هناك تقارب بين أسلوب شعر عبد العزيز جويدة وأسلوب شعر نزار قباني، خاصة في جانب القدرة على تجسيد المشاهد وتحويل الدلالات الغائبة إلى معالم ملموسة. إن عبد العزيز جويدة شاعر غنائي حسي يقتفي اثر أستاذه نزار قباني
أنا وحدي طَرقْتُ البابَ لم يُفتحْ خلعْتُ المِعطفَ البالي وقد قلتُ .. لشَخصٍ كانَ يَرمُقُني ولمْ يُفصِحْ : أَمِن أحدٍ وراءَ البابْ ؟ فلمْ يَعبأْ فقلتُ لهُ : أنا واقفْ .. ولن أبرحْ دعاني منهُ أقتربُ جلستُ أمامَهُ يَشرحْ وعَرَّفَني .. لماذا البابُ مَسدودٌ ولا يُفتحْ ، وحذَّرَني .. بأنَّهُ مَن أتَى للبابِ يَفتحُهُ فإما ماتَ مَهمومًا وإما خَلفَهُ يُذبحْ *** وراءَ البابِ غاباتٌ ، سماواتٌ ، وأنهارٌ مِن الياقوتِ والمَرْجَانْ بِمِسْكٍ شَطُّها يَنضَحْ وخلفَ البابِ أهوالٌ ، وإعصارٌ ، وريحٌ تَحملُ البُلدانَ تَنقُلُها إلى المَسرحْ أنا حاولتُ في يومٍ أُحطِّمُهُ .. ولم أنجحْ فحاوِلْ ربَّما تُفلِحْ *** وغابَ الشخصُ عن عَيني وصَاياهُ كَسكِّينٍ بكلِّ دَقيقةٍ تَذبحْ وهاأنذا ظَللتُ العُمرَ أنتظرُ .. أمامَ البابِ كي يُفتحْ ولم يُفتحْ وهاأنذا أرَى غيري أتَى يَسألْ .. أجبتُ وظنَّني أمزحْ فقلتُ البابُ يا ولدي لهُ مِفتاحْ بِبحرٍ ما عَرَفناهُ بهِ الحوتُ الذي في بطنِهِ المفتاحُ لا يَسبحْ ومطلوبٌ إذا جئتَ .. بهِ يومًا بأن تَرعاهُ عامينِ بدمِّ القلبْ وتَبقى بعدَها عامينِ لا تَحزنْ ، ولا تَفرحْ وتأتيَنا بحَصْواتٍ مِن الشمسِ وكلبٍ عاشَ عَشرَ سنينَ لم يَنبحْ وتَغسلَ كلَّ هذا الكونِ في يومٍ بماءِ الوردْ وماءُ الوردِ من وردٍ إذا لامستَهُ يَجرحْ ويَبقَى كلُّ هذا السرِّ لا يَدري .. بهِ أحدٌ ، ولا تُفصِحْ وتَبقَى خلفَ هذا البابِ مجذوبًا تُسَبِّحُ فيهِ باسمِ الحبْ عَسى في لحظةٍ يَسمحْ تُقدِّمُ وقتَها القربانْ وتَذبحُ قلبَكَ الولهانْ بِسِكينٍ مِن الرَّيْحانِ .. قُمْ واذبحْ وبعدَ الذبحِ تُحرِقُهُ بِنيرانٍ مِن الأشواقِ تَنثُرُهُ على الجُدرانِ والأسطُحْ وتَصرخُ صرخةَ العشاقِ يَهتزُّ .. لها الكونُ فتسمعُ مَنْ وراءَ البابْ يُنادي البابَ .. أن يُفتَحْ
(1)
وأخافُ يوْمًا
أنْ أُحِبَّكِ فوقَ ما تتحمَّلينْ
وأخافُ أن ألقاكِ نَهرًا في دُموعي
وأخافُ أن ألقاكِ يَومًا في ضُلُوعي
نَهرًا من الأشواقِ ،
نَبْعًا مِنْ حَنينْ
وأخافُ أنْ ألقاكِ شَمسًا
دِفْؤها لا يَستكينْ
وأخافُ يا قَدَري الذي
قد خُطَّ مِن فَوقِ الجَبينْ ..
من بَعدِ أن أهوى هَواكِ تُسافِرينْ
(2)
وأخافُ يا عُمري أنا
يَومًا تُفرِّقُنا السِّنينْ
بالرَّغْمِ من أني أخافُ وتَعرِفينْ
قَلبي يُحِبُّكِ
فَوقَ ما تَتصوَّرينْ
ما زِلتِ في قَلبي وعَيني
تَسكُنينْ
يا أجملَ الأطْيارِ تَشدو دَاخِلي
يا مَوجةً نامَتْ بِحِضنِ سَواحِلي
عَيناكِ أجمَلُ من حُقولِ الياسَمينْ
وأخافُ يَومًا أن أُحبَّكِ
فَوقَ ما تَتوقَّعينْ
فالعِشقُ عِندي
غَيرُ كلِّ العاشقينْ
عِشقي أنا كالنَّارِ ،
كالإعصارِ ،
كالزِّلزالِ ،
كَالبُركانِ ،
عِشقي ثَائرٌ ..
لا يَسْتَكينْ
عِشقي كَسيلٍ جَارفٍ ،
نَهرٍ يَصُبُّ مَشاعري في الآخَرينْ
عِشقي عَطاءٌ دَائمٌ
فَإذا طلَبْتِ الشَّيءَ كانْ
وإذا طلَبْتِ العُمرَ هَانْ
لَكِ دَائمًا ما تَطلُبينْ
يا مَن مَلكْتِ الرُّوحَ ،
والقلبَ المُعذَّبَ بالحنينْ
رِفقًا بمِنْ تَتَمَلَّكِينْ
يا لَيتنا لَم نَلتَقِ
وبَقيتُ طُولَ العمرِ أبعدَ ما أكونْ يا لَيتنا لَم نَلتَقِ مجنونةٌ وإذا بقلبي مِثلَها مجنونْ مَن ذا سيُنقذُنا معًا "روما" وراءَ حريقِها "نِيرونْ" وأنا وأنتِ كألفِ "نيرونٍ" معًا في كلِّ شيءٍ نحنُ متَّفقونْ لو أنَّنا لم نلتَقِ ما كنتِ أنتِ ولا أنا سأكونْ
على وعدٍ
بألا نلتقي أبدًا فقد ضاعَ الذي نهواهْ هو الماضي وليسَ سواهْ وآهٍ .. آهْ على الحُلمِ الذي قد كانَ في يومٍ وضيَّعناهْ تَحدّيناهْ وصدّقنا الذي قلناهْ وجرَّبناهْ فلا عُدتِ .. ولا عُدتُ كلانا تاهْ وصارَ عقابُنا هذا الذي نلقاهْ أضاعتْ "قيسَها" "ليلى" وضاعتْ بعدهُ ليلاهْ سقطنا دونَ أن ندري فيا ويلاهْ ويا عشقاهْ ويا خوفاهْ خسِرتُكِ دونَ أنْ أدري ولا أملٌ بأيِّ حياةْ لذا أدعو على قلبي بكلِّ صلاةْ لأني حينَ ضيَّعتُكْ .. أنا ضعتُ بأرضِ اللهْ أنا "موسى" ، وتيهي دائمًا أبدًا وفي قلبي حفِظْتُكِ مثلما التوراةْ بدأناها بأروعِ قصةٍ خُلقتْ وها نحنُ .. ختمناها على مأساة
(1)
أنا عِشتُ أشعُرُ ..
بالضَّياعْ وأُحسُّ أنِّي دائمًا أحتاجُ في هذا الزمانِ لِضمَّةٍ مِن أيِّ صّدرٍ أو ذِراع وأُحِسُّ أنِّي قد أتيتُ إلى الحياةِ لِكي أذوقَ مَرارةً مِن غيرِ داعْ وأُحسُّ أنِّي ضائعٌ حتى النُّخاعْ
(2) لا تَنظُري لي حَسرةً ما عادَ عِندي ما يُقالْ جُرحي أنا طولَ المُحيطِ وعَرضَهُ والعُمقُ في بُعدِ المُحالْ إيَّاكِ أنْ تتخيَّلي .. رَدْمَ المُحيطِ بِمِلءِ أعيُنِنِا أسىً أو مِلءِ كَفَّينا رِمالْ
(3) مُدِّي يَديكِ بِداخِلي وتَحسَّسي قلبي لَعلِّي أطمَئنْ ليسَ الضَّياعُ حبيبتي طِفلاً تَشَرَّدَ في طُفولَتِهِ ولا زَمنًا يَضِنْ إنَّ الضَّياعَ حبيبَتي قلبٌ يَذوبُ مِنَ الحنينْ مِن أجلِ قلبٍ لا يَحِنْ