آخر المساهمات
2024-05-16, 2:37 am
2024-05-04, 8:54 am
2024-05-04, 8:53 am
2024-04-28, 10:02 pm
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-02, 5:16 am
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

1 نتيجة بحث عن أنجاريتى

كاتب الموضوعرسالة
الوسم أنجاريتى على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: شعر وقصائد أنجاريتى ,ديوان جوسيبى أنجاريتى كامل مترجم pdf
hassanbalam

المساهمات: 5
مشاهدة: 504

ابحث في: مرتفعات أو سوناتا الكلام   الوسم أنجاريتى على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: شعر وقصائد أنجاريتى ,ديوان جوسيبى أنجاريتى كامل مترجم pdf    الوسم أنجاريتى على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-11-03, 9:51 am
@hassanbalam
#أنجاريتى

يا إخوتي: قصائد مختارة من شعر أنجاريتي

عبد الغفار مكاوي
«سيَعرفُ القارئُ منَ النظرةِ الأُولى أنَّ أشعارَ «أنجاريتي» تتميَّزُ بالتركيزِ البرقيِّ التَّام، وأنَّها أشبهُ بشَذراتٍ وألحانٍ لم تَتم. الكلمةُ عندَه شقٌّ أو صَدْعٌ قصيرٌ للصَّمت، تقفُ وحيدةً مُرتعِشةً داخلَ عالَمِ الأسرارِ الذي لا تكادُ تَلمسُه إلا مِن بَعيد.»

يُمثِّلُ «أنجاريتي» نقطةَ تحوُّلٍ بارزةً في الشِّعرِ الإيطاليِّ الحَديث، فقدْ خرَجَ من بينِ أفكارِه وأفكارِ زُملائِه وتلامِيذِه مِن بَعدِه الرُّوحُ التجديديَّةُ الثائرةُ على الشكلِ التقليديِّ للقَصيدةِ ذاتِ الإيقاعِ المتجانسِ، والتراكيبِ المُكتمِلةِ والمَعاني المفهومةِ واللغةِ البليغةِ الرنَّانة؛ فقد اتُّهِمَ في الأربعينياتِ بتكوينِ مدرسةِ «الهيرميتزم» أو الغُموضِ والإلغاز؛ وهكذا الْتَصقَ بشِعرِ «أنجاريتي» طابعُ الغُموض. وغُموضُ شِعرِ «أنجاريتي» لم يكُنْ عَجزًا في اللُّغةِ أو المَوهبةِ لدَيه، وهُو لا يَعني التعقيدَ إلى حَدِّ السُّخْف؛ فالغُموضُ الأَصيلُ له سِحرُه، وله عِندَ الشاعرِ الحَقيقيِّ ما يُبرِّرُه في البَوحِ أو الصَّمتِ في الصُّورةِ أو الرُّؤية، وفي الفِكرةِ الشعريةِ قبلَ تجسيدِها في كَلِمة. وقد انتَخبَ لنا الدكتورُ «عبد الغفار مكاوي» أكثرَ مِن ستينَ قصيدةً للشاعرِ الإيطاليِّ المَرموق، ويُلقِي الضوءَ على شِعرِه وقصةِ حياتِه في مِصر.

تقديم

(١) جوسيبي أنجاريتي (ولد بالإسكندرية في ١٨٨٨/٢/١٠م ومات في ميلانو في ١٩٧٠/٦/١م).

هذا الشاعر الكبير الذي يُعدُّ رائدَ التجديد في الشعر الإيطالي في القرن العشرين، ومؤسس اتجاه أو مدرسة كاملة — مع زميله أويجينو مونتاله وغيره — سُمِّيتْ خطأً أو صوابًا بمدرسة الغموض أو الإبهام والإلغاز (الهرميتيزم).١
هذا الشاعر الذي رأتْ عيناه النورَ في الإسكندرية — جميلةِ جميلات مُدننا ولؤلؤةِ البحر الأبيض وعروسِه، والشاهد الحي على تاريخه وحضارتِه — وقضَى فيها طفولتَه وصِباه وشبابَه الباكرَ قبل سفره إلى روما، ومِنها إلى باريسَ لاستكمالِ دراسته، ثم التطوع في الحربِ العالمية الأولى التي تركت آثارَ تجاربِها الدامية على أروع مجموعاتِ قصائده، وهي «فرحة الغرقى» (١٩١٩م)، وختمَتْها بخاتمها الذي جعلَ شعرَه ونثره كلَّه بعد ذلك قصةَ «حياة إنسان» وتجاربه الأليمة التي عبَّرتْ عنها لغة الشعر الجوهرية، فارتفعتْ بها إلى آفاقِها الصافيةِ المتعالية.

هذا الشاعر الذي كانت مصرُ — بنِيلِها وريفِها وناسِها وعَراقة ثَغْرها المبتسم الحَبيب — هي على حدِّ تعبيرِه حلمُه المألوف، وسرَتْ أسرارُ روحِها وهديرُ وهمسُ بحرِها وغموضُ صحاريها في شعره الصارم البسيط الذي يشبه شذراتٍ مبتورةً يتخلَّلُها من الصمتِ والسرِّ والكتمان والأصداء أكثرُ مما يُسمع منها من الأصواتِ والأنغام.

هل آن الأوانُ لأنْ نتذكَّر هذا الشاعرَ ونقرأَه، ونحاولَ التعرُّفَ إلى تأثير لؤلؤتنا وعروسِنا الخالدة عليه بعدَ أن طالَ نسيانُنا وإهمالنا له، ولم ينشغلْ به — على مبلغِ عِلمي — أحدٌ من إخواننا المجيدين للغة الإيطالية والعارفين بآدَابها؟ أقول: هل آن الأوانُ لِإنصافِه أو بالأحرى لإنصاف أنفُسنا بالاقترابِ من عالمه وتجربتِه الشعرية المؤثِّرة على الشعرِ الإيطالي والأوروبيِّ كلِّه، والتعرف إلى تجربة حياته التي عكَستْها مرآةُ شعره وصفَّتْها؟

فلنُحاولْ في البداية أن نتابعَ طريقَ حياته خطوةً خطوةً، قبل أن ننظرَ بصورةٍ مؤقتةٍ وعاجلة في تجربة حياته التي لم تخرج تجربته الشعرية عن أن تكون مجردَ انعكاساتٍ لحظية خاطفةٍ لها، وشديدة التركيز والتكثيفِ على مرآة لغتِه الجديدة والوَحيدة.

(٢) ولد أنجاريتي في العاشر من شهر فبراير، سنة ١٨٨٨م في الإسكندرية، لأبوين هاجرَا إليها من مدينة «لوكا» في منطقة توسكانيا مع الأعدادِ الغفيرة من المهاجرين الأوروبيين الذين ازدحمت بهم المدينة منذ أواخرِ القرنِ التاسعَ عشر — في حِمى الاحتلال البريطاني — أوائلَ القرن العشرين. كم يؤسفني غايةَ الأسف ألا تساعد المراجع الشحيحةُ التي تحتَ يدي على معرفة شيءٍ عن تفصيلاتِ حياته وتجربةِ طفولته وصباه؛ الحي الذي نشأ فيه، والشارع والبيت الذي ولد فيه ولعب على أعتابِه، والمدارس التي تعلَّمَ فيها، والثقافة التي حصلها وربما التقطَ من شجرتها بعض الزهورِ والثمرات، التي تختزن عبق التاريخ السَّكَندري، وإشراق أنواره العلمية والباطنية منذ العصر الزاهي لمدرسةِ الإسكندرية والكتابات الهرمسية في القرون الأولى بعد المسيحيَّةِ حتى الفتح العربي الإسلامي، وما جاء بعده من تاريخها الوسيط والحديث.٢
يؤسفني هذا كما قلت ويضطرني — ولو إلى حين — لمتابعةِ الخطوات الأساسية على دَربِ حياته الذي امتلأ بحُفر الحرب ومَآسيها، وتركتْ على مواقف الوحدة والقلَق والغربة، وفقد الأحباب ولواعج الشوق اللاغب إلى المطلق واللا محدود؛ آثارَ جراحها الدامية.

عاش أنجاريتي مع عائلته في الإسكندرية، ولم يتركها على أرجح الاحتمالاتِ قبل بلوغِه الثالثة والعشرين من عُمره، وسافر حوالي سنة ١٩١١م إلى روما لاستكمالِ تعليمه، ثم لم يلبثْ أن اتَّجه إلى باريس التي أقام بها لأولِ مرة ما يقرُب من ثلاثةِ أعوام (١٩١٢–١٩١٥م)، كانت من أخصبِ أعوام حياته وأشدِّها تأثيرًا على وجدانه وعقله وعلى طُموحه، إلى تجديدِ لغتِه وشعرِه تجديدًا جذريًّا بوحيٍ من الصراعات والمنازعات والمحاورات التي كانت تدور وتصطخب في باريس بين التقليديين من جهة، والمجددين والمستقبليين والحداثيين في الفنون الجميلة وفي الشعر والأدب من جهة أخرى. هنا تعرَّف إلى الجديد الذي سيكتسحُ كلَّ الحواجز والعقَبات التي وقفتْ في وجهِ الأدب والفن الأوروبي، وهنا سيتاحُ له أن يقرأ نيتشه وبودلير ومالا رميه (الذي لا أشكُّ لحظةً واحدة في تأثيرِه الطاغي عليه …) وأن يستمعَ إلى محاضرات برجسون، ويستوعب ما فيها من حديثٍ عذبٍ متدفق عن «الديمومة» والشعور المباشر، والتطور الخالق والدَّفَعات والانبثاقات الرُّوحية التي تنتصر على المادة، وتتحرَّرُ منها وسوف تؤثر كلُّها بطرقٍ غير مباشرة على الشاعر الشابِّ والشيخِ أيضًا. وهنا أخيرًا تعرَّفَ إلى عددٍ من الشعراء والمصورين الذين انعقدَتْ بينه وبينَ بعضِهم أواصرُ صداقةٍ ومحبة عميقة. يكفي أن نذكر منهم الشاعرَينِ: جيوم أبو للينير، وماكس جاكوب، والفنانين المصورين بيكاسو وبراك ومود يلياني. كل هذا بجانب قراءته لعددٍ كبير من الشعراء الذي سيشتهر بترجماتِه الرائعة لهم بما لا يقلُّ عن شهرته الكبيرة بعد ذلك في الثلاثينياتِ كشاعر مجدِّدٍ يصدم أذواق الجماهير، وتُؤسَّسُ المجلات خصيصًا للهجوم عليه، أو للدِّفاع عنه وشرحِ قصائده. من هؤلاء الذين كان له الفضل في ترجمتهم بعد ذلك بودلير ومالارميه — وهما قطبا التجديد اللذان سبَق ذكرُهما — وبول فاليري وسان — جون — بيرس، الذين أضاف إليهم بعد ذلك ترجماتٍ يشاد بها إلى اليوم عن شكسبير وراسين وشارل بيجي ووليم بليك.

كان المستقبَليون بزعامة مارينيتي يُثيرون في ذلك الوقتِ ضجةً شديدة حول دعواتهم الصارخة للثورة على القديم، وللتجديد في بناءِ لغة الرسم ولغةِ الشِّعر، وأخذَه أصدقاؤه الإيطاليون الذين كانوا يعيشون في باريس — وهم الأدباء والنقاد بالأتزيسكي وسوفيتشي وبابيني — لزيارة أحد المعارضِ الهامَّة للوحاتِ المستقبليين، ولفتوا انتباهَه إلى مجلتهم «لاتشيريا»،٣ التي نشر فيها بعضَ قصائدِه الباكرة …
(٣) وفي سنة ١٩١٥م تطوَّعَ للاشتراك في الحربِ العالمية الأولى، وانخرطَ في الكتيبة التاسعةَ عشرةَ مشاة، وقضى معظم سنوات الحرب في الجبهة النمسوية؛ حيث كتب في الخنادق المظلمة وتحت وابل القنابل المدوِّيَة أغلبَ قصائد مجموعته الأولى «الميناء المدفون»، التي ظهرت سنة ١٩١٦م في مدينة أودين. لم تكن قصائدَ تحث على الحرب أو تنفِّر منها، وإنما كانت نفثاتِ إنسانٍ وجد نفسه على حين فجأة متورطًا في السَّير على شارع الحرب الذي لم يحسِب حسابَه، ولم يخطر له على بال. راح يسأل في مواجهة الفواجِع البشِعة: لماذا؟ ولم يكن هو وحدَه الذي يردِّدُ السؤالَ الذي استعصتْ إجابتُه على جنودٍ كثيرين مثلَه. كانوا يقفون في بؤسِهم وتعرُّضهم كلَّ لحظةٍ للجرح والموت كما تقف أوراق الشجَر في الخريف، وقد كُتب عليها أن تسقطَ حتمًا دون أن تستطيعَ أن تقول شيئًا؛ لأنه لم يبق من شيء يُمكن أن يُقال. وهكذا تنشأ وتنمو قصيدةٌ نادرة من أربعة سطورٍ وتسع كلمات، لكن كم تدوِّي منطلقةً منها أحزان الورق الذابل في صمتٍ في رياح الخريفِ وكآبته، وأحزان الجنود الذين يروحون كلَّ يوم ضحية «مجزرة الإخوة الأوروبيين»، ولسانهم وقلبهم يردِّدان السؤالَ الذي لا جواب له:

هكذا
كما في الخريف
على الأشجار
ورقة وورقة.
وجاءت بعد المجموعة الشعرية السابقةِ الذكر مجموعةُ قصائدَ أخرى ظهرتْ سنة ١٩١٩م، وحملت هذا العنوان «فرحة الغارقين»، أو «السفن الغرقى» الذي اختصره الشاعر في الطبعات التالية منذ سنة ١٩٣١م، في كلمة واحدة يتعذر ترجمتها وهي «الفرح»؛ الفرح الذي يمكن أن نؤديه بكلمات أخرى كالمرح والبهجة والسرور أو السعادة الباطنة التي تدفعنا لأنْ نعيشَ الحاضر بكل عُمقه وحدَّته، ونأمل في غدٍ نستبشر به ونثقُ فيه، ونمشي على الأرض بخطوات ثابتة، وكأننا نطلق من داخلنا كرة السعادة ونسارعُ لالتقاطها في لعبٍ حرٍّ يفرحنا، ويمكن أن يعود بالخير والنفع على أهلنا ومجتمعنا ووطننا والبشرية جمعاء. ألم أقُلْ: إنَّ كلمة «الفرح» يتعذر ترجمتها والإحساس بمدلولها الخالص في لغتنا؛ لسببٍ بسيط هو: أن هذا الفرح الحقيقي غريب عنا، وغير معروف لنا ولا لمن نعيش وسطهم ويعيشون معنا وحولَنا، هل قلت لسبب بسيط؟ لا؛ بل لأسباب تاريخية وواقعية تجعل ما تصفه عادة بالفرح مُعبرًا في صميمه عن البكاء، وأنينًا يتخذ شكل القَهقهة المريضة والسخرية المرَّة، والنكتة الهروبية المتشفِّيَة، أو المُنتقمة من الذات ومن الآخرين.

مهما يكُنْ من عجزِنا أو من قُدرتنا في لحظاتٍ نادرة على الإحساس بهذا الفرح (الذي لم ينفصلْ منذ البداية في العنوانِ الذي وضعه الشاعرُ نفسه عن غرَق السفنِ، وخيبةِ الآمالِ وتكسُّرها على صُخور الواقعِ العنيد)؛ فقد رأى بعض النقاد — وإن لم يكُنْ هذا بالضرورة هو رأيي! — أن أنجاريتي قد احتضن في قصائد «الفرح» أسمَى ذرى إبداعِه قبل أن تبدأَ أجنحتُه في التهاوي بعد ذلك بالتدريج، بحيث تكفِي المقارنةُ بينها وبين مجموعة أخرى متأخرة وهي «صرخةٌ ومشاهد ريفية» (١٩٥٢م)؛ للتأكد من ذلك بصورة تتجلَّى في انتباهه إلى التأمل المجرد من نبضاتِ الشوق المحموم ورفيفِ فراش الحسِّ الدافئ نحو شفافية الروح، وأفق اللامتناهي واللامحدود.

(٤) استطاعت قصائد «الفرح» أن تنشر اسمَ صاحبها وتدعَمَ شهرتَه، سواء بين الذين سخِطوا عليه أشد السُّخْط، أو الذين وجدوا فيه أملًا جديدًا لإنقاذ الشعرِ الإيطالي من أوزانه التقليدية وأساليبِه الكلاسيكية أو الرومانسية التي ملَّتها الأسماع ومجَّتْها الأنفسُ المتطلعة — بعد كوارث حرب فظيعة حطمتِ الأنظمةَ المستقرةَ في الفكرِ والدين والفن والسياسة والاجتماع … إلخ — إلى شعرٍ يكون بدَوره «حُطامًا» و«شظايا» متناثرةً تسجِّل — بلغةِ الشعرِ المتعالية على الواقع الطبيعيِّ وعلى لغة التواصل الطبيعية على السَّواء — ذلك الواقعَ المادي والنفسي الذي تحول فيه الزمان والمكان والبشَر إلى بقايا خرساءَ، وشذراتٍ متناثرة وأطلال منهارة تنطقُ بالصمت، وتوحي بالإشارة والإيماءة أكثر ما تحرِّك شفاهَها بالكلماتِ المعقولة والمفهومة …

هكذا بدتْ قصائدُ هذه المجموعة (أي: فرحة الغارقين) التي زادتْ على السبعين قصيدة (وتجد منها في هذه المختارات ما يربو على الأربعين!) على هيئةِ أبياتٍ أو سطورٍ شديدة الإيجاز والدقة إلى حدِّ الصَّرامة. وكأني بها محسوبة حسابًا رياضيًّا متناهيَ القسوة في تجريد لغته المشحونة مع ذلك بإمكانات وطاقات سرية، وتثير دوامات متوترة من الصور المجازيةِ والاستعارية التي تختَزنُها، وتشعُّ دلالاتها السِّحرية لغة الشعر الحقيقي أو الجوهري على الدوام (راجع إن شئت كتابَي رائد الحداثة النقدية عندنا — وهو أستاذنا لطفي عبد البديع رحمة الله عليه — وهما: اللغة والشعر، والتركيب اللغوي للأدب).

هل كان من الممكنِ أن تكون هذه القصائد على غيرِ ما هيَ عليه؟ ألا تعكسُ «دراما» إنسان وجدَ نفسه بغتةً — كما سبق القول — على درب الحربِ الذي تخترقه الجراحُ والدماء والقتل البشع، ويمزقه التدمير المستمر للوجود الفردي المعرَّض في كل لحظة من لحظاته للترويع والقلق والاغتراب والضياع وفقد الأعزاء؟ مع ذلك فإنَّ القصائد المنتزعة من هذه المواقف الحدية واللحظات الوجودية القصوى تُسجل إرادة الشاعر العنيدة للحياة، وتحثُّه على التعلُّق بكل لحظة يجد نفسه فيها حيًّا لا يزال.

انظر معي إلى هذه القصيدة الفريدة التي اضطرَّ فيها الشاعر للسَّهَر في حراسة صديق صرعتْه الحرب فيمن صرعتهم، وتأمَّلِ الأضواء التي تنبعث منها، رغمَ كلِّ التمزق في الوجه والأعضاء:

ليلة بطولها،
مُلقًى بجوار
رفيق مذبوح،
بفمه العابس
المستدير ناحية البدر.
بالدم المحتقن في يديه
الذي تغلغل في صمتي،
كتبت رسائل مفعمة بالحب.
أبدًا لم أكن
أشدَّ تعلقًا بالحياة … (١٩١٥م)
في هذه القصائد الباكرة، وقبل أن تصبح فلسفة الوجود — أو الوجودية، كما اشتهرتِ التسمية غير الدقيقة — في العشرينيات والثلاثينيات، ثم في فرنسا في الأربعينياتِ والخمسينيات دليلًا نظريًّا لتحقيقِ الوجودِ الفردي الأصيل، وممارسة الحقيقة الذاتية في مواقف الاختيار الحر والالتزام المسئول، والقلق والتصميم على مواجهة الموت بالمزيد من تعمق الحياة، وصنع الوجود المتحدي للعدم بمختلف أشكاله. أقول: إن الشاعر قد استطاع في هذه القصائدِ الباكرة، ومن وحي تجاربه في الخنادق وميادين «المجزرة» الأوروبية، لا من وحي قراءاته لفلسفة لم تبدأ في الشيوع إلا بعد الحربِ العالمية الأولى، استطاع أن يقدم مواقف درامية ووجودية مشحونة بكلِّ ما أفاض القول فيه — بعد كيركجورد — فلاسفة وأدباء مثل: «هيدجر»، و«ياسبرز»، و«جبرييل مارسيل»، و«أبانيانو»، و«سارتر»، و«ميرلوبوبتي»، و«مالرو»، و«كامي»، وغيرهم كثير. إنها مواقف اليأس والقلق والاغتراب والوحدة والاكتئاب والحب والتوق الدائم للنور، كل هذا في كلمات تنم عن نزعة حسية شديدة الحساسية والتعاطف مع الطبيعة بكل كائناتِها — حتى الحجارة والحصى — وتغمرها مع ذلك روحانية شفافة ومعذبة تنقيها من كل شائبةٍ حسية. هذا الدرس الخالد الذي تعلمه الشاعر من قراءته وترجمته لمالارميه وترتفع بها، وكأنما هي أجنحة نورانية أو رموز مجردة من أي أثر مادي؛ لتندفع بلغتها الشعريةِ الجوهرية نحو تجربةِ المطلق، أو العدم وإشباع «النهم إلى الله» على حد قول الشاعر نفسه. اقرأ معي هذه السطور النقية الصافية من قصيدة كتبها في صيف سنة ١٩١٨م، بعنوان «سماء صافية»:

بعد الضباب الكثيف،
تتجلى النجوم،
واحدًا بعد الآخر.
أتنفس النضارة
التي تغدقها عليَّ
السماء الصافية.
أدرك من جديد
أنني صورة زائلة،
تندمج في دورة أبدية،٤
وفي قصيدة أخرى «وحدة»، يرجعُ تاريخ كتابتِها إلى اليوم السادس والعشرين من شهر يناير سنة ١٩١٧م، تتصاعد نبرات الكلمات، فتتحولُ إلى صرخاتٍ حادة، وشبيهة بالصواعق المخيفة التي تتهاوى في أعماق سماء ليلية سوداء:

لكنَّ صرخاتي
تحفر نفسَها،
كالصواعق
في الجَرَس الضَّعيف
للسماء،
ثم تتهاوى
وهي تغصُّ بالقلق.
والمفارقة الكامنة في كلِّ ما قُلناه عن هذه المجموعة: أن مضمون قصائدها يناقض عنوانها، وهو الفرح. وإذا كان الشاعر — كما سبق — قد عدَّل العنوانَ الأصلي الذي ظهرت به في سنة ١٩١٩م، وهو: «فرحة الغرقى» (أو السفن الغريقة)، وركزه في الكلمة العسيرة الموحية، فإن الروح التي تسود المجموعة بأسرها هي روحُ الحرب التي جرفتْ معها «أنا» الشاعرِ في مستنقعها الدموي الموحل، وارتفعتْ لغة الشعر بالحرب؛ كحدثٍ تاريخيٍّ لتصبحَ استعارة دالةً على الزمن المدمر، والشعر المحطم الذي يعبر عنه ويرتفع به — كلما قُلنا من قبلُ — في لغة شعرية تحوَّلت بدورها إلى شذرات وشظايا وحطامٍ منثور، أي: إلى أبنية لغوية وشعرية متكسرة مبتورة، كأنما هي أصداء وحيدة تتردد مكتومة في فضاء الصمت الكوني.

(٥) انتهت الحرب العالمية الأولى، وتحرك شوقه إلى باريس التي رجع إليها، وعقد قرانه على زوجته جان دوبوا، ثم عاد إلى روما في سنة ١٩٢١م، واستقر فيها وتولى العمل في وزارة الخارجية التي كلفتْه بالإشراف على تحرير مجلة، أو نشرة تصدر باللغة الفرنسية وتلخص الأحداث الثقافية والسياسية المهمة في كلا البلدين.

كان في هذه الأثناء قد حققَ شهرة واسعة بعد صدور مجموعتيه السابقتي الذكر، وهما: «الميناء المدفون» (١٩١٦م)، و«فرحة الغرقى» (١٩١٩م) اللتين ظهرتْ بعدهما مجموعة أخرى رسخت دعائمَ شهرته، وهي: مجموعة «عاطفة الزمن» (١٩٣٣م)، بجانب ظهورِ عددٍ من ترجماته الأولى التي شهدت على عبقريته اللغوية، مثل: ترجماته عن شكسبير وراسين ومالارميه وسان جون؛ بيرس وجونجورا. وانقسمت الآراء حوله واحتدم الصراع بين المتحمسين له والساخطين عليه، حتى أدى الأمر — كما ذكرت من قبل — إلى تأسيس مجلات للهجوم عليه أو للدفاع عنه. أما الشاعر نفسه الذي ثقلت عليه أعباء الأسرة فاضطر للعمل مراسلًا صحفيًّا لإحدى الجرائد السيارة، وهي: جريدة الشعب (جاتزيتا دال بوبولو) التي تصدر في مدينة تورين، وأتاح له هذا العملُ الصحفي فرصةَ السفر وكتابة التحقيقات والمقالات المتنوعة من الجنوب الإيطالي ومن معظم البلدان الأوروبية؛ مما ساعد من ناحية أخرى على تدعيم شهرته وذيوع اسمه مرتبطًا بريادة حركة التجديد في الشعر الإيطالي بعد دانو نزيو (مات: ١٩٣٨م)، وكاردوتشي (مات: ١٩٠٧م).

(٦) واستجاب أنجاريتي في سنة ١٩٣٦م للدعوة التي وجهتها إليه جامعة ساوباولو بالبرازيل؛ لتولي وظيفة أستاذ الأدب الإيطالي بها، وأقام الشاعر ستَّ سنوات في مقر عمله الأكاديمي الجليل، حفلت فيما يبدو بصفاء المحبةِ ودفء المودة التي ربطت بينه وبين عدد كبير من الأدباء والأصدقاء والتلاميذ البرازيليين، الذين حافظوا على عهود الزمالة والأبوة حتى آخر أيامه، ولكن هذه الفترة نفسها كانتْ تُخفي له سرًّا داميًا لم يتكشف إلا بعد وقوع الكارثة؛ فقد فُجع في وفاة ابنه أنطونيو الذي لم يكمل تسعَ سنوات من عمره، مما اضطره إلى الرجوع لروما، حيث بدأ في تدوين مجموعة قصائده أو بكائياته القاتمة في رثاء طفله الحبيب، تحت هذا العنوان الدال على كونها يومياتٍ شعرية وهو: «يوم بيوم». وقد نشرت مع قصائدَ أخرى عن الحرب في سنة ١٩٤٧م، تحت عنوان «الألم» (وتجد هذه القصيدة المؤثرة مع القصائد التي بين يديك) …

رجع أنجاريتي إلى روما سنة ١٩٤٢م، والحرب والخراب على أشدِّهما ليجدَها في أسوأ أحوالها. صحيح أن جامعة روما دعته لتولي كرسي الأدب الإيطالي المعاصر الذي شغله حتى سنةِ رحيله، كما كرمته الأكاديمية الإيطالية بتعيينِه عُضوًا فيها، وبدأتْ أشهر دور النشر الإيطالية — وهي دار موندا دوري — في نشر أعماله الكاملة في مجلَّدَين يحملان هذا العنوان الدال على طبيعة إبداعه كله في الشعر والنثر على السواء، وهو «حياة إنسان»؛ غيرَ أنَّ كل صور التكريم والاحتفاء به لم تستطع أن تخفي عن عينيه ولا قلبِه المأساةَ المتجددة التي تعيشُ فيها بلاده. كانت الجيوش الألمانية قد احتلتْ روما وجعلتْها تركع تحت سياط الرعبِ النازي بدعوى الدفاع عنها وحمايتها من الحلفاء الذين أخذوا يستعدون لإنزال قواتهم على الشواطئ الإيطالية. ولا بد أن الشاعر قد اختزن أنهارًا من الحزن في مستودع وجدانه على المصير الذي آلت إليه بلاده، على يد طاغيتها المهرج موسوليني وعصاباته الفاشية المهزومة (كان الشاعر في شبابه — فيما قرأت عنه في المراجع القليلة المتاحة — صديقًا لموسوليني الذي كتب بنفسه مقدمة الطبعة الثانية لمجموعة قصائده الباكرة، وهي: «الميناء المدفون» التي ظهرت سنة ١٩٢٣م، كما أن الشاعر أعلن في سنة ١٩٣٣م تأييده الصريح للفاشية، قبل سفره إلى البرازيل بسنوات قليلة. ولست أدري، هل عضَّه الندم على موقفه، بعد أن رأى بعينيه وبصيرته ذلَّ بلاده وإذلالها وخرابها؟! ولا أشك في أن ضميره استيقظ على خطئِه الرهيب بعدَ أن عرف بنهاية صديقه السابق، الذي تدلى مشنوقًا من فرع شجرة قبل نهاية الحرب بقليل). مهما يكن الأمر الذي لا يمكنني الحسمُ فيه، فإن عذابه تزايدَ مع عذاب بلاده وفقْد أعز أصدقائه، وتحولت الفرحة السابقة على الرغم من الحزن الذي كساها بضبابه، إلى الألم الذي جعله عنوانًا لمرثياته السابقة الذكر لولده ولمصير بلاده وأحبابه في ليل الحرب المدلَهِمِّ بالصواعق والرعود والزلازل. وصدر «الألم» سنة ١٩٤٧م ليحفر — بلغة الشعر — أحزانه الشخصية مع أحزان وطنه وأهله وإخوته، ثم ظهرت مجموعته «الأرض العجوز» (١٩٦٠م) التي سرعان ما لحقت بها «المحاورات والمداخلات» (١٩٦٨م) التي تعبر جميعُها عن أعمال الشيخوخة المتأخرة. وتدور حول موضوع الذاكرة التي تحاول أن تجعل من الماضي حاضرًا، كما تتحوَّل — على طريقة شاعرَين من آبائه التراثيين، وهما: بتراركا (١٣٠٤–١٣٧٤م)، وليوباردي (١٧٩٨–١٨٣٧م) — إلى استعارة دالةٍ على الكلمة الشعرية التي تنتزعُها «اعترافات» الشاعر من مجرى الزمن المتدفق، لتضعها في المكان «الباطن» الذي يقول عنه «رلْكة» بحق: «ما من مكان يا حبيبتي يتحقق فيه العالم إلا في الباطن …»

(٧) سبق أن قلنا: إن كلمتَي «حياة إنسان» مكتوبتان على غلاف كل مجموعات أنجاريتي الشعرية، بل لقد حرص على إثباتها على غلاف المجلدين الكبيرين، اللذين ضمَّا لأول مرة طبعةَ أعماله الكاملة من أشعار وترجمات ومقالات ورسائل ومحاورات ومداخلات (وقد ظهرت بين عامَي ١٩٦٩ و١٩٧٤م). هل نفهمُ من هذا أنَّ كل ما يتركه الأديب وراءه هو في المحصلة النهائية نوعٌ من السيرة الذاتية؟ إن الخلاف ليطولُ ويحتدم فيه الصراع بين من يفرِّقون بين السيرةِ الذاتية، أو قصة الحياة الشخصية وبين الأعمال الفنية الخالصة، لا سيما الأعمال الروائية. ولكن أليست هناك في أدبنا وآدابِ غيرنا من الأمم سير ذاتية خُلِّدت على مرِّ الزمان، وحققت الشروط الضرورية لما يمكن أن يدخل في نطاقِ الأدب والفن؟ ألا نجد عندنا وعند غيرنا سيرًا ذاتية استطاع أصحابها أن يتجاوزوا الوقائع والأحداث الشخصية والتاريخية والمحلية، ويختاروا المواقف والتجارب التي تنبعث منها دلالات كليةٌ ذات أبعاد وآفاق إنسانية وجمالية واجتماعية وسياسية عامة؟ ألم نقرأ جميعًا نماذج رائعة من هذه «السير» التي التحم فيها الصوت المنفرد للأديب مع الصوت العام لمجتمعه أو للبشر عمومًا، في سعيهم الدائب وكفاحهم اليائس؛ من أجل السعادة والحب والسلام والتقدم والمستقبل الأفضل والأعدل؟ ربما يكون هذا المعيار الأخير؛ أي: انطباق الخاص والعام ومقدرة الكاتب على تجاوز الزمني والنسبي والشخصي، والعلوُّ به بلغة الفن إلى دلالات وأبعاد ورموز وصور حية وشاملة، أقول: ربما يكون هذا المعيار في تقديري المتواضع على الأقل هو الفيصل في الحكم على قيمة السيرة ومدى حظها من الفن الحقيقي. ومع ذلك ففي ظني أن الحدَّ الشفاف سيبقى قائمًا بين ما نسميه سيرة وما نسمِّيه رواية، وإن كان هذا الحدُّ لم يمنع أبدًا مِن أن تسمو بعض السير الذاتية إلى مصافِّ الأعمال الروائية العالمية.

أيًّا كان الرأي في هذا الخلاف (الذي أظنُّ أن النقد والنقادَ لن يصلوا فيه إلى نتيجة نهائية حاسمة، ربما لا تكون مطلوبة ولا ضرورية؛ لأن الأمر يتوقف في آخر المطاف على تمكن الكاتب من أدواته الفنية التي تستطيع أن تحوِّلَ تجاربه إلى تجارب ومواقف عامة) فإنَّ شاعرنا أنجاريتي يصرُّ على أن أعماله كلَّها هي قصة حياة إنسان،٥ بل يؤكد أنَّ الأدباء العظام لم يطمحوا إلى أكثر من أن يتركوا وراءهم سيرًا ذاتية جميلة. لنقرأ ما يقول عن ذلك في المقدمة التي كتبها للطبعة الثانية لمجموعته الشعرية «الفرح»، في سنة ١٩٣١م:
هذا الكتاب مذكرات يومية، والمؤلف لا يطمح، ويعتقد أن الأدباء الكبار لم يطمحوا إلا لأنْ يتركوا وراءَهم سيرةً شخصية جميلة.

لهذا فإن القصائد هي عذاباتُه الشكلية، ولكنه يريد أن يوضح مرة أخرى، وإلى الأبد، أنَّ الشكل إنما يعذبه؛ لأنه يطلب أن يتطابق مع التغيرات التي اعترتْ حسَّه ووجدانه، وإذا كان قد استطاع — كَفنَّانٍ — أن يحقق أي تقدم، فإنه يود ألا يُفهم من هذا سوى أنه قد حقق — كإنسان — بعض الكمال. لقد نضج وأصبح رجلًا وسط أحداث غير عادية لم يقفْ أبدًا بعيدًا عنها، وإذا كان لم ينكر يومًا أنَّ الأدب يتوجه إلى العام، فقد كان من رأيِه دائمًا أنه حيثُ ينشأ شيءٌ (له شأنه وقيمته) فلا بدَّ أن يتطابق العام — من خلال شعور تاريخي فعال — مع الصوتِ الفرديِّ للأديب …

الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
انتقل الى:  

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا