آخر المساهمات
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-12, 10:41 pm
2024-04-02, 5:16 am
2024-04-01, 10:56 pm
2024-04-01, 10:49 pm
2024-04-01, 10:46 pm
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

قبل الارتطام بثانية شعر وقصائد مهاب نصر , ديوان مهاب نصر pdf

hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - قبل الارتطام بثانية شعر وقصائد مهاب نصر , ديوان مهاب نصر pdf 15781612
ديوان - قبل الارتطام بثانية شعر وقصائد مهاب نصر , ديوان مهاب نصر pdf Icon_minitime 2020-12-04, 4:39 pm
@hassanbalam
#مهاب_نصر

شعر وقصائد مهاب نصر , ديوان مهاب نصر

قبل الارتطام بثانية

ديوان - قبل الارتطام بثانية شعر وقصائد مهاب نصر , ديوان مهاب نصر pdf P_1799o98fz1


اكتب كأنك محاصَر، وستُطفأ الأنوار حالا
كأنك تسمع طقطقة المحول الكبير
تحت سيل مفاجئ
عرقل الزحف
وجرف الليل باتجاه البيوت
والبيوت باتجاه أحلام اليقظة
للعالقين في الشرفات
وجرف العالقين باتجاه الميازيب
ماءٌ في كل بقعة
اكتب كأن الشرف محصورٌ
أين يفرغ مثانته؟
أو كأنك حلمت بذلك
اكتب كمن يتكلم من البطن
كمن يطأ بطن الكلام
اكتب كساقط
اكتب كمن يسمع صوت الارتطام
قبل الارتطام بثانية
اكتب بسرعة الطلقات البعيدة
والمرعبة
الآتية من مكان مجهول
اكتب منتفخا
كوبر القطط المذعورة
اكتب كبناية تداعى
كغبار التصدعات
كاصطياد قناص لرأس بريء
كان قبل دقيقة واحدة في مكانه الصحيح
والآن هو مائل
دون فكرة عما جرى له
اكتب كأنك الباقي من فصيلتك
ولا يصح أن تعود
لأنهم هناك سيُعدّونك خائنا
وهنا عدوا لنفسه
اكتب دون شرح
دون تبسيط
وبعمق في جميع الأحوال
بلا رغبة في اعتذار
اكتب كمن يهبط بالرسالة من السماء
كسعادة لا تستطيع النظر إلى بيتها الأول
اكتب بخوف إذن
أما الندم فقد ضاع صوته
اكتب كمن اتخذ قرارا
صَفَق الباب واتخذ قرارا
ثم وضع الحقائب جانبا وبكى
اكتب ليلا
وفي النهار الذي يسكن الليل
مثل حقد يتأهب
أو كغرام
اكتب كما يكتب الصديق
أي بدافع الأمل
وأنت تعرف أنه لن ينجو
اكتب
كمن يقلب الأحجار المحترقة عن عائلته
كمن يبكي في صمت
لأنه يواجه ذاته
اكتب بعيدا
كما يفعل الحب حين ينظر
وقريبا
كما هو الحب نفسه حين ينهض من الذاكرة
اكتب كأنك علقت بالشِباك
وحذاؤك ثقيل
وأحذيتهم تثب خفيفة بيضاء رغم الوحل
أكتب كمن نُودي
كمن رُفع اسمه على لافتة
وهو يقول: لست أنا
كمن ينكر..
وتلك طريقة في الاعتراف
اكتب كمن يدين نفسه
لينقذ آخر
وكمن يدين الآخرين جميعا
لأنه عاجز عن تحديد غاية
تكون هي نفسها
كلمته الأخيرة

صبيحة القيامة


صبيحة القيامة
كانت الأغلال مابرحت تطوق معصميّ
ولا أقوى على النهوض بسبب الأفكار
أو بسبب فكرة واحدة
أو لا شيء
وكان هذا يؤلمني
كما لو كنت أرى جسدا يتألم
ولا أستطيع أن أقول: اصمت حتى نعبر
ولا أصدق أن العبور صار وراءنا
والآن أثرٌ فقط

إنهار جسرٌ
ومعه الأقدام
وسيرةُ الأقدام
كان آخرون معي
وكنت معهم
لكن ريحا ما قصفت الفروع والأغصان
ذبل العالم فجأة
كمن خُدع
نمنا في عراء الكلمات
كما لم ننم من قبل
تحررنا في حلم
وحبسنا العالم في عقله
لماذا يؤلمني معصماي الآن
وأنت وأنت وأنت
أتشعرون؟
أدير رأسي إلى الجهة التي كانت هناك
لكن عينيّ لا تدوران معي
وقلبي يطرق بقوة
كحيوان حبيس
اشتم رائحة اللهب
المطر هنا لا يُخمِد النار
والنار نفسها لا ترى
كأنها كلمةٌ قيلتْ
فقلبت البطن
وصار للنكد مذاق على اللسان
..
عبرنا ولم نعبر
وكان الملائكة أقزاما
يفتحون الأبواب ويهتفون: ادخلوا..
ولا نستطيع
وكانت على الأبواب نقوش
هي صور لنا
حفرت بالنار والأظافر
فأدركنا أن الأمس مضى
وأننا الأمسُ بلا أقدام؛
الأمس زاحفاً
أو سائراً على يديه
الأمس برؤوس كثيرة
اختصرت إلى خطوط بالفحم
رأينا الحب جالساً إلى نهر
رأينا حشرة تهرب
والحب يغطس في الماء تاركا ثيابه على الضفة
رأينا جلده يرتعد
فارتعدنا
وصرنا حشرات تغطي سطح النهر
هكذا تمكن الحب من السير على الماء؛
على دمائنا والأجنحة المسحوقة
وصار كبير ملائكة
وكبر جدا
ولم يندم
نحن ندمنا؛
لو التقطنا ثيابه ولذنا بالفرار؟
وكانت القيامة:
هذيان يقطع الشارع
بذراع ملوحة
والصوت العظيم في عربة تجرها خيول
صوت حقيقي
أو من مسجل صوت
أو مجرد خيال
لكن الخيول كانت صحيحة
والقيامة عرض شعبي بالنبابيت
الجنة بعصابة على العينين
والنار عصابة حول رأس مصدع من السكر
الجنة قميص مزرر
والنار عضة في الطاقة المفتوحة للصدر
جُنِنّا والله
كَذَبةٌ كَذَبة
بلا حقائق ولا أكاذيب
مطاردون في النوم بكلاب طائرة
لا تستطيع النباح
وكانت القيامة:
نتكلم كما يلعب الهواء بالنار
عصابة العين محلولة وملقاة على رصيف
الطيبون رأوا
والأشرار رأوا أيضا
لكن أنتم وأنتم وأنتم… أسمعتم صوت البكاء؟

مهاب نصر: قصائد آخِر السنة


كرة
أشياء كثيرة تؤلم
ولكن ليس كاسترجاع فكرة
إذ يفتح الواحد فمه
ويظن أنها ستمر
يطوي ذراعيه إلى صدره
ويتأسف
والآخرون يتظاهرون بالنسيان
فكّر أن تكون معهم
ادعك جبهتك
لكن الكلمات، حتى تلك المعروفة للجميع، تبدو مستحيلة أيضا
تنعطف فجأة
ثم تصبح غبارا
ـ “لديك قصص أخرى بالتأكيد“
غير أنها الآن بالذات
مثل طفل يحلم أنه يبول على نفسه
ويكون قد فعلها في الحقيقة
أتعرف كم هذا مهين؟
خديعة مزدوجة
ماض هو لاشيء
لكن من يقف عاريا هو الحاضر نفسه


ذاك الأحد
هل لديكم انطباعات عن مطر مساء الأحد؟
لا أقصد ذاك الأحد
الذي كنا فيه معا
نعصر أرواحنا على عتبة الباب
والضحكات بركة تتسع حول أقدامنا
أقصد الآخر، البعيد جدا
كبرق صامت
يحبس الأنفاس
أقصد الأمطار المسودّة
كخيوط تنسل من نسيج الليل
أقصد فرك اليدين
لا من البرد
بل بسبب يأس كنا نتوقعه
وها هو الآن يزم شفتيه
ثم يتنحنح
أقصد الملل كطقطقة الحطب
أسفل النار
من الذي قال ساعتها: لنقرأ قصيدة؟
من الذي جعل لارتعاشنا معنى
من كان البادئ بالبكاء،
ثم اندفعنا جميعا إلى الخارج
ثم إنها أرعدت
وكان للمطر صوت كالغناء؟


واجهة أبدية
في رحلة إلى بلد ما
انتبهت إلى أني أكلمك طوال الوقت
هكذا وجدت نفسي منهكا
في واجهة متجر “غاليريا إينو“
ـ ما اسم الشارع من فضلك؟
عقدت كوفيتي
في طريق العودة
كنت أحيي الوجه نفسه
على واجهات محال أخرى
البيريه يخفي جبهتي وعيني
هكذا يبدو وكأن قدمي وحدهما تتجولان
اشتريت مظلة يمكن طيها كمنديل
لم تكن تمطر
لكن هذا ما أحسب حسابه إلى الآن
تاركا وجهي هناك
كأنما ينتظر تحية



