آخر المساهمات
2024-05-04, 8:54 am
2024-05-04, 8:53 am
2024-05-04, 8:49 am
2024-04-28, 10:02 pm
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-02, 5:16 am
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

1 نتيجة بحث عن إلياس_أبو_شبكة

كاتب الموضوعرسالة
الوسم إلياس_أبو_شبكة على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: ديوان أفاعى الفردوس كامل إلياس أبو شبكة,شعر وقصائد إلياس أبو شبكة
hassanbalam

المساهمات: 1
مشاهدة: 696

ابحث في: مرتفعات أو سوناتا الكلام   الوسم إلياس_أبو_شبكة على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: ديوان أفاعى الفردوس كامل إلياس أبو شبكة,شعر وقصائد إلياس أبو شبكة    الوسم إلياس_أبو_شبكة على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-11-04, 2:29 pm
@hassanbalam
#أفاعى_الفردوس
#إلياس_أبو_شبكة
الوسم إلياس_أبو_شبكة على المنتدى نوسا البحر P_1769qhkbz1

أفاعي الفردوس

في حديث الشعر

لا أكتب هذه المقدمة لأحدد الشعر، أو لأعلِّم الشاعر كيف ينبغي له أنْ يشعر، وأي طريق يجب عليه أنْ يسلك ليصل إلى هيكل النور الأسمى، أو لأجيء بنظرية أتعصب لها وأعلن لأجلها حربًا؛ فالشعر كائن حي تحتشد فيه الطبيعة والحياة، فلا يقاس ولا يوزن، والنظريات مذاهب وأغراض، لا تعيش إلا على هامش الأدب، كما يعيش العَرَض على هامش الجوهر، أو كما يعيش الديكتاتور الزائل على هامش الأمة الأزلية.

وقد تصح النظريات أو المذاهب في كتاب سياسي، أو وصية سياسية موجهة إلى شعب له أوضاعه الخاصة، وحدوده المقررة، وثقافته، وجنسيته؛ ولا تصح في شعر يعبر عن الحياة؛ فالحياة لا جنسية لها ولا أوضاع ولا حدود، وهي أوسع من أنْ نضع لها حدودًا ومقاييس، والدائرة الغير المحدودة لا تنحصر في الحدقة الضيقة.

ليس للفكر حد ولا تخوم، فكيف نضع للحياة حدًّا وهي هدف الفكر؟!

كيف نحدد هذه القوة المتحولة في اللانهاية، هذه القوة المجهولة؟!

وربَّ قائل إنَّ الإنسان دائم الشوق إلى معرفة المجهول، وهذا صحيح، على أنَّ الشوق إلى معرفة المجهول لا يلزم العقل البشري إلَّا عندما يقتنع الإنسان بأن إدراكه الحسي للعالم الخارجي لا يكشف له حقايق الأشياء التي يراها ويلمسها، ويضطر إلى الاعتراف بأن إدراكاته الذاتية ليست سوى تأثيرات لسبب خارجي يجهل حقيقته، ولكن الجاهل لا تمر في خاطره أية شبهة بشهادة حواسه الذاتية، ويعتقد كل الاعتقاد أنَّ الأشياء التي يراها ويلمسها هي الحقايق بعينها.

ولا يمكن تحويله عن هذا الاعتقاد؛ لأن نظريته في مبحث المعرفة تمثل أحط دركة من المادية التافهة؛ ولأنه يصر على إدراكه ما لا يدرك — بل يحس — على إدراكه الحقيقة المطلقة، ورؤيته إياها من وراء المظهر المتحول في الحياة.

كيف نستطيع إدراك ما لا يُدْرَك بل يُحَس؛ لِنُقَيِّده في دائرة ضيقة من اصطلاحاتنا البيانية، ثم نوزعه مذاهب وطبقاتٍ هي سياسة الشعر لا طبيعته؟ أليس من الخرق أنْ نحاول بلغة وضعية تحديد لغة المجاز والكناية، لغة الروح، لغة الحس الوجداني العميق؟!

وقد يعمد بعض هواة النظريات إلى تحديد الشعر بالطريقة الفلسفية، وفي هذا دليل على شك هذا البعض في الشعر نفسه: في جوهر الحياة؛ فالمرء لا يلزم جانب التفلسف إلا عندما يخالجه الشك، مزعزع الاعتقاد بمطابقة المدارك الحسية لحقيقة الأشياء المدركة، وهذا الشك الفلسفي ينم في حدِّ ذاته على الاعتراف بعجز الوسائل العلمية وقصورها، وهذا الاعتراف يرغمنا في نهاية الأمر على التسليم بأننا لن نتمكن من معرفة حقايق الأشياء بوسائلنا المحدودة، وأن ضَعف وسائلنا ناجم عن طبيعة تكويننا الناقص … وعندئذ يصبح المجهول في نظرنا السرَّ الغامض؛ أي الحد الأخير الذي يقف عنده الذكاء البشري.

هذا هو الشوط الذي تجتازه الفكرة الفلسفية عندما تصدر عن الشك، لتخلص إلى الشوق لمعرفة المجهول. وإذا أضفنا إلى هذه البيانات التأثير المخيب لتقلب الحياة في هذا العالم، ندرك في الحال أنَّ من العبث والجهل الضائع التشبث في البحث عن الحقيقة المطلقة الثابتة وراء مظهر الوجود المتقلب، وعندئذ يغمرنا هذا الإدراك بكآبة عميقة، فنفهم السبب الحقيقي لذلك التشاؤم العميق الذي يستولي عادةً على الشعراء.

إذن ثمة حقيقة غامضة من العبثِ البحثُ عنها لتحديدها، وقد قال الأب بريمون: «إنَّ كل قصيدة مدينة بطابعها الشعري لتألق هذه الحقيقة الغامضة.» وربما أراد الأب بريمون أنْ يعني بهذه «الحقيقة الغامضة» الوحيَ، وهو في ذلك لم يجئ بنظرية، بل عبر عن شيء يجهله ولكنه يشعر به، خلافًا لبول فاليري الذي تعمد الإتيان بنظرية عندما قال: «إذا آمن الشاعر بالوحي، قتل الإبداع.»

فإذا كان الوحي حالةً من حالات النفس عند تأثُّرها المباشر بِقُدْرَة خارقةٍ، وشئنا أنْ ننكر هذه الحالة، أنكرنا جوهر النفس ذاته؛ أنكرنا مبدأ الحياة. وأية غضاضة على الشاعر أنْ يكون وسيطًا لهذه القدرة الخارقة؟ فالأنبياء كانوا يتسقطون كلام الله، والقدرة الخارقة ليست منفصلةً عن الإنسان؛ فهي جوهر نفسه، فإذا أرسل الشاعر نظره في معرض الطبيعة، واجترَّت عيناه مشهدًا من مشاهد هذا العرض، ثم خبزه على نار هذا الجوهر؛ فيكون قد أعطاك من نفسه، والنفس هي المصهر الداخلي الخفي لكل ما يحيط بالإنسان. فإذا كانت النفس مفطورةً على الصفاء، وتهيأت لها العوامل الثقافية المكملة، تنقي الشعور من أدرانه، وتقوم بهذا العمل من تلقائها، فلا تكلفك إجهادًا ولا تعملًا … شأن المعدة الصحيحة تهضم الطعام، وتتولى توزيع الدم النقي في الجسد وإخراج الفاسد منه.

قلت إنَّ القدرة الخارقة ليست منفصلةً عن الإنسان؛ فهي جوهر نفسه، فعلى هذا الجوهر تنصهر المرئيات، وتشترك في هذا العمل جميع الحواس؛ إذن فالقدرة الخارقة التي يتأثر بها الشاعر هي نفسُه، والنفس قوة لم يُدْرك كنهها لتحدٍّ، فكيف ننفي الوحي الشعري ما دامت النفس مصهر الشعور؟!

ويقول فاليري أيضًا إنَّ الشاعر من يستطيع النظم ساعة يشاء، وليس الشاعر وقفًا للمصادفة، وإنه لمن الخطل القول بأن الشاعر منفعل لا فاعل، ومتسقط ما يُلْقى عليه.

كأني ببول فاليري يريد أنْ يُنْزِل الشاعر منزلة النجار أو الحداد يقبل على عمله ساعة يحين موعد العمل أو ساعة يريد العمل، فيكون فاعلًا لا منفعلًا، وهذا أبعد حدود الخطل وامتهان فاضح لجوهر الشعر، وأيان هو هذا الشاعر الذي يصطنع العاصفة اصطناعًا ليعطيك كل ساعة إنتاجًا، كالنجار يعطيك الخزانة في الوقت المتفق عليه؟!

أيان هو هذا الشاعر الذي لا يتأثر بما حوله ومن حوله، فلا هجر حبيب يؤثر فيه فيحرك شعوره، ولا موت صديق أو صديقة ولا نكبة عزيز، ولا كارثة أمة ولا فرح شعب، لا الظفر ولا الانكسار، لا الذل ولا الكرامة، لا ربيع الطبيعة ولا شتاؤها، لا صيفها ولا خريفها؟!

وأية غضاضة على قريحة الشاعر، إذا هي مرَّت بساعات خدر؟ أفيكون الشاعر ملتزم أشغال في يده مقياس الزمن لإنجاز عمله؟! ألا يتفق للقريحة أنْ تمر في ساعات خدر، فلا ترى ما تراه في ساعات اليقظة الروحية، ولا تحس ما تحسه في ساعات التأثر والانفعال؟ وإلا ففيم لا يترك الشعراء من الروائع إلا ثلاثًا أو أربعًا، لا تسلخ من العمر أكثر من سنة؟ قال أحد الشعراء الخالدين: إذا أُحْصِي الوقت الذي وقفته على نظم قصائدي، فلا يعدو تسعة أشهر.

وقال فاليري أيضًا: إنَّ الشاعر الموهوب من يختار اللفظة الصالحة لإحداث الرعشة النفسية وإحياء العاطفة الشعرية.

على أنَّ الشاعر الحقيقي لا طاقة له على اختيار اللفظة؛ فله من شعوره الزاخر ما يصرفه عن هذه الألهيَّة، وعندي أنَّ الشعر ينزل مرتديًا ثوبه الكامل، وهذا الثوب جزء من الشعور لا يتجزأ، وقدر ما تكون ثقافة الشاعر من الرقي والذوق الموسيقي في روحه يكون البيان راقيًا في شعره، وهذه اللفظة التي يريدنا بول فاليري على أنْ نختارها تتكاتف العناصر الروحية فينا على اختيارها، فلا تكلفنا هذا العناء، أو تصرفنا عما تراه بصائرنا خلال الأحلام والرؤى، فكل ما يكتسبه المرء يصهره جوهر نفسه — القدرة الخارقة — فيصير عضوًا فيه.

سوى أنَّ فاليري ما لبث أنْ نقض نظريته في الوحي الشعري في محاضرة له عن «إلهامات البحر المتوسط»، وفي هذا دليل على فساد النظريات في الأدب؛ فقد وصف الشاعر الفرنسي الزوارق الماخرة عباب بحر الروم والجيف الحمراء، تتركها الأسماك المقبورة، وأهرامَ البرتقال المصدَّر من إسبانيا، ودلل على إقطاعات الروح البشرية والأساليب التي تتكون منها هذه الإقطاعات، وعلى تطور النور الناشئ والسماء والشواطئ، وأثر هذه المشاهد في روحه.

وشاء أنْ يحدثنا عن جميع العوامل والمؤثرات التي كان لها الفضل الأكبر في تكوين مخيلته وإحساسه، فأخبرنا أنَّ جمال البحر جذبه في صباح يوم، وفيما هو يغتسل ويمتع الطرف والروح بتموج النور على سطح الماء، إذا بمشهد تقزُّ له النفس يعترض نظره؛ فقد رأى على مقربة منه، في قعر الماء الصافي الشفاف، أشياء حمراء بلون الورد الخفيف أو الأرجوان العميق، وعلم بكثير من المقت أنها كتل فظيعة من أحشاء الأسماك التي طرحها الصيادون في البحر، ولم يَقْوَ على الهرب مما رأى، ولا على تحمُّله؛ لأن عاملين في نفسه كانا يتنازعان الشعور بالجمال الحقيقي الغريب في فوضى هذه الألوان الأصلية، وفيما هو مستسلم إلى المقت والرغبة في الاستفادة، يتقاسمه عامل الهرب وعامل التحليل، كان يفكر فيما يستطاع استنتاجه من هذا المشهد، ثم انتقل بالفكر إلى ما في شعر القدماء من الوحشية والدم، وتذكر أنَّ الإغريق ما تورعوا عن وصف أفظع ما تقع عليه العين … وأنَّ الأساطير الإغريقية وشعر الملاحم والمآسي طافحة بالدم، ولكن الفن أشبه ما يكون بسطح الماء الصافي الذي رأى خلاله تلك الأشياء الفاحشة.

وانتقل بول فاليري إلى الدور الذي مثله البحر المتوسط، بما اتصف به من الخصائص المادية في تكوين الفكر الأوربي الذي حرر العالم البشري بأسره، ومما قاله إنَّ طبيعة البحر المتوسط والعلاقات التي قررها أو فرضها كانت أساس التكوين النفساني والفني، هذا التكوين المدهش الذي استطاع ببضعة قرون أنْ يميز الأوربيين من سائر الخلق، والزمنَ الحاضر من الأزمان الغابرة، فأقوام البحر المتوسط هي التي خطت الخطوات الأولى الواثقة؛ لإيضاح الأساليب والبحث عن الظواهر الطبيعية باستخدام قوى الفكر.

وبعد أنْ وصف الشاعر مواقع البحر المتوسط ومزاياه الطبيعية، انتهى إلى القول بأن إبداع الشخصية البشرية ورفعها إلى مستوًى من الرقي والتطور الأكمل، كانا من مبتدعات هذه الشواطئ، ويتضح لنا من هذا أنَّ فاليري أصبح مؤمنًا كل الإيمان ﺑ «الوحي الشعري»؛ بدليل أنَّ البحر والشمس والسماء هي مصدر تكوينه وتثقيفه، وأنَّ طبيعة البحر المتوسط كانت أساس التكوين النفساني والفني الذي ميز الأوربيين من سائر الخلق …

ولن أعمد هنا إلى مجادلة هذا الرأي في تمييز الأوربيين من سائر الخلق؛ فلكلٍّ في تمييز عنصره مدلول يخالف به الآخر؛ بل أقصُر الكلام على الوحي الشعري من غير أنْ أذهب مذهب العرب القدماء في أنَّ الوحي يُلَقَّن من فم شيطان، وأنَّ الشياطين تسترقُ السمع وتلقيه على الألسنة.

فالوحي يتولد «على صفاء المزاج الطبيعي وقوة مادة النور في النفس» — على حد قول المسعودي — وأضرب مثلًا على ذلك هذا الغدير الصافي؛ لا تشقى العين في رؤية السماء وغيومها وسحبها ونجومها ماثلةً في قعره، كأن هذه السماء وما عليها هاتف في أعماق نفس الغدير، وللطبيعة الحكم المطلق في تصريف النفس البشرية، وأثرها الكامل في الحس، وليس في المبروءات النفسية والجسدية ما لا تحكمه الطبيعة.

وفي الطبيعة أسرار لطيفة لا يدركها الحس مهما دق، بل يشعر بها إذا قويت النفس، والنفس مهما قويت لا تستطيع قهر الطبيعة لاقتناص سرها اللطيف إلَّا إذا تجردت من أدران هذا العالم، وهذا مستحيل.

إذا تجردت النفس من هذه الأدران بلغت النسبة النورانية الكاملة، بلغت مستوى الطبيعة، بلغت ذات الله، والنفس النقية هي الله.

على أنَّ للنفس هنيهات تصفو فيها، فينعكس عليها من الطبيعة جمال محجوب، وهذا الجمال يهتف في النفس أسرارًا تُنطق لسان الشاعر الثقيف بمعانٍ شريفة، وعبثًا نحاول معرفة هذه الأسرار، فهي من الغموض واللطف بحيث تدق على أدق حس، ويكفي أنْ نسمع من هذه الأسرار ما يُنطق ألسنتنا، ويفتح أذهاننا لمشاهد نراها بأم العين.

وربما أراد الأب بريمون بقوله: «إنه لا حاجة لفهم معنى الشعر، فالسحر المنبعث عن موسيقاه يؤثر في النفس تأثيرًا مباشرًا»، ربما أراد بقوله هذا أنْ يعبر عن تأثر النفس بانعكاس الجمال المحجوب في الطبيعة عليها، ويُظهر أنَّ هذا الجمال الغامض إنما هو موسيقى الطبيعة، تعزف على أوتار النفس معزوفات غامضة من نوع ذلك الجمال.

على أنَّ هذا، وإنْ يكن حقيقيًّا، لا ينبغي جعله أساسًا للشعر؛ فالموسيقى هي عنصر من الشعر لا كلُّه، وهذا العنصر غامض ككل شيء يُسمع ولا يرى، ومن الخرق الفاضح أنْ نكتفي من الشعر بموسيقاه، ونقدم فيه وصف ما لا يوصف على سائر عناصره؛ فللشعر عناصر متساوية يجب أنْ تجري كلها في حلبة واحدة، فلا تنحط الفكرة عن الموسيقى أو الصورة عن الفكرة.

ومن الخرق أيضًا أنْ نتخذ الشذوذ قاعدةً للشعر، فنذهب مثلًا مذهب الأب بريمون القائل: إنَّ الشعر الجميل يخلو أحيانًا من المعنى، أو إذا انطوت أجزاؤه على معنًى لا ينطوي عليه في مجموعه؛ فالشعر إذا اقتصر على الموسيقى لا يلبث أنْ يُشِيع الملل حتى في الأذن، ولا بدَّ هنا من القول إنَّ الشعر يرافق جميع وجوه التفكير؛ فالشاعر قد يطرق باب الفلسفة ولا ينحط عن الشعر، على أنَّ هذا الشاعر ليس بأبي العلاء المعري مثلًا؛ فأبو العلاء يقتحم الفلسفة في شعره، فيناقش فيها كالمعلم العالم، ولا يلزم المزاج الفني فيلمع إلى الفكرة التي تبدو له بتعبير يستخدم فيه جميع أنواع المجازات والاستعارة والرموز، بحيث يحدث التأثير النفساني المنشود.

وقد يطرق الشاعر أيضًا باب الزراعة ولا ينحط عن الشعر؛ كما فعل فرجيل في «الجيورجيات»؛ فقد نظم هذا الشاعر قصيدته هذه ليحمل الرومانيين على تعشق الأرض نزولًا على رغبة أوغسطس، على أنه سير معارفه الزراعية في موكب من الألفاظ الموسيقية، حمَّله من عذوبة الحنان ورائع الوصف ما أدرج قصيدته في عداد الروائع الشعرية الخالدة.

وما أقوله عن فرجيل أقوله عن جميع الشعراء الأقدمين والمتأخرين، الذين استخدموا مواهبهم لاكتشاف كنوز الطبيعة والحياة، فالطبيعة هي قيثارة الشاعر، وعبثًا يحاول الشاعر البحث عن أوتاره في غير هذه القيثارة، والشاعر الحقيقي هو تاريخ عصره ملحنًا؛ فلولا الشعر ما عرف تاريخ العرب في الجاهلية، ولولاه ما عرف تاريخ الفروسية والكرامات في الرومان، ولولاه ما عرف تاريخ الإغريق، ولما أراد الكاتب الفرنسي إتيان باسكيه وضع كتاب عن الحياة الوطنية في القرون الوسطى، اضطر إلى قراءة الملاحم الشعرية Les chansons de geste.
قرأت أخيرًا مقالًا للكاتب الفرنسي إدمون جالو عن شاعر عظيم من شعراء القرن الثاني عشر يدعى شوتا روستافيلي، عاش تحت السماء التي أظلت الفردوس الأرضي، وجبل أرارات الذي وقف عليه فلك نوح، يقول إدمون جالو إنَّ لهذا الشاعر الذي اكتُشف أخيرًا قصيدةً أو ملحمةً رائعةً، هي أمدوحة للإنسان كما كيفته أواخر القرون الوسطى، في قوته، وشعوره بالشمم والعدل، وسذاجته على عتبة الانبعاث، قال: «حالما نقرأ هذه القصيدة «إنسان في جلد نمر»، نقع في ذهول حيال هذه السكرة الشرقية، ذلك أننا — نحن الغربيين المساكين — فقدنا عادة التشنج الكلامي، ونكاد نختنق في هذا الجو من البخور والألوان.» ونحن الشرقيين فقدنا بدورنا ذلك التشنج الكلامي، ونكاد نذوب في هذا الجو من البخور والألوان الغربية، هذا الجو الذي اجتاحت غيومه السامة بلدان الشرق مندفعةً بقوة الاجتياح السياسي.

وإني لأتساءل ماذا ترانا نستطيع بهذا القاموس الضيق، هذا القاموس المستورد نتشبث فيه للتعبير عن أعمق حقايق النفس، فنرفع الكلفة بيننا وبين اللغة، ولا نتورع عن سلوك مهامه غائمةً كأننا في حلم؟ وقد يخيل إلينا ونحن نسلك هذه المهامِه أننا نسير في الطريق الشعري السوي، بينا نحن في الحقيقة لا نحاول إلَّا الخروج عن أنفسنا، مستعبدين لنظريات خاطئة، بل مضرَّة تحرر منها حتى مبدعوها أنفسهم؛ فبول فاليري، الذي جاءنا بمشاريع نظريات خلقت في الأدب العربي جيلًا مضعضعًا، لم يحُدْ عن صراط ماليرب، ولم يتمرد على القاعدة الكلاسيكية في النظم. وإني لأجد في شعر فاليري أبياتًا كثيرةً يُسْتَطاع دسها في شعر لامارتين، كما أني أجد في شعر البرناسيين، أمثال غوتيه وبودلير، ما يُسْتَطاع نسبته إلى شعر أعدائهم الرومانطيقيين؛ كَلامارتين وهوغو وفينيي، وشعر الرمزيين؛ كفيرلين ومالارمي.

قلت في مستهل هذا الحديث إني لا أكتب هذه المقدمة لأحدد الشعر، أو لأجيء بنظرية أتعصب لها، وأعلن لأجلها حربًا؛ بل أكتبها لأرد صادرًا إلى مصدره، لأرد الشعر إلى الطبيعة أمِّه، فمنذ اليوم الذي تأزمت فيه المشادة بين أدباء الغرب، وطلعت وحوش النظريات من أوجارها، يكشر بعضها في وجه البعض الآخر؛ التوى الشعر عن قصده، وأصبح زيًّا يتلوَّن بتلون الأهواء، ولكن النفس لا تخطئ؛ لأنها معكس ومصهر لحقايق أبدية هي الطبيعة والحياة، ففيما المدارس الشعرية منصرفةً إلى التطاحن، إذا بطائفة من مبدعي هذه المدارس ترتفع عن الفرضيات الزائلة إلى المصدر الأبدي؛ فرأينا بودلير البرناسي يصدر عن نفسه ويلتقي فرلين الرمزي على صعيد واحد، ورأينا جميع الشعراء الحقيقيين من زعماء المدارس يتفلَّون في الأودية المظلمة، ويجتمعون أنقياء على قمة واحدة هي الشعر.

فالمدارس الشعرية سجون ونظرياتها قيود، والشاعر لا يعيش في جو العبودية هذا، فالطبيعة هي جوُّه الفسيح تتكيف إحساساته بتكيف المظاهر المتقلبة فيه، وإذا خرج الشاعر من هذا الجو خرج من نفسه وكذب على نفسه.

إلياس أبو شبكة

شمشون

ملِّقيه بحسنك المأجورِ وادفعيه للانتقام الكبيرِ
إنَّ في الحسن — يا دليلةُ — أفعى كم سمعنا فحيحها في سريرِ!
أسكرتْ خدعة الجمال هرقلًا قبل شمشون بالهوى الشريرِ
والبصير البصير يُخْدَع بالحُسْـ ـن وينقاد كالضرير الضريرِ
ملِّقيه فالليل سكران واه يتلوى في خدره المسحورِ
ونسور الكهوف أوهنها الحبْـ ـبُ فهانت لديه كالشحرورِ
وعنا الليث للبوءة كالظبْـ ـي فما فيه شهوة للزئيرِ
•••

شبق الليث ليلةً فتنزَّى ثائرًا في عرينه المهجورِ
تقطر الحمَّة المسعرة الشهْـ ـهَاءُ منه كأنه في هجيرِ
يضرب الأرض بالبراثن غضبا ن فيُصدي القنوطُ في الديجورِ
ووميض اللظى يغلِّف عينيْـ ـه فعيناه فَوْهَتَا تنُّورِ
ونزا من عرينه تتشظى حممٌ من لظاه في الزمهريرِ
واللهاث المحموم من رئتيه يشعل الغاب في الدجى المقرورِ
فسرى الذعر في الذئاب ففرتْ وترامى إلى عشاش النسورِ
فانشقي فورة الحرارة من جسْـ ـن تردت من كهفها المخدورِ
تنضح اللذةُ الشهية منها خمرةٌ من جمالها المأثورِ
فَتَنِثُّ العبيرَ في مخدع الليـ ـل فتَشهى حتى عروقُ الصخورِ
فتلاشى اللهيب في سيد الغا ب أمير المغاور المنصورِ
والعظيم العظيم تضعفه أنـ ـثى فينقاد كالحقير الحقيرِ
ملِّقيه ففي أشعة عينيـ ـك صباحُ الهوى وليلُ القبورِ
وعلى ثغرك الجميل ثمار حجبتْ شهوة الردى في العصيرِ
ملِّقيه فبين نهديك غامت هوة الموت في الفراش الوثيرِ
هوة أطلعت جهنمُ منها شهواتٍ تفجرت في الصدورِ
ملِّقيه ففي ملاغمك الحمْـ ـر مساحيقُ معدن مصهورِ
يسرب السمُّ من شفافتها الحرْ رَى إلى ملمس الردى في الثغورِ
•••

خيم الليل — يا دليلة — في الغاب وأغفى حتى الشذا في الزهورِ
فانشقي فورة الحرارة من جسْـ ـمي وغذِّي قواك من إكسيرِي
أنت حسناء مثل حية عدْن كورود الشارون ذات العطورِ
وكَغُفْر الوعل الوديع وإنْ كنْـ ـتِ تناجين عقربًا في الضميرِ
لست زوجي بل أنت أنثى عقاب شرس في فؤاديَ المسعورِ
فاشتهي كل ليلة مخلبي الدَّا مي على خزِّ جسمك المخمورِ
•••

وأتى الصبح ضاحك الوجه يرغي زبد النور في ضحاه الغريرِ
أين شمشون يا صحاري يهوذا أين حامي ضعيفك المستجيرِ
أين قاضيك دافع الضيم طاغي الـ مستبدين صائن الدستورِ؟
أعورتْ شهوةٌ من الحب عينيْـ ـه وكم أعورَ الهوى من بصيرِ!
إنَّ قاضي المستعبدين لعبدٌ وقضاةٌ عُورٌ قضاة العورِ
•••

حفلت قاعة العقاب بجمعٍ من سراة المُسَوَّدين غفيرِ
هم رموز الشقاق والفتن الحمْـ ـراء والغدر والزنى والغرورِ
أقبلوا يشهدون مصرع شمشو نَ على لذة الطلا والزمورِ
بؤرة تعبق القذارة منها ستِّرت بالشفوف والبرفيرِ
أيدين الخاطي جناةٌ صعاليـ ـك ويقضي الفجور ذنب الفجورِ؟
وسرت خمرة الوليمة في الحفْـ ـل لتقديس ساعة التكفيرِ
وكأن النسيم شُوِّق للخمْـ ـرة فانسلَّ من شقوق الخدورِ
ولِنقْر الدفوف صوت غريب يتحدى صوت العقاب الأخيرِ
وإذا قَيْنة تخالجها السكْـ ـر على مشهد من الجمهورِ
فتثنت تضاجع الجو نشوى من تلوِّي قوامها المحرورِ
رقصة الموت — يا دليلة — هذي أم تراها اختلاجةً في الخمور؟
وصغا الجمع للأسير يناديـ ـه بشتى مطاعن التحقيرِ:
«هيه شمشون أيها الفاجر الزنـ ـديق يا عبد يَهُوهَ المقهورِ
أحكيم من العتاة تذرِّي شعره قينة من الماخورِ؟»
فتلوَّى شمشون في القيد حتى حل فيه روح الإله القديرِ
فنزا نزوة الوميض من الغِلْـ ـلِ ودوَّى كنافخ في صورِ:
بددي يا زوابعَ النارِ أعدا ءَ إلهي ويا جهنمُ ثُورِي
وتنفسْ يا موقد الثأر في صدْ ري وأغرقْ نسلَ الرِّيَا في سعيرِي
وامصُصِي يا دليلة الخبث من قلْـ ـبي فكم مرة مصصت قشورِي
وارقصي إنما البراكين تغلي تحت رجليك كالجحيم النذيرِ
وتغنَّيْ بمصرعي فكثيرًا ما سمعت الفحيح في المزمورِ
أصبح الليث في يديك أسيرًا فاطرحيه سخريَّةً للحميرِ
واجعلي الغلَّ رمز كل صريح واليواقيت رمز كل غدورِ
إنْ أكن سقت في غرامك شرًّا فالبرايا مطية للشرورِ
غير أني أجنِي من الجِيَفِ الجرْ داءِ — مهما قذرتُ — شهد قفيرِ
هيكلَ الإثم لم أُبحْ لك ذلي شبحَ الرق لم أسلِّمْك نيرِي
فاسقطي يا دعائم الكذب الجا ني وكوني أسطورة للدهورِ
مَحَقَ الله فيَّ شر ظلامي فلتضئ في الحياة حكمة نورِي
إنْ تكن جزَّت الخيانة شعري في ضلالي فقوتي في شعوري

القاذورة

حلمتُ بدنيا ليتها لا تُبَدِّدُ لذائذ أحلامي ولا كان لي غدُ
أضن بإنشادي على الناس سحرها وهل في الورى أُذْنٌ إذا قمت أنشدُ
وأُوقِظت مذعورًا إلى شر هاجس كأنيَ روحٌ في جُثامٍ مشرَّدُ
نفيق من الحلم الشهي إلى رؤى كوابيس في يقظاتنا تتسرَّدُ
فألفيتُ دنيا من فواجعها الورى على بابها لوح من الرق أسودُ
قرأت عليه أحرفًا خطها اللظى يروعك منها اثنان «سجن مؤبدُ»
فطوفت في غمر من الليل والخنا يعربد والأرجاس ترغي وتزبدُ
وللحمأ الغالي نشيش ورغوة كأن الورى مستنقع يتنهدُ
وأغمدت في صلب الدُّجُنَّة ناظري وفي كل جفن لي من الهدب مبردُ
فأبصرت أطباقًا تعمدها يدٌ: أصابع من عظم وتصبغها يدُ
صباغ يفور الخزي منه ملاصقًا إذا علقتْ فيها النواظر تجمدُ
وشاهدت في الأطباق مفسدة الورى تمور بها الديدان سكرى تعربدُ
مقاذرُ تمشي في الحياة طروبةً تغني وأصداء القبور ترددُ
هم الناس في الدنيا تهاويل حُنِّطَت بكيتُ عليهم في جحيمي وعيَّدُوا
وما هذه الدنيا، يذرَّى رمادُها لريح الفنا، إلا جحيم مرمَّدُ
تلاشت به النيران غير بقية تشبُّ لها في شهوة الطين موقدُ
ففي طبق مستنقع في صقيعه نمت حشرات فاجرات توقَّدُ
نساء أقلَّت في الصدور مراضعًا على فمها الوردي للإثم موردُ
عواهر أفنت في الفجور شبابها فما روحها إلَّا عجوز تقوَّدُ
مراضعها فطساء فهي ضفادع على ما بها من شهوة النار تجْلدُ
وداعًا عذارى الحب في خيم الهوى جمالك محظور وعدنك مُوصدُ
فقدتك حتى في أغانيَ مزهري وكان لشعري منك ما يتجودُ
ألا أغلقي الفردوس في وجه شاعر يضم طنابير الجحيم وينشدُ
لئن تك نار البغض تلْظى بعينه ففي قلبه النوَّار للحب مزْودُ
يحس فراديس الحياة بروحه وليس يرى إلَّا جحيمًا يهددُ
كما يثبت الصفصاف في عاصف الدجى وللأفْق وجهٌ هابط الغيم أربدُ
وللريح في الغابات زعْقٌ كأنه صدى الجن في وادي الجحيم يزغردُ
كذلك يبقى في دجى النفس ثابتًا جمالٌ له في قبة النفس فرقدُ
وفي طبق وادٍ تكدَّر ماؤه فلا عشبةٌ تنمو ولا غصنَ ينقدُ
ولا تسمع الأرواح في شعفاته خليًّا يغني أو هزارًا يغردُ
فثمة جرذانٌ ترى النور آفة فتؤْثر أوجار الظلام وتلبدُ
ملوك يقاضون النفوس إلى السما وينهي بأيديهم ضمير مدوَّدُ
على فمهم سفْر السماوات مشرع وفي روحهم سيف الجحيم مجردُ
إذا ما لحاهم مؤمن فهو فاجر وإن ندَّ من أغلالهم فهو ملحدُ
وثمَّ خفافيش مواليد بؤرة إذا غار فيها سيد بان سيدُ
سلاطين حفت بالسياط عروشهم فسيدهم — هول الصعاليك — مجْلدُ
ترى منهم العاتي يقيء نخاعه صباغًا على شسع الغزاة ويسجدُ
وثم جرادات عطاش غوارث يُنكِّرها وهْج الجناح فتمردُ
محبَّرة الأردان مفجوعة الحشا توابيت يطليها لُجَين وعسجدُ
لها في مقاصير السماء مطامح وليس لها في مسلك الجو مقْودُ
تفرَّش فيه وقَّح الوجه والسما لأنسُرها، لا للصراصير، مصعدُ
قياصرة عور الملاحم زيفت يواقيت في تيجانهم وزمردُ
مجانين تستاف البلى من خيالهم يُناط بهم من نسل عبقر سؤددُ
مواليد فردوس أراغوا نفوسهم فلم يبق للوجدان فيهن مولدُ!
عذيرك من نور الفراديس عبقر ومغناك في متن السماك مشيدُ
وتشعل في عينيك نار نقية بمقْدسها طيف السماء مجسدُ
وصدغك مدهون بزيت مطهر وبالبلسم الشافي هواك مضمَّدُ
رأيتك تمشي في المساخر شاعرًا وتاجك محطوم عليك مكمَّدُ
وروحك ممسوخ ونورك ذاهل وشِعرك بالغل الدنيء مصفَّدُ
وشاهدت أشباح السماء كئيبةً عليك بأسواط الأراجيف تطردُ
ففيم أزغت النفس عن نهج قدسها فصارت مغارًا سافلًا وهي معبدُ
١٩٣٤

الأفعى

أجيبيه أني ما أزال مقرَّبًا بنفسي إلى نجم يقال له الشعرَى
وأنيَ لم أنسلَّ في سرَب الدجى بغاءً لألقيه على دَعَري سترَا
ولم أغشَ أخدار النساء من الكوى فأجعل سيَّين المغارة والخدرَا
وما رغت من زوج فدارجته على ولائي وفي هذا الولا بغيةٌ نكرَا
فلما قطرتُ الصدق خبثًا بصدره قطرت له في نسله قطرةً أخرَى
•••

أقول لها أعراق زوجك لم تزلْ وفي قلبه عطفُ الأبوة لم يبرَى
ولم يبرَ إحساس الرجال بصدره فحبك يجري منه في الجهة اليسرَى
أقول لها ثوبَ العفاف تذكري ففي ساعة الإكليل لم يك مغبرَّا
لبستِ رداء العرس أبيضَ ناصعًا فمن أين جاءت هذه اللطخة الحمرَا؟
•••

رسائلك الحمقاء أصبحن في يدي أُعيذك بالشيطان من هذه البشرَى
لقد أيبس التكفيرُ أزهار عهرها فسلَّمَتِ المجنون أحلامك الخضرَا
لقد ندمت، لكن سترجع، إنني لمحت عليها من ندامتها طمرَا
ستملكها ما شئتَ بعدُ فلا تخفْ وتمتصها حتى تصيِّرها قشرَا
ستحفر مصقول الرخام بجسمها شفاهك حتى تبرز الأعظم الصفرَا
ستمزج بالسم الذعاف دماءها لتجعلها للموت مصلًا فيجترَّا
وترمي بها في حمأة الويل والخنى سُقاطة عار تلهم الخوف والذعرَا
أجلْ سيراك الليل بعدُ تضمها ويبصرك المصباح تعصرها عصرَا
وسوف ترى فيك المآثم نعجةً قد التصقت في بطنها حية سمرَا
ستملكها ما شئت بعد فلا تخف فإن ابنها لمَّا يزلْ يجهلُ الأمْرَا
صغير بريء العين يرضى بلعبة فيرقد مغبوطًا بذي الهِبَة الكبرَى
ينام ولا يدري بأن سخافةً تلهَّى بها كانت لموبقة سعرَا
١٩٢٩

في هيكل الشهوات

ما لي أرى القلب في عينيك يلتهبُ! أليس للنار — يا أخت الشقا — سببُ؟
بعض القلوب ثمارٌ ما يزال بها عرف الجنان ولكنْ بعضها حطبُ
•••

ذكرت ليلة أمس فاختلجت لها والليل سكرانُ مما سحَّت السحبُ
ذكرتها غير أنَّ الشك خالجني: إنَّ النساء إذا راوغن لا عجبُ
فهن من حية الفردوس أمزجة يثور فيهن من أعقابها عصبُ
•••

أخاف في الليل من طيف يسيل على موجات عينيك حينًا ثم يغتربُ
طيف من الشهوة الحمراء تغزله خمر الليالي وفي أعماقه العطبُ
ووجهك الشاحب الجذَّاب تُرهبني ألوانُه يتشهَّى فوقها اللهبُ
ما زلتِ تغتصبين الليل في جهد حتى تجمد في أجفانك التعبُ
وما السواد الذي في محجريك بَدَا إلَّا بقايا من الأحشاء تُغْتصبُ
وحق طفلك لم أشمت بإمرأة زلَّت بها قدم أو غرَّها ذهبُ
فرُبَّ أنثى يخون البؤس هيبتها والبؤس أعمى، فتعْيَا ثم تنقلبُ
•••

لي مهجة كدموع الفجر صافية نقاوتي والتُّقى أمٌّ لها وأبُ
فكيف أختلس الحق الذي اختلسوا؟! وكيف أذأب عن لؤم كما ذئبُوا؟!
لي ذكريات كأخلاقي تؤدبني فلا يخالجني روغ ولا كذبُ!
أبقى لي الأمسُ من غلواي عفتها ولم يزل في دمي من روحها نسبُ
وحق روحك يا غلوا ولو غدرتْ بي الليالي وأصمَتْ قلبيَ النوبُ
إنْ كنت في سكرة أو كنت في دَعَر ومر طيفُك مرَّ الطهرُ والأدبُ
وأنت يا أم طفل في تلفُّته سؤل العفاف وفي أجفانه لعبُ
صُبِّي الخمور فهذا العصر عصر طلا أما السكارى فهم أبناؤه النجبُ
لا تقنطي إنْ رأيتِ الكأسَ فارغةً يومًا ففي كل عام ينضج العنبُ!
صُبِّي الخمور ولا تبقي على مهج موج الشباب على رجليك يصطخبُ
أما أنا — ولو استسلمت أمس إلى خمر الليالي — فقلبي ليس ينشعبُ
قد أشرب الخمر لكن لا أدنسها وأقربُ الإثمَ لكن لست أرتكبُ
وفي غدٍ إذ تنير الطفل ميعته وتهرمين ويبقى ذلك الخشبُ
قولي له جئت في عصر الخمور فلا تشرب سوى الخمر واشحبْ مثلما شحبُوا
قولي له هذه الأيام مهزلة وليس إلَّا لمن ينشى بها الغلبُ
قولي له عفة الأجساد قد ذهبت مع الجدود الأعفَّاء الأُلى ذهبُوا
قولي لطفلك ما تستصوبين غدًا فكل أمرٍ له في حينه خطبُ
ولكنِ اليوم صُبِّي الخمر وانتخبي من الملذات ما الآثام تنتخبُ
ولا تخافي عذولًا فالعذول مضى والعصر سكران يا أخت الشقا تعِبُ
طريقه الشك أنَّى سار يملكه وحلمه الشهوات الحمر والقربُ!

سدوم

مغناك ملتهبٌ وكأسك مترعهْ فاسقي أباك الخمر واضطجعي معهْ
لم تُبق في شفتيك لذاتُ الدما ما تذكرين به حليب المرضعهْ
قومي ادْخلي يا بنت لوط على الخنى وازني فإن أباك مهد مضجعهْ
إنْ ترجعي دمك الشهي لنبعه كم جدول في الأرض راجع منبعهْ!
لا تعْبئي بعقاب ربك إنه جرثومة من نارك المتدفعهْ
في صدرك المحموم كبريت إذا لعبت به الشهوات فجر أضلعهْ
في صدرك الدامي مناجم للخنى أورثتها نار الذراري المزمعه
فبكل صقع من ضلوعك قسمة خلعٌ على لهب الشباب موزعهْ
•••

إيه سدوم بُعِثت من خلل اللظى حمراء في شهواتك المتشرعه
في كل جيل من لهيبك سنَّة سكرى محطمة عليه مخلَّعهْ
عقبت بيَ الذكرى إليك فأشعلتْ قلبي وأجفاني رؤاك الموجعهْ
شاهدت من خلل اللهيب حدائقًا كانت نواضر في الفصول الأربعهْ
نشقت من الفردوس عبقة سحره ومن السماء طيوبها المتضوعهْ
خضراء طاهرة الغراس كأنها بصفاء عدن لا تزال مبرقعهْ
وكأن من تكفير آدمَ نفحة فيها ومن صلوات حواءٍ دعهْ
ورأيتُ غدرانًا مراضع تربة بأجنَّة الزهر الندي مرصعهْ
ومراوح الفجر الجميل على الذرى يلقى عليها كل طير مخدعهْ
ورأيت حورًا في شفوف زنابقٍ بيضاء من لبن الجنان مشبَّعهْ
نفخ الصبا بنهودها فتكورت وتبسمت عن وردة مترفعهْ
•••

ماذا فعلت، سدومُ، أين جواذبٌ كانت على تلك الخدور مجمعهْ؟
فيم استحال لبانك النامي إلى خمر بكاسات الفجور مشعشعهْ
ذوبْت خمرك لا ليصبح طاهرًا لكن ليستهوي النفوس فتجرعهْ
وجعلت غرغرة الأفاعي كأسه ليذوق منها كل قلب مصرعهْ
•••

سكرت بك الدنيا سدوم فكلها زمرٌ على طرق الحياة متعتعهْ
وأثرت حنجرة الفجور فأطلقت حممًا على نغم الجحيم موقَّعهْ
أغنيَّة حمراء أنشدها الخنى مزقًا على أوتارك المتقطعهْ
•••

أسدوم هذا العصر لن تتحجبي فبوجه أمك ما برحت مقنَّعهْ
كانت منكرة كوجهك عندما هبت عليها من جهنم زوبعهْ
قذفتك صحراء الزنى بحضارة ثكلى مشوهة الوجوه مفجعهْ
بؤر مسترة الفساد بخدعة نكراء بالخز الشهي مرقعهْ
•••

أسليلة الفحشاء نارك في دمي فتضرمي ما شئت أنْ تتضرمِي
أنا لست أخشى من جهنم جذوة ما دام جسمي، يا سدوم، جهنمِي
طوفتِ بي ميتًا بأروقة اللظى فحملتُ تابوتي وسرت بمأتمِي
وعصبتِ بالشبق المجمَّر جبهتي فرفعتها في عصريَ المتهكمِ
علمتني لغة النبوءة عندما فجرت ألغام السموم بمنجمِي
مهلًا كلانا يا سدوم مسلح فلظاك في جسمي وثأرك في فمِي
سيرتِ قلبي في المهازل شاعرًا وذررت مسحوق العظات بمرقمِي
فكأن غضبة أنبيائك عندما أُحرقت عاشت في اللظى المتكلمِ
أَبغيَّ هذا العصر خمرك فاغرفي واسقي ذراريَّ الورى واستسلمِي
وبمضجع الغرباء نامي حقبة ثم اعدلي عنه لآخر وارتمِي
وتمرغي ما شئت في حمأ البلى حتى يجف بك الرضاع وتهرمِي
حتى تضاجعك الأفاعي في الدجى ويصير حسنك مخدعًا للأرقمِ
حتى يفور الدود منك وينثني يمتص جيفة عرضك المتهضمِ
حتى يدب الموت فيك وتمَّحي ذرية المهد الأثيم المجرمِ
١٩٣١

الخيال النقي

يا ابنة الإثم هذه شفتايا فارشفي منهما رحيقَ الخطايا
واعصري ما استطعتِ قلبي فقلبي لم يزل فيه من غرامي بقايا
وتوِّقي إحدى زواياه لا تقْـ ـسَي فلي حرمة بإحدى الزوايا
إنَّ في قلبيَ البغيِّ خيالًا من عفاف ما فاجرته البغايا
إنْ تكن حفنتي المدمَّاةُ ملكي فخيال العفاف ملك سوايا

عهدان

أوَلا تراهم يرتدون الليل حتى منتهاهْ
يستنزفون دم الشباب ويرقصون على قواهْ؟
هذا فتًى كانت تموْ وَجُ بالجواذب وجنتاهْ
كان الندى يطفو على آماله وعلى صباهْ
كانت أزاهير الربى بالأمس تسكر من شذاهْ
وذُرى الجبال إذا رَأَتـ ـهُ تقول: «ما أعلى ذراهْ!»
ماذا دهاه اليوم؟ ألشْـ ـشَهوات تعرف ما دهاهْ؟
أما الجمال فإنه لم تبق تعرفه دُماهْ
ولكم سمعت الورد يُنْـ ـكِرُه فيسأل: «من تراهْ؟»
والفجر أصبح يعرف الدْ دُنيا جميعًا ما عداهْ
•••

عهدان: عهد هوًى نقِيْـ ـيٍ مات في شرف وجاهْ
وهوًى يعربد في دمي وتنشُّ في كأسي دماهْ
لم أدر من هي أمه العُرَّى، ولم أعرف أباهْ
بحر من الشبهات مِرْ آة لأهوال الحياهْ
ألهمِّ صخرته الصغيـ ـرة والمساخر شاطئاهْ
•••

لا تطعم الحبَّ اللجا م ودعه يدلج في سراهْ
دعه فأم الطفل تمْـ ـلكه كما ملكت سواهْ
لسريرها خلجاته ولمرشفيها مرشفاهْ
ونساء هذا العصر إنْ أحببن أطعمن الشفاهْ
أما قلوب العاشقا تِ فإنها وآخجلتاهْ!

الشهوة الحمراء

أطفئْ ضياكَ وأظلمْ مثل إظلامي وخلِّني في كوابيسي وأحلامِي
فربَّ نيرة — يا ليل — توقظني إلى العفاف فأنسى عبء آثامِي
أُحسُّ في جسدي شوقًا يعذبني ففي دمي سورة كالخمر في جامِي
لم يبق في حفنتي نار لغير هوًى يُودِي بجسمي كما أودى بأجسامِ
حبي النقيُّ كإيماني القديم مضى وهْمٌ هذيت به من بعض أوهامِي!
•••

أترى الغصن مذ يمر عليه عاصف الريح كيف تذوي زهورُهْ
هكذا القلب حين تلبسه الآ ثام يقسو وقد يجف شعورهْ
•••

يا حسرة الليل كم توحين من حلم ميْتٍ لقلب بغيٍّ أخت آلامِ
أو قلب أرملة جارَ الزمان على عفافها فأماتت قلبها الظامِي
مهما يكن سبب استسلامها أهَوًى في النفس أم كان إنقاذًا لأيتامِ
فلتقض شهوتها حتى يهدِّمها ما كان في صدرها من عهرها الدامِي
وتنجز الشهوةُ الحمراء دورتها فيمَّحي رحمٌ من بين أرحامِ!
•••

أميرةَ الشهوة الحمراء، إنَّ دمي من نسلك الهادم المهدوم فاحترمِي
خُلِقتِ تحترفين الموت فاقتربي مني فإني احترفت الموت من قدمِ
حملتُ منجله في العهر منتقمًا من النساء فهاتيه لتنتقمِي!
هاتي من العهر أشكالًا ملونةً نمْهرْ بها بعضنا بعضًا وننهدمِ
لقد تعبتُ من الأحلام في جسد ملَّ العفافَ بألوان من الألمِ
•••

«ولْنعاطِ الهوى لعل عصيرًا من ثمار الشفاه والأكبادِ
أو لعل الآثام تشرب منا ما تبقَّى من طهر ماء العمادِ»
•••

إنا اتحدنا ليوم واحد وغدًا يأتي فيخلفني قوم بحبهمِ
سيعشقونك يومًا يغنمون به ما غادرتْ منك ساعاتي لليلهمِ
وسوف تنسين — يا أخت الدما — فَمَهُمْ كما نسيت — على رغم الدماء — فمِي!
عشرون قلبًا شربتِ الحب من دمها وما شبعت ولم يشبعْك شرب دمِي
إذن فسوف تظل النفس جائعةً حتى يجف دم في غلفها النهمِ؟
•••

سترجعين ولكن مثل آمالي جوفاء مشلولةً في جسمك البالِي
سترجعين مدماةً مشوهةً أدنى إلى الموت مني رغم أثقالِي
سترجعين كطيف مر في حُلُمي ليلًا فذكَّرني في الحلم أهوالي
سترجعين ولا أقصيك عن جسدي حتى تحل الليالي الحمر أوصالِي
حتى يحل وباء الخلد في كبدي ويعلق العار من بعدي بأذيالِي!
•••

غير أني — ولي يراع مدمَّى — سوف ينقى ذكري وتنقى دمائِي
ستقول الأجيال كان شقيًّا فليُقَدَّسْ في جملة الأشقياءِ
•••

ويرفع الحب لي في كل زاوية من القلوب ضريحًا خالدًا عالِي
أما الشباب ففي أقصى سلالته لن ينتسي كيف كانت في الهوى حالِي
سينظر الغد في أمسي ويغفره لأن قلبي — كنفسي — غير محتالِ
وكلما ذكر اسمي مر في فمه ذكْر التي صقلت للموت أغلالِي
ذكْر التي اختصرت عمري بشهوتها وخلدت عهرها الدامي لأجيالِ
•••

أجلْ ستذكرك الأعقاب والحقب ما دام في الأرض من صلب الزنى عقبُ!
لا مثلما ذكر الإفرنج «لورهمُ» ولا كما ذكرت «عفراءها» العربُ
بل مثلما ذكرت روما قبائحها في مقلتيْ «مسلينا» وهْي تضطربُ
هذا هو الليل فاسقي السم هاتفة لعل في الناس قومًا بعدُ ما شربُوا
وسرِّحي يدك الصفراء فوق هوًى يسيل في محجريه الجهد والتعبُ
•••

ولتكن هذه الإشارة رمزًا لاصفرار على الملذات مرَّا
لوِّنيها بالاصفرار إلى أنْ يختم الموتُ نزعها المستمرَّا
أطفئ ضياك فإن النور يُذكرني أمسي وتقلق روحي هذه الشهبُ
قد يوقظ النور أعيادًا مقدسةً تشع من خلل الماضي وتلتهبُ
أطفئه يا ليل واغمرني بحالكة من الظلام فأنسى حين أحتجبُ
أشقى بلذتيَ الحمراء في جسدي وأمَّحي، لا هوًى يبقى ولا وصبُ
خرَّبْت قلبي وأطعمت الوحوش دمي في كل مخلب وحش منهما خربُ

شهوة الموت

ناقمٌ على السماءْ حاقدٌ على البشرْ
ساخط على القضاءْ ثائر على القدرْ
غير قطرة المساءْ لا أحب في السحرْ
صرت أمقت الصفاءْ صرت أعشق الكدرْ
غير مشهد الدماءْ لا أحب في الصورْ
ناقم على السماءْ والبشرْ!
•••

جمِّلي لي الجسدْ واسكبي لي الرحيقْ
لا تفكري بِغدْ قد يجي ولا نفيقْ
ما لنا وللأبدْ إنَّ سره عميقْ
الهوى إذا اتقدْ كان للبلى طريقْ
فَلْنَمُتْ يدًا بيدْ ولنُغَيِّب البريقْ
بين شهوة الجسدْ والرحيقْ
١٩٢٩


الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
انتقل الى:  

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا