفر به فترا
ويخمد إن سلا فإذا تولَّهَ قلبُه زفرا
فهل حاروا مع الأقدا ر أو هم حيَّروا القدرا؟
شكاة ما لها حَكمٌ سوى الخصمين إن حضرا
الحمد المعكوس
يا رُبَّ حمدٍ لم ينله الذي قد ناله إلا لهجوي أنا
ورُبَّ هجوٍ طاف بي لم يكن يطوف بي لو لم أكن محسنا
عدل الموازين
إنا نريد إذا ما الظلم حاق بنا عدل الأناسي لا عدل الموازينِ
عدل الموازين ظلمٌ حين تنصبها على المساواة بين الحر والدونِ
ما فرقت كفة الميزان أو عدلت بين الحلي وأحجار الطواحينِ
الخبز والفقير
أحسب الخبز لو درى لتأبَّى في يد الجائع الفقير إليه
إنما تُسْلَسُ الطِّلَابُ جميعًا لامرئٍ هانتِ الطِّلَابُ عليه
شطور
دليل على أن الكمال محرَّمٌ إناثٌ خلقن بيننا وذكور
فما المرء في جسم وروح بكاملٍ ولكنَّ كل العالمين شطور
الآمال
كانت الآمال تحملني فأراني اليوم أحملها
إن أحلامًا تعللني غير أحلام أعللُها
يوم ميلادي
يوم ميلادي تَقَدَّمْ وتَأَخَّرْ … وتَكَلَّمْ
لا تقل لي قبل عام كيف كنا أنا أعلمْ
لا تقل لي بعد عمري كيف نمسي لست تعلمْ
غاية الأمر أظانين وبعض الظن يأثمْ
سوف نمسي مثلما كنـ ـنا ولم نولد ونفطمْ
إن يكن ذلك شيئًا لست بعد الموت أعدمْ
أو يكن ليس بشيءٍ أترى «لا شيء» يندمْ؟
أية الحالين قل لي بعد طول العمر أسلمْ؟
تظلمُ الموتَ إذا قلـ ـت ظلومٌ ليس يَرحمْ
نحن لا بالموت أُعطيـ ـنا ولا بالموت نُحرمْ
من يَعدْ يومًا كما كا ن فقد تم وتَمَّمْ
صفقة الأعمار فيها قلَّةُ الخسران مَغْنَمْ
رجاء كاليأس
أنا لم أيأس من الخير ولا أحسب الشر على الناس لزاما
أنا أغنيت يدي عن خيرهم وأمنت الشر من حيث ترامى
فليكن من شاء منهم ملكًا أو يكن جنًّا على الكيد أقاما
كلهم بعدُ سواءٌ عند من لا يدين الناس شكرًا وانتقاما
الحب إعطاء
لا تطلبِ الحبَّ بين الناس تأخذه بل فاطلب الحب تعطي منهما تجدُ
أشقى البرية من لم يعنه أحدٌ وليس من كان لا يُعْنَى به أحدُ
موضع العجب
لا تعجبنَّ لعيبٍ واعجب لفضلٍ ونبل
نقص الطبائع أصلٌ والفضل ليس بأصل
أغلب الظن
أنا شيءٌ فكيف أصبح لا شيْ ءَ إذا تمَّ للحياة مداها؟
أغلب الظن أنني سوف أرقى غايةً بعدها تفوق ذراها
موت الحي
أعجب من حياة الميت
فيمَ عشنا وغايةُ العيش موتٌ؟ فيمَ متنا وغاية الموت بُقيا؟
أعجب الحالتين عنديَ حيٌّ سوف يفنى لا ميتٌ سوف يحيا
زمان الذرَّة
دعوا الذرَّة تطغى في زمانٍ يعبد الذرَّهْ
صغيرٌ كل ما في الأر ض من جاهٍ ومن شُهرهْ
ومن خير ومن شرٍّ ومن رأي ومن فكره
فلو قيسوا بلا جسمٍ لما ضاقت بهم إبرهْ
هذا وهذا وهذا
قلت لعمرو: خانني خالد وخانني عمرو فماذا أقول؟
أبلغتها زيدًا فما زادني عن صاحبيه فاحتواني الذهول
ناجيتهم سرًّا وبي خيفة مِمَّن أناجيه ففيه فضول
ثق من خيانات بني آدم إذن وقل أنتم ثقاتٌ عدول
لا تشكُ هذا عند هذا ففي هذا وهذا عنصرٌ لا يحول
كُلُّ بني الدنيا ومن بينهم أنت فروع جمَّعتها الأصول
ميثاق الأمم
أجيبوا صيحة الدنيا وهبُّوا ولبُّوا داعيَ الميثاق لبُّوا
توافقتِ الشعوبُ على رجاءٍ فلا ينكل عن الميدان شعبُ
ولا تصغوا إلى من قال دعوى يروِّج أمرَها باغٍ وخَبُّ
هبوهم خادعين فهل رأيتم مخادعة بشيء لا يُحَبُّ؟
إذا الأقوامُ جدَّ بها هواها إلى حقًّ فما في الحق صعبُ
ولو لم تصب دنياكم لسلمٍ لما خدعت به من حيث تصبو
تهنئة بمولد
مهنئي أنت يا صديقي بمولدي طِبْتَ من صديقِ
أنسيتني أنه غروب ساعةَ هنَّأْتَ بالشروقِ
تسعٌ وخمسون في طريق لم أدرِ ما وجهة الطريقِ
أُسَائِلُ الركب أين يمضي وكلهم ها هنا رفيقي
لا أنا أدري ولا رفاقي يدرون بالموعد الوثيقِ
ركبٌ عجيبٌ بلا دليل من محدَث فيه أو عتيقِ
إذا مضى منهم فريقٌ أَلِي المطايا إلى فريقِ
وكلهم يبتغي مسيرًا في مشرع سار أو مضيقِ
يطيقُ طولَ السِّفار عدوًا وليس للمهل بالمطيقِ
إخالنا كلنا وقوفًا هنا على موقفٍ عميقِ
في آبدٍ لا زمانَ فيه مقترن السبق باللحوقِ
أقرب من يومنا وأوفى من طارق الليل في الطروقِ
يكاد لولا الحجابُ يبدو كالظل من ستره الرقيقِ
أَتُعْصَبُ العينُ حولَ سِرٍّ والسِّرُّ في موضعٍ سحيقِ؟
حشرات
ما وَجَدْنا من البرية إلا خُلقًا زائفًا وجهلًا مبينا
حشراتٌ لا تعرفُ الخيرَ والشرَّ وفيها الهلاكُ للعارفينا
ألمُ اللذةِ ولذةُ الألمِ
إذا صاحت الأطماع فاصبر فإنها تنام إذا طال الصياح على النَّهَمْ
وقهر الفتى آلامه فيه لذةٌ وفي طاعة اللذات شيء من الألم
الحياة حياة
قالوا الحياة قشورٌ قلنا فأين الصميم؟
قالوا شقاءٌ فقلنا نعم فأين النعيم؟
إن الحياة حياةٌ ففارقوا أو أقيموا
المجد والفاقة
ضلَّ الصوابُ وغُمَّ الأمرُ واشتبهت على المراقب يمناه بيسراهُ
شيبٌ عُراةٌ وأطفالٌ مُجَوَّعَةٌ ونسوةٌ نسيت ما ليس تنساه
ليس البلاءُ بلاءَ القوتِ نندبُهُ بل البلاء بلاء الخُلق ننعاه
ما أبخسَ الروحَ في مصر وأرخصها وأنفس الخبز في مصر وأعلاه
لا تحسبوا أمة يعلو أعاظمها إذا الفقير طلاب القوت أعياه
أيرزح القوت في أرض بطالبه ويبلغ المجدَ فيها مَنْ توخاه؟
هبكم قسوتم على من ذنبه كسلٌ عن غمرة العيش يثنيه وينهاه
ما بالُ مَنْ ذنبه يا قوم أنكمُ في العجز لا في اقتسام الرزق أشباه؟
دفنتم المال آكامًا فهل نبتت في باطن الأرض أو زادت خباياه
إن العزيز ليأبى الذلَّ يلمحه كالإثم يأبى العفيف الذيل رؤياه
وَا لهفَ نفسي على قومٍ إذا نظروا ذلَّ الفقير سعوا في كشف بلواه
وألف لهفٍ على قوم إذا شغفوا بالمال يدرون في الدنيا مزاياه
الوجوه الكاذبة
سُحْقًا لهاتيكَ الوجوهِ فإنها كذَّابةٌ لا تحسن التمويها
حسنت ولو نقلت صفات نفوسها لرأيتَ أقبح ما رأيتَ وجوها
إلى السعادة
مه يا سعادة عني فما أنا من رجالِكْ
لا تطمعي اليوم مني بالسعي خلف خيالكْ
فقد سألتكِ حتى مللتُ طول سؤالكْ
وقد جهلتُك لمَّا سحرتني بجمال
إن الحبيب بغيضٌ إذا استعز بخال
فلا تمرِّي ببالي ولا أمرُّ ببالكْ
أشقى الأنامِ أسيرٌ مُعَلَّقٌ بحبالِكْ
اللؤم سلاح
يسر صديقي أن يراني مُبرَّأً من اللؤم موسومًا بكُلِّ سماح
كما سرَّ خصمًا أن يراكَ أمامه تنازله حربًا بغير سلاح
هو اللؤم سيفٌ للئيم وجُنَّةٌ من الناس والدنيا مجال كفاح
فَوَاهًا لنفسي في المجال مجرَّدًا أضعت مجنِّي بينهم ورماحي
العقل والجنون
ليس بين الجنون والعقل إلا خطوتا سائرٍ فحاذِرْ وأمسكْ
أول الخطوتين نسيانُك النا سَ وأما الأخرى فنسيان نفسكْ
الرجاء
ما للرجاء كأنه نغمٌ يدنو فأسمعه فيبتعدُ
يا ضاحكًا للناس يخدعهم هلَّا وفيت لهم بما تعدُ
لو نال منك الناس أجمعهم فوق المرام لأمكن المددُ
لكنْ بخلتَ فما يزال لهم شوقٌ إلى شوق وإن جهدوا
وردوا إليك فكان أظمأهم قلبًا على شطيك من وردوا
حظ الشعراء
ملوكٌ فأما حالهم فعبيدُ وطيرٌ ولكنَّ الجدودَ قعودُ
أقاموا على متن السحاب فأرضهم بعيدٌ وأقطار السماء بعيد!
مجانينُ تاهوا في الخيال فودَّعوا رواحة هذا العيش وهو رغيد
وما ساء حظ الحالمين لَوَ انَّهم تدوم لهم أحلامهم وتجود
فوا رحمتا للظالمين نفوسَهم وما أنصفتهم صحبةٌ وجدود
ويذرون من مس العذاب دموعهم فينظم منها جوهرٌ وعقود
بني الأرض كم من شاعرٍ في دياركم غبين وغبن الشاعرين شديد
بني الأرض أولى بالحياة جميلة محبٌّ عليها من حلاه نضود
محبٌّ تناجيه بأسرار قلبها ومهما تردْ في العيش فهو يريد
على أنه قد يبلغ السُّؤْلَ خاطبٌ خليٌّ ويُزْوَى عن هواه عميد
بني الأرض لا تنضوا له السيفَ إنَّهُ يذاد عن الدنيا وليس يذود
أريد به للناس خيرٌ فلم يزل به عَمَهٌ عن نفسه وشرود
تجمَّعت الأضدادُ فيه فحكمةٌ وحمقٌ وقلبٌ ذائبٌ وجمود
حُمَاداه صبرٌ في الحياة وإنما هي النار تخبو ساعة وتعود
مقيمٌ على عرش الطبيعة حاضرٌ ولكنه بين الأنام فقيد
إذا جال بالعينين فالكون بيته فإنْ مَدَّ بالكفين فهو طريد
وأقصى مُنَاهُ في الحياة نهاره وأدنى مُنَاهُ في الممات خلود
يرى الغيب عن بعدٍ فمقبل عهده قديمٌ وماضيه القديم جديد
إذا عاش في بأسائه فهو ميتٌ وإن مات عاش الدهر وهو شهيد
شقاوته في الشعر وهو هناؤه وليس له عن حالتيه محيد
جنونٌ أحق الناس طرًّا بهجره أولو الفهم لو أن الفهوم تفيدُ
عزاء
لا اليأس أول يأس ولا الرجاء بسرمدْ
فإن تقضَّى رجاءٌ فإنَّه يتجدَّدْ
أو حَلَّ يأسٌ فأهلًا إن الطريق ممهَّدْ
شق الطريق قديمًا فالعود أهدى وأحمدْ
إنصاف الظالم
أنصفتَ مظلومًا فأنصِفْ ظالمًا في ذلة المظلوم عذرُ الظالمِ
من يرضَ عدوانًا عليه يضيره شرٌّ من العادي عليه الغانمِ
أحلام الموتى
(أرسلت الأبيات الآتية إلى صديقنا الشاعر العبقري عبد الرحمن شكري):

ستغرب شمسُ هذا العمر يومًا ويغمضُ ناظري ليلُ الحِمامِ
فهل يسري إلى قبري خيالٌ من الدنيا بأنباء الأنامِ
ويُمسي طيفُ مَنْ أهوى سميري ويؤنس وحشتي ترجيعُ هامِ
وأحلم بالزواهر دائراتٍ وبالزهر المنوَّر والغمامِ
ألا ليت النيام هناك تحظى بأحلام كأحلام النيامِ
وليت الوردَ يورقُ فوق رمسي فتعبق في نوافحِه عظامي
وأبسم في أزاهره لدنيا عبست لوجهها فوق الرغامِ
فأجابني بأبيات يقول منها:

وكان النَّصفُ أن نرضى بموت فلا طيفٌ يساعد باللمامِ
أليس الكون أكبر منك شأنًا وأولى بالمقادر والنظامِ
فراجعته بالأبيات الآتية:

أَبَيْتَ عليَّ أحلامَ الرجامِ تنير حواشيَ الموت الزؤام
رضينا بالحمام أصم يحشو منافذ حسه سافي الرغام
رضينا بالحمام كما رضينا بعيشٍ نوره ظلُّ الحمام
خلعت اسمي على الدنيا ورسمي فما أبكي رحيلي أو مقامي
حياتي في حياة الكون طرًّا كقطر الغيث في اللجج الطوامي
وما شمس الحياة بمستحيل سناها إن قضيتُ إلى ظلام
يظل الحسن في المعشوق حسنًا وإن حسرت لحاظ المستهام
ضيق الأمل
شر ما يلقى الفتى أجلٌ ضيقٌ عن واسع الأمل
ولشر منهما أملٌ ضيقٌ في فسحة الأجل
الشيء من غير معدنه
ليس أضنى لفؤادي من عجوزٍ تتصابى
ودميم يتحالى وعليم يتغابى
وجهولٍ يملأ الأر ض سؤالًا وجوابا
خَفِ العيش
خفِ العيش فإن المو ت لا يفجع مولودا
وإن الموت إذ يأتيـ ـك لا يلفيك موجودا!
السعادة
إن الشقي الذي لا صنو يشبهه وللأصاغر أشباهٌ وأمثالُ
من شابَهَ الناسَ سرَّته مودتهم ومن علا عنهم ساءت به الحالُ
فاهنأ بمجدك إذ تشقى بعزلته وليحظَ بالصفوِ أوغادٌ وجهالُ
إن السعادة تحت الأرض معدنها لا يطلب السعد من آوتْهُ أجيالُ
زماننا
فَشَتِ الجهالةُ واستفاض المنكرُ فالحقُّ يهمس والضلالة تجهرُ
والصدق يسري في الظلام ملثَّمًا ويسير في الصبح الرياء فيسفر
إنا لفي زمنٍ كأنَّ كباره بسوى الكبائر شأنها لا يكبر
من كل ذي وجه لوَ انَّ صفاته تندى لكان من الفضيحة يقطر
بئس الزمان لقد حسبت هواءه دنسًا وأن بحاره لا تطهر
وكأن كل الطيبات يردها فيه إلى شر الأمور مدبر
وثب اللئام إلى ذراه فقهقهوا إن القرود لبالتسلق أخبر
ما نيل فيه مطلبٌ إلا له ثمنٌ من العرض الوفير مقدر
وبقدر ما بذل امرؤٌ من قدره يجزى فأكبر من تراه الأصغر
صلاح المشيب
أبَعْدَ الشيب ترغب في الصلاحِ وتزهد في المدامة والملاحِ؟
فرغت من الحياة فأنت ترجو حياةً في الفراديس الفساحِ
رجعت عن الحرام وأنت عندي عجزت عن المحرَّم والمباحِ
فما تقوى الشيوخ سوى اضطرارٍ كتقوى اللص بات بلا سلاحِ
عمر يوم
من الناس فَدْمٌ يومُه مثل أمسه فأيامه ما عاش يومٌ مكرَّرُ
تسربل حينًا بالحياة فشانها كما يلبس الخزَّ الأجيرُ المسخرُ
الملام
أنا لا ألوم ولا أُلامْ حسبي من الناس السلامْ
ليس العتاب بمصلح خللًا توارثه الأنامْ
أنا إن غنيتُ من الأنا مِ فقد غنيت عن الملامْ
وإذا افتقرتُ إليهمُ فاللوم من لغو الكلامْ
الفضل المغموط
إذا كنت ذا فضل فلا تك غابطًا جهولًا بلا فضل لديه يُعَظَّمُ
لعلك لا ترضى وقدرك خاملٌ بأنك تغدو مثله وهو مكرَمُ
وأجمل ألا يعرف الناس فاضلًا ويعرفهم من أن يموق ويعلموا
قانون العظماء
لا تلحَ ذا بأسٍ وذا همةٍ على ذنوب العصبة الغلَّب
فليس مقياسُك مقياسَهم ولا هُمُ مثلك في المأرب
والليث لا توثق أعضاده حباله تنصب للثعلب
انظر إلى ما خلَّفوا بعدهم من المعالي ثم لُمْ واعتب
لم يخط إن داسَ رءوس الوَرَى من علقت كفاه بالكوكب
من ركب الهائل من أمره فعذره في ذلك المركب
مدح الناس
ما عهدنا الأنام أجود بالمد ح لأعلاهم لديهم مكانا
إنما يظهر الأنام ضئيلًا ليس يخفيهم إذا هو بانا
حب النفس
ما في الأنام سوى محب وامق سكن الغرام بكل قلبٍ خافق
في كل قلبٍ صورةٌ معبودة وكمين وجدٍ بالجوانح عالق
لا القبح ينقصه وليس بزائدٍ حسن الشمائل في هواه الصادق
عشقٌ تملَّكَ كلَّ نفسٍ حيةٍ في الكون والمعشوق عينُ العاشق
كنت فصرت
كأس الحياة أعلِّيني على ظمأ وبللي بالحُميَّا طين صلصالي
وأسكريني حتى لا يكون ردى إلا كما غاب حسٌّ بعد جريال
وفتشي في زوايا القلب فاقتدحي ظنًّا بظن وبلبالًا ببلبال
إني حسبت حياتي غير واحدةٍ من التغير من حالٍ إلى حال
… … … … … … … … … …
•••

إن الحياةَ حياةٌ كيفما اختلفت ألوانها من مسراتٍ وأوجال
كم ذا أهبت بروحي أن تفارقني ورحت أجفل منها أي إجفال
فالآن أنشد آلامي وأحمدها كيما أحس بروحي بين أوصالي
الغنى والسعادة
لا تحسدن غنيًّا في تنعمه قد يكثر المال مقرونًا به الكدرُ
تصفو العيونُ إذا قلَّت مواردُها والماء عند ازدياد النيل يعتكرُ
يا كتبي
يا كتبي أشكو ولا أغضب ما أنت من يسمع أو يُعتبُ
يا كتبي أورثتني حسرة هيهات لا تُنسى ولا تذهب
يا كتبي ألبست جلدي الضَّنى لم يغن عني جلدك المذهب
كم ليلةٍ سوداء قضَّيتُها سهران حتى أدبر الكوكب
كأنني ألمح تحت الدجى جماجم الموتى بدت تخطب
والناس إما غارقٌ في الكرى أو غارقٌ في كأسه يشرب
أو عاشقٌ وافاه معشوقه فنال من دنياه ما يرغب
أو سادرٌ يحلم في ليله بيومه الماضي وما يعقب
ينتفع المرء بما يقتني وأنت لا جدوى ولا مأرب
إلا الأحاديث وإلا المنى وخبرة صاحبها متعب
إذا أراني النور قبحًا فيا حسن الذي يضمره الغيهب
يا كتبي أين ترى المنتأى عن أسر أرواحك والمهرب
أنفقت مني ما يضنُّ الورى به على الله ولم يذنبوا
من ضوء عيني ومن صحتي سدى ومن وقتي وما أكسب
ومن شبابٍ فيك ضيعته فما أنا إلا الفتى الأشيب
لو كنت كالجبار في نقمتي لكان في النار لها معطب
في ذمة الطرس وفي حفظه عمرٌ تقضَّى شطره الأطيب
لا رحم الرحمنُ فيمن مضى من علَّم العالم أن يكتبوا
الشيب الباكر
ما أقبل الليل حتى طرتَ بالقمم يا صبحُ جرتَ على الظلماء في القِسَمِ
وما انقضى شفق الأيام عن عُمُري فكيف لحت بفجر منك متهم؟
لو كنت تحسب أيامي لما خطرت يداك يا شيب في مسودَّة اللِّمم
دون الثلاثين تعروني وما انصرمت إلا كما تنقضي الأعوام في الحلُم!
مرَّت بقادمتي نسرٍ مولية وكنت أعهد فيها ثقلة الرخم
وما اعتدادك بالأيام تحسبها وإنما أنت خدن الويل والألم؟
إذا ألمَّا بإنسان صحبتهما فانزل فقد نزلا في أعظمي ودمي
ما أنت طارق دارٍ لا رفيق بها ولست مُهرِم قلبٍ ليس بالهرم
قد شبتُ والشعر مسودٌّ فما عجبي من واضح الشيب بعد الشيب في القتم
ما كان مسود شعري وهو مشتملٌ عليك إلا كجلباب من الكتم
قل لابن تسعين لا تحزن فذا رجلٌ دون الثلاثين قد ساواك في الهرم
إذا ادَّكرتَ شبابًا في النعيم مضى لم يدَّكر من شباب كان أو نعم
وما انتفاعي وقد شاب الفؤاد سدى إن لم تشب أبدًا كفي ولا قدمي
وليس ما يخدع الفتيان يخدعني كلا ولا شيم الفتيان من شيمي
يا شيب ضاقت بك الدنيا بأجمعها فانزل بلا ضائق بالشيب أو برم
من لا يبالي أفجرٌ أنت تنذره بالصبح أم أنت ضوء النجم في الظلم
يا مرحبًا بصباحٍ ليس يسلبني صفوًا وبُعْدًا لليلٍ فيه لم أنم
إيه يا دهر
إيه يا دهر هات ما شئت وانظر عزمات الرجال كيف تكون
ما تعسفت في بلائك إلا هان بالصبر منه ما لا يهون
الخداع القاتل
إلام تخدعني عيني وما انخدعت نفسي ولكنها تهفو مع البصر؟
جربت كل خليل في مودته فما جمعت يدي إلا على صَفر
أكلما ضاء لي نجم فأتبعه خبا الضياء فلم أبصر سوى كدر؟
أكلما قلت هذا جوهرٌ نطقت عليه دون بناني خسة الحجر
أكلما لاح لي صيدٌ فأحسبه صيد الأسود إذا الجرذان في الأثر
أكلما قلت هذا كوثرٌ خَضِرٌ تجمع الصاب لي في الكوثر الخضر
ويلاه ما أحقر الدنيا وأبغضها لم ينجُ أحسن ما فيها من القدر
عَزَّ الكمالُ على خَلْقِ الخيال فما طماعة المرء أن يلقاه في البشر!
الهداية
كم في السماء نجومٌ ضلت سواء السبيل
وأنت في الأرض تبغي هَدْيًا بغير دليل
سحر الدنيا
سحر دنياك يا أخيَّ قديمٌ سوف يبقى ويذهب الكهان
أفيمضي بسحرها كاهنٌ ما تَ وفيها الشموس والأغصان؟
أفيمضي بسحرها كاهنٌ ما تَ وفيها الثغور والأجفان؟
أفيمضي بسحرها كاهنٌ ما تَ وفيها الألحان والألوان؟
كاهن الأولين أول مسحو رٍ وفي كل حقبة ترجمان
سحر دنياك دائم حيثما دا م عليها الإنشاد والتبيان
سحر دنياك دائم حيثما دا متْ عليها الحياة والإنسان
فلسفة حياة
الغرام الملك والملك الضياعْ هاتِ لي الحسن الذي ليس يضيعْ
ليلة قمراء أو سحر سماعْ أو قصيدًا راق أو زهر ربيع
قال قومٌ زينة الدنيا خداعْ قلت خيرٌ بالذي نشري نبيع
•••

زاهد الهند نعى الدنيا وصامْ أنا أنعاها ولكن لا أصومْ
طامع الغرب رعى الدنيا وهامْ أنا أرعاها ولكن لا أهيمْ
بين هذين لنا حد قوامْ وليَلُم من كل حزبٍ من يلومْ
•••

أيها السائل: ما بعد المماتْ يممِ الصحراءَ وانظر قفرها
ما وراء القبر في قول الثقاتْ حالةٌ تحمد يومًا سرها
لست بالراضي حياةً كالحياةْ لا ولا ترضى حياةً غيرها
•••

يعبد الأقوام ما يخشونه وأنا أعبد ما لست أخاف
ليس ينسى الله من ينسونه فعلام البحث فيه والخلاف؟
إن وصلتم أو وقفتم دونه لم يقف دون مقامٍ أو مطاف
•••

شرعك الحسن فما لا يحسن فهو لا يحلو وإن حل الحرام
ليس في الحق أثامٌ بيِّن غير مسخ الحسن أو نقص التمام
ما عدا هذين مما يمكن فاستبحه وعلى الدنيا السلام
إنذار الغضب
إلى الحق المحتجب
يا حقُّ لا تبرحْ خباءَكْ أتعبتنا سعيًا وراءكْ
فيم الإباء ولم نكن يا حق إلا أصدقاءك
فالزم مكانك في الثرى إن شئت أو فالزم سماءك
ما الروضة الغناء ذا بلةٌ إذا حرمت ضياءك
والحسن عند المبطلـ ـين وعند من يهوى عداءك
ما فاز من يرجو رجا لك في الحياة ولا نساءك
أنا إن سلوتُك لم أكد أشتاق ما يغني غناءك
يا حق هذا حدُّنا فاختر ظهورك أو خفاءك
إن جئتنا طوعًا فجئ أو لا فلا تبرح خباءك
كل ما فيها امرأة
أيما لفظة جرت من فم المرأة امرأهْ
تبتغي الزوج من فئه والأخلاء من فئه
ليس بالجسم وحده يعرف الجنس منشأه
المعروف والمنكر
كل ما تصنع الحياة يُرجَّى من بنيها قبوله واعتقاده
فإذا أنكروا قبيحًا ففي القبـ ـح من الموت لونه أو شعاره
ذاك لب اللباب في كل شيء شطَّ بالفكر أو تدانى مزاره
حكمة التوائم
حكيمٌ ذلك التوأم ومن آبائه أحزم
تهيَّب أرضهم فردًا فجاء بصاحب ملزم!
ولو جاء بجيشٍ كا ن في تدبيره أحكم
على بحر الحياة
أمن نظرة الآباد والمثل الأعلى إلى اليوم بعد اليوم والنظرة العجلى؟
لقد كانت الأجيال عندي قريبةً فقد عادت الساعات توسعني ثقلا
نظرتُ إلى عُليا الحياةِ أرودُها فألْفيتُها صِفرًا ولم أحمدِ السفلى
فآليت أقضيها كمن راح طافيًا على اليمِّ لم يضربْ يدًا فيه أو رجلا
فإن شئت قُلْ هذا غريقٌ وإن تشأ فقل سابحٌ لم يدرِ أقبل أم ولَّى
نقمة في نعمة
نعمة الإحساس ما بَرِحَتْ نعمة في طيِّها نقمُ
لا يحسُّ الفقدَ فاقدُها ونصيب الواجدِ الألمُ
رعونة الحياة
فيم اقتحام جنينٍ واهنٍ عُطُلٍ أرضًا أبوه بها حيران مهموم
هي الرعونة في طبع الحياة ثَوَتْ وإنما حِكمةُ الأقوامِ تعليمُ
بنية قوية
تعاقب السوس والجراد وما باد ربيعٌ ولا انطوى شجر
فلا تخفْ آفةً ولا غِيَرًا يُمنى بها في الضمائر البشر
دنياك هذي قويةٌ صمدت لكل شر جرى به القدر
ما فوق الحياة
يا طالبًا فوق الحياة مدى له يعلو عليها، هل بلغت مداها؟
ما في خيالك صورةٌ تشتاقها إلا وحولك لو نظرت تراها
ولو استويت على الخلود وجدتها كفؤًا لعينك لا تروم سواها
على الشاطئ
وردوا البحر فأهلًا بهم يا بحر أهلا
أنت لا تحفل منهم من ولى أو من تولَّى
•••

نزلوا شطَّك غِيدًا وشبابًا ومشيبا
طلبوا في الماء بردًا فذكا الماء لهيبا
•••

وردوا البحر عطاشًا رشفوه غرفوه!
لو يكون البحر بحرًا من سرورٍ نزفوه
•••

المساكين يريدو ن من الدنيا اتساعا
اخدعوها فهي لا تو سعكم إلا خداعا
•••

وإذا لاحت بوجهٍ يملأ الأبصار رعبا
فاضحكوا منها وقولوا ما أُحَيْلَى ما أحبا!
•••

وإن مدَّت إليكم بيد فيها الحمام
فخذوا الموت وقولوا هو خلدٌ وسلامُ!
نصف رغيف
عجبي للحياة أشرف ما تحـ ـويه وقفٌ على الحقير الطفيف
صفحات السماء والأرض طرًّا والمعاني من تالدٍ وطريفِ
والوجوه التي تشوقك حسنًا تنطوي إن فقدت نصف رغيف
ذات وجوه
وجوه حياتنا متعدداتٌ ودع عنك البراقع والطلاءَ
فإن تحمد وسامتها صباحًا فقد تنعي دمامتها مساءَ
ضلال الخلود
كان في الأرض قبل عشرين ألفًا من سني الأرض شاعرٌ عبقريُّ
كان لا شك فيه عندي ولا ميـ ـن وإن شك جاحدٌ وغبي
نظم الشعر في الحسان وحيَّى قبلة الشمس وهو داع شجي
ليت لي من قصيده بيت شعرٍ في ثنايا البلاد يرويه حي
ليت لي من قصيده فرد بيتٍ صح أم لم يصح منه الروي
اشترى بيته بديوان شعبـ ـين فأين المساوم الصيرفي؟!
ضلة للخلود نأسى عليه أخلدُ الخالدين فينا دَعِيُّ!
أصداء الشارع
بنو جرجا ينادو ن على تفاح أمريكا
وإسرائيل لا يألو ك تعريبًا وتتريكا
وبتراكي إلى الجو د على الإسلام يدعوكا
وفي كفيه أوراقٌ بكسب المال تغريكا
وأقزامٌ من اليابا ن بالفصحى تحييكا
وإن لا تكن الفصحى فبالإيماء تغنيكا
قريبٌ كلها الدنيا كرجع الصوت من فيكا
دعا الداعي فلبوه طغاةً وصعاليكا
إذا ناديت يا دينا ر من ذا لا يلبيكا
فما في الناس هاذاك ولا في الأرض هاتيكا


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:51 pm
عصر السرعة
طاروا وداروا مسرعين في الثرى يركب منهم رأسه من ركبا
لو لم يكن هذا الزمانُ آفةً ما اتخذوا السرعة منه مهربا
عسكري المرور
متحكمٌ في الراكبيـ ـن وما له أبدًا ركوبَهْ
لهم المثوبة من بنا نك، حين تأمر والعقوبَهْ
مُرْ ما بدا لك في الطريـ ـق ورُضْ على مهلٍ شعوبه
أنا ثائرٌ أبدًا وما في ثورتي أبدًا صعوبه
أنا راكبٌ رجلي فلا أمرٌ عليَّ ولا ضريبه
وكذاك راكب رأسه في هذه الدنيا العجيبه
الفنادق
فنادق تشبه الدنيا لقاءً وتفرقةً وإنْ قَصرَ المُقامُ
تقول لكل من وفدوا عليها بأن العيش نهبٌ واغتنام
فمن تلقاه في يومٍ صباحًا تفارقه إذا جن الظلام
ورب عصيَّة في الحب باتت وأقرب من بدايتها الختام
تقول لقلبها ما الحب إلا أمانٌ حيث يزدحم الزحام
فلا سرٌّ هنالك مستباحٌ ولا شوقٌ هنالك أو غرام
مَنَازِلُ كُلُّ ما فيها انسجامٌ مَنَازِلُ كُلُّ ما فيها انقسامُ!
وما افترقت شعوب الأرض يومًا كما افترقوا إذا انصرفوا وهاموا
ففيهم يافثٌ حينًا وشيثٌ وفيهم تارةً حامٌ وسامُ
المصرف «البنك»
شبران من ذاك البناء
بيني وبين المال والد نيا العريضة والثراءْ
ليست بأقصى في الرجاءْ
من حفرة المدفون في شبرين في جوف العراءْ
كلا ولا أدنى على قرب المزار لمن يشاءْ
أعرفت آماد السماءْ؟!
•••

في سكَّتي أبدًا وما
من سكةٍ أبدًا إليـ ـه ولست ألغز عندما
أصفُ الطريق أو الحمَى
انظر بعينيك البنا ء سما وطال وأظلما
واسأل: أهذا مصرفٌ ملئوا جوانبه دما؟
تجدِ الصوابَ مجسَّما
•••

فيه دم لا شك فيه
في كل طرسٍ أو كتا ب أو سجلٍّ يحتويه
ودم المقتر والسفيه
يجري هناك وأنت تحـ ـسبه من الورق الرفيه
نغليه كالدم في العرو ق سرى وكالدم نتقيه
وسل المدلس والنزيه!
•••

سلني فلم أك طالبا
ورقًا هناك على الرفو ف أنال منه جانبا
وأعد منه حاسبا
إلا لأوراق أراها قارئًا أو كاتبًا
ولما تجيش به الخوا طر حاضرًا أو غائبا
ودع الحسود الغاضبا
يا رب … ويا خلق!
يا رب!
يا رب أعطيناك أرواحنا في هذه الحرب وفي الماضيهْ
يا ربنا فاقض لنا مرةً بالسلم في أيامنا الباقيَهْ
يا خلق!
يا خلق ما أرواحكم سمحةٌ عندي ولا إن سمحت كافيهْ
أعطيتمُ إبليس أضعافها من حيواتٍ عندكم غاليه
وبعتمُ في سوقه كل ما وهبتكم من عيشةٍ راضيه
لم تشتروا السلم بأرواحكم بل اشتريتم نقمةً ثانيه
عطاؤكم إبليس سمحٌ بلا أجرٍ ولا أمنيةٍ خافيه
وما بذلتم قط لي قربةً إلا رجاء العفو والعافيه!
بابل الساعة الثامنة
(في بعض الأحياء يمنع الشُّرَطُ نداءَ الباعةِ قبل الساعة الثامنة، فيجتمع الباعة عند مداخل تلك الأحياء صامتين متأهبين، حتى إذا وافت الساعة المحدودة اندفعوا دفعة واحدة ينادون على السلع، كلٌّ وما يبيع، وهي خليط لا تأتلف أصداؤه ولا أشياؤه، فهي بابل لا مراء!

قابل بين بابل هذه وبابل الفجر الذي تختلط فيه أصداء الطبيعة مثل هذا الاختلاط، ولكنها تنسجم في معناها المبشر باستئناف الحياة وعودة النور، وإن هذه المقابلات جميعًا لحقيقة في الشعر ببعض الإصغاء.)