لو كانت لي أصابع
في البحر غابة لم تعبّر عن نفسها بعد
مغمورة مثلما يدفن الواحد اضطرابه بين ثديين
الحقيقة تريد أن تكون حسية
فتخفي نفسها في كلمات
الكلمات نفسها يائسة
وتقول: لو كانت لي أصابع؟
تحسب نفسها مجردة
فتقتل وتبكي
تكمش فراش النائم
وتقول: “لا أريد أن أحلم..
أغرقني أغرقني“
البحر يسمع لأنه جارنا
البحر يغرق في بحر آخر
كمن يريد أن يقطع لسانه
مع هذا نسمع الوشيش
ويترك فينا الموج انطباعا غريبا بالندم

لم تعد كلمتك
خطأ أو صواب
مثلومة أو مسننة
في العمق أو على الشفة
مسرعة كضوء متهور
أو مطحونة كهيكل سيارة في مستودع
هي لم تعد كلمتك
مد يدك
صافح هذا الشخص أو ذاك
مكتفيا بابتسامة لا تصدّق
عد ماشيا
تحت أعمدة الإنارة التي لا تنتهي
حتى تغرق جميعا
في شمس هائلة.
في هذه المدينة
لا يُسمَّى النهار ولا الليل
إلا مواربة
يمكن أن تعيش برأس ديك
أو رأس قملة
يعتقد البعض أنهم في سجن
فلا يتفوهون بحرف
وعلى أطراف أصابعهم يطلون من النوافذ
ثم يجفلون
كالهواء الذي اصطحبناه من بلد بعيد
المطار على سفح جبليّ
كان علينا أن نعبر من حجرة تفتيش
لكن صفير العشب المتطاول،
الفراغ الصوتي الذي يخلفه جناح،
تَكَسُّرَ الثلج عن شفاهنا
مع كل زفير
الهواء الذي اصطحبناه من بلد بعيد
وأفرغناه هنا كمتاع مشبوه
يا إلهي… كل شيء يثير الفوضى
هناك شمس متصلبة في السماء
تنظر ولا تقول شيئا
أيكون التفتيش من أجل هذا؟
هل سنعبر جميعا إلى هناك؟
عراة على السفح
نكشف أسناننا عن الحشوات
عظامنا عن رضات وكسور
حلوقنا عن بقايا اللكنة
الطابور ذيله في الوادي
آخر نقطة بلا رأس
عميقة كتوبيخ
كأمل سحق في مطفأة سجائر
قبل النداء الأخير
أما الكلمات… فتطير حولنا في كل اتجاه
القصائد سباب موجه إلى الكلمات نفسها
لم أكتب شعرا أبدا
هذه الشفرات الحادة
التي خلفت جروحا بالكاد تُلحظ هنا وهنا
كانت هي البادئة
الأجنحة السود
التي تضرب وجهك في حلم
ثم تسرق اللسان
أبوك وأمك وهما يأتيانك برأسين من الجص
فقط ليخيفاك
اليد الطيبة للشارع التي ترفعك لأعلى
ثم تختبئ في جيب غير مكترث
فتظل خطوتك طوال حياتك
خطوة من كاد يطير
هكذا تندفع الكلمات
لا اتزان يحميها
معدة يعصرها الخوف
حساسية للزمن
كما لو أصابع امراة تتحسس ساعدك
فتتوتر بويصلات الشعر
الحب غضب
والقصائد سباب موجه إلى الكلمات نفسها
ترنُّحٌ مفرط للسكْر
حقيقة لا تهنأ على وسادة
لأنها تتصرف كرأس
لا كسكين
الشعر؟!
احفر هنا أو هنا
تحت الدولة حتى
واشتَمّ عفونة النزوة
مَنيَّ العادة السرية
على شرف الجسد الغائب
والقابض على الخصيتين

طلاء لدم آخر: ثلاث قصائد لمهاب نصر


ملك في عرض الطريق
أنا ملك على بقعة من الدم
على حدود من الرماد
ونفثات الصهد الأخيرة
حيث يُقعي خفير مستدفئا
بذراعين مكشوفتين
أنا “السلام عليكم”…
التي يردها بفم يلوك الدخان
والمرّ.
أنا العمائر تحت التشطيب على الساحل الأسود
والتي لم تركب شبابيكها وأبوابها بعد
أنا الحصى المفروك تحت نعال العروسين
والقبلة المالحة
التي تبسط الملاءة وترفعها
على شكل موجة بلا بحر
أنا القارب في الطريق العام
يظن أن مشكلته كونه من خشب
أنا بائع الفل
مستريحا بخده على القارب المائل
وقدماه في الرمال
متُّ داخل ذاتي
كما يعطس المرء في منديل
كما ينزف أنف
على قماش أبيض
هذه حدودك الحمراء
مرآة الدم المدوّخة
ملك
وأضع التاج على الطاولة
بجوار كتاب صغير
صلعتي قصة حياتي
حدود البلاد التي زرتها
كلمة مستديرة كاليأس
صلبة
كالخفارة على ماء أسود
على ليل تجرد من ملابسه
في عرض الطريق
الطيور
الطيور
التي لا يأتي ذكرها في كتاب
إلا عندما تحين النهايات
حقائق من الجصّ
نقشت على مداخل البنايات
ملائكة بأجنحة مثبتة
حفظت الأحجار وما وراءها
لن تطير إذن
إلا حينما يُنفخ على الأرض نفسها
حين يخرس الحاكي
ويدير المنصت أذنه
حين نشم رائحة النفتالين
في جلودنا
وكأننا خارجون من سحارة…
أجنحة من قمصان وسراويل
وأقمطة رطبة
مقاعد من قش
وخطوات كوقع الليل
على صفحة الهواء
ممطوطة ونكدة
هذا بيتي… ولا أريده،
فكرتي
ولا تعتدل في جلستها
حتى أناولها الدواء،
حلمي
ويداه مثقلتان بالحجارة
ثم تأتي الطيور
…لا تأتي
بل يُسمع الرفيف،
بل هزيم مكتوم
لبناية توشك أن تطير
باب ينخلع في الريح
وباب يسقط
تاركا السماء بلا لون.
لا أرفع رأسا
أعرف بلا روح
بلا طاقة على قول نعم ولا
مثل حجر أبيض
منطو على الشاطئ
يشطف الملحُ وجهَه
وينحسر.
صامتة قدمي.
أخرج وأدخل
لا أرفع رأسا
ولا أسند ذراعي
كعادة من يبدل ملابسه.
أنام نوما طبيعيا
كما ينام البحر
والرمل في قاعه
والغرقى الذين كُبّلوا بالكلمات
والضمائر الحديد.
أعرف
بلا عينين
ولا أذنين
وبلا رغبة في لمس
الأسطح
أو اختلاس الشمس
من الأجساد العارية.
دمي ينام معي
ولا يفور إذا جُرِحت،
بل يجلس وينظر.
دمي طلاء لدم آخر
لا لون له،
ولا عصب ينتهي إليه.
ريح تكاد تلامس الماء
وتترك صفحتها مثل جلد منكمش


سماء من المطاط أشدها على وجهي


كل حيل الحضارة مستنفدة الآن في كلمة LIKE
هذا يعني: لم يعد هناك ما يقال
كل علامة أخرى حماس مصطنع؛
لسان كلب يضطرب في الحرّ
بينما يرقد جذعه في استسلام

يأتي أصدقاء
يضعون تعليقات كأحذية خفيفة
تصطحب الكلب نفسه في جولة
لكنهما معا بلا مأوى
يبولان متواجهين
عند حائط ظليل
ويقتسمان الفضلات نفسها
من صندوق القمامة
المجاور للمكتبة العامة
وسيُطردان طبعا؛
أعني: سيَلويان عنقيهما كما لو طُردا
أحب هذا المشهد الأخير
مفعم بالمشاعر
التي تحصيها فقط
بعدد ثنيات اللحم في عنقين مائلين

اسمي كان موجودا على الأرض
كان يمكن أن تعجنه بيديك
وتنفخ فيه دخان سيجارتك
الآن أراه في لوح عاكس من الأثير
مثل صدى نحاسي
لنداء بعيد
..
سماء من المطاط
أشدها على وجهي

أروني السعادة نفسها
بكلمات أقل
وأيادٍ أكثر

القدماء عمدوا إلى التشبيهات
وكأنهم يقولون: ولم لا
أما نحن فلا حيلة لنا

LIKE

الثورة ستقع حتما
ستعود الروح إلى الشوارع
وستفنى للسبب ذاته

أريد أن أتحدث عن نفسي
كنت أفعل ذلك من قبل
من دون كلمة “أريد”
...
أنظر وراء الصور على الصفحات الزرقاء
هناك العظم المقوس
لكلمة “أريد”
عيب خلقي
ضمور موحش
ضحك بصدغ مقلوب

العائلة تعيش في بيت
لا حائط له
هم أنفسهم الحائط
..
الله LIKE
الله بشحمه ولحمه
شر برأسين
رجل وكلبه
تشبيه حي بأنياب وقواطع

ستقع الثورة حتما
في يدي بقع دم حقيقية
وأنا أفرك عيني من الكسل

في الشارع روح جديدة
الروح نفسها التي قتلناها بالأمس

قوة رهيبة للمال
قوة فقط
قوة لا ورقية
تشبيه
طعنة بلا جسد
دم حيوي
من كلمات ميتة

روح
تهدر مثل شلال في مدينة ألعاب مائية
ربطات عنق نصف محلولة في الصهد
متعة التحقق متوردة
وخجولة
أنا حقوقي
يدافع عن الإنسان
تابعوني

السجون ملأى بسجناء الرأي
الشارع أيضا
أنا، حين أفيق في الليل
باحثا عن عيني
شركة الإعمار التي تدك الإسفلت
بيت جديد
خطة لقضاء عطلة
بمظلات من الشتائم
أغنية شاطئية
على ضفاف بحر من الرصاص السائل

قيل لنا: العالم مرآة
أتوجد مرآة أعظم من تلك؟!



الخمرة تضحكني
(ليلة)
الخمرة تضحكني
تحاصرني من الخصر
كما ذراعك
تضغط فألتصق
وأسقط عند قدمي العالم
انظري إليه
كم هو ضخم!
ونحن على الأرض نرفس ونقهقه: مستحيل!
أحب أن أتذكر غناءك أيضا
نصف السكران
كأنما بخفة ينزع الجلد عن جسدي
الضوء عن المصابيح
الحياة عن فكرتها
فقط… يبقي العالم ضخما
قدماه، ساقاه
جذعه
حارسنا الأحمق
ضميرنا ذو الكف الغليظة
ظلنا الذي ينسكب من كأسين
كفضيحة.
.
(من يأبه؟)
لعبنا بقشور البرتقال واليوسفي
افتح عينيك
ها
عمى مؤقت
يحرق مثل قبلة
من يأبه بعدها بالثمرة؟
أتذكر الآن
وأنا أدعك نصف برتقالة
وأدع العصير المز
يقطر على أرضية المطبخ
أعطس ويرشح أنفي
من يأبه؟
أقول: خطر أن تشبه الحياة بشيء
ولكن هل ثم باب آخر؟
ثُمّ إنني أُشفى فعلا
كلما أسلمت دمي لفكرة
وتكون لي العافية نفسها
كأنني أول إنسان يولد من التراب
ولا يترك خلفه أبناء
بل بذورا تختزن الضحكات الأولى
.
(مونولوج)
“المرأة كائن نكِد”
بهذا كانت تتمتم
وهي تسوي فراشها
“حقلها البائر” كما تقول
بالنسبة لي
كانت ناضجة كفاية
ولا تعرف كم هذا مبهج!
كم يمكن أن تحب
بسبب عبارة خاطئة
زلة لسان
مرارة إصلاح كسوة الوسادة
بحكم العادة فقط
الأغبياء وحدهم يطلبون الإثارة
أما أنا فيأسرني التكرار
.
(قطز)
سكران
كان يصل بصعوبة إلى منتصف الغرفة
يرفع سبابته ويزعق: قُطُز…
على الدَرَج أثناء نزولنا
خلعت له سترتي
كان قد توقف عن البكاء
أقبض على ذراعه ليس خوفا من الترنح
لم أسأله أبدا: ولمَ قُطُز؟
كان يتألم،
وهو ما يعني أن الكلمات كلها
صارت تعني الشيء نفسه؛
صارت لقيطة مثل جسده المستسلم لذراع الغريب

كأنّ مدينة توجد: قصائد الموسم من مهاب نصر


(١)
لا يمكنني أن أتعلم
وأنتم، هل يمكنكم؟
يتحسن مزاجي لسبب آخر
أن أحكي قصة لشخص ينام على ذراعي
هل شعرتم بهذا التنميل الخفيف من قبل؟
هل اعتبرتم يوما أن ذراعا واحدة
تكفي لحمل الأصابع التي تقلب الصفحات؟
أن تقرأوا بالعين فقط ما يخصكم
لأن الفم مشغول بحكاية للنائم،
وأحيانا يتوقف
ليقبل الخد؟
وبينما تدور في جهة ما مطاردة
تسقط فيها رؤوس مثل حبات الكريستال
تُصغون إلى التنهد الطويل
لحلم يغير وضع رأسه؟
نجوت إذن
وبذراع واحدة
وعينين لا تصدقان ما تقرآنه أبدا
(٢)
مطرٌ في مايو
مطر غبي بخطوط مائلة
لمجرد أن ريحاً صادفته
سأكلمك في وقت لاحق
أسمعهم يصفرون من الدهشة
لكنني لا أستطيع.
ثقيلٌ من البلل
وكلما فتحت فمي
ابتلعت ماء لا أسيغه
الرعود لم تعد بالخارج
إنها هنا
وحدي أتمكن من سماعها
ثمة برق لا يضيء
لا يمكن أن أحدق فيه
فجأة تشعرين بانفراجة
كأنهم شقّوا صدرك لإجراء جراحة
وتقولين: أهذا ممكن؟ الآن؟
أحاول أن أنحني
ليمر كل هذا
لكن كيف؟
مطر غبي هنا
يجبرنا على الوقوف
على السير باستقامة
وبأفواه مفتوحة
لكن دون دهشة على الإطلاق
(٣)
ما الذي تعنيه لك المدينة؟
أتحققت منها فعلا؟
أهي هي، أم تراب، أم لوحة مائلة على جدار
بينما تندفع العاصفة من نافذة مشْرَعَة
مقبلة من الأرض الحية، والتنانين التي رُسمت بألوان زيتية رخيصة
لأسرة من آباء وأبناء؟
جستَ في الشوارع
وعصرتها بعد الأمطار
ماذا وجدت؟
في الليل تصنع من ظلك ملاكا أسود
وفي النهار: الملاك نفسه، منتوفا كدجاجة
أمام المرآة غضب
من دون يدٍ تكسر
ولا قدم تقول: سأمشي
كتبتَ عن البحر؟
جيد
ولكن أين الكلمات؟
في الشوارع رئات مفتوحة
مثل فلقتي محارة بيضاء
سرطانات ملقاة على ظهورها
أسماك حقيقية
تُشوى لمجرد أن تكون مقبولة
المدينة بحرها في السماء
هذا يثير خيالها أكثر
ستقتل بنيّة الإبحار
بنيّة ألا يسبقنا الآخرون إلى هناك
المدينة يجب أن تولد
أن تولد دائما
هكذا يسمع هنا وهنا رفس وشخير
وللجماع بهجة الدعارة
حامل السكين يبكي على رصيف
كأنه قُتل توا
اليأس أقوى من السكين
والقصائد أيضا
والكلمات التي لا تعود إلى البيت إلا على أطراف الأصابع
والأصوات التي لا تُرى
لكنّ لها ملمس اللحم المطهوّ
أدخل على أصدقائي بطبق حساء
من نخاع عظامهم
أهذا يؤلم؟
لا
كما لا تؤلم الاستعارات
بل تترك الضغينة مثل شبع زائد
هُس…
المدينة تتجشأ
المدينة تنتظر حدثا
ناموا… واحلموا بهذا
كأنّ مدينة توجد على الإطلاق
(٤)
مشهد سينمائي
صوّر على بعد أمتار من المقهى…
على بعد مسافة ضوئية
من منزلي
حيث كان ممثلون أنيقون للغاية
يستريحون على كنب عريض حسن التنجيد
يتطلعون أحيانا إلى السقف
كأزهار طافية
وفي سحنهم شحوب لا ينسى
أجلس الآن على المقهى نفسه
عيناي على المشهد الذي كان هنا
لا أحد يعرفني
لقد حفظت الأدوار كلها
الورق أُحرق تحت إضاءة باهرة
البيت خثارة وأغصان عطنة
قل لي أي شيء
سأرد بجملة من حوار ميت
دون حتى أن أكون مضطرا للنظر إلى أعلى
(٥)
لم أتخط الحسية مطلقا
هذه مأساتي
حين ألمس طاولة
أتألم من موضع الكأس التي رُفعت توا
حين أردد أغنية
أتنفس بصعوبة
في عناق جسد لا وجود له
حين أحب
أرى الأفكار كما تراني أنت الأن
بالجلسة القلقة نفسها
كأنها توشك أن تنهار
فقط من فرط ما تكون السعادة
غاطسة في المقعد
لا أفهم لماذا يعتقد الناس أنهم يموتون؟
لأن هذا وحده ما يجعلهم قساة
وتجريديين
ياللتعاسة
أنت نفسك تعتقد أنني أهجرك من أجل كلمة
أي كلمة؟
لقد شوهوك تماما
ما عاد بإمكانك أن تمس يدا
دون أن يحرضك شيء على القتل
(٦)
سأذهب الليلة لأغني
في النهار أعمل وأدخن
أحتاج أجرا إضافيا لأفكر
حين أطفئ مكبر الصوت
وأضب عودي في كيسه الأسود
تسمع لقلبي ضربة زائدة
أتعرفونها؟
إنها الفكرة
يمشي الواحد كما لو في جنازة
أسند العود في المقعد الخلفي
وأشير للسائق: إلى هناك
وهو يفهم
كلنا يفهم
كمن يردد أغنية
بعد إطفاء مكبر الصوت
ليس ما هو أشد ألماً من هذا
(٧)
من فضلكم
دعوا الجيش يمر
فقط فكروا في ذلك
من الطريق المُعَبّدة
من النافذة
من الرأس
من الحدقة
من عَصَب الإبصار
كالتهاب
سرعان ما يصفو بقطّارة الدموع
دعوا الجيش المقبل ببيارق
وحمحمة مرحة
بأعناق مطوقة بصور وتذكارات
ماذا تنتظرون؟
أعطوا أياديكم للهواء الساخن
مددوا سيقانكم المتورمة بالكراهية
هاهي الشمس قريبة
وكأنها ظفر
يحك الجفن المحتقن
والسعادة كسُبّة لا تُرَد
ألم تفهموا بعد؟
أنتم أيضا عائدون من جبهة
أنتم النداء الذي طار بالأسنان
الفكرة التي تركت ثقبا ساخنا
الموت الحلو
كمرآة مُسحت توا بالأكمام
من المرآة يأتي الجيش أيضا
وفي القلب جلبة التوقع لما سيكون
استعدّوا بالدهشة
مجرّدة هكذا كابتسامة السماء
من السماء آتون
بسحب مرصوصة ومتماسكة
بحفيف رقيق للغاية
لأردية صُنعت خصيصا من الابتسامات
اليوم يومكم، ماذا تنتظرون
يا أطباق الفاكهة
يا طبيعة صامتة ووحشية
يا ثمرة يمكن عصرها بالعين
أُلقيتْ بإهمال مقصود
أكثر وقاحة من الطبيعة
كونوا في الاستقبال
بينما يجلس الجنود المتعبون إلى السفرة
استخدموا القطارة
لرتق اللون الباهت
لوحة لامعة
كتحية عسكرية
أفسحوا لهم طريقا
أحسنوا خدمة السعادة
التي حررتكم أخيرا من الإثم
(٨)
جيبي محشوّ بالأفعال
أركض
أركض
أركض
لكنني تظاهرت دائما كما لو أتمشى يداي في جيبٓيّ
كأنني أضغط على الشمس
مثل سلسلة مفاتيح
في فمي ألسنة كثيرة
واحد منها فقط أحشره بين فكيّ
والباقي فوضى نحاسية تدريب موسيقي لمبتدئ
قلبي مستبدٓل بفحّام
عاشق للصفير بالمقطوعات الرخيصة
لا يعرف اللهب، لكنه يميزه في الخفة السوداء
ما احترق بالصبر مثل عظام مدفونة مليون عام؛
عظام ساقين كانتا تركضان وستظلان كذلك
هذا يطمئنني على المستقبل
عائد إلى بيتي بسلسلة مفاتيح
وجهي ملوث بالسخام
على الأقل أتفهم ما يعنيه العار دون
أن يمنعني ذلك من تحيتك
كرجل يكدح بلا عائلة
أعرف أشخاصا يركضون
عائلات بكاملها
ألتقي بهم في المصاعد
واثقون جدا
كأنهم يضعون البشاكير على أكتافهم
معي أفعال زائدة
تفضلوا
هذا بيتي
وهذه الشمس سلسلة مفاتيح
أنا فحام
وأرى اللهب في وجناتكم
وأنتظر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
hassanbalam
® مدير المنتدى ®
hassanbalam
رسالة sms : سيرى ببطئ ياحياة
لكى أراك بكامل النقصان حولى
كم نسيتك فى خضمك
باحثا عنى وعنك
وكلما أدركت سرا منك
قلت بقسوة
مأجهلك!!!!
ذكر
عدد المساهمات : 11549
الاٍقامة : وراء الأفق حيث لاشئ سواى وحبيبتى
العمل : مهندس
نوسا البحر : ديوان - قبل الارتطام بثانية شعر وقصائد مهاب نصر , ديوان مهاب نصر pdf 15781612
ديوان - قبل الارتطام بثانية شعر وقصائد مهاب نصر , ديوان مهاب نصر pdf Icon_minitime 2020-12-04, 4:40 pm

نحن لا نُغلَب في ملعب الحب.. لأننا نسرع بالفرار

هذا ما قررته إذن.. بسبب العمل المنهك فقط، لا سبب آخر.
لا أشكو، أصارحكِ، على العكس، إن الجهد المضني بلا طائل يجعلني متيقظا دائما، كذبابة يطير وراءها أحدهم بمذبة. حين أغادر إلى البيت لا أكون راغبا في قضاء بقية الوقت نائما، هكذا أستثمر في الأحلام. عادة قديمة. الأحلام تجلعني يقظا أثناء النوم. لا تناقض أبدا. المذبة هنا أيضا. وكلما ظنوني ميتا، سُمع الطنين نفسه، فوق أنف أحدهم أو عند جبهته. غير مؤذ كالعادة. لم أكتب إليك من أجل هذا، بل لأنني تساءلت أيمكن أن يُصنع شيء حقيقي من حلم؟.. فكرة مثلا.. حياة حقيقية؟ أتخيفك الأحلام، هل تفقدك توازنك في النهار، هل تطن فوق أنفك كذبابة؟ أهي قادرة على إيذائك؟
كتبت هذا إليك لأنها أصبحت طريقتي للتحقق من أفكار معينة. بعض الفقرات كانت تضحكني حتى قبل أن أبدأ. لا يحدث هذا مع الكتابة فقط. بل الأحلام أيضا، أعني تذكري للأحلام التي أحكيها لنفسي.
ليس من عادتي أن أن أحلم بأمور سيئة. ربما يحدث هذا لكن لا أحد بجواري ليتأكد ما إذا كان وجهي قد تقلص، أو أصدرت ما يشبه الصرير المكتوم، أو، تصوري مثلا، ذلك الصوت المخيف: همهمات متصلة ومتذبذبة كروح تتملص مفلتة بصعوبة من حلقات عظمية بغرض الإخافة تحديدا إخافتنا نحن الأحياء، أو الذين لم يسلمهم النعاس لنوم حقيقي ونهائي.
حلمت بممثل كوميدي شهير أعتقد أنه مات منذ أعوام. ترجّلنا معا من حافلة متوسطة من النوع الذي يتنقل بين الفنادق وقاعات المؤتمرات. فوجئت به طبعا (كيف ومن المفترض أننا كنا في الحافلة نفسها؟) قلت له أنني لم أنسه منذ أول دور رأيته فيه وأعدت جملة كان يكررها في مسرحية ما “…محمد الزبال بيتكلم”.. أتذكر؟ قلت له. أصبح المشهد مختلفا، بجواري ممثلة أخرى راقصة في الأربعينيات تقريبا، ذراعها مكشوف، بدت لي طيبة (أعني الذراع)، وأعذريني على هذا الوصف. جلستْ هي وممثلتان أخريان، لا أذكرهما، على الكنبة قبالة فراشي، حيث وقفت أنا على حافة الفراش نفسه أؤدي مشاهد مقلدة لأضحكها. في الحلم كنت طفلا، أو بلا عمر محدد تقريبا. لكن الجميع كانوا كبارا بالنسبة لي.
هذا النوع من الأحلام لا أحوال فهمه. إنه يطمئنني لا أدري كيف. ويبدو أن به نوعا من المواساة، أنهض من نومي بامتنان. تعطينا الحياة أحيانا أشياء لا نستحقها، ولم نطلبها.
ما يزعجني هو أبي. لا تخافي. وأرجو أيضا ألا تعتبري هذا هروبا أو نكوصا. على أية حال أنا لا أنظر للزمن هكذا أبدا، ما كان وما سيكون. بالطبع هو ميت، لكن عليك أن تعلمي أن الموت يخص الموتى أنفسهم فقط. بالنسبة إلينا، الأحياء أعني، لا شيء يموت. ما يموت فينا يمرضنا حرفيا، من نميتهم عامدين أو بالنسيان، يجعلوننا نحتقر أنفسنا بطريقة ما. بعض الأشخاص يدفعوننا إلى ذلك، إلى نسيانهم, ربما يكونون قد آذونا جدا ذات مرة. وهم يريدون أن يقولوا، كما لو كان هذا ممكنا، هيا.. إنسوا كل شيء. يغرونك بما يسمونه نضجا. هم أنفسهم لا يصدقون ذلك، وعليك ألا تصدقيه أيضا. لا شيء يموت بالنسبة لحي. إنها ركلة مزدوجة لو صدّقتِ. يريدون أن تنسي لينسوا هم أيضا. تصوري. إن نسيانهم معلق بنا أكثر مما تعتقدين، أقصد معلق بنسياننا. تلك هي المفارقة في الشر.
جربي هذا، وستكتشفين بنفسك. لا تريهم الذراع الميتة، بل الحية، كما نظرتُ إلى الراقصة في فستانها المكشوف.
لن أستطيع أن أكمل الآن. هناك شخص عليّ أن أقابله بعد قليل. يضايقني أنه لا يهتم بالتدخين. آخر مرة كدت أختنق. اقترحت عليه أن نجلس بالخارج. كان الجو رطبا، وكأن ذرات صغيرة من الملح تسكن لحمي. أحك جلدي، وأنصت إليه. لا أريد أن يصل هذا الملح إلى لساني، لا أريد أن أهاجمه لمجرد شعوري بالإجهاد.
إنه يسأل عني دائما. الأصدقاء أصبحوا قليلين. وهو يحب التحدث عن الكتب. أيضحكك هذا؟
قبل أن أكتب لك اليوم نظرت في ساعتي، وقلت: جيد.. أمامي اليوم وقت أطول. تعرفين. أحتاج إلى وقت أطول لأصل إلى ما أريد. أنا لست مثلك. تفعلين هذا بسهولة لأن سكينك حامية. أنا لست سكينا. أتجنب النظر إلي السكين مباشرة. ربما لا تصدقين لو قلت لك إنني حين أصُفّ السكاكين في الحمالة الموضوعة على رخامة المطبخ أجتهد في جعل طرفها الحاد في الجهة الأخرى. أقول: أخشى أن يلمسها أحد بطريق الخطأ.
لم أتعلم هذا من أبي. لا أعرف من أين جاءني هذا الخوف من الإيذاء. أن أرى أحدا يؤذى، أن أتألم بدنيّاً حتى قبل أن يكون الألم قد نبه أطراف أعصابه وكأنني هناك. هذه قسوة أيضا. أن تحيطي العالم بسلام لا يقطعه جرح ولو بطريق المصادفة. نوع من التهذيب واللياقة الملزمة حتى للأشياء. القريبون مني جدا يحسون بالإحباط دون معرفة سبب محدد. أنت نفسك حين زاد وزنك كيلوين أو ثلاثة، نظرت إليّ بتذمر. كنتِ قد بأت تأكلين بشهية، وتضحكين بسهولة ونحن في الفراش. بدأتِ تشعرين بما شعرت به تجاه صديقي. تذكرت هذا الآن. إنه لا يحب التدخين. واضطررت بسببه أن أجلس في الهواء الرطب. بالطبع أنت لست ساذجة لأقول أن ما ينقصك ليس سوى بعض الشِجار. لقد أدركت بحدس صائب قسوتي. وأدركت ذلك أيضا، حتى لو لم أتمكن من فعل شيء. أترى كان بالإمكان فعل شيء؟
لك أحزانك، وأنا أتفهمها. أنت مثلي ترفضين النسيان. يجب أن أقدر هذا. لا تذكّرين نفسك من أجل الانتقام. لا. أنت لا ترغبين في الانتقام، بل فيما هو أقسى: عدالة تضاهي محبة لم تمنحيها بعد لأحد، عدالة تأخذ روحك إلى الكفة الأخرى, الكفة التى ظلت فارغة، خفيفة وموحشة. أن تضعي قلبك هناك إلى الأبد، وهذا يعني أنك كنت تتنظرين الله نفسه، مع أنك لا تؤمنين بهذا فعلا، وتلك مفارقة ثانية، وتعرفين مسبقا: كان سيضجرك مثلي تماما.
قلت “أبي” وأنا في الحقيقة أريد أن أتحدث عن حلم. ولكنني مضطر أولا لسرد قصة. لم أحزن كفاية لوفاته. تعرفين ما أعني. لكنه من المظلم أن يرصد الواحد مشاعره من جهة واحدة. قبل أن أؤنب نفسي كنت قد فلسفت الأمر كله: “موت يليق به” قلت. لم يكن مضطرا إلى السقوط من فراش متعرق لنهرع إليه “ماذا فعلت بنفسك؟”، لم ننتظر إلى جواره حتى يبتلع القرص الأول والثاني الذي سيشرق كل مرة قبل ابتلاعه. لم نتظاهر بابتسامة تطمئنه، ابتسامة خبيثة نعلم أن من في مثل حاله لا يصدقها. أي حال؟ هو لم يمر بذلك كله. ذاكرتنا توقفت عند كتفيه وهما يودعان قبل أن يغلق الباب خلفه. لم نؤذه أبدا بالتظاهر بالصبر. كأنه مسيح رفع، ولم نر حتى جثمانه على الصليب. موته الذي ليس موتا بل حالة اختفاء، تركت خطواتنا تتعثر عائدين من حجرة الإنعاش التي لم يعد يشغلها، فقط قبة شفافة فوق سرير فارغ، لا أثر للروح، ولا للنزاع مع ملائكة أو شياطين. موت ثقيل، لدرجة أنه يمسح كل اتجاه عليكِ أن تتحركي فيه. كل مساحة فارغة، لكن فراغا وهميا مبطنا بثقل لا حدود له.
فلسفت الأمر “أنت نفسك تتمنى موتا كهذا”. أن تموت بصورة كهذه يعني أن تظل صديقا إلى الأبد. لم تسمح بمشاعر الإذلال والتبني المقلوب. أن يتحول الآخرون إلى آباء لعجزك، ويكتسبون فتوة مفاجئة ونشاطا خبيثا بسبب الوصاية على موتك، والتأكد منه.
شيء أساسي أريد أن أذكره هنا، هو أنني لم أخطط لحياتي مطلقا، لأنه صار لي صديق من بين الأموات، صديق لا يموت. أو هذا ما كنت أتصوره. كان الحائط الذي يفصل الناس عن الجانب الآخر، ويدفعهم في الاتجاه العكسي بزعم أنهم في “مهمة” لا بد من إنجازها، غير موجود بالنسبة لي. كنت أتسلق هذا الحائط في النوم. أو ينهار تلقائيا. ويعود أبي بصورته نفسها. يدي، أويده على ركبة الآخر، نكمل حديثا عاديا، وأحيانا ذا بعد رمزي غاية في السذاجة.
مثلا حين كنا نتكلم عما يدور في شقة الطابق العلوي، حيث كان (هكذا بدا في الحلم) رئيس دولة ما وملك أخرى يتهامسان في شأن حرب قريبة. تركت أبي برهة وخرجت إلى البلكون ناظرا إلى أعلى. ومن هناك أكملتُ بنبرة تهكم فاضحة ليسمعنى “أنظر.. كأنهم يعرضون معجزة”. كانت صفحة السماء بامتدادها المنبسط قد بدت مثل شاشة تلفزيون هائلة ومخيفة، بخطوط بيضاء وسوداء ورمادية متعرجة كما كان يحدث حين يعطب أحد المحولات في أجهزتنا القديمة. ثم انتقل المشهد، أو هكذا أتذكر، إلى صحراء واسعة، وعلى رمالها ممدين فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي، الكوميديان المعروفان، شبه نائمين أو غائبين عن الوعي، ثم إن أحدهما يفيق، وينقر جبهة الآخر بسبباته فتخرج من رأسه الممثلة هند رستم، مثلما يخرج المارد من قمقم. أهذا هو الحلم نفسه مقلوبا؟ لا أدري.
أصاحرك أيضا أنني لا أحب هذه المرأة. إنها مثل كرة المطاط، تضربينها في حائط فترتد إليك بالابتسامة المصطنعة نفسها. هذه مسألة جانبية. لأنه لا حلم يقول شيئا واحدا كما نفعل في الحياة، ليست لديه “مهمة” كما يُزعم.
ما يقوله الحلم لا علاقة له بالمشهد المصطنع، ولا تأويله المخجل، وإنما بمشاركة شيء ما كأنه سر، أو العكس تماما افتعال سر كأنه حقيقة لمجرد المشاركة.
هناك مخاوف بالتأكيد، حتى إنها ليست هينة أبدا. لكنّ هناك نوعا من الائتناس عبر الحائط المنهار، غمزة، أو لكزة كتف “تفهني طبعا”.
هذه الأحلام كانت تبقيني نشيطا بشكل ملحوظ. لقد حلمت بك أيضا بعد ما حدث. لا أقول هذا لأتملقك. أنت لا تحبين التملق، أو لا تحبين أن يبدو عليك الإعجاب به، لأن هذا يحرجك أمام نفسك بالذات. سأعود لتلك المسألة فيما بعد. لأننا هنا متشابهان بطريقة تفسر كل شيء. أعتقد ذلك.
كنت في بيت عمتي، على فراش يواجه باب الشقة (وهذا لا علاقة له بواقع تصميم المكان). شراعة الباب مفتوحة، وهناك ضوء نهاري هادئ بحيث كان يمكنني أن أراك بوضوح من بين طاقات الحديد المشغول. فستان أبيض كأنه فستان عرس، لكنه ليس كذلك تماما، يشبهه فقط. لم تنظري إليّ من هناك، ولا حين دخلت (لا أذكر هل أنا من فتجت الباب أم دخلت هكذا؟) لم تنظري إليّ أيضا حين تمددت إلى جواري وأنا سعيد بشكل لا يوصف. لم تبتسمي، كما لم يبد وجهك غاضبا. كان لوجهك تعبير يصعب شرحه؛ ليس مهموما ولا مبتسما في وجل، ولا متحفزا، تعبير شخص عرف حقيقة ما الآن فقط، حقيقة أجبرته على الصمت، حقيقة استنتجها بنفسه، جقيقة لن ينكرها لأنه لا يحب الكذب. ولكنها ليست خبرا سارا بالضرورة. في الحلم كنت مشغولا بالقرب نفسه، الذي استمر دون أن يلتفت أحدنا إلى الآخر، وحتى بعد أن استيقظت، وإلى وقت قريب جدا، أي طوال كل تلك السنوات. لم أنتبه إلى هذا التعبير إلا وأنا أكتب الآن..
أتصور أنك قرأت الكلمات السابقة دون إساءة نية. أنا أيضا أريد أن أكون مباشرا دون إبراز أية إضافات، لكنك تعرفين: حتى المباشرة يمكنها أن تستنزفك، إذا أراد الواحد أن يكون صادقا، لأن الكلام نفسه يكشف ما لم بكن في الحسبان. يعتقد الناس أن الحقيقة هي الخط المستقيم، يمكن للصراحة أن تكون هكذا، ولكن ليس الحقيقة. وبمعنى ما فإن المباشرة إدعاء وقح. أرجو ألا يكون هذا مجرد حكم لإحداث صدمة. ما أعنيه أنه يجب علينا أن نكون واضحين وصرحاء، لكن الكلمتين لا تعنيان الشيء نفسه.
مثلا امتدحني صديق مرة بقوله أنني شخص لا يحتمل أن يتسبب بأذى. لقد تمسكت بهذا الإطراء واعتبرته حقيقة. وكنت أقول لنفسي “إن ميزتي أنني لا أؤذي” مكررا العبارة نفسها تقريبا. إننا متشابهان جدا في هذه القصة. لا.. لا تعتقدي أنني أتمحّك بافتعال نقاط للتشابه كأنني أضع المقدمات التي تضطرك إلى قول “وإذن؟”
أنت لا تحتملين إيذاء أحد، لا تتمكنين من فعل ذلك عن عمد. ولكنني أقول الآن: كم كان ذلك مؤذيا! كنا نجرد خصومنا من أي سلاح، كانوا يبدون أسوأ حالا مِن مَن استسلم في معركة.. أي معركة وقد أشحنا بوجوهنا؟ حتى رَفْع اليدين بالاستسلام سيكون بلا معنى، مسخرة فقط. كنا نهين الكرامة حيث نتركها عارية بلا تحية. أتعرفين، نحن من نوع لا يمكن أن يُحب دون أن يشعر محبوه بشيء من الكره، بقدر عميق من التعاسة التي لا تبرأ. لكن هل كان بمقدورنا فعل شيء آخر؟..”.
أعرف أن الكتابة تدفع الواحدأحيانا إلى التلاعب. لهذا قضيت الأيام السابقة وأنا أفكر بك دون أن أكتب.
لقد ابتعدت عنك مرة شهرا كاملا، وساء بالطبع ظنك بي. قلتُ: لا يمكن أن أخدعها، هل أحبها فعلا؟ هل أستغلها؟ إلى أي مدى يمكنني أن أبقى إذا مضت وتيرة الحياة البليدة؟ بأي قدر سأكون مستعدا لتهدل اللحم، وبداية الشكوى من الآلام الطارئة؟ كيف سيمر الوقت إذا نفدت الكلمات؟ يمكن بالطبع إدراك مدى الغم في حب كهذا.
أردت أن أكون واضحا ومخلصا، فانظري أي غباء في الوضوح! ثم هل يغير هذا شيئا؟هل كان الحب أسفل مني لأحفر وأتأكد؟
كنت تقولين إنني بدوت مرعوبا بسبب إقتحام خصوصيتي. لا، كنت مرعوبا من نفسي ومن خصوصيتي نفسها، من المستقبل، لأنني، ودون أن تنتبهي لهذا، كنت أتمكن من النوم بسهولة إلى جوارك. كنت أريد أن أظل مستيقظا لكي لا تفوتني هذه الساعات أبدا. لم تشعري بذلك بالطبع. كنت أحني رأسي قليلا وأظل أنظر إلى جبينك الرائق العنيد. حضرت في رأسي عبارة من رواية، أقل من عبارة، مجرد صفة لعلاقة (…كطالب وطالبة). وأسأل نفسي دون أي إيمان، ماذا لو كان ثمة جنة بالفعل؟ كنا جلسنا على سور خفيض، حافيين (كطالب وطالبة) كما لو بعد نزهة، ننظر إلى العالم في الأسفل.. العالم الذي كنا فيه بالأمس، ونضحك. هذا هو مبدأ الوضوح، مبدأ ماذا سنكون بعد الموت؟ أو بالأصح، ماذا لو كان شيء ما هناك، وراء الحائط الذي يهرب الناس منه باعتبار أن لديهم مهمة “هنا”. بالطبع يمكنك القول إن هذا الحائط غير موجود أصلا، وهو ما يعني أننا “هناك” منذ الآن، وأن من ماتوا لم يموتوا بالنسبة لأنفسهم، لقد ظلوا إلى آخر وقت ينتظرون معجزة ما، لم يتح لهم أن يعرفوا أبدا “ماذا حدث”، لقد ماتوا بالنسبة إلينا فقط، أي صاروا أصدقاءنا إلى الأبد، وهذا هو مبدأ الشرف.. أعني: أن نستبق موت الآخرين، أن نحبهم كأننا التقيناهم هناك. كأشخاص يأتوننا في حلم، ويرقدون إلى جوارنا دون كلمة. وقد غفرنا كل شيء.
تعرفين أنني أغني منذ فترة في أحد الكافيهات، وأحصل على أجر ليس بالمجزي لكنه يسعدني. تسعدني الفكرة نفسها. كان للكافيه حديقة صغيرة ملحقة به، عادة ما أخرج إليها بعد وصلة تمتد لساعة تقريبا، تحضر النادلة الفلبينية القهوة وتتركها على طاولة صغيرة مستقرة فوق العشب. هناك بينما أدخن، كانت تأتيني ورقة او اثنتين بأرقام تليفونات، وكنت أبتسم في سري. كانت هذه دعوات لسهرات خاصة أعتذر عنها. “ليس إلى هذه الدرجة” أقول لنفسي، مكتفيا بمتعة خبيثة، وهي أنني كان يمكن أن أفعل.
“يمكن أن” هذه كانت إضافتي الأساسية على أسلوب أبي، إضافتي العاصفة إذا شئت أن تقولي. ربما لهذا، ودون وعي كامل، كان ثمة شيء مريح في موته. كنت أعرف وإن بصورة مشوشة، أن حياتي ستكون أمرا مخيفا بالنسبة له، وقد كانت فعلا حتى قبل رحيله بسنوات. رجل بطبيعته لن يقول لي ذلك أبدا، وصداقتنا الملتبسة بالأبوة والولاء ستصبح مثل مرارة دائمة في الفم. كلمة ستطير في الهواء ولن ينطقها أحد، لن تُسمع (ليس هذا ما اتفقنا عليه). ما أصعب التغيرات التي لا يجد الواحد منها مفرا في شخصيته، ذلك أنها تؤذي، وتبعث برسالة (لم يعد هو الشخص الي نعرفه). يتنبأ الواحد بها وهو مدفوع في الطريق الآخر، وكأنه محمل بعبء مضاعف. وكأنه يعتذر عن شيء لابد منه. ويعرف ألا معنى للاعتذار، وهو ما يجعل الفكرة نفسها أشد قسوة.
إنني أقترب كثيرا من النقطة التي تشغلني، ومن أجلها كتبت لأستوضح منك. المسألة ليست فيما إذا كان كان من حقنا أن نتغير، وأن آخرين لا يتفهمون. لا، فهذه هي الصيغة التي نحب أن نلخص فيها فكرتنا. إنها تجعل تغيّرنا عنادا فحسب في مواجهة شيء ما لا يعلمه إلا الله، تخلق له أعداء، عراقيل، موانع عاطفية مثبطة لابد من إزاحتها فورا، وإدانتها أيضا. لابد من طمس “لا أخلاقية” التغير بطرثيقة مبتكرة، وهي أن نتبناه أخلاقيا، باعتباره مهمّة “لماذا لا يدعوننا في طريقنا.. لماذا يعيقون تقدمنا؟”، لكننا نعرف، أو لا نعرف، أننا مدفوعون، أن قدما، وربما أكثر، تركلنا من الخلف، أننا غير مسيطرين على “الموقف” كما يبدو، أن جزءا منا يشعر بالرعب من فقدان السيطرة بدأ من الجسد، حين ينمو الزغب على طرفي الفم أولا، حين يُسرق صوتنا في ليلة، ونفيق بصوت آخر كأنه من حنجرة مستعارة. نبرتنا العدائية تعبر عن شيء مفقود، شيء نعرف أننا نفقده بلا أمل، وتبدأ رحلة غريبة من آلام العضلات، نوع من التحفظ المتبادل ورسم الحدود، رعب نسميه “الاحترام الواجب”، الاستقلالية، “أنا” التي يمكن أن تقال بتواضع، إذا كان الشخص ذكيا بما فيه الكفاية ليخفي وراءها “لا تقترب”. نحدس أن كل هذا ملفق، داعر، لا إنساني، لأننا حين نحب.. يا الله… كم تصبح هذه الأنا مستذلة، مكشوفة، زاحفة على أربع، مكومة في ركن، ومثل أي طفل.. تبكي.
ما أريد أن أقوله، وهو سؤال، أنت نفسك، ألقيته عليّ بيأس ذات يوم، لمَ يفتِننا الشر؟
هل كان هذا هو سؤالك حقا أم أنني أحرّفه بعض الشيء؟ لأن الموضوع لا يتعلق بالشر بقدر ما يتعلق بالافتتان. أنا مرتبك قليلا، لأن كل هذا قد مضى في الحقيقة ولم يعد له وجود، ولكنني كلما اقتربت منه، كما يقترب الواحد من جثة، خيّل إليّ أنني أستمع إلى وجيف خافت، ورائحة دم حديث، وما يشبه الاستغاثة من فم مطبق، شيء ما كأنه يقوم من بين الأموات…
في الواقع لقد ضممت فكرتين في سؤالي الذي صغته وكأنه سؤالك أنت. فعلت ذلك عن قصد. ليس لأقول أن الافتتان والشر شيء واحد، بل ما هو أسوأ.
لحسن الحظ أننا كنا نعرف دورنا في هذه القصة. سمحنا لأنفسنا كل بطريقته، أن نفتتن بوضوح، كما لو كنا نطالب بحق. وبهذه المقدمة استعجلنا الشر. لكننا لم نغلب أبدا في ملعب الحب.. لأننا كنا نسرع بالفرار عند أول رمية جانبية.
….
“لا توجد أسباب وجيهة لذلك”.. لا يتوقع الواحد إجابة أفضل حين يهيم أحدهم/إحداهن بشخص ما. كل وصف آخر: رائع، مغو، شيطان، طيب رغم هذا…
كل عبارة ستبدأ بـ”إنه..” سنعتبرها من قبيل التلويح باليدين، عمل يائس لغريق. هل الحب استحقاق؟ ناقشني صديق مرة. لا أذكر الآن ما قلناه.
لقد طرأ شيء جديد على أحلامي. عاد أبي. ولكن أي ارتباك سببه لي! لا أذكر متى بالتحديد، ولكنني بالطبع أتذكر الكآبة التي فسّرتها بطريقة أنانية. بدا أننا نعيش بدونه. البيت كما هو. هناك افتراض بأنه تركنا، أنه يعيش في بيت آخر. لا يقال هذا في الحلم صراحة، بل يفهم ويُستشعر، مثل هواء نكد. زوجة أخرى ربما. أمر غير مؤكد. يأتي أبي إلى البيت ولكن كزائر، لا أعرف وجهته. وكزائر في بيت هو بيته، يمكنك تصور الحرج، حالة الصمت، الإشاحة وتجنب النظر المباشر أثناء الكلام، كل ما يقال لم يعد من الممكن تصديقه بشكل كامل، إنه يقال “لنا”. ثمة مشاعر لن يظهرها “هنا”، سيحتفظ بها لمكان آخر. هنا لم يعد لائقا الابتسام. يمكن لكلمة أن يساء فهمها.
ليس هذا وحده ما أصابني بالكآبة. بل ما فاجأني هو كآبتي تحديدا. أنني لم أطق منحه حرية أن يكون شخصا آخر ولو في حلم، بل مع كونه ميتا.. وهذا أمر لا يمكنه أن يكذب فيه. أتراه كذب حقا؟
هل كانت هذه إشارة انقطاع متأخرة جدا “عليك من الآن تكون نفسك” كما يمكن أن يخبرك طبيب بينما تعبث يده بشيء ما على مكتبه؟ يتجنب النظر أيضا ليمنع رؤيتك له كوجه إنساني مثلك تماما، يعرف، إن لم يكن غبيا كفاية، أن ما يردده ليس أكثر من حماقات. قد يكون هذا صحيحا. وربما كان الأمر كله عكارة مزاج، نوع من المجاز لانعدام الرضا عن الذات. ما يشككني كثيرا في هذه المسألة هو اللغة. أتدركين قصدي؟ حتى في الأحلام يستخدم الواحد كلمات (أو يهيأ له أنه يفعل) ليحتفظ بالحدث، ويعرف بصورة أكيدة أنه سيحمل هذا الشيء إلى ضفة أخرى إذا ضربت الشمس وجهه في الصباح، وألا طريقة لهذا الانتقال الخارق إلا بكلمات، إن الواحد لا يفتح عينيه على وسعهما فقط في حلم بل يحرك شفتيه أيضا، أؤكد لك. أتثقين أنت فيها.. هذه “الكلمات”؟
إنها رسالة أخيرة، لهذا تتكرر كما هي تقريبا بتفاصيل لا تترك أثرا. شعور واحد طاغ بعدم الارتياح. هل يريد أن يودع نهائيا؟ أفكر في ذلك الآن. “لي حكاية لا تعرفها” كأنه يقول، و”هي” ليست لك. لقد بدا لي الآن أبا فقط، أب لا صديق، أب يحجز بجسده ما وراءه من أسرار، أب يهجر، ولديه مفتاح بيت آخر، ليس بيتنا فحسب.. بيتنا؟ يا إلهي!
هل عليّ أن أطلق الآن سراحه؟ أظل مقيدا بي طوال هذه السنوات، “عليّ أن أكون نفسي” هل هي عبارته أم عبارتي؟ هو أب.. لابد أن يموت، إنه يقدم نفسه بلا مواربة، بعاتباره “لست من تعرفه فحسب”، أما كصديق فهل يدعوني إلى بداية جديدة؟ أيمكن هذا أصلا؟. لن يكون هذا في البيت. ولم يعد من الممكن اللقاء على مقهى مثلا، لأنه لا مقهى سيتقبل هذا الوضع المربك، كرسيان لميت وحي يتبادلان السجائر والأسرار. سيُعتبر هذا نذير شؤم.
إنني عادة ما أتحدث بصوت مسموع إلى موتى وغائبين، منذ سنوات طويلة درّبت نفسي على عدم الخجل من هذا، زملائي يعرفون، ويخبرون كل شخص جديد “لا ده انت ما تعرفش” ويكملون ضاحكين وأضحك طبعا. لقد نلت تقديرا استثنائيا في سني حياتي الأولى بسبب هذا الرجل الذي يختزل في صمت كئيب رغبته الرحيل. لا يعرف هو ماذا فعل حقا. لقد شجعني هذا،بعكسه ربما، على تلويث حياتي، مع ثقة كبيرة وبلا أي مشاعر متحدية “ليكن.. سينتهي هذا حتما.. لا بأس من قذارة هنا، لطخة أو لطختان أمر طبيعي جدا” ولحسن الحظ أن هذا لم يمنحني تواضعا، بل قربني من الطبيعة (كلمة مضحكة حقا)، من المكان الآخر غير المسمى هذا، من الموتى الذين لطخهم عار الموت. فالموت نفسه عار، عارنا كلنا، نحن الذين ندير وجوهنا لأن لنا “مهمة” أو لأننا “نريد أن نكون أنفسنا”.
هذا هو مبدأ الافتتان، ليس حب الآخر، ليس “الموضوع” هو محور الافتتان. هل استعملت الكلمة الصحيحة؟ ربما كان “الحسد” هو ما يؤجج الافتتان، حسد للإله ربما، حسد لمن نتصور أنهم قادرون على الإشاحة عنا، للنائمين بخلو بال، المكتملين كالبلادة.
نفتتن لأننا لا نتوقع ما هو أفضل أفضل لأنفسنا، شكاكون حيث يكون الشك، بالذات، هو حافز التشبث والإذلال. نتوقع من الآخر شيئا شبيها بميت، ولكنه حي ومستفز، صلب ومتماسك، “له حكايته” التي لن نعرفها، مفتاح بيت آخر ليس بيتنا. نفتتن لأنها طريقتنا في التعبير عن الهلع، عن رعب انكشافنا، وسعادتنا الخبيثة أيضا بهذا الانكشاف، كما لو كنا نستحق إهانة من نوع ما، تلك السعادة التي يطفئها الهلع سريعا.
أنت تقرأين الأدب الأوروبي أليس كذلك. سأقول لك شيئا، هؤلاء المهاويس اللاهوتيون لم يكبروا أبدا.
“الواحد” بالنسبة إليهم هو الإغواء الحالم والإجرامي، حتى وهم يزعمون موته تفتيته إزاحته من المشهد، وضعه على هيئة نقاط بين قوسين، اعتباره فرضية ضرورية، ضمانة لعدم انهيار السوق، ركلة لا يمكن النظر إلى الورواء للإمساك بالقدم التي نفذتها، صفحة سقطت من كتاب بلا وجه. وبالمناسبة.. هكذا يحبون بالضبط. الواحد أيضا أول الأعداد، آخر درجة في السلم، في التراتب الذي يعني بالضرورة تنازلا ما وتضحية غير ضرورية. يرتبط الإيمان والحب بإهانة وكأنهما الشيء نفسه. هل يلام أحد على تفاهة محبوبه؟ بالعكس تدعم التفاهة الحب، أعني الافتتان.. لا أعرف.. عليك أن تختاري أنت الكلمة الملائمة.
….
أتعرفين؟ لا يوجد أشهر من عبارة أن التحليل النفسي كان صدمة ومهانة لـ”الأنا”. هذه خدعة، لقد دعم هؤلاء المجانين عزلتنا بوقاحات لا مثيل لها. ففي النهاية لا يبقى إلا الأنا نفسها، حائط أخير لمنع الانهيار، قناعة مؤقتة عاجزة تماما عن الفرح، بخار لطبخة مسمومة يتكاثف ثم يسقط على رؤوسنا. علينا ألا نبدي السخط من هذا، أن نكمل السير إلى محلات العمل منظفين ستراتنا من الوسخ الذي سقط من أعلى أو من أسفل. علينا أن نتحفظ، (هذا شرط أساسي)، أن نحكي مشاعرنا لأنفسنا بطريقة خبيثة تشوهها وتظهر تفاهتها. أو بالطبع: أن نكون مجرمين، لأنه حقنا.. طبيعتنا. إما السر وإما الفضيحة.. وكلاهما الشيء نفسه.. لاحظي ذلك، وما بينهما حياة بلا وعود.
“طوال هذه السنوات، على أرض احتجاجات خشنة، كل ما حدث هو افتتان، هو حسد، أو هو قمع ومداراة للافتتان والحسد.”
“.. أنا لم أتساءل أبدا ما إذا كنتِ حية أم ميتة؟ ما أدراني؟ يشيعون هذه الأيام عن أشخاص شاهدنا إعدامهم، أنهم لوحظوا على عجل بين جمهور كثيف في مباراة، أو أنهم يعيشون بأمان تحت رعاية مخابراتية.”
“كنت أريد أن أكلمك عن الأحلام.. كانت هذه هي فكرتي فحسب. لكنني مضطر أن أصارحك الآن، إنها ليست مجرد فكرة، لقد ألقيت بثقلي كله هناك، في هذا الجانب الآخر. إنني أقيم، بهذا، العالم على قدميه بعد أن كان سائرا على رأسه.
لا أقصد أحلام اليقظة. بل التي هناك، التي جئت إليّ فيها دون كلمة، وكنت سعيدا جدا. عليك أن تكرري هذا.
يقول روائي على لسان شخصية إن الموتى يشدون الأحياء إلى “موتهم”.. الحقيقة، لا أعرف كيف أقول هذا، أنني أحببت بعدك، ربما بسبب اطمئنان وفره لي حلم. وبطريقة عجيبة للغاية: فتاة كانت تنتعل معظم الوقت حذاء عسكريا (لا أقول يشبه الحذاء العسكري، ولا ألقي بمجازات) وكانت تقرأ الفنجان وتدخن كأنها تختلس شيئا، ولها طبقة صوت تذبح من العنق، وأحببت واحدة، ليس أكثر من شهر، كانت تحدثني عن خروف العيد، وكيف أنهم لم يجدوا له مكانا إلا البلكون، وتقول “اسمع”. وهو يرفس الشيش. هناك ما لن أحكيه لك الآن.
ذات الحذاء العسكري كانت تحب إظهار التفاهة. تعلمين كيف يتصرف هؤلاء الناس، كمن يهدم دور شطرنج، أو يطيح بأوراق اللعب في الهواء باستخفاف مصطنع (أعرف واحدة كانت تفعل ذلك حرفيا) لدى هؤلاء غالبا شيء عميق يخافون من غمس أصبعهم ولمسه، يتنبأون به ككارثة، ويحتفظون به كحمْلٍ لا يكتمل أبدا، ولا يصرحن به حتى لأنفسهن (لا أتلاعب بالضمائر) يخترن دائما الاختيار السيء نفسه بما يشبه العمد، لتسخيف أنفسهم بالذات، لإبقاء الجنين سرا، وإيهام الجديد بأبوة أو أمومة زائفة.
إنه شيء خسيس ومقزز، إذ لمجرد ألمٍ لا أصل له، أو مجرد الاعتقاد بأن ملامسة الحياة “الحقيقية” يطل الموت نفسه، يؤذون إلى أبعد حد. انا غمست إصبعي وكفي وذراعي كلها.. كان هذا قبل أن يبدو العمق أمامي.. ما يأتي، ما هو مرهون بك، وبيد أخرى تقول تعال.
أنا مضطر إلى الإشارة إلى نفسي بيد مضمومة.. هذا ما أرجو أن تساعديني فيه.
كنتِ حين الاستغراق في النوم تجذبين الوسادة فوق رأسك، وقلت لك مرة (أو ربما كتبت.. أو اعتقدت أنني كتبت) أن أذنيك مقلوبتان إلى الداخل. وتصوري هذا.. لقد اعتقدت أنني يمكن أن أتلصص، أن ألقي بأذني “هناك”.. ماذا كانوا يقولون لك ياغاضبة؟
أنا أعيش بهذا الغضب نفسه، لكن دون أن أعرف السبب، ولهذا عليك أن تأتي.
” اقترفت خطأ كبيرا. يبدو أنه من الصعب تدارك الأمر الآن. سيرى آخرون أنني أبالغ، لكنني حالما انتهيت من كتابة الفقرات السابقة تبين أولا أنني وضعت الأقواس بشكل اعتباطي، كأنها يوميات، أو رسائل متفاوتة الطول بحسب الحال. من البداية وأنا متشكك بهذه الأقواس؛ ماذا تعني فعلا؟ ماذا وراءها؟ أي عالم مفترض ذلك الذي يقبع هناك قبلها أو بعدها؟ تشير الأقواس إلى ذلك وتلمح إليه، إلى حيث تعيش كلمات أخرى، أو لا كلمات على الإطلاق. يضع الناس أقواسا ليقولوا، أحيانا، أن الأمر مازال بيدهم، فهم يكتبون من خارجها بالطبع. إنهم يبقونها هناك مثل أقفاص حيوانات، ويرتاحون قليلا متوسدين مخداتهم ومفكرين في شيء آخر، يتابعون من بعيد حياة كانوا فيها أو كانت لهم، أتعتقدين أنهم واهمون؟
يضعون أقواسا ليقولوا: هذا ليس نحن، لسنا مسؤولين. وأحينا يضعونها بمكر كأنها قَرْصة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

قبل الارتطام بثانية شعر وقصائد مهاب نصر , ديوان مهاب نصر pdf

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» شعر وقصائد حسن طلب,ديوان حسن طلب pdf
» شعر وقصائد ألن جنسنبرج,ديوان ألن غينسبيرغ pdf
» ديوان الأسرار والرموز,شعر وقصائد محمد إقبال,ديوان محمد إقبال مترجم pdf
» ديوان ملحمة تمرد لحسن طلب,شعر وقصائد حسن طلب
» شعر وقصائد يوهان غوته,ديوان جوتة مترجم pdf

صفحة 1 من اصل 1
نوسا البحر :: فوضى الحواس(منتديات ثقافيه) :: مرتفعات أو سوناتا الكلام

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا