آخر المساهمات
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-12, 10:41 pm
2024-04-02, 5:16 am
2024-04-01, 10:56 pm
2024-04-01, 10:49 pm
2024-04-01, 10:46 pm
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

6 نتيجة بحث عن أنسى_الحاج

كاتب الموضوعرسالة
الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: ديوان الوليمة لأنسى الحاج pdf ,مختارات من ديوان الوليمة
hassanbalam

المساهمات: 0
مشاهدة: 232

ابحث في: مرتفعات أو سوناتا الكلام   الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: ديوان الوليمة لأنسى الحاج pdf ,مختارات من ديوان الوليمة    الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2022-08-30, 9:25 pm
ديوان الوليمة لأنسى الحاج
#أنسى_الحاج
الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر 82188110
كن أنت ديمومة ذلك الوهم الذي أحْبَبْتُ من أحببتُهم بفضله. ليثبت عليكَ ذلك الوهم

في ظلام النهاية جلستُ أكتب البداية/ في دم الأرض/ غمستُ ريشة السماء/ وأقول للموت الداخل:/ أدخلْ! لن تجد أحداً هنا

رجل يغوص

رأيتُ الرجلَ يصعدهُ الشك كالدخان.
رأيته يَقْتلع الظلّ.
رأيت الرجل يُنزل وجهه، يُنزل صوته، يُنزل تيّار خوفه.
رأيته لا يجد صراخه.
رأيت الرجل يغوص في مياه العذاب المنخفضة.
رأيته حصاة في ذاكرتكِ. رأيت الرجل عربة لكسلك، عطراً لخيالكِ،
نافذة لصباحكِ، وفريسة قاتلة لأحلامك.
رأيته يُصعّده اليقينُ كالدخان...
(«الوليمة» ــ 1994)


كان يكسر الماء

كان هدّاماً قبل أن ينهدم.
كان يهجم كالنسر، وحتى النسيم يتفجّر في قبضته. لم يكن يكسر الزجاج. كان يكسر الماء، والقطن، والحجر، والوحل، والأيدي الخفيّة. لم يستطع أحد أن ينتزع من جناحيه ريشة.
وهوى.
زحف عليه الخوف، فوق الخوف،
فوق الخوف.
نَخَرته الشفقة.
احذروا الحنان! لا تتركوه يلتف عليكم!
أيها النسر! ثمّة وردة تنتظرك دائماً، احترس أيها النسر!

(«كلمات كلمات كلمات» ــ 12 شباط 1967)


المتفرّج المجهول

صبرُكِ الجبّار، القدّيس، كيف استحال فخّاً
(وأنتَ، لا نهائيتكَ، ماذا تخفي؟ أتكون أنت أيضاً مثْلها؟ مثْلهم؟)
هذه السهول الخضراء كيف صارت جحيماً، هذا الهواء كيف صار مَغْرَقاً، هذا الفراغ اللذيذ كيف عجَّ قاعه بالخناجر.
لم أكن أعرف.
وأنَّ الوليمة التي دعوت إليها بغباوة ألمي، لعنةٌ ودمار.
وأن الوليمة التي دُعيتُ إليها هي روحي وجسدي!
أيّها المتفرج المجهول على أفعالي، هل يرونك أكثر مني؟
هل يعرفونك أفضل مني؟ أتكون مثْلهم وأكون منبوذك أنت أيضاً!؟
أكثر ما أُحبّ في عينيكَ اللتين لم أرَ، ليس وهج المجد بل عكَر الحنوّ الفائض.
لا تُشبه خلائقك، أرجوك. لا تُشبه هذه الليلة، ولا البارحة، ولا شيء. كن أنت ديمومة ذلك الوهم الذي أحْبَبْتُ من أحببتُهم بفضله. ليثبت عليكَ ذلك الوهم!
يا إلهي!
(«الوليمة» ــ 1994)

سِفْر التكوين والهجر

أراكِ وفمكِ الحُرّ، بعيدة.
يمرّ دهر عميق ثم أرفع فمك
وتمرّ هنيهة
مُقيّدة في صُرّة لا أزيح الباب عن قلبي.
شفتاي شفة.
أيُها المواطن الزّفرِ، إنّك معها!
أمرُّ قبل جَرعها
أتناول الحبر لأعميك.
مُصطفى كي أسْبح فيّ وحدي.
دهرُ أبوابك لديّ!
يا رجْلكِ ترتع في نظراتي النوّحة، رجلك عند رجليَ كاحتضان!
يا رأسك (متى؟) على رأسي!
يا هَرَبي يُردُّ إليّ، ينام عليّ...
أرقبكِ والضجرَ عارياً.
(«لن» ــ 1960)

إذا


يبدو أكثر حين يتكلم
يُعقَد لواؤه على امرأة
سيخونها وتخونه
وبثيابه الملمّعة كبعض الرسوم المرسومة للسيّاح
يعكس الينابيع صُدفة
يستضيفكَ في كوخ الغرائز.


■ ■ ■

إذا هناك بشر يعيشون
لن يلتقوه،
لكن الذين يعيشون سيتلاقون.


■ ■ ■


تعلّمَ الموسيقى كالجُنديّ
كالجُنديّ
تَعلّم الموسيقى
ليقهر الجُنديّ
وعندما قَهَره
تعلَّم الجنديّ ليقهر الموسيقى.

■ ■ ■

لن تعتاده
معه تهبط شفتاك وتتأخّر عيناك
كرجُل يلحقُ امرأة.
فحيحُ الطبيعة وأُمّهاتها
سيّدات الأشعار وبناتهنّ
استراحتْ على صوته
واحتَقَنَت به.


إذا صادفتَه اجلسْ معه
إنه كليلة ودمنة
وملايين الجدّات،
على عُنُقه قايين ومن رقبته هابيل
وفي حُنجرته ألف ليلة كجَوزة
والهند ممتلئة
والنيل
والطاحون والبُزُق،
لا يأكل وحده الرغيف
ولا يحادث وحد الأزهار
يُسطّر بِحبرِ نَفَسِه
بياض المستقبل.

■ ■ ■


ولكنْ إذا
أحببتَهُ
قُل له إنّك
أحببته.
(«ماضي الأيام الآتية» ــ 1965)


هوية

أخاف.
الصخر لا يضغط صندوقي وتنتشر نظّارتاي. أتبسّم،
أركع، لكنْ مواعيد السرّ تلتقي والخطوات تُشعُّ،
ويدخل معطف! كُلّها في العُنُق. في العُنُق آذان
وسَرِقة.
أبحث عنكِ ، أنتِ أين يا لذّة اللّعنة! نسلُكِ
ساقط، بصماتُكِ حفّارة!
يُسلّمني النوم ليس للنوم حافّة، فأرسمُ على الفراش
طريقة؛ أفتحُ نافذة وأطير، أختبي تحت امرأتي،


أنفعلُ !
وأشتعل!...
تعال أصيح. تعال أصيح. إنّني أهتف: النصر للعِلم!
سوف يتكسّر العقرب، وأتذكّر هذا كي أُنجبَ بلا
يأس.


■ ■ ■

تُمطر فوق البحر
..
أُناديكَ أيُّها الشبحُ الأجرد، بصوت الحليف، والعبد،
والدليل، فأنا أعرِف. أنت هو الثأر العائد، صلْباً كالرّبا،
فاحشاً، أخرس، وخططي بلا مجاذيف. أُسدِل رأسي على
جبيني فتحدجني عينُك الوحيدة من أسغل؛ النهارُ
يتركني اللّيلُ يحميك. النهارُ يدفعني «لك الّليل!»
فأركض، اللّيلُ رَجُل! أهربُ أين وأنا الأفق؟
ad


■ ■ ■

الحياة حيّة. العين دَرَج، العين قَصَب، العينُ سوق
سوداء. عينيَ قِمْع تقفز منه الريحُ ولا تصيبه. هل
أعوي؟ الصراخ بلا حَبْل. هناك أريكة وسأصمد.

■ ■ ■

سوف يأتي زمن الأصدقاء لكن الانتظار
انتحر. الجياد تُسرع، عَبَثاً عَبَثاً، الخوف رقم لا نهائيّ.

■ ■ ■

السقفُ ينحلّ في قلبي والأرضُ لا مكانَ لها. أُهرولُ
وأُقذَف، يكنسني الصدى، صدى! الأرض بعيدة بلا
طريق، الأرض تنزل بلا عَتَبة.
ad

أُطلَقُ على الهواء، أغرز الهواء بأليافي.

■ ■ ■

بلا تَعَتُّه، الحركة ليست ضدّ اللّيل، الحركة عمياء
تَرى باللّيل. قُم! المصباح خادم ويدك خادمة. (أضحكُ
منّي) قم! هوذا أنا، الباب يُطرَق.
الباب: هنا الموت. وجهُهُ وجه القَدَر وظهرُه الضياع.
يُطرَق ولا ينتفض، فهو يبقى.

■ ■ ■

يجب أنْ أبكي. كيف نسيتُ أنّ الدموع تعكّر
المرايا؟ المرآة غابة لكنِ الدمعةُ فدائيّ. فلأسمع
جلَبتكِ أيّتها الرفيقة! فلأرفع لواءك حتّى تتقطّع أوتار
كتفي!
تُمطر فوق البحر


لم يعد في العالم دمعة

■ ■ ■

والحزن؟
ما سعر رجل حزين! التغضّن علامة، الغضب إبحار.
دُرَفُ الصّرْع تذيع الربيع، وعند الصباح تتعانق
المذبحة والظّفَر وحسداً أخْلَعُ وجنتيّ.
لكنِ الخوف!
ما
الخوف؟
لا تبدأ. سأضؤل، وأصمت. جناحك. عينك الأُفقيّة!
مولاي: لا! خُذْ قبلي الآخرين!...
دم حديث.

في حضوره كما في غيابه، تظل تجربة أنسي الحاج موضع نظر واستعادة وتحليل ونقاش، ويظل هو الشاعر الذي كان أول من نظّر لقصيدة النثر العربية بطريقة متماسكة وقابلة للاستمرار. صحيح أن أغلب أفكار مقدمته الشهيرة لباكورته الأشهر «لن» – وهو أمر لم يكن سراً على أي حال – كانت مأخوذة من أطروحة سوزان برنار ومن شعريات النثر الفرنسي، ولكن حضور تلك المقدمة كمانيفستو عربي أول، ومعها قصائد «لن» التي كانت ترتطم باللغة وتتعارك مع الاستعارات أكثر مما تتألف منهما، منحا أنسي الحاج لقب عرّاب تلك البداية النثرية الشاقة التي تقوّت أكثر بنشوئها داخل مختبر مجلة «شعر» وأطروحاتها الجديدة وطموحاتها الحداثية الحادة.
سيظل البعض يُبدّي الماغوط وشعريته اليومية السهلة – الممتنعة على جملة أنسي الاعتراضية والوعرة والمتلعثمة (أنا متلعثمٌ كبير، قال في «لن»)، وسيظل، في المقابل، من ينحاز إلى وعورة الثاني على حساب شفوية الأول، ولكن في الحالتين، لم تُنقص هذه التفضيلات والانحيازات المتقابلة من ريادة الاثنين لقصيدة النثر العربية.
الفارق بينهما، حدث لاحقاً، حين وُلدت أجيالٌ متتالية من شعرية الماغوط اليومية أو شعرية التفاصيل، والشعر الشفوي، بحسب ما سماها النقاد والشعراء معاً، بينما لم تجد نبرة أنسي أتباعاً ومريدين بالكثرة ذاتها، بل بدا أن تجربة أنسي باتت منذ بدايتها ابنة نفسها، وبدا الشاعر نفسه في مجاراة مستمرة للغته ومعجمه ومخيلته الشخصية، وبدت قصيدته منطوية على عصبها الأول، وعلى هجومها العاصف على اللغة، وعلى هجرها الواعي للغناء الشعري المنمّق والمائع والساذج، وعلى نأيها عن الجمال الأدبي التقليدي. قصيدة الماغوط حظيت بتنمية مستمرة واستثمارات متوالية، بينما عَصِيتْ قصيدة أنسي على مخططات مشابهة للتنمية والتكييف والاستثمار. ويمكن القول إن ديوان «لن» كان بداية مفتوحة اتسعت لما صدر بعدها. وما صدر بعدها ظل يحوم حول «لن» ويجاورها، ويحفر تحتها، ويتنفس في كنف فقاعتها الأصلية. شعر أنسي الحاج ظل موجوداً في «لن»، وظل مديناً لتلك الباكورة التي لم تفقد حتى اليوم زخمها الرهيب وقيمتها الاقتحامية. الفَزَع الذي أحدثته «لن» كان فزعاً وجودياً خارجاً من فزع صاحبها، ومن ضجره بالجملة العربية الكاملة وهياكلها التقليدية. جزءٌ من قسوة «لن» أنه مكتوب بالتأتأة وأشباه الجمل والسطور المتقطعة والفقرات المبتورة غير القابلة للنمو. حضرت التأتأة والتقطيع والبتر في «الرأس المقطوع» أيضاً، ثم بدا لنا أننا نعثر في دواوينه التالية على جمل تامة، وسطور منتهية، وفقرات كاملة. وهكذا، رأى البعض أن أنسي في «ماضي الأيام الآتية»، ثم «ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة»، أنهى تجربة وبدأ تجربة أخرى، وأنه أدخل شيئاً من الغناء والإنشاد والتصوف الإنجيلي في «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع»، وفيها قال: «أنا الشيطان أقدّم نفسي/ لقد غلبتني الرِّقة». نعم لقد غلبت الرِّقة شيطان «لن»، ولكن ذلك لا يبدو دقيقاً تماماً. جملة أنسي المبتورة اكتملت إلى حد ما، وفزعه الأول سكن إلى حد ما، وعصْفُ لغته هدأ كذلك، ولكن معجمه ظل في طبعة «لن». كانت «لن» شوكة في تجربته وفي تجربة قصيدة النثر العربية كلها. كان في إمكانه تنقيح تلك الطبعة الأولى، وقد فعل، لكي يُوصل روحية باكورته بما جاء بعدها، ولكي يضمن حياةً أخرى لجملته الأولى، ولكي يسلّم «طفولة» لغته إلى شبابها وإلى كهولتها.

ربما كان الأفضل أن نبدأ من مكان آخر، ونحن نستعيد أنسي الحاج في ذكراه الثانية. أن نبدأ من «خواتم» التي أصدر منها كتابين، وواظب على كتابتها أسبوعياً في «الأخبار». أو أن نبدأ من مساهمته الجوهرية في صناعة صورة بيروت ومجدها الذهبي في الستينيات، أو أن نبدأ من طيفه الذي لا يزال يتجول في مكاتب الجريدة، ومن ضحكته المجلجلة في الممر الطويل بين المكاتب، ولكن المشكلة أننا حالما نذكر اسم أنسي الحاج، وهو ما كان يحدث في حياته أيضاً، تحضر معه «لن» وبقية محطات تجربته المتفردة. لقد التصقت به «لن» والتصق بها. أحبّ الكثيرون «ماضي الأيام الآتية»، وتابعت أجيال جديدة من القراء «خواتمه». بين الشعر والخواتم، انقطع أنسي الحاج عن الشعر لفترة غير قصيرة. كانت «خواتم» معبره إلى كتابة الشعر بطرق وتنويعات متعددة. كانت «خواتم» حيّزاً ذكياً وواسعاً لتمرير أفكاره وتأملاته و«عابراته» المكثفة والشديدة الشعرية. في «خواتم»، استعاد أنسي الشاعر الذي في داخله على شكل ناثر مسترخٍ في جملته النثرية أيضاً. وكان لافتاً أنه خلط كل ذلك بالسياسة والثقافة والتعليق اللمّاح على المجريات والأحداث اليومية. واللافت أكثر أن انتظامه في الكتابة الأسبوعية لم ينلْ من فوران جملته ولمعان فكرته وفرادة كلمته الحرّة، ولم ينل ذلك، أولاً وأخيراً، من قدرته على جعل كل ذلك طازجاً ومُعدياً وجارحاً.
أنسي الحاج هو ابن «الجملة اللبنانية» في النهاية. نستخدم هذا التوصيف هنا لمدح تلك الخفة و«الشّرقطة» اللتين كانتا تُحركان شعره ونثره وحتى أحاديثه الشفوية. كان أنسي موهوباً كبيراً داخل هذه الجملة، بل كان أحد صانعيها ومطوِّريها الكبار. والأغلب أن جزءاً كبيراً من حيوية تجربته كلها عائدٌ إلى حركية هذه الجملة ورشاقتها وتجدّدها. جملةٌ يمكن بسهولة استدعاء اقتباساتٍ كثيرة من نصوص أنسي نفسها للدلالة على تفوّقه فيها. هناك، في ظلال تلك الجملة، كان في إمكانه أن يكتب في ديوانه «الوليمة»:«في ظلام النهاية جلستُ أكتب البداية/ في دم الأرض/ غمستُ ريشة السماء/ وأقول للموت الداخل:/ أدخلْ! لن تجد أحداً هنا».
الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: المهرّج سأنقذ الغناء سأشطف الأرض
hassanbalam

المساهمات: 2
مشاهدة: 574

ابحث في: مرتفعات أو سوناتا الكلام   الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: المهرّج سأنقذ الغناء سأشطف الأرض    الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-12-12, 12:54 pm
أنا الشاعر
شجرة الغيلان رحم الصحارى الملكة المفترسة
أنفث عدمى
جراد العناصر
نحن
يولد أطفالنا من التالول تصطاد نساؤنا الخلجات يحصين الأجانب
آت من بعيد....المخمل والليل
قفزت فوق الخاتم فليقل أحد إنّى باطل
نبشت القبور وحفار الكلمة بثأر عقلى
#أنسى_الحاج
@hassanbalam
الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: للمرء الحق فى إنكار حياته إن هى لم تشبه مناه , نصوص غير منشورة أنسى الحاج
hassanbalam

المساهمات: 0
مشاهدة: 438

ابحث في: مرتفعات أو سوناتا الكلام   الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: للمرء الحق فى إنكار حياته إن هى لم تشبه مناه , نصوص غير منشورة أنسى الحاج    الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-12-10, 7:42 am
@hassanbalam
#أنسى_الحاج

شذرات نصوص غير منشورة لأنسى الحاج
كان هذا سهوا أنسى الحاج

ذات

الكلمات تشتاق الى تخطّي حدودها فتتخطّاها. كذلك التراب والأيادي والأرواح.
ويُسمّى ذلك خَلْقا.
ماذا يَحدث إذا تاقت الأشياء، بالعكس، الى النكوص على ذاتها والتغلغل متقهقرةً الى ضباب الأغوار؟
يَحدث فرارٌ من الوجود الصارخ الى وجود لطيف، رؤوف.
ولا يُسمّى خَلقاً.
لكنه أرحم من الخلْق.
■■■


ظلماتي في خدمة الشمس، تلك أوجاعي. تحويل شياطيني الى شموع، حَرْق النار لتصبح نافذةً، نهراً. الليالي تحرس الطفولة! ناطورة الحبّ!
ظلماتي في خدمة الشمس، تلك أوجاعي. لم أعرف غير سماء الليل، في النجوم رأيت البلاهة والفزع. لم أستكشف غير سماء الليل، تلك الصحراء المضيئة كئيبةً في العدم. أعطيتُها اندفاعة النهار، نفختُ فيها شمساً، نظّفْتُها من نجومها المسلولة، أنسيْتُها وحشة عَدَمها وصارت تحبّني! وصارت تنتظرني! وشيءٌ من أحلام طفولتي تحقّق، شيءٌ يتعلّق بالشرّ، بالمجهول، بوقتٍ للإله لا يرى فيه أحداً غيري!
■■■
هذا الاستغراق في الليل يبدو التباساً، إنه غرام بالليل. الحقيقة أنه بَدَل من ضائع هو نهارٌ مشمس وظليلٌ خالٍ، كما في ساعات القيلولة، من الكائنات والحركة، إلاّ نسمات الأرض والجسد.
نهارٌ محَرَّر مستعادُ الأحلام، وهو ليلٌ مُخلَّصٌ من غياهب الصَدْر.
■■■
كم مرّةً في لحظةٍ انهار كل شيء! وفي لحظة ينهار مَرّة ما بَعدها مَرّة. من أية عناصر رَخْوَة هذا الطبع! لمّا ظننتُني مفتَّحاً كنتُ مكفوفاً، ولما تلأمنْتُ، تلأمنْتُ على الأكثر طيبةً منّي، ودَرَيتُ وما دَرَيْتُ أني في المواضع الأكبر والمحلاّت الأخطر كنتُ مخدوعاً ومستَعمَلاً فيما كنتُ أحسبني فطناً عزيز الجانب.
حياةٌ توتَّرتْ واتّضعَتْ وتفلَّتتْ وضاعتْ وأُكِلتْ وفي لحظة لم يبقَ شيء. ولم يُطرَق الباب، ودخلَ الأخذُ ولم يُطرَق الباب.
انفتح الباب من تلقائه، أطلَّ ظَرْف الرسالة من العدَم، وانغلقَ الباب، بدون تَدخُّل أحد.
لمَمْتُ المغلّف وأفرغْتُه: نزلتْ منه مسبحةٌ خضراء حمراء صفراء زرقاء بيضاء كشمس الكلام، وفرَطتُ حبّاتها بلا حساب، حبّة صادحة وحبّة صارخة، حبّة للتراب وحبّة للزوابع، فَرْط مَن يوهم النفس بأنه لن ينتهي أبداً من هذه اللعبة.
ولم أنظر ما فرَطتُ. لأن من يَعدُّ خُطاه لا يعود يمشي.
■■■
البحث عن الحقيقة، نقول. مَن يتحمَّل الحقيقة؟ لماذا البحث عنها، لماذا الحقيقة، ولا أحد- ابتداءً من الطفل و"حقائق" الحياة، وانتهاءً بالمريض وحكم موته، مروراً بالعاشق وحقائق محبوبه بين العيوب الجسدية والخيانة- لا أحد يتحمّل الحقيقة.
إن الجمْع الأفلاطوني بين الحقّ والخير والجمال يجافي الخير ويكذِّب الحقّ ويهاجم الجمال. الجمال هو المَهْرب من الحقّ. الخير لا ينجم إلاّ عن الطيبة- وما أدراك ما في الطيبة من رحمة ونقاء بعيداً جداً عن صرامة الحقّ- لا ينجم إلا عن الطيبة أو عن نقاء الجهل.
وحتى لو أخذنا الحقّ بغير معنى الحقيقة فهو فظّ لا يحتمله الحيّ الذي سيموت.
الحقيقة للشرطة. للتجريد المتوحّش وللشرطة المتوحّشة. الحقيقة عدوّة أو عاجزة. عدوّة للقلب الضعيف وهو حتماً أجمل منها، وعاجزة عن إغاثة المظلوم لأنها منذ الأزل وهي تأتي بعد فوات الأوان.
الحقيقة برهان الباطل.
■■■
كان هذا سهواً.
لم أكتب هذه الرسائل ولا تلك المقالات، ولم أكن إلاّ قليلاً في الأيام حيث كنت.
للمرء الحقّ بإنكار حياته إنْ هي لم تشبه مُناه، وأن لا يعترف في عباب هذا البحر المترامي وراءه إلاّ بحبّات من الملح وبضع نقاط من البخار.
■■■
الفرار من. القفز، اللعب، الكذب. الفرار من. والفرار من التوقّف طويلاً حتى لا تستوعب فكرة جبنك فيُرديك الوعي. جبانٌ وشجاع. فارٌّ من رأسكَ ولكنْ بتهديم نفسك. هاربٌ ومرتمٍ على نار. هاربٌ ومستهتِر. باحثٌ عمّا يأتي عليك. لذّة وانحطام. وضَرْبُ ذاتٍ حتى الشَفا. الفرار من القفز بميتاتٍ مشتعلة فوق مستنقعٍ أخرس.
■■■
أنتَ قصّة قد تعرفها وحدك، وقد لا تعرفها، ولا أحد يبالي. تمنيتَ الغَمْر، والموج الذي سيجرفك لن يدري بك.
كل هذا الوقت الضائع، ألم تعرف أنه كان سيكون الحياة؟ هذا الوقت الضائع الذي كان تحت يدك، بين شفتيك، ولم تتحرّك لأخذه.
أيها الداخل في غير دوره، الخارج من غير بابه، النازف بلا دم، أيها الحامل أسرار الهباء الى ملكوت الغياب.
ستذهب الى مكان تُسْمَع فيه روحُكَ أكثر. ينتشر غيابكَ في قيلولة السكون لاغياً حسّ الحدود.
مَن كان يَهدي قد يَبْطُل هادياً ولكنّ مَن أحيا سوف يظلّ يُحْيي.
■■■
فَتْحُ فجوةٍ يدخل منها هواءُ عدَمٍ مُحَرِّر.
■■■
الموت في النهار مُحاط.
■■■
الى ليلى
هناك موت يُحرِّر أصحابه، وما أحسبكِ من هؤلاء. لا يؤوب الملاك الحارس إلاّ مهموماً على رعيّته.
كان موتكِ بخَفَره يعتذر لأنك لم تريدي، رغم الأوجاع والخوف، إزعاج أحد. وتلك كانت حياتكِ بأسرها. وظلَلْتِ تجسّدين التضحية حتى هالتْني عظمتها فيكِ وكرهتُها لفرط ما أرتني حقارة أنانيتي.
يا أمّي الثانية، كان وجهي التائه بين يديكِ وأنتِ تُحْتَضَرين، لمّا وضعتِ أناملكِ بمنتهى الرأفة على رأسي ولفَظْتِ كلمتيكِ الوحيدتين بصوت مَن يَحتضن ويؤاسي: "ليش مقهور؟". ظنَنْتكِ حينها لا تعرفين، أو أنك صرتِ في دنيا ملؤها الحبور. والآن أدركتُ أنكِ كنتِ تمسحين رأسي بالغفران.
كي أخفّف عن نفسي أقول: ربما استحققتكِ ذات يوم بالحبّ. ولكن أيّ تخفيفٍ وقد فشلتُ أن أستحقّكِ بممارسته؟ وظَلَمْتُكِ كما لم يظلمْني أحد.
وداعاً أيتها الرفيقة، ليس أجمل من هذه المناداة. رفيقة لرفيق جعَلْتِهِ بكرَمكِ يحْسَب نفسه، بينكما، هو الأقوى، والحقيقة أنه الضعيف الأضعف، ولا يكشف الحقيقة مثلُ انسحاب الحقّ حين يأخذ غطاءه.
لن تغادر عينيّ صورتكِ لحظةَ الفراق: كان وجهكِ مطمئنّاً كما تكون روح الخالق الذي يموت فداء عن خلائقه.
(تموز 2004)
■■■


ميتافيزيك

أن تكون ملاكاً، تبرئة لكَ.
أن تكون شيطاناً هو أيضاً تبرئة لك.
■■■
في مطلع العمر
وبعدما كانت حياتي حتى ذلك الوقت
انتظاراً كاملاً وهائلاً لمجيء الله فيَّ
غضبتُ لأني انتظرتُ ولم يحدث شيء
وخرجتُ من دائرة الانتظار
ولعنتُ نفسي.
...
وفي إحدى الأمسيات
في واحدة من تلك الأمسيات اللطيفة
التي تنسيكَ أن أيَّ شيء على الإطلاق يمكن أن يحدث
أو أن يكون قد حدث
وتركِّز فيك الشعور بأن شيئاً لن يحدث أبداً
وأن الحياة هي هذه الهدهدة المريحة المقطوعة بين الفترة والفترة
بمزعجاتٍ قَدَريّة لن تهزّك بعد اليوم
في تلك الأمسية
جاءني الله
وأنا لا أنتظره
ولا أنتظر شيئاً ولا أحداً
جاءني ولم يعد يفارقني.
...
الحياة هي هذا الاستعداد للّذي قد ينقضي معظم العمر قبل أن يحدث لكنه سيحدث
الحياة هي هذا الاستعداد الكامل والهائل والدائم لحدوث الحياة.
■■■
إذا كان القدَر سيّدنا، فأين النعمة
هل تكون في مقدار الذوق الذي نعيش به القدَر؟
...
الإستسلام هو مِن أعذب أشكال الإيمان،
ولا يُرَدّ له سؤال لو أوتي همَّة السؤال.
■■■
أقول إني ذاهب الى العدم
لكني أظلّ أعلّل النفس بأن أحداً هناك لا يقبض يأسي، وسوف يُعدّ لي مفاجأةً سارّة.
■■■
هنالك بعض الرغبة الشرّيرة في كلّ ارتماء وكلّ "تجديد"، لعلّها تشبه ما كان يعتمل في النفس أثناء عبور حوّاء وآدم من الباب الشرقي في الجنّة الى أسفل الصخرة، في السهل المنخفض، حيث قادهما الملاك المرافق الى هناك بدايةً للمنفى، واختفى.
■■■
إحفِرْ في الهاجس، تابِع الحَفْر،
حتى ينبجس اللبّ من الطرف الآخر.
فإمّا جوهرة وإمّا فرَج الفراغ.
■■■
قارئة وصفتْني بـ"الطائفي" لأني كتبتُ عن قدّيسين وقداسة وعن المسيح إلخ... مع أني تنازلتهم أيضاً أحياناً من زاوية المجادلة والشكّ. ولا مرّة، على كلّ حال، "طائفيّاً". وقد يزيد مؤمن أُصوليّ: ولا "دينيّاً".
لكني أفهم تذمّر القارئة. وقبلها سواها في دنيا العرب (ليبيا، الخليج...). مرّةً سألني أحد الأدباء العرب، في لحظة صدْق: "بربّكَ لماذا أنت مسيحي!؟" يقصد: لماذا أنت مختلف، وتكتب في هذه القضايا "الاغترابية"، عوض أن تكون كالجميع، وإذا كان لا بدّ من التشكيك والتساؤل والكفر فلماذا لا تكونها مسلماً مثلنا بدَل أن تكونها مسيحياً فلا نفهم عليك ولا تزيد عمّن سبقك؟ كان بِودّي. لكنّ الظروف شاءت غير ذلك. ثمّ لو كنتُ مسلماً هل كنتُ حتماً سأُشكِّك وأجادل وأكفر؟ ربّما كنتُ سأرتاح الى الأجوبة المعطاة. ربّما هذا القلق لا منبت له بالنسبة الى شخص مثلي بغير المسيحيّة، مذهب الندم و"الضعف" والثورة عليهما.
أفهم تذمّر هؤلاء الشعراء لأنه يشبه تذمّري من إغراق أدباء عرب في البحث الفقهي أو في فكّ طلاسم اللغة الصوفيّة الإسلاميّة، حيث كاد التخاطب الديني السرّي يخترع لنفسه لغة يريد هؤلاء الأدباء إسقاطها على الأدب المطْلَق والفكر المطْلَق إسقاطاً فيه شيء من الإكراه.
لكني أعود فألجم تذمّري عندما أحاول إقناع نفسي بأن الشأن الفئوي الخاص يغدو إنسانيّاً عاماً حين يرتفع به الخَلْق. وهذا ما حصل للصوفيّة وهذا ما حصل قبلها وبعدها للكتابات الميتافيزكيّة بأيّ دينٍ طافتْ.
لماذا لم أكتب في الإسلام، سألني مرّةً مسلم علمانيّ، فأجبته: حتّى لا أمتدح فأبدو منافقاً، أو أنتقد فلا يتبقّى من انتقادي غير "تهجُّمٍ طائفي". الكلام من خارج، يظلّ طعناً، ولو كان محقّاً. الدين كالذات، لا تُحاكى من خارجها وإلاّ كان الأمر عدواناً. الإسلام يجادله المسلمون أولاً وثانياً وثالثاً. يجب أن يتساوى الموسومون بالأديان في التحرّر كلٌّ حيال دينه أولاً حتّى يستحقّ كلٌّ منهم أن يثور على "الدين الآخر".
الدين اللاحق تنتابه حيال الدين السابق شهوة إلغائه، خصوصاً إذا كان متفرّغاً منه، ولو تظاهر بوفاء له. الدين السابق يشعر، حيال الأديان اللاحقة المتفرّغة منه قليلاً أو كثيراً، بأنه اختُلس وبأنه الأصيل وسواه انقلاب عليه. وعندما تكون الأديان اللاحقة أكثريّة عدديّة والدين السابق أقليّة، وأقليّة متعصّبة وعنصريّة، ينتابها حيال أديان الأكثرية وأكثريّات تلك الأديان شعور الاحتراق والحقد، تغذّيه ذكريات الاضطهاد.
فلنتخيّل تسلسل التاريخ بين اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام.
■■■
صخَب الحياة يرافِق الولادة والحَبْوُ الأول يلهي عن إدراك أخطار المشروع.
سكون الموت، قام جسد في منتهى الهدؤ، يقدّم لك الألغاز والأسئلة التي كانت مكتومة بداعي مرور الحياة. في سياق الحياة لحظاتُ نشوة أو دمار أو اجتياز للحدود، ولكنها كلها تشعر في قراراتها بأنها ما زالت هاربة مما تخشى مواجهته. سكون الميت يوفّر لك الركن الصافي حيث لا تحضر سوى الأرواح الحاسمة.
تجلس الى حافة سريره تتأمّل وجهاً لم يعد له نعمة المفاجأة ولا إزعاجها، وعوّض عنها بطمأنينة لا تلبث أن تنقل إليك الشعور الغامض بأنك مهدَّد... بأنك مشبوه أو متّهَم... بأنك نشاز وسط هذا الهدوء.
الصخَب الأول منذ الولادة ينساك حتى النهاية فتحسب أنك حُرّ. وتجلس الى حافة سرير شحص توفّي الآن وينقل إليك سكونُهُ ما يخلْخل طمأنينتك من جذورها.
الميت ينتظرنا بلا استعداد في ثياب عاديّة، من دون مراسم، وبُرْكة من الصمت حول وجهه تتّسع وتتّسع وتَبْتلع.
■■■
يَسمع الموتى. البعض يعرف ذلك. يَشوف الموتى. البعض ارتجف من اختباره ذلك. الموتى لا يخذلون مخاطبيهم، وهم يعطونهم نظرة امتنان مفعمة بحرارة التشجيع. إن خاطبتَهم افتَحْ قلبك فهُم عطاش الى الصدق. وإن نظرْتَ إليهم لا تجزع فعيونهم أجمل من عيون الأمّهات.
الموتى أصدقاء يبتسمون.
■■■


أدب
اللحظات القصوى، ومثلها تلك الدنيا، لحظات الأسى العاصر والكآبة القابضة، لحظات الانكساف والعار، لحظات الإخفاق والانفضاح، هذه اللحظات عندما يعيشها الانسان لا يستطيع أن "يقولها"، وعندما يقرأ عنها قد يجد ما يذكّره بما عاشه منها، ولكنه لن يلقى وصفاً مطابقاً لأصل حالاته. أكثف لحظاتنا تضيع بين هصْر التجربة التي نجتاز، وانرباط اللسان المأخوذ عقله بالمعاناة، والأدب الذي "يَنقل" في ما بعد- والنقْل نَقْل، حتى لو كان لتجربة صاحبه.
تلك اللحظات لا يقولها أحد.
لججٌ أيْتَمُها تائهة تومض فيها، كأرواحٍ تفيض، نجومُ تلك اللحظات المخنوقة.
■■■
الشرّ هو أكثر ما يتأثّر فينا بالجمال. الجانب الخيّر يمرّ عليه ماء الجمال كما ينسكب الجمال على ذاته. الشرّ يتوعّك من الجمال. ينكوي. يُصاب بمرآه إصابة العليل بالشفاء أو المعافى بعلّة. أقوى مَن عبَّر عن لوعة الجمال هذه هم الشعراء الأعظم شرّاً، الأكثر حَمْلقةً في المَهُول وتمزّقاً في الجَمْر وانتهاش الذات.
الشرّ فينا يَقْدُر الجمال كما يَقدُر الشيطان معنى سيّده.
الشذا المنبعث من غرام الشرّ بالجمال هو جواب التساؤل عن ماهية الشعر. بالمقدار نفسه يُصاب الخير بعشق الشرّ الجميل؟ حتى لو أكثر، لن يولِّد ذلك عنده استنارة افتتان الشرّ بالجمال. انجذاب الخير الى الشرّ انحلال، وانجذاب الشرّ الى الجمال، خيّراً أو شرّيراً، وَجَعُ إلهٍ يتجسّد.
الفنّان الشاعر، يَخلق الجمال؟ بل، مع ذلك، هو مَن يؤجِّج الشعور بنواقصه حين يُسلِّط الحواس على شروطه وما يتهدّده.
أكثر من يستطيع تشويه الجمال هو خبيره.
■■■
ومْضة الجمال قد تعوّض عن فقدان الحقّ والخير. ما دامت قضيّة الشرّ مستعصية على الحلّ الميتافيزيكي، فلا يبقى متداولاً غير تفسيراتٍ لها. المشروع الأخلاقي الأزلي محو الشرّ والظلم، محوهما لا تفسيرهما، وخاصة أنّ كل تفسير جديد كان يزيد البشريّة إيماناً بالإلحاد.
جمالُ وجهٍ ألمَحُ فيه ألوهة. هشاشةُ طفل أو عفرَتتُه. انكسارُ عجوز استسلمت الى هزيمتها بلا استعراض لمأساتها، فجعلني تقشّفها أستطلع الضفاف المستترة.
ومْضةُ جمال من وجه عابر قد تسكب في عيون جنود الفرقة المارّة وتستحوذ عليهم وتجعلهم يخونون ولا يَقتلون.
لحنٌ وصوت، وجْهٌ يقتحم ذكرى، عطرٌ...
تُنسى المرارة في لحظة. يُغفَر للخَلْق للخالق للظلم للموت.
الجمال، لا الحق ولا الخير، هو الجواب المتاح على ما يسحقنا.
■■■
ينْفُذ الخيال من لحظة وَهْم الى ما يغدو حقيقة ومِثالاً.
الوهم واقعٌ مرغوب وقصيدة خالدة، ومضحكٌ مرارةً لمَن لا يكون فيه.
لمَن لا يعود فيه، كالشاعر "في ما بعد".
■■■
أنا الذي عرف جنون اليأس وعرف أيضاً سلامه، يحق لي أن أدعو الذات، وكل آخر، أن يتقدّم بما يعطيه أملاً.
إن لم يكن من باب الحكمة والعقل، فعلى سبيل الكَرَم.
■■■
مهما تأخّر وصول صاحب الضوء، فهو يعوِّض، عندما يصل، عن الأوقات التي لم يكن فيها، بل وعن تلك التي لن يكون فيها.
مَن يعزّي المفكّر والعالِم، والفنان، والكاتب... عن كونه يزرع، أيضاً، لمَن لا يحبّهم؟
الزرع الناهد الى الظهور محتاجٌ الى التراب والماء والهواء وحشرات الأرض وأيدي الفلاّحين وأسنان الآكلين، كما هو محتاج الى ما لا تعرفه الأرض عن عطائها ولا العناصر عن فوائدها ولا الفلاّحون ولا الآكلون عما ينتظره الزرع منهم ولا عما يستطيعون أنفسهم.
لولا ما نستعين به ممّا لا نحتاج إليه، لكنّا خسرنا ما نظنّ أننا ربحناه.

الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: سبر أغوار العيون أنسى الحاج
hassanbalam

المساهمات: 1
مشاهدة: 413

ابحث في: تحت طائلة النصوص   الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: سبر أغوار العيون أنسى الحاج    الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-09-30, 6:05 pm
@hassanbalam
#أنسى_الحاج

ليكنْ باقي جسدكِ في مستوى عينيكِ.

■ ■ ■
نظرةٌ تسبق سقوطاً في الأحضان مع أنّها تقول غير ذلك.
نظرةٌ محجبَّة تزيح المعطف عن عري.
نظرةٌ ستخون لحسن حظّ البراءة.
نظرةٌ وَجَدَتْني.
نظرةٌ سوف أظلّ أبحث عنها فأجدها ولن تعود تجدني.
■ ■ ■
في نظرات الغريب يختلط الخجل بالوقاحة. من مسافةِ أمتارٍ في المقهى، بين طاولةٍ وطاولة، يأخذ التجاذب مداه. يتداعب الغريب والغريبة ويتعانقان بالعيون من وراء أكتاف رفاقهما. ثم ينفرط الجمع وتؤوب رياح الرغبة.
كم من حبٍّ اكتملَ بالنظر ثم ضاع إلى الأبد!
■ ■ ■
يختفي الإنسانُ لا حين يموت بل حين لا تعود العيون تتوقّف عنده. فليمتشق عيون الذاكرة، لا فرق.
الحِيَلُ لا تنفع ضدّ الزمن. ربّما تنفع في ما بعد الزمن. الحِيَل لا تنفع إطلاقاً. الشخص الذي تنحسر عنه العيون سينجو باعتبارها هي التي اختفت!
■ ■ ■
عيناكِ سماءٌ تستحمُّ من رأسها حتّى جحيمها.
■ ■ ■
لا يكفي أن نَرى: يجب أن نُعمى من الرؤية!
■ ■ ■
يضحك وجهكِ كدعوةٍ إلى الرقص وتَسْوَدُّ عيناكِ كطلائع العاصفة.
■ ■ ■
العيون طبقات، أعظمها تلك التي تمتلك موهبتين: إشعاركَ بالذنب حتّى الذوبان وغَسْلُكَ منه حتّى الهذيان.
■ ■ ■
أجملُ ما في حبٍّ عنيف، أن يمارس وجوده برقّةٍ متناهية.
■ ■ ■
العيون ليست مرايا روح صاحبها بل المرايا هي في الناظر إلى العيون. والروح، الروح، الروح هي في عينَي الناظر إلى العيون.
الروح هي البخور المتصاعد من ناظرَي الناظر.
■ ■ ■
عينا المرأة خصوصاً. متّصلتان بأعمق من أحلامنا. متّصلتان بأمّهاتنا. بوعدٍ مهما تَحَقَّق يظلّ إلى الأمام.
■ ■ ■
لملمي أسراركِ. لا تظهري لي منها إلّا الفتّان.
أنا وَلَدٌ شجاع ولكنْ ليس إلى حدّ تَقَبُّل الوقائع.
■ ■ ■
ليكنْ باقي جسدكِ في مستوى عينيكِ.
■ ■ ■
العيون التي لا ترى هي المسؤولة عن إعدام الحبّ. العيون الباردة الجامدة. العيون التي تُجمّد القلب ولا تغرقه.
لا أظنّ بلداً أغنى من بلدي بهذا المقدار من العيون السوداء. ومع هذا قليلها يبْرق. حتّى الغيم، سواء غيم الحزن أو غيم الغباء، يكاد لا يخطر فيها. لم تكن هذه العيون العاديّة، لم تكن من زمان… ما الذي جاء بها؟ ما الذي سبَّبها؟
هذه العيون هل تعرف ماذا تفعل بالعيون المحترقة على انتظارها؟
وهل غَصّتكَ إلّا لأنّك عشت؟
عيونُ غزلانٍ لا تَدْمع، هذه العيون الجديدة. عيون ماء لا يروي. عيونٌ مهاجرة منها روحها. عندما تنظر العيون العاشقة إلى هذه العيون الباردة، اليوميّة، يحكم الظلمُ الأرض.
لا يشبع الجائع وإلّا مات. والذاكرة لا تُغْني بل تُفْقِر. وكيف يُسأل الهائم عن غايته وهو هائم؟ وهل يقال للضائع استَرِحْ؟
العيون تعرف الجواب. العيون كانت تعرف الجواب. كانت تعرف المهجة والخطيئة والليالي. العيون كانت تتعارف في ما بينها.
العيون هي الأفيون. انظرْ مليّاً ترَ دخانه يحوّم تحت الجفون.
■ ■ ■
تاه ذاهب اللبّ كسيراً دامي القلق. اندلعت في صدره لهبة الخوف. انسدّت الدنيا في عينيه وتغلّقت النوافذ، تغلّقت الوجوه، تغلّقت الأبواب.
وأطلّت عليه عينا بلاغةِ النظر، فوقع في أسْر قضبان سجنهما، وعَبَر من تيه الاختناق إلى تيه الأسْر اللذيذ.
■ ■ ■
الكحل غير كافٍ. طوّقي عينيكِ بأحلامِ الرجال.
■ ■ ■
ابتسامتكِ استقبال، ضحْككِ ترحيب، ظلمةُ عينيكِ السكرى تنادي: كسّرْ غصوني!
■ ■ ■
العيون تجعل رائيها شريكاً في سفك دمه.
■ ■ ■
… وأجملها ما تختزن ذكرياتها لتهديها إلى الناظر. ما تَفتتح الأمل. أجملها ما تظنّه بين الصمت والبكاء، بين الخوف واللهفة. تلك العيون التي لم يخفق صدر مثل خفقانه لها، لم يُكتَب أجمل ممّا كُتب تحت تأثيرها.
العيون التي ينتسب إليها الرائي بكلّ يديه، بنداء أحشائه، العيون الميناء، العيون المُنجّمة، عيون النداء والحماية، عيون الأهداب الإلهيّة، عيونُ خَلْع الأبواب، تلك العيون لمَ لم نعد نلتقيها؟ لمَ لم تعد تنظر إلينا؟
… الحِيَلُ لا تنفع ضدّ الزمن…
اسبَقْهُ!…
***
ليكنْ باقي جسدكِ في مستوى عينيكِ.
■ زواجٌ هنا طلاقٌ هناك
استوقفني كلامُ السيّدة أوغاريت يونان في برنامج «بموضوعيّة» مع وليد عبّود على «ام.تي.في» الاثنين الفائت. كلامٌ ينبّه رجال الدين إلى ضرورة الكفّ عن التخويف والمَنْع والبدء بالبحث عن حلولٍ للمشاكل. استوقفتني شجاعةُ يحيى جابر وفراس حاطوم ونانسي السبع. وفرادةُ الأب جورج مسّوح وهو يعلن علمانيّته وتأييده المطلق للزواج المدني. نوابٌ يمعنون في تمزيق البلد مذاهب عبر إقرار المشروع الأرثوذكسي (الأرثوذكسي الحقيقي كان الأب مسّوح ذلك اليوم) ونُخَب من المجتمع تجهر بعلمانيّتها ورفضها التعصّب واحتقارها كلّ ما يؤدّي إليه.
لماذا الزواج المدني، والزواج المدني الإلزامي تحديداً، مع جعل الزواج الديني اختياريّاً؟ لأنّه السبيل الوحيد لاختلاط الدم الطائفي وإنجاب أجيال تنمو في منأى عن التمييز الديني. هذا هو الحجر الأوّل في مشروع بناء الدولة وفي التهيئة لولادة مواطن مدني لا نعجة طائفيّة.
وبورك في موقف رئيس الجمهوريّة.
■ خلافاً لما نظنّ
الموت صعبٌ في البداية. يهون مع الوقت. في السنوات الأولى من العمر هو موت. في الطفولة إجهاض، في الصبا قَتْل، في الكهولة ألم، وفي الشيخوخة إجهاز.
خلافاً لما نظنّ، الشيخوخةُ ليست عمراً. الشيخوخة إشاحةُ النظر عنك. يصبح كلّ الزمن في العجوز ويصبح العجوز، عوضَ أن يتوهّج بكنز الزمن، نعشاً له.
خلافاً لما نظنّ، الجمالُ ليس الجمال، ليس العينين ولا الفم ولا فنّ الحبّ، الجمالُ هو الصبا. الحياة هي الصبا. انتحارُ العجوز ليس انتحاراً بل هو إتمامٌ لمراسم التواري.
خلافاً لما نظنّ، الإمعانُ في العمر ليس شجاعة، ليس دليل عافية، إنّه شراهةُ المُسنّ اللزجة، ولا أحد يحبّها. إذا بقي العجوز صالحاً لرواية حكايات الأطفال، فهذا مبرّرٌ لوجوده. احكِ أيّها العجوز للطفل كي يحلم، لم يعد بينك وبين الحلم غير هذه الصلة.
الموت صعبٌ في البداية. النهايات يَسْترها الموت.

________
في المرأةِ مساحةٌ رحبة طريّة، مساحة داخليّة متمادية، حافلة بالمفاجآت، مساحة لا وجود لمثلها لدى الرجل.

مائيّة الأحضان السريّة، رطوبة الأعماق وبشاشتها – هذا «الاستعداد» الكياني المخلوق، لا وجود له لدى الرجل.

لديه استعداد الصداقة، لكنّه من طينةٍ أخرى.

أرضُ الرجلِ جرداء.

أرض المرأة خضراء.
الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: أجمل أشعار أنسى الحاج,مختارات من أجمل ما كتب أنسى الحاج
hassanbalam

المساهمات: 1
مشاهدة: 1419

ابحث في: مرتفعات أو سوناتا الكلام   الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: أجمل أشعار أنسى الحاج,مختارات من أجمل ما كتب أنسى الحاج    الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2016-07-03, 3:39 pm
مختارات من قصائد أنسي الحاج

@hassanbalam
#أنسى_الحاج
(قتل حبيبها التنّين)

قالت للتنّين
- إرم الجبل
فرمى التنّين الجبل.
وقالت للتنّين.
- إبلع المدينة
فبلع التنّين المدينة.
وقالت للتنّين
- ليقتلْك حبيبي
فقتل حبيبها التنّين.
وما زلت أنسى أنّي
قتلتُ التنّين
لأن حبيبتي أوصَته
أنْ يُقتل...

(تحت جفنيها)

تُحبُّ الألوان، ولا أعرف لماذا الضجر، مرّات، على
كتفيها.
إذا حنت رأسها فلأنّها أعمق الأوتار. ومرّات، لا أعرف
لماذا مرّات، هي لا تسمع.
أين حبيبتي أين، أسأل، مرّات، وحبيبتي أمامي!
كلّ يوم يأتي، يغيب.
كلّ يوم لا يأتي، يغيب أيضاً!
...
لن أُغادر الحُبّ لن أُغادر حَرْبي. وإذا حبيبتي تُشاهد
الألوان ستُشاهد كم أحميها وأسير فيها.
فأنا اللون الفاتح الذي تُحبّه واللّون الغامق الذي
ستُحبّه.
أنا المُغمَضُ تحت جفنيها.

(حوار)

I
قولي: بماذا تُفكّرين؟
أُفكّر في شمسكَ الّتي لا تُنيرني يا عاشقي.
قولي: بماذا تُفكّرين؟
أُفكّر فيك، كيف تستطيع أنْ تصبر على برودة
قلبي.
قولي: بماذا تُفكّرين؟
أُفكّر يا عاشقي في جبروتك، كيف أنّك تُحبّني
ولا أُحبّك.

II
قُل: بماذا تُفكّر؟
أُفكّر كيف كنتُ، وأحزن من أجلكِ يا حبيبتي.
أُفكّر في شمسي الّتي أذابتكِ ، وفي جَلَدي الّذي
خضّعكِ، أُفكّر في حُبّي الّذي ركّعكِ، ثمّ مَلّكِ
يا حبيبتي.
أُفكّرُ في المراثي يا حبيبتي.
أُفكّرُ في القتل.

(عودوا أيُّها الأعزّاء)

المَيتُ ، بعد قليل، أيرجع؟
أليس كلّ ما على الأرض يتغيّر؟
الميت، بعد قليل، أيرجع؟
لعلّه انتهى سبب الضحك وما زلنا نضحك. لعلّه انتهى
سبب البكاء ولا نزال نبكي.
هل يرجع الذاهب؟
كلّ ما على الأرض يتغيّر، فلتتغيّر الأرض!
ليعدْ ليعدْ أولئك الشجعان الذين اجتاحوا
الصمت الأسْوَد. عودوا أيُّها الأعزّاء لقد حضر
المستقبل!
... لكنّه الأمل أنْ يكون ساحر موجوداً وراء
القوانين.
فهل يرجع الميت بعد قليل؟

(لأبقى)

أصدقاؤكِ هيّأوك لعهدي
أحبّاؤكِ عتّقوك لأنتشر فيك
لآكلك عشّاقك أنضجوك
ها أنا!

■ ■ ■
- حين أسترخي جواركَ لمّ لا تأكلني يا سيّدي؟
هذي ليلتي الثانية، للآن لم تلمسني. أما أفتنك، آه!
لماذا لا تأكلني؟
- لأبقى في انتظاركِ. إبعدي.

(تحت حطب الغضب)

ما عُدتُ أحتمل الأرض
فالأكبر من الأرض لا يحتملها.
ما عُدت أحتمل الأجيال
فالأعرف من الأجيال يضيق بها.
ما عُدت أحتمل الجالسين
فالجالسون دُفنوا.
ريشة صغيرة تهبط من عصفور
في اللّطيف الربيع
تَقْطع رأسي.
مُتعَب ومليء مُتعب وجميل مُتعب تحت حطب
الغضب.
لأنّي بلغتُ المُختار
لأنّ امرأة ربّتني على تُراب شفّاف
لأنّي عثرت على الحدود
فتحتُ الحدود.
لأنّي وجدتُها وألغيتُ الحدود.
لم يعد لي صبر على مَن ورائي
ولا على الأحبّاء السابقين.
عندما حصلتُ على الأكثر من أحلامي حصلتُ على
الأكثر من الصحراء
وبعدما صعدتُ العرش والشجر الخالية منه الدنيا
حواني شجرُ البَرْد
ولم أتحطّم لكنّي تعبت.
ولن يبكيني أحد
حقّاً
ولن يرتعشوا لغيابي
حقّاً كما كُنت حاضراً
ولن يستوحشوا مثل بُرج
ولن يموتوا عليَّ موتاً يُضاهي حياتي.
...
أخذتُ ما يُؤخذ وما لا يُؤخذ وتركتُ ما يُترك
وما لا يُترك
وإنّي خرَجْتُ
وامرأة باقية بعيدة
تُكلّمني تُلامسني
وكم أرغبها وكم أيضاً وراء الموت!
وإلى المُهتمّين:
أنا أعظم من عاش
لأنّي أعظمكم في الأُنس والمنفى
بل لأنّي أعظم كائن عاش
كالنسر في البَصَر كالحبر في العمى
عظيماً في الصيد وفي الغَفْلة
وشاهدتُ نجمتي فأخبرتُكم خُلاصتها
بسرعة النمر وبياض الحمام
حتّى تعبتُ وغضبت
لأنّي تجاوزت الفنون والعلوم
واختصرتُ ظاهر العقل وباطنه
وملكتُ العَصَب وبدّدتُه
وكسرت الصاروخ والروح
ثمّ اقترفت بكلامي ذنب التواضع
لأنّي فكّرت أنّه العالم يستحقّ التواضع.
ووقع كلامي في شلّال
وهو نادم غير نادم
لكنّه يُعلن لكم
كلامي يُعلن أنا الكلام
مُنذُ قليل ومُنذُ كثير
أنا الكلام وآخر الكلام
وأوّل ضرب على صدر الحياة
وسوف تفتح لكم الحياة
سوف تفتح الخزائن
سوف تفتح الحياة
ولن أكون بينكم
لأنّ ريشة صغيرة من عصفور
في اللّطيف الربيع
ستُكلّل رأسي
وشجرَ البَرْد سيحويني
وامرأة باقية بعيدة ستبكيني
وبُكاؤها كحياتي جميل.

(أخافُ أن أعرف)

أجمْلُه ما بين الجهل والمعرفة. أكثرُه ألَماً وأشدُّه اعتصاراً.
لا أعرف ما ستقرّرين. عيناكِ اللتان في لون ثيابكِ ثابتتان في دوختي ثباتَ الحَيرة المنقِذة في العذاب.
كذابٌ هذا الصقيع، كذابٌ ذلك البحرالتافه، كذابٌ أيُّ انهماكٍ كان: سوف أنساك. كذابٌ أنا، لو كان لي أنْ أنساكِ لما فعلتُ لأنّكِ، أنتِ أيضاً، لستِ لي. وكيف أنسى من ليست لي!
كان يكون مريحاً لو.
لكنّي كذابٌ أيضاً. أرْفُضُ هذه الراحة. يَحْدث ما يحدث وما لا يجب أن يحدث وما لا يحدث. أحبّيني لا لأني أُحَبّ، بل لأن عينيكِ تُحبّان طريقتهما في إحراقي.
يوم ولدتِ كنتُ كبيراً. أمسِ كنت صغيراً يومَ كبَرتِ. ولولا الضوء لما رأيتُ من عمري سوى الرعشة. صغيراً كالبداية، وأنتِ كبيرةٌ ككلّ ما يجعل النهايات تبدأ من جديد.
أنتِ لسوايَ، ككلّ مَنْ أحْبَبْتُ. لسوايَ، ككلّ ما هو لي.
قَدَر المشتهي مُقتنى غيرِه، قَدَرُحامل الفتنة، قَدرُ الزائرِ الغريب، قَدَرُ ناشرِ الاضطراب والحريّة، قَدَرٌ جميلٌ هو
قَدَري.
وبين الجهل والمعرفة مصيري وأخاف أن أعرف ما سيصير.
أجْمَلُه ما بين الجهل والمعرفة، تُدلّلُكَ أحلام القَلَق وتغدر بك.
والويل لك من جمال تنكيل تلك الحَيرة، والويل لك من اليقين!
فأنتَ مولودٌ تحت التاج والسُمّ.

(مرَّ إعصار فلم يقتلع شجرة)

لو أخذتُ ورقة وقلماً
وسعيت إلى الرزق
لو تذكّرت الله أو نسيته
وضربت بالمعول
لو غرقتُ في الأحراج
وتصيّدت في الغيوم
لما استطعت أنْ أفعل غير الحبّ
فإنّي لا أُخطئ ولا أُصيب إلا فيه.
وحين أكبر أو أصغر
وتخطبني المسرّات أو السأم
ويُمسك بخناقي حادث
أجلس
آخذ ورقة وقلماً
إلى آخره.
...
أحببتُ
ومرّ إعصار فلم يقتلع شجرة
لذلك عدت فأحببت
ولم أنصب فوق رأسي خيمة
ولا حاولت أن أفصل بين الأرض الصخرية والأرض
الزراعية
لأنّه
إذا كانت الطبيعة تحتاج إلى آلاف السنين لتُحوّل
الصخر أرضاً زراعيّة
فالحُبّ يحتاج إلى لحظة وإنسان ليُحوّل
لحظة أُخرى وإنساناً
إلى السعادة.
وأُضيف أنّي على رغم آلامي كُنت سعيداً
فلن أنسى كيف وَهَبَتُني
فمَها الذي يمتصّ الروح ليُجدّدها.
...
أُحبّ كلمة «مُحرّض» وتُحبّني
ولكنْ لا أسمع في الأخبار عن الحُبّ
لأنّ الحُبّ يُحرّضني كثائر يُحرّض الجماعة
والأخبار لا تُذيع عن الحُبّ
كي لا تُذيع عنّي.
وإنّي مُغتبط بهذه المُعاملة السيّئة
فهي تُعطيني غذاء للحقد على البؤس العامّ.
ولهذا
عندما أجلس أمام ورقة وقلم
كما قُلت
دائماً...

(أجمل القارئات)

I
تجلسين على حافّة السرير، بالك في الريح وقدماك
في العاصفة.

II
تتحرّك يداك مَوجتَيْن. ويبدأ السرير إلى الجنوب.

III
تمرّ الحروف. تحسبين أنّك هرّة. تنامين بين
الحروف.
ينقلك النوم إلى المَلك.

IV
ترحلين على الكلمات إلى الأحراج. تقتربين
من الصخور فتُصبح مرايا. يصير الندى جداول،
النقاطُ عصافير، الفواصل فراشات، الأرقام
أشجاراً.
وينتظرك السرير عند غدير.

V
الصفحة السوداء جنّيّة تُؤجّل عمل اليوم إلى
الغد. تستحضر روح اللّذّة إلى نهديك الطافرين في
عطلة.
لا أحد يحزر كم تشتهين وماذا تتخيّلين.

VI
أعجز عن حماية نفسي من أحلامك. أعرفك قليلاً
أيّتها القارئة الجميلة، أنت خليلتي وأُختي. أعرف قليلاً
كيف تُمسكين الكلمات من خصرها، وتعصرين،
تعصرين.

VII
يُضيء وجهُك فتخفضين الضوء.
العَتم المثاليّ هو الذي يعتقد أنّ أحلى ما فيه عُريُ
الجسد الأبيض.

VIII
تنفصل الغُرفة بضحكة. تطير على تنفُّض نهديك.

IX
تتربّص بك أحراج جديدة عند كُلّ نزول إلى
السطر. تلتمسين جِلْد الكتاب فتخفضين الضوء
أكثر.

X
سريرك مَرْكب وهودج.
تشتدّ الريح. تُجَنّ حول قدميك العاصفة.
أنت، أجمل القارئات، على حافّة السرير، تذهبين،
تذهبين...
تصعد الكلمات إلى السرير تنتظر عودتك.

XI
حين تعودين وقد انطفأ الضوء، ترتمي عليك
الكلمات فرحة، ويتفجّر وجهك بالنور، وتُمسكك
الكلمات من خصرك تعصرك، تعصرك...

(زُجاج الذّاكرة المُهَشَّم)

الجوقةُ جَرَفَتْني.
يتذاكرون سطراً لسطر. نظرَتُكِ الآليَّة تُبعثر
الكامن والطافح،
فراغ وغابتي.
الرملة المفتوحة الصَّمّاء، الخَشَبة، الغابةُ الذائعةُ في
الخشبة، وكلُّ شيء رائج هناك
وقلبي المقلوب.
للموج ملحُهُ
للموت لحمه
وللبراكين خيبتُها.
أنهضُ من زجاج الذاكرة المُهَشَّم ينطلق عصفور
مشلول. أنذرتُكِ العاشقُ يصمد!
المجمرة تكتظّ. المجمرة ربيع. المجمرة
مكفوفة. المجمرة تُفلس في يديكِ.
يتذاكرون فحمة لفحمة.
حَجَرُكِ وجَمرُكِ.
أخَذَني النهرُ ولم تَرَوْني.

(كنا نحسب الفراغ نبيذاً)

كان صوتك هضبة تُغطّيها المياه
وكانت مراكبنا سوداً
أراضينا بوراً
شموعنا صخوراً.
كُنّا نُخطئ بالصغيرة والكبيرة
نحسب الفراغ نبيذاً
والرملَ على الرمل: القمحَ والذهب.
وكُنّا نَحفظ الأوراق لنَحفظ
ونَعبد الآثار لنعبد
ونُخبّئ لنُخبّئ،
حتّى جئت
فلم ننظر إلى ما كان
غير نظرة!
ولمّا البحارُ تشقّقت
وأشَعَّ صوتك
هَوَينا إليه كمياه.
صرت المياه
صرت المطر
ونزل الوقت
نُزول الرعاة من الهضبة.

(الضّاحكة الضّاحكة الضّاحكة)

يا جواب جَسَدي
يا شجرة البيوت المهجورة
التي تختار من كلامي الكلام الذي أنا أختاره أيضاً
التي أنسى على اسمها الكلام
حسْرتي ومعرفتي
يا عروس الروح والغرائز
يا أُمّ الشهوات
يا صُراخيَ الأخرس، يا مُهرتي البيضاء الناهبة نجومَ
ليلي
يا من تحمل سيفي وحُطامه
المروّضة
يا مَن تفوّقت على زهر البساتين وفازت على
الفواكه الوحشيّة
زنبقة الكآبة الزرقاء الضاحكة الضاحكة
الضاحكة.
الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: كان هذا سهوا لأنسى الحاج pdf ,قصائد جديدة لأنسى الحاج
hassanbalam

المساهمات: 3
مشاهدة: 3084

ابحث في: مرتفعات أو سوناتا الكلام   الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: كان هذا سهوا لأنسى الحاج pdf ,قصائد جديدة لأنسى الحاج    الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2016-06-02, 3:04 pm
ديوان كان هذا سهوا لأنسى الحاج
قصائد غير منشورة لأنسى الحاج
#أنسى_الحاج
@hassanbalam
الوسم أنسى_الحاج على المنتدى نوسا البحر 1464872039421



غُـيُـوم



غيوم، يا غيوم

يا صُعداء الحالمين وراء النوافذ.



غيوم، يا غيوم

علِّميني فرَحَ الزوال!

* * *
هل يحِبّ الرجل ليبكي أم ليفرح،
وهل يعانق لينتهي أم ليبدأ؟
لا أسألُ لأُجاب، بل لأصرخ في سجون المعرفة.
ليس للإنسان أن ينفرج بدون غيوم
ولا أن يظفر بدون جِزْية.
لا أعرف من قسَّم هذه الأقدار، ومع هذا فإن قَدَري أن ألعب ضدّها.
هـلـمّـــي يا ليّنتي وقاسيتي،
يا وجهَ وجوه المرأة الواحدة،
يا خرافةَ هذياني،
يا سلطانةَ الخيال وفريستَه،
يا مسابِقةَ الشعور والعدد،
هلمّي الى الثواني المختلجة نسرق ما ليس لأحد سوانا.
وهْمُكِ أطيبُ من الحياة وسرابُكِ أقوى من الموت.
* * *
إسألني يا الله ماذا تريد أن تعرف؟
أنا أقول لك:
كلُّ اللعنات تغسلها أعجوبة اللقاء!
وجمْرُ عينيكِ يا حبيبتي يُعانق شياطيني.
تُنزلينني الى ما وراء الماء
وتُصعدينني أعلى من الحريّة.
أُغمض عليكِ عمري وقمري فلا تخونني أحلام.
يا نبعَ الغابات الداخليّة
يا نعجةَ ذئبي الكاسرة
مَن يخاف على الحياة وملاكُ الرغبةِ ساهرٌ يَضحك؟
لا يولد كلَّ يوم أحدٌ في العالم
لا يولد غيرُ عيونٍ تفتِنُ العيون!
نظرةٌ واحدة
نظرة
وعيناكِ الحاملتان سلامَ الخطيئة
تمحوان ذاكرة الخوف
وتُسيّجان سهولة الحصول بزوبعة السهولة!
* * *
أيّتها الغلافُ الحليبيُّ للقوَّة
يا ظاهرَ البحر وخَفيّ القمر
يا طُمأنينةَ الغَرَق
يا تعادُلَ حلمي وحركاتكِ وخيبتي وادهاشكِ
يا فوحَ الجذورِ الممسكة بزمام الأرض،
أيّتها الصغيرةُ المحمَّلةُ عبءَ التعويض عن الموت،
عن الحياة وعن الموت،
أيّتها المحجَّبةُ بعُريها،
أيّتها الملتبسةُ مع عطرها
أيّتها الملتبسُ عطرُها مع ضالّتي
أيّتها الملتبسةُ مع ظلّها
أيّتها الملتبسُ ظلَّها مع جسدي
أيّتها الملتبسةُ مع شَعرها
أيّتها الملتبسُ شَعرُها مع أجنحتي
أيّتها الملتبسةُ مع مجونها
أيّتها الملتبسُ مجونُها مع حريّتي
أيّتها الملتبسةُ مع عذوبتها
أيّتها الملتبسةُ عذوبتُها مع شراهتي
أيّتها الملتبسةُ مع صوتها
أيّتها الملتبسُ صوتُها مع نومي
أيّتها الملتبسةُ مع ثوبها
أيّتها الملتبسُ ثوبُها مع حنيني
أيّتها الملتبسةُ مع مرحها
أيّتها الملتبسُ مرحُها مع حَسَدي
أيّتها الملتبسةُ مع فخذيها
أيّتها الملتبسة ُفخذاها مع تجدّدي
أيّتها الملتبسةُ مع صمتها
أيّتها الملتبسُ صمتُها مع انتظاري
أيّتها الملتبسةُ مع صبرها
أيّتها الملتبسُ صبرُها مع بلادي
أيّتها الملتبسةُ مع أشكالها
أيّتها الملتبسةُ أشكالُها مع روحي
أيّتها الملتبسةُ مع نصف عُريها
أيّتها الملتبسُ نصفُ عريها مع أملي
مع أمل دوام الحُمّى،
أيّتها الَتي أُغمضُ عليها إرادتي واستسلامي
لمْ تقولي إننا غريبان
لأنكِ تعرفين كم لنا توائم
في كلّ من يذهب وراء عينيه...
* * *
وأخافكِ!
كيف لرجلٍ أن يعشق مُخيفه؟
من يدفع بالدافىء الى الصقيع وبالمستظلّ الى الهاجرة؟
من يقذف بالصغير الى الخارج ويحرم الرضيع التهامَ أمّه؟
ولِمَ يحلُّ وقتُ السوء ولِمَ يُنهَش الصدر؟
ليس للإنسان أن ينفرج بدون غيوم ولا أن يظفر بدون جزية،
فليكن للقَدَر حكمته، ستكون لي حكمتي
وليكن للقَدَر قضاؤه، ستكون لي رحمتي.
لم يخلّصنا يا حبيبتي إلاّ الجنون
شبَكتُكِ ألْهَتني عن الحياة
ولهوُكِ حماني،
قيودُ يديكِ طوّقتْ قلبي بالغناء
وجمرُ عينيكِ عانق شياطيني.
* * *
لنفسي لونُ عيونِ قتلى الذات
المدمَّرين وراءَ بابٍ ما
ابتسامةٍ ما.
خيانةٌ دوماً، خيانةٌ لا تُطاق
أفدحُ من أيِّ فقْد،
خيانةٌ تسلبكَ عمركَ
تسلبكَ أمّكَ وأباك
تسلبكَ أرضكَ وسماءك،
خيانةٌ يا إلهي أكبرُ من حضنكَ،
ولا أحد يستطيع شيئاً!
لا أحد يستطيع شيئاً!
* * *
في وقت من الأوقات لم يكن أحد.
كان الهواءُ يتنفّس من الأغصان
والماء يترك الدنيا وراءه.
كانت الأصوات والأشكال أركاناً للحلم،
ولم يكن أحد.
لم يكن أحد إلاّ وله أجنحة.
وما كان لزومٌ للتخفّي
ولا للحبّ
ولا للقتل.
كان الجميعُ ولم يكن أحد.
أحدٌ لم يكن كاسراً.
كانت الأمُّ فوق الجميع
وكان الولد بأجنحته.
وصاعقاً
أعلن الألمُ المميت أنه هنا،
في الداخل الليّن، ولم يكن يراه أحد.
وانبرى يَبْري
ثم يَهيل التراب على الوجه
على العينين
على الغمامة التميمة.
ولم يبقَ من تلك الكروم
إلاّ ذكرى أستعيدُها أو تستعيدُني،
تارةً أقتُلُ وطوراً أُقتَل
والشرُّ إمّا في ظهري وإما في قلبي!...
* * *
رفعتُ قبضتي في وجه السماء
لَعنتُ وجدّفت
ولكنْ قلْ لي كيف أنتهي
من جحيم السماء بين ضلوعي!؟
* * *
لم يُخلّصنا يا حبيبتي إلاّ الجنون
حين طفرنا الى الضَياع النضير
والتقينا ظلالنا
فأضاءتنا عتماتُنا
وصارت أحضانُنا موجاً للرياح.
* * *
الشاعر هو المتوحّش ليحمي طفولتنا
الملحّن هو الأصمّ لكي يُسمِع
المصوّر هو الأعمى لكي يُري
الراقص هو المتجمّد لكي نطير.
لا يَحضر إلاّ ما يغيب
ولا يغيب إلاّ ما يُحضِر.
فلأغبْ في شرود المساء
فلتبتلعني هاويةُ عينيّ!...
* * *
أيُّ صلاةٍ تُنجّي؟
كلُّ صلاةٍ تُنَجّي!
والرغبة صلاةُ دمِ الروح
الرغبة وجه الله فوق مجهولَين
ونداءُ المجهولِ أن يُعطى ويـظــلّ مجهولاً.
الرغبةُ نداءُ الفريسة للفريسة
نداءُ الصيّاد للصيّاد
نداءُ الجلاّد للجلاّد
الرغبةُ صلاةُ دمِ الروح
فَرَسُها الفرسُ المجنّحة
وجناحاها
جناحا خلاصٍ في قبضة اليد.
* * *
غيومُ، يا غيوم
رسمتُ فوق الفراغ قوسَ غمامي
قوسَ غمامنا أيّها الحبّ
قوسَ غمام المعجزة اليوميّة.
غيوم، يا غيوم
يا هودجَ الأرواح
جسدي يمشي وراءكِ، يمشي أمامكِ،
يتوارى فيكِ.
غيوم، يا غيوم
باركي الملعونَ السائرَ حتّى النهاية
باركينيِ
علِّميني فَرَحَ الزوال...
(1998-1996)
ماذا صنعتَ بالذّهب
ماذا فعلتَ بالوردة
قولوا هذا موعدي وامنحوني الوقت.
سوف يكون للجميع وقت، فاصبروا.
اصبروا عليَّ لأجمعِ نثري.
زيارتُكم عاجلة وسَفَري طويل
نظرُكم خاطف وورقي مُبعْثَر
محبّتُكم صيف وحُبّيَ الأرض.
مَن أُخبر فيلدني ناسياً
إلى مَن أصرخ فيُعطيني المُحيط؟
صــار جسدي كالخزف ونزلتُ أوديتي
صـارت لغتي كالشمع وأشعلتُ لغتي،
وكنتُ بالحبّ.
لامرأةٍ أنهَضتُ الأسوار فيخلو طريقي إليها.
جميلةٌ كمعصيةٍ وجميلةٌ
كجميلة عارية في مرآة
وكأميرةٍ شاردة ومُخمَّرة في الكرْم
ومَن بسببها أُجليتُ وانتظرتُهاعلى وجوه المياه
جميلةٌ كمَركب وحيد يُقدّم نفسه
كسريرٍ أجده فيُذكّرني سريراً نسيتُه
جميلةٌ كنبوءة تُرْسَل الى الماضي
كقمر الأغنية
جميلةٌ كأزهارٍ تحت ندى العينين
كسهولة كلّ شيء حين نُغمض العينين
كالشمس تدوس العنب
كعنبٍ كالثّدْي
كعنبٍ ترْجع النارُ عليه
كعروسٍ مُختبئة وراء الأسوار وقد ألقتْ عليَّ الشهوة
جميلةٌ كجوزةٍ في الماء
كعاصفةٍ في عُطلة
جميلةٌ أتتني
أتت إليّ لا أعرف أين والسماء صحو
والبحر غريق.
من كفاح الأحلام أقبلتْ
من يَناع الأيّام
وفاءً للنذور ومكافأةً للوَرد
ولُمّعتُ منها كالجوهرة.
سوف يكون ما سوف يكون
سوف هناك يكون حُبّنا
أصابعه مُلتصقة بحجار الأرض
ويداه محفورتان على العالم.
أُنقلوني الى جميع اللّغات لتسمعني حبيبتي
أُنقلوني الى جميع الأماكن لأحْصرَحبيبتي
لترى أنّني قديمٌ وجديد
لتسمَعَ غنائي وتُطفىء خوفي.
لقد وَقعْتُها وتهتُها
لقد غِرْتُها
أعيروني حياتكم لأنتظر حبيبتي
أعيروني حياتكم لأُحبّ حبيبتي
لأُلاقيها الآن والى الأبد.
لَكُم أنتم لتدقَّ الساعات
من سراجكم ليؤخذْ نور الصباح
فأنا بريءٌ وحبيبتي جاهلة
آه ليُغدَق علينا
لنُوفَّرْ لنُجْتنَبْ
وليُغدَقْ علينا
فحُبّي لا تكفيه أوراقي وأوراقي لا تكفيها أغصاني
وأغصاني لا تكفيها ثماري وثماري هائلةٌ لشجرة.
أنا شعوبٌ من العُشّاق
حنانٌ لأجيالٍ يقطر منّي
فهل أخنق حبيبتي بالحنان وحبيبتي صغيرة
وهل أجرفها كطوفانٍ وأرميها؟
آه من يُسعفني بالوقت من يُؤلّف ليَ الظلال مَن يُوسّع الأماكن
فإنّي وجدتُ حبيبتي فلِمَ أتركها...
ما صَنعَتْ بيَ امرأةٌ ما صنعتِ
رأيتُ شمسكِ في كآبة الروح
وماءكِ في الحُمّى
وفمكِ في الإغماء.
وكنتِ في ثيابٍ لونُها أبيض
لأنّها كانت حمراء.
وأثلَجَتْ
والثلج الذي أثلجت كان أحمرَ
لأنّكِ كنتِ بيضاء
ورَدَدْتِ عليَّ الحُبّ حتّى
لا أجد إعصاراً يطردكِ
ولا سيفاً
ولا مدينةً تستقبلني من دونكِ.
هذا كُلّه
جعلْتُه في ندَمي
هذا كُلّه جعلْته في أخباري
هذا كُلّه جعلْته في فضاءٍ بارد
هذا كُلّه جعلْته في المنفى
لأنّي خسرْتكِ
إذ ملأتُ قلبي بالجنُون وأفكاريَ بالخُبث
فكتمتِ وانفصَلتِ
وكنتُ أظنّكِ ستصرخين وتبكين وتُعاودين الرضى
ولكن كتمتِ وانفصَلتِ
وكنتُ أظنّكِ ستعرفين أنّ نفسيَ بيضاء برغم الشرّ
وأنّي لعباً لعبتُ وحماقتي طاهرة
وكنت أظنّ أنّكِ وديعةٌ لتغفري لي
أنّكِ وديعةٌ لأفعل بكِ كالعبيد
وكنتُ أظنّ أنّي بفرحٍ أظلمكِ وبفرحٍ تتنفّسين ظلمي
وكنتُ أظنّ أنّي ألدغكِ فتتّسع طمأنينتي
وأنقضكِ كالجدار فَتَعْلَقين كالغبار بأطرافي
لكنّي ختمتُ الكلام وما بدأتُه
وأتفجَّع عليكِ لأنّي لم أعرف أنْ أكون لكِ حُرّاً
ولا عرفتُ أنْ أكون كما تكون اليد للزهرة
فكنتُ مغنّياً ولكِ ما غنّيت
ومَلِكاً وأنتِ لم أملك
وأُحبّكِ
وما أحببتكِ إلاّ بدمار القلب وضلال المنظر
وأُحبّكِ
وطاردتكِ حتّى أشاهد حُبّكِ وهو نائم
لأعرف ماذا يقول وهو نائم
فحمَله الخوف وروّعه الغضب
وهرب الى البُرج عالياً
كاتماً قد انفصل
وأنا في جهلي أطوف وفي حكمتي أغرق
على موضعٍ أدور على موضعٍ أهدأ
وحُبّكِ يقظان وجريح وراء الأسوار
وحُبّي بارّ بعد الأوان
نارُ البِرّ تأكله بعد الأوان.
أحفظُ مظالمي وأعطي مبرّاتي
أحفظُ مظالمي فمن يُعطيني مظالمه
ومن يأخذ مبرّاتي ويُعطيني الرجاء
لأنّي لم أعد ألمح نوراً في الغابة.
تذهب الريحُ بالثلج وبالثلج تعود.
جسدي كالخزف ولُغتي كالشمع.
إتّخذتُ آفاقاً عظيمة وجعلتُها حُفَراً
إتّخذتُ اللّيل فأطفأتُه والنهار فأسلمتُه
إتّخذتُ الأكاليل فاحتقرتُها
إتّخذتُ الحُبّ فكسرتُه
إتّخذتُ الجَمال وكرَجلٍ أفقرْتُه
إتّخذتُ الحُبّ
إتّخذتُ الحُبّ الشبيه ببَرٍّ لا يحدّه ماء
الشبيهَ بمياهٍ لا تحدّها برّيّة
إتّخذتُ الحُبّ عوضَ كُلّ شيء مكانَ كُلّ مكان
بدَلَ الجوهر ومحلَّ الشرّ والخير
أخذتُه أخذتُ الحُبّ وشكاني
الذين صاروا في فاقة
وتعالت جُفونهم الذين حسدوني
ونهش ضحكهم الهواء الذين تهكّموني
فماذا صنعتُ بالحُبّ
وأخذتُ ذهَبَ النساء وردةَ الذهب
فماذا صنعتُ بالذهب وماذا فعلتُ بالوردة؟
أُنقلوني الى جميع اللّغات لتسمعني حبيبتي
ثبِّتوها على كُرسيّ وجِّهوا وجهها إليّ
أمسكوا رأسها نحوي فتركض إليّ
لأنّي طويلاً وبّختُ نفسي ويأسي قد صار مارداً.
أطيعي دمعكِ يا حبيبتي فيُطرّي الحصى
أطيعي قلبكِ فيُزيلَ السياج
ها هو العالم ينتهي والمُدنُ مفتوحةٌ المُدنُ خالية
جائعةٌ أنتِ وندَمي وليمة
أنتِ عطشانة وغُيومي سودٌ والرياح تلطمني.
العالمُ أبيض
المطرُ أبيض
الأصواتُ بيضاء
جسدُكِ أبيض وأسنانُكِ بيضاء
الحبرُ أبيض
والأوراقُ بيضاء
إسمعيني اسمعيني
أُناديكِ من الجبالِ من الأودية
أُناديكِ من أعباب الشجرِ من شفاه السحاب
أُناديكِ من الصخر والينابيع
أُناديكِ من الربيع الى الربيع
أُناديكِ من فوق كُلّ شيء من تحت كُلّ شيء ومن جميع الضواحي
إسمعيني آتياً ومحجوباً وغامضاً
إسمعيني اسمعيني مطروداً وغارباً
قلبيَ أسوَدُ بالوحشة ونفسيَ حمراء
لكنَّ لوحَ العالم أبيض
والكلمات بيضاء.
كلُّ قصيدة
كلُّ حبّ
كلُّ قصيدةٍ هي بدايةُ الشعر
كلُّ حبٍّ هو بدايةُ السماء.
تَجذري فيّ أنا الريح
اجعليني تراباً.
سأعذبكِ كما تُعذب الريحُ الشجَرَ
وتمتصّينني كما يمتصُّ الشجرُالتراب.
وأنتِ الصغيرة
كلُّ ما تريدينه
يُهدى إليكِ الى الأبد.
مربوطاً إليكِ بألم الفرق بيننا
أنتزعُكِ من نفسكِ
وتنتزعينني،
نتخاطف الى سكرة الجوهريّ
نتجدّد حتى نضيع
نتكرّر حتى نتلاشى
نغيبُ في الجنوح
في الفَقْد السعيد
ونَلِجُ العَدَم الورديّ خالصَين من كلّ شائبة.
---------------
ليس أنتِ ما أُمسك
بل روح النشوة
... وما إن توهّمتُ معرفةَ حدودي حتى حَمَلَتني أجنحةُ التأديب الى الضياع.
لمنْ يدّعي التُخمةَ، الجوعُ
ولمن يعلن السأمَ، لدغةُ الهُيام
ولمن يصيح " لا! لا!"، ظهورٌ موجع لا يُرَدّ
في صحراء اليقين المظفَّر.
ظهورٌ فجأةً كدُعابة
كمسيحةٍ عابثة
كدُرّاقةٍ مثلَّجة في صحراء اليقين،
ظهوركِ يَحني الرأسَ بوزن البديهة المتجاهَلَة
فأقول له "نعم! نعم!"،
والى الأمام من الشرفة الأعلى
كلّما ارتميتُ مسافَةَ حبّ
حرقتُ مسافةً من عمر موتكَ
كائناً من كنتَ!...
----------
ترتفعُ
ترتفع جذوركِ في العودة
تمضي
واصلةً الى الشجرةِ الأولى
أيّتها الأمُّ الأولى
أيتها الحبيبةُ الأخيرة
يا حَريقَ القلب
يا ذَهَبَ السطوح وشمسَ النوافذ
يا خيّالةَ البَرق المُبْصر وجهي
يا غزالتي وغابتي
يا غابةَ أشباح غَيرتي
يا غزالتي المتلفّتة وسط الفَرير لتقول لي: اقتربْ،
فأقترب
أجتاز غابَ الوَعْر كالنظرة
تتحوّل الصحراء مفاجرَ مياه
وتصبحين غزالةَ أعماري كلّها،
أفرّ منكِ فتنبتين في قلبي
وتفرّين منّي
فتعيدكِ إليّ مرآتكِ المخبأة تحت عتبة ذاكرتي.
يداكِ غصونُ الحرب
يداكِ يدا الثأر اللذيذ مني
يدا عينيكِ
يدا طفلةٍ تَرتكب
يداكِ ليلُ الرأس.
تُسكتينني كي لا يسمعونا
ويملأُ الخوفُ عينيكِ
مُدَلّهاً مختلجاً بالرعب
كطفلٍ وُلد الآن.
تنسحب الكلمات عن جسدكِ
كغطاءٍ ورديّ.
يَظهر عُريكِ في الغرفة
ظهورَ الكلمة الأوحد
بلا نهائيّةِ السراب في قبضة اليد.
مَن يحميني غابَ النهار
مَن يحميني ذَهَبَ الليل.
ليس أيَّ شوقٍ بل شوقُ العبور
ليس أيَّ أملٍ بل أملُ الهارب الى نعيم التلاشي.
فليبتعد شَبَحُ الخطأ
ولا يقتحْمنا باكراً
فيخطف ويطفىء
ويَقتل ما لا يموت
لكي يعيش بعد ذلك قتيلاً.
الحبّ هو خلاصي أيّها القمر
الحبّ هو شقائي
الحبّ هو موتي أيّها القمر.
لا أخرج من الظلمة إلاّ لأحتمي بعريكِ ولا من النور إلاّ لأسكر بظلمتك.
تربح عيناكِ في لعبة النهار وتربحان في لعبة الليل.
تربحان تحت كلّ الأبراج وتربحان ضدّ كل الأمواج.
تربحان كما يربح الدِين عندما يربح وعندما يَخْسر.
وآخذ معي وراءَ الجمر تذكارَ جمالكِ أبديّاً كالذاكرة المنسيّة،
يحتلّ كلَّ مكان وتستغربين
كيف يكبر الجميع ولا تكبرين.
ذَهَبُ عينيكِ يسري في عروقي.
لم يعد يعرفني إلاَّ العميان
لأنهم يرون الحبّ.
ما أملكه فيكِ ليس جسدكِ
بل روحُ الإرادة الأولى
ليس جسدك
بل نواةُ الجَسد الأول
ليس روحكِ
بل روحُ الحقيقة قبل أن يغمرها ضباب العالم.
الشمس تشرق في جسدكِ
وأنتِ بردانة
لأن الشمس تَحرق
وكلّ ما يَحرق هو بارد من فرط القوّة.
كلّ قصيدةٍ هي قَلْبُ الحبّ
كلّ حبٍّ هو قلبُ الموت يخفق بأقصى الحياة.
كلّ قصيدةٍ هي آخرُ قصيدة
كلّ حبٍّ هو آخرُ الصراخ
كلّ حبٍّ، يا خيّالةَ السقوط في الأعماق، كلّ حبٍّ هو الموت حتى آخره،
وما أُمسكه فيكِ ليس جسدكِ
بل قَلْبُ الله
أعصره وأعصره
ليُخدّر قليلاً صراخُ نشوتِهِ الخاطفة
آلامَ مذبحتي الأبديّة.
------------------
أغار
أغارُ عليكِ من الطفل الذي كُنتِ ستلدينه لي.
من المرآة التي ترسل لكِ تهديدكِ بجمالكِ.
من شُعوري بالنقص أمامكِ.
من حُبّكِ لي.
من فنائيَ فيكِ.
ممّا أكتب عنكِ كأنّني أرتكب فضيحة.
من العذاب الذي أُعانيه فيكِ، من العذاب الأكثر بلاغةً من المتعذبين.
من صوتكِ من نومكِ من وضع يدكِ في يدي.
من لفظ اسمكِ.
من جهل الآخرين أنّي أحبّكِ، من معرفة الآخرين أنّي أُحبّكِ،
من جهل الآخرين أنّي أغار عليكِ،
من معرفة الآخرين أنّي أغار عليكِ.
من سعادتي بكِ، من سعادتكِ بأيّ شيء، من وجودكِ حُرّةً
من وجودكِ عَبْدَةً
من وجودكِ لحظةً.
أغار عليكِ من غَيْرتي عليكِ.
من أوّل مساء.
من عطائكِ لي.
من تعلُّقي بكِ أشَدّ أشَدّ.
أغار عليكِ لأنّك تقرأينني وأنا أريد أن تحفظيني.
لأنّكِ قد تحفظينني وتحفظين سواي.
لأنّي لا أرى غيرَ حَمْقى،
لأنّي لا أرى غيرَ أذكياء.
لأنّي أُحاصركِ وأتعهّدكِ كالوحش.
لأنّ حُبّي يخنقكِ.
أغار عليكِ ممّا أشتهيكِ أنْ تكوني، وممّا تشتهين أنْ تكوني، وممّا لا تقدرين أن تكوني.
من المرأة لأنّكِ امرأةٌ ومن الرجل لأنّه يراكِ.
من الجنس لأنّه حتّى يعود يجب أن يتوقّف.
من كُلّ ما سيكسره نظركِ.
أغار عليكِ لأنّي خَطَبْتكِ جاهلاً عددَكِ.
لأني أخنقكِ بحُبّي وأنت لا تقدرين أنْ تُحبّيني وأنتِ مخنوقةٌ بحُبّي.
لأنّي ساخطٌ لأنّكِ أجملُ النساء.
لأنّي أمدحكِ فأخاف أنْ تسمعي في مديحي أصواتَ آخرين.
أغار عليكِ من الأشياء التي يكبر فرحكِ بها لأنّكِ تُحبّينني.
من نبوغ جسدكِ.
من عابري السبيل ومن الذين جاؤوا ليبقوا ومن الأبطال والشهداء والفنّانين.
من إخوتي وأولادي وأصدقائي.
من الأقوياء لأنّهم يأخذون الإعجاب ومن الضعفاء لأنّهم يبدأون بأخذ الشفقة.
من لبوءة الرجاء النائمة.
من الأنغام والأزهار والأقمشة.
من انتظار النهار لكِ، ومن انتظاركِ اللّيل.
من أقصـى الماضي الى أقصـى الماضي.
من الكُتب والهدايا ومن لسانكِ في فمي.
من إخلاصي لكِ فُرادى وجماعات.
من الموت.
أغار عليكِ أجَنَّ أجَنَّ كلّما تضايقتِ من غَيْرتي عليكِ.
أغار عليكِ من جميع الأعداء ومن جميع الحلفاء.
من الحياة الرائعة التي نقدرأنْ نعيش.
من ورق الخريف الذي قد يسقط عليكِ.
من الماء الذي يَتوقّع أنْ تشربيه.
من الصيف الذي تخترعينه بعُرْيكِ.
من الطفل الذي كُنتِ ستلدينه لي.
من الطفل الذي لن تلديه أبداً...
من "ماذا صنعتَ بالذهب ماذا فعلت بالوردة" 1970
-------------
أخافُ أن أعرف
أجمْلُه ما بين الجهل والمعرفة. أكثرُه ألَماً وأشدُّه اعتصاراً.
لا أعرف ما ستقرّرين. عيناكِ اللتان في لون ثيابكِ ثابتتان في دوختي ثباتَ الحَيرة المنقِذة في العذاب.
كذابٌ هذا الصقيع، كذابٌ ذلك البحرالتافه، كذابٌ أيُّ انهماكٍ كان: سوف أنساك. كذابٌ أنا، لو كان لي أنْ أنساكِ لما فعلتُ لأنّكِ، أنتِ أيضاً، لستِ لي. وكيف أنسى من ليست لي!
كان يكون مريحاً لو.
لكنّي كذابٌ أيضاً. أرْفُضُ هذه الراحة. يَحْدث ما يحدث وما لا يجب أن يحدث وما لا يحدث. أحبّيني لا لأني أُحَبّ، بل لأن عينيكِ تُحبّان طريقتهما في إحراقي.
يوم ولدتِ كنتُ كبيراً. أمسِ كنت صغيراً يومَ كبَرتِ. ولولا الضوء لما رأيتُ من عمري سوى الرعشة. صغيراً كالبداية، وأنتِ كبيرةٌ ككلّ ما يجعل النهايات تبدأ من جديد.
أنتِ لسوايَ، ككلّ مَنْ أحْبَبْتُ. لسوايَ، ككلّ ما هو لي.
قَدَر المشتهي مُقتنى غيرِه، قَدَرُحامل الفتنة، قَدرُ الزائرِ الغريب، قَدَرُ ناشرِ الاضطرابوالحريّة، قَدَرٌ جميلٌ هو قَدَري.
وبين الجهل والمعرفة مصيري وأخاف أن أعرف ما سيصير.
أجْمَلُه ما بين الجهل والمعرفة، تُدلّلُكَ أحلام القَلَق وتغدر بك.
والويل لك من جمال تنكيل تلك الحَيرة، والويل لك من اليقين!
فأنتَ مولودٌ تحت التاج والسُمّ.
من "الوليمة" 1994
------------
الهارب
إرهابنا تحقق ضدنا
الذين هم يجب أن يُقتلوا، سرقوا منا المفتاح وقَتَلوا
وبعدما زيفوا الخلق ها قد زيفوا القتل
كتبنا عُنفنا وسكرنا كالروس البيض، ولم نعد نملك سوى أملٍ متلاشٍ
بأن يسعفنا، إذا أمكن، رجع صدىً لحقدٍ ما. ولكنه هو الآخر ينساب
هارباً، يختفي طائراً كملاكٍ مأمورٍ فجأة بالعودة .
من "الوليمة" 1994



الـشـــــــــارع

أنسي الحاج
أنسي الحاج الشارع حائط نائم، يفصل بين المشاة والوقوع. كيفما جئتَ إليه يلاقيك. اليوم حَشْر وغداً عيد. أمس حَشْد يرفع القبضات واليوم جموع مُحَنَّنَة بأشواقها. لا يهمّ الاسم. الشارع بَحْرُ البراري. وهو ليس على الحياد بل على سرير القَدَر. لا يُخْبرنا الشارع بما يعرف، وهذا هو لغزه الشهيّ. نخبره، نحن، ولا يقاطعنا بالمحاورة، بل يُرخي لنا حتى لَنتبخَّر. عندئذ يفتح فراغ صدرنا ويفتح عيوننا جديدة على لحظة، هي تلك التي كان يمكن أن تُؤْسَر، اللحظة الكاملة، غير المعرَّضَة للنقد، ذات الوَمْض الأبدي. أصوات غامضة تُدندن في خفاء الشارع العلنيّ، تحيط بأسماع القلب إحاطة الإشاعات. الشارع ليس طريقاً بل هواء. وَعْدٌ بأن لا يعرفكَ أحد أثناء مباذلك. حريّة الفقير وحمّام الغني. المنزل هو الحاجة والشارع هو الفنّ. انزلي إلى الشارع حتى أراكِ. أستعرضي الجماهير حتّى أسمعكِ. حتّى على هواي، حتّى بإفراط وحسرة، ونسبح في البحر الأغبر. لا قطعان هنا بل نجوم. كل واحد ظلّه شمس. الشارع غصّة المشاهير، غالباً يضحك من أسمائه. رئيس الشيوخ عمره عشرون. يسافر، الهادئ الطويل، وأقرب الرفاق إليه الهاربون من المدارس. الشارع ينام عندما تدوسه التظاهرة كما ينام الحوت عندما يمشي امرؤ فوقه. ينطوي كسجّاد الصيف. يرتدي تمساحه ويَنْشب جليده. الشارع يُفْرز الحنين كما تُفرز اللامبالاة التحدّي. أيّها العاشق المستوحد اهرع إلى هدير الشارع. أيّها الشاعر المرتجف، الشارع يَخْتُ الشعراء. عرفنا الشارع نادياً حرّاً للأجناس، ملتقى المجاهل، منتزه الجيوب الفارغة والأرواح التائهة، مركب الخيال نحو ما يطعمه فيغذّيه أو يجوّعه فيغذّيه. شارع العيون الجائعة والأنوف المرتعشة لجوع الأيدي والعيون. شارع التبغ والنشّالين، خزنة الفضائح وكرسي الاعتراف. عاصمة الخادمات المُحْلوّات بغَزَل الزعران. طريق الصبايا اللواتي لا يمكن لقاؤهن بهذا الاستعداد إلاّ لحظة الشارع. هناك شارع آخر، للضرب والدماء. شارع لعنف الشهوة وآخر لعنف العنف. واحد لمغناطيس التلامس وواحد لسكين السَلْخ. “سينزلون إلى الشارع سينزلون إلى الشارع!”. لماذا يكون الشارع دوماً تحت والمتظاهرون فوق؟ بلاد لم يعد اسم فيها يعني معناه. المجتمع مجلس عزاء. العزاء مجلس اجتماعي. السيارات توابيت. التوابيت سيّارات. الوطن كابوس. الكابوس وطن. الصحف أوراق نعي. أوراق النعي إشعار بالوصول. التلفزيون حوانيت لتوزيع اليأس مجّاناً. اليأس تَرَف الناجين من الهجرة والموت. الشارع مخيف. الخوف شرعي. لا أحد يسمّي شيئاً باسمه. فقط بنصف اسمه. النصف الثاني مبلوع. ومع هذا، الشارع شكل من أشكال الحريّة، الحريّة هي هذه أيّها الخائبون. الحريّة هي هذه أيّها المُنْشِدون. سَكْرة لك وسَكْرة عليك. الحريّة لعوب لا تذهب حتّى النهاية مع واحد فقط. التهديد جزء منها. ما من أمانٍ بعد الولادة. “أولاد شارع، بنات شارع”، عبارة لا أفهمها إساءة. أَستنشقُ منها رائحة الانطلاق المزدحم بأحلامه، وأستشفُّ صُوَر الكثرة، الكثرة السهلة، الطيّعة الهيّنة الجَرْف، الهيّنُ الانجراف معها، المعقوصة بتوابل التنوّع وحفافي المجهول، الكثرة ذات العناقيد المتدليّة خارج السور، ذات الاحتمالات المدرارة. أبناء الشارع للريح والشمس والمقاعد التي لا تَسْكُن قاعديها. بنات الشارع وَرْد جوريّ وألحان منفلتة من عقالها، واثبة في فضاء متآلف مع الكواسر والضواري، لا يخاف ولا يخيف بل ينشر الضحك والشجاعة، وَرْد جوري أسراره تتوالد في الهواء الطَلْق، أسرار العَلَن العارية تحت فساتينها، الأشدّ جاذبيّة، والأعصى، الأكثر والأقلّ استسلاماً. بنات الشارع حلم البيوت، شقيقات النعمان والنعمة، أميرات الشوك الطيّب، غمامات النعيم، أجمل إضافة توضع لكلمة شارع، ثريّات الأعمى، عرائس لا أحد، كواكب الرصيف، بنات الأفكار الأولى والأخيرة، بنات هيكل الغوى الأعظم، المشيّد بحجارة الشوق، العابق ببخور العيون المُهْلكة، بنات الصدْفة الماحية للوعي، بنات اللحظة. لا شيء هنا يضيع. نذوب جميعاً كالملح ولا نضيع. نضيع عن معتقلاتنا، عن جفصيننا، عن عفونة الإقامة وسأم العيون الأليفة، المألوفة، الحافظة إيّانا غيباً. هنا، بين رائحة الإسفلت وطقطقة الأحذية النسائيّة وعجز الرجال، يستأنف الكائن تماسه مع غرائزه ويشمّ حشائش القرية، تغتسل ذاكرته بصقيع الينابيع السابقة، يتمرّغ ظهره الذهنيّ على البيادر الشقراء والمروج المرتعشة في طبيعة مستعادة بأقوى صورها فجأةً على أرض المدينة. الشارع حائط نائم يفصل بين المشاة والوقوع. مثلما هناك مقالات عكس السير تفصل بين القرّاء والواقع. ... والشارع يستيقظ فيقع المشاة. والقارئ يُشيح بوجهه فتقع الجريدة. ويقع الكاتب. وتَهربُ لحظةٌ حطّتْ لحظةً في قبضة اليد.



الحياة هي هذا الاستعداد للّذي قد ينقضي معظم العمر قبل أن يحدث لكنّه سيحدث. الحياة هي هذا الاستعداد الكامل والهائل والدائم لحدوث الحياة. * كان هذا سهواً. لم أكتب هذه الرسائل ولا تلك المقالات، ولم أكن إلّا قليلاً في الأيّام حيث كنت. للمرء الحقّ في إنكار حياته إنْ هي لم تشبه مُناه، وأن لا يعترف في عُباب هذا البحر المترامي وراءه إلّا بحبّات من الملح وبضع نقاط من البخار. * احفِرْ في الهاجس، تابِع الحَفْر، حتى ينبجِسَ اللبّ من الطرف الآخر. فإمّا جوهرة، وإمّا فرَج الفراغ. * ستذهب إلى مكان تُسْمَع فيه روحُكَ أكثر. ينتشر غيابكَ في قيلولة السكون مُلغياً حسّ الحدود. مَن كان يَهدي قد يَبْطُل هادياً ولكنَّ مَن أحيا سوف يظلّ يُحْيي.



أنسـي الحـاج



أيُّها الكرام،

الجواب، أمام دعوة إلى مؤتمر حول "قصيدة النثر"، الجواب الفوري، هو: لماذا، وقد انتقلنا إلى الجهة الأخرى من المرآة؟!...

لكن الجواب واهمٌ، على الرغم من أنه صادق. صادقٌ كما هو صادق كلُّ مأخوذ بعالمه الداخلي: فهو يغوص، حتى يقطع صلته، أو يكاد، بالعناصر الخارجية. وفجأةً يكتشف أنه هو قطع، انتقل إلى الضفة الأخرى، ضفة الكينونة الصافية المأخوذة بشروطها، لكن الأرض الخارجية، أرض الواقع والسوابق، أرض الأقدام التي على الأرض، لم تنسَ، وأنها تنتظره، تنتظر وقتَها لتُسائِلَه، لتفحصه، لتعود وتسأله: مَن أنت؟

أنا، تجيب قصيدة النثر، مخلوق دخيل أراد أن ينتزع وجوده بالقوة، لألف سبب شكليٍّ ومعنوي. أنا، تتابع قصيدة النثر، أعترف بالوزن، لكنه هو لا يعترف بي. أنا، تقول أيضًا، ليس همِّي مباراة الإنشاء، بل أن أكون على صورة خالقيَّ ومثالهم، متمرِّدة وصارمة، حرَّة ومسيَّجة، متنوِّعة حتى التناقض، إيقاعية وفالتة، متوتِّرة ومنفرجة، غنائية وناشفة، وقائلة ما لا تقوله الأوزان.

وتمضي قصيدة النثر قائلة للباحثين فيها: ظننتُ أن مسألة البحث في أمري حُسِمَت، وها هي ذي تعود إلى التداول. كنتُ واهمة، وكنتم على حق. فأنا المخلوق الدخيل سأظل، مهما أجلستموني بين أنواعكم الأدبية، مخلوقًا دخيلاً، أو في أحسن الأحوال، مخلوقًا مقبولاً على مضض. يبدو أن هذا هو جزء من هويتي، بل من قَدَري. لأني بنت التمرد: لا التمرد على الأوزان فحسب، بل التمرد أيضًا على أوزان القضاء والقَدَر. فأنا، قصيدةَ النثر الصغيرة الدخيلة، عشبةٌ هوجاء لم يزرعها بستانيُّ القصر ولا ربَّة المنزل، بل طلعتْ من بركان أسود هو رحم الرفض. وأنا العشبة الهوجاء، مهما اقتلعوني، سأعود أنبت، ومهما شذَّبوني، لن أدخل حديقة الطاعة، وسأظل عطاءً ورفضًا، جليسةً أنيسةً وضيفًا ثقيلاً، لأني ولدتُ من التمرد – والتمرد، التمرد الفردي، الأدبي والأخلاقي، على عكس الثورة، لا يستكين ولا يستقيل حين يصل إلى السلطة.

على افتراض أنه يصل. ولكنه لا يصل.

لأن السلطة التي يصل إليها التمرد هي سلطة التمرد. ولا علاقة لها بتلك السلطات. فهي كوكب للحرية، للحرية المتجاوزة على الدوام نفسَها حتى الاستهتار بالذات.

وهل كثير، بين هذه المجرَّات المنتظمة بثباتها ودقتها ورتابتها وصلادتها، مجرات النظام والتشابه والتراتبية العسكرية – هل كثيرٌ أن ينفرد كوكبٌ صغير بالانحراف عن المسارات، ويغرِّد خارج السرب، ولا يعبأ بزمجرة الحكَّام، واستنكار الآباء، ولعنات الدهور؟!

* * *

والآن، إلى شيء من التأكيد.

أيها الأحباء،

طويناها صفحةً من عهد الكتابة. طوينا صفحة الغرفة الممنوعة وفتحنا الغرفة الممنوعة. بالاستحقاق والاغتصاب، لا بأس. بالسلاسة وبالوحشية، لا بأس. بالهمس والفضيحة، لا بأس. بالنعمة والانقضاض، لا بأس. لا شيء كان سيتم بسلام. كانت حربًا. ولولاها لما دخلنا تلك المساحة الحديثة، ذلك المجهول المتلاطم الاحتمالات. ارتكبناها خطيئةً كُتِبَتْ علينا. خطيئة تجاوُز الخطوط الحمراء – خطوط الشكل واللغة والفكر والمعتقَد والذوق والمحرَّم والمقدَّس. طويناها صفحة. صفحة بمئات السنين. وما أتينا به أردنا ولم نُرد له أن يلغي شيئًا. فنحن، في صميم مجيئنا، مأخوذون أيضًا بأسرار وكنوز من الماضي. ومع هذا، نحن "تقليديون": تقليديو الفنون المرذولة والعلوم السوداء، تقليديو السحر، والآن تقليديون خوارج من عائلةٍ ماضيها حاضرٌ وحاضرُها مجهول.

وكما قلنا، لا ندَّعي إلغاءً للوزن ولا للقافية، بل نحن من عشَّاق الأغاني، كثيرًا ما نفضِّلها على كتاباتنا. فكيف ندعو إلى "إلغاء" وحملتُنا كلها حملةُ غرسٍ وإيجادٍ وإكثارِ حياة؟! ليكتب كلٌّ على هواه، ولينقل الهواء ما يحلو له نقله. لقد أردنا مكانًا لِمَا لم يكن له مكان، أردنا جسدًا لإيقاع لا يضطرب به روحُ النثر العربي فحسب، بل يضطرب به روحُ الشاعر العربي، ولا يريد سكبه في الأُطُر القديمة، بل يتطلَّع إلى شكل أكثر ملاءمة لمناخه، أقلَّ عسفًا حيال فكره وشعوره، أكثر قربًا من أصواته الخارجية والداخلية، أقلَّ تفريطًا بحذافير تجربته، أكثر استيعابًا لحوادث لحظته وأوزان كيانه. لو لم تُرِدْ قصيدةُ النثر التعايشَ مع قصيدة الوزن لما سُمِّيت قصيدة نثر، بل لزعمت لنفسها تسمية "قصيدة"، قصيدة فقط، بلا تمييز.

قال بعض النقاد إن ثمة قصائد نثر تنطوي على إيقاعات واضحة يمكن استخراج أوزان منها تضاف إلى الأوزان المعروفة. وهي نظرية وجيهة. وليُسمَح لنا بأن نضيف إليها فنقول: أيًّا تكن الأوزان التي قد يستخلصها علماءُ الغد من قصائد النثر، نرجو أن لا تكون حدودًا ولا قيودًا، ونؤمن إيمانًا راسخًا بأن إيقاعاتٍ جديدةً ستظل تطل في تجارب جديدة، ومعها احتمال أوزان جديدة. وهذا هو الهدف من بحر النثر: أن يكون بلا حدود ولا نهاية، وأن يظل "حقل الحقول" الذي كلما وطئتْه قدمٌ أحسَّت أنها تمشي على غابة عذراء.

* * *

عهدَ الفظاظة كنتُ سأقول: عقابٌ لقصيدة النثر أن يؤويها مؤتمرٌ في جامعة. وكان سيكون ذلك كاذبًا. اليوم أقول: لا ضير عليها من ذلك. وسيكون ذلك أيضًا كاذبًا. الكذبة الأولى استفزاز، والثانية مجاملة. وتظل الحقيقة، مع هذا، خارج الكذبتين.

ومع الشكر للَّذين نظَّموا هذه الحلقة الدراسية، أعتقد أن المبرِّر الأكبر لمؤتمر كهذا هو أن يكون انطلاقةً نحو أبحاث نقدية وتقييمية لما أنتجه هذا النوعُ منذ تأسيسه قبل نحو نصف قرن. الحاجة ماسة إلى النقد: حاجة القارئ – وهو ضائع وزاهد –، وحاجة الشاعر – وهو الضائع والمضيِّع. لم تصبح قصيدة النثر العربية، كالمعلَّقات، وثيقةً للتاريخ حتى نستريح من قراءتها أو من كتابتها ولا تعود صالحة إلاَّ للمراجعة الأكاديمية. ولم تُقرأ بعدُ كفايةً، لا بعين الفضول ولا بعقل التمحيص. مَن هم شعراؤها؟ ما هي أنواعها؟ أين هي جذورها الظاهرة والخفية؟ ما هو مستقبلها؟ ما هي الاحتمالات بعدها؟

الحاجة إلى النقد هي اليوم أشدُّ الحاجات الأدبية إلحاحًا. وإنْ كنَّا نعتقد مع المعتقدين أن الشعراء هم أنبه النقاد، ويظل أكبر مثال على ذلك بودلير. فلا يُعفي هذا النقَّادَ النقَّاد من مسؤوليتهم. كان بودلير الناقد شاعرًا معلنًا، ولكن كم من ناقد معلَن هو شاعر سرِّي.

وإني أرجو لهذا المؤتمر أن يكون مناسبة ليقوم المشاركون فيه – وكذلك غير المشاركين من كبار الشعراء والدارسين – بعملية إعادة نظر تكون هذه المرة إعادة نظر لقصيدة النثر في ذاتها من الداخل. وقد كان معظم النظر النقدي إليها في السابق هو من خارجها أو من ضفاف مخضرمة.

* * *

ليُسمَح لي الآن، وقد ازدحمتْ في رأسي خواطر كثيرة عن موضوعنا الليلة، أن أكتفي ببعضها، وسأورده على سجيِّته، دون ضبط تسلسلي:

قصيدة النثر شغلُ وِحدة. شغل مَن يدرك أو يشعر أن هذا الذي يكتبه ليس موجَّهًا إلى جمهور معروف، بل إلى شخص واحد ربما، وأحيانا إلى مجهول. رسالة في زجاجة يتقاذفها الموج. موجَّهة إلى مجهول مرغوبٌ الوصول إليه رغبةً حارَّة، ولكنه قد يظل، بل على الأرجح سيظل، "مجهولاً"، ولو عُلِم.

قصيدة تكسر عزلتها ما إنْ تنكتب كلمتُها الأولى، ولكنها العزلة الخارجة من ظلام واضح إلى وضوح مبهم. الكاتب هنا قانع بزاويته الصغيرة، لا يمد ذراعيه أبعد من أفياء سطوره. هو يعرف أنه ليس مطربًا، ويعرف أنه يقف على رصيف الذاكرة. هذا المصير الفقير هو الذي اختاره حين اغترب عن الأوزان المباركة والقوافي السعيدة وهبط ذلك الهبوط المدوِّي خارج النعيم، منقذفًا على خطايا نثره من جيل إلى جيل، تجرِّحه عظامُه وعروقُه قبل أن تجرِّحه صخورُ الآخرين وجبالُهم، فيما هو يسبح بين الأجرام، تتشلَّعه التياراتُ كما تتشلَّع كلَّ مَن يخرج على مدار الجاذبية.

* * *

في أساس قصيدة النثر، فضلاً عمَّا قيل ويقال، بديهية نكاد ننساها. وهي، بكلِّ بساطة، حبُّ النثر. ما يجده الناظمُ في الوزن أجده في النثر. موسيقى الأوزان تُناسبه، موسيقى النثر تُناسبني. الامتحان الذي يَخضعُ له في تطويع الوزن، أخضعُ له في تطويع النثر. استنباط الإيقاع من النثر هو أشبه بتحويل المعدن الرخيص إلى ذهب. ليس هذا فحسب، بل الكتابة كلها هي هذه العملية الخيميائية، ولا قيمة لها إلا بمقدارها، وبمقدار تحدِّيها شبه اليائس لاستحالة النجاح في هذه العملية. ليس هذا فحسب، بل الفكر، مجرد الفكر في مجرد الرأس، إنْ لم يكن توقًا – بكلِّ جِدِّية التوق ومأسويته – إلى تحقيق تلك العملية الخيميائية السحرية التي تشتقُّ الشيءَ من خصمه، والنبلَ من الوحل، والوجودَ من العدم، والجمالَ من الغياب، فأي معنًى له ولصاحبه؟

فلنعد إلى الخواطر حول قصيدة النثر.

إن الطاقة التي ولَّدت قصيدة النثر في أواخر الخمسينيات/مطلع الستينيات من القرن الماضي وحملتْها كالإعصار مفجِّرةً في وجهها حربًا هي الأخرى أشد من الإعصار، تلك الطاقة وازتْها طاقةٌ لا تقل زخمًا في إرادة بناء عضويٍّ لقصيدة النثر وهندسة لكياناتها يحميانها من الذوبان في نهر الانحلال أو من التساقط تحت خيول الانفلات.

إن أية قصيدة هي كيان متوهِّج قائم بذاته. وقصيدة النثر لا تشذُّ عن هذا الوصف. لكنْ يجب الإقرار بأن اللحظات الشعرية ليست متساوية، وقد تبتعد قصيدةٌ عن مفهوم الكيان المتكامل السيِّد وتقترب أخرى، وتستوفي قصيدةٌ الشروطَ جميعًا وتنحرف أخرى. وإذا كان في هذا الانحراف وَهَنٌ فليس بعارض قاتل ولا بخطيئة مميتة إنْ توافرتْ صفاتٌ شعرية أخرى تُغرِقُ الفجوةَ التقنية أو الشائبةَ العضوية بفيض من الدفق الشعوري أو الجمالي أو ما لا يحصى من ميزات الفيض.

ويؤخذ علينا، أنا وسواي من المؤسِّسين، أننا حدَّدنا شروطًا ومواصفاتٍ لقصيدة النثر، عُدنا، أنا وسواي، وخرقنا العديد منها. من ذلك حجم القصيدة: قلنا بالقصيرة، ثم اكتشفنا بالممارسة أنْ لا ضير في الطويلة، حتى لو تنافرت، حين تدعوها تجربتُها إلى الإفاضة، أو حين يجرفها سيلُها فيمنعها من الانحصار في ساقية تحت طائلة التشويه. وغيرها قليل، خيانات ارتكبناها، أنا وسواي، ولكنها خيانات من نوع الشذوذ المثبِّت للقاعدة، بل من نوع توسيع الحدود. لم نفرِّط في مفاهيم القصيدة، بل طوَّرناها وجعلناها أرحب مما أريدَ لها في القرن التاسع عشر الأوروبي والأميركي يوم كانت مجرَّد رفيقة صغيرة فقيرة لصاحبة الجلالة قصيدة الوزن.

فالشعر يبتدع أصولَه كما يبتدع السائرُ ظلالَه. يتلوَّن ويتجدَّد كما يتلوَّن الإغراءُ ويتجدد. لم يخطئ العرب في تسمية روح الشعر بـ"الشيطان". شيطان الشعر هو إكسير المفاجأة. شيطان هائم في الطهارة والنقاء كما هو هائم في الرذيلة والتهتُّك، ودومًا فمُه مضرَّج بماء التفاحات، ينهش فيها ويثمر أطيب منها، وعند قدميه المصابيح، وعلى خطاه المعرفة، معرفة الأطفال، المعرفة التي تتقدم الحياة، وتسخر من ذاتها، وتصنع الحياة والخيال والرغبة والجمال، ولا تدَّعي أنها عارفة، بل تتجلَّى كالظهورات وتكون في أول المفاجَأين بذاتها، تلسع وتمطر وتُشعل وتؤنس وتلعب. والشعراء لا يتبعهم أحد، ولا حتى ظلهم، لأنهم أرواح ترفرف على وجه الحياة وأمام عيون الأبرياء وجرحى الوجود وأحلام الصبايا، مثلما قديمًا قيل إن روح الله في البدء، قبيل النور، كان "يرفرف على وجه المياه" [سفر التكوين].

* * *



الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
انتقل الى:  

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا