إلى، الذي يرفض الاستماع إلى أغنية باعة الدخان، وإلى القط، الذي صب عليه الجزار ماء ساخنا، وإلى الحصان، الذي تنخسه مهاميز الخوف، إلى سيء الحظ، الذي يمارس تسديد الطلقة نحو الهدف، ودوما يصيب مركز الخطأ، وإلى الطفل المنعزل، الذي يتجسس على الحياة من خلال ثقوب المزاليج، إلى معكر صفو الأفراح، وإلى، الذي يأتي متأخرا لسهرة الميت، سهرته الشخصية، وإلى، المحبوسين في أقفاص من قبل كل الطغاة؛ أهدي إليهم هذه الجولة من الكلمات.. دون أمجاد؛ بعضها على جلدي يتعايش بلا أمل..
سيرة اللا أحد
مجد اللا أحد يلفت النظر: لا أجداد له تحت الشمس، تحت المطر، لا جذور له في الشرق أو الغرب. هو ابن لا أحد، حفيد لا أحد، أب لا أحد، قُنصل النسيان.
هل ترى نقطة فارغة في صورة العائلة، حفرة، مسافة بين هذا الارتباط الوثيق؟ إنه لا أحد، بلا أثر ولا أصل. مجد اللا أحد يلفت النظر قبل بدء صباح التاريخ. يسبق الرجال الذين تحولوا إلى عشب، والآباء الذين أصبحوا شموعاً مطفأة.
هيا نحتفل بـاللا أحد الذي يتيح لنا أن نكون شخصاً ما.
جنازات بيسوا الخمس
يحدث أحياناً أن يلزمَ خمسة توابيت
حين يموت شاعرٌ،
كما يحدث أحياناً
أن يكون الشاعر بيتاً يحيا فيه أربعة شعراء آخرين،
يعملون على راحتهم، وينامون متى شاؤوا،
دونما دفع أُجرةٍ، ودونما تهديدات من الحارس.
في جنازة بيسوا، حضروا سرّاً، مثلما عاشوا؛
لم يحدث أبداً أنْ لامُوه على ضيقِ المسكنِ،
ومن الغريب أنّهم عاشوا في المعطف ذاته،
أما شعروا بالحاجة إلى حيّزٍ أكبر، الآن وقد تجمّدت الأشكالُ؟
لم نرَ بيسوا جالساً يثرثر مع أشباحِ جهاتهِ الأربع؛
ولم نرهم يمشون جماعةً إلى دكّان التبغ،
أو يتقاسمون ترمّلهم.
بيسوا وشركاؤه.
وتلك الطريقة في رفض الظهور في المرايا.
إنّني أغسل الماء،
وهذا يشبه أن نغسلَ سيولة الزمن
تحت الجسور،
أنا سبّاكةُ صنابير النّهر السريّةِ؛
أغسل الماء، وهذا يشبه
أن نعزف على قيثارة المطر، أن نسرق من الزمن سُدوده، إنّني أغسل الماء كي تضاعف الشجرة ثمارها في المرآة الهاربة؛ ولكي تغسلَ البنت العارية أو الطفل الذي يلتهم الخوخ المكتنز جلديهما بجلدٍ من غيم؛ أغسل الماء كي يؤدّي غرقى العالم رقصتهم الخرساء وسط فوجٍ من الأسماك؛ وكي يمشيَ العنكبوت مثل نبيٍّ صغير فوق البحيرة، ألمس المياه وكأنّها شعر الكمنْجة أنا المتعبّدة الصغيرة، عابدة الماء، صاحبة العصا الصدفيةّ؛ من زمنٍ خُلقتُ مثلَ الماء في العشب، مثل الماء في الماء، مثل الماء.
محطات
الرجل الذي أشار إلى الطائر أثناء تحليقه
لم يعد موجوداً
ولا يده الخشنةُ
وهي تمسك قبضةَ المسدس.
ولا حتى الطائرُ وهو يسقط بين المروج.
ولا القُبلةُ، التقاء الفمين على الدرج الأخير للسلّم.