آخر المساهمات
2024-05-04, 8:54 am
2024-05-04, 8:53 am
2024-05-04, 8:49 am
2024-04-28, 10:02 pm
2024-04-20, 2:14 am
2024-04-20, 1:54 am
2024-04-02, 5:16 am
أحدث الصور
تصفح آخر الإعلانات
إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر إعلانات مجانية على نوسا البحر مشدات تخسيس إعلانات مجانية على نوسا البحر

1 نتيجة بحث عن كتاب_كامل_الشناوى_شاعر_الليل

كاتب الموضوعرسالة
الوسم كتاب_كامل_الشناوى_شاعر_الليل على المنتدى نوسا البحر T11موضوع: كامل الشناوى ابن نوسا البحر.. عذَّبه الحب فعذبنا معه!
hassanbalam

المساهمات: 9
مشاهدة: 511

ابحث في: أعلام نوسا البحر   الوسم كتاب_كامل_الشناوى_شاعر_الليل على المنتدى نوسا البحر Untitl13موضوع: كامل الشناوى ابن نوسا البحر.. عذَّبه الحب فعذبنا معه!    الوسم كتاب_كامل_الشناوى_شاعر_الليل على المنتدى نوسا البحر Icon_minitime2020-09-28, 6:21 pm

كامل الشناوي ... شاعر الليل (14): قائد سلاح النكتة والسخرية والمقالب



يوصف كامل الشناوي بأنه آخر ظرفاء العصر. كانت قدرته على السخرية وإطلاق النكات وتدبير المقالب والإفلات من المواقف الصعبة من ملامح شخصيته التي عُرفت عنه، وكانت جرأته في ذلك مضرب الأمثال، وكيف وقد تجرأ مرة وكتب قصيدة بأسلوب شاعر شهير، وسلمها للنشر في صحيفة، مدعياً أنه مندوب الشاعر، فقط ليثبت لنفسه وللمثقفين، أن معايير نشر الشعر تنظر إلى الأسماء قبل أن تنظر إلى مضمون الشعر، وأن هذا النوع من الشعر العمودي الغارق في التوصيفات والتراكيب والصور الشعرية القديمة سهلة التقليد والنظم.

بدأت هذه المهارة معه مبكراً منذ صنع من نفسه صورة كاريكاتورية كطفل {مقطوع الذراع} ليصرف نظر الأطفال في قريته عن السخرية من بدانة جسده.



ذكريات عا ئلية



ومن نوادره في حي {السيدة زينب} أنه كان يعشق السهر، ويعود إلى المنزل في وقت متأخر جداً. وكان والده يتشدد في منع السهر، خصوصاً أثناء ليالي مولد السيدة زينب. لكن كامل كان يتحايل على هذه الأوامر، وحدث أن قضى سهرته حتى مطلع الفجر، وعاد إلى المنزل بحذر، فسمع والده وقع خطاه على السلم، فخرج من غرفته ليجد نجله أمامه على السلم، فما كان من كامل سوى أن استدار باتجاه هبوط السلم وليس صعوده، وبمجرد أن سأله الوالد عن سبب استيقاظه في هذه الساعة، رد:

- {رايح أصلي الفجر في مسجد السيدة}.

فبادر والده بالدعاء له باستمرار الهداية والإيمان.

ومرة سمع الوالد وقع قدميه، وحين فتح باب غرفته وجد كامل يصيح:

- {مين؟}.

ويدعي أمام والده أنه استيقظ لفتح الباب الذي ظن أن أحداً طرقه، وهو في الحقيقة عائد للتو من الخارج.

وكان والده يرفض تماماً هواية التمثيل التي شعر أن كامل مغرم بها، وعنفه عليها بدعوى أنه لا يريد لنجله أن يكون {مشخصاتي}. وكان لوالده صديق معروف كان رئيساً لحزب العمال، ويدعى محجوب ثابت، انقطعت زياراته فجأة واختفى حتى قلق الشيخ سيد الشناوي عليه، فتنكر كامل في هيئة صديق والده، استخدم ملابس مشابهة، وماكياجاً جعل ملامحه قريبة، وقلد صوته وكان بارعاً في تقليد الأصوات، وذهب لزيارة والده على أنه صديقه محجوب، فاحتفى به الوالد احتفاء كبيرا، حتى اكتشف الملعوب، فانهال على كامل ضرباً بالعصا.

في أحد الأيام، أراد شراء مجلة {اللطائف المصورة} ولم يكن معه ثمنها، فقال لشقيقه مأمون الذي لم يكن من متابعيها:

- مجلة {اللطائف} نشرت هذا العدد صور جميع طلاب مدرستكم}.

فسارع مأمون إلى شراء المجلة، ولم يجد أية صور. لكن كامل ظفر بالعدد مجاناً. وحين تخرج أخوه غير الشقيق المعتز بالله الشناوي، وعمل في المحاماة، وعلقت الأسرة لافتة دعائية له تقول {المحامي أمام المحاكم الشرعية}، تسلل كامل وكان صبياً وأزال من اللافتة كلمة {أمام} ووضع بدلاً منها {وراء}، وظلت اللافتة هكذا، وحين لاحظ شقيقه الأمر، اشتكاه لوالده، أدعى كامل بسذاجة أنه ظن أن الجملة تصف موقع البيت، وهم يسكنون وراء المحكمة الشرعية وليس أمامها.

ومرة مرض وأوصى الطبيب ألا يأكل سوى اللبن والتين المجفف، لكن شقيقه عبد الرحيم كان يتسلل يومياً ليأكل من طعامه دون أن يدري، وحاول كامل أن يعرف اللص، فقرر عند اجتماع جميع أشقائه على الغداء، وأمسك فكه متوجعاً وقال:

- {أسناني مازالت تؤلمني، رغم كمادات اللبن والتين}.

بالقطع سأله شقيقه عن هذه الكمادات، فشرح له كامل أنه كل يوم يبلل القطن باللبن والتين، ويضع القطن على أسنانه ثم يعيد القطن إلى الطبق... وهكذا، فما كان من عبدالرحيم أن سمع ذلك، حتى فضح نفسه بإفراغ ما في جوفه.

وكان يلعب الورق في مراهقته مع أصدقائه، ودخل عليهم والده، فنهرهم بعنف:

- {بتلعبوا قمار؟!}.

لكن كامل رد بثبات مستغلاً جهل والده بالمسميات الحديثة لهذا اللعب:

- {أبداً... والله العظيم مش قمار... ده بوكر}.



مقالب النجوم



كان يسهر مع المطرب المعروف عزيز عثمان وزوجته النجمة السينمائية ليلى فوزي، حين جاء النادل يخبر عزيز أن مكالمة هاتفية بانتظاره. اتجه عزيز نحو الهاتف، ووجد من يخبره أن حريقاً شب في منزله، فهرع إلى هناك ليجد عدداً من أقاربه يبكون وينتحبون ويرتدون السواد، بعدما تلقوا اتصالاً يفيد بموت عزيز عثمان في حادث أليم. وفهم المرحوم الحي أن كامل صاحب المقلب، بسبب هجوم سابق لـعزيز عليه.

وكان صديقه الممثل سعيد أبوبكر معروفاً بحرصه على المال، وفي الوقت نفسه حب الطعام، فهاتفه كامل وأخبره أنه يعزمه على عشاء فاخر مع خمسة آخرين من أصدقائه، وأن عليه أن يتصل بالمطعم الشهير، حيث يعرفونه أي {أبو بكر} ويحجز العزومة في الثامنة مساء. جاء الموعد ولم يحضر سوى {أبو بكر}، وعندما مر الوقت فهم المقلب، واضطر إلى دفع الفاتورة، وهاتفه كامل، ليخبره أن ضيوفه مرهقون ولن يحضروا، ثم يضحك وهو يقول له:

- {وزع الأكل على المساكين وأبناء السبيل}.

وكان المخرج محمد سالم قد عاد بعد غيبة طويلة في الولايات المتحدة الأميركية، وفاته كثير من المتغيرات في مصر، وحاول استعادة نشاطه الفني، وسأل كامل النصيحة، فأشار عليه أنه يمكن أن يجمع فريد الأطرش وشقيقته أسمهان في عمل مشترك، وطلب منه أن يتصل بفريد، ويطرح عليه الفكرة، وحذره مسبقاً من أن فريد قد يرفض، أو يتحجج بسفر أسمهان أو حتى يدعي وفاتها، وأن عليه أن يلح بإصرار، ويعرض عليه أجراً مضاعفاً.ولما نفذ سالم النصيحة تعرض لحرج بالغ من فريد الأطرش حتى اقتنع أنه مقلب من الشناوي، وأسمهان توفيت بالفعل.

وفي تلك الأثناء أقنع كامل المخرج محمد سالم، أن الدكتور لويس عوض واحد من أشهر مفكري عصره، فنان قدير وحاصل على دكتوراه في الدراما، ويجيد تمثيل كل الأدوار، لكنه اعتزل، واكتأب بسبب مضايقات المخرجين والمنتجين الذين لا يقدرونه مادياً وأدبياً، وأن أعظم ما يمكن أن يقدمه كمخرج للفن، هو إقناع لويس عوض بالعودة إلى جمهوره وفنه.

ونفذ سالم النصيحة أيضاً، واتصل بلويس عوض، وعرض عليه المشاركة بالتمثيل في عمل تلفزيوني كبير، فعاجله عوض بالتقريع لاعناً جهله وضحالة ثقافته، وأغلق الهاتف في وجهه.

عاد سالم، وحكى لكامل الشناوي ما جرى، فعنفه بدعوى أنه اتصل في وقت غير مناسب، لأن والدة لويس عوض توفيت للتو، فانتظر سالم أسبوعين ثم عاود الاتصال بلويس عوض مجدداً العرض، ومحاولاً نصحه أن يتغلب على أحزانه ويعود إلى فنه وجمهوره ويبدأ من جديد. لكن لويس أسمعه المزيد من الشتائم، وهدده بإبلاغ البوليس إن استمر في إزعاجه.



{بالطو} حمدي وعشاء أم كلثوم



وكان كامل مستشاراً عاطفياً لبليغ حمدي، الملحن الشهير جداً، والذي كان رفيقاً دائماً في السهرات. وحين بدأت العلاقة العاطفية بين بليغ ووردة الجزائرية، كان يشكو من تشدد شقيق المطربة، وحضوره الدائم في كل لقاءاتهما، ما يمنعه من الانفراد بها أو الإفصاح عما بداخله نحوها. حتى في تلك اللقاءات التي كانت تجمعهما للتدريب على لحن جديد كان الشقيق يفرض نفسه. ونصحه كامل أن يرتدي {بالطو} كلما التقى وردة، وأن يكتب خطاباته الغرامية لها ويضعها في الجيب، وكانت وردة تمد يدها، وتأخذ الخطاب، وتضع في الجيب الآخر خطابها.

وحدث أن كان سهراناً بصحبة محمد عبد الوهاب وعدد آخر من الموسيقيين والمطربين من بينهم عبد الغني السيد، فدخل عليهم مطرب شعبي كان في الأصل أحد أفراد تخت عبد الوهاب، وكان مخموراً، فأخذ يهجو الموسيقار ويسبه، فغرق في الحرج وعجز عن الرد بما عُرف عنه من افتقاره لملكات الهجوم العلني على خصومه. فتصدى كامل للرد عليه، وهذه المرة هجاه بشعر ارتجله من وحي اللحظة، فأغرق الحاضرين جميعاً في ضحك مجلجل، فقال في هذا المطرب المغمور:



ما أصعبه

ما أرهبه


ما أعجبه

ما أغربه

يا ليت إنساناً بمد الكف

كان هذبه

وعلى الرصيف وضبه

وشده واغتصبه

ونال منه مأربه.



وعندما اشترى الكاتب الصحافي يوسف الشريف سيارة صغيرة، قال له كامل:

- {والله ربنا رحمك يا يوسف... بدل ما تزق عربية بليغ... تزق لحسابك}.

وبمناسبة السيارات كانت للمصور الصحافي منير فريد سيارة قديمة كثيرة الأعطال، وجاء من يشتريها في حضور كامل، فقال منير فريد للمشتري إنها لم تعمل سوى أربعة آلاف كيلو متر، فسارع كامل بالتدخل في الحديث قائلاً:

- {هذا صحيح... حتى بالأمارة أنا زقيت منهم ألفين كيلو}.

وكان الشاعر أحمد رامي لا يملك هاتفاً في منزله، وكلما سأله أحد لماذا لا يحصل على واحد، يقول:

- {قدمت طلباً لمصلحة التليفونات منذ عشر سنوات ولم ترد، ويبدو أن المصلحة تفضل عدم إزعاجه بالمكالمات حتى يتفرغ لكتابة الأغاني لأم كلثوم}.

لكن كامل كان عنده تفسير آخر، حيث قال إنه يخشى أن تكلمه أم كلثوم في الهاتف ويرد عليها أمام زوجته، فتظن أن {الست} متيمة بزوجها، وقال في ذلك قولته الساخرة الشهيرة:

- {تاريخ الشعر سيذكر أن شاعرين فقط لم يدخل بيتهما الهاتف... امرؤ القيس وأحمد رامي}.

وخلال خوضه معركة الشعر الجديد مع الجيل الأحدث الذي تحرر تماماً من السجع والتفاعيل، دخل في سجال مع الشاعر الشاب وقتها أحمد عبد المعطي حجازي، وكان يسخر من صلعته، وسماه {أصلع غرناطة}.وكان يجاوره صحافي في جريدة {الجمهورية} يخرج صوته من الأنف فسماه {أخنف نوتردام}. وكان له صديق دائم الخطبة ثم فسخ الخطبة، فسماه {إسماعيل الفسخاني}. وسمى كاتباً يسارياً كان دائم الكتابة عن الفقراء والعدالة رغم ثرائه وامتلاكه الكثير {البارون الاشتراكي}. وقال عن الممثل سعيد أبو بكر:

- {دخلت عليه غرفته بمسرح الأزبكية فضبطته بيحوش}.

وذهب مع صديقه الشاعر عبد الحميد الديب إلى عزاء، وهما بعد لم يخلعا الزي الأزهري، وكان العزاء في قرية بجوار القاهرة، ويحضره عدد كبير من الأزهريين، والجو شديد الحرارة، وكان {الديب} من ظرفاء عصره، فجلس وكامل يتأملان العمائم وهما يضحكان ضحكاً مكتوماً، ثم مال عليه كامل وكأنه يلقنه شيئاً، وفجأة صاح الديب في المعزين، بحديث مزعوم عن الرسول (صلى الله عليه وسلم)..

ورغم أن غالبية الحضور أزهريون، إلا أنهم سمعوا {الحديث المزعوم} وصلوا على النبي، ثم حلوا عمائمهم، بعدما بدأ كامل بحلها استجابة لدعوة الديب. لكن شيخاً عجوزاً انتبه فجأة بعدما حل عمامته، فصرخ في الناس أن يعيدوا العمائم، وأخبرهم أن الحديث غير صحيح، فغضب المعزون وانهالوا على الديب ضرباً، فيما أظهر كامل أنه لا يعرفه.

وفي ليلة ذات صيف، قرر أن يدعو أم كلثوم وعبد الوهاب ومجموعة من الأصدقاء على العشاء في فندق {مينا هاوس}، وهناك وجد المطعم أغلق أبوابه مبكراً، وصار موقفاً محرجاً أمام ضيوفه، وسخرت منه أم كلثوم، وكانت الوحيدة التي تقدر عليه. لكنه في تلك اللحظات شاهد عمال مطعم شهير يحملون خروفاً محشواً بالمكسرات، ويدخلون به الفندق، تحرى عن الأمر سريعاً، فعرف أن المطرب محمد أمين يقضي شهر العسل في الفندق بعد زواجه من الفنانة الشهيرة مديحة يسري، فسارع كامل إلى إعلان أن العزومة قائمة، معلناً انتصاره على أم كلثوم، وقال لضيوفه إن الفندق طلب الطعام من الخارج، بسبب الإصلاحات في مطعمه.

وصحب كامل ضيوفه إلى الدور العلوي، حيث جناح مديحة يسري وزوجها، وظن الزوجان أن هذه الكوكبة جاءت لتبارك لهما الزواج، فرحبوا بالجميع، وتقاسموا الخروف، وكانت سهرة رائعة غنى فيها عبد الوهاب وأم كلثوم، وكان الزوجان في غاية السعادة.



تقليد الأصوات



وكان كامل يجيد تقليد الأصوات، واستغل موهبته تلك في تدبير بعض المقالب وبعض المصالحات، أشهرها خلاف كبير نشب بين الكاتبين الكبيرين وقتها توفيق دياب وعبدالقادر حمزة، تطور إلى المحاكم وفضح الأسرار الخاصة، فاتصل ذات ليلة بعبدالقادر حمزة مُقلداً صوت توفيق دياب، وأبدى توفيق المزيف الندم والاعتذار عما بدر منه، وبكى حمزة من التأثر، وبكى كامل بطريقة بكاء توفيق، ثم عاود الكرة وتقمص صوت عبد القادر حمزة واتصل بتوفيق دياب مبدياً ذات الندم والاعتذار. وفي صباح اليوم التالي كان الكاتبان يتحادثان ويعلنان انتهاء خلافهما وكل منهما يعتقد أن الآخر من بادر بالاعتذار.

وخلال صيف ما في {رأس البر} وجد جاره القاضي، يضرب خادمته الصغيرة بعنف، فقرر أن ينتقم منها، وكانت لهذا القاضي ميول وفدية، وكان الملك فاروق قد دعا مصطفى النحاس باشا، زعيم الوفد، لتشكيل الحكومة، فتقمص كامل صوت فؤاد باشا سراج الدين، سكرتير عام الحزب، واتصل بجاره القاضي، وأخبره أن النحاس باشا اختاره ليكون وزيراً للعدل، وعليه أن يمثل في قصر عابدين صباحاً بزي التشريفة ليحلف اليمين أمام الملك.

استأجر القاضي بدلة التشريفة، وأذاع الخبر على كل أهله وأصدقائه ومعارفه، وذهب لقصر عابدين، ووجد النحاس وسراج الدين وباقي الوزراء وسلم عليهم بحرارة وهم يتعجبون من وجوده. وحين جاء موعد الدخول إلى قاعة حلف اليمين حاول الدخول، فناداه النحاس باشا وعنفه بشدة على وجوده، وكاد يضربه بعصاه، والرجل يحاول إفهامهم أنه تم الاتصال به ليكون وزير العدل. لكن الجميع استقبل حديثه بالسخرية والضحك وتم طرده من القصر.

ومرة جاءه رجل ريفي يدعى حسين العجيزي، يطلب منه التدخل باعتباره صحافياً معروفاً ومعه البكوية، لإعفاء نجليه من التجنيد، وحاول كامل إقناعه أن ذلك لم يعد يحدث لا بالوساطة ولا حتى بدفع الرشاوى ولكن دون جدوى، فاضطر إلى أن يخبره أنه سيكلم له حيدر باشا، وزير الحربية.

وبالفعل تحدث كامل إلى الباشا، لكن بصوت هذا الرجل أكثر من مرة، وقال لخادمه إنه يريده في أمر خطير، فأيقظوه، وعندها قال له:

- {أنا حسين العجيزي، وعندي ولدان محبوسان، واحد في القاهرة والثاني في الإسكندرية، وأريد جمع شملهما في سجن واحد}.

كان حيدر باشا ضابطاً صارماً، استمع إلى المكالمة وأغلق الخط. لكن كامل طارده في كل مكان بالاتصالات على أنه حسين العجيزي، حتى طلبه مرة على هاتفه المباشر الخاص جداً، وعنفه جداً، وقال له كلاماً قاسياً عن أن الوزراء هم خدام المواطنين، وأنه لا يصلح وزيراً، وأنه سيأتي إلى مكتبه غداً في العاشرة صباحاً، فإما أن ينجز له طلبه، أو لن يسلم من غضبه.

وجاء الرجل يسأل كامل عمَّا فعل، فقال له إنه رتب له موعداً مع حيدر باشا شخصياً غداً في العاشرة صباحاً، فذهب الرجل في اليوم التالي في الموعد المحدد، وبمجرد أن ذكر اسمه، حتى قبض عليه أمن الوزارة وأوسعوه ضرباً بأوامر مباشرة من وزير الحربية.

وحين كان رئيساً لتحرير جريدة {الجمهورية}، لاحظ أن محرراً ما يستسهل الحصول على البيانات الرسمية، ولا يجلب أخباراً مهمة فيها جهد بحثي، فأراد أن يستحثه، فاستدعاه مرة، وقال له:

- {طبعاً أنت تعرف أن الأديب الروسي الكبير تولستوي هو رئيس المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي}.

رد المحرر:

- {طبعاً يا فندم... هو مؤلف الحب والسلام، أنا شاهدت الفيلم}.

اطمأن كامل إلى ضحالة معلومات المحرر، فالرجل مؤلف {الحرب والسلام}، وهو يختلط عليه اسم الرواية، ولم يتوقف بأي شكل من الدهشة أو الإنكار أمام المعلومة المغلوطة حول تولى تولستوي سكرتارية الحزب الشيوعي، وهو الذي تُوفي قبل الثورة البلشفية وتأسيس الاتحاد السوفياتي من الأساس. لكن ذلك دفع كامل إلى المضي في مقلبه، فقال لمحرره إن تولستوي هنا في القاهرة على رأس وفد سوفياتي لإجراء مباحثات خطيرة، وعليه أن يعرف التفاصيل ويجري معه حواراً.

ذهب المحرر إلى وزارة الخارجية ليسأل، فقيل له إنه لم يحضر وفد سوفياتي، فظن أنهم لا يرغبون في التعاون معه، فذهب للرئاسة، وطلب من صلاح الشاهد، كبير الأمناء في القصر الجمهوري، مساعدته في عمل حوار مع تولستوي، وصارت قصته مثار سخرية الجميع في الرئاسة والخارجية وفي أوساط الصحافيين. حتى إن هذا المحرر حضر لقاء مع الرئيس جمال عبد الناصر، وبمجرد أن تحدث ضحك عبد الناصر وهو يقول له:

- {أنت بتاع تولستوي}.

وضجت القاعة بالضحك.

كامل الشناوي ... شاعر الليل (15) ... رسائل الحب والحياة


{جرأتي راحت

... ولا أعرف أين

بسمتي ضاعت

... ودمعي بين بين

الهوى خجلان

.... رامي الوجنتين

وحنيني لك

... مكتوف اليدين

أنا لا أشكو

... ففي الشكوى انحناء

وأنا...

نبض عروقي كبرياء}

دخل كامل الشناوي عامه السابع والخمسين كما يدخل الكهل شيخوخته، تكاثرت عليه الأمراض، وساعدها على ذلك بنمط حياته الموغل في الفوضى والسهر والنهم للطعام دون تقدير عواقب، مرة من وعكة كبرى واثنتين، وغادر سريرا في مستشفى ليستقر في سرير من دون جدوى، ليس من العلاج، لكن من سلوكه الذي لم يحتم به جسده الذي كانت الصدمة الكبرى أنه يعاني من {السكر والكبد والالتهاب الرئوي وتسمم الدم}، وكان يقول لأصدقائه:

- {قال لي طبيبي إن نسبة السكر في دمي قد ارتفعت بصورة تدعوني إلى الحيطة والحذر، وأخذت منه قائمة الأدوية، وأحسست وأنا أضعها في جيبي أن رصيدي من الأدوية قد تضخم، وهكذا أصبح لي رصيدان بلغا الضخامة والجسامة أقصى الحدود... رصيدي من الأدوية... ورصيدي من الديون}.

ورغم ذلك كله ظل يسرف في الممنوعات من طعام وسهر ومجهود يصاحب كل هذا، مع عدم قدرته على الالتزام ببرنامج يحتوي الآثار السلبية لبدانته، ويقلل وزنه. وقبل عيد ميلاده الأخير، غافل أصدقاءه الذين كانوا يجهزون للاحتفال، دخل المستشفى، وتحلق الأصدقاء حول سريره، وكان من بينهم محمد عبد الوهاب وزوجته نهلة القدسي التي وعدت كامل بأن تنظم له سهرة بديعة للاحتفال بعيد ميلاده بعد شفائه، وأن تدعو كل أصدقائه، فرد الشاعر الممد على سرير المرض:

- {هذه المرة سيطول الرقاد}

نجاة كامل

اختفت صفحته التي كان يحررها في جريدة {الأخبار}، وحلّ محلها تقرير خبري كبير تحت عنوان:

- {نجا كامل الشناوي من الموت بمعجزة... قال المفتي: كان الأمل واحدا في الألف}.

و}المفتي} هو الدكتور أنور المفتي الطبيب الشهير وقتها، ونقلت القصة أن كامل الشناوي يرقد الآن في حجرة بمستشفى {قصر العيني}، بعدما اجتاز مرحلة الخطورة... إنه لا يعلم حتى الآن كيف فتح عينيه، ليجد نفسه محاطا بالأطباء وأحدث الأجهزة العلمية، ثم يسأل: أين أنا؟ ثم يستنتج أنه في المستشفى، ثم يسأل لماذا جاء إلى {قصر العيني؟} وكيف جاء؟

يجد حوله أصدقاءه من كبار نجوم الغناء والموسيقى والشعر والأدب والصحافة، مصطفى أمين لا يطلب من المحررين خبراً جديداً، لكنه يطلب منهم البحث عن أنبوبة أوكسجين... الدكتور أنور المفتي الذي يعرف حالة الشناوي جيدا هو الذي طلب ذلك، وإحسان عبد القدوس لا يعرف ماذا يفعل، وعبد الحليم حافظ يقف مرتبكاً، ومحمد حسنين هيكل لا يرفع يده عن إدارة قرص التليفون لتوصيله بكل المسؤولين، وبعدها يذهب إلى المستشفى، وعندما يرى الشناوييبكي من شدة التأثر... وهو بين حين وآخر يتحدث وكأنه يسارع بتأكيد معنى لحياته:

- {أنا لا أخشى آخرتي... لأنني أتصورها أكثر جمالاً وفناً وخيراً وحقاً من الدنيا، لقد كنت في شبابي أتهيب لقاء الله، لأنه لم يكن عندي من مؤهلات اللقاء ما يشجعني على أن ألقاه، كان إيماني شعوراً فقط، وقد أصبحت بحمد الله جديراً بأن ألقى ربي في كل لحظة، فأنا أؤمن به بفهم... وأفهمه بإيمان}.

الحب والحياة

وقبل أن يكتمل العام 1965، كان يلقى ربه، تاركاً تجربة عريضة وواسعة كشاعر وصحافي وفنان ومفكر وفيلسوف وإنسان، تراثه وثروته في كلماته ورسائله وأسئلته عن الوجود والحب والحياة.

قال كامل الشناوي:

- لماذا استشعر الكآبة دائماً... لماذا أحس احتراقاً يلهبني ويكويني، كلما فكرت وحدي، وما أكثر ما أفكر وحدي، لقد ظننت أن سر ما أعانيه هو هذا الصراع الطبيعي القائم في كياننا نحن البشر، الصراع بين الجسد والروح. الجسد يحاول أن يقهر الروح، والروح تحاول أن تقهر الجسد، وكل الناس مثلي في هذا الصراع، ولعلي في ذلك أسعد حظاً من غيري، فقد استطعت بحكم السن والمرض ودمامة الشكل، أن أعقد هدنة بين جسدي وروحي، وما أقل الذين استطاعوا ذلك.

- الناس جميعاً يتمنون أن تطول أعمارهم، هذه هي القاعدة، وقد يشذ عنها بعض المفكرين والفلاسفة وهواة الانتحار، ولست والحمد لله واحداً من هؤلاء، ومع ذلك فإني كثيرا ما أتساءل: هل طول العمر نعمة أم عقوبة؟ الموت ليس مشكلة... الحياة هي المشكلة.

- إنني أحب الجمال ولو تحول إلى خنجر يسكن ضلوعي، يجول فيها، ويتلوى ويقفز، أحبه في فكرة، كلمة، لوحة، نظرة، إشارة، شروق، ضباب، حقيقة، خيال، بحر هائج، رياح عنيفة، نسيم ضعيف، نغمة تنساب من حنجرة، آلة موسيقية، أو... كعب حذاء.

- أحياناً تنتابني حيرة لا أستطيع معها أن أحزن أو أفرح... لأن الأيام التي تنقضي من عمري تزيد من سني، وتجربتي، وثقافتي، وانفعالي بالجمال، فكيف أحزن على النقص، ولا أفرح بالزيادة... إنني دائماً زائد وناقص.

- هل ألعنها أو ألعن الزمن؟ كانت تتخاطفها الأعين فصارت تتخاطفها الأيدي، إنها كالدنيا... لا تبقى ولا تتجدد إلا إذا خرج من حياتها ناس، ما أكثر الذين شهدتهم وهم يغادرون، وما أكثر المواليد الذين رأيتهم وهم يطرقون بابها.

- افهميني على حقيقتي، إنني لا أجري وراءك، ولكني أجرى وراء دموعي، وأنفاسي، وخلجات نفسي، أريد أن أستردها بعد ما خسرته على مائدة الحب. تماماً كما يفعل المقامر الذي يخسر أمواله، ويبرر خسارته بسوء الحظ، ولا يخطر بباله أن من يلعب معهم لصوص، وأنهم كلما لاعبوه تضاعفت خسارته، العبي مرة ولن أبالي سوء حظي... ولكن لا تسرقيني.

- لماذا تحاولين أن تدمري يأسي منك، بعدما تبدد أملي، إنك لا تريدين لي أن أستريح، لقد أصبح التنكيل بطمأنينتي هواية تمارسينها بخفة وبراعة.

أي خاطر شقي أغراك بأن توقظي تليفوني من غفوته التي استمرت ثلاثة أشهر، لقد أحسست وأنا أستمع إلى صوتك في التليفون، إنك تحرقينني بنبراتك التي تشعل النار في مشاعري كلما سمعتها أو تذكرتها... ولكنك لن تستطيعي أن تحرقي قلبي، فلقد احترق ولم يبق منه إلا الرماد.

دعي تليفوني... إنك لا تديرين أرقاماً، ولكنك تديرين رأسي وتلهبينه... هل تريدين بعدما أحرقت قلبي، أن تحرقي رأسي أيضاً؟

ترفقي يا طفلتي... يا حبيبتي... يا حريقي.

- حبيبتي... اغفري لي هذه الحماقات... اغفري لي حبي ووفائي، واصفحي عن قلبي المسكين، فقد أحب بلا قصد ولا عمد ولا سبق إصرار، وانسي كل التفاهات الكثيرة التي طالما خدشت بها أذنيك معبراً عن ألمي وغيرتي. فما كان لي أن أتألم، ولا أن أغار، وما كان لي أن أدع شعوري بالألم والغيرة يطرق سمعك الرقيق الذي ما تعود غير كلمات الرياء والثناء الخادع.

لا تظني بي السوء، فما كنت سيئاً ولا شريراً... كل ما هنالك إني أردت أن أرفع روحي إلى سمائك فوجدتني في الهاوية، ولست أدري هل أخطأت الطريق إلى السماء فهويت، أم أنك لم تكوني قط في السماء؟

- حبيبتي... إني أكاد أفنى فيك خجلاً وحياء كلما تذكرت كلمات الطهر والبراءة والقداسة التي أتعبتها من طوال ما مرت بشفتي، ولم تستطع الكلمات ولم تستطع شفتاي أن تجعلها تتجاوز فمي إلى أذنيك... لقد كنت أطمع أن أكون في مكان الإعزاز من نفسك، واخجلتاه من هذا الغرور، ولكن يعزيني أنه لم يدم طويلاً، فلقد عرفت في وقت قصير أني لن أكون في هذا المكان، لا لأنه لا يوجد في قلبك، بل لأن قلبك ليس له وجود.

- حبيبتي... ما أكبر حزني، لقد تخيلت أن هذه الابتسامات، وهذا الحنان، وهذه الرقة تخصيني بها وحدي، ولم أدرك أنها صورة معروضة أمام جميع الأنظار، وكتاب منشور للقراء، أنت كالوردة لا تضن بعبيرها على من يزرعها في حديقته، ولا على من يسرقها من حديقة الجيران.

طالما اتهمتك بالدهاء في المعاملة ولباقة التصرف وكياسة السلوك، أبداً لست كذلك... إنما أنت دمية جميلة صنعت هكذا ولا حيلة لها في نفسها، ولا ضير عليك، وإنما الضير على أولئك الذين ظنوك مخلوقاً يحس ويعقل... ولكن كيف لا تكونين دمية؟ وهذا الجمال كله، أيكون من صنع بشر؟ أأنت من صنع إنسان؟

كلا بل خلقك الله كما خلق الشيطان والأفعى... ولقد أحببت من أجلك كل شيطان وأفعى، ولست آسفاً... والحزن الذي سيطر على نفسي، سأعرف كيف أمسحه بدموعي.

- حبيبتي... لقد أحببتك من قلبي، وكرهتني من قلبك. منحتك دمي ووقتي وعقلي، ثم كشفت لك صدري لأتلقى أوسمة رضاك، فرشقت مكان الأوسمة سهاماً مسمومة... لقد فتحت لك ذراعي لتملئي بوفائك ما بينهما من فراغ، فإذا أنت تملئين هذا الفراغ غدراً وحقدا.

- حبيبتي... كيف بكيت من عتابي؟


لأول مرة في حياتي أرى القسوة تبكي. أذهلني أن أرى الروح الكثيفة تستشف الألم وتتأثر.

لعلك مظلومة، ولكن لماذا تلجئين للصمت وراء الدموع؟

لماذا لا تتكلمين؟ فربما قاومت الأقدار التي كتبت لك الغدر، وكتبت لي الوفاء.

أصارحك بأني ضعفت أمام دموعك... ضعفت أنا وبقيت المشكلة قوية كما هي... بل أقوى.

- حبيبتي... أتعجبين حقاً من أنني أعيد سماعة التليفون إلى مكانها بمجرد الاستماع إلى صوتك...

ألا تعرفين السبب؟

إذن فلأصارحك... فما زلت على خطتك الهابطة وأسلوبك الملتوي... إنني أسمع صوتك فيخيل لي أنك تخاطبين شخصاً آخر، لا صدق ولا عاطفة، بل لا صوت، وإنما هي أصداء حديدية في آلة من حديد.

- حبيبتي... التي عذبتني سنين وسنين، إنك تفكرين بعقلك، ولا أدري هل أنت ذكية أم غبية، كل ما أدريه أن عقلك كبير وشرير، فهو يريد أن يجعل من القيم والمعاني طريقاً تدوسينه بقدميك الرشيقتين، وتصلين به إلى غايتك.

وما هي هذه الغاية؟ أن يحبك الناس جميعاً... وأن تكرهيهم جميعاً، صدقيني إنني لا أغار إلا من إنسان تخصينه بحبك... وأنت لا تخصين بالحب إلا ذاتك.... فهل أغار منك؟

صدقيني... لا.

- إن الحب مثل القانون، يحمي البرئ ويتعقب المجرم، وقد كان يحميك فأصبح يتعقبك... تعالي... لا تخافي أن تذكريني بالماضي... إنني عندما أراك لا أغوص في أيام ذهبت، ولكني أتسلق ما بقي لي من أيام.

ليس في حياتي ماض وحاضر ومستقبل، حياتنا فترة واحدة هي الماضي، الأمس مضى واليوم يمضي وغداً سيمضي، تعالي ولا تترددي فلم يبق من عمري ما يسمح بأن تترددي.

- إن قلبي لا يطيق أن يتسكع في ضلوعه بلا عمل، ولذلك فهو حريص على ألا يعتزل الحب، حتى لا يتعرض للبطالة... دائماً في مشاعري همس جديد، لذيذ، غامض، أحاول أن أتبينه، فتحجبه عنى ثرثرة التجارب وفضول الذكريات.

- هي كتمثال من ظلال وأحاسيس، وأضواء تفننت الطبيعة في صنعه، وبعدما دارت حوله، واطمأنت إلى روعته، أزاحت عنه الستار، لتفتن الناس بجماله وبالقدرة التي صنعته. ما لهذا التمثال الرقيق لا يكتفي بالوقوف أمام عيني، إنه يتحرك في مشاعري يهزها، ويثيرها فأهيم به، ولكني لا أستطيع أن أوجه إليه كلمة من كلمات الغزل، إن المؤمنين بالله يحبونه ويحبون جميل صنعه، وقد أصبحت في سن لا تسمح لي بغير الإيمان}.

- تمهلي أيتها الأيام، لا تدفعيني في طريقك بهذه السرعة المجنونة، إنني لا أجري ولا أمشي، ولكني أحفر بخطواتي القبر الذي سيضمني.

- ما أشبه طريق حياتي ببيتي، نصفه مفروش والنصف الآخر خال من الأثاث، أتلفت ورائي فأجد الأيام تغطي طريقي. وأنظر أمامي فأرى الطريق عارياً إلا من يوم أراه ويوم لا أكاد أراه.

يا شقوتي من طريقي... يثير خوفي كلما تقدمت خطوة، ولا أستطيع أن أرجع إلى الوراء فهذا محال.

هل أقف مكاني وأتجمد حتى لا أصل إلى العراء الذي ينتشر كالظلال القاتمة؟ إن الوقوف والتجمد كليهما موت، وأنا لا أخاف الموت لكنني لا أسعى إليه.

- أيها الليل، يا حبيبي... ألم يعد لنا مكان نلتقي فيه إلا غرفة نومي؟ أين الشوارع والملاهي والفنادق؟ أخرجني من بيت كما كنا نفعل أيام الشباب، واسهر معي حتى أرى أصدقاء عمري، السحر والفجر والصباح.

أيها الليل، يا حبيبي... اترك عناء نومي للنهار.

- قفي أيتها الأيام... إنك لا تقطعين طريقاً، ولكن تقطعين عمري، استريحي وأريحيني، فقد ظللنا نجري معاً أكثر من بضعة وخمسين عاماً... ولكن كيف نتوقف عن المشي؟ إن معنى ذلك أن نموت، وأنا أتشبث بحياتي، وهي مهما ترهقني... أحبها، إننا نبكي منها، وإذا هددتنا بالتخلي عنا، بكينا على أنفسنا.

ما أعجب العمر... إنه الشيء الوحيد الذي إذا زاد نقص.

- أصبحت ساعتي مثلي، أصابتها الشيخوخة، فقدت توازنها، تريد أن تسير فنقف، تحولت دقاتها المنتظمة إلى سعال متقطع... كل يوم يبذل الساعاتي معها، ما يبذله الطبيب معي، ولكن الزمن أقوى من الساعاتي... ومن الطبيب.

حاولت التخلص منها، فماذا أصنع بها؟

آه من يوم أرى فيه الناس يحاولون التخلص مني... لأني أصبحت مثل ساعتي.

- إذا كانت الحياة حقيقة، والموت حقيقة، فأين نحن البشر من الحقيقتين؟

هل نحن أحياء ننتظر الموت؟ هل نحن موتى تركنا مرحلة الحياة؟

ولكن... لماذا نسأل عما لا جدوى في أن نجهله أو لا نجهله؟

ليتني أعجز عن استخدام هذه الكلمات {لماذا، كيف، فيم، علام} فإنها شواكيش تطرق رأسي كلما حاولت أن أعرف من أنا؟ ومن أين؟ وإلى أين؟

- أفكاري التي تؤرقني تتمنى أن تغفو على وسادة... إننا في حاجة إلى كل الناس، حتى لو كان إنساناً تافهاً أو أحمق، إن الناس هم الأردية التي نلبسها في الحياة، فبينهم رابطة العنق التي تزين الصدر، وبينهم الحذاء الذي يحمي القدمين من الحفاء.

- أمضيت يومي كله وحدي، أردت أن أجرب... هل يستطيع الإنسان أن يعيش بلا ناس، قرأت كتاباً وسمعت أغاني، وموسيقى، ولكني لم أتصل بأحد ولم يتصل بي أحد، خيل إليّ وأنا هكذا وحدي، إني مريض أتولى بنفسي زيارة نفسي، ولم أشأ أن أثقل على المريض بالزيارة الطويلة، فغادرت البيت... واختلطت بالناس.

- إن التجارب علمتني أن المرض مثل العمر، سر غامض، وقد عرفت أناساً كانوا يأكلون بنهم ولم يمرضوا، وأناساً كانوا يأكلون بحذر وظلوا طوال حياتهم مرضى. وأنا لا أحشى الموت فقد واجهت ما هو أصعب منه... الحياة نفسها.

- ما دام الموت يتعقب حياتنا، وما دمنا لا نعرف من نحن... فإن المجانين وحدهم هم الذين يضحكون للحياة.

ويا لها من بلاهة... أن نطمئن على المريض وهو بين يدي الأطباء، ونخاف عليه إذا أصبح بين يدي الله.

- لا أدري... هل أشعر بالانقباض لأني أعزي في ميت أو لأني أشعر بأن المقعد الذي أجلس عليه لأعزي اليوم، سيجلس عليه غيري غداً ليعزي أهلي في موتي.

الموت

ولكن كيف نفكر في الموت وما زلنا أحياء؟ وهل نستطيع أن نفكر فيه بعد ما نصبح موتى؟

إن العقلاء هم الذين لا يفكرون في الموت... وعبثاً أحاول أن أكون واحداً من العقلاء.

- أحب أن يقرأ الجميع كتاباً ألفته... فما بالك بهذا الكتاب الضخم الفخم الذي ألفه الله وسماه الدنيا... هل يسر الله ألا يقرأه أحد بحجة أنه ناسك أو زاهد أو راهب؟ إن من يظنون ذلك يعانون أمية في الإيمان.

- البشر كالأنبياء... والفرق بينهما أن الأنبياء معصومون من الخطأ... أما البشر فمعصومون من الصواب... والدنيا تتسع لمن يغمضون قلوبهم وعيونهم ويغلقون آذانهم وعقولهم... ولكن الآخرة لن تتسع لهؤلاء أبداً، فما جدوى أن يبعث في العالم الآخر، من لم يحسوا ما في العالم الأول من عظمة وجمال.



- أنا ابن هذه الدنيا التي خلقها الله، ولم أغمض عنها عيني لأني أدركت عظمة هذا العمل الفني الإلهي... فإذا اختارني لآخرته، فسأكون جديراً بهذه الآخرة، بعدما دخلت تجربة الدنيا ويا لها من تجربة.

- كل ما كان لم يكن... وأنا لم أعد هنا.

#كتاب_كامل_الشناوى_شاعر_الليل
#أحمد_الصاوى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
انتقل الى:  

حفظ البيانات | نسيت كلمة السر؟

حسن بلم | دليل نوسا | برامج نوسا | هوانم نوسا | مكتبة نوسا البحر | سوق نوسا | قصائد ملتهبة | إيروتيكا | ألعاب نوسا