كم بابل في الساعة الثامنهْ تثورُ في حلبتِنا الساكنهْ
خفية الأصداء لا تنجلي ولم تكن عجماء أو واهنهْ
شتى فإن أفردتها لم تكد تبين منها لفظةٌ بائنهْ
كأنما تُصْغِي إلى راطنٍ يُتَعْتِعُ الأحرفَ أو راطنهْ
فلفظةٌ ينطقها دونها عشرون في حلقومه قاطنه
واسم يليه اسمٌ وما جَمَّعتْ قرينةٌ بينهما قارنه
إن بعدت عن سامع أو دنت لم تدنُها أوصافها المائنه
البرتقال الحلو والفحم والـ أطباق والريحانة الفاتنه
والبيض والأثواب والتبغ والـ أخشاب والزينة والزائنه
وأشربات العصر في حينها مثلوجة إن شئت أو ساخنه
والناي والأرغن تتلوهما ربابةٌ كالهرة الداجنه
ومن يناديها ويدعو بها إليه في زوبعة زابنه
مخلوطة ممزوجة كلها معجونة في لفظها عاجنه
في بابل الباعة تلك التي تسمعها لا بابل الحائنه
يحبسها الشرطي حتى إذا حانت لديه الساعة الثامنه
أطلقها فانطلقت فجأةً على الحِمَى كالفارة الكامنه
تجِدُّ أقصى الجدِّ لكنها في السمع كالمجنونة الماجنه
•••

إذا تمادى النوم بي ضحوةً أو أرَّقتني خطرةٌ رائنه
أيقظني من بابلي هذه نفيرُ حربٍ في القرى الآمنه
عباد الطغيان
كلكم كلكم مع الغالب الظا لم لا تعدموا من الظلم رغما
لو وقفتم يومًا إلى جانب المغـ ـلوب ما فاز غالبٌ قط ظلما
اعرف ما ترميه تعرف ما تجنيه
تعلَّم كيف تستغني إذا ما شئت أن تغني
فمن يجهل ما يُلقي فقد يجهل ما يجني
فَصْد
قالوا هي الحرب فَصْدٌ به الشفاءُ يُؤمَّلْ
قلنا نعم فصدُ عرقٍ حي وإعفاء دُمَّلْ!
الخلودُ المزدرَى
نفوسٌ أعافُ مقامي بها أأخلدُ فيها لبئس الخلودْ؟!
وسجنٌ أعاف وجودي به أليس كفيلًا ببغض الوجودْ؟
فدعْ عنك يا صاحبي خالدَيكَ وقل مَنْ مُزَكٍّ لهم أو شهيدْ
فلا خير في عيشهم سرمدًا إذا سُرْمِدُوا في ضمير القرودْ
فَرُبَّ خلودٍ كقيد السجين ونسيان قوم كفك القيود
الشعر
إني ألوذ بشعري حين يطرقني من الطوارق نُزَّالٌ وضِيفانُ
والشعر من نفس الرحمن مقتبس والشاعر الفذ بين الناس رحمانُ
كأنَّ من صُور إسرافيلَ دعوته لو يسمع الصور يوم البعث صفوانُ
يظل ينظفُ من ماء الحياة ندًى على الجماد فيزكو فيه ريعانُ
فما يزال لراويه وقائله من الخلائق سُمَّارٌ وخُلصانُ
يجني المودة مما لا حياة له إذا جفاه من الأحياء خَوَّانُ
ويحسب النجم ألحاظًا تساهره والودق يبكيه دمعٌ منه هتانُ
إذا تجهم وجه الناس ضاحَكَهُ ثغر الورود ومالَ السَّرْوُ والبانُ
أو ملَّ هاتفةَ الأصواتِ أسمعه للريح والغاب أبواقٌ وعيدانُ
تُفضِي له ألسنُ الدنيا بما علمَتْ كأنما هو في الدنيا سليمانُ
لقد عبدت الأقانيم التي جمعت ما فرقته أقانيمٌ وصلبانُ
الحب والشعر ديني والحياة معًا دينٌ لعمرك لا تنفيه أديانُ
هي الحياة جنين الحب من قدم لولا التجاذب ما ضمتك أكوانُ
والشعر ألسنةٌ تقضي الحياة بها إلى الحياة بما يطويه كتمانُ
لولا القريض لكانت وهي فاتنةٌ خرساءَ ليس لها بالقول تبيانُ
ما دام في الكون ركنٌ للحياة يُرى ففي صحائفه للشعرِ ديوانُ
سِر في طريقك
سِرْ في طريقك بين اللائمين ولا تحفل بمن جد في لوم ومن لعبا
فالناس يرضون عمن ليس يحفلهم ويغضبون على من يحفل الغضبا
الخلاصة
ليست خلاصةُ كلِّ شيء غُنيةً عنه وإن كانت خلاصة ماهر
فالشهد وهو خلاصة الأزهار لا يغني العيون عن الربيع الزاهر
وصايا معكوسة
من عمل بها فعليه وزرها، ومن لم يعمل بها فأجره على الله
(إذا قال الرجل لرسوله: «اذهب إلى السوق فهات عنبًا حامضًا!» فليس معنى ذلك أنه يطلب العنب الحامض، وإنما معناه أنه يأباه وينبه إلى اجتنابه، وكذلك هذه الوصايا إنما هي وصايا أسف وتحذير وليست بوصايا رضا وترغيب. والقصد منها أن تصف ما يقع أحيانًا بين الناس، وتنكر أن يشيع):

الضعة والشرف
والِ المدنَّسَ بالعيوب ولا تكن يومًا وليًّا للنبيل الطاهرِ
فذوو المعائب لا تناحرَ بينهم والنبل فيه سبيل كل تناحر
وذوو المعائب آمنون لمن وفى والنبل ليس بآمن للغادر
وذوو المعائب ما لهم من حاصرٍ والنبل محصورٌ قليل الناصر
وذوو المعائب يسترون خلالهم والنبل ما لهناته من ساتر
وذوو المعائب عذرهم في نقصهم والنبل ما لكماله من عاذر
وذوو المعائب ينعمون بحظهم والنبل ما لشقائه من آخر
ولربَّ ربح فات من ذي ذمة يسعى إليك مع الخئون الخافر
رأيُ السلامة إن أردتَ فَخُذْ به أو لا فدعه إن استطعت وخاطرِ
بمن تثق؟!
ثِقْ بالرذيلة تلقها في كل حينٍ حاضرةْ
إن الفضيلة قلما تلقاك إلا عابرةْ
حتى الأفاضل عرضةٌ لهوى الهنات البادرةْ
ما كل يومٍ يرتجى عطف النفوس الطاهرةْ
ومن النوادر أن ترى عند التعطُّف قادرةْ
من لم يَدُرْ في دهره دارت عليه الدائرةْ
ومن تكون
ومن لا تكون
كن بينهم «بوذا» فإن لم تطق فكن كتيمور ونيرونا
أو عش معافًى بينهم لا ترى إصلاحهم دنيا ولا دينا
قد ضل من يطلب إصلاحهم لا غرو أن سمَّوه مجنونا!
يأمنهم من فاتهم طائعًا أو ساقهم كرهًا مطيعينا
أو راح منهم طالبًا نفعه لا عاليًا يأبى ولا دونا
من هان أو هان الورى عنده أو سامهم في ظلمه الهونا
أولئك الرهط الذي لم يزل يأمن ما يخشى النبيونا
يا بؤس أرض لا ترى فوقها إلا طُغاةً أو مرائينا
صُوَرُ الرَّجاء
أمسيتُ أذكر ما مضى من صبوتي والذكر آمال الزمان الغابر
قد ييأس الإنسان من غده ولا تلقاه ييأس من حنين الذاكر
ما شئت من صور الرجاء فَلُذْ به بعضُ الغدِ الآتي كأمس الدابر
قرش معقول
إن أحبُّوا القرش لم يجدوا عجبًا في حبه الخطر
فإذا ما الطفل هام به جعلوه طرفة السمر
يا محبي القرش ويحكمُ هل سمعتم أصدق الخبر؟
هل علمتم في طرائفكم أي قرشٍ بالهيام حري؟
ذاك قرش الطفل نضحك من حبه إياه في الصغر
وهو أولى من قروشكمُ كلها بالحب والسهر
هو «حق» عنده جللٌ حاضر الميعاد والأثر
ثمن الحلوى يلذُّ بها وجمال الحسن والنظر
وأفانين الملاعب لم تخل من نفع ومن ثمر
وهو وهمٌ في خزائنكم وخيالٌ كاذب الوطر
وسجين ثمَّ مُدَّخَرٌ لرجاءٍ غيرِ مُدَّخَرِ
لا تعيبوا الطفل وانتفعوا منه بالآيات والعبر
الحياة الحق ناضرةٌ فاقطفوا من غصنها النضر
جلال الموت
أرى في جلال الموت إن كان صادقًا جلالة حق لا جلالة باطل
فلا تجعلن الموت حجة كاذبٍ لمدحة مذمومٍ ورفعة سافل
عصر السرعة
طار في الذُّرى هام في السهولْ
مسرعَ الخُطى حيثما يجولْ
ما له عدا عدوة الوعول
ما له سطا سطوة السيول
في صعوده يشبه النزول
تلك سرعة الـ ـحائر الملول
تلك سرعة الـ آثم الخجولْ
أين سرعة الـ ـسَّعي والوصولْ
التقديس
عارفُ التقديسِ روحيـ ـيٌّ وإن قدَّس جسما
ومهين الجسم جسميـ ـيٌّ وإن كان «بَرَهْما»
أنت بالتقديس تسمو لا بما قدستَ تُسمَى
السرور
منع السرور حذار قلبي قبله ألا يتم وبعده التنغيصا
ويزيدني كلفًا به وضنانةً ألا يباح إذا أبيح رخيصا
حكمة الجهل
ألم أقل لك مهلًا فالناس لؤمٌ وشرُّ
لا تولهم منك عطفًا فهم من العطف صفرُ
لو كنت تعلم علمي لما أصابك ضُرُّ
نَعَمْ نَعَمْ قلتُ هذا إني بذاك مُقِرُّ
وأنت عنديَ طفلٌ وأنت عندي غِرُّ
وما لقولك وزنٌ وما لنصحك شكر
أنفقت عطفك قبلي وذاك يا صاح فقر
كم حكمة هي جهلٌ وغفلةٍ هي فخر
الحكمة الصادقة
حكمةٌ قد تناقضت هذه أصدق الحكم
ليس للعلم من تما م إذا الجهل قيل تم
فاغتنم منه ما بدا وانتظم منه ما انتظم

صفاتٌ وأشباهٌ
فُرضة البحر
قطبَ السَّفينِ وقبلة الربان يا ليت نوركِ نافعٌ وجداني
يزجي منارك بالضياء كأنه أرقٌ يقلب مقلتيْ ولهانِ
وعلى الخضم مطارحٌ من ومضه تسري مدلَّهة بغير عنان
كمطارح الأفكار في لُجج على لجج من الشبهات والأشجان
تخفى وتظهر وهي في ظلمائها باب النجاة وموئل الحيران
•••

أمسيتِ أحداق السفائن شرَّعٌ صورٌ إليك من البحار رواني
كالبيت يجمع بعد تشتيت النوى شمل الأحبة فيه والإخوان
جُودِيُّ كل سفينةٍ لم يبنها نوحٌ ولم تمخَرْ على الطوفان
فيها التقى بر وبحرٌ واستوى شرقٌ وغربٌ ليس يستويان
بسطت ذراعيها تودع راحلًا عنها وتحفل بالنزيل الداني
زمر توافت للفراق فقاصدٌ وطنًا ومغتربٌ عن الأوطان
متجاوري الأجساد مفترقي الهوى متبايني اللهجات والألوان
فانظر إلى تلك الوجوه فإنها شتى ديارٍ جُمِّعت بمكان
في فرضة متقاصر عن متنها موجٌ أشمُّ أحمُّ ليس بواني
موجٌ يطيف بها وقد ران الكرى فيها طواف الضيغم الغرثان
ألقت مراسيها السفائن عندها وتحصنت منها بدار أمان
فكأن ضوء منارها نار القِرى لو كان يُبْعَثُ ميِّتُ النيران!
الخريف
حي الغمائم في السماء كأنها طيرٌ سرت في مستهل ربيع
بيضاء ترتع في فضاء شاسع صافي السراة على السنا مرفوع
طورًا كتمسيح الذيول وتارةً كالرغو بين مُفرَّقٍ وجميع
ترفو حواشيها الرياح وتنتحي أوساطها بالفتق والترقيع
والدوح مهدول الأرائك ساهمٌ كالعاشقين هنيهة التوديع
والماء كالممرور في وسواسه يشجوك منه ترنُّمُ المفجوع
والشمس ساهية الشعاع كمقلةٍ وطفاء جلَّلها البكى بدموع
ضحك الطبيعة في الربيع كأنه ضحك الغريرة في عناق خليع
فإذا تبسَّمَ في الخريف جبينها أبصرت نظرة ريبةٍ وخشوع
كالغادة الحسناء يغرب حسنها أثناء شيبٍ في الشباب سريع
أنس الوجود
تماثيلَ مصرٍ أنتِ صورتُها الصغرى وطلسمها الواقي وآيتها الكبرى
حياتك أجدى من رجالٍ كأنهم تماثيل لا تحيي الصناعة والذكرى
رعى الله من أسوان دارًا سحيقةً وخلَّد في أرجائها ذلك القصرا
أقام مقام الطَّودِ فيها وحوله جبالٌ على الشطين شامخةٌ كبرى
بعيدًا عن الأقران منقطعًا بها فريدًا عن العمران مستوحشًا قفرا
بأسوان مرصودًا وهل يُعْبَدُ الضحى بأظهرَ منها للضُّحى كيفما ذَرَّا؟
بلاد أدار الله حول ربوعها نطاقًا وأجلى عن مطالعها السترا
بنو الشمس أهلوها إذا اشتد قيظها وجاش على الصحراء فاتقدت جمرا
بقرصٍ كأفواه البراكين قاذفٍ شآبيب ما أحيا وما قتل القطرا!
لقد نفثت فينا الحياة ضرامها فأنفسنا من حرها شعلة حرى
درجنا بحيث الدارجون عروشهم قيامٌ تناجي في سكينتها الدهرا
تلوح على تلك الرمال كأنها خطى الزمن الوثاب تاركة إثرا
•••

… … … … … … … … … …
عبرنا إليه النهر ليلًا كأننا عبرنا من الماضي إلى الضفة الأخرى
قضى نحبه فيه الزمان الذي مضى فكان له رسمًا وكان له قبرا
وأشهدنا منه شخوصًا كأنها مساحير ترجو كاهنًا يبطل السحرا
فيخفق ذاك القلب بعد سكونه ويملأ من أهوائه ذلك الصدرا
ولما رأوها يشبه الخلق صنعها تغالوا فقالوا الإنس قد مُسِخَتْ صخرا
لقد أكبروا إلا على الله صنعها فقالوا براها ثم أصمتها قهرا
السماء
يا للسماء البرزة المحجوبة أعجب ما أبصرت من أعجوبة
تروعنا أنجمها المشبوبة تهولُنا قبَّتها المضروبة
كأنها الهاوية المقلوبة كأنها الجمجمة المنخوبة
وقفة في الصحراء
هضابك أم هذي أواذيُّ عيلمِ وهل فيك من وردٍ لغير التوهمِ؟
تخايلت كالدنيا وأقفرت مثلها فلا تخدعيني إنني لست بالظمي
أيا ربة الآل الخلوب وإنما إلى الآل ركب الناس جمعاء فاعلمي
خلوت فلا آثار حي ثوابتٌ عليك ولا آثار ميْت معظَّمِ
نبا بكِ عن حال العمار وضده شماسٌ فلم تُبْنَيْ ولم تتهدمي
تشاهبت الأيام فيك فلم يكن إلى السعد يومٌ أو إلى النحس ينتمي
صحاري من الدهر الفسيح جديبةٌ كعهدك لم تعبس ولم تتبسم
لفيك وإن طال الزمان غواربٌ على الناس أخفى من غوارب أنجم
أضاءت عليها النيِّراتُ ولم تزل هنالك في ليلٍ من الغيب أيْهم
إلى أي ركن فيك يلجأ هاربٌ وفي أي ظل من ظلالك يحتمي
تسدين أرجاء السماء بحاصبٍ من النارِ موَّارِ العجاجة مظلم
ثئور كأفواج الدخان تطلَّعت إلى علو من قاصي قرار جهنم
إذا ما رآها الوحش ولَّى كأنها من النقع تُجلى عن خميسٍ عرمرم
يلوذ ببطن الأرضِ والأرضُ جمرةٌ خياشيمه م القيظ يبضضن بالدم
ويذهل حتى يفلتَ الليثُ صيدَه ولا تفرق الغزلان من ناب ضيغم
وما سكنتها الوحش إلا لأنَّها أحبُّ إليها من جوار ابن آدم
السينماتوجراف
بربك ماذا في ستائرك الطُّلسِ أأشباحُ جِنٍّ تلك تظهر للإنسِ؟
إذا لم تكن جنًّا فما لي عهدتُها تفرُّ فرارَ الجن من طلعة الشمس
ستورٌ ولكن يكشف النور عندها فنونًا من الأسرار تخفى على النفس
كأني أرى فيها قريحة شاعرٍ مصورةً للناس في عالم الحس
وكالعين إلا أنها تمسك الرؤى وترسلها رسمًا تراه على الطرس
ترد تجاليد القبور كواسيًا وتبعث أشخاص الرفات من الرمس
وتحمدها عين الغريب لأنها تنوب بها الرؤيا لديه عن الحدس
وكم معجزاتٍ للصناعةِ بيننا يجيء بها رسل المعارف والدرس
تميط عن الطرف الحجابَ كما رأى نبيُّ الهدى في مكة صورةَ القدسِ
… … … … … … … … … …
الشتاء في أسوان
ألقِ الربيع على البشيرْ كانون آذنَ بالظهورْ
أسوان تزهو حين يذ بل كلُّ مخضرٍّ نضيرْ
في كل مربأة بها نورٌ تألَّق فوق نور
بلد تجود له الطبيـ ـعة بالصغير وبالكبير
لا تستجن شموسه إلا على غير البصير
نسماته برء العليـ ـل وماؤه عذبٌ نمير
ما طبُّ جالينوس قيـ ـس بطبِّه إلا غرور
أبدًا تحوط به ودا ئعها بسورٍ خلف سور
من كل شاهقة كأن قلالها عمد الدهور
حصن تهاب ظروفه الآ فات طرًّا والشرور
•••

بولون أقفرَ غابُها من كل مختالٍ فخور
سرحت صوادحها وأطـ ـلق وُرقه الأيك الغضير
يلقطن حبات القلو ب من الجوانح والصدور
الفاتنات تكاد إحـ ـداهن من حسن تنير
الناهدات كما ترى الـ أهرام في الرسم الصغير
العبهريات الشذى الكوثريات الثغور
الورد في وجناتهن يضوع في كل الشهور
المرسلات الشعر كالز رياب مصفرًّا غزير
متمنطقات بالدمقـ ـس مؤزَّرات بالحرير
من كل قاعٍ جؤذر تلقاه أو ظبي غرير
مثل الشموس برزن للـ أكوان من فجر البدور
باراتهن مطالعٌ لم تدر ما نور البدور
فيهن معترك الغرا م ومعرض الحسن الطرير
الحور هن خلقن للـ ـفردوس لا للزمهرير
•••

الماء فاض على الجنا دِلِ والسواحل والجسور
خلجانه تنساب كالـ ـحيات ما بين الصخور
متسابقات كالسوا بق في مجالٍ مستدير
والنيل مصطفق كمن قد هزه فرط السرور
متدفِّع الأمواج تر قص وفق توقيع الخرير
وترى الزوارق كالبوا شق حوَّمًا أو كالنسور
قد حار فيها العنصرا ن الريح والماء القدير
والشمس شاخصةٌ تكا دُ تنوء من جهد المسير
فضفاضة الأذيال تخـ ـطر كالعروس إلى السرير
وكأنها فوق الذرى فوق الجزائر والبرور
حسناء ترقب قادمًا في النيل من أعلى القصور
وعلى الروابي والهيا كل مسحة الشفق الأخير
تبدو كما نصل الخضا بُ بعارض الشيخ الوقور
ما كان أول مغرب شهدت على مر العصور
•••

كم آيةٍ في الكون أخـ ـفى من خفيات الضمير
من لا يرى إلا العيا ن فما يرى إلا اليسيرْ
ليلة الأربعاء
شفَّ لطفًا عمَّا وراء السماء نورُ بدرٍ مفضض اللأْلاءِ
رق سجف السماء حتى كأن الـ ـعين تتلو هناك سر القضاء
وسرى الطرف في الفضاء فما يثـ ـنيه ثانٍ عن خوض ذاك الفضاء
وربا النور كالعباب فما في الـ ـكون غير الظلال من ظلماء
تلك أولى لوائح الصيفِ والصيـ ـفُ بهيجٌ في الليلة القمراء
يمَّنَ الله سعيَهُ من رسولٍ يطرق الأرض وافدًا من ذُكاء
مولد الأرض فهي تلبس فيه كلَّ عامٍ مطارف الأضواء
أضرم الجو بالمشاعل كالظا فر يعدو في إثر جند الشتاء
فنهضنا للَّهو في دار ذي القر نينِ بين الصحاب والقرناء
بلد ما تحجَّب الجو إلا ناب عنه الصفاء في الدأماء
كل من ينتحي حماه غريبٌ عنه حتَّى ما فيه من غرباء
تكشف الشمس ثم ما يضمر اليمُّ كعين المنوم النجلاء
فعلى اليم للمطيفين سرٌّ كاشفٌ عن سرائر الأنباء
•••

ليلة الأربعاء بالله عودي وأعيدي يا ليلة الأربعاء
ليلةٌ أرسل الزمان بها عفـ ـوًا فجاءت كحكمة البلهاء
قد نسينا الصباح حتى ذكرنا هُ بنور من بدرها الوضاء
فوصلنا مساءها بصباح ووصلنا صباحها بمساء
… … … … … … … … … …
خير ما في الحياة يا قلب ما أنـ ـساك ذكر الحياة والأحياء
بيد أن النفوس تصبو إلى الذكـ ـر وإن كان فيه بعضُ العناء
•••

… … … … … … … … … …
نسج الفجر للنجوم الدَّراري برقعًا حِيكَ من شعاع الضياءِ
وكأنَّ النسيمَ همومُ اللـ ـيلِ والليلُ مؤذنٌ بانقضاءِ
همسات العوَّاد حول حبيبٍ بات لم يبق منه غير الذماء
وترى البحر لو توسده النا ئم لم ينتبه من الإغفاء
في سكونٍ كأنه نفس الحا لِمِ أو خفق طائر في الهواء
وكأن الخرير صوتٌ يناجي الغيـ ـب حتى لهمَّ بالإصغاء
فبعثنا الأرواح سربًا كروح الله قدْمًا ترف فوق الماء
الورد
أراح الورد عازفة النفوس وأشرق نجمه بعد الخنوسِ
وغرَّد هاتف الأطيارِ لما جلا البستان عن خدرِ العروس
وأشرقتِ الرياضُ على الروابي مكللة المفارق والرءوس
نديم الكأس طف بالروض فانظر غضون الورد مترعة الكئوس
وفيه ثمالةٌ لم يودعوها من الأفراح كرم الخندريس
تبسَّم في خمائله النشاوى فأضحك غرة الزمن العبوس
يُخَيَّلُ ناطقًا لولا حياء ثناه عن مناجاة الجليس
… … … … … … … … … …
أطلَّ من الرغام كأن روحًا تنادي الناس من خلف الرموس
… … … … … … … … … …
مجامر للطبيعة أرَّجتها وخصَّتها بقربان الشموس
تلقيها إذا نشرت شذاها على الأفنان أرواح الأنيس
كما لبى بحوز السحر حور من الجنَّان خافيةُ الحسيسِ
جنى الفردوس إلا أن فيه ذكاء النار والجمر القبيسِ
يكادُ يبثُّ حوليه ضياءً كما بثته نيران الوطيس
•••

… … … … … … … … … …
لَوَ انَّا قادرون لما هفونا إلى غير المحاسن والطروس
ولولا الدهر بالإنسان يلهو ويبلو القلب بالغرض الخسيس
لما ألهاه عن آسٍ ووردٍ بحبَّاتٍ من البُرِّ الدريس
حديقة البرتقال
أَحْبِبْ به من منظرٍ سَرِيِّ ومن نباتٍ طيبٍ ذكيِّ
متصل الخضرة فِرْدَوسي نُزِّهَ عن تصوُّح وعريِّ
جناته تثني على الوسمي بالبرتقال الواضح الرويِّ
كالسُّرُج المذكاة بالعشي تستقبل المقبل إذ تحيي
منها بألف كوكب دري كالشمس في جلبابها الفجري
غصنًا على غصنٍ زمرُّدي من بارزٍ وضامرٍ خلفي
وساجد في الأرض كالقسي مكلل بطلعه محني
كأنه جلاجلُ الحلي يأخذ عين المبصر الذكي
أخذ الحلي مقلة الغوي على نحور البيض والثدي
أغلى لدى الشاعر والصبي من كنز قارون وكل شي
فاعجَبْ لهذا الصائغ الغني صائغ هذا الثمر الجني
من نفسٍ حام ومن طمي وصابغ الطلع بألف زي
ومخرج الحي بغير الحي
منظر
الروضُ جمُّ العبير والليل شفُّ الستور
والدرُّ ينشر نورًا كأنه نصف نور!
كأنما الكون يبدو من خلف سترٍ وثير
كأنه ظلُّ كونٍ مغيَّبٍ في الدهور
قدوم الشتاء
تسير الكواكبُ سيرَ الحذِرْ ويرجف في الجو نور القمرْ
وللشمس مشيةُ مستكرهٍ يساق إلى منظر لا يسر
ونهرٍ كمرآة مهجورةٍ على وجهها من جواها أثر
وللروض زهرٌ به طائحٌ تقلَّبَ في الأرض كالمختضر
ونادى المنادي بركب الطيور هلمَّ فقد حان وقت السفر
فهذا يحوم على وكره وهذا يصيح ولمَّا يطر
ألا ما لهذا الضحى كاسفًا كأن الأصيل عليه انتشر
وما للرياح بأعلى الشجر تعجُّ كموجٍ خِضَمٍّ زخر
تنام العيون ويعلو لها نشيجٌ إذا الليل أغضى ظهر
تُحَطِّم أعوادَها العاريا تِ تحطيمَ ذي جِنَّةٍ منذعِرْ
فيا ويلَ من بات في ليله يجاوبها بالبكا والسهر
النهر النائم
تمهَّلْ يا نسيمُ ولا تكدِّر نعاس النهر بالهمس الضعيف
وقرِّي يا طيور على الحوافي وكفي يا غصونُ عن الحفيف
لعلَّ النهر ينطق وهو غافٍ بسرٍّ فيه أو حلمٍ لطيف
ويحكي طيف هاتيك الليالي ليالي الوصل في عهد الخريف
يا قمر
فضِّضِ الماءَ يا قمرْ وانقشِ النورَ في الحجرْ
وانظم الغصن بالندى والثُمِ الزهرَ في الشجر
واجعل الكون ضاحكًا عن سماءٍ من الغُرَر
واملكِ الليلَ مفردًا ومع الشمس في البُكَرْ
•••

في مجاليك راحةٌ راحة النوم والسهر
في لياليك بهجةٌ بهجة الفكر والنظر
ليس كالليل في الظلا م ولا الصبح في الكدر
أنت كالطيف والدجى ناعس الطرف يا قمر
•••

ساهد الليل لا تجم واتل ما شئت من ذكر
قد تناسيت ما مضى ولنا اليوم ما حضر
من يذق لذة الهوى يسل لذاته الأخر
النرجيلة
هات نرجيلة يضاحكني منـ ـها خريرٌ كجدول البستان
ذات أنبوبةٍ كحية حوا ءَ بفيها تفاحة الحرمان!
إن بين الضلوع نارًا أُوَارِ يهَا فأخفي زفيرَها في الدخان
القمراء
كلما أشرق في الليل القمر
وسها الناس ولاذوا بالحجر
خلت أرواحًا تداعت للسمر
زُمَرًا تهمسُ من حولِ زمر
إنَّ هذا الحسنَ لا يمضي هدر
حيثما أسفر نورٌ وانتشر
وحلا في خلوة الليل السهر
فهنا لا ريبَ حِسٌّ وبصر
شيمة المسحور يقفو مَنْ سحر
يوم شتاء
يوم بيتٍ لا يوم خوض الدياجي فانجُ ما بين صفحةٍ وسراج
وجمالٍ من النفوس يُناجَى في أسارير وجهه ويناجي
مستهلين والطبيعة غضبى وكلانا من هولها الصعب ناجي
نتحدَّى الرياحَ والليلَ والأهـ ـوال طرًّا بصفحةٍ من زُجاج
فإذا ما يروع منها ويضني نتلقاه ههنا بابتهاج
كالذي يشهد الكوارث فنًّا من فنون التمثيل والإخراج
زهرة القرنفل
تعشَّقتُ من زهر القرنفل لونه ونشرًا كريح البابلية زاكيا
تَقَسَّمَ نور الشمس أحمر قانيًا وأصفر وضَّاحًا وأخضر زاهيا
ونازع محزون البنفسج لونه وحاك له ثوبًا من الجوِّ صافيا
كواعبُ أترابٌ تقاربن صورة وسيمة حسن واختلفن كواسيا
وأسمع منه حين أقبس ضوءه وأنشق رياه فأنصت واعيا
تشاغلْ بما يجلو العيون وغمضها سرائر دنيانا، وإن كنت رائيا
وسيان تحديق العيون وغمضها إذا كان ما ترتاده العين خافيا
فحسبك منها زينة تبهر النهى فغير قليل ما ترى النفس باديا
الجسم الخجل
أرى في البحر أجسامًا تُشِعُّ عليها من حياء الحسن درع
إذا ما الماء جمَّشها تراءى لها خجلٌ على الأعطاف بدع
وما خجل الخدود وذاك جسمٌ سَنَى الخجل المورَّدِ فيه طبع؟
ليالي رأس البر
مناظر من سحر الجمال أراها ولولا سناها قلت: كنت أراها!
تلوحُ كذكرى حالمٍ يستعيدُها لعمقِ معانيها وبُعدِ مداها
فمن عالمِ النسيانِ فيها مشابهٌ وفيها من السلوى جميل رضاها
ليالٍ برأسِ البَرِّ تَنْدَى وداعةً ورقة أشجانٍ وطاب نداها
وداعة ذات الدَّلِّ شاب فؤادها شوائب من هجرٍ فراض صباها
•••

ليالٍ برأس البر طاب نداها وشفَّتْ دياجيها ورقَّ سناها
هنا النيل ساجٍ طال في الدهر سيره وطالت مرامي نبعه فسلاها
هنا البحرُ ثوَّار الدهور على الكرى ويطغى فلا يحمي النفوس كراها
إذا استرسلت أصداؤه في اطرادها ترسَّلتِ الأحلامُ ملء مناها
هنا عالم السلوى هنا العالم الذي تحسُّ الليالي فيه همس خطاها
هنا العالم المشهود ذكرى قديمةٌ وذكراك دنيا لا تزال تراها
فلولا حياتي في عروقي أُحِسُّها لقلتُ نعيمُ الغابرين طواها
•••

جمالك رأسَ البرِّ في زي ناسكٍ إذا ضاحك العين الضحوك شجاها
لياليك رأس البر في صومعاتها مناسك ضلَّت في الظلام هداها
صحابك رأس البر أطياف نائمٍ تساوَى لديها صبحها ودجاها
عناها الذي يعني النيام من الرُّؤى ولم أر جهدًا في الحياة عناها
•••

حياتك رأس البر طفلٌ مجددٌ سقته ثديُّ الخالدات جناها
فلا تحرمينا رشفة الخلد كلما فنينا وكم تُفني الجسومَ نُهاها
بحسبيَ من أبناء آدم إن صفا لنا العيش يومًا أن تكفَّ أذاها
أغاني
في الهوى قلبي زورقٌ يجري
أين يمضي بي نهره الخمري
ليتني أدري!
•••

ليته يجري يا أبا الأنهارْ
مثلما تسري في حمى الأقدارْ
حولك الأزهار
•••

حولك الصفصاف مسبل الشعر
ناعس الأطياف سابح الفكر
في الهوى السحري
•••

يا رياض النيل علمي قلبي
فرحة التَّهليل عشت للحب
يا منى الصبِّ
•••

قال لي قلبي والهوى يرعاه
هو في قربي ما الذي أخشاه
عندما ألقاه
الشتاء والربيع
كل بادٍ يريد أن يتوارى في الشتاء المغلَّفِ المسدود
كل خافٍ يريد أن يتجلَّى في الربيع المزخرف المشهود
هات لي العالم الصريح ودعنا من حياةٍ خجلى وطبعٍ برود
في القمر
في الليلة القمراء ما أحلى النظر لكل شيءٍ لاح في ضوء القمر!
حتى الثرى حتى الحصى حتى الحجر
•••

ليست منَ الآجرِّ هاتيك البِنَى لا بل خيال من ظلامٍ وسنى
كخيلة الأشكال في السحب لنا
•••

أكاد عند رؤيتي طلاءها أرسل عينيَّ لما وراءها
كما تخوض نظرةٌ فضاءها
•••

قد شفتُ بالصخرة مصباح الدجى فكيف بالنفس وكيف بالحجى
عاشٍ على مرِّ الليالي مسرجا؟
العيش جميل
صفحة الجو على الزر قاء كالخد الصقيل
لمعة الشمس كعين لمعت نحو خليل
رجفة الزهر كجسمٍ هزه الشوق الدخيل
حيث يمَّمتَ مروجٌ وعلى البعد نخيل
قل ولا تحفل بشيءٍ إنما العيش جميل
القمر والظلام
لا أوثر القمراء في حسنها على الدجى والطرف فيه يحوم
سناكَ يا بدر يريني الثرى وظلمة الليل تريني النجوم
صداح الأثير
ملأ الآفاق صداح الأثير لا فضاء اليوم بل صوتٌ ونورْ
لك من كل فضاءٍ شاسع حيثما يممت داع وبشير
ما صفاء الجو إن فتشته غير أصداءٍ حواليك تمور
لجبٌ لكنه مستأذنٌ يطرق السمع بسلطانٍ قدير
أو هي الأرواح إن قلتَ احضري حضرت أو شئت أعياها الحضور
قيل أمواجٌ فقلنا وبحور من معانٍ وبيانٍ وشعور
تركب الألباب فيها سفنًا سُبَّقًا بين طويلٍ وقصير
حملَتْ من كل زادٍ وقرت كل غادٍ ووعَتْ كلَّ أثير
ولها في كل يومٍ مددٌ يلتقي الأول فيه والأخير
•••

كان فرعون له مجلسه وهو ذو الصرح المُعَلَّى والسرير
ولنا في كل دارٍ مجلس يسع العالم أيان يدور
هو نادٍ لك أو مدرسةٌ أو مجال السبق أو ملهى السرور
غلب الوهم الذي زيَّنه في الأساطير خيالٌ مستطير
دعوة المارد إن قيست إلى دعوة المذياع ظنٌّ وغرور
بورك العلم لعمري إنه من صفات اللهِ واللهُ قدير
ربما أسمعنا في غده نغم الأفلاك أو صوت الضمير
أسود يلتحي
أليس كفى هذا السواد فزدته سواد غرابٍ في لحاك معلق؟
سريت برأسٍ لا حدود لوجهه فما زال فيه الليل بالليل يلتقي
ألا فانتظر حتى تشيب فقد ترى سوادك محفوفًا بأبيض مشرق
وأخلق أن يرتادك الشيب حالكًا على حالكٍ لو كان يجري بمنطق
على شاطئ البحر
نفض النسيم عن النفوس رمادها فأعاد للسالي قديم هواه
والبحر تطَّرد الخواطر عنده مثل اطراد اللج حين تراه
لم أبصر الآذي فيه كأنه خيل الطراد تسوقهن صباه
وكأن متن الماء في شمس الضحى فيروزجٌ قدح الضياء سناه
وكأن مبيضَّ الجليد طفا به إن مج بالزبد النقي حشاه
إلا وددت بأن أراه فلا أرى أفقًا يصدُّ الطرق دون مداه
الروح يطمع أن يتيه بلا مدًى والعين ترسم في الفضاء خطاه
البحر أقدم والنفوس قديمةٌ فالنفس تألفه ولا تنساه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:52 pm

مناجاة
مناجاة

يا مَنْ أحبُّ لقاءه سِرًّا وأزوي عنه جَهرا
إنَّ العيونَ بمرصدٍ لي في هواك وأنت أدرى
من ذا يتيه على الجما ل وأهله بالتيه أحرى
الشمس تحيي بالضيا ء لحاظنا فنغضُّ قسرا
كن في الملاحة والصبا لقلوبنا فخًّا ووكرا
واغنم بحسنك حبنا واقنع بهذا الحب أجرا
لسان الجمال
يا من إلى البعد يدعوني ويهجرني أَسْكِتْ لسانًا إلى لقياك يدعوني
أسكتْ لسانَ جمالٍ فيك أسمعه في كل يومٍ بأن ألقاك يغريني
أبالجمال تناديني وتجذبني وبالمقال تجافيني وتقصيني؟
هيهاتَ لستُ بسالٍ عنك ما نطقت فيك المحاسن فانظر كيف تسليني
أعصيك أعصيك لا آلوك معصيةً ولست أعصي جمالًا فيك يحييني
متى؟!
متى تشرق الشمس التي قد رأيتها تغيب وراء الأفق في مغرب الأمس؟
لقد طال عمر الليل حتى حسبتها توارت من الغرب المعصفر في رمس
الحب الأول
(… كنا نقرأ ذات يوم أنا وصديقاي الشاعران النابغان المازني وعلي شوقي قصيدة ابن الرومي النونية التي يمدح بها أبا الصقر ويقول في أولها):

أجنيتك الورد أغصان وكثبان فيهن نوعان: تفاح ورمانُ
وفوقَ ذَيْنِكَ أعنابٌ مُهَدَّلَةٌ سُودٌ لهن من الظلماء ألوانُ
فلما فرغنا من تلاوتها وقضينا حق إطرائها ونقدها خطر لنا أن يعارضها كل منا بقصيدة من بحرها وقافيتها وقد فعلنا؛ فنظم المازني قصيدته في مناجاة الهاجر، ونظم شوقي قصيدة في هذا المعنى، ونظمت أنا هذه القصيدة فأهديتها روح ابن الرومي:

يهنيك يا زهر أطيارٌ وأفنان الطير ينشد والأفنان عيدان
طوباك لست بإنسانٍ فتشبهني إني ظمئت وأنت اليوم ريان
هذا الربيع تجلَّى في مواكبه وهكذا الدهر آنٌ بعدها آنُ
تفتحت عنه أكمام السماء رِضًا وزفه من نعيم الخلد رضوان
وشائع النور في البستان باسمةٌ والأرض حاليةٌ والماء جذلان
الشمس تضحك والآفاق صافيةٌ جلواء والروض بالأثمار فينان
وللنسيم خفوقٌ في جوانبه وللطيور ترانيمٌ وألحان
في كل روضٍ قُرى للزهر يعمرها يا حبَّذا هي أبياتٌ وسكان
مستأنسات سرى ما بينها عَبَقٌ كما تراسلَ بالأسواق حبَّان
الورد يحمرُّ عجبًا في كمائمه والياسمين على الأغصان ميسان
وللقرنفل أثوابٌ ينوعها عن البلور صناع الكف رقَّان
وللبنفسج أمساحٌ ممسَّكة كأنه راهبٌ في الدير محزان
وحبذا زهر الليمون يسكرنا منهنَّ جامٌ خلا من مثله الحان
والليل يحييه والأطيار هاجعةٌ بلابلٌ وشحاريرٌ وكرْوانُ
مؤذن الطير يدعو فيه محتسبًا فيستجيب له بَرٌّ وغيان
والصبح في حلل الأنوار طرَّزه في الشرق والغرب أسحارٌ وأصلان
كأنما الأرض في الفردوس سابحةٌ يحدو خطاها من الأملاك ربان
ضاق الفضاء بما يحويه من فرحٍ فكل ما في فضاء الله فرحان
إلا المحب الذي لا حبه دنسٌ ولا مودتُهُ خَبٌّ وإدْهان
نفاه عن عرس الدنيا شواغله إن الحداد عن الأعراس شغلان
… … … … … … … … … …
يا من يراني غريقًا في محبته وجدًا ويسألني هل أنت غصَّان؟
وا ضيعةَ الحب أبديه وأكتمه ومن عنيت به عن ذاك غفلان!
لي في مديحك أشعارٌ أضن بها على امرئ فخره عرشٌ وإيوان
على محياك من وشي الصبا روع وللمحبين أحداقٌ وأعيان
ففيم تعذلهم إن راح ناظرهم بحسن وجهك يهذي وهو ولهان؟
ما الحسن ذنبًا فما للحب تحسبه ذنبًا من الناس لا يمحوه غفران؟
هما شقيقان فارفق أن تحيلهما ضدين بينهما نأيٌ وهجران
من علَّم الناس أن الحب مأثمةٌ حتى كأنْ ليس غير البغض إحسان
هَبْهَا جنايةَ جانٍ أنت آثمها ما كان يعصم لا إنسٌ ولا جان
إنَّ الجسوم مثناةٌ جوارحها إلا القلوب فصيغَتْ وهي أُحْدَانُ
لكل قلب قرينٌ يستتمُّ به خَلقٌ وخُلقٌ فهل يرضيك نقصان؟
إن التعاطفَ بالأرواح بُغْيَتُنَا وفي الوجوه على الأرواح عنوان
تمثالك الصخر أحظى منك إن نَفَرَتْ عنك العيونُ ولم يشملك وجدان
إنا لمن معشرٍ حُبُّ الجمال لهم حبٌّ لما كان في الدنيا ومن كانوا
ليأمن الطير أنَّا لا نكيد له ولا يخف مكرنا وحشٌ وعقبان
لو تسمع الوُرْقُ نجوانا لكان لها منا غصونٌ نضيراتٌ وأحضان
أو كان يدري حَيِيٌّ نبتَ عفتنا لم تُغْضِ منه بأيدينا أغيضان
أو ينظر السائم النابي طويتنا لم تألف القفر آرامٌ وغزلان
ولا اتَّقى الحوت شرًّا حين يبصرنا إذا وقته شباك الإنس قيعان
يا ليت أنَّ لنا كهفًا نعوذ به إن راح يفزعُها بغيٌ وعدوان
•••

… … … … … … … … … …
ما ضرَّ من نال في حينٍ سعادته إن فاته في طويل الدهر أحيان
إذا جنيت من الأيام زهرتها فاقنع فسائرها شوكٌ وعيدان
ولا وربك ما بالنفس مقتنعٌ أكان نجحٌ لها أم كان حرمان
فإن روينا فبعض الري مظمأة وإن ظمئنا فما يرتاح ظمآن
أي الفريقين أحمى لهفة ووجًى من ذاق أو لم يذق فالكل لهفان؟
يا ليلة حُطمت أنوال حائكها فلا يحاك لها في الدهر ثُنيانُ
العيش من قبلها شوقٌ نعمت به والعيش من بعدها ذكرٌ وتحنان
طالتْ ولا غرو فالجنات خالدةٌ وفي الوصال من الجنات ألوان
أصبحت والله لا أدري لبهجتها أليلةٌ سلفت أم تلك أزمان؟
وكيف لا وهي شطرٌ حين أحسبها والعمر شطرٌ وفيها عنه رجحان؟
لقد سقانا الهوى خمرًا معتَّقةً صبا بها قبلنا شِيبٌ وشبان
هيهات لا تبلغُ الصهباءُ نشوتَها ولو تناول منها البحر نشوان
فاض الهيام على قلبي ففاض به نبعٌ له من وراء الدمع شطآنُ
وددت والدمعُ في عينيَّ محتجزٌ لو سال منه على خديَّ غدرانُ
أمسيت أرشف شهدًا من مراشفه والسلسبيل بعليين غيران
والنيل تجري له في كل ناحيةٍ جداولٌ لؤلؤياتٌ وثغبان
يقودنا حيث شاء الموجُ واطَّردت أمواهه فكأنَّ الفلكَ وسنانُ
حتى تصرم جنح الليل وانبثقت من كلِّ مطَّلعٍ للصبح عمدان
فما أفقنا وعين الصبح شارفةٌ وما هجدنا وغول الليل سهران
بنا سوى الشمس والشهبان ترصدها شموس أنسٍ مضيئاتٌ وشهبان
… … … … … … … … … …
بقيةٌ لك أتلوها وأُنْشِدُها هذي القصائد لي فيهنَّ سلوان
بقيةٌ من متاع الذكر قد صفحت عنها السنون فلي بالذكر قنعان
كأنني تاجر في الشط مرتقبٌ موجَ الخضمِّ وفلكي فيه غرقان
خذي بقاياك لو يسطيع يذهبها كما ذهبت فيطويهنَّ نسيان
لا يأمنُ الحبَّ صبٌّ لا يكون له بالحب عن صلة المحبوب غنيان
ما كنت أجهل لما أن كلفت به أني سألقاه يومًا وهو غضبان
من لي به مثل ما أرضاه في ملأ هاموا وهانوا فهم للوهم عبدان؟
تفرق الناس أوطانًا وما افترقت لهم على حسب الأفهام أوطان
بتنا نساكنهم دارًا ونحسبهم منا وشتانَ إنسانٌ وإنسان
نشقى بأنفسنا فيهم فيسعدُهم هذا الشقاء ولا يجزيه شكران
•••

يا أملح الناس هلَّا كنت أكبرهم روحًا فيتفقا روحٌ وجثمان؟
صدَّقتَ باطل ما قالوا كأنهمُ لا يكذبون أو انَّ العذلَ قرآنُ
أما علمت بأن الناس ألسنةٌ سودٌ لها غير ما تبديه أبطان
أحرى مزاعمهم بالشك أسيرُها فالحق متَّئدٌ والإفك عجلان
وربَّ قولةِ زورٍ قالها رجلٌ منهم فطاف بها في الأرض ركبان
تداولوها فراحت في مذاهبهم شريعةً نقضها كفرٌ وعصيان
ما كثرةُ المثبتين الأمر تثبته ولا بقلَّتِهم للحق إيهان
فإنَّ ألف ضريرٍ ليس يعدلهم بالمبصر الفرد يوم الشك ميزان
… … … … … … … … … …
تكشَّفتْ هذه الدنيا فأنكرها حسي وأذهب فيها الحدس إيقان
ما زال يحرمني دهري ويوهمني حتى غدا وهو بالأوهام ضنان
إنا لنضحك لا صفوًا ولا لعبًا وقد ينوح بغير الدمع أَسْوَانُ
أعيا العقولَ صلاحُ الخلق من قدمٍ وضاق عن هديهم ذرعٌ وإمكان
فعش كما شاءت الأقدار في دعةٍ لا يجرمنَّك بَرَّ الناسُ أو خانوا
لعلهم في طريق الصدق قد سلكوا ونحن نحسب أن القوم قد مانوا
من عاش في غفلةٍ طاب البقاء له وإن تولته بالأرزاء حدْثان
لم يدرِ من نام والأفلاك دائرةٌ أدار بالسعد أم بالنحس كيوان
فاطلب لنفسك منها مهربًا أمنًا ودانِ مَنْ شئت فالأعداء خلَّان
والزم حياتك واعشقها فبينكما في شرعة الطبع ميثاقٌ وإيمان
هي الوجود فصنه أن تجود به على التراب فإن الحرَّ صوَّان
… … … … … … … … … …
وانهض بها مرةً في الدهر واحدةً ثم استرِحْ أبدًا والْحَقْ بمن حانوا
كأس الموت
إذا شيَّعوني يوم تُقضى منيتي وقالوا أراح الله ذاك المعذَّبا
فلا تحملوني صامتين إلى الثرى فإني أخاف اللحد أن يتهيبا
وغنوا فإن الموتَ كأسٌ شهية وما زال يحلو أن يُغَنَّى ويُشربا
وما النعشُ إلا المهدُ مهدُ بني الورى فلا تُحزنوا فيه الوليد المغيبا!
ولا تذكروني بالبكاء وإنما أعيدوا على سمعي القصيد فأطربا
الحبيب الثالث
(ردًّا على قصيدة الحبيبين لصديقنا شكري، وقد شبه أحدهما بالجنة والثاني بالجحيم، وهذا الحبيب الثالث جامع بين الجنة والجحيم!)

قلاك من دفَّاع نار الجحيم ووصلك الجنة دار النعيمْ
وريقك الكوثر لكنه كالمهل في صدر المحب الكظيم
وخدُّك الزقومُ مُرٌّ لمن تزويه عنه وهو حلو الشميم
وأنت تضني كل جسمٍ سليم وأنت تشفي من ضناه السقيم
وأنت دانٍ نافرٌ راحمٌ قاسٍ محبٌّ، كارهٌ لا تدوم
ويا نسيمًا شبمًا ربما أذكى كما أطفأ ذاك النسيم
ويا بريء الوجه في ناظري ويا أثيمًا في الفؤاد الكليم
الحب لونان وما إن أرى حبًّا بلونٍ واحدٍ يستقيم
كن لي على النعمة عونًا أكُن عونًا لقلبي في العذاب الأليم
خير ما فيهن
غفر الذنب من بكائي عليكِ أنني لا أعود ما عشت أبكي
لا يساوي وقد تعلمت منك نسل حوَّائكنَّ دمعةَ شكِّ
خير ما في النساء ساعةُ ضحكِ
إلى صديق
أُخَيَّ وأَعْذِبْ بها لفظةً تذكِّرني العهد عهد الصَّفاءْ
أهبْتَ بودي ولمَّا يمتْ فأسمعتَ حيًّا بذاك النداء
ولم يُنسني القصر عهدًا خلا وكيف وفي القصر معنى البقاء
وإن أنسَ شيئًا فإني نسيـ ـتُ يا صاحبي أينا قد أساء
ولست بقالٍ ولا ناكثٍ ولكن كذلك شاء القضاء
وهذي القلوب بأيدي الزمان يقلب أهواءها كيف شاء
وقد يذهل المرء عن نفسه فكيف يلام على الأصدقاء؟!
خواطر الأرق
يا ليل لونك في اللواحظ إثمدُ إلا لديَّ فمن غبار يرمد
ها أنت بالرؤيا تضن لأنها سلواي حين تركتني لا أرقد
دل الظلام على المدامع خاطرًا أعيى عليه مع الصباح المورد
كم في الدم المدعوِّ بالإنسان من زعمٍ يطيش وعارضٍ يتردد
العقل شيخٌ والحياة فتيَّةٌ والعيش بينهما شقاق مجهد
والطبع يغرينا ولست بواجدٍ كالطبع طفلًا لا يفارقه الدَّدُ
أَوَّاهُ من عبث الحياة وسوء ما يجني الزمان وشر ما يتوعد
لا أشتكيه فقد أمرَّ فساغ لي ما لا يسوغ وسرَّني ما يكمد
وجزعت حتى قيل جُنَّ من الأسى وصبرت حتى قيل صخرٌ جلمد
أُبدي التجلدَ والتجلدُ في الأسى بعض الرياء وبعضه قد يحمد
… … … … … … … … … …
وخميلة يجني الغداف قطافها وترود حوليها الصِّلالُ الشرد
كرمت عناصرها وأينع يومها حسنًا ويوشك أن يطيب لها غد
ظللتها بالنصح إلا أنها لم تلقَ من يرعى ومن يتعهد
باتت تجاذبها السموم فتلتوي طوعًا ويدعوها النماء فتجمد
يا من أصون جماله وكأنه خصمٌ على تلك المحاسن يحقد
لا شيء أوجع لامرئ من أن يرى حَمَلًا يطيب مع الذئاب ويرغد
أخشى عليك من البعيد وأنت لا تخشى من الداني الذي لا يبعد
وأحوط حسنك بالتمائم والرُّقى وتظلُّ تنثر عقدها وتبدد
وتبيتُ رَيَّانَ الجفون من الكرى والنار حولك والدخان الأسود
لم تَتَّبِعْ نصحي وملتَ مع الهوى جهلًا وغرَّك أنَّ غصنَك أملدُ
والغصن تسقط — إذ يميل — ثماره ويزلُّ عنه الزهر إذ يتأود
إن كنت تحميك الطراءة والصبا شرَّ التقصف فالتجرد أنكد
أولى بوجهك أن يضيئك حسنه من أن يحفك منه غيم أربد
هذي يميني في يمينك فاعتصم أو لا فأرسلها فما لك منجد
لو كنت نوحًا لم تُفِدْكَ سفينتي إن ابن نوح كان فيمن ألحدوا
فاستبقِ ودك للذين عرفتهم إني لغير الطهر لا أتودد
ما كنت أول نعمة ودعتها كلا ولست مع المودة تخلد
ماذا على الدنيا لَوَ انَّ مغرَّرًا منها يميل به الغواة فيفسد
لولا المشوب لما تمحَّض خالصٌ منها ولو لم يعتدوا لم يهتدوا
ما كنتُ يومًا بالأنام موكَّلًا فأعدُّ منهم من يضل ويرشد
إني اتخذتك للصيانة قنيةً فَعَلِمْتُ أنك بهرجٌ لا عسجد
فالآن ألقي في التراب بحليةٍ كانت أحبَّ ذخيرة تُتَقَلَّدُ
إليك
إهداء الديوان الثاني
إليك إهداء أطرابي وأشجاني لو كنت تعلم إسراري وإعلاني
شعر لحسنك فيه كل قافية وما تضمَّن إلا بعض وجداني
يُهدَى إليك ولم تفطن لدعوته كأنما هو قربانٌ لأوثان
ولو صمدت بتسبيحي إلى وثن إذن لأثلج صدري صدق إيماني
وخفَّفَ النار نار الوجد عن كبدي علمي بأنك لم تجهل بقرباني
لكنْ جهلت مناجاتي فوا جذلي لو فزت منك على علم بحرمان
يا من هو الناس في عيني وإن كثروا إني أخصُّ بشعري كلَّ إنسان
أهدي إلى الناس ما أعنيك أنت به فاقبل فإنك بعض الناس ديواني
الدنيا الميتة
أحبك حبَّ الشمس فهي مضيئةٌ وأنت مضيءٌ بالجمال منير
أحبك حب الزهر فالزهر ناضرٌ وأنت كما شاء الشباب نضير
أحبك حبي للحياة فإنها شعور، وكم في القرب منك شعور
فهل في ابتغائي الشمس والزهر سُبَّةٌ وهل في ولوعي بالحياة نكير؟
… … … … … … … … … …
فدع ما يقول الناس واعلم بأننا على غير ما سار الأنام نسير
لنا عالم طلقٌ وللناس عالمٌ رهينٌ بأغلال الظنون أسير
ووا أسفا! ما أنت إلا نظيرهم وإن لم يكن للحسن فيك نظير
ويا عجبًا منا نسائل أنفسًا إذا سئلت حارت وليس تحير
أنشقى بدنيانا لأن منعَّمًا من الناس بسَّام الثُّغير غرير
أيذوي الصبا فينا لأنك ناشئ ربيع الصبا في وجنتيه غضير
أتعشى مآقينا لأنك أحور بعينيه من ومض الملاحة نور
ألا نتملى الحسنَ والحسنُ جَمَّةٌ مطالعه إلا وأنت سمير
فيا ضيعةَ الدنيا إذا لم يكن بها غنًى عنك للمحزون حين يثور
ويا ضيعةَ النفس التي لا يجيرها من البث والشكوى سواك مجير
إذا الشمس غابت لا نبالي غيابها وإن غبتَ آضَ العيشُ وهو كدور
وليتك مثل الشمس ما فيك مطمعٌ فيهدأ قلبٌ بالضلوع نَفور
قريت ولم يخطئ عطاشٌ تلهفوا على جدولٍ في السمع منه خرير
وسرت على الأرض التي أنا سائر عليها ولم تضرب عليك ستور
فلو لم نُوَلِّ الوَجْهَ شطرك لامنا على الجهل كونٌ بالجمال فخور
لديك مقاليد السرور وديعة وما لمحبٍّ في سواك سرور
فإنْ تأذنِ الدنيا أباحت شوارها وغنَّت عصافيرٌ وفاح عبير
وإلا فما في الأرض حظ لناظرٍ ولا النجم في عليا السماء يدور
بعد عام
كاد يمضي العام يا حلو التثني أو تولَّى
ما اقتربنا منك إلا بالتمني ليس إلا!
•••

مذ عرفناك عرفنا كلَّ حسن وعذابِ
لهب في القلب فردوسٌ لعيني في اقترابي
غير أنا لا نرى الفردوس إلا رسم راسم
وشربنا من جحيم الحب مُهْلًا شرب هائم
•••

لا تلمني أنَّ قلبي خانني أو عشقتك
لم يكن منِّيَ إلا أنني قد رأيتك
•••

كان في الدنيا جمالٌ لا يُعَدُّ ثم لحتا
فعددنا الحسن طرًّا فهو فرد وهو أنتا
كأسٌ على ذكرى
هاتها واذكر حبيب النـ ـفس يا خير ثقاتي
ودع التلميح واجهر باسمه دون تقاة
أترى نُحْرَمُ حتى ذكره في الخلوات؟
صفه لي صفه وما كا ن بمجهول الصفات
غير أني أمتع السمـ ـع بحظ الحدقات
صفه في عيني وما تعـ ـدو به وصف الأضاة
صفه في قلبي لو اسطعـ ـت، وترجم زفراتي
أترى أليق منه باصطياد المهجات
أترى أملح من خطـ ـرته بين الخطرات
أترى أصبح من خد يه بين الوجنات
أترى أعدل من قا مته في الصعدات
ذهبي الشعر ساجي الطـ ـرف حلو اللفتات
وحييٌّ لا يحييـ ـك بغير البسمات
جاهل بالحب أشكو ه ولا يدري شكاتي
وغرير القلب لا يفـ ـهم معنى نظراتي
ودَّ لو يسأل ما لي مستهلَّ العبرات
وإذا قلت شجاني من أفدِّيه بذاتي
ليس ينجيني وفي كفـ ـيه لو شاء نجاتي
قال ما أقساه من جا نٍ غليظ القلب عات!
… … … … … … … … … …
صفه بل أمسك فقد ها جَتْ عليه حُرُقاتي
جمح الوجد بأشجا ني وضاقت أزماتي
هاتها صرفًا وأغرق في طلاها حسراتي
عوضًا عما يؤاتي من هوى أو لا يؤاتي
الصبابة المنشورة
صبابة قلبي أقبل الليل غاضيًا فهبي فقد يغشى الرفات المغانيا
وقد تهجر الموتى القبور أمينة إذا الليل غشَّى بالرقاد المآقيا
وثوبي إلى الدنيا مع النوم فانظري مكانك قد أنوى وعرشك خاويا
ومُرِّي به مرَّ الغريب وطالما تربعت فيه قبل ذاك لياليا
ولا تسألي مَنْ بالديار فإنها على موثقٍ ألا تجيب مناديا
•••

بدا شبحٌ عارٍ من اللحم عظمه يجاذب أضلاعًا عليه حوانيا
يقارب في قيد المنية خطوه ويمشي به ليلًا مع الليل ثانيا
وقال سلام قلت فاسلم وإن يكن دعائي لميْتٍ بالسلامة واهيا
مَنِ الطارق الساري؟ فقال صبابة نعمت بها حينًا وما أنت ناسيا
فقلت أرى جسمًا عرى من روائه وعهدي به من قبلُ أزهرَ كاسيا
جهلتك لولا مسحةٌ فيك غالبت بشاشتها أيدي المنون المواحيا
جهلتك لولا هزَّة في جوانحي يد الدهر لا تُبقي من الشك باقيا
ألا شد ما جار البلى يا صبابتي عليك فكيف استل تلك المعانيا
أأنت التي أسهرتني الليل راضيًا وأنت التي أسكرت عينيَّ صاحيا؟
وأنت التي كنا إذا الناس كلهم تولَّوا وجدنا مغنمًا فيك وافيا
وأنتِ التي جلَّيت لي الأرض جلوة أسائل عنها الأرض وهي كما هيا
أسائل عنها كلَّ شيء رأيته أما كنت فينان المحاسن شاديا
نفخت بها روحًا فغردَ صامتٌ ورنَّم جلمودٌ وأصغيتُ لاهيا
فلما أَلَمَّ البينُ لاذت بصمتها وأمسيتُ حتى يأذن الله صاغيا
وهل يسمع الصاغي إلى القبر نأمة ولو كان فيه معبد القوم ثاويا
•••

نعم أنت لولا ساترٌ من منية وحسبك سترًا بالمنية ساجيا
وإن امرءًا ماتت خوالج نفسه لقد جمع الشرين حيًّا وفانيا
حياة لها حدٌّ ولا حَدَّ للردى فليت المنايا والحياة تواليا
كما تتوالى يقظة العيش والكرى وترعب أنوار الصباح الدياجيا
إذن لتشوقنا الحمام اشتياقنا إلى النوم واشتقنا الحياة دواليا
الهين الصعب
… … … … … … … … … …
أكبرت قدرك حتى لست أدركه وأصغروك فنالوا منك ما طلبوا
فإن تباعدتَ عني وادَّنيت لهم فما توانيتُ في خطوي ولا دأبوا
يا ليت أنفسنا صيغت كأنفسهم فلا يملك عنا الصد والعجب
أو ليت مثلك يدري ما نهيم به فلا تُعز علينا بعض ما نهب
نضرة في الشتاء
يا نضرةً في الشتاء أبصرها أبهج من كل منظر نَضِر
كأنها والعيون تنهبها والنفس ترْوَى بحسنها العطر
ألف ربيع للعين مدخر بل ألف حبًّ للقلب مختصر
يا طيب ذاك الإكسير مجتمعًا من حسن شتى الرياض والغرر
أضمه كله وأرشفه في قبلةٍ كوثرية السَّكَرِ
إلى الغرق
دعتك العرائس في بحرها ففيم الوقوف على الساحل؟
إلى الماء لا بل إلى السابحيـ ـن لا بل إلى الغرق العاجل
فليس على البر إلا غريقٌ وإن لم يكن فيه بالنازل!
سواحره احتشدت كلها علينا فيا ويحَ للغافل
مائدة
مائدةٌ أسرف في طهيها عشرين عامًا عبقريُّ الزمانْ
أكرمنا الطاهي بها ساعةً فكيف بالمكرم يلقى الهوان
حسنٌ وأنسٌ وحياءٌ معًا وطلعة البدر ونفح الجنان
مدَّتْ لنا طوعًا فما عُذرنا إذا تركنا لقمةً في الخوان
لغير البيع
جواهر الحب قالوا غير زائفة مهلًا فما أنا فيه بائع شاري
كلا ولا أنا من شكًّ ولا ولع بالسر عارض أحجاري على النار
خذ معدن الحب إن ألفيت معدنه إني قنعت بومضٍ منه غرار
ما للأناسيِّ من حبٍّ يدوم ولا حب يقوم على صدقٍ وإيثار
ليلة البدر
هات لي الذكرى وجدِّد ما مضى عندك الذكرى ورجعاها معا
هات ما كان كما كان انقضى أو فجدِّدْ غيرَهُ مبتدعا
ليلة البدر وقد كان الرضا موعد الأهرام نبغي مطلعا
فقضى الله سواهُ غَرَضا
•••

قد نوينا ونوى الغيب لنا نيةً أمتع للمستمتع
خُسِفَ البدرُ وأمسيتُ أنا أدَّعي من نشوةٍ ما أدعي
كلما ناديتني هيا بنا قلت هيا وأنا في موضعي
السنا عندي فما لي والسنا
•••

خسف البدر وما كان الخسوف شيمة البدر الذي بين يدي
نشر الناس وطافوا بالدفوف وأنا والبدر في نشر وطي
خل من شاء كما شاء يطوف إن بدري طالع منه إلي
لا أحب البدر ترعاه الألوف
•••

يا سمير الليل يا نعم السمير ما لنا والصبح ما دمت أراك
أنا في نور وروضٍ وعبير حينما ألقاك لا ألقى سواك
رشفةٌ من ثغرك العذب النضير أو من الكأس احتوتها شفتاك
وسلامٌ أيها الكون المنير
•••

هات لي من فيك أنفاس الغرام أو فقل إن شئت أنفاس الحياة
واسقني الخمرة من أعذب جام لا من البلور في أيدي السقاة
ثغرك الضاحك كأسٌ ومُدَامْ ونديمٌ لي وراوٍ في الرواة
ينشد الشعر فيشجيني الكلام
•••

ينشد الشعر جديدًا كالصبا وأنا ناظمه منذ سنين
بث فيه من صباه عجبا فإذا قلت ارتجالٌ لا تمين
هات لي الحسن وهات الأدبا واسقني الخمر من الثغر المبين
ذاك حسبي في زماني مطلبا!
إعفاء
أعفيك من حلية الوفاء إنك أحلى من الوفاءْ!
خوني فما أسهل التقصِّي عندي وما أسهل الجزاء
وليس بالسهل في حسابي فَقْدُكِ يا زينة النساء
الحب الضاحك
فرغت من الحب الذي يعقب الشكوى فحبي من النعمى وليس من البلوى
بذلت له ناري ثلاثين حجةً فلا نار بعد اليومِ اليومُ للحلوى
لو كان إلهًا
قال الشاعر الفرنسي «دوجيرل» لحبيبته: «لو كنت إلهًا لأعطيتك الأرض والهواء وما على الأرض من بحار، ولأعطيتك الملائك والشياطين الحانية بين يدي قدرتي وقضائي، ولأعطيتك الهيولى، وما في أحشائها من رحم خصيب، بل لأعطيتك الأبد والفضاء والسموات والعالمين؛ ابتغاء قبلة واحدة!»

وسئل صاحب هذا الديوان: «وماذا تعطيني أنت لو كنت إلهًا؟» فقال:

أعطيك كيف وما العطاء بخير ما تبدي القلوب من الغرام الصادق؟!
بل لو غدوت كما اشتهيت وأشتهي ربًّا أخذتك أنت أخذ الواثق
فترين أنك حين فزت بحظوتي أحلى وأجمل من جميع خلائقي
وتسيطرين على الصروف وفوقها نبضات قلبي المستهام الوامق
إن كان رب الكون عندك قلبه أهون لديك بأنجمٍ وصواعق
وبكل شمسٍ في السماء وضيئةٍ وبكل بحرٍ في البسيطة دافق
ماذا عليه؟
ماذا عليه إذا استوى وإذا التوى ماذا عليه؟
هذا القوام جماله مهما تعسَّفَ في يديه!
أنَّى تمايلَ عِطْفُهُ مالت جوانحنا إليه
أشتاق بعض نفاره شغفًا برؤية صفحتيه
ملتقى الربيع
هات الربيع الغض لي كله في روضةٍ بل طلعه بل شفه
إن فاتني جمعُ أزاهيره في قطفةٍ فالرأي أن أرشفه
نبضات جديدة
خفقاتٌ تلك من وزنٍ جديد أيها القلب فأسمعني صداك
ذلك الوجه وما العهد بعيد أنت تهواه فلا تنكر هواك
•••

أنت تهواه وتسعى بي هنا كل يومٍ بعد يومٍ كي تراه
لا تراوغني وقلْ هيا بنا في صريح القول نستجلي سناه
•••

نحسب الرقة فيه ألَمًا فإذا أنت من الوجد تذوبْ
لا يكون الحب إلا هكذا أنا لا أجهل أسرار القلوبْ
•••

كاصفرار الشمس في ثوب الغروب واصفرار العاج في ثوب القدم
ذلك اللون نسميه الشحوب وهو في الحسن شفيع للسقم
•••

رحمةً للقلب من ذاك الوجيه صيغ من ذوبي حنان وحنين
كلما رفرفت بالعين عليه شبَّهَ الفرحان عندي بالحزين
•••

إن أشأ قلت خيالٌ في الكرى أو أشأ قلت عيانٌ لا خيال
جُمِعَ الأمران لي فيما أرى حين صَحَّ الحُلم في خير مثال
جمالٌ يتجدد
كلما قلت لي الربيع جميلٌ قلت: حقًّا وزاد عندي جمالا
عجبًا لي بل العجيبةُ عندي صور الكون كم يسعن كمالا!
خلتني قد وعيتهن عيانًا وتتبعت من وعوها خيالا
شاعرًا عاشقًا وقارئ كتبٍ قرأ الكتب دارسًا فأطالا
فإذا نظرةٌ بلحظك تبدي صورًا ما طرقن عنديَ بالا
بعدد الأنوار في أعين الحـ ـب نعد الأكوان والأجيالا
اليوم الموعود
يا يوم موعدها البعيد ألا ترى شوقي إليك وما أشاقُ لمغنم؟
شوقي إليك يكاد يجذب لي غدًا من وكره، ويكاد يطفر من دمي
أسرع بأجنحة السماء جميعها إن لم يُطعكَ جناح هذي الأنجم
ودع الشموس تسير في داراتها وتخطها قبل الأوان المبرم
ما ضر دهرك إن تقدم واحد يا يوم من جيشٍ لديه عَرَمْرَمِ
… … … … … … … … … …
يا يوم موعدها ستبلغني المنى وتُتم لي الفردوس خير مُتَمِّمِ
لا غصنَ رابيةٍ تقصر راحتي عنه ولا ثمر يعز على فمي
سأظل أخطر كالغريب بجنتي حتى أثوب على قدومِكَ فاقدم
فأبيت ثم إذا احتواني أفقها لم أنهَ عن أمل ولم أتندم
فرحي بصبحك حين تشرق شمسه فرحُ الضياء سرى لطرفٍ مظلم
الحب المثال
كأني مثَّالٌ وحسنك تمثالي عجائب حبٍّ ما خطرن على بال
فما أتمنى فيك معنى أريده من الحسن إلا وافق الحسن آمالي
وأحلام قلب فيك تسري كأنها خوالق أيدي الفن في الذهب الغالي
تجول بأشكال الخيال وتنثني وقد أسعدت منك العيان بأشكال
إذا ما تمشَّت فيك معنى لمستها محاسن أعطافٍ ورقة أوصال
إذا اقترحت عيني فأنت مجيبها فهل منك أو مني صياغة تمثالي؟
وما اقترحت إلا كما اقترح المنى غنيٌّ على وفرٍ من الوقت والمال
فما فيك من نقص ولكنما الهوى نوازعُ شتى لا تقر على حال
فيا قدرة الحب المبارك أبدعي لكل حبيب في الصبا ألف سربال
وأجمل من صوغ الدُّمى صوغ دميةٍ لها زينتاها من حياةٍ وإقبال
الثوب الأزرق
الأزرق الساحر بالصفاءِ
تجربةٌ في البحر والسماء
جربها «مفصل» الأشياء
لتلبسيه بعدُ في الأزياء
مجوَّد الإتقان والرواء
ما ازدان بالأنجم والضياء
ولا بمحض الزُّبَد الوضَّاء
زينته بالطلعة الغراء
ونضرة الخدين والسماء
ولمعة العينين في استحياء
إن فاتني تقبيله في الماء
وفي جمال القبة الزرقاء
فلي من الأزرق ذي البهاء
يخطر فيه زينة الأحياء
مقبَّلٌ مبتسم الأضواء
مردِّد الأنغام والأصداء
وقبلةٌ منه على رضاء
غنى عن الأجواء والأرجاء
وعن شآبيب من الدأماء
وعنك يا دنيا بلا استثناء
ضياء على ضياء
على وجنتيه ضياء القمر نظيران يستبقان النظر
جمعتهما أنا في لثمة أو البدر قبَّله فابتدر؟
فما زال يلحظه جهرةً ويغمزه من وراء الشجر
ويزعمها قبلةً من أخٍ ففيم إذن قطفها في حذر؟!
ولو شئت ظللت وجه الحبيب ولو شئت كللته بالزهر
ولكن كرمت فخذ يا قمر من الزاد ما تشتهي في السفر
•••

سها الليل عنا وعن بدره وهز الحبيب حنين السهر
فقال وقد فاض منه الرضا وسُرَّ بفيض رضاه وسَر
على مثل هذا تطيب الحيا ةُ وفي مثل هذا يروق السمر
فقلت أجل ما أحب الحيا ة وأنت شفيعٌ لها مُدَّخر
لأجلك يصفو لها مَنْ صفا وباسمك يعذرها من عذر
دنيا مقلوبة
صوت النذير الذي أبقاك خائفةً على ذراعيَّ قولي كيف أخشاه؟
أو البشير الذي يدعوك ثانيةً إلى الطريق لعمري كيف أرضاه؟
الحبُّ والحرب واويلا قد اجتمعا في القلب فانقلبت أحوال دنياه!
ساعي البريد
هل ثَمَّ من جديد يا ساعي البريد
•••

لو لم يكن خطابي في ذلك الوطاب
لم تطوِ كل باب يا ساعي البريد
•••

ما ذلك التنسيق والجمع والتفريق
والقفز والتَّعويق يا ساعي البريد؟!
•••

كِسْوَتُكِ الصفراء والخطوة العرجاء
يمشي بها الرجاء يا محنة الجليد
•••

لو لم تكن جمالا في مشية العجالى
صغنا لك التمثالا من جوهر فريد
•••

لا أحسب الساعاتِ في حاضر وآتي
إلا على الميقاتِ ميقاتك الوئيد
•••

في شرفتي أبتكر غيرك لا أنتظر
وإن سعى لي القمر يا ساعي البريد
•••

كم لهفةٍ نسيتها أماتني مميتها
لقيتها لقيتها يا ساعي البريد
•••

جددت لي انتظاري وقلة اصطباري
عن طلعة القطار وطلعه النضيد
•••

أكرِمْ به من ثمر منتظر مدخر
في كل يومٍ مزهر مبتدئ معيد
•••

يا طائفًا بالدور كالقدر المقدور
بالخير والثبور في ساعة البريد
•••

في لمحة تنتشر منك المنى والعبر
وأنت ماضٍ تعبر كالكوكب البعيد
•••

كن أبدًا مريدي بالخبر السعيد
وبابتسام العيد يا ساعي البريد
عجب الساعي
عجب الساعي الذي كنت له أبدًا في شرفتي منتظرا
إن من تحضر لي أخباره أيها الساعي بخيرٍ حضرا
ألق إن شئت وطابًا حافلًا لا أبالي لحظةً إن صفرا
الطريق الآن لا أرقبه لأرى وجهك لكن لأرى
ولك الشكر ولي العذر فلا تظهر الآن فها قد ظهرا
لا تذكِّرْني نواه بعدما كنت تروي عنه ذكرًا عطرا
تسلَّم
تسلَّمْ هذه الدنيا كما خلَّفتها عندي
وحاسبْها على قربٍ بما تجني على البعد
•••

تسلم هذه الشمـ ـس التي تؤنس أو تهدي
لقد كانت هداها اللـ ـه مكسالًا من المهد
تجوب الأفق في جهدٍ وما تسرع بالجهد
وكانت تحجب الأنوا رَ أو تبدي فلا تجدي
وكانت شعلةً حرَّى من اللوعة والوجد
•••

تسلم هذه الأطيا رَ واسألها عن العهد
تُغَنِّي الآن فاسألها أغنَّت قطُّ لي وحدي؟
وإن غنَّت فهل كانت سوى نوح لها مُعْدي
وإن أعدت فهل تعدي بغير الشجو والسهد؟
نعم سلها جزاها اللـ ـه: أين تحية الورد؟
وأين تحية الألف وأين تحية الفرد؟
لقد كانت لحاها اللـ ـه تطويها على عمد
فسلها فيم تطويها وفيم تضنُّ أو تسدي
•••

تسلَّم أنجم الليل بلا عدٍّ ولا حدٍّ
تسلمها وكاشفها بما تُخفي وما تبدي
وسلها كيف ضلَّتني وما ضلت عن القصد
وفيم تغامزٌ منها إذا حيَّرني قيدي
نعم قيدي الذي في النفـ ـس لا في صفحة الجلد
أهزلًا تهمس الأنجـ ـم أم تهمس عن جدِّ؟
•••

تسلم زهرك المحبو ب في السهل وفي النجد
تراه ضاحك العين تراه ناضر الخد
فسله ما عراه أمـ ـس حتى لاذ بالرشد
فلا يلهو ولا يوصي بغير الهم والزهد
فما عن لومه في ذا ك يا مولاه من بد!
•••

تسلم هذه الدنيا كما خلَّفتها عندي
بحمد الله تلقاها كما تلقاك بالحمد
فخذها راضيًا عنها وعني وعن الود
وعلمها إذا ما عدت لا عدت إلى البعد
أمانًا في مغيب منـ ـك أو في محضرٍ رغد
فما تسمع لي قولًا إذا ناجيتها وحدي!
ثرثارة
أراك ثرثارة في غير سابقةٍ فهات ما شئت قالًا منكِ أو قيلا
ما أحسن اللغو من ثغرٍ نقبله إن زاد لغوًا لما زناده تقبيلا
زمن محل
أَمْحَلَ الدهر واطَّردْ لا خميسٌ ولا أحدْ
لا انتظار لموعدٍ أو هيامٌ بمن وعدْ
كل أيامنا تسا وين في الوسم والعددْ
صبحها مثل ليلها والْتَقى أمسُها بغدْ
تنقص العمر كلها وبها العمر لم يزدْ
لم تزد ماضيًا وقد نقَّصت مقبل الأمدْ
إساءة مشكورة
إليك مني الشكر حتى على إساءة اللقيا غداة السفَرْ
أغضبتني منك فأنجيتني من لوعة الهجر وطول السهر
إذا التوى الصبر على عاشقٍ تَعَرَّضَ العتب له فاصطبر
ما ذاكر اللجة ريًّا له كذاكر اللجة فيها الخطر
ولهفة الظامئ ترياقها أن ينظر الغصة فيما انتظر
صنوف حب
عرفت من الحب أشكاله وصاحبتُ بعد الجمال الجمال
فحب المصور تمثاله عرفت وحب الشباب الخيال
•••

وحب القداسة لم أعدُهُ وحب التصوُّف لم يعدُني
وفي كل حب وَرَى زندُه سماتٌ من المؤمن الديِّنِ
•••

… … … … … … … … … …
وحب التي علمتني الهوى وحب التي أنا علمتها
ومن أستمد لديها القوى ومن بالقوى أنا أمددتها
•••

… … … … … … … … … …
صنوف من الحب لا تلتقي وفيك التقى لبُّها المحتوَى
فلولا هدى نورها الأسبق لما كنت كفؤًا لهذا الهوى
هذا هو الحب
غريرٌ تسأل: ما الحب؟

بنيتي! هذا هو الحب!

الحب أن أُبْصِرَ ما لا يُرى أو أغمض العين فلا أبصرا
وأن أسيغَ الحقَّ ما سرَّني فإن أبى فالكذب المفترى
•••

الحب أن أسأل: ما بالهم لم يعشقوا المنظر والمخبرا؟
ويسأل الخالون ما باله هام بها بُهرًا وما فكَّرا؟
•••

الحب أن أفرَقَ من نملة حينًا وقد أصرع ليث الشرى
وأن أراني تارةً مقبلًا وخطوتي تمشي بيَ القهقرَى
•••

الحب كالخمر فإن قيل لي سكرتَ؟ هَمَّ القلبُ أن ينكرا
وكل عضوٍ بعده قائلٌ نعم ولا أحفل أن أسكرا
الحب أن يفرق أعمارنا عهدان والعهد وثيق العرى
أحسبني الأكبر حتى إذا عانقتني ألفيتني الأصغرا
•••

الحب أن نصعد فوق الذرى والحب أن نهبط تحت الثرى
والحب أن نؤثر لذاتنا وأن نرى آلامنا آثرا
الحب أن أجمع في لحظةٍ جهنم الحمراء والكوثرا
وأنني أخطئ في لهفتي من منهما روَّى ومن سعَّرا
•••

الحب أن يمضيَ عامٌ وما هممت أن أنظم أو أشعرا
وربما علَّقتُ في ساعة حواشي الدفتر والأسطرا
•••

بنيَّتي هذا هو الحب
فهمته؟ كلا ولا عتب!
مسألةٌ أسهلها صعب
لا الناس تدريها ولا الكتب
حسبك منها لو شفت حسب
إشارةٌ دقَّ لها القلب
الحب
ما الحب روح واحدٌ في جَسَدَيْ معتنقين
الحب روحان معًا كلاهما في الجسدين
ما انتهيا من فرقةٍ أو رجعةٍ طرفة عين
الصدار الذي نسجته
هنا مكان صدارك هنا هنا في جوارك
•••

هنا هنا عند قلبي يكاد يلمس حبي
وفيه منك دليلٌ على المودة حسبي
•••

ألم أنل منك فكرة في كل شكة إبرة
وكل عقدة خيطٍ وكل جرة بكرة!
•••

هنا مكان صدارك هنا هنا في جوارك
والقلب فيه أسيرٌ مطوقٌ بحصارك!
•••

هذا الصدار رقيب على الفؤاد قريب
سليه: هل مر منه إليَّ طيفٌ غريب؟
•••

نسجته بيديك على هدى ناظريك
إذا احتواني فإني ما زلت في إصبعيك
ليلة الوداع
أبُعدًا نُرَجِّي أم نرجِّي تلاقيا كلا البعد والقربى يهيِّجُ ما بيا
إذا أنا أحمدت اللقاء فإنني لأحمد حينًا للفراق أياديا
ألا مَنْ لنا في كل يومٍ بفرقةٍ تجدد ليلات الوداع كما هيا
ليالٍ يبيح الدَّل فيها زمامه ويُرخص فيها الشوق ما كان غاليا
•••

ويا ليلتي لما أنست بقربه وقد ملأ البدرُ المنيرُ الأعاليا
تَطَلَّعَ لا يثني عن البدر طرفَهُ فقلت حياء ما أرى أم تغاضيا
بنا أنت من بدر وددت لَوَ انَّه على الأفق يبدو أينما كان ثاويا
غدًا تنظر البدر المضوِّئ فوقنا وحيدين من دارين لم تتلاقيا
أشمُّ شذى الأنفاس منك وفي غد سيرمي بنا البين المشتُّ المراميا
وألثمُهُ كيما أبرد غلتي وهيهات لا تلقى مع النار راويا
فقبَّلتُ كفيه وقبلت ثغره وقبلت خديه وما زلت صاديا
كأنا نذوذ البين بالقرب بيننا فنشتد من خوف الفراق تدانيا
كأن فؤادي طائر عاد إلفه إليه فأمسى آخر الليل شاديا
إذا ما تضاممنا ليسكن خفقه تنزَّى فيزداد الخفوق تواليا
أوشِّجُ في كلتا يديه رواجبي وشيجًا يظل الدهر أخضر ناميا
وتلمس كفي شعره فكأنني أعارض سلسالًا من الماء صافيا
وأشكوه ما يجني، فينفر غاضبًا وأعطفه نحوي فيعطف راضيا
أقول له يكفيك أنك قادرٌ على أمل أعيا الزمان المعاديا
قدرتَ على إسعادنا ومنحتنا ليالي أعيا منحهن اللياليا
قدرت ومن يقدر على السعد لم يكن جميلًا به أن يترك الخلَّ شاكيا
•••

وناعبةٍ صاحت ولليل هجعةٌ فقال علام البوم ينعب ناعيا
لقبحت من عمياء تقرأ في الدجى إذا اسودَّ أسطار الخراب الخوافيا
فقلت على النفس التي سوف تغتدي طلولًا بأحناء الضلوع حوانيا
تجوس أفاعي الحزن في جنباتها ويا ربما تأوي الضلوع الأفاعيا
فلا تحسبنَّ البوم تنعى المغانيا فقد تندب البوم النفوس البواليا
وكم وحشةٍ للنفس يخشى اقتحامها أخو غمراتٍ ليس يخشى الفيافيا
•••

ولما تقضَّى الليل إلا أقله وحان التنائي جشت بالدمع باكيا
فأقبل يرعاني ويبكي وربما بكى الطفل للباكي وإن كان لاهيا
وزحزحني عنه بكف رفيقة وأسبل أهداب الجفون السواجيا
يقول لقد ران الكرى وتفرَّقت نجوم الدجى والديك أصبح داعيا
فقلت وكم من ليلة إثر ليلةٍ سهرت وقد أمسيت وحدك غافيا
فهب لوداعي من رقادك ليلةً تمر فإني قد وهبت حياتيا
حرام علي النوم ما دام هاتفٌ من الليل لا ينسى إذا بت ناسيا
وأسلمت كفي كفه فأعادها وقلبي فهلا أرجع القلب ثانيا
فلم أر ليلًا كان أبيض مطلعًا وأسود أعقابًا وأشجى معانيا
الخمر الإلهية
على طريقة ابن الفارض
… … … … … … … … … …
يدور بها الساقي علينا كأنها مباسم ثغرٍ والحباب ثناياه
جرت في صفاء الدمع وهي دواؤه فمن ذاتها لم تجرِ بالدمع عيناه
تنير فلولا أن تسيل رحيقها لقلت لظى أذكى النسيم شظاياه
يكاد إذا طاف الغلام بجامها يرفرف حوليه الفراش ويغشاه
لها في يمين الشاربين توهُّجٌ إذا ما خبا قلبٌ من الحزن أذكاه
تلوح كماء المهل أما مذاقها فمن سلسبيل الخلد في طيب سقياه
تشابه في عين النديم وما انتشى فوارغ صف كالثريا وملآه
كئوس كجام السحر يكشف وحيه لعينيك من سر العوالم أخفاه
إذا طاب في الفردوس ريًّا نسيمها فأطيب في دار الشقاوة رياه
ولو مزجوا بالخمر طينة آدمٍ لعاش ولم يدرِ القطوبَ محياه
حسناء عمياء
قرة العين عزاءً لك في الكون المنير
إنَّ طَرْفًا يأسر النا س هو الآن أسير
إن سحرًا غاض في عيـ ـنيك هيهات يحور
صدت الشمس ضياها عنك يا أخت البدور
غربت عنك غروبًا ما له الدهر بكور
ليت نور العين مصبا ح معارٌ فتعير
ليس أولى ببكا العيـ ـن من الحسن الضرير
وجمال عن جمال الـ ـكون مكفوف حسير
مطمح الأبصار بدعٌ أن يُرى غيرَ بصير
من تقليد «نشيد الأناشيد»
أجل تلك خباياها وهاتيك خطاياها
فهل تدرين ما ذاك الـ ـذي يُدعى مزاياها؟
•••

لما فيها من العيب سننساه وننساها
وللحسن الذي فيها سنحيي الآن ذكراها
•••

سأحصي لك ما يعجـ ـب منها، وهو كالشمس
كما أحصيت ما يغضـ ـب بعد السعي والدس
•••

ثناياها ثناياها وهل ذقت ثناياها؟!
وعيناك ويا للقلـ ـب كم تسبيه عيناها؟!
•••

وتلك الوجنة الخمر ية السكران رائيها
أفي الجنة يا رضوا ن تفاحٌ يحاكيها؟!
•••

وتلك القامة الهيفا ءُ زانتها زواياها
إذا ما جار ردفاها أقام الجور نهداها
•••

وتلك النسمة الحلو ة في ثوب الأناسي
هي الروح الفراشـ ـية في النور السماوي؟
•••

دعيها تفسد الخمسيـ ـن إفساد ابن عشرينا
وحاشا بل هي الإكسيـ ـر باسم الحب يحيينا
•••

وعندي من حُميَّا الشعـ ـر إكسيري وترياقي
وهل كالشعر في الدنـ ـيا ربيع دائم باقي!
مزيج
ما الحب من محض الصدا قة يا بني ولا العداء
الحب فيه الخصلتا ن وفيه مزجهما سواء
أحلى الصداقة والعدا وة يمزجان لمن يشاء
فيه العطاء والاغتصا ب وقل على الدنيا العفاء!
ندم
عشقتك مُكْذِبًا خلقي ورأيي وعفتك صادقًا لهما أمينا
وما أخطأت في لوميك يومًا وقد أخطأت في عذريك حينا
تقويم العام
تقويم هذا العام من لحظاته الأولى لديك
قومي ارفعيه وارفعي عنه الغطاء براحتيك
من يوم مطلعه إلى رجعاه موقوفٌ عليك
•••

وإذا انتهت أيامه ولكل عامٍ منتهاه
فعليك أنت وداعه وترحبين بما تلاه
وَيْحِي إذا دار المدى ورعيت وحدي ملتقاه
•••

هي قبلة ضمَّت عرى عامين فاتصلا اتصالا
ومنى الخواطر في غدٍ عام كسابقه مآلا
لا تعجلن به فما أقسى الحياة على العجالى
•••

لا لا فهذا يومنا وغدٌ وبعد غد خفاء
أنا مغمض عيني ومسـ ـتمع إلى حادي الرجاء
فإذا سمعت حداءه فدعيه يمضي حيث شاء
وعام ثان
بشراي ما أنا شاهدٌ يا عام وحدي ملتقاك
دارت بروجك والهوى يخطو وتتبعه خطاك
وحمدت وجهك مقبلًا ومضى فلم أذمم قفاك
•••

هذي فتاتي هذه! هي لا خلاف ولا اشتباه
هي في بديع قوامها هي في الصبا هي في حلاه
هي في غوايتها وآ هٍ من غوايتها وآه
•••

ضُمي ثُغَيْرَكِ يا بنيـ ـة وابعثي منه الأمل
لا بالعهود إلى مدى عام ولكن بالقبل
إن ساعفتني ليلة فدعي العهود إلى أجل
•••

عام تفتَّح بالرجا ء وبالرجاء ختمتِه
ودعت ذاك العام في قربي كما استقبلته
قولي وقد ولَّى أفي شرع الوفاء قضيته؟
•••

لا تخدعيني يا بنيـ ـة بالوفاء من اللسان
خنَّا وخنت ولا أقو ل سلي فلانة أو فلان
ذهبت خيانتنا معًا والآن نحن الباقيان
•••

ذهبت خيانتنا كما ذهب الوفاء ومن يفون
لا ذمةٌ تبقى ولا يبقى الوفي، ولا الخئون
كم ذمة ضيعتها يا عام في تلك الغضون!
•••

انظر ألست ترى فتا تي حيث كنت ضممتها
في جلسة الأمس التي حتى الصباح جلستها
فكأنها ما فارقت صدري ولا فارقتها
•••

وإذا سألت وربما جاء السؤال بلا كلام
ماذا تقول مودعي والليل يومئ بالسلام
حيرتني يا عام فاسـ ـتمع الجواب ولا ملام
•••

ما كنت عندي أيهـ ـذا العام كلك بالسعيد
لكن سويعاتٌ مضت لي فيك تنسي ألف عيد
غفرت ذنوبك كلها وطغت على العام الجديد
•••

حسبي من الدنيا الذي أعطت ودنيانا غرور
حسبي قليل عطائها وقليلها أبدًا كثير
إن عاد يوم غدٍ كأمـ ـسِ فدُرْ زمان كما تدور
اكذبيني
اكذبيني واكذبيني كلما شئت اكذبيني
ما غناء اللب عندي إن أبى أن تخدعيني
أنا في ثروة وفرٍ منه مهما تسلبيني
أنقصيها أيُّ ضيرٍ؟ درهمًا أو درهمين!
المرأة والخداع
خلِّ الملام فليس يثنيها حب الخداع طبيعةٌ فيها
هو سترها وطلاء زينتها ورياضةٌ للنفس تحييها
وسلاحها فيها تكيد به من يصطفيها أو يعاديها
وهو انتقام الضعف ينقذها من طول ذلٍّ بات يشقيها
أنت الملوم إذا أردت لها ما لم يُرده قضاء باريها
خُنها ولا تخلص لها أبدًا تخلص إلى أغلى غواليها

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:53 pm

الحب أحمق

لم أدرِ كيف يتاح لي نسيانُها وخيالُها في ناظريَّ معلَّقُ
حتى نسيتُ فعدتُ أذكرُ أنها كانت هوايَ فلا أكاد أصدِّقُ
مصيبتان
قالوا اسلُهَا ودعِ البكاءَ فإنها في حبها ليست بذات وفاء
ومصيبتي فيها اثنتان لأنني أبكي لمن لا يستحق بكائي
من كان يبكي الأوفياء ففي الأسى لمن استحقَّ أساهُ بعضُ عزاء
عجائب القلب
تلك التي كنت أُغليها وأذكرها صُبْحًا ومُسْيًا، وفي سر وإعلان
قد كنت أرحم نفسي من تذكُّرِها فاليوم أرحمها من فرط نسياني
عجائب القلب ويلي من عجائبه عزَّت نظائرها في العالم الفاني
فراغ … فراغ
فراغٌ باردٌ شات بلا ماضٍ ولا آت
أأمواتٌ؟ نعم لكن نحس فناء أموات
ويا بؤس الفناء نحسـ ـه في كل ميقات
الصحوة الكبرى
متجردان ويملكان سعادة لكليهما لا يحتويها العالم
يتمليان الصحوة الكبرى وقد سعدا بأسعد ما يراه الحالم
معجزة وبرهان
أطفأت مني الليالي شُعَلًا بعد شُعَلْ
من غواياتي وأحـ ـلامي ومن برق الأملْ
قلما يومض فيها النـ ـور من نار القُبَلْ
عجبًا لكنه وَهْـ ـوَ عجيبٌ قد حصلْ
•••

عجبًا والدهر لا يفـ ـني أعاجيب الحياة
مفرقٌ شاب يُشـ ـبُّ الحبَّ في قلب فتاة
شركٌ صاد — ولم أنـ ـصبه — صيَّاد البُزاة
وقديمًا كان إن دا ر على الصيد نصل
•••

لو لسانٌ قاله لي لم أصدِّق ما يقولْ
غيرَ أنَّ الشوقَ في خد يكِ يسري ويجولْ
مزهرًا بعد ذبول مشرقًا بعد أفولْ
قَسَمٌ فاه به قلـ ـبُكِ بل وحيٌ نزلْ
•••

أحوج الوحي إلى معـ ـجزة وحيٌ عجاب
عند قلبٍ كافر بالنـ ـاس يغلو في ارتياب
يا رسولَ الحبِّ آمنـ ـت وفي كفي الكتاب
طفلة تهفو إلى الشـ ـيب أجل ثم أجل!
•••

حين لمَّحتِ تغابيـ ـتُ، ولي والله عذرُ
وانثنى التلميح كالتـ ـصريح والشك مُصِرُّ
ثم طاش السر حتى كاد يسعى وهو جهرُ
وتلاقينا فماذا كان؟ بركان جفلْ
•••

خابَ شكِّي وأنا الآ نَ بما خاب سعيدْ
وسعيدٌ كلما خاب ب ببرهان جديدْ
بين حسن فيك يزدا دُ وإقبال يزيدْ
وسلامٍ شاع في نفـ ـسكِ كالليل شملْ
•••

يا فتاتي هو من ربـ ـك والله قَدَرْ
قدرٌ أرحم ما حمَّ على قلب بَشَرْ
أغمضي عينيك وامضي فيه أيَّان استقر
واطمأني ما قضى الله قضاءً فارتجلْ!
•••

صاغه الله عجيبًا ومحا عنه عجيبًا
غير بدع أن يهيج الشـ ـرر الحي لهيبا
إنما البدع لهيب يبتغي منا شبوبا
كله إن جل أو قل من الشمس وصل
•••

نحن في الآفاق قربى بعضنا ينشد بعضا
ربما قيل رماد وهو ملء الأفق رمضا
إن في النور لقاحًا صنوه بالصنو يرضى
رُبَّ نجمٍ منك لو لا شررٌ مني أفلْ
انتقام جيتي
يا صديقي القديم «جيتي» اعتذارًا لك من سوء ظنتي وملامي
كنت أنعي عليك حبك في السـ ـتين بنت العشرين، فاغفر ملامي
وأراني على ملامك من قبـ ـلُ لحبٍّ دون الثمانين دام
فانتظرني فقد يجيء اعتذاري لك طوعًا في مقبل الأيام
إن عشقنا كما عشقت وأوفيـ ـنا عليها انتقمت خير انتقام!
إلى الشفاه لا إلى الآذان
فيم أروي لك شعري؟ أنا أدري أنا أدري
•••

أنا أدري يا فتاتي حيث ألقي بالأغاني
إن شعري سَمِعَتْهُ شَفَتَانِ … شفَّتان!
ها هنا سربٌ إلى القلـ ـب الذي أعنيه دان
•••

رفَّ شعري حيث رفَّت بالأماني قبلاتي
وتصفَّحت صداه قبسًا في الوجنات
هو من ثغر فتاتي وإلى ثغر فتاتي
•••

فيم تسعى رحلتي بيـ ـن المعاني وتطولُ
ها هنا الشعر وموحي الـ ـشعر يصغي ويقولُ
كل إصغاءٍ لعمري بين هذين فضولُ
مزج
سمَّيتني باسم اللدات وبيننا عمرٌ كعمرك أو يزيد قليلا
مزج الهوى العمرين في جيل فلا تقديم بينهما ولا تأجيلا
ومحا الفوارق كلهن فلم يدعْ غيرَ الهوى جيلًا لنا وقبيلا
لفاع
لفاعك في عنقي كالوفا ءِ يطوِّق جيدَ السميع المجيب
مكان ذراعيك أولى به نسيج يديك السخي القشيب
•••

إذا فاتني منك طيب العنا قِ فلسواي منه بديل قريب
فلا أُحْرَمُ الدفءَ عند اللقا ءِ ولا أحرم الدفءَ عند المغيب
رأيت
رأيتُ النهرَ ظمآنَ إلى البيداء يرويها
رأيت الزهر مشتاقًا إلى الأطواد يُحليها
رأيت الليلةَ الليلا ءَ والكوكب حاديها
رأيت الحان تنساب إلى أفواه حاسيها
رأيت العَجَب العاجـ ـب في الدنيا وما فيها
شبابًا هام بالها مة قد شابت نواصيها
إخال الحب يستحـ ـدث ترويحًا وترفيها
ألا فليَلْهُ ما شاءَ فما تفنى ملاهيها
من الأستاذ عماد
يا حزينَ النفس أُعطيتَ مناها فاغنم الفرصة حتى منتهاها
لا تنغِّصْها اختيارًا واكتناها إن من خاف من الجن يراها
•••

… … … … … … … … … …
لا تقل يا وردتي شوكك أينا ما علينا منه فيها ما علينا؟
إنها أخفته عنا فانتهينا حسبنا الوردة رفَّت في نداها
إلى الأستاذ عماد
يا صديق النفس من عهد صباها نصحك الصادق لو تُشْفَى شفاها
محنةٌ تبلغ في يومٍ مداها ما تراني صانعًا، أو ما تراها؟
•••

ناصحي أنت بزهري أنتشيه لا أبالي الشوكَ والغصة فيه
كل شوكٍ يا صديقي أتقيه يخرقُ الدرعَ وإن دَقَّتْ عراها
•••

وردتي يا صاحبي في الورد بدعُ! بدعها طبع وكل الورد طبع
طبعها كالفخ ينهاك ويدعو وبلاء النفس في مس جناها
•••

إن تقل فز بالجنى قلت رويدا الجنى الكيد فهل نأمن كيدا؟
الجنى القيد فهل نحمد قيدا؟ الجنى، يا ويحها، أشهى أذاها!
•••

وردتي آفتها فرط التحدي جاوزت في كل شيء كلَّ حدِّ
حسنها هيهات منه حسن ورد شوكها أنفذ من شوك سواها
•••

أتراني نافعي والقلب دام وسعار الجرح يمشي في عظامي
لذة العيش بوَشْي ونظام وامتلاء الأنف من عطر شذاها
•••

آهِ من برئي وآهٍ من سقامي آهِ من صلحي، وآهٍ من خصامي
آهِ من شمسي وآهٍ من ظلامي آهِ من لذعة آهٍ في جواها
•••

لذعة النيران ينفثن دخانا ليضيء اللهب الخافي عيانا
لهبًا صرفًا تعالى وتدانى من قرار النفس يرتاد ذراها
•••

آه من آهٍ لحاها الله جدَّا لا تزل خالدة في النار خلدا
من قلوبٍ تلتظي حبًّا وحقدَا حرقت آهاتها آهًا فآها
•••

أنا لا أطلقها حتى تذوبا في لظاها كلما شبت شبوبا
وأراني يا صديقي لن أتوبا فإذا تابت عرفنا منتهاها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:53 pm

مترجمات

فينوس على جثة أدونيس
معربة عن شكسبير
رأت شفتيه والبكا يستجيشها فما راعها إلا اصفرارٌ عليهما
وجست يدًا كانت نطاقًا لخصرها فلا رمقًا فيها تُحَسُّ ولا دما
ومالت على أذنيه حتى كأنه ليسمع منها شجوها والتندما
وتفتح جفنيه لتبصر فيهما سراجين كانا يسطعان فأظلما
سراجين كانا يجلوان لعينها جمال محيَّاها فواراهما العمى
وكانا لوجه الحسن أجملَ مبصرٍ فقد فجع الموت المحاسن فيهما
فقال برغمي إنك اليوم ميت وإن الضحى لمَّا يزل متبسِّما
•••

ألا أيُّهذا الحبُّ إنك بعده ستصبح داءً في الجوانح مسقما
ستصبح أنَّى سرت ترعاكَ غيرةٌ بعينٍ تريك الوهم صدقًا مجسَّما
ستقبل محمود الأوائل سائغًا وتدبر مشئوم العواقب مؤلما
وإنك إمَّا عن مرامك قاصرٌ فتأسف أو مجتازه متهجما
عذابك بالصفو الذي فيك راجح وماؤك ممزوجٌ به الري والظما
•••

بلى سوف تعدو أيها الحبُّ كاذبًا لجوجًا ملولًا جافيًا متبرِّما
يطير بعطفيك النسيم إذا سرى وترمي بك الأنفاس في كلِّ مرتمى
تطوف وما أحلاك يا حبُّ ساقيًا بكأسٍ تغر الحاذق المتوسما
بكأس حوافيها نعيمٌ ولذةٌ وما ضمنت إلا سمامًا وعلقما
تهد قوى الثبت المريرة من جوى فتعرقه إلا مشاشًا وأعظما
وتنفخ في روع العييِّ فينبري فصيحًا ويغدو مدره القوم أبكما
•••

ويا حب تعفو عن كبائرَ جمةٍ وتضطغن الذنب اليسير تجرُّما
ويا حب تُضري من يدبُّ على العصا فيضرى، وتنهى الضاري المتقحما
وتبتزُّ أموال الغني وربما منحت كنوز المال من كان معدما
عرامة مجنونٍ ورقة مائق ويا ويح قلبٍ وامقٍ من كليهما
وقد يحلم الفتيان في ميعة الصبا ويسفه فيك الشيخ إن بات مغرما
هيوبًا ولا شيء يُهابُ لقاؤه عسوفًا إذا ما الخوف قد كان أحزما
وترحم أحيانًا وفيك قساوةٌ وأنت بأن تقسو جديرٌ وترحما
وأخدع شيء أنت إن قيل منصفٌ وأصعب شيء أنت إن قيل أسلما
وإن شئت أزجيت الجبان فأقدما ووسوست في قلب الجريء فأحجما
•••

ألا أيها الحب الغوي ألا انطلقْ على الناس سيلًا جارفًا أو جهنما
ألا ولتفرِّق والدًا عن وليده فلا أمَّ تحنو إن قسوت ولا ابنما
وكم فتنة يا حب توري ضرامها وترسلها شعواءَ في الأرض والسما
ألا وليكن أشقى الأنام بحبه أحق امرئ فيه بأن يتنعما
نبوءة ولهى رُوِّعَتْ في حبيبها وجار الردى الباغي عليها فصمما
العرض
معربة عن شكسبير
أرى الذكر للإنسان أنفسَ جوهرٍ تزان به أعراضه ومناقبه
وما سارقي من يسرق المال إنني أرى المال من يظفر به فهْوَ صاحبه
تقلب في الأيدي فقبلك كاسبٌ حواه وقد يحويه بعدك كاسبه
ولكن من يسلب من المرء عرضه فذلك في شرع الحقيقة سالبه
يضيع على المثلوب زينة نفسه وليس يفيد العرض من هو ثالبه
الوداع
معربة عن بيرنز
قبلةٌ بعدها يطول الفراق وعناقٌ وليس بعدُ عناق
سوف أبكيك والمحاجر شَكْرَى بدموع من الفؤاد تراق
سوف أدعوك في الدجى بأنين وزفير في الصدر منه احتراق
كيف يشكو من عثرة الجد ظلمًا من محياك نجمه الألاق
بيد أني درجت في ظلمة اليأ سِ فحولي من الظلام نطاق
لست ألحى على الهيام فؤادي قَدَرُ الحب دفعه لا يطاق
من رآها فكيف يسلو هواها يعشق القلب إذ ترى الأحداق
آه لولا صبابةٌ وغرامٌ قد شربناه والكئوس دهاق
ما غدونا ولي فؤاد كسير وجبينٌ سيماؤه الإطراق
فسلامًا يا قرة العين والقلـ ـب وأحلى من صوَّر الخلاق
حاطك الله بالسعادة والحب ورواك ماؤه الرقراق
قُبلةٌ بعدها يطول التنائي وعناقٌ أوَّاه! ثم افتراق
لا طلع الصباح
مترجمة ببعض توسع عن رواية روميو وجولييت
أمبتعدٌ وما اقترب الصباح كأن الدهر شيمته السماح
أراعك صائح الطير المغني فخلت الليل ينعاه الصياح
ترفق لا عدمتك من حبيبٍ فليس عليك من رفقٍ جُنَاحُ
فذاك البلبل المسكين يبكي فيطربه كما شاء النواح
يرف له وجنح الليل داج على رمان دوحتنا جناح
أكنت حسبتها الورقاء هبت لقد والله جد بك المزاح
قليلًا ما أقمت فَقِفْ مليًّا قُبَيْلَ الفجرِ لا طلع الصباح
الوردة
مترجمة عن قطعة للشاعر الإنكليزي وليام كوبر
(وردة قطفتها صديقة للشاعر وقدمتها إلى صديقة أخرى فعرضتها هذه عليه تستندي قريحته فتناولها من يدها ثم هزها فتناثرت أوراقها فندم واستعبر ثم قال ذلك الشعر الرقيق):

أتتني بها من خدها مثل لونها مبللة الأوراق باكية السن
جنتها لها تربٌ حصانٌ تزفها إليها وقد يجني على الورد من يجني
كأنَّ نديَّ الطل دمعٌ أطله فراقُ وُرَيدات صغارٍ على الغصن
فأمسكتها خجلى المحيا أهزها لتنشط من خوف وتبسم من حزن
فما كان أقساني لقد فاض روحها وطرت بدادًا في التراب إلى الدفن
ولو لطفت كفي لفاحت وأزهرت كما شئت من عطر وما شئت من حسن
كذاك يكون اللوم طعنًا وربما حوى بلسمًا يشفي الجريح من الطعن
وكم راح تعنيف الشجي بروحه ألا إنَّ بعض العذل يضني ولا يثني
ولو لمت في رفقٍ رأيت ابتسامةً تجول مكان الدمع من جانب العين
القدر
مترجمة عن بوب الشاعر الإنكليزي
إنما الغيب كتابٌ صانه عن عيون الخلق رب العالمين
ليس يبدو منه للناس سوى صفحة الحاضر حينًا بعد حين
لامرتين على جبل الكرمل
سقاك الحَيَا يا حوضُ أعذب ما سقى ففيك قرأت الحسن سطرًا منمَّقا
حباك الفضاء اللازورديُّ لونَه فجلَّاكَ كالمرآةِ تلمع أزرقا
أراك وقد فيأت «ليلى» عشية صموتًا كمن يصغي إليها محدِّقا
تمثل منها وجهها — فعل عاشق — يظل إلى معشوقه متشوقا
فتطلعه كالبدر يبدو مثاله بمصطفق الآذي أبلج مشرقا
فما حفلت عينٌ بما فيك من حصى حكى الدر أو عشبٍ هنالك أورقا
وما ينظر الرائي السماء مصعِّدًا إلى الأفق بل يستوضح الماء مطرقا
لك الله كم حسنًا حويت ورونقًا روى الماء عن ليلاي فيك فأصدقا
فعينانِ أبهى زرقةً وملاحةً من الزهر ينمو في حوافيك مونقا
وحسبك من در البحار بمبسم تضاحك فيه درُّه وتألقا
وثغر كأن الورد باكره الندى فجال على أوراقه وَتَرَقْرَقَا
وجِيدٍ كمثل العاج أبلجَ ناصعًا على أنه كالغصن مال على النَّقَى
وفرع كخفق الموج فيك خفوقه يكلل منه الزهر فَوْدًا ومفرقا
وفيك من المرجان يا حوضُ دملج تحلَّى بأحلى معصمٍ حين أحدقا
•••

رفعت يدي دون النسيم وقد سرى مخافة ذاك الظلِّ أن يترنقا
أحدِّثُ نفسي أنني منك لاقط إذا ما مددت الكف درًّا منسقا
وأرشف من ماءٍ هنالك ريِّقٍ جلا الحسن عذبًا في حواشيه ريقا
•••

على أن ليلى خلَّفتك وأجفَلَتْ إلى أمها تعطو لديها تأنُّقا
فإني لأدلي فيك طرفي فلا أرى سوى الماء أمسى راكد الحس ضيقا
تذوقت منه قطرةً بعد قطرةٍ فألفيت ما لا يستطاب تذوقا
وكنت أرى حسنًا فما ليَ لا أرى سوى حشراتٍ أو نباتٍ تفرقا
•••

حَنَانَيْكِ يَا بِنْتَ الْمَشَارِقِ إنَّ لِي فُؤَادًا بِرَبَّاتِ الْجَمَالِ تَعَلَّقا
لِحُسْنِكِ سِرٌّ في الفؤاد كَسِرِّهِ على الماء لمَّا أن حكاك فدققا
فقد رسمت فيه لحاظك صورةً مدى الدهر لا تمحى وتزداد رونقا
عذيري من تلك اللحاظ كأنما هي النجم في عرض السماء تألقا
إذا رمقت فالصبح أو حال دونها خمارٌ فهذا ليلُ مَنْ قد تعشَّقا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:54 pm

حديقة الحيوان

مسودات الحياة
تأملْ تَرَ الأحياءَ عُجمًا كأنها مسودةٌ للخلق لمَّا تُنَقَّحِ
ويا رُبَّ سرٍّ في كلام مسودٍ يعود فيخفى في الكلام المصححِ
أراها كإخوانٍ تفاوت حظهم وميراثهم، من سابقين ورُزَّحِ
فمن حائزٍ نُعمى أبيه وأمه ومن خاسر رفديهما أو مطرَّحِ
ومن يلقهم يلق الحياة كأنها حَبَتْ طفلة من مهدها المترجِّحِ
رأيٌ واحدٌ
في وضعين مختلفين
زعموا الإنسان قردًا قد ترقى وتحلَّى
وأناس يزعمون الـ ـقرد إنسانًا تدلَّى
هو رأيٌ نقلـ ـبه علوًا وسفلا
خنزير أعجف
فيه خنزيريةٌ ظاهرة ما نفاها عنه ذاك العجفُ
هو خنزيرٌ ولكن شانه جسدٌ في وضعه منحرفُ
خمارويه وحارسه
(كان لخمارويه بن أحمد بن طولون أسد عَوَّدَهُ أن يجلس بين يديه إذا أكل، وأن يسهر إذا نام، وقد سافر مرة وتركه بمصر فقتل في دمشق، فَأَعْجِبْ لرجل حرسته السباع واغتاله الناس!)

ركنتَ إلى السباع خمارويه ولم تركن إلى أحدٍ سواها
تحوطك نائمًا وتبيت تخشى قلوب الناس أن يطغى أذاها
أليس من العجائب أن ليثًا يذود رعيةً عمن رعاها
وأن يحمي ابن آدم من أخيه سباعٌ جَلَّ أن يُدعى أخاها
وثقت بذي حفاظ ليس يرشى ولا ينسى الحقوق لمن حباها
وهم قتلوك حين وثقت منهم وكم حفظ العهود فما اعتداها
ولو شهد اغتيالك في دمشق لضرَّج بالجناية مَنْ جناها
العُقاب الهرم
يهم ويعييه النهوض فيجثم ويعزم إلا ريشه ليس يعزمُ
لقد رنَّق الصرصور وَهْوَ على الثرى مُكِبٌّ وقد صاح القَطَا وهو أبكم
يُلَمْلِمُ حدباء القدامى كأنها أضالع في أرماسها تتهشم
وأثقله حمل الجناحين بعدما أقلاه وَهْوَ الكاسر المتقحم
جناحين لو طارا لنصت فدومت شماريخ رضوى واستقل يَلَمْلَمُ
ويلحظ أقطار السماء كأنه رجيم على عهد السموات يندم
ويغمض أحيانًا فهل أبصر الردى مقضًّا عليه أم بماضيه يحلم
إذا أدفأته الشمس أغفى وربما توهمها صيدًا له وَهْوَ هيثم
لعينيك يا شيخ الطيور مهابةٌ يفر بغاثُ الطير عنها ويُهزمُ
وما عجزت عنك الغداة وإنما لكل شبابٍ هيبةٌ حين يهرم
عيش العصفور
حطَّ على الغصن وانحدر أقلَّ من لمحة البصرْ
مغردًا قَطُّ ما توانى مرفرفًا قَطُّ ما استقر
يلمس أيكًا بُعَيْدَ أيـ ـكٍ كأنما يلمس الإبر
مطاردًا لا إلى طري مسابقًا لا إلى وطر
كخفة الطفل في صباه لكنها خفة العُمُرْ
وروده نغبة فأخرى مَنْ خَوَّفَ الطائرَ الصَّدر؟
يقارب السُّحْبَ ثم يهوي يبشر الروض بالمطر
أصدق من سار في سرار بين الحيا العذب والشجر
ويستحث الرياح ضربًا بخافقيه فَتُبْتَدَرْ
لله ما أهول المطايا وأضعف الراكب الأشر
طار وليدًا شيخًا بين البساتين والغُدُر
لا أعين الماء ناضباتٌ ولا خلا الروض من ثمر
أَخْبَرُ بالنضج مقلتاه ممن سقى الحب أو بذر
سَلْهُ عن الجند والزمر سله عن الملك والسُّرَرْ
لم يأته عنهمُ بلاغٌ ولا دليلٌ ولا خبر
هذا هو العيش فاغبطوه عليه يا أيها البشر
هذا هو العيش فارحموه عليه واستخبروا الغير
فإنْ سألتم فسائلوه عن صَوْلة الصقر إن كسر
وحيلة الدَّبْقِ في ثراه وغيلة الحية الذكر
هناك يَنْزُو له فؤادٌ لا يجهل الريب والحذر
لم يخف عن أعين الليالي ولا توارى من الصغر
حبائل الدهر قانصات مَنْ طار أو غاص أو خطر
من عاش يومًا أو بعض يومٍ يعلم ما ضربة القدر
أليس هذي الحياة ذخرًا وحارس الذخر في خطر؟
الكروان
هل يسمعون سوى صدى الكروان صوتًا يرفرف في الهزيع الثاني
من كل سارٍ في الظلام كأنه بعض الظلام تضله العينانِ
يدعو إذا ما الليل أطبق فوقه موج الدياجر دعوة الغرقان
ويشبُّ في الجو السحيق كأنه يبغي النجاة إلى حمى كيوان
عاف التجمل فَهْوَ في جلبابه فان يرتل كالأبيل الفاني
ما ضَرَّ مَنْ غنَّى بمثل غنائه أنْ ليس يبطشُ بطشةَ العقبان
إن المزايا في الحياة كثيرةٌ الخوفُ فيها والسُّطَا سِيَّانِ
•••

يا محيي الليل البهيم تهجُّدًا والطير آويةٌ إلى الأوكان
يحدو الكواكب وَهْوَ أخفى موضعًا من نابغ في غمرة النسيان
قل يا شبيه النابغين إذا دعوا والجهل يضرب حولهم بجران
كم صيحة لك في الظلام كأنها دقات صدرٍ للدجنَّة حان
هُنَّ اللغاتُ ولا لغات سوى التي رفعت بهن عقيرة الوجدان
إن لم تقيدها الحروف فإنها كالوحي ناطقة بكل لسان
أغنى الكلامَ عَنِ المقاطعِ واللُّغَى بثُّ الحزين وفرحةُ الجذلان
… … … … … … … … … …
ما أحب الكروان
ما أحب الكروان!

هل سمعت الكروان؟!

موعدي يا صاحبي يوم افترقنا حيث كانت جيرةٌ أو حيث كنا
هاتفٌ يهتف بالأسماع وهنا هو ذاك الكروان وَهْوَ هذا الكروان!
•••

الكراوين كثير أو قليل عندنا أو عندكم بين النخيل
ثَمَّ صوتٌ عابرٌ كلَّ سبيل هو صوت الكروان في سبيل الكروان
لي صدى منه فلا تنس صداك هو شاديك بلا ريب هناك
فإذا ما عسعس الليل دعاك ذاك داعي الكروان هل أجبت الكروان؟
مفردٌ لكنه يؤنسنا ساهرٌ لكنه ينعسنا
صدحت في نفسه أنفسنا فتسامعنا سواء وسمعنا الكروان
•••

واحدٌ أو مائة ترجعه عندنا أو عندكم مطلعه
ذاك شيء واحد نسمعه في أوان وبيان هو صوت الكروان
•••

واحدٌ بين عصور وعصور نحن نستحيي به تلك الدهور
لم يفتنا غابر الدنيا الْغَرُورْ في أوان الكروان، ما أحب الكروان
على الجناح الصاعد
حادي الظلام على جناحٍ صاعد يا أرض أصغي يا كواكب شاهدي!
يا آنسين بصحبة من وجدهم نُصُّوا المسامع للأنيس الواجد
يا ساهدين على انفراد في الدجى ردوا التحية للفريد الساهد
المستعز بعرسه وكأنه منها نجيُّ مغاور وفراقد
لهجت طيورٌ بالضحى وتكفَّلَتْ بالليل حنجرة المغني الخالد
يحدو ويشدو لا مساعد حوله أبدًا وما هو آمنٌ لمساعد
أنا صائدٌ لصداكَ لستُ بصائدٍ لك أنت يا كروان فَأْمَنْ صائدي
بينا أقول هنا إذا بك من هنا في جنح هذا الليل أبعد باعد
ووددت يا كروان لو ألقيت لي صوتين منك على مكانٍ واحد
إن كنت تشفق أن أراك فلا تَزَلْ في مسمعي وخواطري وقصائدي
عاهدت هذا الصيف لستُ بواهب سمعي سواك فهل تراك معاهدي؟
من كان قد أغنى الطبيعة كلها مُغْنِيَّ عن شادٍ سواه وشائد
شدو لا نوح
شدو القماري لا نوح القماريِّ هل يعبر الحزن بالشادي الصباحيِّ؟
أو الربيعي في أنس وفي أمل وفي غرامٍ على الإلفين مطوي؟
يا حسنها من بشيراتٍ على دعة كأنها أمنت فوت الأماني
محببات إلى الإنسان تألفه وتعتلي من ذراه كلَّ علوي
تهوى الديار وفي الآفاق مطلعها ما بالها هل سباها حسن إنسي؟
وللأناسي حسنٌ لا أبوح به هل تعرف الطير ما حسن الأناسي؟
غَنَّتْ لزهر وسلسال ولو رشفت زهر المباسم جُنَّتْ بالأغاني
أَوْلى لقُمْرِيِّنَا ألا يحوم على يأس الهوى بين إنسي و«طَيْرِي»
غَرِّدْ على الدور يا قمريُّ في دعةٍ واسلم هنالك من باكٍ ومبكي
واتل الرجاء على هذا وذاك ولا تسألهما عن جوى في القلب مخفي
حَسْبُ المغاني التي يبكي الحزين بها من سلوةٍ أنَّ فيها شَدْوَ قمري
شفاعة للغراب
حيا الغراب الفجر بالنعيب تحية التهليل والترحيب
وافترَّ نور الفجر كالمجيب في غير ما لومٍ ولا تثريب
لهاتفٍ ناداه من قريب
•••

ما ذنب ذاك الناعب المسكين ألا يحيي النور باليقين
تحية العصفور والشاهين ألا تدين كلها بدين؟
فما له يعذل كالرقيب؟
•••

شفاعة الأنوار والأحباب في الأسود المهجور في الخراب
ما الصَّدح الهاتفُ بالعجاب أصدق حبًّا لك من غراب
فاعذره يا فجر على التشبيب
•••

أسمعه والطير في أوان وقبلة الصبح وقد ناجاني
صوت حبيبي بادي الحنان لذلك الموعود بالحرمان
وما له في الحسن من نصيب!
•••

أمنتُ منه لوعةَ الفراقِ وكلَّ (غاق) عنده وفاق
فلا يزل ينعم بالإشفاق من الرياض الفيح والآفاق
ومنك يا فجر ومن حبيبي
أسبوع فلورة
أو تكريم الكلاب
(لا أعني تكريم كلاب المجاز، فليس تكريم الكلاب بالأمر الطارئ أو البدع الغريب! وما خلا زمان ولا مكان من كلب من كلاب الإنس علا به الجد إلى حيث باتت تتزلف إليه الأسود وتمشي بين يديه السباع! فإن المرء ليجد كيف صار إنسانًا له خسة الكلب ونذالته وليست له نظرته وإهانته، والناس تظلم الكلاب بحشره في زمرتها، ويرون نهاية الزراية وصفه بصفتها، وإن الكلبية لتبرأ براءة الإنسانية منه … ولكني عنيت الكلاب ذات الأذناب وقد وصفها العرب ورثوها ومدحوا خفتها وسرعتها ولكنهم لم يسبقونا إلى الاحتفاء بها، والاحتفال بولادتها وتسميتها! وإن حقًّا على الناس أن يمجدوا الأمانة حيث كانت وأين ظهرت، فهل نلام إذا نحن مجدناها في مخلوق من مخلوقات الله؟!

اجتمعنا في رهط من الأدباء ليلة من الليالي، وجعلنا مناسبةَ اجتماعنا مُضِيَّ أسبوعٍ على ولادة كلبة لبعض أصدقائنا، فقلت أبارك للنفساء وأحيي المولود!):

أعلني «يا فلورة» الأفراحا واملأ الأرض والسماء نباحا
ما حبا الدهر بنت كلبٍ بأعلى من ذراريك عنصرًا ولقاحا
أبشري دولة الكلاب بجرو سوف ينفي عن جيله الأتراحا
ما تقضَّى الأسبوعُ إلا تمشَّى يذرع الدار جيئة ورواحا
خلع الليل والنهار عليه فتوارى عن العيون ولاحا
حَرَّكَ الدهر ذيله حين وافى وعوى الكون بهجةً وانشراحا!
سوف يدعى على الكلاب أميرًا يفزع الأسد وثبةً وصياحا
يلبس الطوق من نضارٍ ودرٍّ ويحوك الخزَّ الثمين وشاحا
•••

وأراه يُعِيدُ سيرةَ قطـ ـمير وقارًا وفطنةً وصلاحا
لا أصابت عصا لئيمٍ قفاه أو ثوى في الطريق ليل صباحا
لا ولا عضه من الجوع نابٌ يُثْخِنُ الناس والسباع جراحا
أو ترامى على الموائد يومًا يرقب العظم سائلًا ملحاحا
أو براه داء الكلاب فأخفى بين جفنيه عسجدًا لماحا
كان إيواؤها حرامًا فأضحى الـ ـيوم إيواؤها حلالًا مُباحا
قد فرحنا في عيده وطربنا وشربنا في نخبه الأقداحا
يا كليبًا أزرى بذكر «كليب» لا تظنن ما نقول مزاحا
ما مدحتُ الأنامَ يومًا وإني لستُ آلوك يا كليب امتداحا
أعجمَ الناس في الوداد وما زا ل بنو الكلب في الوداد فصاحا
إن عِيَّ اللسانِ خيرٌ من النطـ ـقِ إذا كان للأذاة سلاحا
وسعارُ الكلابِ أهونُ شرًّا من سعارٍ يمرق الأرواحا
أبو العيد
طائر يأكل دود القطن
أبا العيدِ لو جئتَ بينَ الأُول لصلَّى إليك عباد الجُعلْ
ولاتَّخذوك إلهًا لهم له ملة بين تلك الملل
وقالوا إلهٌ رحيمٌ بنا فمن يَدْنُ منه بسوء قُتِلْ
وأبدلت من شَرك بِيعَةً على الأرض شاهقة كالجبل
وكان لعيدك في أرضهم أبا العيد يومٌ عميمُ الجذل
وعل كردفان
بحديقة الحيوانات
يا وعل القفر كيف أسرى إلى حماك العزيز أسرُ
ساقُك يثنيها العوادي والضأن عدَّاءة تكرُّ
سهوت عنا وعن أناس يعجبهم سجنك الأمرُّ
تذكر دارًا نأيت عنها والعمر غض الإهاب نضر
والأرض قد ملَّكتك فيها ساقٌ لها كالرياح مر
ترودُ منها سهلًا ووعرًا يرضيك مرجٌ منها وقفر
لو فر من حتفه وليدٌ لكنت في رحبها تفر
هذي ديارٌ وتلك أخرى هيهات من كردفان مصر!
وربما خلتها قريبًا لها وراء الحديد عبر
لو زحزحوا بابه قليلًا حواك من كردفان عُقْرُ!
تبلغها طفرة فأخرى ولا يئود الوعول طفر
وكل ذي حاجةٍ جهولٌ وكل راجي الخلاص غِرُّ
•••

قضاؤك الحتم فاحتمله واصبر وإن لم يُفِدْكَ صبر
أنت بحسن العزاء أحجى وبعض حسن العزاء كبر
تِرْبُكَ تسليك والروابي حولك رفافة تسر
ألفت زأر الأسود فيها وكان للسمع منه وقر
وكنت إن همهمت تَمشَّى قلبٌ بجنبيك مقشعر
أمَّنك الذلُّ وهو خوفٌ وحاطك الأسر وهو شر
عِشْ مفرد القيد إنَّ أصلًا نماك بين الأصول حر
وما وجدنا الإنسان إلا مضاعف القيد لا يقر
للضيم فيه وفي ذويه حز بفوديه مستسر
نحنُ بني آدم أسارى لنا بوشم الإسار فخر
الطير المهاجر
علَّمتني مواسمُ الروض أنَّ الطـ ـير شتى: مهاجرٌ ومقيمُ
أتراني لا أسمع الطير إلا في رياضي معششًا لا يريم؟
رُبَّ شادٍ في هجرةٍ يتغنى وعليه السلام والتسليم
من جنوبٍ إلى شمالٍ وحينًا من شمالٍ إلى جنوبٍ يحوم
فله حين يستقلُّ وداعٌ وله حين يقبل التكريم
خذ من الطير كل يوم جديدًا فسواءٌ جديدُه والقديم
كم مُوَلٍّ وصفوُه لا يولي ومقيمٍ وصفوه لا يقيم!
حديقة حيوانات آدمية
(هذه الحديقة لا تجمع إلا الفنان أو المحب للفنون، سُمِّيَ كل زميل من زملائها باسم حيوان يلاحظ في اختياره اتفاق الشبه في الملامح والعادات، وقد جمعها الفن كما كان أورفيوس المعروف في أساطير اليونان يجمع الأحياء حين يغني ويعزف، فتقبل عليه من كل فصيلة، وهي لا تشعر بخوف أو تهم بعدوان):

أورفيوس الفن سوَّى بينها فتلاقى الدُّبُّ فيها والقرودْ
وتَغَنَّى فرسُ البحر بها يا له من فرسٍ طَلْقِ النشيدْ!
ومشى الأرنب والحوت لها صاحبا القاعين من لُج وبيد
وتآخى الجدي والضبع وما بين هذين سوى الثأر اللدود
وجرى «السيسيُّ» فيها شوطه وهو ناهيك بسيسي عنيد
ولغا «البطريق» فيها لغوه وهو من قطب جنوبي بعيد
وكأني بالزَّرَافى اجتمعت وحمير الوحش منها في صعيد
وأوى السنور والجرو إلى نمر فيها على غير الوصيد
والسُّلحفاة تجاري عندها أرنب البيداء والكلب الصَّيود
فُتحتْ أقفاصُها واختلطت لا سدود لا قيود لا حدود
حيواناتٌ نماها آدم وهي من أبنائه نسلٌ فريد
حيواناتٌ ولكن بينها كلُّ ذي لبٍّ سماويٍّ رشيد
أورفيوس الفن سَوَّى بينها فاستوى المنشد فيها والمعيد
رثاء كلب
حزنًا على كلب طاهرٍ فإنه طاهرُ الكلابْ!
تشابها في خليقةٍ واتفقا؛ شيمة الصحاب
وربما عَيَّ طاهرٌ وكلبه حاضر الجواب
فليس يوفيه حقه من اكتئاب أو انتحاب
إلا إذا بات نابحًا نبح المساعير في الخراب
عوْعوْ، عَوَوْوَوْ، بلا وبى ولا انقطاع ولا اقتضاب
•••

لا تسألوا رحمةً له قد رحم الله واستجاب
لعله مات قانطًا من «أزمة» الأكل والشراب
منتحرًا في شبابه وهكذا يفعل الشباب
أراحه الله من ضنًى أنقذه القبر من عذاب
فليحمد الله ربه من جاع فليرض بالتراب
كلبٌ ضائعٌ
أو ديوجين الكلبي
أمست كلابك شتى وأنت يا صاح أنتا
كلبٌ نجا وهو حي وآخرٌ فرَّ ميتا
ما بين تارك دنيا وتارك لك بيتا
قل لي بربك ماذا على الكلاب جنيتا
حتى «ديوجين» قل لي يا شيخ ماذا صنعتا؟
والله ما كان يأبى لو صادف الخبز بحتا
أو جُدْتَ يومًا عليه فصادف الأدْمَ زيتا
زعمته راح يهوى من قومه الغر بنتا
لا تلزم الحب ذنبًا من الصيام تأتى
فاحمل رغيفًا تجده في أي صوبٍ نظرْتا
مصباحه ليس يجدي فلا تُضِعْ فيه وقتا
أَنْعِمْ به من حكيمٍ إلى ديوجين مَتَّا
رأى السلامة حقًّا ومن رأى الحق أفتى
أمام قفص الجيبون
في حديقة الحيوان
(القرود العليا هي الشمبانزي و«الأرانغ أتانغ» و«الغورلا» و«الجيبون» وهو فرع وحده في رأي كثير من النشوئيين؛ لأنه صغير الحجم مختلف التركيب بعض الاختلاف.

ومن هذه القرود العليا ما يصلح — من الوجهة الشعرية — أبًا للفلاسفة والحكماء وهو «الشمبانزي»؛ لتأمله، وسكونه، واشمئزازه من الحياة!

ومنها ما يصلح أبًا لرجال المطامع والوقائع وهو «الغوريلا»؛ لبطشه، وهياجه، وقوة عضله.

ولكن «الجيبون» وحده هو الذي يصلح من الوجهة الشعرية أبًا للفنانين والراقصين؛ لأنه لعوب، طروب، رشيق الحركة، خفيف الوثوب، يقضي الكثير من أوقاته في الرقص والمناوشة، ويحب أن يعرض للناس ألاعيبه وبدواته، وإذا صعد أو هبط في مثل لمح البصر فإنما يصعد ويهبط في حركات موزونة متعادلة كأنما يوقعها على أنغام موسيقية لا تخطئ في مساواة الوقت ولا في مضاهاة المسافة، فإذا شهدته فاسأل نفسك:

ما بال هذا القافز الماهر قد وقف حيث هو في «سلم الرقي»، ولم يأت على درجات السلم كلها صعودًا ووثبًا في بضعة ملايين من السنين؟! هذا سؤال، وسؤال آخر تعود فتسأله: ماذا يفيد من الصعود إن كان قد صعد؟ الطعام المطبوخ؟ هو يأكل طعامه الآن نيئًا وذلك أنفع، أو يأكله مطبوخًا على يد غيره، وذلك أدنى إلى الراحة!

أو يفيد العلم؟ قصاراه إذن أن يقول: «لست أدري.» كما يقولها الإنسان كلما واجه معضلات الوجود.

أو يفيد وزن الشعر؟ هو الآن يزن الحركة كما توزن التفاعيل والأعاريض، وغاية مسعاه إذا أتقن وزن الكلام أن تعجز يداه وقدماه عن رشاقة الوثب ورقصات اللعب؛ لتستعيض منه بترقيص الكلمات وتوقيع المعاني، وهو قاعد حسير! أمام قفص الجيبون مجال واسع لأمثال هذه الأسئلة وأمثال هذه الموازنات):

أيهذا الجيبون أنعم سلامًا يا أبا العبقري والبهلوان
كيف يرضى لك البنون مقامًا مُزْرِيًا في حديقة الحيوان؟
•••

العب الآن وانتظر بعد حقبًا ترقَ في «سلم الرقي» وتعلُ
كيف لم تصعد السلالم وثبًا أيها الصاعد الذي لا يملُّ
•••

يا عميد الفنون صبرًا ومهلًا وارض حظَّ الهتاف والتهليل
مرحبًا مرحبًا وأهلًا وسهلًا والهدايا ما بين لب وفول
•••

انتظر يا صديقُ شيئًا فشيئًا تطبخ القوت كله بيديكا
غير أني إخال ما كان نيئًا منه أجدى في الحالتين عليكا
•••

انتظر يا صديقُ مليون عامٍ أو ملايين لست والله أدري!
إن تدانيت بعدها من مقامي فقصارى المطاف أن لست تدري
•••

واصطبر إن عناك نثر ونظم سوف تتلو نثرًا وتنظم شعرا
وغدًا يطفر الخيال ويسمو والذراعان لا تطيقان طفرا
•••

وجمال الوجوه سوف تراه في المرايا بعد الطواف الطويل
سوف تحلو في ناظريك حلاه فتهيأ للضم والتقبيل!
وإذا ما درست أوزانَ رقصٍ بعد لَأْيٍ فالرقص فيك انطباع
هل تنال الكمال من بعد نقصٍ إن أقلَّتك فكرةٌ لا ذراع؟
•••

قفصٌ أنت فيه أرحب جدًّا من فضاءٍ نقيم فيه أسارى
قد ضللنا فيها وهيهات نهدى ونجوم السماء فيه حيارى
•••

قفصٌ أنت فيه أرحب جدًّا من فضاءٍ نقيم فيه أسارى
قد ضللنا فيها وهيهات نهدى ونجوم السماء فيه حيارى
•••

انتظر سوف تفهم الشيء باسمٍ بعد رسمٍ وغابرٍ بعد حال
فإذا ما طلبت باطن فهمٍ يا صديقي طلبت أي محال
•••

أين بالأمس كنت يوم ابتدأنا والتقينا بآدم في الطريقِ
قد بلغنا فأين تبلغ أينا حين تمضي وراءنا يا صديقي؟
•••

الْهُ والعب واضحك كما شئت منا أنت طفل الزمان والطفل غرُّ
سوف تبكي حزنًا وتضحك حزنًا حين يمضي دهرٌ ويقبل دهر
عتب على الجيبون
(ذهب بعض الأدباء إلى حديقة الحيوان بعد نشر القصيدة السابقة، وقصدوا إلى قفص «الجيبون» فإذا هو في تلك الساعة كاسف البال صادف «المزاج» عن الرقص واللعب، فجاءوا إلى صاحب الديوان يطالبونه بتعويض أجر الدخول إلى الحديقة، كأنه هو الذي يعرض الجيبون ويتكفل للمتفرجين بتمثيل ألاعيبه، وفي الأبيات التالية رجاء لذلك الفنان ألا يكذب شهادته ولا يخيب ظنون الأدباء في مدحه وتقريظه):

أيها الجيبون لا تفـ ـضحْ تقاريظي وشكري
أنت بعد اليوم محسو بٌ على نقدي وشعري
أنت إن لم تحسن الرقـ ـص فمن يحسن عذري
أنت إن قصرت قالوا شاعرٌ بالزور يطري
ما لِذَا العقادِ والتقريـ ـد و«التقريظ» يغري
إنه يهرف بالمد حِ ولكن ليس يدري
فاملأ الأقفاص يا جيـ ـبون طفرًا أي طفر
وقُلِ العقادُ لا يخطـ ـئُ في تعريف قدر
بيجو
رثاء
حزنًا على بيجو تفيض الدموعْ
حزنًا على بيجو تثور الضلوعْ
حزنًا عليه جهدَ ما أستطيعْ
وإنَّ حزنًا بعد ذاك الولوعْ
واللهِ يا بيجو لحزنٌ وجيعْ
•••

حزنًا عليه كلَّما لاح لي
بالليل في ناحية المنزل
مسامري حينًا ومستقبلي
وسابقي حينًا إلى مَدْخلي
كأنه يعلم وقت الرجوعْ
•••

وكلما داريت إحدى التحفْ
أخشى عليها من يديه التلف
ثم تنبهت وبي من أسف
ألا يصيب اليوم منها الهدف
ذلك خيرٌ من فؤادٍ صديعْ
•••

حزني عليه كلما عزَّني
صدق ذوي الألباب والألسن
وكلما فوجئت في مأمني
وكلما اطمأننت في مسكني
مستغنيًا أو غانيًا بالقنوعْ
•••

وكلما ناديته ناسيا
بيجو ولم أبصر به آتيا
مداعبًا مبتهجًا صاغيا
قد أصبح البيت إذن خاويا
لا من صدى فيه ولا من سميعْ
•••

نسيت؟ لا بل ليتني قد نسيتُ
أحسبني ذاكره ما حييت
لو جاءني نسيانه ما رضيت
بيجو معزي إذا ما أسيت
بيجو مناجيَّ الأمين الوديعْ
•••

بيجو الذي أسمع قبل الصباح
بيجو الذي أرقب عند الرواح
بيجو الذي يزعجني بالصياح
لو نبحةٌ منه وأين النباح؟
ضيَّعتُ فيها اليومَ ما لا يضيعْ
•••

خطوته يا برحَها من ألم
يخدش بابي وهو ذاوي القدم
مستنجدًا بي ويحَ ذاك البكم!
بنظرةٍ أنطق من كل فم
يا طول ما ينظر هذا فظيع!
•••

نم لا أرى النوم لعيني يطيب
أنتم خبيرون بنهش القلوب
يا آل قطمير هواكم عجيب
غاب سنا عينيك عند الغروب
تنقضي الدنيا ولا من طلوع
•••

نم واترك الأفواج يوم الأحدْ
والبحر طاغ والمدى لا يُحد
عيناي في ذاك وهذا الجسد
بوحشة القلب الحزين انفرد
والليل والنجم وشعب خليع!
•••

أبكيك أبكيك وقلَّ الجزاء
يا واهبَ الود بمحض السَّخاء
يكذب من قال طعامٌ وماء
لو صح هذا ما محضت الوفاء
لغائبٍ عنك وطفلٍ رضيع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:54 pm
قصص وأماثيل
سباق الشياطين
يا شياطين الدجى حيَّ هلا وتغنِّي الآن بالفعل الذميمْ
أيكم في الناس أعلى منزلًا فله عندي مقاليد الجحيمْ
•••

رَنَّ في الندوة صوت الكبرياءْ رائع الصيحة مرهوب الصدى
قال إني أنا داء الأعلياءْ أنا داء لهم فيه الرَّدى
مالئٌ بالغيظ قلب الضعفاءْ تارك النابه فيهم أوحدا
رُبَّ خير بتُّ أجريه على منهج الفتنة والشر العميمْ
ووضيع رحت أذروه إلى مطلع النجم كما يذري الهشيمْ
•••

ومشى الشيطان شيطان الحسدْ مشية الأفعى إلى وكر القطا
شاحب السحنة مهضوم الجسدْ خائفًا في جبنه قد أفرطا
قال: لو شئت لما حاز أحد منكم السبق وإن جدَّ الخطا
بذوي القربى ولوعي والأُلى بينهم قربى سهيم من سهيم
أجدر الناس بأن يتصلا حائل بينهما كيدي العظيم
•••

وانبرى للقول يأسٌ معضل كلما هم تولَّاه الضجر
قال ما لليأس فيكم مأمل لا ولا يرجو مقاليد سقر
بيد أني قاتل لا يعقل ومن القتل حياةٌ للبشر
أنا إن أيأست من ورد حلا فكما ييأس من ثدي فطيم
فذروني كيف أبغي موئلا بين خنَّاسٍ ووسواسٍ رجيم؟
•••

ثم أبدى الليل شيطان الندم ضارعًا يفرق من خفق الهواء
أخرس المقول من غير بَكَمْ ولقد ينطق حينًا بالبكاء
يمقت الإثم ويغري من أثم بذنوبٍ ما له منها وقاء
يمقت الإثم ويغري بالطلا وهو بالشارب ينبو والنديم
يغفر الموتور للجاني ولا يرحم الجاني من وخز أليم
•••

ومشى من جانب الحب أنين كشواظ النار يرمي بالشرار
لفح القوم فهبوا صارخين وهُمُ في الخلق من مارج نار
أنا شيطان الهوى أفرى الوتين كل من أغشاه مسلوب القرار
أنا للبغض سبيلٌ والقِلى وسبيلٌ للرزايا والهموم
ليس في الكون مكانٌ قد خلا من صراعٍ أنا موحيه القديم
•••

ودعا الداعي بشيطان الكسل فتمطَّى ساعةً لا ينطق
قال لو راودت نجمًا لأفَلْ وثوى في أفقه لا يشرق
آفة القول جميعًا والعمل وبلاء الله فيما يخلق
ورأى وجه الرياء المقبلا فتنحَّى خلفه وهو كظيم
مذ رأوه هتفوا ما أجملا وهو يزوي عنهمُ الوجه الدميم
قال إني أنا شيطان الرياء صاحب الوجهين أملودُ اليد
ألبس الأعداء جلباب الإخاء وأعير العبد وجه السيد
وأميت النفس في طي الخفاء فهي تحيا كالرفات الملحد
أنا فيما أبتلى صنو البلى أبدل الأحياء إبدال الرميم
ميتٌ من عاش يومًا مبدلا ومسيخٌ وجهه وهو وسيم
•••

أنصت الجمع ولم يبق سوى حكم إبليس بسبق السابق
رجع الأمر إليه فاستوى يلحظ الرهط بعيني حاذق
ثم نادى بالرياء المجتوى فأبى الخب إباء الماذق
قال تأباها ولولاك انجلى غَيْهَبُ الأرض فكانت كالنعيم
دونك الدنيا اتخذها منزلا وتولَّ اليومَ أبوابَ الجحيمْ
كولمب في الأوقيانوس
من لكولمب والمخاوف تثنيـ ـه وتزجيه خادعات الغرورِ
هام بالعالم الجديد كما ها مَ تقيٌّ بالعالم المستور
ما ابتغى جيرةً هناك ولا أهـ ـلًا ولا عاذ عنده بنصير
أي أهل وجيرةٍ لهمامٍ أوْحَدي المنى قليل النظير؟
من له فاتحًا وما فاتح المجـ ـهول يومًا كفاتح المنظور
ضاربًا في حشا خضارة تعلو هُ سماءٌ عميقةُ التدوير
يعتلي صهوة الخضمِّ خضمًّا لم يوطَّأ، كالآبد المذعور
بين سخطين من صحاب غضابٍ أين يمضي وعيلمٍ تيهور؟
يذرع الليل والفضاء بطرفٍ شاخص لحظه ووجه وقور
ويضل الفجاج في الصبح حتى يسبل الليل خيمة الديجور
فإذا النجم كالسفينة ركبٌ ليس يدري هناك عقبى المسير
من لكولمب لا السموات تهديـ ـه ولا النور في دجاه بنور
يسأل السحب أين مسراك غربًا أين ترمين بالحيا المسجور؟
أمعادٌ به إلى البحر أم تُحـ ـيين منه الثرى بصوب غزير؟
إنما يزجر السحاب وما كا ن سحاب بالطائر المزجور
لو نعيب الغراب يسمع لاعتد نعيب الغراب صوت بشير
في سماءٍ ما قط حوم فيها غير غادي سحابها من طيور
كل يوم يرى بساطًا من المو ج شبيه المطوي بالمنشور
فيرى الراكبوه أن لن يزالوا راسيًا فلكهم رسوَّ ثبير
تظهر الشمس كل يوم ولا يأ ذن للأرض حاجبٌ بالظهور
ثم لاحت فظنها القوم راحًا مدها الله من وراء البحور
•••

غرضٌ كان لم يصب منه خيرًا وتولَّى وليس بالمشكور
ذلكم آدم الذي أورث النا س كميراث آدم المعمور!
•••

لا تلوموا الكبير يركب هولًا إنما الهول من مطايا الكبير
إنَّ قلب العظيم بحرٌ زخورٌ فهو ما عاش فوق بحرٍ زخور
كم ضلالٍ في اليم أرهب منه صراعات الضلال في التفكير!
الأثواب الثلاثة
(إن أحقر الصعاليك قد تمر به ساعات يتمنى فيها الملك، ولكن لا يؤخذ من ذلك أنه يحب أن يخلع نفسه ليلبس نفس الملك؛ بل هو في الحقيقة لا يتمنى الملك إلا ليتمتع بما يصبو إليه وهو صعلوك حقير، فالإنسان يحب نفسه ولا يبدلها بأي نفس أخرى، فإذا كان يحب حظوظ غيره فلأنه يحب نفسه، ولو تساوت النفوس والحظوظ لما كان هناك باب للتمني والعمل، وهذا مثل تقسيم الأثواب في القصيدة التالية؛ فإنه لما اختلفت ألوان الأثواب أصبحت كل بنت تختار الثوب بعد الآخر ولا ترضى واحدًا منها، ولو تشابهت ألوانها لرضيت كل بنت بثوبها وربما كانت لا تتطلع إلى سواه، فكيف كان الإنسان إذن يرضى عن نصيبه؟ إنه لن يرضى إلا إذا احتجز لنفسه كل المزايا ولم يبق لأحد مزية قط، أو إذا تساوى الناس في كل شيء فلم يبق لأحدهم مزية على الآخر.

ومن ثم يظهر لنا أنه لا يستطاع إرضاء الناس جميعًا إلا بما فيه خراب الكون.)

ليلة العيد أقبلت بالسعود فاكتسى بالجديد كل وليدِ
واكتست بالجديد كل فتاةٍ لبست جدةَ الجمالِ الفريد
وتواصت على الثياب أخيَّا تٌ ثلاثٌ فُتِنَّ بالتقليد
يتسترن بالإخاء وتُزهى كلُّ أختٍ بحسن وجهٍ وجيد
لا تجل (العذراء) إن لم تجدها في كساءٍ من الطراز الجديد
قمن يقسمن بينهن شفوفًا غاليات من زاهيات البرود
لاحقات الأثمان بعضًا ببعضٍ واختلاف الألوان جِدُّ شديد
فتنازعنها مليًّا وولت كل أخت بريبة المزءود
تنتقي الثوب ثم تزهد فيه ثم تُغرى بثوبها المردود
لم يكن غيرُه بأخلبَ وَشْيًا لا ولا كان همُّها في المزيد
حسدًا والضئيل يبدو جليلًا إن رآه الفتى بعين حسود
•••

هكذا الخلقُ في الحياةِ تعادَوْا في حظوظٍ مقدورةٍ وجدود
ظلموا دهرهم ولو بلغوا السؤ ل لما كان عندهم بسديد
لا تظنوا الشريد يرضى بأن يُبـ ـدَلَ من همِّه بهَمِّ العميد
لو تمنى العروش لم يرضَ أن يخـ ـلعَ فوق العروش نفس الشريد
وأحبُّ النفوسِ نفسُكَ لكنـ ـنَ أحبَّ الحظوظِ حظُّ البعيد
غادة أثينا
حدثي عن دولة الإسكنـ ـدر عروسَ الشعرِ واروي واذكري
•••

كاعب كالظبي إلا أنها دون نهديها جنانُ القسوَرِ
علَّمتها أمةٌ قد علمت صنوها البأس وقور الضُّمَّر
أمة حسب بنيها سؤددًا أنهم رهطٌ عزيز العنصر
وغزاها فاتح الأرض كما تحدق النار بوكر الأنسُرِ
وابتلته بحنانٍ صابرٍ وابتلاها بالعديد الأكثر
وسطا الجندُ عليها كالدَّبا بين ألفاف النبات المثمر
راودَ الغادةَ منهم قائدٌ سيئُ الخيم غَرِيُّ المنظر
•••

أيها الفاتكُ بالعرض الذي صانه الطهر ترفق واحذر
أغمد السيف فهذي وقعةٌ لم تصب فيها ولمَّا تظفر
خضت حربًا ليس من آلاتها منصلُ العضبِ وسَرْدُ المِغْفَرِ
دون ذاك النصل سيفٌ لهذَمٌ من شبا اللحظ وقدٌّ سمهري
دون ذاك السورِ سَدٌّ مُحْكَمٌ من عفافٍ واضحٍ للمبصر
دون ذاك الحصن قلبٌ مضمرٌ كيف يُرمى حسنُ قلبٍ مضمر؟
تَبَّتِ الحربُ فما في غيرها حَلَّ للجيش حرامُ المِنْسَرِ
•••

أيأسَتْهُ من رضاها فارتضى من حلي الغيد حظَّ المشتري
قال أين المال قالت هاكه يمم البستان وابحث وانظر
دونك البستان فانزل بئره والتمس فيها نفيس الجوهر
إنني أحرزت فيها لؤلؤًا ليس يُلفى مثلُهُ في الأبحر
وأتى البئر فزجته يدٌ بضةٌ بيضاء مثل المرمر
فتردَّى فارعوت تقذفه برجومٍ كالغمام الممطر
واحتوته البئر في أعماقها كاحتواء النفسِ سرَّ المنكر
إنَّ مَنْ كانت حضيضًا نفسُه لحقيقٌ بالحضيضِ الأكدر
•••

ورآها الجند فاجتازوا بها عند ذي القرنين هَوْلَ المحشر
لابس الغار عليه أخضرا وهو مُفْنٍ كلَّ زرعٍ أخضر
وقفت وقفة لا مستعظم عزة الملك ولا مستغفر
قال من أنت؟ فقالت إنني أخت (ثيجين) الأبيِّ الشَّمري
أخت (ثيجين) فسل من قومكم عنه من لاقاه تحت العِثْيَرِ
مات في الحرب التي أرَّثها بغيُ فيليب أبيكَ الغَمشر
ذاد عن أوطانه ثم افتدى دوحة المجد بغصنٍ «مزهر»
•••

قال ذو القرنين إني باسطٌ لكِ فيئًا فاسكني أو فاهجري
وخذي مما وهبنا أو دعي لن تُنالي بالأذى في عسكري
أورمزد وأهرما
أورمزد يا مخلف آمالي يا مخلقًا جدَّةَ سربالي
إذا تجهمت لأهل الثرى مزقت بالأضواء أوصالي
وتمسح الأدمع من عينها حتى يبيت الصبُّ كالسالي
الآن فلأحجبك عن أعينٍ أحييتها في الزمن الخالي
•••

مقالة فاه بها أهرما ثم مشى مشية مختال
لاقي بها الشمس وقد صدَّها بالغيم عن سهلٍ وأجبال
يضحك بالرعد ويبدي لها بالبرق عن أنياب أغوال
فالتفتت في برجها لفتةً وابتسمت هادئة البال
قالت وهل يحجبني شانئٌ لولاي لم يلحق بأذيالي؟
تحجبني حينًا ولكنني أزجيك للخيرات والنال
لو علم الناسُ مصيرَ الأذى لنافسوا في الشر بالمال
عند حلاق
ما بالها تطفر كالغزال ساحرةً بالتيه والجمال؟
هيفاء من أوانس الأندلس ذات جبينٍ كالنهار المشمس
قد أسفرت حاليةً بالنَّوْرِ في وجنةٍ ومقلةٍ وثغر
من كل زهرٍ ناضر الرواء والزهر لا ينضر في الشتاء
ثم استوت في مجلسٍ هناكا تمدُّ للخلائقِ الشِّباكا
أمامَها المرآةُ فيها يظهرُ ما ليس في غير المرائي تبصر
تمثالها في صفحة البلور مرتسمًا بريشةٍ من نور
•••

وكان يرعاها أريبٌ كيِّسُ فقرَّ في موضعه لا ينبس
وصوَّب الطرف إلى الرذيلة يرمقُ تلك الصورةَ الجميلة
كمن يهاب الشمس في السماء فيرتضي بقرصها في الماء
وساءها حتى إلى الطيف النظر أهكذا تبخل ربات الخفر؟
الحسن إن ضنَّ به المليح كالمال إذ يدفنه الشحيح
والزهر إذ يزكو لغير ناشق والبدر إذ يبدو لغير رامق
فأقبلت غضبى إلى قرينها وأومأت سخرًا إلى مجنونها!
قالت ألا تنظر للمغرور حدَّق في المرآة كالمسحور
ما زال يرنو نحوها بالطرفِ حتى لقد أخجل فيها طيفي
فأومأ القرين للحلاق يبتسم ابتسامة الإشفاق
وقال قل للصاحب الصديقِ لا يكسر المرآة بالتحديق
من يكْثرِ اللمحَ لها بالليل قد يعتريه خبلٌ في العقل
•••

فأطرق الأديب كالمستعتب وقال «عفوًا» يا قرين الكوكب
ما في المرايا ثَمَّ من شيطان يُخَافُ منه المسُّ للإنسان
لكنَّ فيها ملكًا مكمَّلا يوحي لنا الحسن كما تنزلا
ملكتَ منه الذاتَ واستأثرتا فَفُزْ بها مغتبطًا هنئتا
ودع لنا هذا الخيال مغنما ليس الخيال حرمًا أو محرما
أمنا الأرض
(مغزى هذه القصيدة أن الخوالج التي تحرك الأطفال هي الخوالج التي تتصرف بالرجال، وأن الأقدار تخدعنا ونحن جادون بالحيل التي تخدع بها الأطفال وهم لاعبون، وأنها تؤدبنا فنسخط ونحن نؤدب الأطفال ثم نعجب لأنهم يسخطون.)

أسائلُ أمنا الأرضا سؤال الطفل للأم
فتخبرني بما أفضى إلى إدراكه علمي
•••

جزاها اللهُ من أم إذا ما أنجبت تئد
تعذِّي الجسمَ بالجسم وتأكل لحم ما تلد
•••

ألا يا أم كم طلعا عليك الشمس والقمر
وكم أسنى وكم وضعا على أرجائك القدر
•••

أقاموا أمس وانصرفوا فليس لفَلِّهم شمل
فأينَ نفسُ من سلفوا وأين يكون من يتلو؟
•••

فقالت في ملامحكم يبينُ الجدُّ والخلَفُ
فجوسوا في جوانحكم فثَمَّ يجوس من سلفوا
•••

وأين عظام من نبها من الماضين في السير؟
فقالت: قد صنعت بها لكم حلوى من الثمر!
•••

وما المجد الذي أضرى قلوب بنيك فاشتجروا؟
فقالت حلة كبرى يراها القلب لا البصر
•••

فقلت لها فما العمل؟ فقالت خادم الحلم
وما الأحلام والأمل؟ فقالت حيلة الأم
•••

وقد يُحتالُ للطفل على خير له مُجد
ألا ينبو عن الأكل إذا لم يُغْرَ بالوعد؟
•••

فقلت لها وما السقم وما الآلام والبلوى
وما الآفات تخترم شباب الأحور الأحوى؟
•••

فقالت إنما البلوى عقاب الطيش والنهم
فإن جُرْتُم على الحلوى هززتُ لكم عصا الألم
•••

وقلت لها فما الذهب وفيم طويته عنا؟
فماج الناس واضطربوا فلا عطفًا ولا أمنا
فقالت لست أحسبه سوى ضربٍ من الحجر
وإن الطفل مطلبه أشدُّ لكل مستتر
•••

يجدُّ الطفل مفتتنًا بما لم يبده العلن
ويحسب جهده ثمنًا لشيء ما له ثمن!
•••

لزدتُ بقولها خُبْرَا وزدت بقولها جهلا
فما ألفيتُه وعرَا وما ألفيته سهلا
•••

وصحت بها إلى أينا إلى أين المصير بنا؟
فغضَّت عينها الجفنا وصدت عنِّيَ الأذُنا
•••

بني الدنيا لعاب بها ففي الأبواب قصَّادُ
لكم يوم بملعبها وتحت الأرض آباد
لها ملهى تكرره إذا ما انفضَّ لم يُعقد
نغاديه فننظره ويوصد بابه السَّرْمَدْ
سيان
يا شمس ما ضَرَّكِ لو لم تشرقي يا روضُ ما ضَرَّكَ لو لم تعبقِ
يا قلب ما ضرك لو لم تخفقِ سيان في هذا الوجود الأحمقِ
من كان مخلوقًا ومن لم يُخْلَقِ
المعري وابنه
قال المعري:

وإذا أردتم بالبنين كرامةً فالحزم أجمع تركهم في الأظهر
(فهو والد رءوف صد أبناءه عن الحياة؛ رحمةً بهم! فيا لها من رحمة لا يعرفها له أبناؤه! ومتى كان الأبناء يعرفون البر للآباء؟! والقصيدة الآتية محاورة بين المعري وابن له في الغيب يتوسل إليه أن يريه الحياة وهو يذوده عنها وينصح له بالبقاء في عالم العدم.)

يا أبي طال في الظلام قعودي فمتى أنت مخرجي للوجود؟
طال شوقي إليك فاحلل قيودي
يا أبي عالم الظلام مخيفُ ليس يقوى عليه طفلٌ ضعيف
فأجزني من ظله المسدود
حَدَّثونا عن الحياة العجابِ فلهجنا بحسنها الخلاب
وظمئنا لحوضها المورود
حدثونا عن الدجى كيف يسطو وعن الصبح بعده كيف يعطو
وعن النحس فيهما والسعود
حدثونا عن دارها وبنيها وجهاد يمنى به القوم فيها
وعن الموت بعدها والخلود
أرني الجهر يا أبي والخفاءَ أي شيء ذاك المسمى شقاء؟
أي سر يراد بالمولود؟
ما الوجوه الحسان؟ ما النَّوارُ؟ ما الدراري ما الفلا ما البحار؟
إنَّ دأبَ الوليد حبُّ الجديد
لي جدودٌ وليس لي أبوان ولئن شئت آن فيكم أواني
وتملَّيت قسمتي في الوجود
•••

ولدي إنني أبوك الرحيم أنا بالعيش يا بني عليم
لا تصدق مقالة من بعيد
ما حياةٌ تشقى وتسعد فيها تتعنَّى لكن بما يعنيها
في عظيم تُبلى به أو زهيد
يحسب الحي جهده لهواه جهل الحي جهده لسواه
إنما المرء آلة للجدود
إنَّ غنم الحياة من لم يجده لم يُمتَّع به، ولم يفتقده
فاغتنم ربح شرها المفقود
شرها يا بنيَّ ثقيلُ خيرها يا بنيَّ خيرٌ قليل
أهلها يا بنيَّ أهل حقود
زعموها إلى الخلود تؤدي ما رأينا سوى فناءٍ ولحد
فيه مُود على تجاليد مُودي
قف بباب الحياة لا تدخلنها واعتصم يا بنيَّ ما اسطعت منها
سوف ألقاك — فانتظر — بالوصيد
•••

هكذا أقنع المعري الوليدا فتنحى عن الحياة بعيدا
والتقى الشيخ وابنه في اللحود
بين الشاعر
وعروس شعره
كفى يا عروسَ الشعر خيبتِ آمالي وكذَّبت أحلامي وأشمتِّ عذَّالي
إذا ما وعدت الوعد أخلفت في غدٍ وهيهات لا تبقين يومًا على حال
يظل غريرًا من أعارك سمعه وإن عاش أجيالًا عفتْ بعد أجيال
•••

كفى يا صديق العهد هيجت بلبالي وما أنت بالسالي هواي ولا القالي
ملامك فيه الحق أو فيه بعضه وما غاب عن ظني ولا بان عن بالي
إذا قلت زورًا فهو من صدق شيمتي ومن يصف الدنيا يصف خيمَ ختَّالِ
إذا هزلت أمي الحياة فهل ترى من الصدق ألا يطرق الهزل أقوالي؟
بحسبك من عذري إذا ما عذلتني أمانة تمثيلٍ وروعة تمثال!
حانوت القيود
(الحياة كالمرأة إذا أحبت امرءًا قيدته بأحابيلها، وعلقته بهواها، فمن كان حي النفس تحتفظ الحياة بوجوده فهو مقيد بالغرائر والأهواء، ولا تضعف هذه الغرائز والأهواء في الإنسان حتى يكون منبوذًا من الحياة، كأنه عاشق لها مملول لا تبالي هي أن تطلق له القيد وترسله حرًّا متى شاء، فكلنا طالب قيد مزاحم على حانوت القيود، ونحن على هدى من سبل الحياة ما دمنا مقيدين بوهم من أوهامها أو عاطفة من عواطفها؛ لأن قيودها تلك هي الأزمة التي تقودنا بها إلى حيث تريد.)

جزى الله حانوت القيود فإنه مناط الأماني من بعيد ومكثبِ
تزوَّد منه الناس في كل حقبة وحجوا إليه موكبًا بعد موكب
يصيحون فيه بالقيون كأنهم سراحين في وادٍ من الأرض مجدب
فمن قائل عجل بقيدي فإنني طليق ومن عان كثير التقلب
إذا أخطأ الأغلال قطَّب وجهه كئيبًا وإن أثقلته لم يقطِّب
يطوفون بالمغلول طوفة عاطلٍ فقير بموشي الطيالس معجب
فهذا إلى قيدٍ من العقل ناظر وما العقل إلا من عقال مؤرَّب
يخفِّض من أهوائه كل ناهضٍ ويغلب من آماله كل أغلب
يمشي بأغلال التجارب معجبًا على غبطة منه لمن لم يجرب
وهذا إلى قيد من الحب شاخص وفي الحب قيد الجامح المتوثب
ينادي أنلني القيد يا من تصوغه ففي القيد من سجن الطلاقة مهربي
أدره على قلبي وعقلي ومهجتي وطوِّق به كفي وجيدي ومنكبي
ورصِّعه بالحسن المسوَّم واجله بكل سعيد في المناظر طيِّب
عزيز علينا العيش حرًّا وحولنا أسارى الهوى من فائزٍ ومخيَّب
ورب رخيِّ البالِ تمت حظوظه يقيِّدُ دنياه بعنقاءَ مغرب
أمانيُّ يقفوها فتربط خطوه رباط الدياجي خطوة المتنكب
وآخر أضنته الملالة باسط يديه إلى الأعمال في غير مأرب
إذا ما رأى المكدود يمقت عيشه تمنى على الأيام شقوة متعب
وكم طامع في الجاه والجاه عصمةٌ ولكنه كالمعقل المتأشب
يصد الْعِدَى عن ربه ويصده عن الناس صد المحجم المترقب
وربَّ عقيمٍ حطم العقم قيده يحن إلى القيد الثقيل على الأب
إذا منَّت الدنيا عليه أجابها بلعنة موتور وعولة مترب
يرى أن حال المفتدى من إساره لديها كحال المجتوى المتجنَّب
ومن لم تعلِّقه الحياة بقيدها فيا سوءَ ما اختارت له من تقرُّب
بني آدم لا تنكروها فإنها مياسمُ من أرواحكم لم تُغَيَّبِ
فما تكرهون القيد إلا لأنكم تنوءون منه بالثقيل المشعَّبِ
أعزكم من لا مزيد لوقره ولا فضل في أغلاله لمعقب
وقد زعموا أن القياد قيادة لمن كان يمشي في مجاهلِ غيهب
أكاروس
(قصة «ديدالوس» و«أكاروس» تروى على روايات كثيرة في الأساطير اليونانية القديمة، وقد اخترنا هذه الأسطورة لنظمها والتعليق عليها؛ لأنها تجمع العبرة والمتعة الخيالية، وهذه هي خلاصتها: ديدالوس بطل كانوا يضربون به المثل للقدرة الخارقة في الصناعة وحسن الحيلة في تذليل المصاعب والخروج من المآزق، وزعموا أنه غار من ابن أخته الذي كان يتعلم على يديه فقتله وأخفى جثته، ثم خاف العاقبة فهرب من أثينا ومضى يضرب في البلاد برًّا وبحرًا حتى نزل «كريت» على صاحبها «مينو» فلقي عنده كرامة وحسن وفادة، وأمل «مينو» أن يستفيد من علمه وقدرته في تحصين بلاده وتعليم رعيته فأبقاه وتكفل له بالحماية وطيب المقام.

وكان لمينو زوجة جامحة الهوى تحب ثورًا مشهورًا في الأساطير «منوطور» فولدت منه طفلًا لا إلى الثور ولا إلى الإنسان، وغلب عليها حب الأم فأرادت أن تستحييه وتحفظه في غفلة من زوجها المخدوع، فلجأت إلى ديدالوس تطلب إليه أن يبني لذلك الطفل سردابًا مجهول المنافذ تضعه فيه وتتعهده بالتربية والحراسة، فتردد الصانع أولًا وحسب حساب الرفض والقبول ثم قبل أن يصنع السرداب؛ مخافة من دسيسة الزوجة واطمئنانًا إلى خفاء الأمر بعد بناء السرداب، ولكن الملك علم به فثارت ثورته وأغلق مسالك الجزيرة ومنع أن يفلت ديدالوس منها هاربًا من عقابه، فلما اشتد الحجر على ديدالوس هدته الحيلة إلى صنع أجنحة له ولولده «أكاروس» يطيران بها عن الجزيرة، ونصح الحكيم الصناع ولده ألا يعلو في السماء فتذيب الشمس لحام جناحه ولا يهبط على الماء فيبللهما الرشاش الكثير، ولكن الولد نسي النصيحة وهو في نشوة الطيران والوثوب، فعلا مصعدًا إلى الشمس وكان ما خافه أبوه؛ إذ سقط هالكًا على صخرة في البحر يبكيه من حولها بنات الماء! فالأسطورة مجال لاستعراض عبر الشهرة والغيرة والشهوة والطماح.)

أكاروس هذا مسبح الطير فاركبِ وتلك المهاوي من حُضارةَ فاجنبِ
زوى الغاشم المخدوع عنا سفينه ونادى فنحَّى جنده كلَّ مركب
وظنَّ بنا عجزًا، فيا سوء رأيه متى حيل ما بين السماء وكوكب!
أدر مركب الريش الذي ما استقله أنيسٌ ولا جنٌّ ولا ذات مِخلبِ
وطر نلتمس عِبْرَ الشمال ونرتحل على سنة الطير التي لم تهذَّب
تراها إذا ضاقت بلاد بسربها على أهبةٍ في جوها المتقلب
ألا وادَّخر عزمًا يقودك شرخه إلى الأوج فاحفظه لشوطٍ مغيَّبِ
وسِرْ قُدُمًا إن المطار لواحدٌ ولكن سبيل الأوج ليس بمقرب
أكاروس إنا هاربان من الردى فلا تجعل العقبى إلى شر مهرب
توسَّط فلا تهبط ولا تعلُ مصعدًا ولا تكُ من يعلو إلى غير مطلب
فإنك إن تغتَرَّ بالشمس ينخذلْ جناحاك أو تبتلَّ بالماء ترسب
هنا لافح يوهي اللحام وها هنا لريشك وهيٌ من رشاش مرطِّبِ
أكاروس إني باذل لك من يدي ومن خبرتي ذخرَ الصَّنَاع المجرب
تذكر عظاتي واعلم اليوم أنه صنيع الحجى لا الكف أنفس مكسبي
ولا تَتَّخِذْ ريشي وتنسَ نصيحتي يخنك جناح الرأي يومًا فتعطب
جناحاك من ريش إذا لم يُعنهما عديلان من رأي كأغلال متعب
أقلُّ من الصخر امرؤٌ ضم جسمه أمانة روح لم يصنها لمأرب
ولي فيك أعمارٌ طوال وللدُّنى فأسند إلى عزم الصبا حزم أشيب
حياتك من بعدي معادي ولن ترى فتى صالحًا يجني الفناء على أب
وللأمس شوقٌ أن يرى الغد طالعًا فإن مات يومٌ قبل ماضيه فاعجب
بُنَيَّ استمع قولي فما بعد نَسْيِه سبيلٌ إلى تكراره لمعقِّب
إلى الجو هذا يا بُنَيَّ وَدَاعُنا وللأرض منا لهفة المتغرِّب
فإما لقاءٌ بعدُ فوق صعيدها وإما فراقٌ شاعبٌ كل مشعب
وصاةٌ لديدالوس وصَّى بها ابنه ونعم الموصِّي من حكيم مدرَّب
صناعٌ له كفٌّ كأن أكفنا من العجز إن قيست بها لم تُرَكَّبِ
عليمٌ بأسرار الفنون وإنها لتقبسُ من سرِّ الحياة المحجَّبِ
ومن يُؤْتَ تصريف الجماد يُصب به أكفًّا وأعضادًا إلى كل منكب
وناهيك ديدالوس من ذي حصافةٍ قدير على فعل الأعاجيب معجب!
يعيرك من يمناه صولة قشعمٍ وخلسة ثعبانٍ وحيلة ثعلب
ويبني فمبناه عمادٌ لأمةٍ وبيتٌ لأجيال وزينٌ لمنصب
ولكنه بئس الغيور على اسمه وقد يحمل الغيران أوزار مذنب
تغيَّظَ لما بَزَّهُ فرع صنوه ولم يرع حق الأختِ في ابن محبَّبِ
فأصماه لم يشفق عليه من الردى وواراه لم يندم ولم يتحوَّب
وما كان إلا أن نبا بكليهما فضاء أثينا من مقيم ومُعزب
فهذا مسجًّى في ثراها مترَّبٌ وهذا مزجى دونها كالمترَّب
تشرَّد واستعدى لإخفاء أمره ذكاءً يريك النجم في جنح غيهب
ووارته من عين الغريم فنونه وكانت منارًا بين شرق ومغرب
وما زال يَعْرَورى البلاد ويتقي تصعد أثناء الذرى بالتصوُّب
إلى أن تلقَّته «كريت» وربها على خير أهل في حماها ومرحب
وأمَّل «مينو» منه حصنًا لملكه فحصَّنه «مينو» بملك مؤشَّبِ
وما مَلِكٌ إلا له من صناعةٍ معاقلُ يبنيها ليوم عَصَبْصَبِ
•••

هنالك كان الأمن لو يأمن امرؤٌ يُخاف ويرجى للمخوف المؤرَّب
تحيَّر ديدالوس ما بين مُنكرٍ وشكرٍ وغبُّ اثنيهما غير طيب
أيحمل شكر الملك أم كيد عرسه وأنجاهما في طيِّه سمُّ عقرب
غوت عرس مينو واشتهت ساء ما اشتهت من الناس لا بل من بهيمٍ مذنب
تحنُّ إلى ثور وتهوى اقترابه وليس وليُّ العهد منه بمعجب!
فأولدها طفلًا له مثل ظلفه إلى شرِّ وجهٍ آدميٍّ ومنكب
ويا رُبَّ أنثى تعشق الثور كلما سباها فتى بالجسم لا الروح يستبي
فمَنْ غير ديدالوس يخفي شنارها ويرعى مهاد الطفل رَعْيَ المؤدِّب؟!
أهابت به أمًّا وأنثى حريصةً ومالكةً حيرى فلم يتهيب
بنى لسليل الثور حرزًا وليته تلمَّس حرزًا من غوائل مُغْضَبِ
غوائل «مينو» حين ثارت ظنونه وضاجعَ أشجان المعنَّى المعذَّب
وأقسم لا واقٍ من الموت عنده ولا وائلٌ من سخطه المتلهِّب
وأهولُ من هول الخضارمِ في الدُّجى ضراوة مهتوكٍ وغيظ مخيَّب
فلما تنادى الجند وارتجَّتِ القُرى وخيف الأذى من حاضرينَ وغُيَّبِ
وقالوا: أمَنْ ربُّ الجزيرة حربه يوقيه عرض البحر أو طول سبسب
أهاب الصَّناع العبقري بفنه فلباه فاستعلى به متن أشهب
تسربل من ريش وسربل نجلَهُ خوافق لوَّى بينها ألف لولب
فحلَّق مزهوًّا وفرَّ مظفَّرًا وأغرى لسان السخر بالمتعقَّب
•••

مضى ناجيًا من بأس «مينو» فهل نجا فتاه من البأس الذي فيه يختبي؟
بلى قد نجا لولا طماحٌ سما به إلى الشمس في ثوب من النار مُذهب
تعشَّقها مفتونةً فتقبلت هواه بوجهٍ صادق النور خلَّبِ
وأسكره الشوق الجديد فما ارعوى لنصح نصيح أو لزجر مؤنِّب
وما هي إلا وثبة بعد وثبة إلى الشمس حتى عزَّه كل موثب
تعشقها نارًا فإن جاءه الأذى من النار فليعتبْ فلا حين معتب
•••

علا بدمٍ حيٍّ وخرَّ مضمَّخًا به في جناحي أرجوان مخضَّب
طريحًا على صخر تُغشِّيه رغوةٌ من العيلم الغضبان في غير مَغْضب
وراحت بناتُ الماءِ يندبنَ حولَهُ ومن يرَ أنقاضَ الصبا الغضن يندب
وما من عزاءٍ للشباب علمته سوى مدمع من أعين الحسن صيِّب
إذا جال في حسبانه هان عنده دموعٌ ذراها الحزن من طرفِ أشيبِ
كعبة الأصنام
بعدَ الزلزال
كانت الكعبة والأصنام فيها زينةً تأخذ قلب الصَّبِّ تيها
حلفت في كل ركنٍ بالدُّمى والدمى مستعبداتٌ صائغيها
هي أصنام لمن يعبدها أو تماثيلٌ تناجي عاشقيها
عظمت حينًا فلما زُلزلت كاد من صلى إليها يزدريها
كان فيها صنم الحق نبيـ ـهًا تداعى فبدا مسْخًا كريها
نزع الزلزال عيني رأسه فاحتوته ظلماتٌ غاب فيها
وارتمت ساقاه في جانبه هل ترى داعيَه إلا سفيها؟!
•••

كانت النخوة فيها صنمًا صاغي السمع كما شئت نزيها
يخلب الطَّرفَ بحسن واضح وسماتٍ تزدهي من يجتليها
فارتمت أذناه في الأرض لَقًى ومضت كفٌّ بلا كف تليها
يطلبُ الغوثَ ولا غوثَ له هل ترى داعيَه إلا سفيها؟!
•••

والإخاء المحض كم أبصرتُهُ حيثُ لم أبصرْ له قط شبيها
قائمًا يفترُّ عن مبسمِهِ واسعَ الصدرِ يحييك وجيها
شقه الزلزالُ فانجابَ لنا عن حنايا صدره لا قلبَ فيها
خيرُ ما في وجهه ظاهرُه هل ترى داعيَه إلا سفيها؟
وتراءى الحبُّ فيها فتنةً ما اجتواها زائرٌ من زائريها
ضرب الزلزال في أصنامه فهوت أشلاؤها تنعى ذويها
ما الذي أبقاه من أشلائها سوأة يعرض عنه مشتهيها؟
وهوى تمثالُ مجدٍ لامع يخطفُ العين بنورٍ يعتليها
ملأ الدارَ علينا جوهرًا زائفًا ينطق بالزيف بديها
وقشورًا لا تساوي وزنَها من ترابٍ لن ترى من يشتريها
هي إن قامَتْ جمالٌ فإذا سقطت لم تكدِ العينُ تعيها
•••

هكذا أقوت زوايا كعبتي وثوت خاويةً من ساكنيها
غير أني طائفٌ من حولها لم أشأ أهجرها أو أبتنيها
لا طوافَ المتملِّي حسنها أو طواف المهتدي من عابديها
بل كمن نقب في جوف الثرى يجمع الآثار في شتى سنيها
من فراغٍ لا من الرغبة في تلكم الآثار أمسى يقتنيها
أو هي العادة كالطيف إذا هام بالأجداث يبكي نازليها
إبليس ينتحر
(الاستعباد هو الجو الذي تعيش فيه الشياطين؛ لأنه الخوف والإغراء، وإبليس يخاف أن يخرج منه إلى جو الحرية كما تخاف السمكة أن تخرج من الماء.)

هاتوا ليَ الخير والهدى جُرَعا أبخع نفسي حزنًا كَمَنْ بخعا
حريةُ القوم أفسدت خُدَعى لم تبقِ لي في الأنيس منخدعا!
إن مُنِعَتْ لذة حفزتُ لها فكيف حفزي من لم يكن منعا؟
لو حُجِبَتْ شهوة أُزَيِّنُها فكيف تزيين ظاهر سطعا؟
إن طغى ظالمٌ له خنعوا فكيف يطغى إن عَزَّ من خنعا
لو دام هذا البلاءُ واتَّسَعَتْ حريةُ القومِ ضاق ما اتَّسعا
واستغنتِ الأرضُ والسماءُ معًا عن الشياطين فانطَوَوا جزعا
ما حاجة الأرض للأبالسِ في عهدٍ نضا الخوف عنه والجشعا؟
وكيف تغذوهم بلا عمل وهي على السعي شأنها اجتمعا؟
وأين يأوونَها إذا قشعتْ عنها ظلام الدهور فانقشعا؟
أتى زمانٌ أموت فيه أنا إبليس يأسًا وفي يدي صُنعا
ودعتُ ملكَ الدنيا وودعني ملكٌ إذا همٌّ قلما رجعا
هاتوا لي الخير جرعة فإذا ضعفتُ عنه شربته جُرَعا
سأسبقُ الموتَ حينَ يتبعني فإنه لاحقٌ إذا تبعا
بيت يتكلم
(كل بيت من البيوت التي تعاقب عليها السكان لو ألقيت عليه طلسم الخيال وأمرته بالكلام فتكلم لانطلقت منه أسرار وأشباح يزدحم بها فضاء المكان، ولسمعت عجبًا لا تسمع الآذان أعجب منه، وليس الذي يتحدث به «البيت» في القصيدة التالية إلا قليلًا من كثيره.)

جميعُ الناسِ سكَّاني فهل تدرونَ عنواني؟
وما للناس من سرٍّ عدا آذان حيطاني
حديثي عجب فيه خفايا الإنس والجان
فكم قضَّيتُ أيامي بأفراحٍ وأحزان!
وكم آويتُ من بَرٍّ وكم آويتُ من جان!
فإن أرضاكمُ سِرِّي فهاكم بعض إعلاني
•••

بني الإنسان لن أحفـ ـلَ في دهري بإنسان
ألم أعرفكمُ طرًّا فلم أسعد بعرفاني
أتاني أولُ السَّكْنِ وما استوفيتُ بنياني
وما أرهفتُ آذانًا ولم آنسْ بقطان
وأصغيتُ على مهلٍ فطاشتْ كلُّ آذاني
هما زوجان أو شيطا نةٌ لاذت بشيطان
وقد عاشا وفيَّيْنِ بتقديرٍ وحسبان
وراحا هكذا يحكو نَ في روح وريحان
وما أبصرت من هذا ولا من تلك في آن
سوى خوانةٍ خر قاءَ تفري عرضَ خوان
إذا ما ضحكا يومًا على غش وبهتان
حسدت البيد والأطلا ل في غيظي وكتماني
وأشفقت من النقـ ـمةِ أن تهتز أركاني
•••

وجاء الساكن الثاني وبئس الساكن الثاني
يراه الناس ذا مالٍ وأفراسٍ وغيطان
وقد شوهني بخلًا وأعراني وأعياني
وقد صيرني سجنًا ومنه كان سجاني
فلما طال بي عهدًا ولم أسعد بهجران
وددتُ لَوَ انَّ لي في كل جحر ألف ثعبان
بديلًا منه أرضاه وأحبوه بغفراني
وأنفث سمها أو يتـ ـقي شري ويخشاني
إلى أن آده أجري ولم يظفر بنقصان
فأخلاني ولن أنسـ ـى سروري يوم أخلاني
•••

وكان الساكن الثا لث ذا عزٍّ وسلطان
فما ارتبت بأن العـ ـزَّ والذلة سيان
وما ألفيته إلا لئيمًا جدَّ غفلان
ضعيفًا يستر الضعـ ـفَ بطغيانٍ وعدوان
وكم أذعنَ للطاغي عليه شرَّ إذعان
إذا ما لقي النا س بكبر منه طنان
فما أصغرَ ما ألقـ ـاه منه بين جدراني
•••

وأما رابع القوم فذو علم وتبيان
حشا بالورق اليا بسِ والأخضرِ حيشاني
فما لي موضعٌ في الأر ضِ أو من فوق عمدان
وما لي مطبخ أو مخد ع أو بهو ضيفان
ولا زاوية إلا وفيها الكتب تلقاني
أبى للنفس دعواها ولم يسمع لجثمان
فلا سهرة أحبابٍ ولا جلسة ندمان
فما أجهله بالحق ذاك العالم العاني!
أبين الناس يحتا جُ إلى علمٍ وبرهان؟
وهم عميان ظلماء سَرَوا في إثر عميان؟
كثيرٌ لك يا إنسا نُ في دنياك عينان!
•••

وأما الخامس الجاني فناهيك بشهوان
فما زودني إلا بأثداء وأعكان
وهُتَّافٍ بألحان وسُمَّارٍ على الحان
إذا أمسيتُ مسَّاني بأشكالٍ وألوان
على الأبواب ما يرضيـ ـك من حسن وإحسان
ومن صونٍ لأسماع ومن غَضٍّ لأجفان
فلا تنظرهم ثمـ ـة وانظُر بين أحضاني
فيا للهِ كم في الأر ض من غيٍّ وغيان
وكم في القوم من مخدو ع آباء وإخوان
وأزواج وأصهارٍ وخلان وأخدان
لَوَ انِّي قلت ما أدري لهدُّوا كل أركاني
فنعم الصمتُ والحكمـ ـة يا صخري وصواني!
•••

وكم صاحبت من أصـ ـحاب آداب وأديان
تجافوا وصمةَ العاصي وعافوا شهوة الزاني
وباتُوا بينَ قرباتٍ وترتيل لقرآن
ولم يأسوا من الدنـ ـيا على غبنٍ وحرمان
إذا ما شرفتني زمـ ـرَةٌ منهم بصحبان
حسبت الأرض تجفوني فأنساها وتنساني
وقالوا الجان لا تقر ب من مجلس فرقان
فقد ألفيتُ بعضَ الإنـ ـسِ في العنصر كالجان
•••

ولكن شر ما آويـ ـت في لؤمٍ وعصيان
رياء الخائن العادي على أهلٍ وأوطان
تلقاهم بتمويهٍ ولاقوْهُ بإيمان
وفي حجرة أسراري وفي ظلمة أوكاني
يبيع الحوزة الكبرى بربع أو ببستان
ويعطي الحق والذمـ ـة والفتيا بأثمان
ويفني أمة تحييـ ـه وهو الزائل الفاني
ويمشي بين قتلاه رفيع الذكر والشان
•••

ولم أحمد من الضيـ ـفان ضيفًا مثل فنان
تولاني بإبداع من الفن وإتقان
وغطَّى كل جدراني بمنضور ومزدان
وأوحى الحسن واستو حاه من جنات رضوان
فحينًا حسن مكسوٍّ وحينًا حسن عريان
بريئًا في سماء الفـ ـنِّ من عبث وأدران
وفتانًا على الحا لين لكن أي فتان!
كما تفتنك الزهـ ـرةُ في أعطاف أغصان
•••

جموعٌ لست أحصيها ولو دونت ديواني
ومثلي كل جاراتي ومثلي كل جيراني
عرفت الناس أشتاتًا بلا عد وحسبان
فلم أعرف أأعداء همُ أم جمع أقران؟
إذا ما اختلفوا في سيـ ـمَةٍ تبدو وشغلان
فهم في الموت أشباه وفي سقمٍ وأشجان
وما منهم فتًى إلا بكى حينًا وأبكاني
مساكينٌ فلا تحفل من الناس بإنسان
ولا تحسد فتًى منهم على بأسٍ وإمكان
فأعلاهم وأدناهم أمام الغيب صنوان
•••

نزيل المنزل الخالي ألا تعرف عنواني؟
إذا ما طفت حوليه فثق أنك تلقاني
فما من منزلٍ إلا وفيه بعضُ ألواني
تأمل في نواحيه وراقبه بإمعان
ولا يخدعك صمتٌ فيـ ـه أو تفتيح بيبان
ولا تحسبه خلوًا من مغاليق وأكنان
إذا ما كنت مستحضر أرواح وحدثان
فقف في المنزل الخالي وأرهف سمع يقظان
وأغمض فيه أجفا نك وانظر غير وسنان
ترَ الأطياف أفواجًا وتسمع موج طوفان
وتجمع كل ما يُجْمَعُ من ربح وخسران
ولا يخطئك تاريخٌ ولا دارس أزمان
بعد صلاة الجمعة
على الوجوه سيمة القلوبِ فانظر إلى المسجد من قريب
وقف لديه وقفة اللبيب في ظهر يوم الجمعة المحبوب
إنك في حشدٍ هنا عجيب
•••

هذا الذي يمشي ألا تراه كأنما قد حملت يداه
سفتجة صاحبها الإله ذاك هو الدَّين وقد وفاه
فليس للدائن بالمطلوب
•••

وذلك المبتسم الرصين كأنه بسره ضنين
أصغى إليه سامع أمين فهو إذا صلى كمن يكون
في خلوة النجوى مع الحبيب
•••

وانظر إلى صاحبنا المختال في حلة ضافية الأذيال
أكان في حضرة ذي الجلال أم كان في عرضٍ او احتفال؟
يُزهى على المحروم والمسلوب
•••

وكم مصلٍّ خافت الدعاء كأنما نصَّ إلى السماء
رسالة في عالم الخفاء فلا يني يبدو لعين الرائي
كالمترجِّي أوبةَ المكتوبِ
•••

ورب شيخٍ من ذوي الخلَاقِ فرحان بالجمع وبالتلاقي
كأنه التلميذ في انطلاق بين تلاميذ له رفاق
عادوا إليه عودةَ الغريب
•••

تجمَّعوا في بيته تعالى وافترقوا في جمعهم أحوالا
وهل نسوا في أرضه النضالا فيحتويهم بيته أمثالا
على اختلاف السَّمْتِ والنصيب؟
•••

لعلهم صلوا له ارتجالا فاختلفوا ما بينهم سؤالا
فلو أجاب السائلين حالا صب على رءوسهم وبالا
وألحق المخطئَ بالمصيبِ
الدينار
في طريقه المرسوم
لما بدا الدينار من باب الخزانة في السماءْ
نادى الموكَّل ثم بالأر زاق: أين ترى الثواء؟
قال انطلق في الخافقيـ ـنِ إلى فتى جمِّ الشقاء
قد بات ممنوع الغذا ءِ وراح مقطوع الكساءْ
فاذهبْ إليه ومَنِّهِ بعض السعادة والرجاء
•••

فأجابه الدينار وهـ ـو يكاد يجهش بالبكاء
أنا لست أعرفه فدعـ ـني أستطيب هنا البقاء
سيطول بحثي عنه في وادي الخمول ولا لقاء
•••

قال الموكَّل ثم بالأر زاق حسبك من رياء
لن يألف المال الفقـ ـير ولن يحيد عن الثراء
ما شئت يا دينار فامـ ـضِ كما تشاءُ لمن تشاءْ
•••

فاستقبل الدينار وجهـ ـته وهمَّ بلا وناء
ومضى إلى حيث المعا لم واضحات والضياء
حيث الدنانير السوا بق قد رسمنَ له الفضاء
ليس الطريقُ على اقتحا مٍ كالطريق على اهتداءْ
نداء طفل
أرسلت إلى عروسين:

سرى إلى الآذان في غفوة الوسنان
نداء طفل جريء مستعجل لهفان
عجبت منه صغيرًا يقولُ طلق اللسان
أبي كريمٌ وأمي كريمة في الحسان
كلاهما في رواءٍ من الصبا وازديان
كلاهما ذو فؤادٍ مجمَّلٍ بالحنان
كلاهما يتمنَّى بين الصغار مكاني
فلي أحق رجاء في عالم الإنسان
وفي ولادة يمنٍ تزف بالمهرجان
وفي احتفال ختانٍ وفي احتفال قران
وفي احتفال نجاحٍ يجوزُ كلَّ امتحان
هيا ادعواني سريعًا إليكما واهدياني
وقربا لي ضياء الشـ ـموس والأكوان
•••

قالوا انتظر قال لا لا هيهات لست بوان
قالوا تعقل قليلًا يا أعقلَ الفتيان
فَكُلُّ شيءٍ لدينا موكلٌ بأوان
أتحسب العيش رهنًا بما قضى الأبوان؟
فصاحَ صيحةَ سخطٍ وقال في عنفوان
ما لي أنا أنا ما لي؟ هيا ادعواني ادعواني
أتأبيان لقائي ما أنتما منصفانِ!
•••

لا تعذلوه إذا ما أطال في الهذيان
فالطفل غير صبورٍ على الحجى والبيان
والطفل هيهات يدري يومًا بحكم الزمان
فاستمهلاه برفقٍ وحيلةٍ وافتنان
ولا تطيلا عليه في الغيب عد الثواني
فكلنا نترجَّى قدومه في أمان
جواب جميل
قال جميل بن معمر صاحب بثينة:

ألا أيها النُّوَّامُ ويحكمُ هبُّوا أسائلكم هل يقتلُ الرجلَ الحُبُّ؟
وأجيب بلسان أحد النوام:

بربك دعنا راقدين فلو درى بنا الحب لم يرقدْ لنا أبدًا جنبُ
وسل راقدي الأجداث عنهم فإنهم مجيبوك عن علمٍ بمن قتلَ الحبُّ!
وقد سأل جميل بلسان الحال:

ألا أيها الأموات ويحكم هبوا أسائلكم هل يقتل الرجلَ الحبُّ؟
وقد أجيب بذلك اللسان:

أَفِقْ مزعجَ الموتى فلو كنت قادرًا على أن تهبَّ اليومَ من صرعة هبوا
ولستَ إلى أن يُسمع الصورُ سامعًا هنا سر مقتولٍ يبوحُ به صبُّ!
جنة الخيام
رغيف خبزٍ ووجهٌ حلوٌ وكأسُ مدام
وتلك جنة عدنٍ في مذاهب الخَيَّام
•••

قالوا ونودي يومًا ما تشتهي في يديكا؟
دع مطلبًا منه فردًا والباقيان لديكا
•••

فحار بين رغيفٍ إن فاته مات جوعا
وبين وجهٍ منيرٍ إن غاب غابت جميعا
•••

وبين كأس مدام على الشقاء تعين
لولا خداع مناها أفاق وهو غبين
•••

طال التردد فيها فمال عنها كظيما
سألت جنة خلدٍ وما سألت جحيما
•••

قالوا فناداه صوتٌ يقول في غير رفق
كصوت إبليس لولا ما فيه من فرط صدق
•••

«أتلك جنة خلدٍ تهذي بها يا حكيم
بمطلب إن عداها ترتدُّ وهي جحيمُ؟»
مادي يعلل الربيع
رفيق أول :
إن الربيع جميلُ
رفيق ثان :
صه! ذاك قولٌ دخيلُ
ألست تعلمُ أن الر بيعَ شيء ثقيل
وأنه من صنيع للغش فيه أصول
رفيق أول :
من غشه يا صديقي؟
رفيق ثان :
حقًّا لأنت جهولُ
قد غشه الأغنياء الـ ـمستأثرون القليل
أليس فيه متاع لهم وظل ظليل؟
رفيق أول :
لكن بعيشك قل لي وذاك مني فضول
بأي برهانِ صدقٍ وأي شرح يطول
قد أقنعوا الأرض حتى باتت إليهم تميل؟
رفيق ثان :
حقًّا لأنت عجيبٌ فيما أراك تقول!
برشوة دفنتها في جوفها يا زميل
ألا ترى التبرَ فيها منها إليها يئول؟
فافهم إذن يا صديقي فقد أتاك الدليل
وأيدته شهودٌ وأكدته عقول
الأرض والشمس والنا س والدعاة العدول
لهم ضمائرُ سوءٍ مرضَى وطبعٌ وبيلُ
بذاك «ماركس» أفتى ونقضه مستحيل!
عيد ميلاد في الجحيم
(دخل شقي الجحيم فحسبوه مولودًا جديدًا في ذلك العالم القديم، ومضى عليه العام فاحتفل بعيد ميلاده وقال لأترابه وأنداده):

صُفُّوا الموائدَ واملئوا الأكوابا وادعوا الصحاب وبشِّروا الأحبابا
قولوا مضى عامٌ ليوم هبوطه هذا الجحيم فقرَّ فيه وطابا
وبلا المقام فراح يحمد شَرَّ ما فيه وآدب باسمه إيدابا
هذا الجحيمُ أحبُّ لي من عالمٍ ما كان لي إلا رجاءً خابا
الشرُّ ثمةَ كان شرًّا كاسمه والخير كان كما علمت سرابا
يشقى بنوه ليعمروه ويجشموا فيه الشقاء ليرجعوه خرابا
لا يعرفونَ الحق إن سمعوا به إلا ليلقَوا في الحقوق عذابا
أَهْوِنْ بصابٍ في الجحيم أذوقه قد كان ثمة كلُّ شيء صابا
صابًا إذا ارتوت الشفاه شربته بالناظرين وساء ذاك شرابا
وَلَرُبَّ وجهٍ يومذاك شهدته فكأنَّ سمًّا في العيون انسابا
وجه اللئيم إذا استهلَّ ومثله وجه الكريم إذا اضمحلَّ وذابا
ورضا الظلوم وحيرة المظلوم في بلواه يطرق كلَّ يومٍ بابا
•••

يا صحبُ حيوا النار في ويلاتها واحثوا على ذاك التراب ترابا
ما كان في حُسن هناك فجهده أن يخدَعَ الأبصارَ والألبابا
أو كان من فضل هناك فحسبه أن يملأ الدنيا عليك صعابا
يا صحبُ هاتوا من علاقمها لنا وادعوا الأحبة واشربوا الأنخابا
مَنْ عاشَ عامًا في الجحيمِ فلا اشتهى أبدًا إلى ذاك الجوارِ مآبا

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:55 pm

ترجمة شيطان
ترجمة شيطان

(نظمت هذه القصيدة في أعقاب الحرب العالمية الأولى وهي تدور على سيرة شيطان كفر بالشر بعد أن فتن الخلق بصورة الحق، وإن شيطانًا يكفر بالشر لأشقى من ملك يكفر بالخير؛ لأن الملك بعد الكفران بالخير قد يجرب الشر فيرى للحياة معنى في هذه التجربة، ولكن الشيطان الذي يزيف الحق بيديه، ثم يكفر بالشر يخبط في حياة ليس لها معنى على الحالين، ويمضي غير حافل بالخلق محقين أو مبطلين، وغير مكترث لهم ولا لنفسه في هداية ولا ضلالة.)

صاغه الرحمن ذو الفضل العميم غسقَ الظلماء في قاعِ سقَرْ
ورمى الأرضَ به رمي الرجيم عبرةً فاسمع أعاجيب العِبَرْ
•••

خِلْقَةٌ شاء لها الله الكنودْ وأبى منها وفاء الشاكرِ
قدر السوء لها قبل الوجود وتعالى من عليمٍ قادرِ
•••

قال كوني محنةً للأبرياءْ فأطاعت يا لها من فاجِرَة!
ولو اسطاعت خلافًا للقضاء لاستحقَّت منه لعن الآخرة
•••

سُنةٌ لله فاقفوا إثرَها عصبة السواس وامضوا راشدين
عَلَّمَ الأقيال قدمًا سرها فأقاموا دينه في العالمين
•••

سنة الله وما أوسعها رحمةً منه بجباري الأمم
ويحهم لو لم يكن أبدعها كيف يدرون بأسرار النقم؟
•••

فله الحمد على ما فقهوا من دهاء الملك والكيد الحَذِرْ
فإذا راموا نكالًا شبهوا من أرادوه بشيطانٍ قَذِرْ
•••

قال كوني محنةً للأبرياءْ واخسئي أيتها النفس العقيمْ
أيها الشيطان أضللْ من تشاءْ سوف تأويك وتأويه الجحيمْ
•••

فهوى الشيطان صفر الراحتينْ خاوي الزاد ويا بئس السفَرْ
أين يمضي أين أفق الأرض أينْ فرحاب الكون ملأى بالأكرْ؟
•••

بيدَ أن الشَّرَّ ما زال أريبا وسبيل الغيِّ ممهود الجناب
لن تراه حيث تلقاه غريبا أبد الدهر ولا نزر الصِّحابْ
•••

هبط الشيطان في وادي القرود أوْ هُمُ الزنجُ كما قد خُلقوا
أمة من صَنعة الخلاق سود أخطئوا الصبغةَ أو قد حرقوا
•••

أرضهم أنجبُ من أبنائها وحصاد الزرع فيها دائم
لا ينام الظل في أرجائها وهُمُ ظِلٌّ عليها قائم
•••

واستوى بين رباها والحوافي فإذا السمت بها سمت السباع
سيدُ القوم كسِيد القفر حافي وهما بعد سواء في المتاع
•••

وإذا الكعبة في الأرض الشَّرى ورسول العلم ضاريها الشرود
بين قنصٍ أو هراشٍ أو كرى يذهب التاريخ فيها ويعود
•••

ولقد همَّ وما أعجله يسأل الإنس بها لو يفقهون
أو ينادي الوحش لو أصغى له ألكم في القوم صهرٌ وبنون؟
•••

سخرَ الشيطانُ من قسمتِهِ ومن الأرض وما فوق السماءْ
ومضى يهجسُ في محنَتِهِ ألهذا تُسْتَذَلُّ الكبرياءْ؟
•••

إن يكن أغوائيَ الزنج لزاما فمن العُجم الضواري عجبي
ما له يأنف أن يغويَ حاما ذلك الغاوي ذوات الذنب؟
•••

ومشى ينغم في غير طرب نغم الغبطة باليوم العبوس
نغمًا يرصد من خلف الحقب يوم تندكُّ على الأرض الشموس
•••

لا نطيلُ القولَ فالخطب يسير وحياة الإنس والجن هدر
خرج الشيطان في الأرض يسير ومن الله إلى الله الصدَرْ
•••

لمحةٌ جازت به مشرقها ثم ردته حيال المغرب
ويشاء اللهُ أن يوبقها فاشتهاها شهوة المغتصب
•••

وارتضى منها مقامًا رغدا حول بحر الروم أو بحر العجم
يتلهَّى في مغانيها سُدَى أو لأمر خفيت فيه الحكم
•••

ورمى أول فخ فأصابا ودعاه الحق واستلقى فنام
وأناب الحق عنه فاستجابا فإذا الحق لجاج واختصام
•••

وإذا الحق طلاء الخبثا رسن الواهن سيف المعتدي
ضلة الجهال لغز الحكما ذلة العبد عرام السيد
•••

وإذا الحق طعامٌ ووكون وإذا الحق بريق الذهب
لو يموت الناس أو لو يشبعون ذهب الحق ذهاب السغب
•••

يا لها من لفظةٍ زوَّقها آضَ فرضًا بعدها الفعل الذميم
ويحه في نأمةٍ أطلقها غلب النحس ولم يُغْنِ النعيم!
•••

نام لما صنع الحق وأغضى ولو اختار لأغضى أبدا
غير أن الشرَّ لا يألفُ غمضا ربحت صفقته أو قد فقدا
•••

فأطارت سنةً في هدبه بهجة الزرع الذي كان بذر
كاد أن يشكر نعمى ربه لو يسيغ الشكر شيطان كفر!
•••

وتمادى بعدُ في شرَّتِه كلما أنبت زرعًا ينعا
فرأى الشوكةَ في دولَتِهِ وجنى الوفرةَ مما زرعا
•••

ألف جيل بعد ألف غيرت صاحب الآباء فيها والبنين
ورأى منها فنونًا ورأت منه في صحبته أيَّ فنون
•••

أتلَفَته مثلما أتلَفَها عجبًا لا بل علام العجب؟
أترى الشيطان يدري ضعفها وهو من ذاك بريء أجنب؟
•••

فاشتهى الخمر ورنات المثاني وأحب الغيد عذريَّ الهوى!
لعبًا ينهل آنًا بعد آن نُهَلًا منهن ينعشن القوى
•••

لا نطيل القول فالقول هذر وحياة الإنس والجن هباء
إن يدم للناس سلطان القدر فعليهم بل على الكون العفاء!
•••

أنف الشيطان من فتنته أممًا يأنف من إهلاكها
ورأى الفاجر من زمرته كعفيف الذيل من نُسَّاكها
•••

ما له يفسد خلقًا عدموا آية الرشد وهبهم رشدوا؟
وعلام السلب مما غنموا وهُمُ لو غنموا لم يُحسدوا؟
•••

كلهم طالبُ قوت والثرى ذلَّ قوم أو تعالوا مخصب
وقصارى الأمر في هذا الورى راسبٌ يطفو وطاف يرسب
مذ رأى الشيطان عقبى شرِّهِ كفر المسكين بالشرِّ العقيم
وأراها بدعة من كفره دونما الكفران بالخير العميم
•••

يا إلهَ الكونِ يا خيرَ إله أين من قدرك أصنام القدم
من كَرَبِّ الكون لا بل مَنْ سواه عادلٌ في الخلق بَرٌّ بالأمم؟
•••

أنت يا رب لطيفٌ في القضاء فاصعق اللهم من يجحد لطفك
قسمًا باسمك يا رب السماء ما رأى في الناس من يدرك وصفك
•••

يكفر الشيطان بالشر العقام فتعد الكفر منه ندما
وتنجِّيه إلى دار السلام وقديمًا قلت لا يغشى الحمى
•••

فضلك اللهم من غير حساب وكذا اللهم آلاء العليم
فاعجبوا من نعمة الله العجاب وانظروا كيف تلقاها الرجيم
•••

نزل الشيطان من جنَّتِهِ منزلًا يرضى به الفن الجميل
ومشى فاختار في مشيته هضبةً عند مصب السلسبيل
•••

هضبة فيها نخيلٌ وثمر وبراكينٌ خبا منها الضرام!
وحلاها دون أنماط الصور قالب الحسن كما شاء التَّمام
•••

قالب الصنع الذي ينقل عنه كل ذي فن أعاجيب الفنون
شركٌ لا تفلت الألباب منه حفظته روضةٌ تسبي العيون
•••

كملت زينتها من كل فن وكساها الزهو ولدان وحور
وعلى أحواضها الطير تغني يا كريمٌ يا حليمٌ يا غفور
•••

وحواليها على رحب المدى زُمَر الأملاكِ من خلف زمَرْ
كلما راح عليها أو غدا شيَّعته بنشيدٍ مُبْتَكَرْ
•••

ونُفيضُ الوصف لولا أننا نَصِفُ الدار لكم يا داخليها
فاصبروا فالصبر مفتاح المنى واسمعوا كيف غوى الشيطان فيها
•••

أزفت ساعته ذات شتاء أو على قول مضت حين مضى
وإذا حدثت في أمر السماء فاترك التاريخ سطرًا أبيضا
•••

وقُبَيْلَ الصبح أو نحوَ الأصيل عند باب القدس أو باب الحرم!
ركب الشيطان فوق السلسبيل مركبًا يزجيه سلسال النَّغم
•••

وفشت حوليه أرواح السلام كلُّ زهر باعثٌ منه شذاه
ساريات مثلما تسري المدام أو كما رفَّت على الخدِّ الشفاه
•••

وهو ما بين وصيف وملك في رواق من رضًا لو كان يرضى
سبَّحوا الله وقالوا الملك لك وهو يزداد على التسبيح قبضا
•••

نظرت صحبته الوجه العبوس فرأوا في الخلد شيئًا عجبا
ما رأوا من قبلُ ما لونُ النحوس لا ولا يدرون إلا الطربا
•••

والتقت أعينهم فابتسموا كابتسام الطفل في مهد الرخاء
وتمادى الأمر حتى سئموا فتمشت في الخليط الثؤباء
•••

قال أدناهم إلى مجلسه وهو لا يعلم أن قد أغلظا
ما لمولاي أرى في نفسه بعضَ ما خُبِّرْتُ عن وادي اللظى؟
•••

أترى الويل إذن والشجنا فترة تُطبقُ أهدابَ الرقود؟
أكذا الوادي الذي قيل لنا في صبانا إنه مرعى الجحود؟
•••

فانثنى العابسُ وقَّاد الجبين صارخًا صرخة مقضيِّ الهلاك
أيُّ وادٍ؟ قال وادي الكافرين قال دع هذا فما أنت وذاك؟
•••

قل لنا كيف ترانا ها هنا؟ قال: ماذا إننا للفائزون؟
قال: لكني أرانا كلنا وأراكم قبلُ أشقى ما يكون
•••

أيها القارئُ وقِّيتَ العثار وبلغت الخلد موفور القدم
هل شهدت الجيش في هول الفرار أو رأيت الطير راعتها الدِّيَمْ؟
•••

إن تكن لم ترها فارصد لها تدر ما فزعة أملاك السماء
فزعةٌ لله ما أجملَها صانها الرحمن عن سفك الدماء
•••

ساءهم في الخلد ألَّا يُحسدوا ومن الحسَّاد من تطلبه
راعهم في الخلد أن لا يسعدوا منكر السعد كمن يسلبه
•••

ولقد علَّمهم شيطانُهُ علمَ ما لم يعلموا من غضب
ما لهم قد فاتهم شكرانُهُ أوَليسَ الغيظ بالمكتسب؟
•••

لو تراخى خطبُهم لاحتملوا عُدد الرجم لذاك المعترك
لطف الله فلو قد عجلوا لخلا من نجمه هذا الفلك
•••

مننٌ لله لا يحصرُها صيرفيٌّ رُوِّضت أعداده
خفراتٌ لم يزل يظهرها كلما هام بها عباده
•••

هو أوحى الوحي في جنته فسرى في الملأ الأعلى الصدى
حين نادى قرَّ في وقفتِهِ كلُّ غضبان ولبَّى واهتدى
•••

فإذا الجنة أمنٌ وسكون كسكون الليل في ضوء القمر
خشعت حتى الشوادي في الغضون وصغت حتى وريقات الشجر
•••

ساعةٌ ثم انجلى موقفُها عن جلال الله فردًا في علاه
غابت الأملاك لا تعرفها وبدا الشيطان معروفًا تراه
•••

وبدا الشيطان معروفًا ترى كبرياء الكفر في وقفته
عاليَ الجبهة يأبى القهقرى وتَوجُّ النارُ من نظرته
•••

وتَنحَّى كلُّ مشهودٍ فما ثَمَّ إلا الله والطاغي المريد
ويكاد الكون ما بينهما يغلب الشكُّ عليه فيبيد
•••

ساعة أخرى وقد حُمَّ القضاء وانقضى العفوُ وحق الغضب
ساعة للنحس حلت والبلاء ومتى حلَّت فأين المهرب؟
•••

حاقتِ اللعنةُ حاقت كلها وقضاها المنعمُ المنتقمُ
وجناها وهو لا يجهلها ذلك الجاني الذي لا يندمُ
•••

هاتفٌ في الخلد لما هتفا نفذ السهم فمن ذا الهاتف؟
أهو الرحمن لا وا أسفا بل هو الروح العصيُّ العاصف
•••

هو روحٌ يحسد الله وما أعجب الحاسد لله الصَّمَدْ
كلما أبصره محتكمًا أصغر الكون وأزرى بالأبَدْ
•••

هو ناعٍ سمجت في عينِهِ نعمُ الله فأمسى يجتويها
حبة يزرعها في كونه تلكمُ النعمى فأين الجودُ فيها؟
•••

هو طاغ يأنف الصغوَ إلى سائلٍ يسأله عما جَنَى
يحسب الصغوَ عقابًا قد غلا كيف لو أعذر أو لو أذعنا؟
•••

فرمى بالهجر لا يحفله حيث لا يبدأ خلق بالكلام
ويجدُّ القولَ أو يهزله ولعينيه وميضٌ وابتسام
•••

قال سبحانك يا مولى الموالي وتعاليتَ ولسنا نعتلي!
لا سلامَ اليوم يقريه مقالي أيها المولى فهل تغفر لي؟
•••

أيها المولى ونوليك العزاء ويُعَزَّى سيدٌ يفقد عبدا
فاقد العبدان أولى بالرثاء من فتًى يألمُ للأرباب فقدا
•••

أيها المولى ولا تغضب على عبدك العاصي إذا لم تُرْضِهِ
عبد سوء رفض الخلد فلا تَبْلُ بالجود قصارى رفضه!
•••

لا تعالجني بلوم إنني قائم عنك بلومي وانتقادي
أنا من ينصف من يقرفني ونَجِيُّ الذم مني لا يُصادي
•••

لائمي أنت على كفر النعم وكذا يبدأ باللوم الكريم
ليتني ذاك الكفور المتهم إنما الكفر أخو الخير القديم
•••

آخذي أنت بقومٍ شكروا بعض ما قيضت لي من نعم
كذب لا يشكو قوم ذكروا لك بالحمد حلول النقم
•••

تهب العشبَ لآسادِ الشرى وتعدُّ الجوع منهن كنودا
فازت الشاء فلا غرو ترى أنها تبلغ بالأكل الخلودا
•••

كم عهدنا عاهلًا في ملكه يحكم الناس بما لا يفقهون
يوبقُ السائلَ عن مسلكه ويبيح الأمن من لا يسألون
•••

هكذا ملكك يا رب القضاء دولةٌ تحمي على الطرف النَّظَرْ
حظ مَنْ يدنو من الستر الشقاء وسعيدٌ من لها عما استتر
•••

فاغن بالراضين عن أقدارها إنهم نعم عتاد المالكين
واجعل الفردوس من أقطارها حيث يرضون وما هم ساخطين
•••

وإذا ما رئمَ الضبُّ الكدى فقل الكدية فردوس السماء
أوَليسَ الخلدُ يا ربَّ الهدى منزلًا لا يتخطاه الرَّجاءْ؟
•••

لا تعاجلني فقد لا يتقي سيد الكون لسانًا يكذب
إن يكن وزر ضلالي مزهقي آخر الأمر فحتفي مكثب
•••

لا لعمري بل هو الصدق وما أجمل الصدق بشيطانٍ غوى
إنما الصدق نباتٌ ما نما قط بالخير وقد ينمو الهوى
إنما الصدق وبالٌ يُفترى وأحقُّ الحقِّ ما يوحي الرجيمْ
أبطل الباطل لا يؤذي الورَى وأحق الحق يودي بالصميم
•••

أمجيبي أنت أم عند الصدى أبد الدهر سؤالي والجواب
أهي الراحة في الخلد سدى ثمر الكون جميعًا واللباب؟
•••

كيف يرضى خالدٌ يفصله أمدٌ بينكما لا يُعبر؟
أيعاف الشأو أم يجهله أم يرجيه فلا يقتدر؟
•••

عفوك اللهم لا خلد هنا ومتى كان خلودٌ في قيود؟
سيظلُّ الخلدُ وسواسَ المنى وصدى الليل وأحلام الرقود
•••

وسيبقى الكون في جوهره أبدًا شيئين مهما اقتربا
خالقٌ قام على عنصره ومخاليق رأوه احتجبا
•••

صانعٌ يحيي البرايا منعمًا وبرايا صُنْعُها منٌّ وَجُودْ
وكلا هذين موجودٌ فما أبعد البون لعمري في الوجود!
أيها الفانون في هذي الدنى خلدكم يا قوم آجال توالى
تحسبون الخلد في نيل المنى قد خُدِعْتُمْ فاشكروا الله تعالى
•••

قد خُدِعْتُمْ فاسألوا الدود أما يبلغ المأمولَ من شهوتِهِ
واغبطوه فهو أرقى سلَّما أوَما يوغل في حمأتِهِ؟
•••

اسألوا يا قوم أن لا تسألوا وتمنوا للأمانيِّ الكمالا
وإذا أعجزكم أن تفعلوا فاشكروا من يحرم الخلق السؤالا
•••

عفوك اللهم أو لا عفو لي طال بي حلمك فابعث وجلكْ
أنت لا تخطر لي في أملي لا تكن توبة نفسي أملكْ
•••

وادع في خلقك يسجد من رجا خلدك الأعلى فما نحن سجود
لنكوننَّ إذا صح الحجا حجرًا صلدًا ولا هذا الوجود
•••

لا نطيل القول أما المنتهى فقريبٌ وجرى ما قد جرى
السَّنى أظلم والنجمُ سها ولهيبُ النارِ أمسى حجرا
•••

لا انتقامًا حبطت فتنتُهُ حاشَ لله ولا الحلم نَفَدْ
إن تَكُنْ قد خمدت جذوتُهُ فمن الرحمة بالخلقِ خَمَدْ
•••

حين جارت فتنة الغاوي على عصمة الأملاك في غرَّتها
عجَّل الله به ما أجَّلا وحمى الدولة في بيضتها
قال كن عبدي فلما أن أبى قال كن صخرًا كما شئت فكان
لهبٌ طار فلولا أن خبا لتغشَّى الكونَ نارٌ ودخان
•••

ولقد قال أناسٌ شهدوا مصرع الشيطان هل طبعٌ يزولْ؟
ناره تخبو فلا تتقد وهو في الصخرة يستهوي العقول
•••

فإذا أبصرت من صخرته دُميةً ساحرة أو صنما
فابتعد منه ومن رقيته واتق الله وحوقل ندما
•••

وتعجَّبْ من شواظٍ رَدَّهُ طارق اليأس صفاةً جلمدا
وتدبَّر كيف أبقى كيده ومحا روحًا وأفنى جسدا
•••

ولقد أسمع فيما زعموا نبأً من نحو إبليس أتى
قال لا تأسوا ولا تنتقموا معشر الجن فما برَّ الفتى
•••

ما أرى هذا الفتى من دمِنا ومتى استغوى الشياطين الشَّرَكْ؟
أترى شيطانةً من قومنا أغوتِ الأملاكَ فهو ابنُ مَلَكْ!
ذاك أو كيف أطاشت فمه غيرة منه على القول الصراح
أكبا الثرثار أم أسقمه أرجُ الجنة أم ملَّ الكفاح؟
•••

فتلاحى القومُ ثم استضحكوا ودعا مازحهم شرَّ دعاء
قال فلتسلكه فيمن سلكوا أيها المولى سبيل الشهداء!
•••

وتقضت بينهم سيرته ومضى كالطيف أو رجع الصدى
باء بالسخط فلا شيعته رضيت عنه ولا أرض الْعِدَى
•••

وكذا العهد بمشبوب القلى عارم الفطنةِ جياش الفؤادْ
أبدًا يهتفُ بالقولِ فلا يعجبُ الغيَّ ولا يرضى الرشادْ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:56 pm

متفرِّقات

الشاعر الأعمى
شكا الشاعر الباكي عمًى قد أصابه وأظلم ما نال العمى جفن شاعر
ينوح بعينٍ لم يدع عندها البلى سوى نبع حزنٍ ناضب الماء غائر
وتلحظُ عينُ الشمس شزرًا جبينه فيطرق إغضاءً بمقلة حاسر
ويسألهم هل أومض البرقُ في الدجى وهل طلعت فيه وجوه الزواهر؟
وهل يلمعُ الدُّر المنضدُ والحلى على الغيد أم بات الحصى كالجواهر؟
تكادُ تشقُّ الأفقَ زفرةُ صَدْرِهِ إذا راح يلحاهُ بصيحة حائر
تجود لعين الذئب يا أفق بالسنى ليهديه في فتكةٍ بالجآزر
وترميه في بئرٍ عميقٍ قرارُها وتسفكه فوق البطاح الغوامر
وتسلبني نورًا أراك بوحيه فأظهر ما أخفَى سوادُ الدياجر
وأرجعه معنى على الطرس مشرقًا يضيء سناه مظلمات السرائر؟
لمن تجملُ الأكوانُ إن كان لا يرى بدائعَهَا عينٌ ترى كلَّ باهر؟
فما كانت الدنيا سوى حسن منظرٍ وما جاد فيها الحظُّ إلا لناظري
وهل كنت أخشى الموت إلا لأنه سيحجب عني حسن تلك المناظر؟
فها أنا لا جهد الحياة بهاجري أمينًا ولا ريب المنون بزائري
جمعتُ شقاءَ العيشِ في ظلمة الردى فيا ليَ من مَيْتٍ شقيِّ الخواطرِ
أرى الصبح وهاجًا بمقلة نائمٍ ويلحظه قلبي بحسرة ساهر
ومن لي إلى هذا الوجود بلمحةٍ أراه ولم يُعْمِ الترابُ بصائري؟
فيا قلبُ أَنْفِقْ من ضيائِكَ واحتسبْ لدى الشمس لألاءَ الوجوهِ النواضرِ
تنازع الفردوس
يتحاسدون على الهباء فما لهم لا يحسدون البَرَّ فيما يؤجرُ
نقموا على الكفار أن تركوا لهم أجر السماء وأنكروا ما أنكروا
لو كان ما وُعِدُوا من الجنات في هذي الحياة لسرَّهم من يكفرُ
المصور
… … … … … … … … … …
في طي ريشته وضمن بنانه روحٌ بها يحيا الجماد فيخلد
بينا يداسُ على الثرى حتى يُرى ربًّا تخر له الجباه وتسجد
أولى القرائح بالدوام قريحةٌ تجري على الصخر الأزل فتجمد
معبودةٌ فيما تحل كأنها ظل الإله على الخلائق يُعبد
إيه يا دهر
إيه يا دهر هاتِ ما شئتَ وانظر عزماتِ الرجالِ كيفَ تكونُ
ما تعسفتَ في بلائك إلا هان بالصبر منه ما لا يهونُ
رحلة إلى الخزان
… … … … … … … … … …
قلت وهل يفهم عن لساني ما بيننا يا ذئب من أضغان
فاذهب إلى وردك في أمانِ لا يحرم الماء على عطشان
فمرَّ يعدو كاشرَ الأسنان وهو ينادينا ولا يداني
حتى وردنا أول البنيان على دوي هائلٍ مرنان
مَوَّارِ ماءٍ ثائر الدخان كالنقع قد ثار على الفرسان
مصطفةً في حلبةِ الدهانِ قد غلب الصوتُ على الآذان
فباتَ أدنى الهمس كالأذان مستويَيْنِ ليسَ يُسمعانِ
وشرد النوم عن الجنَّانِ فردَّدت صداه في الرعان
وتحسب الماء من النيران مندلعًا يقذف بالصوَّان
طرائقًا في الأرض ذا ألوان كالليث أحيانًا وكالثعبان
مندفقًا منحسرًا في آن مرتفعًا منحدِرًا سيان
ملتئمًا منشعب الثغبان يبيَضُّ كالمحض من الألبان
مجذذ الرغو على الصُّمانِ قد شنها في تِلْكِمُ القيعان
شعواء تغري القوم بالطعان وتحفز الخيل إلى الميدان
وتجعل الراضي كالغضبان وتبعث النخوة في الجبان
قامت عليها أعينُ الشهبان وأرؤسُ الجبالِ تشهدانِ
وكم لهذا الماءِ من معاني في قوة البطش وفي الليان
وفي اختلاف الشكل والجثمان كأنه يلبس ثوبَ الجانِ
فصاعدٌ في الجو كالعقبان وساربٌ في مزحف الديدان
وغائِصٌ في الأرض كالشيطان ولاعبُ الأمواجِ كالحملان
وطائرُ البخارِ في الأعنان كالنَّفَسِ الخافي عن العيان
وفيه من أمنٍ ومن عدوان فهو قوام الزرع والأبدان
وَهْوَ الوباءُ الجارفُ الطوفانِ وهْوَ هُوَ الدنيا لدى الظمآن
وهْوَ هُوَ الموت لدى الغرقان شارفته والليل شطرتان
فما صغا الليلُ لصوتٍ ثان ولا أمال مسمع الأمان
إلا إلى هاتيكم الألحان كأنها تجاوبُ الغيلان
ثُمت أدلجنا إلى أسوان وفي طريق الصبح غلوتان
فيا لها وما عدوت شاني من رحلةٍ طيفية الأوان
أَتَمَنَّى
أَتَمَنَّى يومًا لَوَ انَّ حياتي تنقضي كلها ولا أَتَمَنَّى
أَتَمَنَّى وقد أطلت التمني لو تعلمت كيف أَنْ أَتَمَنَّى
أَتَمَنَّى لو علمتني الليالي باطل الأمر قبل أَنْ أَتَمَنَّى
منية لو تحققت لتساوى ما تملكته وما أَتَمَنَّى
القمة الباردة
(للجبال قمة باردة تعلوها الثلوج، وللمعرفة كذلك قمة باردة تفتر عندها الحياة، فإذا نظر الإنسان إلى حقائق الأشياء لم يَرَ شيئًا ولم يشعر بشيء؛ لأن حقيقتها كلها أنها ذرات ترجع إلى كل حركة متشابهة في كل ذرة، فخير له ألا ينظر إلى الحقائق كُلَّ النظرِ ولا يعرض عن الظواهر كُلَّ الإعراضِ؛ لأن الحي لا يعرف الدنيا إلا بالظواهر التي تقع عليها الحواس وتدركها البديهة، فإذا تجاوز ذلك فَقَدِ ارتفعَ من المعرفة إلى قمتها الباردة التي لا يشعر فيها بحياة.)

إذا ما ارتقيتَ رفيعَ الذُّرى فإياكَ والقمةَ الباردة
هنالك لا الشمسُ دَوَّارَةٌ ولا الأرضُ ناقصةٌ زائدة
ولا الحادثات وأطوارها مجددة الخلق أو بائدة
قوالب يلتذُّ تقليبها أناسٌ وتبصرها جامدة
ويعجب قومٌ بترقيشها وألوانها أبدًا واحدة
وتعلو وتهبط جدرانها وآساس جدرانِها قاعدة
ويا بؤسَ فانٍ يرى ما بدا من الكون بالنظرة الخالدة
فذلك رب بلا قدرة وحيٌّ له جثةٌ هامدة
إلى الغورِ أما ثُلُوجُ الذُّرى فلا خير فيها ولا فائدة
على أطلال بعلبك
أيا «بعل» هذا قادمٌ لك مقدم وفيٌّ لمن يزري به الدهر مكرمُ
دعوتَ وحوليكَ الأسنةُ شُرَّعٌ فلباك لا تثنيه نارٌ ولا دَمُ
أتاكَ من الوادي الذي في ضفافه تسامى «لآمون» البناء المدعَّمُ
وأقْوَى كما أقوَتْ ذراك على المدى وأقصر عنه العابدون وأحجموا
يحييك عن «آمون» في مستقرِّهِ وأنت المحيِّي باسمه والمسلم
فما بعل إلا اسم لآمون تلتقي له صورٌ شتى ولفظٌ مقسَّمُ
•••

ويا دار بعل وهي لا بعل عندها ويا حصن بعلٍ وهي لا شيء تعصمُ
ويا جارة الماضين والدهرُ جائرٌ ويا مشرق الآمال والليلُ مظلم
عزاء إذا أدبرت والعيشُ مقبلٌ وروضك مطلول الأزاهير يبسم
ولم يدفع الأرباب عنك ولا الألى أنابوا إليهم بالدعاء ويمَّموا
وما حيلة الأرباب فيك وإنها لتُبنَى كما تُبنَى الصروحُ وتهدمُ؟!
•••

«جبيتير» جبار الصواعق ساهرٌ عليك وسلطان العقار مخيم
وللزهرة الغراء عندك قبلةٌ يطلُّ عليها مسجدٌ متجهم
وفيك مُصَلًّى للمسيح ومطهرٌ وفيك منارٌ للنبي ومعلم
شفاعات أربابٍ لديك كثيرةٌ وركنك مصدوع العماد محطَّمُ!
فمن ذا يرجِّي العفوَ أو يأمن الحمى إذا ما طغى صرفٌ من الدهر مبرم؟
•••

عزاء إلى اليوم الذي فيه يستوي أخيرٌ على حكم الردى ومقدَّمُ
وصبرًا إذا ما شئت صبرًا على البلى وإن لا تشائي فالقضاء محتَّمُ
ستحفظكِ الذكرى مليًّا وتنطوي فلا ذاكرٌ يومًا ولا مُتَرَسمُ
إلى غندي يوم إفطاره
غندي لك النصر المبين على المدى ولشانئيك الخسر والخذلانُ
لم ألقَ قبلكَ من يحرر قومه وهو السجين الجائع العريان
بالجوع والحرمان تصلحُ أمة أخنى عليها الجوع والحرمان
خذ من قرارة دائهم لدوائهم بعض السقام من السقام ضمان
ومن العجائبِ أن يُقَدَّسَ بينهم بَقَرُ السَّوام ويُلْعَنَ الإنسانُ
عكسوا الأمور فكان عكس أمورهم بعض الجزاء ومن أهان يهان
فاشفع لنقص القوم عند كمالهم فكذاك تغفر ذنبها الأوطان
الظن
إذا خِفْتَ ظَنَّ الناسِ ظنوا وأكثروا وإن لم تخفه أكرموك عن الظن
فإن شئت هبهم ألف عينٍ وإن تشأ فدعهم بلا عينٍ تراك ولا أذن
القلم المسروق
زاملني في السجنِ ذاك القلم وناله ما نالني من قسم
ومس من فكري وأسراره ما رامه الناس وما لم يُرَمْ
فَرُبَّ معنى ما وعاه سوى ريشتِهِ ثم انطوى فانحَسَمْ
وكم له من حصةٍ تُرْتَضَى فيما جرى من أدبٍ أو حكم
وكم له من نفحةٍ كالصَّبا وكم له من لفحةٍ كالضرم
وكم له من زهرٍ مُجتنًى وكم له من ثمرٍ مُلْتَهَمْ
سَجَّلَ ما سَجَّلَ من رحمةٍ أو نقمةٍ مرَّتْ بأرض الهرم
•••

ورُبَّ مسكينٍ قضى حَقَّهُ وغاشمٍ أحصى عليه اللمم
أعززته عن حليةٍ تُقْتَنَى وصنتُهُ عن غالياتِ القِيَمْ
ولي أخ يذكرني بالنعم فقلت أجزي بعض تلك النعم
فلم أَجِدْ أنفس منه لمن محَّضني قلبًا نفيسَ الشيم
قد صان ما أكتب في صدره فغير بدعٍ أن يصون القلم
يظل يستوحيه في كل ما أوحى ويرعاه كرعي الذمم
•••

رعاه في أمن إلى أن قضى عليه بالفقد قضاء حتم
فغاله منه لصوصٌ لهم من كل عينٍ فرصة تُغتنم
في يوم حشرٍ حافل المزدحم ضَلَّتْ به العينُ مكان القدم
قد نام لمحةً في الضحى فبات في ليلته لم يَنَمْ
•••

أما وقد فارقتنا يا قلم وصالحَ اليأسُ عليك الألم
فخير ما أرجوه أن لا تُرى في كفِّ خوانٍ ولا مُتَّهَم
ولا تخطَّ الجهل في صفحةٍ «أبيض» ما فيها سواد الحمم
ولا تكن يا قلمي آلةً تشتمُني باللغو فيمن شتم
فتنظم الحكمة لي من هنا ومن هنا تنحي على من نظم
بدأت في الأوج فلا تنحدر إلى حضيض الذل في المختتم
بين التَّعبِ والرَّاحة
قال المعري:

تَعبٌ كلُّها الحَياةُ فما أَعـ ـجَبُ إلَّا مِنْ رَاغبٍ فِي ازْديادِ
ويقول صاحب الديوان:

راحةٌ كلُّها الحياةُ فما أَعـ ـجَبُ إلا مِنْ راغبٍ في ازديادِ
ما ابتغاءُ المزيدِ مِنْ يومِ أمنٍ عاطلٍ لا يزادُ بالتعدادِ
فالزمانُ المريحُ تكرارُ شيءٍ واحدٍ واطِّرادُ حالِ معاد
هذا هو التاريخ
من جانبِ القبرِ لسانٌ بدا يكذبُ ما شاء ولا يستحي
هذا هو التاريخ لو أنني صورته يومًا على المسرح
رأي الناس
من عوَّد الناسَ خيرًا طالبوه به كأنه الدَّيْنُ يلوى بالمعاذيرِ
ومن تعقَّبَهم شرًّا فأمهلهم يومًا تقبل منهم أجر مشكور
لا رأي للناس في نفعٍ ولا ضررٍ وما لهم قط من حكمٍ وتقدير
سيان
إن قيل بالحق أو البهتانِ
دعهم يقولون وقل سيانِ
سيانِ مهما افترق الضدان
سيانِ مهما اختلف الخصمان
سيانِ ألفٌ هي أو ألفان
سيانِ بيدٌ هي أو مغاني
سيانِ نور أو ظلامٌ فاني
سيانِ من يلهو ومن يعاني
قلها ببرهان ولا برهان
وأنت أنت أحكم الزمان
وإن تصدوا لك بالنكران
أو ضحكوا سخرًا فقل سيانِ
خداع النفس
يقول وما قضى عجبًا فتى يخبط في حدسِهْ
أيخدع نفسَه رجلٌ له عينان في رأسه؟
أجل يا صاح عينان وزد ما شئت من حسه
وهل أخدع للإنسا ن بين الناس من نفسه؟
خداع النفس معهودٌ وقاك الله من دسه
الأستاذ طاهر
أخي الأستاذ طاهر:

قل لي بحقك كم بلغت سنينا خمسين أو ستين أو سبعينا؟
إني أراك كما عهدتُكَ بادئًا شوط الشباب تناهز العشرينا
قد كنت بين الناشئين محنَّكًا حسن الأناة مع الخطوب رصينا
واليوم تقتحم الكهولة سابقًا خطو الشبيبة لا تطيق سكونا
آنًا فتًى بين الشيوخ وآنةً شيخًا مع الفتيان مستبقينا
خذ هذه أرقامنا من واحد ضع بعدها الثغر العزيز يمينا
عشرًا إلى عشرين أو خمسين أو ستين صاعدةً إلى التسعينا
إن قلت عشرًا صدقوك وإن تقل تسعين قلنا عشتها عربونا
•••

أفتى طناحٍ لا برحت مهنئًا ومهنَّأً بالصالحات قمينا
إن السنين وقد صدقت لعلها مرَّتْ بمدرجة الزمان قرونا
وإذا حسبت صفاءها فلعلها ساعات حلمٍ ما اغتمضن جفونا
حسبي وقد فرغت يدي من زادها أني أبيت لها الفراغ قرينا
ورضايَ عنها أنَّها لم تُرْضِ في عهدٍ ظلومًا أو تسرَّ خئونا
ومناي منها أن أعيش ولا أرى أبدًا بأوهام المنى مفتونا
ومداي فيها أن أودِّعها وما ودعتها أسفًا ولا محزونا
ما دام فيها حامدون كطاهرٍ فاللهُ أحمدُ لستُ بعدُ غبينا
الفن الحي
أو الحياة الفنية
خذ من الجسم كل معنى وجسِّمْ من معاني النفوس ما كان بكرا
حبذا العيش يبدع الفكرَ جسمًا نجتليه ويبدع الجسم فكرا
ويرى الفن كالحياة حياةً ويرى للحياة فنًّا وشعرا
ضلَّ مَنْ يفضل الحياتينِ جهلًا واهتدى مَنْ حَوَى الحياتينِ طرا
الحانُ والمسجدُ
تريدين أن أرضى بكِ اليوم للهوى وأرتاد فيك اللهو بعد التعبُّدِ
وألقاكِ جسمًا مستباحًا وطالما لقيتك جمَّ الخوف جمَّ التردد
رويدكِ إني لا أراك مليئة بلذة جثمانٍ ولا طيب مشهد
جمالك سمٌّ في الضلوع وعثرةٌ تردُّ مهادَ الصفوِ غيرَ ممهد
إذا لم يَكُنْ بدٌّ من الحان والطلى ففي غير بيتٍ كان بالأمس مسجدي
أحلاهما مر
لم أسغْ أشهى مذاقيك فما مزجك الكأس بطعم العلقم؟
خَلِّ يا دهرُ لغيري مزجها إِنَّ أحلاكِ لمرٌّ في فمي
فوق الحب
صاحبي مَنْ سروره وسروري في صفاء الزمان يلتقيانِ
وصديقي من استجدَّ سرورًا من سروري وإن تناءى مكاني
وحبيبي من قلبُه كيفما كا نَ وقلبي في الشجو يستويان
فالذي يرتضي العذابَ لأرضى كيف أدعوه وما اسمه في البيان؟
ذاك فوقَ الحبيبِ إن كان فوق الحـ ـبِّ شيء يُرجى من الإنسان
ذاك فيه من صبغة الله سرٌّ جل عن صبغة الوجود الفاني
النور
طهرت بماء سمائها أممٌ وبه تطهَّر روحُها الهند
والروح أولى بالطهور لها نورٌ يخفُّ بها ويمتد
فيضٌ يشفُّ فما به كدرٌ ومدًى يفيض فما له حد
بكاء السليب
وقالوا خئون قلت مهلًا فإنما بكائي عليه وافيًا لعجيب
لقد سلبتنيه الخيانة راغمًا وإنَّ جديرًا أن ينوح سليب
وإني لأبكي كُلَّ مَنْ كان قبلها يفي لي على زعم الهوى ويطيب
حب الدنيا
معجزة خارقة
(هل هذه الدنيا جميلة والأوامر الإلهية هي التي تنهانا أن نسعد بجمالها ونفرغ لمحبتها؟! أو هي دميمة والقدرة الإلهية هي التي تحببها إلينا وترغبنا فيها؟

الجواب في القصيدة التالية: أَنْ لا قدرة — دون قدرة المعجزات والخوارق — تستطيع أن تحبب هذه الدنيا إلى الناس، على ما بها من الآفات والأرجاس.)

قالوا الدنيا الحسناء سها عنها ربٌّ لا يقبلها
بل قالوا يحجبها عنا أو ينهاها أو يعقلها
ونرى الشيطان يزينها ونرى الشيطان يدلِّلها
يا قوم ألا عينٌ نظرت هذي الشوهاء تمثلها؟
ما يقدر إلا رب الكو ن يحببها ويجملها
لولاه قتلنا أنفسنا أو لم نعذل من يقتلها
أفهذي دنيا نعشقها لولا رضوانٌ يكفلها؟
من شك فهذي قدرته فليعرفْها من يجهلها!
المذكِّر المنسي
لم يبقَ من دنياك ما يعنيني إلا عناءٌ غيرُ مأمون
وجهٌ — إذا ما مرَّ — ينسيني لا بل يذكِّرني إلى حين
أنِّي — كما قيل — ابنُ سبعين!
خبر الربيع
يأيها الورقُ المخضرُّ في شجرٍ عهدي وما فيه من ذي خضرةٍ أثر
من أين أقبلت بل من أين أقبل في عيدانك العوج ذاك العطر والزَّهر
إنا سألناه لو عاد السؤال إلى فحوى الضمائر لم نعرفه يا شجر
سلنا بِحَقِّكَ من أين استجدَّ لنا هذا السرور الذي في القلب ينتشر
كلاهما طارقٌ طاف الربيع به على براقٍ من الأنوار ينحدر
سله فإن لم يُجِبْ فانعم بمقدمه وافرح به وانتظره حين يُنْتَظَرُ
إذا أجاب بأزهارٍ مفتَّحةٍ وبالسرور فحسبي ذلك الخبر
الطريق في الصباح
بدأَتْ دَوْلَةُ الطريق وانتهت دَوْلَةُ البيوت
ضاق بالكوكب المفيق عالم الليل والسكوت
•••

حيثُ يممت مسرع يتلقاه مسرعون
ما لهم أين أزمعوا ويحهم مِمَّ يهربون؟
كلما غاب مجفل طلع اثنان في هجوم
ذاك ركبٌ مضلل حائرٌ حيثما يحوم
•••

حائرٌ حيرةَ الأُلَى سُحِرُوا ثم أطلقوا
وضحَ الصبحُ وانجلى فهو بالسحر أخلق
•••

لا أرى فرد ساحرِ فيك يا صبح بل ألوف
كم أسيرٍ وآسر والرُّقى بينهم صنوف
•••

ذلك الطفل ما عناه جدول الضرب في كتاب
ذلك الشيخ ما مناه لقمةٌ كلها عذاب
•••

والفتى أين قبلةٌ نحوها يرسل العنان؟
غاية الأمر قبلةٌ بعدها يمسح الدهان!
خذهُمُ أيها الطريق في غداةٍ من الصباح
لا تضلنَّ بالرفيق إن دنت ساعة الرواح
إن دنت ساعة السبات ويك لا تخطئ الوكور
كم وكور مناظرات للبيوت اسمها القبور
ماذا استفدت؟
بَرِئْتُ مِنْ غِشِّ نَفْسِي ولا أقولُ انتبهت
قد كنت ساهر عينٍ مستيقظًا ما غفوت
•••

بَرِئْتُ مِنْ غِشِّ نَفْسِي وليتني ما بَرِئْتُ
ما العمر محض نهارٍ في العمر للغمض وقت
•••

ها أنتِ يا عينُ يَقْظَى وها أنا قد نظرت
ماذا استفدت لعمري وما عساني استفدت؟!
قلت للمريخ
قلتُ للمريخِ أعذله وهو يذكي جمرة الغضب
ويك ما هذا الخراب وما ذلك الإغراق في العطب؟
أممٌ تسطو على أمم ولظى ثوارة اللهب
ودماء كالبحار على عيلمٍ للدمع منسكب
وقبور كظَّها تَخَما جثث الهلكى من السَّغب
•••

قال مَهْ يا صاح أين ترى كل ما استهولت وا عجبي
أرضكم ما زلت أبصرها نائيًا حينًا وعن كثب
هَيْنٌ ما قد تبدَّل من سمتها في هذه الحقب
لا ضيفَ في الخان
إيه يا دنيا لو اسطعت سماعي قد نزلنا منك في غير اتساع
أكرمينا حيثما تدعيننا أو دعينا من لقاء ووداع
قالت الدنيا ألم أكرمكمُ كلنا في الحق مدعوٌّ وداع؟
حبَّذَا الخانُ فلا ضيف هنا إنما يُجزى متاعًا بمتاع
تكاليفُ العظمة
كُنْ عظيمًا ولا تلومنَّ إلا همةً كلفتك همًّا جسيما
كُلُّ راج يلقي عليك مناه فإذا خاب كنت أنت الملوما
تنصفُ الأمةُ الضعيفَ ولا تنصـ ـفُ يومًا عظيمَها المظلوما
النعيم والشقاء
ما العيش قل لي فأنت مختبرٌ هموم هذي الدنيا ونعماها
•••

العيش بأساء ليس يجهلها من ذاقها أو أصاب عدواها
ونعمةٌ لا يزال يُحْرَمُهَا من نال منها أو من تعدَّاها
نشتاقها إن نأت ونبخسها إن أقبلت جاهلين معناها
كأنها درة مسومة في بعض سكر الحياة نُعطاها
يمنحها حاسدٌ لآخذها آبٍ عليه سرور لقياها
حتى إذا ردَّها وأحرزها أدراه ما قدرها لينعاها
هذا سرورُ الدنيا ولذتها دع عنك ما شرُّها وبلواها
فاحسبه من خيرها ونعمتها إن شئت أو من صميم بؤساها
الصنم الهاوي
خَبِّرُونِي عَنِ الصَّنَمْ أين ألقت به الحُطَمْ
خَبِّرُونِي بمصرعٍ للهوى فيه والشيم
كيف باع العباد والخلـ ـد والحب والعظم
والسموات كلها بضئيلٍ من القِسَمْ
•••

خَبِّرُونِي عَنِ الصَّنَمْ ذلك الأروغ الأشم
ذلك الشاهق الذي قصرت دونه الهمم
ذلك العابس الذي في حمى الصمت ما ابتسم
كَيْفَ قيدت لرائمٍ عزةٌ منه لم ترم
كَيْفَ زلت عروشه من أعاليه في القمم
كَيْفَ أمسى ورأسه في الثرى موضع القدم
ما دهاه فما اتقى من حذارٍ ولا وجم
فتهاوى بلا ونى وترامى بلا شمم
وتخطَّى عن الذُّرى علمًا دونه علم
واستوى غيرَ نادمٍ في حضيضٍ من الرجم
خَبِّرُونِي وأجملوا رُبَّ عذرٍ لِمُتَّهَمْ
حكمة تلك في الحكم أم قضاءٌ من القِدَمْ؟
أم إله أصابه حسدٌ منه فانتقم
نقمة تلك ما خلا مثلها قط في الأمم
ضربةٌ تلك من إلا ه فما عنه معتصم
هل سوى حكمةٍ يضـ ـل صوابًا إذا حكم؟
•••

خَبِّرُونِي واسمعوا أنا والله في صمم
أنا في غمرة الأسى ظلمة فوقها ظلم
حيرةٌ تشدهُ العقو لَ بمسٍّ من اللمم
إِنَّ ويلي بسرِّها فوق ويلي على الصنم
•••

حَدِّثُونِي عَنِ الصَّنَمْ بدأ الويل أم ختم؟
زعم القلب أنها لوعةٌ بعدها سأم
بَلِيَ القيد فانفصم وهوى ذلك الحرم
لا قرابينَ تُهتَدى في المحاريب أو ذمم
لا صلاةٌ ولا صيا مٌ ولا فتنةٌ عمم
فليجد منه راحةً عابدٌ طالما التزم
وليثُبْ منه راضيًا خادمٌ طالما خدم
جهل القلب نفسه كذب القلب ما زعم
ليته عاد في القمم ظالمًا كيفما ظلم
غانمًا كلَّ ما ارتضى من ضحايا ومن نعم
آخذًا من دمائنا ولنا بعدُ ما اغتنم
إنما الحب منعمٌ وهبَ الحبُّ أو حرمْ
ليته لم يكن هوى ليته عاد في القمم
ليته في الحضيض لم يُشفَ من ذلك النهم
•••

ألمي ما ابتغيت من ناضب النفس مصطلم
دائبًا في المزيد لم تسهُ عنه ولم تنم
حسبك اليأسُ والضَّنى وجوى الليل يا ألم
فرغ المأتم الذي بتَّ تحيي له الضرم
فدع النار ينطفئ من لظى النار ما احتدم
أيعود الإله ألـ ـقى به الذل في العدم
ويك هيهات لا معا د فطوبى لمن وهم
بدأ الليل وانتهى وصحا حالمٌ حلم
ولماذا القرد؟
أرى السخف في الإنسان طبعًا مؤصَّلًا شواهده في كل بادرةٍ تبدو
ولو لم يكن في طبعه ومزاجه طوية سخفٍ لا يلازمها حدُّ
لما خصَّ من كل الخلائق سخره بأشبههم طرًّا به وهو القرد!
نعمة من نقمة
جلا معرض الحب أصنافه نماذج من كل صنف عجابِ
فحبٌّ يلاصق هذا الثرى وحبٌّ يحلق فوق السحابِ
وحب يعيش مدى ساعةٍ وحبٌّ من الخلد رحب الجنابِ
•••

وفوَّضتُ أمري على غِرَّةٍ لكوبيد يختار لي ما يرى
فعلَّقني منه ذاك الخبيـ ـث بحبٍّ تعمَّق تحت الثَّرى
وقال إليك قرين الربيـ ـع في القاع يزهر ما أزهرا
•••

عجبت أنا الصاعد المرتقي وساءلت رَبِّيَ في قسمتي
فقال انتظر ريثما ينقضي هواك أنبئك عن حكمتي
فلمَّا تقضَّى وزال الخفاء سألت القضاء فلم يصمتِ
•••

لقد كنت تجهل هذا الثَّرى وكنت تطير ولا فضل لكْ
فها قد عرفتَ وها قد علو تَ بوقر الرغام الذي أثقلكْ
أترضى فقلت نعم قد رضيـ ـتُ لك الحمد رَبِّيَ ما أعدلكْ
•••

لك الحمد رَبِّيَ إنِّي افتتحـ ـتُ سمائيَ بالحبِّ شبرًا فشبرَا
وشتان فاتحها مغمضًا وفاتحها مبصر العين حُرَّا
مَلَكْتَ الْوِهَادَ مَلَكْتَ النِّجَادَ كَمَا تُمْلَكَانِ فَحَمْدًا وَشُكْرَا

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf 15781612
ديوان - شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf Icon_minitime 2020-11-05, 1:57 pm

مقدمات ما تقدم

فيما يلي مقتبسات من مقدمات الدواوين مرتبة على حسب تواريخ صدورها:

… … … … … … … … … …
… الشعر يعمِّق الحياة فيجعل الساعة من العمر ساعات: عش ساعة مفتوح النفس لمؤثرات الكون التي يعرض عنها سواك، ممتزجة طويتك بطويته الكبيرة تكن قد عشت ما في وسع الإنسان أن يعيشَ وملأت حقيبتك من أجود صنف من الوقت، والوقت أيها القارئ أصناف؛ فمنه ما يبخل به الأبد على غير سكان السموات، ومنه ما يطرحه للأبقار والحشرات! فإذا قلنا لك: أحبب الشعر فكأننا نقول لك: عش. وإذا قلنا: إن أمة أخذت تطرب للشعر. فكأننا نقول: إنها أخذت تطرب للحياة …

الجزء الأول
أحسن فيكتور هوجو في كتابه «وليام شكسبير»؛ حيث قال: «ينادي كثير من الناس في أيامنا هذه — لا سيما المضاربون وفقهاء القانون — بأن الشعر قد أدبر زمانه، فما أغرب هذا القول! الشعر أدبر زمانه؟! لكأن هؤلاء القوم يقولون: إن الورد لن ينبت بعد، وإن الربيع قد أصعد آخر أنفاسه، وإن الشمس كفَّت عن الشروق …! وإنك تجول في مروج الأرض فلا تصادف عندها فراشة طائرة، وإن القمر لا ينظر له ضياء بعد اليوم، والبلبل لا يغرد، والأسد لا يزمجر والنسر لا يحوِّم في الفضاء، وإن قلال الألب والبرانس قد اندكت، وخلا وجهُ الأرض من الكواعب الفواتن والإيفاع الحسان …!

لكأنهم يقولون: إنه لا أحد اليوم يبكي على قبر، ولا أم تحب وليدها، وإن أنوار السماء قد خمدت، وقلب الإنسان قد مات!»

والحق أنه لا فرق بين القولين؛ إذ الشعر لا يفنى إلا إذا فنيت بواعثه، وما بواعثه إلا محاسن الطبيعة ومخاوفها وخوالج النفس وأمانيها، فإذا حكمنا بانقضاء هذه البواعث فكأنما حكمنا بانقضاء الإنسان، وليس من العجب أن يولد في الدنيا أناس لا يهتزون للشعر وهي مكتظة بمن لا يهتزون للحياة نفسها، غاصة بمن يمرون بها غافلين عن محاسنها وآياتها، كأنهم سيمرون بها ألف مرَّة، أو كأنهم يعودون إليها كلما شاءوا الكرَّة …

الجزء الثاني
… وقرأ بعضهم قصيدة في وصف الصحراء والإبل فأنكر أن تكون من المذهب الجديد، وعدها بابًا من الشعر لا يجوز أن يطرقه العصريون!

ذلك مثل آخر من أمثلة التقليد في إنكار التقليد؛ لأن وصف الصحراء والإبل إنما يحسب تقليدًا لا ابتكار فيه إذا نظمه الناظم؛ مجاراةً للأقدمين، واقتياسًا على الدواوين، أما الرجل الذي يعيش في الصحراء أو على مقربة منها، ويركب الإبل وتجيش نفسه بالشعر والتخيل عند ركوبها ورؤيتها فليس بشاعر إن لم ينظم في هذا المعنى مخافة الاتهام بالتقليد، أو جريًا على رأي الآخرين؛ إذ هو التقليد بعينه في التصور واختيار الموضوعات، وما المقلد إلا من ينسى شعوره ويأخذ برأي الآخرين على غير بصيرة أو بغير نظر إلى دليل.

فهناك إذن «مقلدون» في كراهة التقليد، لا يدركون لماذا يستحسنون، ولماذا يستهجنون، وربما كان هؤلاء أضرَّ بالمذاهبِ الجديدة من معشر الجامدين على المذهب القديم.

إن من أراد أن يحصر الشعر في تعريف محدود لكمن يريد أن يحصر الحياة نفسها في تعريف محدود! فالشاعر لا ينبغي أن يتقيد إلا بمطلب واحد يطوي فيه جميع المطالب؛ وهو التعبير الجميل عن الشعور الصادق، وكل ما دخل في هذا الباب — باب التعبير الجميل عن الشعور الصادق — فهو شعرٌ؛ وإن كان مديحًا، أو هجاءً، أو وصفًا للإبل والأطلال، وكل ما خرج عن هذا الباب فليس بشعر؛ وإن كان قصةً، أو وصفَ طبيعةٍ، أو مخترعًا حديثًا …

وحي الأربعين
… … … … … … … … … …
وأعجب منه أنك لا تقرأ فيما ينظمون إلا مناجاة البلابل وأشباهها على قلة ما تُسمع في هذه الأجواء!

فكأنما العامة عندنا أصدق شعورًا من الشعراء؛ لأنهم يلقبون المُغنِّي بالكروان ولا يلقبونه بالبلبل، فيصدرون عن شعور صادق ويتحدثون بما يعرفون …

هدية الكروان
… … … … … … … … … …
فليست الرياض وحدها ولا البحار ولا الكواكب هي موضوعات الشعر الصالحة لتنبيه القريحة واستجاشة الخيال، وإنما النفس التي لا تستخرج الشعر إلا من هذه الموضوعات كالجسم الذي لا يستخرج الغذاء إلا من الطعام المتخير المستحضر، أو كالمعدم الذي يظن أن المترفين لا يأكلون إلا العسل والرحيق!

كل ما نخلع عليه من إحساسنا ونفيض عليه من خيالنا ونتخلله بوعينا ونبث فيه هواجسنا وأحلامنا ومخاوفنا هو شعر وموضوع للشعر؛ لأنه حياة وموضوع للحياة.

وإن التصور لهو خير معوان للإحساس وشاحذ للرغبة أو للنفور، فإن الأم تنظر إلى طفلها الوليد ثم تقضي عشرين سنة وهي تتصوره عريسًا سعيدًا، لا تفرح به يوم عرسه كما تفرح بتصوره والرجاء في بقائه طوال تلك السنين، فإنما من نسج التصور نخلق الحلل النفيسة التي نضفيها على آمال الغيب ومشاهد العيان.

فلنجمع لدينا الرغبة والتصور نجمع لدينا زادًا من الشعر لا ينفد وموضوعات للشعر تشتمل على كل ما تراه العيون وتمسه الأذواق، ولنتوجه بالحواس الراغبة إلى ما نشاء نستمرئ الشعور به والتعبير عنه كما نستمرئ المحاسن المشهورة والمناظر المأثورة؛ لأن المحاسن نفسها لن تهزنا إليها ولا تحل عقدة من ألسنتنا حتى يزينها لنا الحس الناشط والخيال المتوفز، وإن أجمل وجه ليمر بنا في ساعة الجمود والوجوم كما تمر بنا طلعة الخادم العجوز التي نراها صباح مساء.

عابر سبيل
… … … … … … … … … …
من الشعراء الذين نرجعُ إليهم رجوعَنا إلى الصديق في اللغة العربية أبو العلاء وابن الرومي والشريف.

ومنهم في اللغات الأوروبية ليوباردي، وهنريك هيني، وتوماس هاردي، وهذا فريدٌ عندنا في هذه الخصلة بين المحدثين المعاصرين.

رجعت إليه وأنا أفكر في طبع ديواني الجديد واختيار الاسم الذي يناسبه، فقرأت له الأبيات التي يقول فيها:
أنظرُ إلى المرآة، فأرى هذه البشرة الذابلة تتقبض، فأتوجه إلى الله مبتهلًا إليه: أسألك يا رب إلا ما جعلت لي قلبًا يذبل مثل هذا الذبول.

إنني إذن لأحس برد القلوب من حولي فلم آلم ولا أحزن، وإنني إذن لأظل في ارتقاب راحتي السرمدية بجأش ساكن وسمت وقور.

غير أن الزمن الذي يأبى لي إلا الأسى قد شاء أن يختلس، فلا يختلس كل شيء، ويترك فلا يترك كل شيء، ولا يزال يرجف هذه البنية الهزيلة في مسائلها بأقوى ما في الظهيرة من خلجة واضطراب.

فما أتممت هذه الأبيات حتى خطر لي الاسم الذي اخترته لهذا الديوان؛ وهو «أعاصير مغرب»، وإن لم يرد في الأبيات ذكرٌ للأعاصير.

أعاصير مغرب اسم صالح لجملة الشعر الذي احتواه هذا الديوان … بأعاصيره، ومنه ما يشبه الأعاصير التي هزت كيان «الشيخ» هاردي فتمنى من أجلها ذبولًا في القلب كذبول إهابه.

أعاصير مغرب
… … … … … … … … … …
نحن في زمن المراجعة والتقويم.

نراجع كل شيء، ونعيد تقويم كل شيء وننقد ونعيد النظر في مقاييس النقد نفسه، ولا فرق بين مقاييس «النقد» الذي تجري به المعاملات بين الناس في البيع والشراء والأخذ والعطاء، أو مقاييس النقد الذي يتواضع الناس عليه في فهم المعاني والأفكار، وتمحيص الأخلاق والأذواق.

روجعت قيمة الذهب وهو فيما مضى مرجع كل قيمة.

وروجعت، أو ينبغي أن تُراجع قيمة النقد الذي يتداوله الناس عند تقويم المعنى والفكرة وتقدير الكلمة النثرية والقصيدة الشعرية والتحف الفنية، فلا محيص من «نقد النقد» نفسه قبل تقرير قيمته في عالم الأدب والفن، وقبل الاعتماد عليه في تقرير ما نقبله أو لا نقبله من آثار الأديب والفنان.

وأول ما يُنْقَدُ به النقد في كل زمن أنه غير خالص لوجه الأدب وحده أو لوجه الفن وحده، فما من نقد قط يخلص من هوى في نفس الناقد، يهواه باختياره أو على غير اختياره، ولا بدَّ مع النقد من شائبة مزغولة نعزلها قبل أن تنفذ إلى قيمة المعدن في صميمه، فالنقد الذي في الصميم هو القيمة التي تدل على المنقود وتعطيه حقه في الإعجاب أو استحقاقه للرفض والزراية.

ونقد النقد بهذا المعنى هو تخليصه من كل أثر فيه لهوى الناقد أو هوى البيئة أو هوى الشيعة أو وساوس النفس الإنسانية التي يجهلها صاحبها في كثير من الأحايين، ولكنها لا تخفى على الناظر إليها بالقياس إلى ما يماثلها من وساوس النفوس.

وليس فيما نومئ إليه من شوائب النقد على هذا النحو شيء جديد، فقديمًا عرف الناس التعصب للأديب أو للشاعر؛ لأنه من جنس المعجبين به، أو من أبناء نحلتهم في الدين، أو شيعتهم في السياسة.

ولكنَّ الجديد في هذا العصر أن هذا التعصب قد أصبح خطة مقررة في دعوة مدبرة، تدين بها طائفة كبيرة من أصحاب المذاهب والنحل، ويصدرون عنها في تقريظهم ونقدهم، وفي ثنائهم وتشهيرهم، ويتخذونها سبيلًا إلى ترويج دعواتهم السياسية وآرائهم الاجتماعية، بمعزل عن الفن والأدب، وعلى علم بالتلفيق والعوج في القياس، إذا لزم التلفيق أو العوج في خدمة الغرض الأصيل؛ لأن هذا الغرض الأصيل هو القسطاس الأخير لكل تقدير، والغاية الأخيرة من كل تكبير وتصغير.

وفي عصرنا هذا ينبغي أن نلتفت إلى شوائب النقد التي عرفها الأقدمون، وإلى الشوائب التي لم يعرفوها قط، أو عرفوها في حيز محصور لا يُلتفت إليه.

ولقد عرف الأقدمون في الأدب العربي صنوفًا من الإيثار والاستحسان لا علاقة لها بمزايا الفن والبلاغة، وكان منهم من يؤثر الشاعر أو الأديب؛ تارة لأنه على مذهبه في التشيع، وتارة لأنه على هواه في مؤازرة الدولة القائمة من بني أمية أو من بني العباس، ولوحظ — مثلًا — إهمال كتاب الأغاني للشاعر «ابن الرومي».

أما الجديد الذي لم يعهده الأقدمون كما عهدناه في عصرنا هذا فهو — فيما نعتقد — أمران:

أحدهما — كما أسلفنا: ظهور خطة مقررة يدعمها أصحابها برأي أساسي في مذهبهم، يقضي باستخدام «النقد الأدبي»؛ لترويج المذهب ومحاربة خصومه.

والآخر: ظهور المقلدين في حركة التجديد، وهم أولئك الذين سمعوا بمبادئ التجديد وراحوا يطبقونها تطبيقَ الآلةِ التي لا تميز بين حقائق الأسباب.

والذين يستخدمون «النقد الأدبي» لمحاربة خصومهم المذهبيين والانتقام منهم قومٌ لهم سيماهم التي لا يختلطون فيها بغيرهم، فهم جميعًا من «غير الأدباء» … وهم جميعًا لا ينتجون أدبًا ولا يقرءون أدبًا لأنه أدب، ولكنهم دعاة يقتحمون عالم الأدب والشعر؛ لخدمة الأغراض التي تعنيهم باسم النقد الأدبي، وما هو من النقد الأدبي في شيء، إن هو إلا العداوة التي تصدر عن الكراهية والاتهام، ولا تصدر عن اختلاف الأذواق الفنية أو المشارب الأدبية.

ولا يقل عن ضرر هؤلاء ضرر المقلدين في الدعوة إلى الجديد؛ فإنهم لا يصلحون لقديم ولا لجديد في الأدب، ولا يعرفون لماذا يقرظون ولماذا ينتقدون.

بعد الأعاصير

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

شعر وقصائد عباس العقاد,ديوان عباس محمود العقاد pdf

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» تحميل كتاب حياة قلم تأليفpdf عباس محمود العقاد
» الموت يأخذ مقاساتنا,شعر وقصائد عباس بيضون,ديوان عباس بيضون pdf
» حالة حصار محمود درويش,شعر وقصائد محمود درويش,ديوان محمود درويش pdf
» شعر وقصائد محمود شاكر,ديوان محمود شاكر pdf
» شعر وقصائد محمود نسيم , ديوان محمود نسيم pdf

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: فوضى الحواس(منتديات ثقافيه) :: مرتفعات أو سوناتا الكلام

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا